الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الفكر المسيحيّ
(قراءة في رسالة الماجستير للمؤرّخ صباح محسن كاظم)
د. مالك العظماويّ ([1])
المستخلص
يمتاز الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) عن أقرانه بفكره وعدله وشجاعته وورعه وحكمته وسخائه وحلمه وتواضعه، بل في مجمل حياته وقربه من الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). فقد كان مطبقًا تعاليم السّماء بحذافيرها بوصفه مستوعبًا لفكرة السماء وبما جاء به النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وما جاء به جميع الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) طبقاً لما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.
وهو القائل: “لو كشف الغطاء عني ما ازددت يقينًا “والكشف هنا بمعنى الإبانة والإزالة، والغطاء هو ما يستتر به الشيء، واليقين هو الإعتقاد الجازم والثابت والمطابق للواقع”، وهذا هو إيمان علي بن أبي طالب الذي كرس حياته في سبيل الله تعالى حتى أصبح كلّه أيمانًا ويذوب في الله تعالى لتكن أفعاله وحركاته وسكناته لله والى الله وفي سبيل الله. فقد كان يرى جميع الوجود وكل الخلق هو تجلٍ لله الواحد الأحد.
فكان (عليه السلام) يرى أن خلق الله جميعهم متساوون في حق العيش بحرية وكرامة، وقوله لمالك الأشتر: “يا مالك إن الناس صنفان، إما أخ لك في الدّين أو نظير لك في الخلق”، ولعمري أن هذا أدق ميزان للسّلوك البشريّ ما حدا بـ(كوفي عنان) الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق باقتراح أن تكون هناك مداولة قانونية حول (كتاب الإمام علي إلى مالك الأشتر)، وبعد مداولات مطولة، صوتت عليه الدول بأنه أحد مصادر التشريع الدوليّ.
ولهذه الأسباب وغيرها، فقد تأثر الفكر المسيحيّ ذو النظرة الإنسانيّة الشّموليّة بفكر الإمام علي بن أبيّ طالب وصدرت عن المفكرين والفلاسفة والكتاب المسيحيين بحوث ومؤلفات عدّة حول فكره (عليه السلام) كسليمان كتّاني، وبولس سلامة، وجورج جرداق، وغيرهم. وهنا انبرى المؤرخ صباح محسن كاظم لدراسة نماذج من الفكر المسيحيّ، وقد أجاد في تسليط الضوء على أولئك المفكرين وكتب بحثاً يستحق التأمل.
كلمات مفتاحية: علي بن أبي طالب، الفكر المسيحيّ، الكتّاب المسيحيون، جورج جرداق، بولس سلامة، سليمان كتّاني.
Abstract
Imam Ali bin Abi Talib (peace be upon him) is distinguished from his peers by his intellect, justice, courage, piety, wisdom, generosity, forbearance and humility, but in his entire life and his closeness to the Prophet Muhammad (peace and blessings of God be upon him and his family). He was applying the teachings of heaven to the letter in his capacity as absorbing the idea of heaven and what the Prophet Muhammad (peace and blessings of God be upon him and his family) brought and what all the prophets and messengers (peace be upon them) came with according to what came in the Holy Qur’an in the Almighty saying:
﴿قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾
And he said: “If the cover was removed from me, I would not increase in certainty.” {And unveiling here means declaring and removing, and the cover is what conceals a thing, and certainty is the firm and firm belief that conforms to reality}, and this is the faith of Ali bin Abi Talib, who devoted his life to the cause of God Almighty until It all became faith and dissolved in God Almighty, so that his actions, movements and stillnesses be for God, and to God, and for the sake of God. He saw all existence and all creation as a manifestation of the One and Only God.
