التوزيع الجغرافي للمواقع الأثرية في لبنان بإستخدام نظم المعلومات الجغرافية GIS
Geographical distribution of archaeological sites in Lebanon using geographic information systems (GIS).
Ali Hussein Shoumar علي حسين شومر)[1](
Youssef Mohammad Shoumr يوسف محمد شومر([2](
المستخلص
تهدف هذه الورقة البحثيّة الى تتناول التوزيع الجغرافي للمواقع الأثرية في لبنان عبر استخدام نظم المعلومات الجغرافيّة، وإلى توضيح التوزيع الجغرافي للمواقع الأثرية في لبنان، ومن ثمّ تحليل هذا التّوزيع بناءً على عدّة معايير منها: الموقع الجغرافي كإحداثيات الموقع والارتفاع عن سطح البحر، والامتيازات الجغرافيّة لكل موقع، وقرب هذه المواقع بعضها من بعض. جُمِعت البيانات المتعلقة لحوالى 47 موقعًا أثريًّا من مصادر مختلفة أبرزها لائحة التراث العالمي World Heritage List))، واللائحة التّمهيديّة لمواقع التراث العالمي ((Tentative List of the World Heritage، بحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) المعنيّة حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، بالإضافة الى أرشيف مديرية الآثار في وزارة الثقافة. أُدخِلتِ البيانات عبر برنامج نظم المعلومات الجغرافية وتصدير خرائط لتوزيع هذه المواقع. وحُلِّلت التجمعات والكثافات باستخدام أدوات تحليل الكثافة في البرنامج (Kernel Density). خلُصت النتائج الى أنّ المواقع الأثرية تتركز في محافظتي الجنوب وجبل لبنان، وتحديدًا في أقضية: صيدا (6 مواقع)، صور (5 مواقع)، جبيل (4 مواقع) وكذلك البترون (4 مواقع)، كما أنّ هذه المواقع تتركز في المناطق الساحلية تبعًا للعلاقة الوثيقة مع عوامل الطبيعة والطرق. كما خلصت الدراسة الى أهمية إستخدام نظم المعلومات الجغرافية في دراسة وحماية التراث الأثري.
الكلمات المفتاحيّة: المواقع الأثرية – التوزيع الجغرافي – نظم المعلومات الجغرافية – لائحة التراث العالمي – اللائحة التمهيدية لمواقع التراث العالمي.
Abstract
This research paper, which deals with the geographical distribution of archaeological sites in Lebanon through the use of geographic information systems (GIS), aims to clarify the geographical distribution of archaeological sites in Lebanon, and then analyze this distribution based on several criteria, including: geographical location, such as site coordinates and height above sea level, and the geographical advantages of each location, and the proximity of these sites to each other. Data related to about 47 archaeological sites were collected from various sources, most notably the World Heritage List and the Tentative List of the World Heritage sites, according to the United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO), which is concerned with the protection of the world cultural heritage and the natural sites, in addition to the archives of the Directorate General of Antiquities in the Ministry of Culture. The data was entered through a geographical information systems program and maps were exported to distribute these sites. The clusters and densities were also analyzed using the density analysis tools in the program (Kernel Density). The results concluded that the archaeological sites are concentrated in the two governorates, the South and Mount Lebanon, specifically in the districts of: Sidon (6 sites), Tyre (5 sites), Jbeil (4 sites), and Batroun (4 sites). These sites are concentrated in the coastal areas due to the close relationship with natural factors and roads. The study also concluded the importance of using geographic information systems in the study and protection of archaeological heritage.
Keywords: Archaeological sites – geographical distribution – geographic information system – World Heritage List – Tentative List of the World Heritage.
المقدمة
ما لا شك فيه أن نظم المعلومات الجغرافية ” GIS ” شهدت في عصرنا الحالي ثورةً لا مثيل لها، وبالخصوص بعد الصّراع الكبير بين كُبريات الشركات العالمية لتقديم نماذج سريعة وحديثة من الذكاء الاصطناعي (AI)، إذ تغلغلت في المجالات الحياتية كافة، وامتدت تطبيقاتها وخدماتها الى العديد من العلوم الجغرافية وغيرها، كالجيوبولتيك والآثار وعلم الإحصاء والسّياحة والطب خاصة مع انتشار وباء كوفيد – 19 في أنحاء العالم.
تعدُّ السياحة بشكل عام والآثار بشكل خاص، من ركائز الأنظمة الاقتصاديّة لما لها من مردود مالي مرتفع، يُسهم في الكثير من البلدان في تحسين الناتج المحلي وارتفاع الدخل ومستوى المعيشة. وها هو لبنان المتربّع على السّاحل الشرقي للبحر المتوسط، يزخر بالعديد من الآثار والمواقع الأثرية التي قد لا يعرفها الكثير من اللبنانيين، أو أنّهم لم يقصدوها في حياتهم لنقصٍ في المعرفة أو لجهلٍ في أماكن انتشارها.
إشكاليّة الدراسة
لم يحظ توثيق الآثار والمواقع الأثرية في لبنان باستخدام نظم المعلومات الجغرافية بالاهتمام الفعلي المطلوب، إذ إنّ الدّراسات الموجودة في هذا المجال هي دراسات في الأغلب الأعم دراسات وصفيّة جغرافيّة لموقع أو أكثر من المواقع الأثرية. لذا فإنّنا نحاول من خلال هذه الدراسة توثيق المواقع الأثرية في لبنان وتنظيمها من خلال عمل قاعدة بيانات رقميّة، والإجابة على السؤال الرئيس: كيف يمكن استخدام تقنيات نظم المعلومات الجغرافيّة في تحليل أنماط التوزيع الجغرافي للآثار وتصنيفها، وتحديدها ؟ إذ إنّ الآثار تعدُّ من أحد الجوانب الثقافيّة والسياحيّة المهمّة التي على الدولة الاهتمام بها والعمل على تطويرها .
