الأسطورة تتخطى الزمان والمكان
The legend transcends time and space
Dr. Katia Klass د. كاتيا كلاّس([1])
تلخيص
تثير الأساطير جدلًا قائمًا منذ ابتداعها لما تخفيه من حقائق في معانيها المرمّزة وصورها التعبيرية. لقد أنتجت المجتمعات القديمة الأساطير التي عبّرت من خلالها عن مواقف متعلقة بعدد من الظواهر، وكشفت مفاهيم الشّعوب وتصوّراتهم عن الكون وأسراره. وابتدعت الأساطير الدّين وغدت عقله الذي أخرج كائنات غير مرئية أصبحت مألوفة لنا، اعتدنا وجودها، وبتنا نتواصل معها وكأنها حيّة منذ الأزل وإلى مدى الدهور والأزمان. لا يزال عالم اليوم، وعلى الرّغم من التقدّم التكنولوجي الكبير، يبحث في المواضيع الأسطوريّة، وينتج بواسطة أدوات العصر أعمالاً فنية يستلهم أفكارها من مواضيع أسطورية قديمة أو حديثة. ولا تزال تشكّل الأساطير موضع اهتمام الباحثين والعلماء لأنّها ذات أبعاد عميقة في فلسفتها وأدبياتها وقصصها وحِكمها، وهي بذلك قلب العلوم الإنسانيّة النّابض. كل هذا يجعل من الأسطورة قوة خالدة تستحق البحث والدّراسة بما تحتّمه أدوات العصر الرّاهن. وعليه، تبحث هذه الدراسة مجموعة متنوعة من القضايا الأسطورية التي تظهر في بيئات مختلفة، قديمة ومعاصرة، لكنها متّحدة غالباً بالهدف الذي ترمي إليه. ولهذا، سيُتحقَّق في الأساطير التي تقود إلى استكشاف التاريخ، جغرافيّة البلدان، الأدب، الدّين، الفلسفة، الفنّ، علم اللغة، علم النّفس، السياسة، وغيرها من الأمور التي تبحثها العلوم الإنسانيّة.
الكلمات مفاتيح: علم الأساطير، الخرافات، حضارات، الحداثة، العلوم الإنسانيّة، التكنولوجيا، فنون، علم الآثار، الفلسفة، علم النفس، الأنثروبولوجيا، السينما، الأفلام الوثائقية.
Résumé
La mythologie a été controversée depuis sa création en raison de ses faits cachés dans des significations codées et des images expressives. Les sociétés anciennes ont produit des mythes à travers lesquels elles ont exprimé un certain nombre de phénomènes et ont révélé les concepts et les perceptions des hommes sur l’univers et ses mystères. Les mythes ont inventé la religion et sont devenus son cerveau, ce qui a permis de faire émerger des êtres invisibles qui nous sont devenus familiers, et nous communiquons avec eux comme s’ils étaient vivants depuis des temps immémoriaux et pour toujours. Malgré les progrès technologiques dans notre temps présent, le monde continue d’explorer des thèmes mythologiques et, à l’aide des outils existants, produit des œuvres d’art inspirées de thèmes mythologiques anciens ou modernes. La mythologie est encore un sujet qui intéresse aux chercheurs et scientifiques parce qu’elle possède une dimension profonde dans sa philosophie et sa littérature et sa sagesse, elle constitue donc le cœur des sciences humaines. Tout cela fait de la mythologie une force éternelle, digne de la recherche et de l’étude par les exigences des outils d’aujourd’hui. En conséquence, cette étude examine une variété de problèmes mythiques qui s’est posé dans des différents environnements, anciens et contemporains, mais souvent unis à leur objectif.
Par conséquent, les mythes qui conduisent à l’exploration de l’histoire, de la géographie des pays, de la littérature, de la religion, de la philosophie, de l’art, de la linguistique, de la psychologie, de la politique et d’autres sujets sur lesquels les sciences humaines enquêtent seront étudiés.