He (peace be upon him) believed that all of God’s creation are equal in the right to live in freedom and dignity, and he said to Malik al-Ashtar: “Oh Malik, people are of two types, either your brother in religion or your equal in creation.” (Kofi Annan) the former Secretary-General of the United Nations to propose that there be a legal deliberation on (the book of Imam Ali to Malik al-Ashtar), and after lengthy deliberations, the countries voted on it as one of the sources of international legislation.
For these and other reasons, Christian thought with a comprehensive human view was influenced by the thought of Imam Ali bin Abi Talib, and many researches and publications were issued by thinkers, philosophers and Christian writers on his (peace be upon him) thought, such as Suleiman Kittani, Paul Salameh, George Jardaq and others. Christian thought has excelled in shedding light on these thinkers and wrote a research worthy of contemplation.
المقدمة
يحظى فكر الإمام علي (عليه السلام) بأهمّية بالغة لدى الشعراء والأدباء والباحثين المسيحيين لكونه فكرًا عالميًّا وإنسانيًّا شاملًا لا يختص بفئة دون سواها، كيف لا وهو القائل: “وَاللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ…” وهذا لعمريّ من أرقى أنواع التّعبير عن رفض الظلم والوقوف بوجه الظالمين في كل مكان وزمان.
ويحظى الفكر المسيحيّ بأهمية بالغة لدى الكتّاب والباحثين العراقيين والمسلمين بشكل عام، لِما لمسوه من الكتّاب والمفكرين المسيحيين من دقة في المعلومات ورصانة في البحث وصدق في الوقوف على مجريات الأحداث التّاريخيّة بتجرد وتفكير خالٍ من العاطفة والتّعصب.
ومن هنا تأتي أهمّيّة بحث الأستاذ صباح محسن كاظم حول دراسة هذه العلاقة الرّوحيّة – إن صح التّعبير – بين فكر الإمام علي عليه السلام والباحثين المسيحيين التي قدمها البحث كدراسة استقصائيّة للتأريخ الفكري المسيحيّ من خلال دراسة ما كتبه كتّاب مسيحيون كبار في هذا المجال. وعند دراستنا لمنهج الأستاذ صباح محسن كاظم في البحث والتّحقيق والتّدقيق بما كتبه المسيحيون وجدناها دراسة تستحق الوقوف التأمل من قبل طلبة العلم والباحثين، كما جاء بتوصية اللجنة العلمية المكلفة بمناقشة رسالة الماجستير للأستاذ صباح محسن كاظم.
المبحث الأوّل: المؤرخ صباح محسن كما عرفته، تمتد معرفتي بالأستاذ صباح محسن كاظم إلى منتصف السبعينيات من القرن المنصرم، فنحن زملاء دراسة في مرحلة المتوسطة. لقد كان ذا خلق عالٍ وهدوء على غير عادة المراهقين في ذلك الحين، يبتسم – بدماثة خلق رفيع – بوجه كل من يتحدث معه، وكعادته في يومنا هذا. لم أكن ذا صلة مباشرة معه فقد كانت علاقتي بشقيقه الأكبر، ولكنني كنت أنظر إليه بإكبار حينذاك.
توثقت علاقتي به عن طريق صديق مشترك بيننا، إذ إلتقيتهم في بداية التّسعينيات وعرفت من خلال الحديث إنّه – صباح – يريد أن يترك الوظيفة، على الرّغم من الظروف الاقتصاديّة الصّعبة وقتئذ، وينوي الالتحاق بدراسة العلوم الدّينيّة في النّجف الأشرف، وهذه – لعمري – دليل كافٍ على نضوج عقله وطريقة تفكيره السّليم ونقاء روحه، لكني نصحته بعدم التفريط بالوظيفة وبإمكانه تطوير نفسه إن أراد ذلك. وبعدها استمر التّواصل بيننا عن طريق الاحترام المتبادل، إلى أن جاء العام 2013 وشرعت بتأليف كتابي (العشيرة بين الشّريعة والقانون)، وطلبت منه أن يقدم الكتاب وفعلًا فعل، ولم يبخل عليّ بأيّ مشورة أو معلومة في هذا المجال، وأرشدني إلى الجهة التي طبعتُ الكتاب عندها، وأقام لي جلسات وأمسيات عديدة احتفاء بالكتاب. وتوثقت العلاقة بعدها واستمرت بالتطور.