أهميّة الدّراسة
إنّ عملية البحث حول المواقع الأثرية في لبنان لمن الصعوبة بمكان، إذ إننا ما نزال نفتقر الى قواعد بيانات رقميّة وإحصائيّة إذ صحّ التّعبير حول المواقع الأثرية جميعها في لبنان بشكل جماعي، فالموجود هو دراسات جغرافيّة وتاريخيّة لبعض المعالم بشكل إفرادي، أيّ كل معلم على حدا. لذا فإنّ تنفيذ تطبيقات وخدمات نظم المعلومات الجغرافيّة في التعرّف إلى التوزيع الجغرافي للآثار في لبنان والإطلاع عليها، وتقديم نبذة جغرافيّة بسيطة حول المواقع الأثرية المهمّة من أجل أن تصبح هذه المادة في متناول كل من يعنيه الأمر من وزارات، ومؤسسات حكوميّة للاستفادة منها بشكل مبسط وسهل، هو الدّافع الأساسي لهذه الورقة البحثيّة على أمل أن نتمكن في المستقبل القريب من تحويل هذه المعطيات الى تطبيق إلكتروني يُحمَّل على الهواتف الذكيّة تماشيًا مع متطلبات الثورة الالكترونيّة وتسهيلًا لكل المستفيدين للاطلاع على أماكن انتشار المواقع الأثرية في لبنان ما يساهم ولو بشيء يسير في نهوض السّياحة في لبنان.
أهداف الدراسة
تهدف هذه الورقة البحثيّة الى تبيان بعض من أوجه الاستفادة من تطبيقات نظم المعلومات الجغرافيّة (GIS) في عملية تحليل التّوزيع الجغرافي للمواقع الأثرية وإنتاج خرائط ذات عناوين مهمة ومختلفة، بالإضافة الى الإسهام في إنتاج خرئط تفاعليّة، لإطلاع السكان على هذه المواقع الأثرية، وللمساعدة في عملية الحفاظ عليها كموروث ثقافي حضاري، ناهيك عن السعي الى تطوريها وتأهليها لجذب السيّاح والعلماء والمهتمين إليها. بالإضافة الى القدرة على تحليل وتصور التّغيرات الزّمنيّة في التّوزع الجغرافي للآثار، وذلك من خلال مقارنة الخرائط التّفاعليّة عبر الزمن.
المنهجية المتّبعة
اعتمدنا في هذه المقالة على عدّة مناهج، منها المنهج الوصفي والمنهج الكمّي، إذ قمنا بجمع بيانات المواقع الأثرية من خلال لائحة التّراث العالمي World Heritage List))، واللائحة التّمهيديّة لمواقع التراث العالمي ((Tentative List of the World Heritage، بحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) المعنية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، بالإضافة الى أرشيف مديرية الآثار في وزارة الثقافة. وقد شملت البيانات الخصائص المسجلة لكل موقع مع الإحداثيات والمدّة الزمنية ونوع الآثار المتبقيّة وما إلى ذلك. ومن ثمَّ قمنا بإدخال البيانات في قاعدة بيانات ضمن برنامج نظم المعلومات الجغرافية، وقد تضمنت البيانات المعلومات المكانيّة مثل إحداثيات الموقع وكذلك المعلومات الوصفية. وصُدِّرت بعض الخرائط الأساسية والحدود الإداريّة من أجل إيجاد علاقة ما بين العوامل الطبيعيّة وانتشار المواقع الأثرية.
- المواقع الأثرية في لبنان
يُعدُّ لبنان من أبرز الدول التي تمتلك تاريخًا غنيًّا وحافلًا بالحضارة والثقافة، فهو بالإضافة الى موقعه الجغرافي على الساحل الشرقي للبحر المتوسط والذي أدّى دورًا أساسيًا في تعاقب الحضارات القديمة على أراضيه، فإنّ جمال تضاريسه وتنوعها ساعد في انتشار التّجمعات البشرية في مختلف مناطقه. وقد أدّى هذا التوزيع الجغرافي للسكان الى ترك آثار تاريخيّة وأثريّة متفرقة في شتى أنحاء البلاد. إذ شهدت هذه البقعة مرور العديد من الحضارات القديمة. فقد تعاقبت على أرضه حضارات الفينيقيين، الكنعانيين، الآراميين، الرومان، الإسلاميين وغيرهم.. وقد تركت كل من هذه الحضارات آثارًا مهمة تمثل تراثها الحضاري، من معابد وهياكل معمارية ومدن وأبنية وحتى مجمعات سكنية وغيرها.
تتوزع هذه الآثار بكثافة في أنحاء لبنان بكامله، وتوجد العديد منها في المناطق السّاحليّة التي كانت تمثل مراكز حضارية مهمّة لهذه الشّعوب مثل بيروت وطرابلس وجبيل وصيدا وصور. كما تنتشر الآثار في المناطق الداخليّة والجبليّة بكثافة أيضًا مثل مدينة بعلبك وعنجر. تتميز هذه المواقع بالعديد من المعابد القديمة والقلاع والمسارح والبيوت الصخرية والمدافن، وتوفر نافذة فريدة على الحضارات القديمة في لبنان.
- تصنيف الآثار والمواقع الأثرية في لبنان
تُصنَّف الآثار في العالم بشكل عام وفي لبنان بشكل خاص، كجزء مهمٍّ من الجهود الحكوميّة والمجتمعيّة للحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي للبلاد. إذ تهدف جهود تصنيف الآثار في لبنان إلى الحفاظ على المواقع التّاريخيّة والثّقافيّة وتعزيز الوعي بأهميتها لدى السكان المحليين والزائرين الدوليين. تُنظم العديد من الجهات والمؤسسات الحكوميّة وغير الحكوميّة في لبنان حملات للتوعية والحفاظ على الآثار وترويج السياحة الثقافية. تصنّف المواقع الأثرية في لبنان عمومًا إلى فئتين، وهي:
- المواقع الأثرية الأكثر شهرة: تشمل هذه الفئة المواقع التي تحتوي على آثار ذات أهميّة تاريخيّة وثقافيّة كبيرة وتعدُّ تراثًا وطنيًّا، تستحق هذه المواقع الحماية والحفاظ عليها بشكل خاص. عادةً ما تكون هذه المواقع ذات شهرة دولية وتجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم. وهي تشمل قلعة بعلبك الأثرية، قلعة عنجر، مدينة جبيل، مدينة البترون، مدينة صيدا القديمة، مدينة صور، ومدينة طرابلس القديمة وغيرها.