Mots clés : mythologie, légendes, civilisations, modernité, sciences humaines, technologie, arts, archéologie, philosophie, psychologie, anthropologie, cinéma, documentaires.
تقديم
ارتبطت الأساطير بشكل وثيق بالأديان وأدّت دورًا مهمًّا في تشكيلها، وذلك من خلال البحث عن سرّ نشأة الكون والوجود الإنساني، والصراع الدائم بين الخير والشرّ، الولادة والموت وما يستتبعه من حياة أخرى سوف يُحاسَب فيها المرء على ما قام به من أعمال في دنياه، واسترضاء الآلهة، والتكريم الخاص بالميت من أجل مساعدته في حياته الثانية.
تتعلق الأساطير بالأصول التّاريخيّة للمفاهيم الدّينيّة والاجتماعيّة التي عرفناها عن المجتمعات القديمة حتى اليوم. وطبعت الشّعوب -على مرّ العصور- بعادات وطقوس، استمدّ منها المفكرون والفنانون، قديمًا وحديثًا، أشكال من التّعبير الفكري والخيالي. فقد انتقلت الأساطير من شعب إلى آخر، وحيثما حطّت كلمتها، حملت مؤثراتها إلى الأرض التي أخصبت فيها، وأنبتت إلهامًا فكريًّا وعمليًّا وأبدعت.
ومع مرور الزّمن والتحوّلات التكنولوجية الكبرى، ظلّت روح الأساطير تحوم حول الشّعوب ناثرة عبق عطرها الزكي الذي يلطف ثقل نمط الحياة السّريعة التي يعيشها الإنسان المعاصر؛ حتى أنها باتت، في مظاهرها جميعها، المكمّل الغذائي للعلوم الإنسانيّة كافة، في الأدب والفلسفة وتاريخ الأديان والأنثروبولوجيا والشّعر والفنون وما إليها وحتى التّقنيّة مثل الأدب الطبي التقني.
من الناحية اللغوية، كلمة “أسطورة” في اللغة العربية مقتبسة من كلمة “استوريا” Historia اليونانية التي تعني حكاية غير حقيقية أو عكس الحقيقة أو قصة، وهي حرفيًّا تعني “تاريخ”، وكلمة “ميتوس” Mythos عند الإغريق تعني حكاية. و”ميثولوجيا” Mythology مركّبة من كلمتين: “ميتوس”، ولوغوس Logos أي “علم” (نحاس، 2006، ص. 9 ).
ومن الناحية التّاريخيّة، كانت الأسطورة قديمًا تعني شيئًا غير موجود في الواقع أي قصة خرافيّة لا أصل لها. فكان الفيلسوف المالطي طاليس Thales (624-546 ق.م.) أول إغريقي يعبّر عن موقف نقدي تجاه الأساطير الإغريقيّة. كما وجّه الفيلسوف اليوناني أرسطو Aristote (384-322 ق.م.) هجومًا عنيفًا على الأساطير بوصفها قصصًا وهميّة، وهو تلميذ أفلاطون Platon (427-347 ق.م.) الذي قال إّنها “حكاية القصص التي تحتوي عادة على الشّخصيات الخرافيّة” (LONG, 1980, p. 702 ).
في بداية القرن الثالث ق.م.، عمل الفيلسوف اليوناني أوهميروس Euhemerus على عقلنة الأساطير اليونانية، فقال في أشهر كتبه “التاريخ المقدّس”: “الآلهة كانوا في الأصل أبطالًا وملوكًا تاريخيين حيكت حولهم الأسطورة. أعتقد أن أصل الآلهة ملوك تاريخيين، وهكذا تكون الأسطورة خلطًا بين الحقيقة والخيال وتدور حول أعمال الملوك القدماء. وأنّ آلهة الإغريق بشر تاريخيون لا حقيقة لألوهيتهم”.
