الحمولة الدلاليّة والخلفيّة التواصليّة في الخطاب التداولي
(مسرحيّة الأرجوحة لمحمّد الماغوط – أنموذجاً)
أ.د ندى محمّد مرعشليّ*
المقدّمة
تهتمّ التداوليّة بدراسة علاقة العلامات بمفسّريها، أي دراسة المعنى كما يوصله المتكلّم ويتلقّاه المستمع ويفسّره؛ وترتبط بمقاصد الكلام أكثر من ارتباطها بما يمكن أن يعنيه اللفظ نفسه.
إنّ التداوليّة تدرس ما يعنيه النّاس في سياق معّين، وكيفيّة تأثير السّياق في ما يُقال، وفقاً لهويّة المخاطِب والمخاطَب، مع طرح أين؟ ومتى؟ وتحت أيّة ظروف يتمّ الحدث الكلاميّ؟ كما تدرس كيفيّة إيصال أكثر ممّا يُقال، إذ “تبيح خبرة مشتركة، وهي إشراك البشر في عمليّة التحليل”[1].
إنّ الصعوبة في تحليل الحوارات في مسرحيّة “الأرجوحة”، موضوع الدراسة، ناتجة عن أنّ الماغوط يكاد يجمع كلّ المفاهيم الإنسانيّة في مسرحيّته، إذ يُشرك القارئ في عمليّة التحليل، وكأنّه يطلب منه الاستدلال من دون وجود أيّ دليل لغوي، نحو هذا المقطع من حواره في المسرحيّة “وما هو هذا الشيء؟.. شيء… وشرح هذا الشيء أكثر فظاعة من شرح التاريخ البشري. أعرف ذلك جيّداً، ولقد حاولتُ كثيرًا أن أجدَ نقطة ضعفٍ في هذه الدّولة لإنقاذه، فلم أجد”[2].
لذلك، فإنّ التحليل التداوليّ في مسرحيّة الماغوط يتطلّب فهم ما في عقول المتخاطبين، إذ يعود الانتظام في استعمال اللغة إلى أفراد من مجتمع لغويّ واحد يمتلكون خبرات أساسيّة مشتركة. إنّ فعل الخطاب الكامل وحده المأخوذ في موقف كلّي، هو ما سيشكّل هدف هذه الدراسة.
بنية العنوان الدلاليّة وخصوصيّة النّص
يصيغ الماغوط العنوان بطريقة تتّسم بدعوة مبنيّة على لغة المخاطبة (الأرجوحة). فالعنوان هو البؤرة التي يتفرّع عنها اتّجاهان متقابلان، كلّ منهما يدفع بالآخر إلى حدّ النهاية؛ لذلك فإنّ التقاءهما يستحيل في البؤرة ذاتها (الأرجوحة)[3].
جاء في تعريف مادّة “رجح” في لسان العرب لابن منظور:
“رحج الميزان يَرجَحُ ويَرجِحُ رجوحًا ورَجَحانًا ورُجْحاناً: مالَ.قال اللّيث: الأراجيح، الفلوات، كأنّها تترجّح بمن سارَ فيها، أي تطوِّح به يميناً وشمالًا.والأرجوحة والمرجوحة التي يُلعب بها وهي خشبة تؤخذ، فيوضع في وسطها على تلِّ، ثمّ يجلس غلام على أحد طرفيها وغلامٌ آخر على الطرف الآخر، فترجّحُ الخشبة بهما ويتحرّكان، فيميلُ أحدهما بصاحبه الآخر، وترجّحت الأرجوحة بالغلام أي مالت”[4].
نستشفّ من العنوان (الأرجوحة) جانبًا تقريريًّا[5]، إذ يأتي على شاكلة موضوعة غير مستقرّة، وغير ثابتة، ليظهر إلى السّطح الملمح الإشكاليّ للعنوان، وهو الأمر الذي سيشكّل استفزازًا للقارئ بتلمّس ملامحه، والتعمّق في أحداث المسرحيّة، وتناول الحوارات وتمحيصها، كي تتبدّى إشكاليّة العنوان. فالملمح الأوّل للعنوان (الأرجوحة) يوحي إلى فرضيّة التشرذم والضّياع والتشرّد وعدم الركون والرقود في موضع واحد، فهو يحاكي التعلّق في الهواء بين السّماء والأرض، وفق ما جاء موثّقًا في بداية الفصل الأوّل. في العنوان (الأرجوحة) مدّ وجزر بين إرادة واضحة إلى حمل الشعوب إلى الثورة على الوضع الراهن والحكّام الفاسدين، شرح رغبة مضمرة في أفعال (فهد التنبل) تضفي على العنوان ملمحًاً تساؤليًّا يدفع إلى التساؤل عن أغراض وأسباب الماغوط الذاتيّة والموضوعيّة. فالاسم جاء مؤنّثًا ولم يأتِ المصدر لمجرّد التأرجح مثلًا، العنوان يعود إلى اسم الآلة.أمّا الملمح الآخر فيدفع للكشف عن طبيعة العنوان، هل هي طبيعة انفعاليّة؟ ندائيّة؟ ضمنيّة؟ مبنيّة على الإحالة المباشرة أو الرّمزيّة.
إنّ الطبيعة اللغويّة التي أنتجت معنى (الأرجوحة) هي طبيعة انفعاليّة. (الأرجوحة) مؤسّسة على إحالة رمزيّة؛ فالعنوان جاء مكوّنًا من اسم (مصدر) معرّف غير منكر، محمّل بخصوبة محدّد بـ “أرجوحة معروفة”، موغلٌ في الإيحاء، جملة إسناديّة مبتور أحد طرفيها، يشكّل الخبر المحذوف فيها وسيطًا بين ظاهر النص القصير، ومضمون النص الطويل (النص). وهنا ندرك أنّ لام التعريف لها ثقل ما في جملة المبتدأ خاصّة، وأنّها حملت دليل التخصيص والتحديد بين عناصر الجملة الإسناديّة من ناحية، والحذف الحاصل في الخبر من جهة أخرى، ممّا يزيد توسيع دلالة المعنى. فالعنوان لا بدّ أن ينطوي على نفس الشاعر، إذ ينغمس الشعر في مرجعيّة اللغة. العنوان خلفيّة لإنتاج المعنى والشاعر يملك آليّات تطويع اللغة التي تحقّق الحمولة الدلاليّة للعنوان.
يُعَدُّ توظيف العنوان من أهم مراحل الخطاب، فهو يملك صفة إغرائيّة وبيانيّة ويدفع إلى المساءلة. العنوان (الأرجوحة) هو بمثابة آلة تحمل عن الإنسان مسؤوليّة القيادة فيترك لها إرادته وكلّ جواذبه الأرضيّة، ليتأرجح معها في الهواء من دون أن يفكّر من الذي يقود هذه المرجوحة وهي تميل به. الأرجوحة هي عنوان مسرحيّة لمحمّد الماغوط طفت على كل عناوينه الشعريّة الأخرى؛ هو عنوان اختاره الماغوط بإرادة وقصد منه لجذب القارئ ولفت انتباهه. هو عنوان يدفع إلى التساؤل حول سبب تفرّده، والالتفات إلى حمولته الدلاليّة المفتوحة على قراءات وتأويلات غير متناهية.
الخطاب
“يُستعمل الخطاب مقابلًا للملفوظ باعتبار هذا الأخير وحدة لغويّة معزولة عن سياقها، بينما يشكّل الخطاب وحدة اتّصال مرتبطة بظروف إنتاج”[6].
الخطاب يتعلّق بالبعد التداوليّ للغة (الاستعمال) ، هي ظاهرة لسانيّة لا يقف استعمالها التواصليّ عند حدود إيصال المعلومة، إنّما ترد الرسالة مشحونة بمجموعة من العواطف والانفعالات يمكن أن تؤثّر بالمتلقّي وتدفعه إلى تغيير انطباعاته. التداوليّة تعمل على إيجاد القوانين الكليّة للاستعمال اللغويّ والتعرّف إلى القدرات الإنسانيّة للتواصل اللغويّ. التداوليّة هي علم الاستعمال اللغويّ.
التداوليّة Pragmatic
جاء في تعريف التداوليّة:
“التداوليّة دراسة المعنى الذي يقصده المتكلّم”[7].
“التداوليّة هي دراسة المعنى السياقيّ”[8].
“التداوليّة هي دراسة كلّ جوانب المعنى التي تهملها النظريّات الدلاليّة، فإذا اقتصر علم الدلالة على دراسة الأقوال التي تنطبق عليها شروط الصدق truth conditions، فإنّ التداوليّة تُعنى بما وراء ذلك، ممّا لا تنطبق عليه هذه الشروط”[9].
“هي متعلّقة بخصائص الاستعمال اللغويّ، “الدوافع النفسيّة للمرسل، وردّة فعل المرسَل إليه، الأنماط الاجتماعيّة للخطب، مواضيع الخطب، بتقابلها مع الهيئات النحويّة syntaxiques والدّلاليّة semantiques. ومع دراسة أفعال اللغة ومع الأدائيّة performatifs عند أوستن، امتدّت إلى شرط التأكيد للمقولة وللخطاب، ليشمل شروط الحقيقة وتحليل المحادثة”[10].
هي في تعريف محمود صحراوي “دراسة استعمال اللغة التي لا تدرس البنية اللغويّة ذاتها، ولكن تدرس اللغة عند استعمالها في الطبقات المقاميّة المختلفة”[11]، أي كيف نستخدم اللغة في الاتّصال؟ وكيف نعرف علاقة العلامات بمؤوّليها؟ من أهمّ مبادئ التداوليّة أفعال الكلام، ومن مؤسّسيها:
(أوستن Austin) صاحب نظريّة أفعال الكلام “نحن نعلمُ أنّنا نفعل شيئًا عندما نقول شيئًا، أو نفعل شيئًا بالطريقة التي نقول فيها كلمة”[12]، فاعتمد الجملة المؤكّدة affirmative التي يمكن القول عنها إنّها صحّ أو خطأ، خصوصًا أنّ الباحثين لم يدقّقوا ماذا يحدث عندما نتفوّه؟ انطلق أوستن من أنّ الجملة الخبرية تحتمل الصّدق والكذب، واكتشف أنّ كثيرًا من الجمل التي تكون شبه مؤكّدة لا يمكن أن تكون أبداً جملًا تأكيديّة، أسماها أدائيّة performative، إذ بالنّسبة إليه كلّ شيء له معنى؛ فالتأكيديّة هدفها أن تفعل شيئًا، مثل: (لأتزوّج)، والأدائيّة يفترض أن تفعل شيئًا، فإذا لم تفعل شيئًا، فننظر إلى ظروفها المحيطة التي رافقت الأداء”[13].