- المواقع الأثرية الأقل شهرة: تشمل هذه الفئة المواقع التي لا تتمتع بالشّهرة الدّوليّة نفسها، والأهمّيّة التاريخيّة المذكورة في المجموعة الأولى. على الرغم من ذلك، فإنّ هذه المواقع ما تزال تحتوي على آثار وتاريخ محلي مهم يستحق الاهتمام والحفاظ عليه. تشمل هذه المواقع مواقع صغيرة أو آثار تاريخيّة في مناطق نائية أو غير معروفة جيدًا.
ولا بد من الالتفات الى أن هذا التصنيف للمواقع الأثرية قد يتغير في بعض الأحيان بناءً على الأبحاث والاكتشافات الجديدة التي تكشف عن معلومات تاريخيّة أو ثقافيّة جديدة. تتعاون الجهات المعنية في لبنان مع الخبراء والمؤسسات الدّوليّة لتقييم وتصنيف المواقع الأثرية وتحديد الأولويات في الحفاظ على التراث الثقافي للبلاد.
ويُمكن تقسيم المواقع الأثرية المهمة التي لها رمزية وطنية وثقافيّة الى فئتين:
أ- الفئة الأولى: وتسمى (Sites inscribed on the world heritage list) أيّ المواقع المُدرجة على لائحة التراث العالمي. وهذه الفئة تحوي 6 مواقع أثرية وهي: قلعة عنجر – قلعة بعلبك – مدينة جبيل – وادي قاديشا – معرض رشيد كرامي الدولي – مدينة صور.
ب- الفئة الثانية: وتسمى (Site on the tentative on the world heritage list) أيّ المواقع المدرجة على القائمة المؤقتة على لائحة التراث العالمي. وهذه الفئة تحوي 9 مواقع أثرية وهي: مدينة البترون – معبد أشمون – معبد منجز – جبل الشيخ – موقع نهر الكلب الأثري – مدينة صيدا – قلاع جبل عامل – مدينة طرابلس القديمة – أثار بلدة أنفه.
- خصائص وميّزات المواقع الأثرية في لبنان
تتميز المواقع الأثرية في لبنان بغناها التراثي وتنوعها الثقافي، إذ تعكس تأثير الحضارات المتعاقبة عبر العصور وتجمع بين التنوع المعماري البارز والجمال الطبيعي الخلاب، إذ يمكن للزوار استكشاف بنى تحتيّة تاريخيّة ومعابد وقلاع وأديرة ومساجد تعكس الأنماط المعمارية المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، تبرز هذه المواقع بوجودها في مناطق تحاكي التنوع الثقافي للبنان، ما يتيح للزوار فرصة اكتشاف التراث الدّيني والتّجربة الثقافيّة المتنوعة التي يقدمها البلد.
أولًا: المواقع المدرجة على لائحة التراث العالمي
1- قلعة عنجر: مدينة من العهد الأموي بُنيت في أوائل القرن الثامن في عهد الوليد بن عبد الملك. وتشكل مدينة عنجر مثالًا بارزًا على تخطيط مدينة الخلافة الأمويّة في القرن الثامن. تقع المدينة في محافظة البقاع، قضاء زحلة على بعد 16 كلم من المدينة، و58 كلم عن بيروت، و45 كلم عن مدينة بعلبك. كشفت التّنقيبات مدينة محصنة محاطة بأسوار ويحيط بها أربعون برجًا بمساحة مستطيلة (385 × 350 م). ووُضِعتِ المباني العامة والخاصة وفق مخطط دقيق، يحتل قصر الخليفة الكبير والمسجد في الحي الجنوبي الشّرقي الجزء الأعلى من الموقع، بينما تقع القصور الصغيرة (الحريم) والحمامات في الجهة الشّماليّة الشّرقيّة لتسهيل عمليّة تفريغ مياه الصرف الصحي. تُوزَّع الوظائف الثانوية وأماكن المعيشة في الأحياء الشّماليّة الغربيّة والجنوبيّة الغربيّة. تدمج هذه الهياكل عناصر زخرفية أو معمارية من العصر الروماني، والجدير بالملاحظة أيضًا الانسيابيّة الاستثنائية للديكور المعاصر داخل المبنى. أُدرجت عنجر على لائحة التراث العالمي سنة 1984.
2- قلعة بعلبك: أُنشئت هذه المدينة على يد الفينيقيين في أوائل العام 2000 قبل الميلاد، بنوا فيها أول هيكل لعبادة إله الشمس “بعل”، ومن هنا حصلت المدينة على اسمها، احتلها الإغريق في العام 331 قبل الميلاد، وغيّروا اسمها إلى “هيليوبوليس” أو “مدينة الشمس”، وفي القرن السادس قبل الميلاد وقعت بعلبك تحت السيطرة الرومانيّة. تقع المدينة في محافظة بعلبك الهرمل على بعد 86 كلم عن مدينة بيروت شرقًا، و37 كلم عن مدينة زحلة. تتألف القلعة من ثلاثة صروح رئيسة هي معبد ” جوبيتير” الكبير، معبد “باخوس” وهو أصغر حجمًا، ومعبد مستدير “فينوس”. يعدُّ معبد ” جوبيتير” من أشهر المعالم الأثرية في قلعة بعلبك، يتأالف من ستة أعمدة يبلغ ارتفاعها 22 مترًا. معبد “باخوس” هو أصغر حجمًا من معبد “جوبيتير” إلّا أنّه الأكثر حفاظًا على ملامحه الأولى التي تعود الى القرن الثاني ميلادي. و يتميز ببوابة عملاقة يبلغ ارتفاعها 13 مترًا. معبد “فينوس” يقع خارج القلعة وداخل الحرم القدسي وكانت زخرفته على شكل صفين من الأعمدة. أُدرجت بعلبك على لائحة التراث العالمي سنة 1984.