يحاول صباح محسن كاظم جاهدًا تقديم المساعدة للجميع، وكثيرًا ما نراه يمدّ يد العون للآخرين بطلب أو من دون طلب، وأتذكّر أنّه حمل نسخًا من كتابي (التّحديات التي تواجه المرأة في العصر الحديث) إلى وسط العراق وشماله وإلى بلدان عربيّة متعدّدة منها لبنان، والأردن، ومصر خلال زياراته المتكرّرة لها. وحسب اعتقاديّ أنّه متأثّر بسيرة الإمام علي بن أبي طالب ما جعله يختار موضوع رسالته لنيل درجة الماجستير بدراسة الفكر المسيحي وتأثره بفكر الإمام (عليه السلام).
وأخيراً لا بدّ أن نشير إلى أنّ المؤرخ صباح محسن كاظم هو عضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين وعضو اتحاد المؤرخين وعضو نقابة الصحفيين العراقيين، وحاصل على الماجستير برسالته هذه التي أشادت بها لجنة المناقشة وأوصت أن تكون كتابًا منهجيًا يُدرّس في الجامعات اللبنانيّة.
المبحث الثاني: منهجه بالتأليف
يمتلك الأستاذ صباح رؤى ناضجة وأفكارًا نيرة في الكتابة، إذ يمتزج لديه التأريخ بالأدب وبالعكس، كونه حاصلا على الماجستير في علم التاريخ، فهو باحث ويمتلك بحوثًا علميّة رصينة بالإضافة إلى كونه أديبًا وناقدًا وموسوعيًّا. فهو ذو نظرة ثاقبة للأحداث وسلاحه في النّقد ويمتلك سلاسة في الكتابة وسلاحه فيها غزارة الإنتاج في مجالات مختلفة، وله كتاب (الإعلام والأمل الموعود) وهو من الكتب المهمة والمميزة إذ يمزج فيها بين الأدب والتاريخ والنّصوص الّدينيّة المعتبرة والنّظرة الواعيّة في العقيدة، والذي أعيدت طباعته عدة مرات، كما كتب عن الشّعر والمسرح والموسيقى والتاريخ والفنون بأنواعها فضلًا عن كتابته للتأريخ ومن خلال التّوثيق العلميّ والرّصين في ما يدون. وله كثير من البحوث التي شارك فيها وحصد عدة جوائز، بالإضافة إلى تقديمه إلى كثير من الكتب، وكتابة العديد من المقالات في الصحف المحليّة والعربيّة والإلكترونيّة.
على الرّغم من أن اختصاصه في تدوين التاريخ وكتابته، يحاول صباح محسن كاظم أن يمزج بين الأدب والتأريخ، فهو ناقد أدبي وكاتب مميز في تقديم أغلب الكتب التي صدرت في مدينته (النّاصرية) ولأدباء وشعراء كثيرين، فقد كتب تقديم لأول كتاب يصدر لي بأحسن ما يصدر عن ناقد وأديب، وكيفية تعامله الإنسانيّ مع زملائه. وهذا كلّه لم ينسه تخصصه ولم يثنه عن متعة الكتابة فيه، فكانت نتاج ذلك هو مجموعة من المؤلفات التّاريخية تارة والأدبيّة- التاريخية تارة أخرى، كما هو الحال في كتابه (فنارات في الثقافة العراقيّة والعربيّة) وكيف وظف خبرته الطويلة مع النقد الأدبيّ وكتابة التاريخ لأجل طرح أسماء ثقافيّة وأدبيّة بطريقة التّدوين التاريخيّ، وهذا ما يميز صباح محسن كاظم من سواه.