(سيرل Searle) الذي ضبط نظريّة أفعال الكلام عند أوستن، لاقت نظريّته اهتمامات كبيرة في مختلف ميادين دراسة اللغة الطبيعيّة. دعا سيرل إلى المبدأ التعبيريّ “أيّ شيء يمكن أن يعني يمكن أن يُقال”، “ولكن كي يكون أيّ فعل تعبيريّ ناجحاً يحتاج أن يلاقي شروطه السياقيّة المحدّدة، هذه الشروط مؤسّسة للقوى الإنجازيّة المختلفة التي تكون قابلة للتنفيذ، وإدراكها يختلف بشكل منهجيّ مع نمط الكلام المنجز”[14]. فصّل سيرل الأغراض الإنجازيّة للأمر والوعيد “الغرض الإنجازيّ للأمر هو محاولة التأثير في السّامع، ليقوم بفعل ما […] أمّا الفعل الإنجازيّ من الوعد مثلًا إلزام المتكلّم نفسه بفعل شيء ما للمخاطب”[15].
(غرايس Grice) الذي حرص على ملء الفجوة الحاصلة بين معاني الجمل ومقاصد المتكلّم، مسترشدًا بمجموعة من المبادئ، هي مبادئ رئيسيّة وفرعيّة تسمّى (maxims). هذه المبادئ تنظّم عمليّة الاستدلال inferencing وتؤكّد نجاحها[16].
يشارك علم الدلالة التداوليّة في دراسة المعنى والاستعمال. نحو علم اللغة الاجتماعيّ Sociolinguistic[17]، الذي يشارك التداوليّة في تقفّي العلائق الاجتماعيّة بين المتخاطبين، وتحديد الموضوع الذي يدور حوله الكلام، ومرتبة كلّ من السّامع وجنسيّته. كما يبيّن أثر السّياق اللغويّ في اختيار السّمات اللغويّة وتنوّعاتها. أمّا علم اللغة النفسي [18]psycholinguistics فيشترك مع التداوليّة بالاهتمام بقدرات المتخاطبين التي لها أثر كبير مباشر على الأداء اللغوي، مثل: (الانتباه) و(الذاكرة) و(الشخصيّة). ويشترك أيضاً تحليل الخطاب discourse analysis مع التداوليّة بتحليل الحوارالذي يعتمد على الإشاريّات.
الدلالة:
“دراسة اللغة من وجهة نظر المعنى”[19]؛ أمّا جورج يول فيرى أنّ “الدلالة تعني علاقة الكلمة بالعالم الخارجي”[20].
يرى محمّد علي الخولي أنّ الدلالة تتعلّق بطبيعة التعابير الدالّة، وتنقسم إلى “تعابير دالّة”، نحو كلمة (والدي أو لندن). و”تعابير مشتركة”، نحو جملة (هناك رجلٌ تحت الشّجرة). و”تعابير إخباريّة دائماً”، نحو كلمة (بسرعة أو فوراً). و”تعابير لا تصلح للدّلالة ولا للإخبار”، نحو حروف من مثل (في أو أنْ)[21]. “لا يمكن فصل علم الدّلالة عن غيره من فروع اللغة […] فلكي يحدّد الشخص معنى الحدث الكلاميّ لا بدّ أن يقوم بملاحظات تشمل (الجانب الصّوتيّ) الذي قد يؤثّر على المعنى، مثل وضع صوت مكان آخر […]ٍ ودراسة التركيب الصرفيّ للكلمة وبيان المعنى الذي تؤدّيه صيغتها […] ومراعاة الجانب النحوي أو الوظيفة النحويّة لكلّ كلمة داخل الجملة […] وبيان المعاني المفردة للكلمات…”[22].
تعريف الجملة
“تسلسل مثالي لكلمات تتوالى وفق نظام نحويّ خاص، وتتحقّق على شكل أصوات مسموعة أو حروف مقروءة”[23]. فكلّما احتوت الجملة على عدد كبير من العناصر الإشاريّة ازداد غموضها، واعتمدت في تفسيرها على السياق المادّيّ الذي قيلت فيه، إذ يتحدّد زمن التكلّم في مركز الإشارة نحو كلمة (بعد أسبوع) التي يختلف مرجعها إذا كانت (الآن).
تعريف القول
كلّ مقولة يرافقها زمان ومكان محدّدين، ويتحقّق القول على شكل قول واحد أو أقوال متعدّدة؛
“مجموعة كلمات أو حتّى كلمة واحدة، يقولها شخص واحد، مسبوقة بصمت ومتبوعة بصمت. وبذلك، فإنّ الجملة الواحدة قد تنقسم إلى عدّة أقوال وفق عدد مرّات الصّمت داخلها، على سبيل المثال: الجملة (قام الطالب بالإجابة عن جميع أسئلة التمرين وحده دون مساعدة من أحد”. “[24].
تعريف السّياق
هو تساوق الكلمات مع كلمات أخرى محدّدة يؤدّي إلى اكتساب معنًى محدّدًا؛ “يمثّل السياق الظاهرة اللسانيّة للخطاب الذي يحتمل مفهوم التفسير والتأويل […] إنّه يدخل في جميع مراحل بناء الخطاب من الناحية النحويّة، والمورفولوجيّة، والدلاليّة؛ ومن ناحية الطبيعة التداوليّة، وهذا ما يحمل البعض إلى تسميته بـ (سياق الموقف)”[25].
وصف المسرحيّة
لا يستطيع نسيان اليوم الذي هجرته فيه حبيبته، لن يجدي صراخه وهو يراها تحني عنقها حزينة كئيبة وتسير على الرصيف المقابل، ثمّ تغيب أمام عينيه التي كانتا تحدّقان بها من وراء النافذة، ولكنّ صراخه لم يكن ليجدي نفعًا، لذلك لم يصرخ، لم يستطيع تقديم حبّه وإخلاصه لها بشكل يشبه المادّة الرّخيصة، كعلبة التبغ، كانت هي من يخفّف عنه همّه، خصوصًا أنّه أصبح صحفيًّا ملاحقًا ومتّهمًا من كلّ الجهات، البوليس، المخابرات، الحكومة، الجيران، حتّى البغايا! يتعرّض للاعتقال والتعذيب بسبب صراحته، وهناك.. في السّجن.. تتحوّل الحياة إلى حقيقة مرّة ملأى بالجدران الملطّخة بالدماء، وتصبح المصابيح كشمس الفجر المزعجة في كبد الصّحراء، وتصبح الآذان مادّة سهلة لجذب الأجساد، وتصبح أعضائها مركزًا لسماع الصّراخ المزدوج يخرج من الحناجر المبحوحة. هناك.. في السّجن.. تتمّ الولادات الذهنيّة الجديدة، لتغلق الحواس عن كل شيء إلاّ لرؤية الملوك وسماع الحكّام والتنفّس القسري والتصفيق المحتّم. مسرحيّة مؤلفة من إحدى عشرة فصلاً، لا يحكي كلّ فصل الواقع العربي فحسب، ولكن يستخدم أسلوباً جديداً واستلزامات حواريّة تدفع إلى التلميح أكثر من التصريح. فليست اللغة حسابًا منطقيًّا عند الماغوط، هي لغة متداولة، مستعملة، يعدّد الجمل ليعدّد المعاني وفق السياقات التي ترد فيها.
الأفعال التي تتخلّل المسرحيّة
إخباريّة: تصف وقائع العالم الخارجي (صادقة أو كاذبة).
أدائيّة: تنجز في ظروف ملائمة أفعالًا، لا يمكن وصفها بالصّدق أو بالكذب.
ولكن كيف يُنجز الماغوط أفعالًا حين يُنطق شخصيّاته أقوالًا؟ كيف تتضمّن أفعاله النطقيّة قوّةً إنجازيّة؟
الفعل الكلامي عند أوستن[26] مركّب من:
١ – الفعل النطقيّ locutionay act: هو إنتاج أصوات تنتمي إلى علم المفردات وإلى قواعد يتّصل بهما معنى ومرجع”[27].
٢ – الفعل الإنجازي illocutionary act: “طريقة قول الأشياء، والطريقة التي يفهم بها الكلام، لأنّ الكلمات نفسها يمكن فهمها لتضحية أو كحكم”[28].
القوّة الإنجازيّة عند أوستن تصنّف كالآتي[29]:
١ – أفعال الأحكام verdictivies نحو: حكم القاضي في المحكمة.
٢ – أفعال القرارات exercitive نحو: اتّخاذ قرار، أو إعطاء إذن، أو قرار طرد أو تعيين.
٣ – أفعال التعهّد commissives تعهّد المتكلّم بشيء، مثل إعطاء وعد، أو تنفيذ قسم، أو إقامة تعاقد.
٤ – أفعال السلوك behabitivies التي تأتي ردّ فعل على حدث ما، مثل: تقديم الاعتذار أو الشكر، أوالمواساة والتعزية، أو إعلان التحدّي.
٥ – أفعال الإيضاح expositives توضح وجهات النظر المتباينة، وتعرض للآراء، نحو: الاعتراض على موضوع، أو إنكاره، أو التشكيك به.
أمّا سيرل، “فقد خطى خطوات باتجاه تصنيف أنماط أفعال الخطاب، فضبط اللياقة التي يحتاجها الأداء الكلامي لمختلف أفعال الكلام. فاقترح أنّه هناك عدد غير متناهٍ من الأفعال الإنجازيّة، جمعها في أنماطٍ خمسة:
١ – النمط الإخباريّ Representatives: هو كلام يشرح بعض الأمور “تحتمل الصدق والكذب”، نحو (الشمس تشرق في الشرق)، الإخبار توكيدي asserting ، يؤكّد ما يتضمّنه الإعلان.
٢ – اتّجاه المطابقة Directives : هو كلام يُستخدم ليدفع بالمستمع إلى فعل شيء، نحو (أغلق الباب، رجاءً).