ولم تظهر الدّراسة الدّقيقة المخصّصة لجمع الأساطير في العالم الغربي وتفسيرها إلّا في الجزء الأخير من القرن الثّامن عشر. فقد كان الفيلسوف الإيطالي جيامباتيستا فيكو Giambattista Vico أول من قام برسم حالة واضحة لدور الخيال الإبداعي الإنساني في تشكيل أساطير مميّزة في مراحل ثقافية متعاقبة. وفي بداية القرن التّاسع عشر، أدّى تطوّر الدراسات المقارنة وبصفة خاصة في التاريخ وعلم اللغة المقارن Philology إلى التقدّم بخطى راسخة في دراسة الأسطورة (BOLLE, 1982, p. 795 ). وزاد الاهتمام بالأسطورة في ألمانيا، عن طريق الفلسفة التي وضعها فريدريك شيلينج Frederich Schelling.
وخلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ظهرت مدارس واتجاهات مختلفة، تباينت بالطريقة التي تعاملت فيها مع الأسطورة، وضمّت بين صفوفها العديد من العلماء والباحثين الذين ينتمون إلى مجالات شتى في الدراسات الإنسانيّة، تناولوا الأسطورة من منطلق تاريخي ولاهوتي ولغوي وفلسفي وإثنولوجي Ethnology (علم أصول الشّعوب) وأنثروبولوجي Anthropology (علم الإنسان). منهم من قدّم الأسطورة كدراسة بالاتجاه الرمزي الذي ينتمي إليه العالم الأنثروبولوجي الإسكتلندي جيمس فريزر James G. Frazer، والطبيب النّمساوي مؤسس علم التحليل النفسي سيغموند فرويد Sigmund Freud، والفيلسوف والمؤرّخ الألماني إرنست كاسيرر Ernst Cassirer في المرحلة الأولى من تطوّره؛ والاتجاه الوظيفي الذي ينتمي إليه الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي أحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث إميل دوركهايم Emile Durkheim، واللغوية وعالمة الكلاسيكيات البريطانية جين هاريسون Jane Harrison، والعالم البولندي المختصّ في علم الإنسان برونيسلاف مالينوفسكي Bronislav Malinowski في المرحلة الأخيرة من تطوّره؛ والاتجاه البنيوي ويمثله عالم الاجتماع والأنثروبولوجي الفرنسي كلود ليفي شتراوس Claude Lévi-Strauss (الجزيري، 1989، ص. 66). وهناك أساليب أخرى في دراسة الأسطورة، منها الرومانسي والمقارن والفولكلوري (BOLLE, 1982, p. 795 ).
ومن أشهر مؤرّخي الأديان في العالم الحديث مرسيا إلياد Mircea Eliade الذي يعرّف الأسطورة كالآتي (1991): “الأسطورة تروي تاريخاً مقدساً، تروي حدثًا جرى في الزّمن البدائي، الزمن الخيالي، هو زمن البدايات، بعبارة أخرى تحكي لنا الأسطورة كيف جاءت حقيقة الوجود، بفضل مآثر اجترحتها الكائنات العليا… لا تتحدّث الأسطورة إلاّ عما حدث فعلًا، أمّا أشخاص الأساطير فهم كائنات عليا، نعرفهم بما صنعوه في الأزمنة القوية ذات التأثير الفعال وهي أزمنة البدايات… لذا تعدُّ تاريخًا مقدسًّا وتاريخًا حقيقيًّا.
وبهذا، أخرج العلماء الغربيون تعبير “ميتوس” من معناه القديم الذي كان يعني قصة خرافيّة، وأعطوه معنى يتفق ونظرة المجتمعات القديمة له. وهكذا أصبحت “ميتوس” تعني أسطورة بعكس “لوغوس” أو “استوريا” التي تعني شيئًا غير موجود في الواقع أي خرافة، والميثولوجيا Mythology تعني علم الأساطير. وتجدر الإشارة إلى أن الأسطورة لا تؤخذ بحرفيتها، بل يجب البحث عن المعاني الخفيّة الكامنة فيها.
بناء على ما تقدّم، سنقدّم في هذه الدّراسة بعض النّماذج المختارة من مجموعة المواضيع الأسطورية.