المبحث الثالث: آثاره ومؤلفات
بالإضافة إلى موسوعة فنارات بأجزائها الثلاثة لديه كثير من المؤلفات المطبوعة والمخطوطة التي تنتظر الطبع، فقد كانت باكورة أعماله كتابه المهم: (الإمام علي عليه السلام نموذج الإنسانية)، ثم كتابه الذي لاقى رواجًا كبيرًا وطُبع عدة طبعات: (الإعلام والأمل الموعود). بعدها جاء الكتاب الذي وصل فيه المؤلف إلى النّضوج الفكريّ والأدبيّ ومزج فيه بين التّاريخ والحضارة والآداب: (العلامة التراثيّة في الأزياء السّومريّة رموز وخبايا) وكانت تختبئ في طياته النّظرة الثّاقبة والرؤى التّحليليّة والقدرة على محاكاة الحضارة من خلال البحث العميق في الرموز التّأريخيّة وفكّ شفرتها وقراءة دلالاتها الفكريّة وقيمتها التأريخيّة والثّقافيّة والاجتماعيّة.
ثم صدرت له دراسات تاريخيّة مهمة تحاكي مكانة أهل البيت عليهم السلام وأهمية القيم التي يتمتعون بها ويتميزون من غيرهم من بنيّ البشر: (فاطمة الزهراء والمرأة المعاصرة) و(راهب بنيّ هاشم وسجون الطغاة) و(فلسفة الانتظار والتمهيد للظهور المهدويّ). كما صدر له كتاب (الرّمز والمسرح) وهو من المؤلفات المهمة كونه يدرس رمزية المسرح وأهمّية الدّلالة فيه، ليس من أجل جماليّة الفنون المسرحيّة فحسب، وإنما من أجل تسليط الضوء على الجوانب المضيئة في تاريخ الشّعوب، والعمل على توظيف المسرح – من خلال الرمزية – في الواقع الذي تعيشه الشعوب.
المبحث الرابع: الكتّاب المسيحيون وفكر الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)
يتناول الباحث صباح محسن كاظم جملة من الكتاب المسيحيين الذين كتبوا عن الإمام علي بن أبي طالب، ويرى أن هؤلاء الكتّاب والمفكرين المسيحيين هم خير من كتب عنه (عليه السلام) وذلك بسبب تجردهم من العاطفة. فكثير من الكتّاب المسلمين قد كتبوا عن الإمام علي بن أبي طالب لكنهم لم يصلوا إلى الدّرجة العالية في الصّدق والإخلاص كما هو عليه الحال مع الكتّاب المسيحيين وذلك لأنّ الكتّاب منهم من هو محب غالٍ ومنهم من كان كارهًا أو حاسدًا للإمام (عليه السلام)، عكس تجرد الكتاب والمفكرين المسيحيين وما نتج عنه من كتابة لها مذاق وطعم يستشعره القارئ اللبيب بسهولة ويسر.
لعل أجمل ما كُتب عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، هو ما كتبه معظم الأدباء المسيحيين. لقد تجردوا من العاطفة التي تقف إلى جانب: مع أو ضد، فميزت مؤلفاتهم بالتحليل” العميق لا بالوصف المتكرر”.
لقد تميز الكتاب المسيحيون وتألقوا في ما كتبوه عن الإمام (عليه السلام)، ونتيجة لتحليلهم العميق للأحداث التي رافقت الإمام في حياته، استطاعوا أن يقدموا دراسة الحقبة الزّمنيّة التي عاشها الإمام علي (عليه السلام) على حقيقتها من دون تزييف أو رتوش كما يفعل الآخرون، وهم بكتابتهم الدّقيقة هذه لا يأتون بشيء جديد انما هي الحقائق التي تواترت عن النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وعن أهل بيته (عليهم السلام).