٣ – أفعال الالتزام Commissives: هي كلام يلتزم فيه المستمع بفعل شيء، وتتضمّن الوعد promising.
٤ – أفعال التعبير Expressives: هي أفعال تؤثّر في الناحية النفسيّة للمستمع، كالاعتذار والشكر، نحو (أنا آسف جداً لسماع ذلك).
٥ – أفعال الإعلان Declaration: هي أفعال تحدث تغييراً في بعض الأمور”[30].
لا بد للأفعال المعلنة من إحداث تغييرات في الوضع القائم، وهذا ما يفعله الماغوط في مسرحيّته. فنظريّة سيرل Searle ترتكز إلى الأفعال الكلاميّة غير المباشرة، وترتبط بما يُسمّى الاستلزام الحواريimplicature conversationelle الذي أصبح الآن نظريّة متكاملة في إطار التداوليّة والنحو الوظيفي.
إنّ فعل القول عند أوستن هو الفعل اللغوي acte locutoire، يُراد به إطلاق الألفاظ في جمل مفيدة ذات بناء نحويّ سليم توازي في دلالتها الأفعال اللّغويّة؛ هي ذات دلالة صوتيّة (سلسلة من الأصوات المنتمية إلى لغة معيّنة)، وتركيبيّة (تؤلّف المفردات وفقاً لقواعد لغة معيّنة).
الاستلزام implicature
هناك عناصر مكوّنة للتلفّظ يمثّلها المتكلّم (المتلفّظ) والمتلقّي الذي يتوجّه إليه الملفوظ. ومن هذه العناصر (المؤشّرات التركيبيّة) من مثل: (أنا وأنت وهنا والآن والبارحة واليوم)، وقد اصطُلح عليها بـ(المكوّنات الإشاريّة) التي تتضمّن كل أزمنة الأفعال التي تدور حول الحاضر أو زمن التلفّظ، مثل: (أعتقد وأستنتج وأعد وأحكم). وهناك أفعال تنجز الفعل الذي تعيّنه بمجرّد التلفّظ بها. وهكذا يتزامن نطق الجمل الإنجازيّة عند أوستن وسيرل وغرايس بما يتحقّق من مدلولها أو مع تحقّق مدلولها بمجرّد التلفّظ بها، نحو: (قال وسأل وحذّر وأوعد) ففاعل تلك الأفعال هو المتكلّم وزمن الفعل هو الزمن الحاضر[31].
سادساً – مبدأ التعاون:
أمّا غرايس[32]، فقد وجد ضرورة تمييز معنى آخر للكلمة عن المعنى الطبيعي، ليكون أكثر صلة أثناء عمليّة التواصل. فعند غرايس لا يمكن التأثير على اعتقاد الأشخاص ونواياهم، ولا يكفي أن يحدث التأثير بالمستمع، بل أن يعترف هذا المستمع بالتأثّر، وهنا يُصبح التواصل انعكاسيّ، وهذا ما أسماه غرايس (التعاون التحادثيّ)[33] فقد وجد أنّ النّاس في حواراتهم قد يقولون ما يقصدون، وقد يقصدون عكس ما يقولون. كل همّه كان إظهار الاختلاف بين ما يقال وما يُقصد، من خلال “إظهار قدرة المتكلّم على أن يعني أكثر ممّا يقول بالفعل، أي أكثر ممّا تؤدّيه العبارات المستعملة”[34]. فما يُقال هو ما تعنيه الكلمات والعبارات بقيمها اللفظيّة. وما يُقصد هو ما يريد المتكلّم أن يبلّغه السّامع على نحو غير مباشر بما يُتاح له من أعراف الاستعمال ووسائل الاستدلال. “الاستلزام هو المعبر الذي يصل بين ما يحمله القول من معنى صريح وما يحمله من معانٍ ضمنيّة”[35].
“إنّ نظريّة غرايس في المعنى تؤكّد أنّ ما يقوله المتكلّم ليس بالضرورة يرمز إلى نواياه التواصليّة بصراحة؛ لذلك، إذا قلت “الباب مفتوح” ربّما المعنى أنّني أدعوك للدخول، أو ربّما أسألك أن تغلق الباب”[36].
غرايس سعى في نظريّته لإبعاد الالتباس الذي يسبّبه عدم التعاون بين المتشاركين، مثلاً: “داني هل أنهيتَ فرضك؟”، “لقد أنهيته قبل ذلك”[37].
إنّ تنفيذ الحوار يُرشد إلى استعمال اللغة المؤثّرة، أمّا الظروف التي استُعملت فيها فهي نتيجة اتّجاه الحوار إلى ما يُسمّى مبدأ التعاون. فما كان يشغل غرايس هو: كيف تتواصل اللغة الطبيعيّة؟ فوجد أنّ المتخاطبين لا يندفعون بالكلام إلاّ حين يسلّمون بالتعاون فيما بينهم لتحقيق الأغراض، فيبذل كلّ طرف جهداً من أجل تحقيق المشاركة التامّة التي تكون مشروطة عادةً بالتعاون[38].
سأل غرايس: كيف يمكن للمتكلّم قول شيء وما يشغله شيء آخر، فوجد أنّ مبدأ التعاون cooperation principle بين المتكلّم والمخاطب وهو مبدأ حواريّ يشتمل أربعة مبادئ maxims فرعيّة :
أ – مبدأ الكيف the maxim of quality : عدم قول ما لا يعتقده المخاطب صحيحًا، وما ليس علي دليل.
ب – مبدأ الكمّ The maxim of quantity: جعل المساهمة بالحوار بالقدر المطلوب من دون زيادة أو نقصان.
جـ – الطـــريقة The maxim of manner: تجنّب الغمـــــوض obscurity، وتجنّــــب اللّبــــــس ambiguity ، وأن يلتزم الإيجاز والتنظيم.
د – المناسبـة the maxim of relevance: أن يتعلّق الكلام بالمناسبة وبالموضوع[39].
هكذا يتحقّق التعاون بين المتكلّم والمخاطب وصولًا إلى حوار مثمر. مثال على التعاون التحادثيّ في الحوار القائم في مسرحيّة الأرجوحة لمحمّد الماغوط: “اِسمك؟”.. “الفهد التّنبل”[40].
هذا الكلام يتحقّق فيه مبدأ التعاون والحواريّة، فإجابة فهد التّنبل للمحقّق واضحة (الطريقة) وصادقة (الكيف) ولا زيادة فيها (الكم)[41] وذات صلة وثيقة بالسؤال (المناسبة)[42] ولم يتولّد عن قوله أيّ استلزام، لأنّه قال ما يُقصد.
أمّا إذا أُهملت مبادئ الحوار، فهذا ما يولّد الاستلزام، إذ يُسجّل عدم إخلاص لمبدأ التعاون. مثال “عمرك؟”.. “بين ٢٣ و ٢٤”.. “بالضّبط؟”.. “لا أعرف!”.. “العمل؟”.. “متشرّد”[43].
إنّ جملة “بالضبط” هي مستلزمة، استلزمها السّياق لعدم الوضوح، وبسبب عدم الإخلاص لمبدأ التعاون واختراقه لمبدأ الطريقة، ويُلاحظ في هذا الحوار اللّبس والغموض بوضوح، هناك انتهاك لمبدأ الكمّ في حوار الماغوط، فقد سأله المحقّق عن أمرين، فكانت إجابته أقلّ من المطلوب، وقد استلزم أنّه لم يحدّد عمره بالضبط، ولم يُجب عن عمله، كي لا تشمل الإجابة شيئًا لا يقوم به. إنّ المتكلّم يجب أن يحرص على إبلاغ السّامع المعنى الذي يريده، من دون خداع أو تضليل. فإذا سُجّل للمخاطِب انتهاك لإحدى مبادئ الحوار، فإنّ المخاطّب اليَقِظ سوف يسعى إلى هدف المتكلّم[44]. الاستلزام يُلاحق كل مبهم؛ فالاستلزام عند غرايس يكمن في المعنى المضمر، من خلال الانتقال من معنى إلى معنى آخر، الأمر الذي يولّدُ إشكاليّات حول ماهيّة التّأويل بين الصّريح والضمنيّ، فأحدهما يستلزم الآخر ويترتّب عليه[45]. الاستلزام هو علاقة تتابع تعتمد على البعد الزمني كونه عاملًا حاسمًا في صدق القول أو عدم صدقه. فصدق الجملة الثانية يكون مستلزماً من صدق الأولى، وهو مشروط بالتتابع. الاستلزام تراكمي، فالجمل تستلزم بعضها بعضًا، ولا يمكن أن يوجد إلاّ في السياق.
الافتراض السّابق presupposition
الافتراض السّابق يأتي قبل قول المتكلّم، هو معرفة ببعض المعلومات الخاصّة التي يتشارك بها الشريكان “هو ذلك الشيء الذي يفترضه المتكلّم قبل التفوّه بالكلام. هو من المبادئ الأساسيّة في عمليّة التّواصل يُستفاد من الطاقة الإيحائيّة للغة، وعليه فإنّ الافتراض غير المؤكّد لا يحقّق عمليّة التواصل، فيكون جواب السؤال بالتجاهل والنفي والسخرية.
ينطلق الماغوط من معطيات وافتراضات معترف بها ومتّفق عليها وهو ما يشكّل الخلفيّة التواصليّة الضروريّة لتحقيق النجاح في عمليّة التواصل القائمة بين أحداث المسرحيّة والقارئ.
مثال هذا الحوار من المسرحيّة: ملفوظ أوّل : “يا إلهي… رجلٌ ميّتٌ!”. ملفوظ ثانٍ : “أظنّه متسوّلاً.
ملفوظٌ ثالث: “أو عابر سبيل”.
في هذه الملفوظات كلّها خلفيّة (افتراض سابق)، مضمونها أنّ هناك رجلٌ ممدّد. لا بدّ أن تكون الخلفيّة التواصليّة مشتركة بين الشريكين؛ فالشريك (ب) لا يتجاهل الكلام، كأن يقول “لا أعلم” أو “لا أرى شيئًاً”، ولكنّه يفترض مكملًا عمليّة التواصل والإبلاغ. ومن الحوارات التي تحمل تواصلًا في المسرحيّة: “الأوضاع الاقتصاديّة مضّطربة”.. “نعم، مضّطربة يا سيّدي”[46].