- الإشكالية والفرضيات وهدف الدراسة وأهمّيتها
نقرأ من خلال الأساطير معتقدات الشّعوب القديمة التي تكشف أفكارهم في بيئاتهم المختلفة. ويسعى الباحثون إلى كشف أوجه التشابه والاختلافات بين أفكار الإنسان في الماضي ومقارنتها مع أفكار الإنسان المعاصر. فهل لا يزال البحث في الأسطورة موضع اهتمام العلوم الإنسانيّة وغيرها من العلوم في عالم اليوم؟ وما هي الآلية التي تسمح بتضافر الجهود البشريّة كي تدمج خبراتها المعرفية المختلفة لتستطيع إبراز دور الأسطورة ووضعها في خدمة العلوم الإنسانيّة كافة؟
أولى الفرضيات التي نطرحها هي أنه يمكن تناول الأسطورة وتفسيرها في وجهات نظر متعدّدة ومكمّلة، لتخرج بنتيجة إيجابيّة ومثمرة، كونها من العلوم المساعدة لكشف ودراسة الحقائق. فعلى سبيل المثال لا الحصر، من خلال الأسطورة، يستطيع علماء الآثار تتبع الأفكار الماورائية التي جعلت شعبًا معيّنًا يدفن بطريقة محدّدة، ويمكن لأخصائيّي علم النّفس تفسير حاجة تلك الشّعوب إلى اختلاق كائنات وهمية، كما تقدّم الأساطير مادة بحثيّة واسعة الآفاق بالنسبة إلى علماء فقه اللغة ومؤرخي الأديان، وهي –أيّ الأساطير- موسوعة فلسفيّة بالنسبة إلى دارسي الفلسفة وغيرها من العلوم ذات التوجّه الإنساني وحتى العلمي.
أمّا الفرضية الثانية فيمكن طرحها من خلال دمج الخبرات المعرفيّة المتنوعة ووضعها في قالب ثقافي متميّز يمكّن الأفراد كشف الأشياء التي تحتاج إلى فهم أفضل، وذلك تحت إطار العمل على بحوث متعدّدة التخصّصات التي يدعو لها العلم المعاصر.
تهدف الدراسة إلى وضع الإطار حول مكانة الأساطير في العلوم الإنسانيّة وما قدّمت من إلهام وإبداعات في شتّى المجالات. وقد آثرت اختيار الأسطورة لناحية عبورها الزمان والمكان، إذ يقول الفيلسوف الروسي ميخائيل باختين: “ما يحدث في الزّمكان الفني الأدبي، هو انصهار علاقات المكان والزّمان في كل واحد مدرك ومشخّص. الزمان هنا يتكثف، يتراص، يصبح شيئًا فنيًّا مرئيًّا، والمكان أيضًا يتكثف[…].” (باختين، 1990، ص 6)؛ ومن هنا أهمية هذا الموضوع الذي يسلّط الضوء على بعض القضايا التي أثارتها الأسطورة واستفاد منها العلم الحديث.
- مكانة الأساطير في العلوم الإنسانيّة
تردّد صدى عمل أحد أهم المنظّرين الألمان (النّصف الثاني من القرن العشرين) هانس بلومنبرغ Hans Blumenberg على الأسطورة التي لا يمكن لأي باحث فهمها إلّا من خلال “العلوم الإنسانيّة” لأنّها تمرّ عبر تخصّصات تتراوح من النّظريّة الأدبيّة، الفلسفة والدّراسات الدّينيّة والأنثروبولوجيّة إلى التّاريخ والسياسة. بالنسبة إلى بلومنبرغ، كانت الأسطورة في الأصل تكيّفًا ثقافيًّا شكّل محاولة إنسانيّة للتعامل مع المخاوف المتعلقة بقوى الطبيعة من خلال تجسيد تلك القوى في صور أسطوريّة (BLUMENBERG, 1985,).