3- مدينة جبيل: تُعدُّ جبيل إحدى أقدم المدن في لبنان التي سكنتها الشعوب القديمة. وقد أدّت دورًا مهمًا في انتشار الأبجديّة الفينيقيّة. تقع مدينة جبيل السّاحليّة على منحدر من الحجر الرملي على بعد 40 كم شمال بيروت. ظلت جبيل مأهولة بالسكان منذ العصر القدم، وهي تشهد بشكل بارز على بدايات الحضارة الفينيقيّة. يتجلى تطور المدينة في الهياكل المنتشرة حول الموقع والتي يعود تاريخها إلى حِقبٍ مختلفة. تحوي العديد من المعالم الأثرية منها، مباني المدينة الأولى، والمعابد الأثرية، التحصينات الفارسيّة، والطريق الروماني، والكنائس البيزنطيّة، القلعة الصليبيّة ومدينة العصور الوسطى والعثمانيّة. أُدرجت على لائحة التراث العالمي سنة 1984.
4- وادي قاديشا أو الوادي المقدس: يعد وادي قاديشا أحد المواقع الاستيطانيّة المهمّة للأديرة المسيحيّة الأولى في العالم، وتقع أديرتها، والعديد منها قديمة جدًا، في منطقة طبيعيّة وعرة للغاية. وفي مكان قريب توجد بقايا غابة الأرز الكبيرة في لبنان والتي كانت تحظى بتقدير كبير في العصور القديمة لبناء المباني الّدينيّة العظيمة. يقع موقع وادي قاديشا، شمال سلسلة جبل لبنان، عند سفح جبل المكمل وغرب غابة أرز الرب. أُدرج على لائحة التراث العالمي سنة 1998.
5- معرض رشيد كرامي الدولي: يقع معرض رشيد كرامي الدولي في مدينة طرابلس شمال لبنان، وقد صممه المهندس المعماري البرازيلي أوسكار نيماير في ستينيات القرن الماضي، وتمتد أرض المعرض على مساحة قدرها 70 هكتارًا وتقع بين المركز التاريخي لمدينة طرابلس وميناء مدينة المينا. ويتألف المبنى الرئيس للمعرض من قاعة ضخمة مسقوفة تأخذ شكل البومرينغ إذ يبلغ طولها 750 متراً وعرضها 70 مترًا. أُدرج على لائحة التراث العالمي في كانون الثاني سنة 2023.
6- مدينة صور: تقع مدينة صور الأثرية على الساحل الجنوبي للبنان، على بعد 83 كم جنوب بيروت، وهي المدينة الفينيقيّة العظيمة التي حكمت البحار وأسست مستعمرات مزدهرة مثل قادس وقرطاج، وبحسب الأسطورة، كانت مكان اكتشاف الصباغ الأرجواني. يضم موقع المدينة آثارًا مهمة، وقد غمرت المياه جزءًا كبيرًا منها. وأبرز المباني هي بقايا الحمامات الرومانيّة، وقصرين، والساحة، والطريق الروماني ذو الأعمدة، والحي السكني، بالإضافة إلى بقايا الكاتدرائية من العام 1127 ميلادي، وبعض أسوار المدينة القديمة والقلعة الصليبيّة. ومن بين الآثار الأخرى قناة مائيّة وميدان سباق الخيل من القرن الثاني، وهو أحد أكبر الميادين في العالم الروماني. أُدرجت على لائحة التراث العالمي سنة 1984.
ثانيًا: المواقع المدرجة على القائمة المؤقتة على لائحة التراث العالمي
1- مدينة البترون: تقع مدينة البترون على الساحل الشمالي للبنان، وتقع على بعد حوالي 54 كم شمال بيروت، وتبلغ مساحتها 4.68 كم². أدرجت على القائمة اللبنانيّة الرّسميّة للآثار التّاريخيّة بموجب القانون رقم 15282 تاريخ 15/3/1957. تقدم المعالم الأثرية جميعها في المركز التاريخي لمدينة البترون، مثالًا استثنائيًا للهندسة المعمارية التقليدية. تمثل البترون قيمة أثرية مهمة، ويرجع ذلك أساسًا إلى وجود بقايا تعود إلى حِقبٍ مختلفة، ومجموعة معمارية تتكون من عدد كبير من المباني المقببة المبنية بالحجر المرجاني والتي يعود تاريخها إلى أواخر العصر العثماني وتؤدي دورًا مهمًّا جدًا في الديناميكيات الاقتصاديّة والتّجاريّة في ذلك الوقت.
2- معبد أشمون: يقع موقع أشمون الأثري على الضفة الجنوبيّة لنهر الأوّلي في قرية بقسطا على بعد 5 كلم شرق مدينة صيدا جنوب لبنان. تبلغ مساحته 3.6 هكتار، وتعرف المنطقة باسم بستان الشّيخ (حدائق الأعيان). أشمون هو موقع فينيقي فريد من نوعه في لبنان، وهو الموقع الوحيد الذي يعرض العمارة الفينيقيّة الضخمة، بُنيَ في نهاية القرن السابع قبل الميلاد. وظل مأهولًا بشكل مستمر حتى السادس الميلادي. يخبرنا النّقش الفينيقي المنقوش على تابوت أشمونزر الثاني الملك الفارسي، ابن الملك تابنيت الأول الذي اكتُشِف العام 1858 والمعروض حاليًّا في متحف اللوفر، أنّه بنى معابد لآلهة صيدا، بما في ذلك معبد مخصص للإله أشمون بالقرب من نبع له خصائص علاجيّة. في الواقع، لا تزال المياه تصل إلى مدينة صيدا والحدائق المحيطة بها عبر نظام الأنابيب نفسه من العصرين الفينيقي والروماني.