لم يُراعِ الماغوط مبدأ الكيف حين استخدم الحوارات القصيرة جدًّا، نحو: “شيء يحيّر العقول!”[47].
فإنّ وضع الحوار يعارض (شكل الكلام الذي يجب أن يكون عليه في الحوار من أجل الإخلاص التعاون القائم على مبدأ الكيف، أو الكمّ، أو المناسبة. الجمل التي تحتوي على الاستلزام الحواري:
الجمل التي تحتوي على انتهاك مبادئ الكيف maxim of quality. أو مبادئ الكم مثل (قلوبنا غلف) هذا الحوار قصير جدًا[48].
الخلاصة: الافتراض السابق هو شيء يفترضه المتكلّم يسبق التفوّه بالكلام (كامن)، نحو افتراض وجود الباب في هذا الحوار، وهي تعود للمتكلّم، وقد تكون خاطئة أحيانًا “لا بدّ أن يعرف أحد مكانه؟”[49]. أمّا الاستلزام فهو شيء ينبع منطقيًّا من سياق الكلام المُقال، أي إنّ الجمل هي التي تحوي الاستلزام، نحو “كان يجب أن لا أدعَها تذهب. لقط أخطأت، وجلّ من لا يخطئ. كان يجب أن أذهب بنفسي”[50]، تتابعات منطقيّة – تتابع بلا توقف – تنبع الاستلزامات من الجملة بغضّ النظر عن صحّة اعتقادات المتكلّم أو بطلانها، ويتمّ إيصالها من دون ذكرها في القول
أفعال الكلام
للأفعال سلوك تركيبيّ معيّن عند الماغوط، فهو يُسنِد الفعل إلى جذره كي يمكّن القارئ من تأويل الصيغ وتأويل التركيب. يستخدم الماغوط الفعل الدلالي ليوظّف الأفعال وفق معانٍ وإحالات محدّدة، نحو قوله “أريد أن أموت”[51]، فيمكن أن يُفهم: إخبار بأنّه يريد الانتحار، أو خوفٌ من فضيحة، أو أمر بإطلاق النّار عليه؛ هنا يجب الرّجوع إلى قرائن السياق لتحديد قصد المتكلّم أو غرضه من الكلام.
الفعل المتضمّن في القول acte illocutoire
هو الفعل الإنجازيّ الحقيقي “إنّه عمل يُنجز بقول ما”. اقترح أوستن تسميته بالقوّة الإنجازيّة، نحو:
(السؤال، والإجابة، وإصدار تأكيد أو تحذير، والوعد، والأمر، والشهادة في محكمة)، كلّ الأقوال الصّادرة عنها هي أفعال بنظر أوستن، والفرق بين الفعل الأوّل والفعل الثّاني، أنّ الثاني قيام بفعل ضمن قول شيء.
الفعل ناتج عن القول acte perlocutoire
إنّ مجرّد القيام بفعل القول، يصحبه فعل متضمّن في القول، يسمّيه أوستن(القوّة)، لأنّ المتكلّم قد يقوم بفعل ثالث، هو (التسبّب في نشوء آثار في المشاعر والفكر)، نحو ذلك: (الإقناع – التضليل – الإرشاد)، يسمّيه أوستن الفعل الناتج عن القول، ويتعلّق بالبنية العامّة للأفعال الكلاميّة.
فعل القول
قول الشيء أو التلفّظ بكلام |
الفعل المتضمّن في القول
إنجاز فعل اجتماعي ضمن قول شيء |
الفعل الناتج عن القول
الآثار المترتّبة على قول ما |
متضمّنات القول les implicites
هو مفهوم تداوليّ إجرائيّ يتعلّق برصد جملة من الظواهر المتعلّقة بجوانب ضمنيّة وخفيّة من قوانين الخطاب، تحكمها ظروف الخطاب كسياق الحال، ومنها:
الأقوال المضمرة les sous-entendus
من متضمّنات القول، ويرتبط بمقام الخطاب، على عكس الافتراض السّابق، الذي يحدّد معطيات لغويّة. ومثال الأقوال المضمرة عند الماغوط “هذا البيض مالحٌ أكثر ممّا يجب”[52]؛ فالسّامع قد يظنّ أنّ هذه المقولة تحمل تأويلات مختلفة (أنّه غير صالح للأكل، أو أنّها تطلب منه أن يسلق بيضًا جديدًا، أو أنّها تريد قليلاً من الماء)، هي قائمة تأويلات مفتوحة مع تعدّد سياقات وطبقات مقاميّة ينجز فيها الخطاب.
ما الفرق بين الافتراض السّابق والقول المضمر؟
القول المضمر هو وليد السّياق. الافتراض السّابق وليد ملابسات الخطاب. ويمكن ملاحظة بعض الجمل في المسرحيّة في بعض المقامات تدلّ على معنى غير محتواها، يتّضح ذلك من خلال الحوار الآتي: المحقّق: “يا بُنيّ، قلْ لنا أين هي، ونُطلق سراحك الآن”.. الفهد: “أُقبِّل قدميك يا سيّدي، أريد غطاءً، أو ممسحة أمسحُ بها جسدي”[53]. فحين نتأمّل الحمولة الدلاليّة لإجابة الفهد، نجد أنّها تدلّ على معنيين اثنين في الوقت عينه، أحدهما حرفيّ والثاني مستلزم، معناها أنّ الفهد يُخفي شيئًا يريده المحقّق. أمّا معناها الاستلزاميّ فيتجلّى في عدم معرفة المتّهم (الفهد) شيئًا عمّا يريده المحقّق وهذا ما يبدو خارج السياق اللغويّ. هذه الظاهرة أسماها غرايس الاستلزام الحوارl’implication conversationelle. إنّ الفرق الذي يُحدثه الماغوط في مسرحيّته وفي كتاباته وقصائده، يقع بين البحث التداوليّ في اللغة والبحث الدلاليّ للغة؛ فالأوّل “هو استعمال اللغة، والثاني هو تفسير المعنى مع مبادئ تواصليّة”[54].
أفعال الكلام المباشرة وغير المباشرة
يميّز الماغوط بين أنواع الكلام الذي يستند إلى الأشكال البنيويّة، (الخبريّة والاستفهاميّة والأمريّة)، فيستخدم وظائف تواصليّة عامّة، نحو:
- الجملة الخبريّة Statment، نحو: “الأوضاع الاقتصاديّة مضّطربة”[55].
- الجملة الاستفهاميّة Question، نحو: “ماذا كنت تعمل غير الصّحافة؟”[56]
- الجملة الأمريّة أو الطلبيّة Command/ Request، نحو: “اِذهبْ وقلْ لذلك الموظّف أن يأخذكَ إلى الجحيم”[57].
جوانب الدراسة التداوليّة لمسرحيّة “الأرجوحة” لمحمّد الماغوط
تهتمّ التداوليّة تهتم بالمعنى المراد داخل السياق وكلّ ما يتعلّق بالمتكلّم (المخاطِب)، هدفه؟ قصده؟ العلاقة التي تجمع بينه وبين المتلقّي؟. فما هي العناصر الأخرى التي تؤثّر في فهم المعنى في مسرحيّة محمّد الماغوط، وكيف يمكن اكتشاف دلالة الاستلزام الحواريّ (الأفعال اللغويّة غير المباشرة (conversational implicaure؟
إنّ التأويل الدلاليّ للعبارات واللغات الطبيعيّة يتعذّر فهمه، بالنّظر إلى شكله الظاهري. أمّا المعنى المتضمّن، فهو الذي يرمي إليه المتكلّم في حواره مع المتلقّي، ولكنّ المشكلة أنّ المتلقّي قد يفهمه وقد لا يفهمه، لذلك لا بدّ من وجود قرائن ومستلزمات (غير لغويّة) أثناء الحوار. يتحدّد مضمون مسرحيّة الماغوط موضوعاً للدراسة في عنوان “الأرجوحة” الذي يستهلّها الماغوط، بالفصل الأوّل، بقوله:
“أيّها الاسم الصغير كتابوت طفل! يا من لصقتك على الجدران وثياب المسافرين، ورافقتك على درّاجتي حتى النافذة الأخيرة من الوطن، دون رياح، أو أزهار، مخلّفاً أسلابي على الورق المقوّى، تاركاً مبارزيك يلهثون حتّى الشيخوخة بين شمس الأصيل وحديد المزلاج”.ثمّ يُكمل[58]: “أيّها الاسم المغدور والراقد على حرفه الأوّل كالغزالة! يا بلسم الخراب، ودم الطفلة المنتقاة بالأصابع! اِذهب بعيدًا بعيدًا كالجناح المكسور، ملثّمًا أو حاسر الرّأس فالخوذ الفضفاضة ملأى بالأحلام وقمل الأوسمة”. ثمّ يردّد: “لأجلك أحني عنقي كالخيط أمام إبر المنفى…”. مستدركاً: “ولكن، يا يمامتي الصّغيرة عودي، ولكن متى يعود المسافرون الصّغار، ومن أين تطلق صيحات العودة، وتُلقى سلاسل الإنقاذ؟”[59]. راويًا: “لقد أدرك أنّ صراخه من الدور الرّابع “عودي يا حبيبتي الصغيرة” في ذلك الصّباح العاصف الكئيب ضربٌ من الجنون. وقد رآها تسير متمهّلة على الرّصيف المقابل، وحقيبتها مضمومة إليها كالطفل الميّت إلى صدرها”[60]. “إنّها وطنه الضالّ […] من أجلها يحكّ ظهره عبر الطاولة، ويكشط الوسخ المتجمّع على جلده كالعجين”[61].