ويصف الباحث صباح محسن كاظم طريقة ولغة الأديب المسيحيّ جورج جرداق بقوله:
“دراسة جورج جرداق استقصاء لمسيرة أمير المؤمنين من الولادة للولادة بصورة أدبيّة مفعمة بالإعجاب والدّنو وتقمص تلك السيرة برؤية معاصرة أي بمعنى مدونة حديثة بالتّعاطي التّاريخيّ لا كالكتب السالفة بالسّيرة، لقد استلهم فيها الرّوح العلويّة السّامقة الشّاهقة بكل معاني الخير والبر”.
وتحدث كمال السيد عن أهمّية ملحمة الغدير لدى بولس سلامة، فإنّه يراها ملحمة حقيقيّة في الأدب العربيّ حيث يقول: “إنّ المواضيع الرئيسة التي تتغنى بها الملحمة هي مشاهد من أمجاد بني هاشم الشريفة والنور الذي أشرق فوق جبل حراء”.
لو أنعمنا النّظر بالإسلوب الرّاقي للأديب بولس سلامة والملحمة العلويّة نجده يستذكر تلك المشاهد والأحداث المهمة التي غيرت مجرى التاريخ، والتي تغنى بها هذا الأديب المسيحيّ الفذ، تلك الملحمة التي تغنى بها أيضًا الشّيعة وعلماؤهم، ومنهم السيد عبد الحسين شرف الدين (صاحب كتاب المراجعات الشهير) الذي كان يخاطب بولس سلامة بقوله: “لله أنت حبيب قلبي وقرة عيني” وهذه الكلمات لعمري ماهي إلا دليلًا على تألق بولس سلامة في ما أبدع، واعتزاز شرف الدين بما سطر سلامة من أبيات خالدات وهو يصف الغدير وكيفية انقلاب الناس لاحقًا. وهذا كله، من المؤكد، نراه في رسالة الاستاذ صباح محسن كاظم مفصلاً، فينقل لنا الأشياء بتفاصيلها في الصفحة 116 وما تلتها من الصفحات، فهو يصف سلامة بقوله:
“نستنتج من تلك الملحمة العلويّة المباركة، أن الجهد التّاريخيّ الأدبيّ الذي وثقه بولس سلامة تعضيدًا، ومساندة، ومؤازرة، وتأييدًا من شاعر مسيحيّ من وطن الأرز والمحبة والتآلف للحق العلويّ”.
ولعل من الأمور التي لا بدّ من الوقوف مليًّا أمامها، هو فوز الكاتب والأديب سليمان كتاني بالمركز الأول في مسابقة التأليف حول الإمام عليّ (عليه السلام) التي نظمتها جماعة العلماء في النّجف الأشرف وذلك في العام 1967، وعلى الرّغم من وجود عدد هائل من الكتَاب المسلمين بشكل عام والشّيعة بشكل خاص، فقد استطاع هذا الكاتب البهي أن يخطف المركز الأول من بين جموع الأدباء والكتاب والمؤرخين، فهو كاتب ثرّ استطاع أنّ يُعبّر عن سيرة الإمام عليّ خير تعبير ويعلق صباح محسن كاظم عن إسلوب وشخصية سليمان كتاني الأديبة قائلًا: “بالطبع يحتاج المؤرخ والأديب الذي كتب بمثل هذا الأسلوب إلى خيال جامح وتصوير للحدث كما حدث”، ويعود المؤرخ صباح محسن كاظم ثانية فيقول: “لقد برع المؤلف – يعني كتاني – في الكتابة التّاريخيّة لأحداث غيرت مسيرة التاريخ العربي.. كما بين بتلك الشرفات الشاهقة، هناك جنبتان تتحكمان بالسلوك البشري: جنبة الخير والأخرى الشرّ، في الثانيّة عمق المأساة الحقيقية” ويستمر الباحث بتفصيل براعة هذا الكاتب والأديب إلى نهاية بحثه إذ ركز على نقطة أساسية مهمة، وهي تجرد الكاتب بإسلوبه الجميل وهو يسرد حكاية طالما إختلف المسلمون عليها وابتعدوا عن حقيقة الأمر وتمسكوا بمواضع الاختلاف فيه.