3- معبد منجز: منجز هي قرية تقع على ضفاف النهر الكبير على الحدود الشمالية للبنان، على بعد 130 كلم من العاصمة بيروت. وسُمّيت القرية منذ الصليبيين بـ “الجبل غويز” نسبة إلى العائلة الفرنجيّة التي بنت الدير: نوتردام دو لا فورتريس. تحتوي منجز على بقايا أثرية مهمة منها كاتدرائية وقلعة تعود إلى زمن الصليبيين، وحتى الآن لم يُحدَّد الأصل الدّقيق للمعبد، ويقع على طريق القوافل التي عبرت السّاحل الفينيقي باتجاه المناطق الداخلية، ولا سيما حمص وبعلبك وفلسطين، وكان مكانًا رئيسًا للحج في العصور القديمة.
4- جبل الشيخ أو جبل حرمون: يقع جبل الشيخ جنوب سهل البقاع على الحدود بين سوريا ولبنان، ويمكن الوصول إليه من راشيا، التي تعدُّ من أجمل مدن لبنان، حيث يعود تاريخ قلعة الاستقلال والأسواق القديمة إلى القرن السابع عشر. اسم حرمون مشتق من جذر “حرم” ويسمى أيضًا جبل الشيخ “جبل الرئيس” (باللغة العربية)، ويرتفع (2814 مترًا) وهو أعلى نقطة على السّاحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. إنّه الجبل الاستراتيجي الذي يعدُّ معلمًا مقدّسًا منذ العصر البرونزي، وقد ورد ذكره في ملحمة جلجامش. يعود تاريخ المستوطنات الأولى إلى العام 200 قبل الميلاد. يستضيف جبل الشيخ مجمعًا رائعًا من المواقع الأثرية والمناظر الثقافية المحفوظة جيدًا. على الرّغم من أن هذه المواقع الأثرية والمعابد ربما تكون قد بنيت على طبقات معمارية سابقة، إلّا ّ المعابد الحاليّة تعدُّ في الغالب من البناء الروماني وتُخُلي عنها إلى حد كبير بعد القرن الرابع الميلادي خلال العصر البيزنطي. وقد سلطت الدراسات الجاريّة الضوء على الاختلافات في أسلوب بناء المعابد الهرمونية عن العمارة الهلنستية والمواقع الأخرى في جميع أنحاء المنطقة (خاصة حوران والجولان).
5- موقع نهر الكلب الأثري: يقع موقع نهر الكلب الأثري على بعد 15 كلم شمال بيروت. صُنِّف بموجب المرسومين رقم 166/ ل.ر الصادر في نوفمبر 1933 ورقم 225 الصادر في 28 سبتمبر 1934 في القائمة الوطنية للمعالم التّاريخيّة. وفي العام 2005، أُدرِج هذا الموقع في سجل ذاكرة العالم. يعد موقع نهر الكلب الأثري مكانًا فريدًا يحتفظ بشواهد كتابيّة وأيقونيّة منقوشة على صخور النتوءات المحاذية لنهر الكلب. ويضم 22 لوحة ونقوشًا ونقوشًا تذكارية تعود إلى الألفيّة الثانية قبل الميلاد، بالإضافة إلى مختلف اللوحات والنقوش، هناك بقايا تاريخيّة وأثريّة أخرى تشكل جزءًا من هذا الموقع التذكاري.
6- مدينة صيدا: تعدُّ صيدا عاصمة جنوب لبنان، وتقع على بعد حوالى 40كلم جنوب بيروت. ويتكون المركز التاريخي للمدينة الذي يحده من الشّمال ميناء الصيد ومن الجنوب التل القديم، من مجموعة آثار من العصور الوسطى والعثمانيّة تدافع عنها قلعتان هما القلعة البحرية وقلعة البرية. صيدا مأهولة بشكل مستمر منذ القدم، حيث كانت في العصور القديمة عاصمة فينيقيا بلا منازع. منذ العام 1957، صنفت مدينة صيدا مدينة تاريخيّة ومحميّة بالقانون. تخضع أعمال الترميم أو البناء جميعها لقوانين المديرية العامة للآثار.
7- قلاع جبل عامل: وهي قلعة الشقيف – قلعة تبنين – قلعة شقرا – وقلعة دير كيفا، تمثل هذه القلاع الأربع أحد الأمثلة المهمّة التي توضح تبادل التّأثيرات وتوثق تطور العمارة المحصنة في الشرق الأدنى خلال زمن الحروب الصليبيّة (القرنين الحادي عشر والثالث عشر) وتظهر سجلًا أصيلًا فريدًا لتطور العمارة منذ ما يقرب من تسعة قرون، إذ استُخدِم هذه المواقع حتى نهاية القرن التاسع عشر. بنى قلعة الشقيف (قلعة بوفورت) ملك القدس حوالى العام 1137م، أمّا قلعة تبنين (قلعة طورون)، وقلعة شقرا (قلعة الدبية)، وقلعة دير كيفا (قلعة مارون)، بُنيت في أوائل القرن الثاني عشر كجزء من مواقع الحملات الصليبيّة المبكرة. وعلى الرغم من أنها كانت في حالة خراب جزئيًا، إلا أنّها تمثل أمثلة بارزة لتحصينات العصور الوسطى، سواء بجودة البناء أو ببقاء الطبقات التّاريخيّة.
8- مدينة طرابلس القديمة: طرابلس مدينة ساحليّة، تقع على بعد 85 كلم شمال بيروت، وهي عاصمة لبنان الشّمالي، يعود تاريخ البلدة القديمة الحالية إلى العصر المملوكي أمّا تاريخ إنشاء مدينة طرابلس فيعود إلى العصر الفينيقي ولكن الآثار التاريخيّة الأكثر بروزًا في المدينة تعود إلى العصور الوسطى. تعدُّ قلعة سان جيل من الحصون المهمّة التي بناها الصليبيون في المشرق. يُحافظ على المدينة بعناصرها التّاريخيّة المختلفة، المساجد، الخانات، الأسواق، المدارس، الحمامات. يوجد اليوم حوالى مائة معلم تاريخي في المدينة.