ومن حواراته مع الحبيبة: “إنّني حزين. سأموت حتماً في هذين اليومين”.. “بل ستعيش أكثر من برناردشو”.. “أتمنّى ذلك حتّى أرعاكِ من شيخوختكِ يا ملاكي”.. “حبيبي… هل تشتري لي قيثارة”؟ فأجابها مندهشاً: “قيثارة”؟.. “نعم، قيثارة. ألم تسمع بشيء اسمه قيثارة قبل الآن؟”.. فأجابها ضاحكاً: “بلى، بلى يا حبيبتي، ولكن سأُحصي أوتارها كلّ يوم، وإذا ما جاء صاحب البيت ليطالبني بالإجار، سأقضي عليه […] سأعزف له بنفسي”[62].. “نعم يا حبيبتي، سأشتري لك تلك القيثارة”.. “متى؟ ولا أظنّك تريدينها الآن في هذه الظروف، أنت تعرفين أنّ ما أملك من نقود لا يكفي لشراء طنبور عتيق”.. “ولكنّي بحاجة ماسّة إليها”.. “حبيبتي.. هذه ساعتي وكتبي، لا بدّ من أنّه يوجد أحد في العالم يهمّه مثل هذه الأشياء.. ولكن، ثمنها لا يكفي”.. “سأعطيك أقصى ما يمكنني الاستغناء عنه من ثمن الطعام والصّحف، ولكنّك ستعزفين لي باستمرار يا حبيبتي، ستعزفين لي تلك القطعة التي بكينا عند سماعها في إحدى ليالي الصّيف، أتذكرين؟”.. “وعاد إلى الغرفة فلم يجدها، نظر إلى الطّاولة ملهوفًا حيث تضع حقيبتها عادةً، فلم يجدها، كانت ملعقتها مقلوبة وسط طبقها، وباب الغرفة مفتوحًا نحو الرّيح”.. “هو جادٌّ في البحث عن حبيبته، وأراد في كثير من لحظات التعب واليأس أن يسأل أيّ شرطيّ أو بائع متجوّل في الطريق إذا كان قد رآها، في الوقت الذي كان يرتعد هلعاً إذا ما مرَّ قط في الشارع، وفجأة وجد نفسه يترنّح ويتمايل وسط تظاهرة كبرى نبتت فجأة كزهرة في الصّحراء. كانت أصواتهم ورائحة جلوهم المتّسخة بالعرق وشحم السّياط لا تُحتمل، ولم يجد نفسه إلاّ وهو يفتح فمه ويُغلقه كأنّه موشك على الاختناق، ومدّ يديه كالأعمى إلى الأمام لينجوَ بنفسه عندما همس في أذنه صوت: ماذا تفعل هنا أيّها المغفّل؟ ماذا تفعل؟”.. “ما الذي أتى بكَ إلى هنا؟”.. “أبحث عن غيمة”.. “اللعنة عليك وعليها! وهل هذا وقت غرام كما ترى؟ لا تلتفت إليّ. الأرض مزروعة زرعاً بمن تعرفهم جيّداً”.. “نهضت لأجلب لها الماء فهجرتني”.. “كان فهد التنبل أديباً مغمورًا كالجذور في الربيع، ومن المستحيل أن يشعَّ ويتألّق في ذلك الفصل الضبابي العابر. كان يحتفظ كلماته في رأسه تحت جلدة الذهن، وفي ينابيع الحنجرة، لأنّها الشيء الوحيد الذي يروي من الداخل. ولذلك كان من المستحيل على الفنّان الحرّ أن ينموّ، أو أن يشقّ طريقه في هذه الحياة إلى الوراء.
“غيمة” هي الشيء الوحيد الذي يلمس ويهتزّ ويهجر […] ريثما تعود عليه أن يضرب رأسه بالجدران. شعر بغصّة عميقة في حلقه وأراد أن يبكي، ولكن محال، منذ عشرات السّنين، وفي كلّ اللحظات المريرة والليالي التي قضاها جاثياً تحت السياط مقذوفاً كالجرذ داخل المعمعة وخارجها، لم يكن يستطيع البكاء.. “أين كنتِ؟ فدهشت وقطّبت واتّخذت وجهها هيئة العصفور الذي كان يمضغ حبّة من القمح فالتقطها منه فجأة عصفورًا آخر، وراحت تنتحب وتبكي”.. “لقد كنت مصمّمة على هجرك إلى الأبد، ولكنّ المطر هو الذي أعلاني إليك يا حبيبي، كنت أسير في الشوارع.. في الأزقّة.. أمام الحوانيت والصيدليّات ومخافر الأمن وأنا مطرقة الرأس سعيدة بأنّني أحبّك وسعيدة بأنّني هجرتك”.. “اخترت الجموع، أغنّي تحت الهراوات، أصعد فوق زوابع الغبار والطاعون وأنا أفكّر لماذا هجرتني فيما مضى لماذا لماذا؟”.. مجهول ألقى قنبلة في صندوق القمامة.. تعثّر أحدهم بجمجمة بين الأنقاض.. “يا إلهي، رجلٌ ميّت”.. وقال أحد الجيران: “أظنّه متسوّلاً”.. فأجاب آخر: “أو عابر سبيل”[63].
المعاني المضمرة وراء مضمون الفصل الأوّل: (المعاني المستلزمة)
منذ بداية الفصل الأوّل، ومن خلال السياق العام للمسرحيّة، ترى الماغوط يدفع بالمتلقّي إلى عمليّة استنتاج ذهني، للتعرّف إلى المعاني الحقيقيّة للملفوظات التي تبدو موافقة التي صدرت عنها. فالمعاني السّاخرة والمضمرة هي لعبة الماغوط المفضّلة، هو يؤسّس لمعانٍ جانبيّة، ثمّ يوجّه القارئ إليها من خلال معانٍ ذات طبيعة مستقرّة، كما تؤدّي بالمخاطِب إلى التخفّي وراء المعنى الجانبي: “وتثاءب الاثنان بينما قالت إحدى النّساء وهي ترفع ياقة زوجها، أو من السياسة. حدث كل ذلك والبناية التي يقطن فيها فهد هادئة هدوء الأموات، ستائرها مسدلة، ونوافذها مغلقة، كأنّها في حالة عصيان. وجاء صوت من بعيد: “لا بدّ أنّ القنبلة أتت من مكان مجاور”.. “الحمد لله أنّ جميع جيراننا الأشراف”.. “ولكن من يقطن في هذه الغرفة المنفردة؟”.. “لا أعلم، إنّها دائماً مطفأة كغرفة التحميض”.. “صحافي.. صحافي يعمل في الجرائد”.. “قلّما نراه، بل إنّني لم أره مرّة واحدة يدخل أو يخرج منها”.. “ربّما كان أعرجاً”.. “أو خجولاً”. وقالت زوجة صاحب البناية: “المهم أن يكون شريفاً”[64]. “كان يختنق. كان بحاجة إلى فضاءٍ واسعٍ للسّعال. ولذلك قرّر أن يواجه العالم منتصباً لا منحنياً […] ارتدى ثيابه وهو يرتجف”[65]. في حديثه مع حبيبته (غيمة) إذ كان يروي حكايته التي صاغها على ألسنة الناس (الجيران – المتظاهرون) تنبيه القارئ إلى الوضع الظالم الذي كان قائماً تنبيه إلى حالة الرعب التي كان يعيشها تنبيه إلى الفقر الذي وصل إليه المواطن إلى حالة الغليان التي تتفاقم إلى الحبر المكبوت في أسلات الأقلام، إلى الكبت القمع.
وحجّتنا في ذلك واردة في الفصل الأوّل
“شقّ طريقه بصعوبة خلال الجماهير المتراصّة كالفاكهة داخل الصناديق، وهي تهتف متثائبة وملتاعة تحت مطر أيّار الحزين. كان ثمّة أُناس يصرخون بقلوب مجروحة في سبيل الحريّة […] في سبيل الأشياء التي أحسّوا فجأة وهم يسرّحون شعورهم ويزرّرون معاطفهم أنّهم فقدوها إلى الأبد، وأنّ استعادتها أكثر صعوبة من استعادة الزفير اللاهث. وكانت مكبّرات الصّوت تحثّهم على الصّمت […] على تقنين الصّراخ والسير بهدوء”[66]. إنّ البعد الاستلزامي في هذا الفصل لمعرفة. لماذا يقول ذلك في سياق الفصل الأوّل؟ وليس ماذا يقول؟ لأنّ ما يقوله الماغوط ظاهر في حكاياته، ولكنّ سياق القول في حضرة (غيمة) و(المتظاهرين) لا يدلّ دلالة مباشرة على ما تتضمّنه كلماته التي يجريها بشكل عفويّ ونقديّ، لتحكي بتفاصيل دقيقة عن حياة الخوف الذي يعيشه والاختباء في غرفة. أو نراه يشير إلى أحد رجال الدولة الذين يملكون السلطة والنّفوذ.
“إنّه يعرفهم جميعًا رجالًا ونساءً، شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا: زوجة الطبيب، وزوج القابلة، خطيبة الطالب، وخطيب الأرمل، غابةٌ من الأعضاء التناسليّة الموغلة في بعضها، جروح وحروق وعري كالنّار، رغم كلّ ما يحيطهم من مظاهر، ثياب نظيفة، وأزرار مرفوّة وعتبات”[67].
كيف يقف الماغوط بين معطيات نصّه الظاهرة ودلالاتها المتضمّنة؟
يُلاحظ أثناء عمليّة التخاطب في المسرحيّة، أنّ معنى العديد من الجمل، عند مراعاة الارتباط القائم بينها وبين مقامات إنجازها، لا ينحصر في ما تدلّ عليها صيغها الصوريّة. لذلك، لا بدّ من تأويل دلالي آخر ينتقل بالمعنى المصرّح به إلى صوت غير مصرّح به يستلزمه الحوار.
كيف يمكن معرفة السياق من قِبَل المتلقّي؟
يُعَدُّ الافتراض السابق، من أُولى مراحل إنتاج الخطاب، فكل ما سبق الحدث الرئيسي (خروج غيمة) وما تلا عودتها له أثر في بيان ما يريد الماغوط إيصاله بغير وجه المباشرة. فالاستلزام يقدّم تفسيرًا صريحًا لقدرة المتكلّم على أن يعني أكثر ممّا يقول بالفعل، أي أكثر ممّا تؤدّيه العبارات المستعملة. وهذا ما سعى إليه الماغوط في خطابه، من خلال افتتاحه للفصل الأوّل بمخاطبة ذاتيّة لنفسه: “أيّها الاسم المغدور … الأرجوحة”. يتحضّر أوّلًا لطرح الموضوع، ثمّ يتبع ذلك بالقصّة المسرحيّة المتضمّنة في موقف الصحافيّ مع الحبيبة ومع المتظاهرين والجيران، وما كان من حبيبته من هجره واضطراره إلى الخروج من مخبئه من أجل حبّه الذي فقده بهجرانها. ويتجلّى الهدف في استعماله للجمل التي يمكن تحديدها من خلال دلالالتها الظاهرة، إذ يمكن أن يتّخذ الظاهر ذريعة لتأويل يشترك فيه عدد من المعطيات الداخلة في الخطاب.