اهتمّ المؤرّخ الفرنسي جان كلود شميدت Jean-Claude Schmitt بالجوانب الاجتماعيّة والثقافيّة جميعها لتاريخ العصور الوسطى في الغرب بمنظور وأساليب أنثروبولوجيّة، وعالج أفكارًا تتعلق بالدين والطقوس والخرافات وغيرها من المواضيع التي تتصل بها. من أقواله: “لقد شكّلت تحاليل الأساطير واحدة من أكثر فروع الأبحاث حيوية في العلوم الإنسانيّة لمدة لا تقل عن ثلاثين عاماً”.
كلود ليفي شتراوس كان له تأثير كبير على الصعيد العالمي في العلوم الإنسانيّة والاجتماعية. يُعدّ شتراوس رائد البنيوية الحديثة التي استلهم منهجها من تنوّع اهتماماته في الجيولوجيا والفنّ والأساطير والفلسفة والقانون واتجاهه الاجتماعي والأنثروبولوجي. كل هذا جعله يستقصي منهجًا جديدًا في البحث قادرًا على معالجة المجالات كافة ، أيّ البنيويّة التي تستخدم عدة تخصصات علميّة. من مؤلفاته، رباعيّة “أسطوريات” (من 1964 إلى 1971)، الأسطورة والمعنى (1978) (Random House Webster’s unabridged dictionary (RHWUD), 2001.).
قام أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بجامعة السوربون كلود ريفيير Claude Rivière بمعالجة إشكاليّة الأساطير الدّينية وأبعادها الاجتماعيّة، متكئًا على نتائج أبحاث علماء النّفس والتّحليلات النّفسيّة التي تثيرها مواضيع الأساطير الدّينيّة، كما عرض وظائف الأساطير النّفسيّة والتربويّة والاجتماعيّة والسياسية.
وتطول قائمة العلماء والباحثين والمهتمّين بعلم الأساطير على غرار المذكورين آنفًا. لكن المغزى من هذه الأمثلة هو أنهم ارتكزوا في دراساتهم بطريقة أو بأخرى على دراسات متعدّدة الاختصاصات، ما قادهم إلى الشّموليّة في طرح المواضيع، والتوصّل إلى استنتاجات أكثر دقة.
- الأسطورة تقود إلى المعرفة
لقد قاد فضول عالم الآثار الألماني هينريخ شليمان Heinrich Schliemann وحلمه في العثور على كنز بريام Priam، إلى معرفة حقيقة حرب طروادة التاريخية الموثقة في ملحمة الإلياذة([2]) التي قرأها وأصبحت رفيقه الدّائم، واكتشاف المدينة التي شغلت العالم ولم يستطع أحد قبله التوصّل إلى حقيقتها الفعلية.
قرّر شليمان العام 1868 البحث عن قصر أوليس Ulysse، وكانت الإلياذة دليله الذي لا يستغني عنه. في ذلك الوقت، كانت قصة حرب طروادة يكتنفها الغموض ولم تثبت صحتها بعد. لكن إصراره أفضى العام 1871 إلى اكتشافه أنقاض مدينة طروادة تحت تل هيزارليك Hisarlik في إقليم ترواس Trouas شمال غرب تركيا الحاليّة (Sacks, 1995, p. 355) ، إيمانًا منه أنّ المدينة التي وصفها هوميروس كانت مخبّأة تحت هذا الموقع بالتّحديد. فبعد أعمال التنقيب في المواقع المحدّدة في الملحمة الأسطورية، وجد الطبقات المتعاقبة لأطلال مدينة طروادة وهي لا تزال موسومة بالحرائق التي كانت قد اندلعت فيها إبّان الحرب (Heinrich, 1875, pp. iii-iv) . من بين اكتشافاته المهمّة في طروادة مخبأ من الذّهب وغيره من القطع الأثرية، عثر عليه في العام 1873 وأطلق عليه إسم “كنز بريام”، وقام بتهريبه خارج البلاد وقدّمه للحكومة الألمانيّة. وفي الحرب العالمية الثانية ضاع هذا الكنز، ثم ظهر لاحقًا في روسيا حيث هو محفوظ اليوم في متحف بوشكيا Pushkia. واتضح في ما بعد أنّ هذا الكنز لا ينتمي إلى بريام، بل إلى ثقافة مجهولة ازدهرت قبل طروادة بحوالي 1250 سنة (Maurrer, 2009, pp. 303-317) .