9- آثار بلدة أنفه: تقع أنفه على ساحل لبنان الشّمالي على بعد 15 كم جنوب طرابلس و 71 كم شمال بيروت. تحوي البلدة العديد من الآثار القديمة أهمها 3 مواقع، حيث يحوي الموقع الأول أقدم برك الملح والتي كانت تتألف في الأصل من تجاويف صخرية طبيعيّة تستخدم كأحواض ملح ربما منذ العصر الفينيقي. أمّا الموقع الثاني فيرتفع حوالي 14 مترًا فوق مستوى سطح البحر، ويمكن رؤية آثار العصر اليوناني الروماني والعصور الوسطى في كل مكان منه. ويحوي الموقع الثالث العديد من المستنقعات والتي تشكل أكبر تجمع للمنصات الملحيّة في البلاد وربما في الشّرق الأوسط، تتجمع حول دير تاريخي يسمى دير النّاطور والذي يعني حرفيًّا “دير الحارس”، بناه الصليبيون على الآثار البيزنطيّة قبل توسيعها وتجديدها في العصر العثماني.
- التوزيع الجغرافي للمواقع الأثرية في لبنان
إن عملية التوثيق العلمي وتحليل التوزع الجغرافي للآثار في لبنان، يساعد على تعزيز فهمنا للموروث الثّقافي والتّاريخي للبلاد، ويمكن أن يؤدي إلى تحسين إدارة المواقع الأثرية وحمايتها، والحفاظ عليها للأجيال القادمة. وبعد البحث والتّدقيق في أرشيف وزارة الثّقافة والمديريّة العامة للآثار، والإطلاع على الدّراسات القديمة الحديثة، العربيّة منها والأجنبيّة، قمنا بإحصاء 47 موقعًا أثريًّا في لبنان، يتوزعون على المحافظات اللبنانية كاملة، وهي كما يُبين لنا الجدول رقم “1”.
الجدول رقم “1”: توزيع المواقع الأثرية في لبنان
المدينة / البلدة | القضاء | المحافظة | الموقع الأثري | العدد | |
طرابلس | طرابلس | الشمال | قلعة طرابلس الأثرية | 1 | |
السفيرة | المنية الضنية | الشمال | معبد سفيرة الروماني | 2 | |
عين عكرين | الكورة | الشمال | معبد روماني يعرف بقصر ناووس | 3 | |
البترون | البترون | الشمال | مدينة البترون الثراثية | 4 | |
سمار جبيل | البترون | الشمال | قلعة سمار جبيل الأثرية | 5 | |
حردين | البترون | الشمال | معبد حردين | 6 | |
حامات | البترون | الشمال | قلعة المسيلحة | 7 | |
عنجر | زحلة | البقاع | موقع عنجر الأثري | 8 | |
نيحا | زحلة | البقاع | معبد ومعاصر نيحا | 9 | |
راشيا | راشيا | البقاع | قلعة صليبية | 10 | |
مجدل عنجر | زحلة | البقاع | معبد روماني | 11 | |
عين حرشا | راشيا | البقاع | معبد روماني | 12 | |
كامد اللوز | البقاع الغربي | البقاع | موقع كامد اللوز الأثري | 13 | |
المنارة | البقاع الغربي | البقاع | معبد روماني | 14 | |
الدكوة | البقاع الغربي | البقاع | معبد روماني | 15 | |
الهرمل | الهرمل | بعلبك الهرمل | قاموع الهرمل الروماني | 16 | |
قصر نبا | بعلبك | بعلبك الهرمل | معبد قصر نبا الروماني | 17 | |
بعلبك | بعلبك | بعلبك الهرمل | موقع بعلبك الأثري | 18 | |
تمنين الفوقا | بعلبك | بعلبك الهرمل | معبد تمنين الفوقا الروماني | 19 | |
صيدا | صيدا | الجنوب | قلعة صيدا البرية | 20 | |
صيدا | صيدا | الجنوب | قلعة صيدا البحرية | 21 | |
صور | صور | الجنوب | موقع صور البحري -روماني بيزنطي | 22 | |
الخرايب | صيدا | الجنوب | موقع المتحف الفنيقي | 23 | |
البص | صور | الجنوب | موقع البص الأثري | 24 | |
شمع | صور | الجنوب | قلعة شمع | 25 | |
قانا | صور | الجنوب | موقع مغارة قانا والاجران | 26 | |
بقسطه | صيدا | الجنوب | معبد اشمون | 27 | |
الصرفند | صيدا | الجنوب | موقع سربتا الأثري | 28 | |
عدلون | صيدا | الجنوب | مغارة ومدافن عدلون الأثرية | 29 | |
حامول | صور | الجنوب | موقع أم العمد الأثري | 30 | |
ارنون | النبطية | النبطية | قلعة الشقيف | 31 | |
الهبارية | حاصبيا | النبطية | معبد الهبارية | 32 | |
شقرا | بنت جبيل | النبطية | قلعة دوبيه | 33 | |
تبنين | بنت جبيل | النبطية | قلعة تبنين الأثرية | 34 | |
المغيره | جبيل | جبل لبنان | معبد يانوح الروماني | 35 | |
افقا | جبيل | جبل لبنان | معبد جبيل الروماني | 36 | |
شحيم | الشوف | جبل لبنان | موقع شحيم الأثري | 37 | |
جبيل | جبيل | جبل لبنان | موقع جبيل الأثري | 38 | |
كفردبيان | كسروان | جبل لبنان | موقع فقرا الأثري | 39 | |
نهر الكلب | كسروان | جبل لبنان | موقع نهر الكلب الأثري | 40 | |
الغينه | كسروان | جبل لبنان | موقع الغينه الأثري | 41 | |
دير القمر | الشوف | جبل لبنان | مدينة دير القمر التراثية | 42 | |
عين الدلبة | جبيل | جبل لبنان | معبد عين الدلبة الروماني(يعرف بمعبد المشنقة) | 43 | |
الجيه | الشوف | جبل لبنان | موقع الجية الأثري | 44 | |
بيت مري | المتن | جبل لبنان | موقع بيت مري الأثري | 45 | |
عرقا | عكار | عكار | موقع عرقا الأثري | 46 | |
منجز | عكار | عكار | مدافن منجز التاريخية | 47 | |
كما يُظهر لنا الجدول رقم “2”، والرسم البياني رقم “1”، حصة كل محافظة من محافظات لبنان من المواقع الأثرية. حيث تبين أن الحصة الأكبر على صعيد المحافظات تعود الى محافطة جبل لبنان بـ 26 بالمائة، كما أنه على صعيد الأقضية فإن قضائي صيدا وصور يستحوذان على حصة الأسد لناحية عدد المواقع الأثرية بـ 6 و 5 مواقع على التوالي.