تاسعاً – تحديد الحمولة الدلاليّة في أفعال الماغوط
يحدّد الماغوط دلالة أفعاله، من خلال البنى التي يستخدمها؛ فالشحنات الدلاليّة في بعض الأفعال ينتج معظمها عن اجتماع المستويين التركيبيّين والصّرفيّين، نحو: استخدامه للأفعال المتعدّية[68]، نحو: (سيراقبون حبيبته). (تحملُ له التّبغ والصّحف والخضراوات). (ما لم ترَ راية كبيرة). فإنّ موضوع الفعل يتحدّد عند الماغوط من خلال الظواهر اللغويّة؛ فهو حين يريد التحقير، أو التقليل من شأن بعض المواضيع، يستخدم الفعل اللازم[69]، نحو: (راية تخفق على سطح البناية). (وعاد الصّمتُ الكئيب). فاللازم هو الفعل الذي يكتفي بفاعله، ولا يجوز له أن يضيف إليه مفعولاً به، لأنّه يعجز عن نصبه (هو قاصر). ينتقي الماغوط أفعاله، ويحمّلها دوراً دلاليّاً. فانتقاء بنية الفعل له علاقة مؤثّرة في الدور الدلالي الذي يُسند إليه بطريقة منظّمة ومُتقنة “زفرَ زفرةً طويلة، ونهضَ إلى المطبخ”[70]. إنّ الفعلين (زَفَرَ) و (نَهَضَ) فعلان قاصران عن التعدّي إلى مفعول به، لذلك فإنّ دورهما الدلالي محصور بالفاعل. إذاً، إنّ الدّور الدلالي المسند إليهما، بهذه الطريقة، ينعكس دائماً من وإلى داخل الشخصيّة؛ فانتقاء بنى الفعل يؤثّر في الحمولة الدلاليّة التي أنتجت موضوعاً واحداً يدور حول ذات الكاتب. لا يمكن أن تُستخلص الدلالة إلاّ بعد تركيب الفعل، على سبيل المثال “كتبت رسالة إلى الله”؛ يُلاحظ أنّ دلالة الفعل قد أنتجت موضوعين: (الفعل المنجز) و (الشيء الذي أُنجز فيه الفعل): “سأضعُ سبّابتي على أُذُني”، فما يوجد في التركيب هو إسقاط لما في الدّلالة. هو يجعل من أفعاله المصنوعة مادّة تتحكّم بموضوعاته.
الفصل الثاني من المسرحيّة
“كانت الشوارع هي الشوارع، والسيّارات هي السيّارات، بعد كلّ الدماء التي سفحت، والأرامل اللواتي ولْولْنَ. ما زال كلّ شيء، كما كان حتى إنّ فهد التنبل يستطيع أن يتعرّف إلى أعقاب لفائفه القديمة على الأرصفة.
شيءٌ واحد لفتَ نظره، كانت معظم الأشياء مجعّدة ومستكينة وتعلن دون لفٍّ أو دوران أنّ قدرتها على الانتفاخ قد زالت إلى الأبد، حتّى البغايا الصّغيرات اللواتي كنّ مظهراً جانبيّاً من مظاهرة الانحلال والبذاءة، أصبح وجودهنّ رمزاً ضروريّاً للشكّ في إنسانيّة المجتمع الذي ينتمون إليه شاهداً على أنّ تحاشيهنّ في الظلمات وتحت المصابيح هو الذروة والملل والانتحار الجنسي: “لم يجد صعوبة تذكّر في دخوله إلى المطبعة المختومة بالشمع الأحمر […] خاطبه صوت من الزوايا: – “لا تبتئس يا أخ، لقد اقتُرح علينا يوم أمس أن نأكل قضبان النّافذة”.. “لماذا أتوْا بك إلى هنا؟ ما قصّتك؟”.. “معتقل سياسي”[71].. بينما قال أحدهم وهو في دورة المياه: “لعنة الله على السّياسة”[72].. “اسمك؟.. “الفهد التنبل”.. “عمرك؟”.. “بين ٢٣ و٢٤”.. “بالضبط؟”.. “لا أعرف”.. “عملك؟”.. “متشرّد”.. “مكان الإقامة؟”.. “كما ترى”. سار الموظّف على كعبيه باتّجاه الفهد، وصفعه بقوّة على وجهه، قائلاً:”اِذهب وقل لذلك الموظّف أن يأخذكَ إلى الجحيم”.. “نعم، إلى الجحيم، ألمْ تسمعْ؟”. وصفعه مرّةً أخرى على وجهه، ثمّ مضى الفهد إلى موظّف كان يتأمّل وجهه في مرآة صغيرة، وقد نفخ خدّيه كطفل في عيد الميلاد.. “نعم… ماذا تريد؟”.. “يقول لك حضرة الموظّف أن تأخذني إلى الجحيم”.. “حسناً”. ومضى به الموظّف الصغير وهو يشدّه من أذنه كالجرذ عبر ممرّات وأبواب ودهاليز العودة منها العودة أكثر صعوبة من العودة إلى أيّام الطفولة، والموظّف ما انفكّ يضربه عند هذا الدهليز، ويقرّعه عند ذاك:. “صحفي، صحفي كلب، ماذا تكتب عن الكلاب، وأهلك من صفوة الكلاب”.. “إنّك تكاد تقتلع أذني!”.. “يا للرقّة! يؤلمكَ هذا الغضروف اللعين، إذاً كن على ثقة بأنّك لن تخرج من هنا حتى تتلاشى آخر ذرّة منه على إبهامي هذا”. ثمّ فتحَ له كوّة صغيرة، ودفعه إليها مبشّراً: “لا تظنّ أنّ هذا هو السجن، لا إنّه محطّة، محطّة صغيرة، سننقلك منها في أيّة لحظة عندما يصفّر القطار”.. أيُّ قطار؟ “قطار صغير ذو شراع بحري، ينقل الفراشات إلى الحقول، والأرز إلى الطيور تحت الثلوج، قطار من الوحل والدم، من العظام والغدد المسحوبة بأصابعي هذه. سيمرّ بك بعد ساعة أو ساعتين نافثاً دخانه الأسود في وجهك الذليل، تنطلق منه بعد أجيال عبدًا أسود بلون الليل. تطلق سهامك المضيئة في الشوارع، صارخاً عبر المكاتب وصلات الرقص، أنا الصّحفي الشهير، هل من مبارز؟”.. “وقف الفهد مذهولًا وسط الزنزانة، زنزانة صغيرة وعارية عري البغايا تضجّ بأشباح الرؤوس الحليقة المرتطمة بجدرانها فيما مضى […] وكانت ثمّة أصوات بشريّة في الخارج […] ولكنّه استيقظ فجأة على صوت الموظّف وقد فتح باب الزنزانة وصرخ به قائلاً:. “لماذا لم تعمل في مدبغة.. في تنظيف الشوارع بدلاً من الكتابة؟ لقد مات أبي ولم أشترك في جنازته، لأنّ مطاردتك ومطاردة أمثلك لم تسمح لي بذلك”. وتمتم الفهد في سرّه: “خير ما فعله أبوك أنّه مات بعد أن أنجبك إلى هذه الحياة”..”وبينما كان الموظف يهمّ بالخروج اصطدمت ذبابة بوجهه، فثار ثورته القصوى، وظلّ يثب ويقفز ويخبط على الجدران حتى جندلها، ثمّ مضى صامتاً، وعند ذلك شعر الفهد بأسى عميق لموت الذبابة، وأطفأ المصباح”[73].
عاشراً – الإشاريّات deixis
هو مصطلح تقني يستعمل للإشارة من خلال اللغة. “كلّ مقولة تُنجز ضمن موقف يحدّد الإحداثيّات المكانيّة والزمانيّة”[74].
تستخدم التعبيرات التأشيريّة للإشارة إلى شيء ما في السياق المباشر. وتسمّى أيضاً الإشاريّات indexicals. تنقسم إلى شخصيّة وزمانيّة ومكانيّة واجتماعيّة وثقافيّة ونفسيّة.
تأشير شخصي person deixis، نحو: الضمائر المنفصلة (أنا – أنت).
تأشير مكاني ، spatial deixis، نحو : الظروف المكانيّة (هنا – هناك).
تأشير زماني temporal deixis، نحو: الظروف الزمانيّة (الآن – آنذاك).
المؤشّرات ترتبط بسياق التكلّم، وتسمّى الإشاريّات diexis، وقديماً أسموْها “المبهمات”[75] كونها ترتبط بسياق التكلّم، نحو {صراط الّذين أنعمتَ عليهم}، فقد أُبهموا كونهم ذُكِروا في مكان آخر. تساعد الإشاريّات على تلاحم النّص وتماسكه، وإزالة الإبهام الحاصل من استخداماتها الشخصيّة، مثل تناوب الجمع في مقام المفرد[76]. وتقسم الإشاريّات إلى:
إشاريّات شخصيّة: ترتبط بسياق التكلّم، ووظيفتها كشف الغموض ومنع اللّبس، خاصّة حين يُستخدم الجمع في مقام المفرد (نحن – أنا). ويستعمل الماغوط المؤشّرات الشخصيّة التي تتناوب فيها الجماعة على الواحد، في التفاعل المنطوق وجهاً لوجه، مثال:
وقال زكريّا: “سنقوم بمحاولة أخرى”.. “علينا أن نعرف في أيِّ معتقل هو”[77].
إشاريّات مكانيّة: (هنا) و (هناك) مؤشّران مكانيّان يُشيران إلى أنّ الماغوط يتعامل مع الأشياء البعيدة ماديّاً على أنّها بعيدة نفسيّاً، وعلى العكس:
وجاء صوتٌ من بعيد: “لا بدّ أنّ القنبلة أتتْ من مكانٍ مجاور”[78].. “هناك فتاة تزوره بين آونةٍ وأخرى”[79].. “وهنا قالت زوجة صاحب البناية موجّهة الكلام إلى زوجها”[80]
إشاريّات زمانيّة: تعابير تحمل صيغاً متنوّعة للبعد والقرب. فالصيغة الأدنى هي (الآن)، والصيغة القصوى هي (حينذاك): “وتناسَوْه في الصّباح”[81].. “وتناسَوْه في المسـاء”[82].
