“وفاء الزّيتون” هي قصّة الوفاء
بقلم الدكتور نبيل أيّوب*
… والوفاء مفتاح قصص هذه المجموعة وظّف االكاتب له السَّرد والوصف والحوار ووالمحاجّة. متوخّيًا دحض آراء، وتصويب موافق، والإقناع بقيم الأرض والقرية والوطن.
قرأت القصص، فطلع من عمقها بعضٌ من صوت ابن المقفع وقصدياته، ومن رومنسيّة جبران وطموح بنفسجته، ومن واقعيّة مارون عبّود وجذور أشجاره، ومن نداءات فؤاد سليمان إلى مَن غرّبهم البحر، ومن منازعات أبي ماضي وسلماه… وتجاوز الكاتب حتّى خيّل إليّ أنّ قصصه مشاهد أو لوحات، وجدل أو مناظرات. كنت أرى إليه أكاديميًّا “جامعيًّا” وها أنا أكتشفه تربويًّا ومقاومًا…
في صوتِ الكاتب “حنين شجرة الوطن” ونداء أغصانها التي بعدما شمخت في سمائه عادت فانحنت تنغرز حول جذعها، جذور الوطن، تحميه من الطامعين… وفيه شوق “أبي فريد” إلى تراب الوطن الذي لا يُنقل ولا يُشرى ولا يُباع. فالكاتب هو “شجرة الزّيتون” التي تموت متى اقتلعت لتُزرع في غيرِ تربتها…
وفي صوته “الوفاء الزّيتون” الذي يعضّ على جرحه فلا يتوسَّل، يقتات من جسده ثماره، ثمّ يردّها أضعافًا… وفيه قناعة أبي عامر متعلّقًا بمحراثه، وأرضه، وحقله، وشجره، وحصاده، مواجهًا ثراء أبي جميل ومطامعه…
وفيه صمود”الصعتر” وعناده، وعطاؤه وتضحياته وتقنّعه (من القناع) بصوت الفقراء الطيّبين بوجه القاهرين.
وفيه عزم “الشاطرة سناء” ومعاناتها، فقد ساءها أن تبثّ أفعى المطامع والجشع سمومها في أهل القرى فتصمّم على قتل الأفعى.
وفيه التنّوع والتّعدّد، ذلك أنّ الحياة تتّسع لأنغام “الصرصور” وسعي “النملة”.
وفيه توازن”السنونوات” وتفاؤلها وإلفتها، وحبّها، وتفهمها بوجه تشاؤم “البوم”… وفيه كدّ البستانيّ “أبي سليم” ونفوره من طفيليي الحياة وضفادعها… وفيه مثابرة البحَّارة، وكدّهم، ومغامراتهم، وأحلامهم، ونفورهم من البِطالة والكسالى… وفيه إباء النّسر وترفّعه، وذكاؤه بوجه ثعالب الناس وغدرهم ومطامعهم…
وفيه أوّلاً وآخرًا نداء المقاوم، وصوت الشّهيد، وتخطيط “عصفور النار” الصامت الصّامد المترفّع الذي يرى إلى موته حياة للآخر وبعثًا للوطن.
وأخيراً، نفتح الكتاب على نداء الفتيان ينغرزون في تراب الوطن حماة له من كلّ معتدٍ، ونقفله على سّر عصفور النار الذي يحرق ضبع الحدود.
هذه القصص شيّقة، ممتعة، تغني المخزون اللغويّ عند الطالب، وتوسّع آفاقه، وتغرس فيه حبّ الوطن والوفاء له ولأرضه وقراه وأهله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ مادّة النقد الأدبيّ، الجامعة اللبنانيّة، كلّيّة الآداب، الفرع الثاني.