الجدول رقم “2”: حصة كل محافظة من المواقع الأثرية
عدد المواقع الأثرية | المحافظة |
6 | الشمال |
2 | عكار |
4 | بعلبك – الهرمل |
8 | البقاع |
4 | النبطية |
11 | الجنوب |
12 | جبل لبنان |
- المواقع الأثرية ونظم المعلومات الجغرافية
تعد التقنيّة الجيوماتيكيّة أو نظم المعلومات الجغرافيّة GIS (Geographic Information System) من التقنيات الحديثة التي تُستخدَمها بشكل واسع في مختلف المجالات بما في ذلك علم الآثار. وتتيح هذه التقنيّة تحليل وتخزين وعرض البيانات الجغرافيّة بشكل فعّال ودقيق والتي تشمل بيانات المواقع الجغرافيّة والمساحات والمسافات والارتفاعات والمنحنيات الجيولوجيّة والتضاريس وغيرها.
ويمكن استخدام نظم المعلومات الجغرافيّة لتحليل وتوزيع الآثار في لبنان وتحديد مواقعها الجغرافية بدقة. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام هذه التقنيّة لتحديد المناطق التي تحتوي على أعلى كثافة من الآثار في لبنان، وتحديد المناطق التي تحتوي على عدد أقل من الآثار.
ويمكن أيضًا استخدام نظم المعلومات الجغرافيّة لتحليل، وتوزيع الآثار بناءً على العصور التّاريخيّة التي تعود إليها، والتي تشمل المدّة الفينيقيّة والرومانيّة وغيرها. وباستخدام هذه التقنيّة، يمكن ربط المواقع الأثريّة بالفترة التاريخية التي تعود إليها، وتحليل التّغيرات في التوزع الجغرافي للآثار عبر الزّمن. كما يمكن استخدام نظم المعلومات الجغرافيّة لتحديد المسافات بين المواقع الأثريّة، وتحليل العلاقات بين هذه المواقع وبين الجغرافيا المحيطة بها، مثل المناطق الجبليّة والمناطق الساحليّة وغيرها. كما يمكن استخدام هذه المعلومات في تحليل التّغيرات التي طرأت على البيئة الطبيعيّة المحيطة بالآثار عبر الزّمن، والتأثيرات التي قد تكون لها على البيئة والحياة البرية في المنطقة. ويستخدم GIS لتحديد المسافات بين المواقع الأثرية والمناطق السكنيّة والمدن والطرق الرئيسة، وذلك لتحديد الخطر الذي يمكن أن تتعرض له المواقع الأثرية جراء النّمو السكاني، والتّطور العمراني في المنطقة، خاصة وأنّ في بلد مثل لبنان فإنّ التوسّع العمراني العشوائي لا يراعي أيّ معيار من معاير السّلامة العامة، والبيئيّة ناهيك عن التّعرض لأملاك الدولة الشاطئيّة والأثريّة تحديدًا. كما أنّ نظم المعلومات الجغرافيّة GIS يساعد في إنتاج خرائط الخطورة للمواقع الأثريّة والتي يمكن استخدامها كأداة لتحسين إدارة المواقع الأثرية وحمايتها. وعلاوة على ذلك، يمكن استخدام GIS للتنبؤ بمستقبل المواقع الأثرية والتأثيرات المحتملة عليها من التغيرات في البيئة والعوامل الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
- تحليل التوزيع الجغرافي للمواقع الأثرية في لبنان
يعدُّ استخدام نظم المعلومات الجغرافيّة أداة قيّمة لتحليل أنماط التوزيع الجغرافي للمواقع الأثرية في أي بلد، إذ يمكن أن يوفّر رؤى قيمة حول توزيع المواقع الأثريّة وعلاقتها بالبيئة الجغرافية المحيطة بها. جُمِعتِ البيانات المكانيّة للمواقع الأثرية كافة من مصادر متعددة مثل مديرية الآثار في وزارة الثقافة اللبنانية. ثم رمزت البيانات على خريطة رقمية للبنان، وحلل توزيعها حسب المناطق الإدارية. تُبين الخريطة رقم “1”، توزع المواقع الأثرية المدرجة على لائحة التراث العالمي بحسب المحافظات اللبنانية، حيث نلاحظ تركز هذه المواقع في المنطقة السّاحلي
الخريطة رقم “1”: توزع المواقع الأثرية المدرجة على لائحة التراث العالمي في لبنان
كما تُظهر الخريطة رقم “2”، توزّع المواقع المدرجة على القائمة المؤقتة على لائحة التراث العالمي بحسب المحافظات، حيث تُبين الخريطة تركّز هذه المواقع في محافظتي الجنوب، والنبطية الواقعة بالقرب من الحدود السّوريّة والفلسطينيّة، كما تُبيّن تركز هذه المواقع في المنطقة السّاحليّة كمناطق طبيعيّة في لبنان، لما لهذه المنطقة من تأثير على وجود الحضارات القديمة.