الرابط المفقود للقصة الذي حلّ عقدته شليمان، هو العناصر التي اجتمعت في الملحمة الأسطوريّة من تاريخ ومعالم جغرافيّة وأحداث سياسيّة، أجازت له الحلّ في فك هذا اللغز. وإن ارتكازه على القصة التي صوّرها هوميروس في الإلياذة وظنّ الناس لعقود أنّها مجرد خيال شاعر، وحبّه في الاستطلاع ونبش التاريخ، وطموحه في اكتشاف الكنز المفقود، مكّنته من تقديم مساهمة قيّمة للإرث الثقافي العالمي.
- الأسطورة والأحلام
بحسب قصيدة التكوين والخلق في الملحمة البابلية “الإينوما إيليش” Enūma Eliš التي تعني “عندما في الأعالي”، فإنّ سبب خلق الإنسان والغاية من عملية الخلق هي خدمة الآلهة، ليقدّم لها الطعام والشّراب، ليزرع أرضها ويرعى قطعانها (الشواف، 1997، ص. 226). لكن تكاثر عدد البشر وضوضائهم أزعجت الآلهة، فقرّر إنليل([3]) إبادتهم، فأرسل لهم الجفاف والمجاعة والأوبئة والأمراض. لكن، وفي كل مرة، كان الإله إيا/ إنكي Ea/([4]) Enki ينقذ البشر ويقدّم لهم الحلول بواسطة إنسان ورع كان متعبّداً له يدعى أتراحاسيس ([5])Atrahasis .إنما يقرر إنليل في الأخير إرسال طوفان، وينبّه الآلهة بأن يحفظوا السرّ. ولأن إيا كان قد أقسم على حفظ هذا السرّ، وهو الإله الحذق الذكي، استطاع بدهائه، وبشكل غير مباشر، إبلاغ أتراحاسيس رسالة لينبّهه عن هذا الموضوع، وجّهها له من خلف سياج القصب: “ذات ليلة كان أتراحاسيس نائمًا وظهر له إيا في حلمه وخاطبه وقال له”: (حذار يا أتراحاسيس المياه ستحطم كل شيء…) نهض أتراحاسيس من حلمه خائفًا وذهب في اليوم التالي إلى معبد إيا وسأله عن حلم البارحة […].” (الماجدي ،1998، ص. 175-176).
يُشار إلى أن قصة الطوفان هذه هي إحدى أكثر الأساطير تناقلًا في العالم القديم. ففي نسختها السّومريّة يظهر أتراحاسيس باسم زيوسودرا أي ذو الحياة المديدة، لأنه مُنح الحياة الأبدية من قِبل الآلهة بعد إنقاذه البشريّة من الهلاك (الشواف،1997، ص. 277)، و أوتنبشتيم في ملحمة جلجامش([6]) اللوح الحادي عشر (السّواح، 2002، ص. 162). ووصلت هذه القصة إلى العالم أجمع بواسطة التّوراة (الأصحاح: من 6 إلى 8) التي نقلت النص كما هو وأصبح بطل القصة يدعى نوح بدلًا من أتراحاسيس([7]).
الهدف الذي ابتغيناه من رواية أحداث القصة التي أسلفناها، هو الحلم الذي اختبره العالم القديم، وأنتج وثائق أدبيّة في استكشافه ومحاولة تأويله. وأنّ تاريخ الحضارات القديمة جميعها مملوء بقصص الأحلام وتفسيراتها. ويتضح من أحلامهم أنها صور للنماذج العامة التي يختص بها زمانهم ومكانهم([8]).