الاستنتاج
يتضح ممّا تقدّم أهمّيّة هذا البحث الذي تقدم به صباح محسن كاظم كرسالة لنيل شهادة الماجستير، وأهمية الجهد الذي بذله الباحث للوقوف على أهمية الفكر المسيحيّ، ومدى تأثره بفكر الإمام علي (عليه السلام). كما نجد أنّ الباحث قد استعان بكثير من المصادر من أجل أن يعضد بحثه ويضيف له من الرّصانة العلميّة والبحثيّة التي نحن بأمس الحاجة إليها في وقتنا الحاليّ. استطاع صباح محسن كاظم – من خلال بحثه – أن يدرك أمرين مهمين:
الأول: نتيجة لسعة إطلاعه وغزارة معلوماته، فقد قام ببحث ثلاث أدباء مسيحيين في آن معًا وضمّنهم ببحثه هذا، والحقيقة أن كل أديب من هؤلاء الذين ذكروا في البحث يحتاج إلى بحث مخصص بذاته، لكنه استطاع أن يجمعهم ضمن بحثه نتيجة إلمامه وإطلاعه كونه أديبًا كما ذكرنا سابقًا.
الثاني: تمكن من خلال هذا الجهد المثمر والمميز أن يلخص فكرة تأثر المسيحيين بفكر الإمام علي (عليه السلام)، وجعل هذا البحث في متناول الباحثين والدّارسين، وتوفير الجهد والوقت عليهم ليتمكنوا من الحصول على معلومة رصينة بيسر وسهولة، وهنا أنصح الباحثين والكتاب في هذا المضمار أن يجعلوا هذا البحث مصدرًا ونواة لأبحاث أخرى قادمة إن شاء الله. حصل المؤرخ والناقد صباح محسن كاظم ببحثه برسالته العلمية الماجستير بدرجة تفوق ٨٩، وكان رأيّ لجنة المناقشة من العلماء المسيحيين (الدكتور نافذ الأحمر، والدكتور الياس القطّار) والمناقش الثالث الدكتور عليّ قصير أن يصبح كتابًا منهجيًّا لطلبة الماجستير، أو الدكتوراة في التاريخ في الجامعات اللبنانيّة، بعد التصويب النهائيّ.
المراجع
- القرآن الكريم.
- ابن أبي الحديد، نهج البلاغة للإمام عليّ (ع).
- بولس سلامة، عيد الغدير أوّل ملحمة عربيّة.
- حيدر خشّان ياسين، البحث العقائديّ في ضوء القرآن والسنّة.
- شرح كلمات أمير المؤمنين (ع)، المكتبة الشيعيّة، موقع إلكترونيّ.
- صباح محسن كاظم، الإمام عليّ والفكر المسيحيّ.
- صباح محسن كاظم، فنارات في الثقافة العراقيّة والعربيّة.
- كمال السيّد، بولس سلامة شاعر الغدير.
- مالك العظماويّ، العشيرة بين الشريعة والقانون.
[1] – التحصيل العلمي: دكتوراه آداب لغة إنجليزية من الجامعة الحرة الهولندية في العراق eshaqyousif@yahoo.com يعمل الآن المدير التنفيذي لجريدة (الجماهير اليوم) عضو اتّحاد الأدباء والكتاب العراقيّين، كاتب ومؤلّف واعلاميّ، عضو اتّحاد كتاب الإنترنيت العراقيين، عضو مؤسّسة الجماهير للثقافة والإعلام، عضو الاتّحاد العالميّ للمثقّفين العرب فرع العراق عضو اتّحاد الإذاعيّين والتلفزيونيّين.