يُحدث الماغوط إسقاطاً تأثيريّاً من خلال أدائه المسرحي الذي يستعمل خلاله الكلام المباشر direct speech لتمثيل موقع الشخص ومشاعره “وقف الفهدُ مذهولاً وسْط الزنزانة”[83]، “وسْط” لا تمثّل الموقع المادّي الحقيقي لوقوف الفهد، ولكن تمثّل موقع الذّهول الذي يتوسّط ما يجري من أحداث تحاكي الالتفاف إلى الذات التي تتوسّطها؛ “إذن من (هنا) كانت تهبّ رياح الكذب. من هنا يتّقد جليد الشهرة ونور النّسيان.. سطوره المختارة […] هنا كانت صدور العمّال العارية تخفق وتهتزّ تحت السّوط ونور الفجر”[84]، (هنا) تُشير إلى مكان وقوف الفهد “المطبعة المهجورة” وتمثّل الموقع المادّي الحقيقي للمتكلّم. إذاً، التعابير التأشيريّة هي التي تسمح للماغوط بقول أكثر ممّا يُقصد، على اعتبار صغر حجمها وسعة مدى استعمالاتها الممكنة، هي توصل أكثر بكثير ممّا يُقال. هناك صيغٌ لغويّة يستخدمها الماغوط تُعدُّ من تعابير الإشارة، نحو: أسمـــــاء العَلَــــم، مثل: “برناردشو”[85] و”الكازار”[86]، والعبارات الاسميّة، مثل: “فراشة لا بجعة”[87]، وعبارات التنكيــر، مثل: “اِمرأة – رجل”، والضّمــــــــــائــر، مثل: “هو – هي – هم”.
يستخدم الماغوط من هذه التعابير التأشيريّة ما يفترض أنّ المستمع يعرف ذلك المشار إليه، فيوصل تعابيره بلغة نقديّة – جماليّة، تصلُ بين مفاهيم التداوليّة ومبادئ التأويل، “البراغماتيّة والتأويل كائنان داخل نقاطنا الآتية، وها إنّ الشعريّة تكمن في خيال الناقد الذي يُتمّ وصلَ كليهما بلفتة جماليّة من الوظيفة الجماليّة للغة”[88]. يسعى الماغوط إلى الاستدل من أجل الحصول على إشارة ناجحة، فالإشارة ترتبط بأهدافه: “يا أفنْدي”.. “…”.. “يا أفنْدي… هل تعرف أين سراي الحكومة؟”.. “نعم أعرف”.. “أين هيَ؟”..”من هيَ؟”.. “سراي الحكومة”.. “لا أعرف.. إنّها في جهنّم.. في مؤخّرتي إن أردت جواباً حاسماً”[89]. يستخدم الماغوط تعابير إشاريّة وصفيّة، مفترضاً أنّ هذا التعبير سيزيد من شغف السّامع، نحو: “كان بحاجة إلى فضاء واسع للسّعال”[90]. إنّ أفعال الكلام عند الماغوط لا تسمح فقط بمعرفة الشيء المحدّد، ولكن تعلم الكيفيّة التي يتعرّف بها الشخص على التعبير والقصد. فالأمثلة تسمح لنا بمعرفة كيفيّة عمل الإشارة؛ فالإشارة أحياناً تأخذ منحىً أكثر من فهمنا في السياق اللغوي: “اِذهبْ وقلْ لذلك الموظّف أن يأخذكَ إلى الجحيم”[91]. هناك علامات لا تذكر في اللغة، وتعامل على أنّ كونها معروفة، نحو: الافتراض المسبق الذي يفترض أنّ المستمع عالم ببعض الأمور أو المعلومات. فإذا كانت معروفة ولا تذكر جزء ممّا يتم إيصاله دون قوله.في التداوليّة الحديثة لا تتناقش الاستلزامات لأنّ طبيعتها منطقيّة في الجملة، ولكنّ مفهوم الافتراض السّابق يمكن مناقشته لأنّه يعتمد على المتكلّم.
الخاتمة: يتّضح من دراسة مسرحيّة (الأرجوحة) أنّ الماغوط لا يحرص كثيراً على إقامة العلائق بين الأشياء ودلالاتها؛ ولكن يصبّ جلّ اهتمامه على تحفيز القارئ إلى تأويل هذه العلامات، وهذا من صلب الدراسات التداوليّة، الأمر الذي يجعل من أعمال الماغوط بشكل عام، وهذه المسرحيّة بشكل خاص أنموذجاً للتفاعل بين المعنى والاستعمال؛ ولقد أورد الكثير من الأمثلة التي تبيّن أثر العلائق الاجتماعيّة بين المتخاطبين في الحوارات والمحادثات الكثيرة في المسرحيّة، وبين الموضوع الذي يدور حوله الكلام، والذي اتّخذ منذ البدء بنية متأرجحة متمايلة أخضعت أبطال المسرحيّة ليصبحوا مجرّد لوحة سالبة، تندفع إلى فعل التلقّي الذي يقع على حدّين متقابلين. كما ظهر الإضمار في الأفعال من الآثار التي تركها السياق اللغوي في انتباه وذاكرة وشخصيّة المشاركين. كما كان لتحليل الحوار الأثر الكبير في إبراز عدد من المفاهيم الفلسفيّة واللغويّة للإشاريّات، وخصوصاً الشخصيّة والزمكانيّة منها.
المصادر والمراجع
١ – ابن جنّي:
- شرح اللّمع في النحو، دراسة: محمّد خليل مراد الحربي، دار الكتب العلميّة، بيروت، بدون سنة.
- صناعة الإعراب، تحقيق: محمّد حسن إسماعيل وأحمد رشدي شحاتة عامر، دار الكتب العلميّة، بدون طبعة، بيروت، ٢٠١٢.
٢ – ابن الفخّار، شرح الجمل، شرح كتاب “الجمل في النحو والإعراب للزجّاجي” تحقيق: روعة ناجي، دار الكتب العلميّة، بدون طبعة، ٢٠١٢.
٣ – ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، ط٦، بيروت، ٢٠٠٨، ١٨ جزءًا.
٤ – أدراوي، العيّاشي: الاستلزام الحواري في التداول اللّساني، ط١، منشورات دار الأمان، الرّباط، ٢٠١١.
٦ – الخوالي، محمّد علي: علم الدّلالة، دار الفلاح، ط١، عمان، ٢٠٠١.
٧ – زيغد، سعيدة: تحليل الخطاب الحواري، دار مجدلاوي، ط١، عمّان، ٢٠١٤.
٨ – السكّاكي، مفتاح العلوم، تحقيق: عبد الحميد الهنداوي، دار الكتب العلميّة، ط١، بيروت، ٢٠١١.
٩ – سيبويه، الكتاب، تعليق: إميل بديع يعقوب، ط٢، بيروت، ٢٠٠٩، خمسة أجزاء.
١٠ – صحراوي، مسعود: التداوليّة عند العلماء العرب، دراسة تداوليّة لظاهرة الأفعال الكلاميّة في التراث اللساني العربي، دار الطليعة، بدون طبعة، بيروت، ٢٠٠٥.
١١ – الغلايّيني، مصطفى: جامع الدّروس العربيّة، دار الكتب العلميّة، ط١١، بيروت، ٢٠١٢.
١٢ – فاخوري، عادل: الاقتضاء في التداول اللساني، عالم الفكر، بدون طبعة، الكويت، ١٩٨٩عدد ٣، مج٢.
١٣ – الماغوط، محمّد: مسرحيّة الأرجوحة، دار الثقافة والنّشر، ط١، بيروت، ٢٠٠٧.
١٤ – مختار، أحمد: علم الدّلالة، عالم الكتب، ط٥، جامعة القاهرة، القاهرة، ١٩٩٨.
١٥ – نحلة، محمود أحمد: الاتجاه التداولي في البحث اللغوي المعاصر، دار المعرفة الجامعيّة، ط١، القاهرة، ٢٠٠٢.
١٦ – هوّاري، ندى مرعشلي: الحمل على المعنى (توهّم أم أسلوب؟)، دار النّهضة العربيّ، ط١، بيروت، ٢٠١٨.
المراجع الأجنبيّة
17 – Austin, Quand Dire C’est Faire?, Trad (How To Do Things With Words?), Seuil, Paris, 1970.
19 – John Searle John:Indirect Speech Acts, University of California, Vol. 1, 1975.
20 – Searle. J.R, Expression and Meaning. Strudies in the Theory of Speech Acts, Cambridge University Press, New York.
21 – Wafa Berry Haj and Ghassan Mourad, Pragmatique et context, Publications de L’université Libanaise, Beirut, 2009.
المعاجم والموسوعات
22 – Dubois Jean, Mathée Giacomo, and others. Le Dictionnaire de Linguistique, Larousse, Paris, 2012.
23 – Paul Robert, Le Petit Robert, edition 2015, Paris.
الكتب المترجمة إلى العربيّة
٢٤ – يول، جورج: التداوليّة Pragmatics، ترجمة: قصيّ العتابي، الدار العربيّة للعلوم – ناشرون، ط١، بيروت، ٢٠١٠.
25 – Grice’s Account of Speaker Meaning, Mitchell GreenMitchell.green@uncom.edu تمّت المراجعة في ٢٥/٣/٢٠١
26 – Website of Teun A. Van Dijk. 4/4/2011
٢٨ – الشّنتوفي، محمّد: ديوان العرب، الجمعة ١٧ حزيران ٢٠١٦ www.diwanalarab.com
المجلات
أحمد أنمار إبراهيم، في مفهوم نظريّة الاستلزام الحواري، مجلة ديالى للعلوم الإنسانيّة، العراق، ٢٠١٦، العدد ٧١.
** أ ـ د ـ في الجامعة اللبنانيّة، الفرع الأوّل، اللغة العربيّة وآدابها.
[1] Website of Teun A. Van Dijk. 4/4/2011. P. 39.
[2] الماغوط محمّد (ت ٢٠٠٦م)، الأرجوحة، دار المدى، ط١، بيروت، ٢٠٠٧، ص ١٠١.