الخريطة رقم “2”: توزع المواقع الأثرية المدرجة على القائمة المؤقتة على لائحة التراث العالمي في لبنان
أمّا الخريطة رقم “3”، فتظهر التوزيع الجغرافي للمواقع الأثرية الغير مدرجة عالميًا. ولا يعني ذلك عدم أهميتها، فبعضها له أهمّيّة تاريخيّة كبيرة كمدافن منجز ومدينة أم العمد التاريخيّة. لا تزال الآثار في هذه المواقع أمّا قيد الدّراسة أو غير منقب عنها كما يجب، وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد. تنتشر هذه المواقع على كامل الأراضي اللبنانيّة، وتُوجد في المحافظات اللبنانيّة جميعها.
الخريطة رقم “3”: توزّع المواقع الأثرية غير المدرجة اللوائح العالمية في لبنان
وتظهر الخريطة الرابعة، كثافة المعالم والمواقع الأثرية بتصنيفاتها كافة وذلك بحسب توزعها الجغرافي، حيث قمنا بدمج المعالم جميعها والمواقع الأثرية في طبقة واحدة، وقد قمنا بإنشاء هذه الخريطة باستخدام أداة (Kernel Density) من أجل الحصول على خريطة الكثافة لهذه المواقع.
الخريطة رقم “4”: كثافة توزّع المواقع الأثرية كافة بحسب المحافظات اللبنانية
- النتائج النهائيّة
أ- يحتل لبنان موقعًا استراتيجيًا على السّاحل الشرقي للبحر المتوسط، ما جعله نقطة تواصل رئيسة بين الشّرق والغرب على مر العصور. وكانت المناطق السّاحليّة تعدُّ ممرًا طبيعيًا للتجارة والتواصل بين الثقافات المختلفة.
ب- يعود تاريخ لبنان إلى آلاف السنين، وقد شهد وجود عدد كبير من الحضارات القديمة، بما في ذلك الفينيقيين والرومان والبيزنطيين والعرب والصليبيين والعثمانيين وغيرهم. تلك الحضارات تركت آثارها ومواقعها الأثرية على طول السّاحل اللبناني.
ج- تتركز المواقع الأثرية في لبنان بشكل رئيس في المنطقة السّاحليّة لناحية المناطق الطبيعيّة في لبنان، ويعود السبب في تركّز المواقع الأثرية في المنطقة السّاحليّة الى أسباب عديدة منها: تمتع السّاحل اللبناني بتضاريس متنوعة، بما في ذلك السّهول السّاحليّة والجبال والوديان والأنهار. وقد تأثر توزيع المواقع الأثرية بتلك التضاريس، حيث توجد مواقع في المناطق السّهليّة والجبليّة على حد سواء. بالإضافة الى أنّ المناطق الساحلية تعدُّ مراكز حضريّة واقتصاديّة رئيسة، حيث الكثافة السكانيّة الأعلى في لبنان وتمركز الأنشطة الإقتصاديّة والسياحيّة والثقافيّة.
د- تتركز المواقع الأثرية لناحية توزع المحافظات اللبنانية في محافظة جبل لبنان، ومن ثمَّ في محافظة الجنوب. يعود سبب تركز المواقع والمعالم الأثرية في جبل لبنان الى التضاريس الجبليّة، حيث اشتهر جبل لبنان بتضاريسه الجبليّة الجميلة والمناظر الطبيعيّة الخلابة. هذه التضاريس الجبليّة توفّر بيئة مثالية لإقامة الحضارات القديمة والمواقع الأثرية. كما أنّ قمم الجبال والوديان يمكن أن توفر أماكن محصنة ومحمية للمواقع الأثرية من العوامل الطبيعية والهجمات الخارجية.
ه- تحتل محافظة الجنوب جزءًا مهمًا في وجود المواقع الأثرية عليها، ويعود سببب الى الموقع الاستراتيجي لهذه المحافظة، حيث تحدها الحدود البرية مع فلسطين المحتلة والحدود البحرية مع البحر المتوسط، وقد جعلها نقطة تواصل مهمّة، كما أنّ محافظة الجنوب تتمتع بموارد طبيعيّة غنية مثل الأراضي الزراعيّة الخصبة والمياه الجاريّة والمصبات النّهريّة. تلك الموارد الطبيعيّة جذبت الحضارات القديمة للاستقرار والتجارة والزراعة في المنطقة، ما أدى إلى تواجد المواقع الأثرية.
المراجع
1– بظاظو، إبراهيم خليل.(2022) “التوزيع الجغرافي لأهم مواقع السياحة البيئية والمحميات الطبيعية في العالم العربي”، الجمهورية اللبنانية.
2– جعفر زهير فضل الله. (2021). “قلعة شمع الأثرية: دراسة ميدانية استطلاعية.” مجلة العلوم الإنسانية و الإجتماعية 5.8
3- محيسن، “بلاد الشام.(1989) عصور ما قبل التاريخ”، الأبجدية للنشر، دمشق.
-4Conolly James and Lake Mark. (2006). Geographical Information Systems in Archaeology. CAMBRIDGE UNIVERSITY PRESS.
-5Jidejian Nina. (1998). L’archeologie au Liban. DAR AN-NAHAR.
-6Jidejian Nina. (1977). Byblos Through The Ages. DAR AN-NAHAR.
-7https://whc.unesco.org/en/statesparties/lb.
-8https://whc.unesco.org/en/list/293, 294, 295, 299, 850, 1702.
-9https://whc.unesco.org/en/tentativelists/6428/ ,6429, 6430, 6432, 6433, 6434, 6435, 6436, 6438.
-[1] طالب دكتوراه في المعهد العالي للدكتوراه الجامعة اللبنانية في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية – قسم الجغرافيا
PHD Student at the Lebanese University Doctoral Higher Institute in Arts, Humanities and Social Sciences Department of Geography. Email :Alishoumar.88@gmail.com
طالب دكتوراه في المعهد العالي للدكتوراه الجامعة اللبنانية في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية – قسم الآثار – – [2]
PHD Student at the Lebanese University Doctoral Higher Institute in Arts, Humanities and Social Sciences Department of Archaeology.
Email: Youssef.shoumar@hotmail.com