[3] الشّنتوفي محمّد، العنوان ما بين الوظيفة الدلاليّة والوظيفة الإحاليّة، ديوان العرب، الجمعة ١٧ حزيران ٢٠١٦ www.diwanalarab.com.
[4] ابن منظور: (ت ١٣١١م)، لسان العرب، دار صادر، ط٦، بيروت، ٢٠٠٨، ج٦، ص ١٠٣.
[5] وبهذا المعنى تطرح هذه الصّيغة اللغويّة (الأرجوحة) إشكاليّة تتطلّب توضيحاً مسترسلاً.
[6] زيغد سعيدة، تحليل الخطاب الحواري، دار مجدلاوي، ط١،عمّان، ٢٠١٤، ص ٤٤.
[7] يول جورج George Yule، التداوليّة Pragmatics، ترجمة: قصيّ العتابي، الدار العربيّة للعلوم – ناشرون، ط١، بيروت، ٢٠١٠، ص ١١.
[8] المرجع نفسه.
[9] نحلة محمود أحمد، الاتجاه التداولي في البحث اللغوي المعاصر، دار المعرفة الجامعيّة، القاهرة، ص ٢٠٠٢، ص ١٦.
[10] Dubois Jean (2015), Giacomo Mathée, and others, Le Dictionnaire de Linguistique, Larousse, Paris, 2ème édition, 2012, P. 375.
[11] صحراوي مسعود، التداوليّة عند العلماء العرب، دراسة تداوليّة لظاهرة الأفعال الكلاميّة في التراث اللساني العربي، دار الطليعة، بدون طبعة، بيروت، ٢٠٠٥.
[12] Debois Jean (2015), P. 28.
[13] Austin Jean (1960) , Quand Dire C’est Faire?, Trad (How To Do Things With Words?), Seuil, Paris, 1970, P.24.
[14] Tuen A. Van Dijk, P.43.
[15] Searle. J.R, (1932), Expression and Meaning, Strudies in the Theory of Speech Acts, Cambridge University Press, New York, first edition, 1979, P.2.
[16] Tuen A. Van Dijk, P. 39.
[17] “علم اللغة الاجتماعي هو جزء من علم اللغة الذي يتداخل مجاله مع علم اللغويّات العرقيّة، وعلم اللغة الاجتماعي، والجغرافيا اللغويّة، وعلم اللهجات” Debois Jean (2015), P. 435.
[18] Psycholinguistique: “هو دراسة علميّة للسلوك اللفظي ضمن هيئاته النّفسيّة” Ibid, P.390.
[19] Robert Paul (1980), Le Petit Robert, édition 2015, Paris, P.2345.
[20] يول جورج ، ص ٢٥.
[21] المرجع نفسه، ص ٣٧ و ٣٨.
[22] مختار أحمد (٢٠٠٣م)، علم الدّلالة، عالم الكتب، ط٥، جامعة القاهرة، القاهرة، ١٩٩٨، ص ١٣.
[23] الخولي محمّد علي، علم الدّلالة، دار الفلاح، عمان، ط١، ٢٠٠١، ص ١٩.
[24] المرجع نفسه.
[25] Mourad Ghassan, Pragmatique et Contexte, Publications de L’université Libanaise Sections des Etudes Linguistiques, Beyrouth, 2009, p.13.
[26] Austin, P.24.
[27] Ibid, P. 28.
[28] Ibid, P. 30.
[29] Ibid, P. 31.
[30] Van Dijk Tuen A., P.43.
[31] ابن جنّي، صناعة الإعراب، تحقيق: محمّد حسن إسماعيل وأحمد رشدي شحاتة عامر، دار الكتب العلميّة، ط٣، بيروت، ٢٠١٢.
[32] Grice’s Account of Speaker Meaning, Mitchell GreenMitchell.green@uncom.edu تمّت المراجعة في ٢٥/٣/٢٠١٨.
[33] Searle John (1932), Indirect Speech Acts, University of California, Vol. 1, 1975, P 59 – 61.
[34] فاخوري عادل، الاقتضاء في التداول اللساني، عالم الفكر، الكويت، ١٩٨٩، عدد ٣، مج٢، ص ٧٠٩ www.archive sakhri.com
[35] Grice’s Account of Speaker Meaning
[36] Van Dijk Tuen. A, P. 39.
[37] Ibid, P. 40.
[38] أحمد أنمار إبراهيم، في مفهوم نظريّة الاستلزام الحواري، مجلة ديالى للعلوم الإنسانيّة، العراق، ٢٠١٦، العدد ٧١، ص ١٠٧.
[39] ابن الفخّار (ت ٧٥٣ هـ)، شرح الجمل، شرح كتاب “الجمل في النحو والإعراب للزجّاجي” تحقيق: روعة ناجي، دار الكتب العلميّة، بيروت، بدون طبعة، ٢٠١٢، ج ١، ص ١٩. يتحدّث ابن الفخّار في شرحه للزجّاجي عن الكلام في الاستعمال والأفعال الإنشائيّة.
[40] الماغوط محمّد (ت ٢٠٠٦م)، ص ٤١.
[41] السكّاكي (ت ٦٢٦ هـ)، مفتاح العلوم، تحقيق: عبد الحميد الهنداوي، دار الكتب العلميّة، ط١، بيروت، ٢٠١١، ج١، ص ٢٥٤ – ٢٥٦.
[42] سيبويه (ت ١٧٥ هـ)، الكتاب، تعليق: إميل بديع يعقوب، ط٢، بيروت، ٢٠٠٩، مج٢، ص ١٢٧ – ١٥٨. يتحدّث في هذا الباب عن القرائن اللفظيّة والإضمار في الكلام
[43] الماغوط محمّد (ت ٢٠٠٦م)، ص ٤١.
[44] أدراوي العيّاشي، الاستلزام الحواري في التداول اللّساني، منشورات دار الأمان، ط١، الرّباط، ، ٢٠١١، ص ٩٧.
[45] Van Dijk Tuen A., P. 40 & 41.
[46] الماغوط محمّد (ت٢٠٠٦م)، ص ٥٥.
[47] المرجع نفسه، ص ١٣٤.
[48] ابن الفخّار (ت ٧٥٣ هـ)، ج١، ص ١٩ – ٢٥.
[49] الماغوط محمّد (ت٢٠٠٦م)، ص ٩٠.
[50] المرجع نفسه، ص ٩٠.
[51] المرجع نفسه، ص ١١٤.
[52] الماغوط محمّد (ت ٢٠٠٦م)، ص ١١.
[53] المرجع نفسه، ص ١٠٨.
[54] يول جورج ، ص ٣٩.
[55] الماغوط محمّد (٢٠٠٦م)، ص ٥٥.
[56] المرجع نفسه، ص ٥٧.
[57] المرجع نفسه، ص ٤١.
[58]ا الماغوط محمّد (٢٠٠٦م)، ص ٥.
[59] المرجع نفسه، ص ٦.
[60] المرجع نفسه، ص ٧.
[61] المرجع نفسه.
[62] المرجع نفسه، ص ١٠.
[63] الماغوط محمّد (٢٠٠٦م)، ص ١٠ – ٢٢.
[64] الماغوط محمّد (٢٠٠٦م)، ص ٢٣ و ٢٤.
[65] المرجع نفسه، ص ٢٧.
[66] المرجع نفسه، ص ١٢.
[67] المرجع نفسه، ص ٢٥.
[68] الفعل المتعدّي هو ما يتعدّى أثره فاعله، ويتجاوزه إلى المفعول به”.
الغلاييني مصطفى (ت١٩٤٤م)، جامع الدّروس العربيّة، دار الكتب العلميّة، ط١١، بيروت، ٢٠١٢، ج ١، ص ٣٥ و ٣٦.
[69] يكون الفعل لازماً إذا كان من أفعال السجايا والغرائز، أي الطبائع، وهي ما دلّت على معنى قائم بالفاعل لازم له”. المرجع السّابق.
[70] الماغوط محمّد (٢٠٠٦م)، ص ١٧.
[71] الماغوط محمّد (ت ٢٠٠٦م)، ص ٣٦.
[72] المرجع نفسه.
[73] الماغوط محمّد (ت ٢٠٠٦)، ص ٤١ – ٤٥.
[74] Jean Debois (2015), P.132.
[75] تحدَّث العلماء قديماً وحديثاً عن المبهمات التي في القرآن، وأولوها اهتماماً بالغاً، وصنّفوا في ذلك المصنّفات، ويرى البلنسي، رحمه الله، أنّ دراسة الآيات المبهمة في القرآن أولى بالاهتمام والعناية. ويقع الإبهام بسبب الاستغناء ببيانه في موضع آخر، أو كونه مشهوراً، أو بقصد السّتر عليه، أو لأنّه يتوجّب إخفاؤه، أو للتّنبيه على العموم، أو تعظيمه بالوصف دون الاسم، أو تحقيره بالوصف النّاقص.
أبو عبد الله محمّد بن عليّ البلنسي، تحقيق: حنيف بن حسن القاسمي، دار الغرب الإسلامي، ط١، مج١، بيروت، ١٩٩١، ص ٣٧ – ٣٩.
[76] هوّاري ندى مرعشلي، الحمل على المعنى (توهّم أم أسلوب؟)، دار النّهضة العربيّة، ط١، بيروت، ٢٠١٨، ص ٥٢ و٥٣.
[77] الماغوط محمّد (ت ٢٠٠٦م)، ص ١٠٦.
[78] الماغوط محمّد (ت ٢٠٠٦م)، ص ٢٣.
[79] المرجع نفسه، ص ٢٤.
[80] المرجع نفسه.
[81] المرجع نفسه، ص ٢٥.
[82] المرجع نفسه.
[83] المرجع نفسه، ص ٤٢.
[84] المرجع نفسه، ص ٣٣.
[85] المرجع نفسه، ص ٩.
[86] المرجع نفسه، ص ٦.
[87] المرجع نفسه، ص ٢٧.
[88] Wafa Berry Haj and Ghassan Mourad, Pragmatique et contexte, Publications de L’université Libanaise, Beirut, 2009, P.68.
[89] الماغوط محمّد (ت ٢٠٠٦م)، ص ٧٢.
[90] المرجع نفسه، ص ٢٧.
[91] المرجع نفسه، ص ٤١.