تفسير الأحلام في العالم القديم كان يستمد من الرّموز التي لا بدّ أنّها تحمل رسالة، خاصة من الآلهة لتكشف لهم معلومات معينة أرسلتها للشخص النّائم، وكان على المفسّر أن يعرفها ويحدّدها. ولطالما عبّر هذا الموضوع عن القلق النفسي عند البشر قديمًا وحديثًا. فالحلم يشكّل جزءًا من الحياة اليوميّة للناس الذين يعدُّون أن أحلامهم تنقل معلومات معيّنة بلغة رمزية تحتاج إلى فكّ رموزها، معتمدين في ذلك على الأشخاص المخوّلين بذلك. في العراق القديم كان يوجد طبقة من الكهنة تحمل اسم بارو barû (العرّاف) “يستطلعون الفأل ويفسّرون الأحلام ويرافقون الملك في حملاته […] وقد ورد ذكرهم كثيرًا في مراسلات أشور” (HOOKE, 1953, p. 52)، والـ شائيلو šā’ilu المخوّلين أيضًا بتفسير الأحلام (The Assyrian dictionary of the oriental institute of the University of Chicago (CAD), 1989, pp. 110-111) التي كانت تقترب في كثير من الأحيان إلى حدّ التنبوء. في إحدى الأساطير الأوغاريتية يحلم إيل ([9])El بعودة بعل ([10])Baal بعد أن خلّصته الإلهة عنات ([11])Anat: “وفي حلم إيل اللطيف الرحيم، في رؤيا خالق الخلائق، كانت السماء تمطر سمنًا، والوديان تسيل عسلًا، فأدركت أنّ بعل العلي حي، وأن الأمير سيد الأرض قائم.” (حداد ومجاعص،1995، ص. 75) هذه الإشارة تعني أن سكان تلك المنطقة كانت تعتمد على الزراعة في حياتها المعيشيّة.
وما قيل عن الأحلام أنّه بها “نلمس التجارب البدائية التي يتحدث بها الصوفيون. مثل هذه التّجارب، التي تُجرى بالطريقة التي تشبه الحلم، تشكّل المادة الخام التي ينشأ منها الشِعر والأديان والفنون وبعض النظم الفلسفيّة، تمامًا وكأنّها لغة عالميّة تمدّ اللغات البشرية بالتواصل. لأجل الغوص في المسائل التي تطرحها الأحلام، يتطلب ذلك معرفة كبيرة تضم معارف واسعة بالفلسفة والعلوم وتاريخ الأديان والثقافة الإنسانيّة والأساطير واللغات […].” (TEILLARD 1944, pp 7-8.).
وقيل في تفسير الأحلام الكثير، وجرت اجتهادات حثيثة في مجال الرؤيويات هذه، فأضحت جميعها مع الوقت في لاوعي الإنسان، يساهم كل عصر في إضفاء لمسته حتى أصبح للحلم علم يميّزه كباقي العلوم. فـ”لقد أُحيي علم الأحلام في العام 1900 تقريبًا، حينما كل المجالات الفنيّة والعلميّة والأدبيّة تعارضت مع تيارات “العقلانيّة” و”الفكريّة” في أواخر القرن التّاسع عشر. وقد أعادت فلسفة برغسون ([12])Bergson تأهيل الحدس، ومهّدت الطريق لتصوّر جديد للحلم.” (TEILLARD 1944, p. 13.).
تمتد تأثيراته علم النفس الذي يتطوّر باستمرار، ليس فقط إلى الفلسفة والتربيّة، ولكن أيضًا إلى علم الأساطير وتاريخ الأديان وما إلى هنالك. وإنّ دراسة الأحلام هي الأكثر إثراء بتقدّم التّحليل النّفسي (FREUD 1900). نذكر في هذا الصدد ما طرحه علم النّفس الحديث في تفسيره للرموز والنماذج البدئية: “كلما بحثنا في أصول “الصورة المشتركة”، كلما اكتشفنا شبكة لا تنتهي على ما تبدو من النماذج البدئيّة التي لم تكن لتسترعي الانتباه قبل العصر الحديث. فنعرف حول رمزية الأسطورة والحلم أكثر من أي جيل سبقنا. وفي الحقيقة، كان أناس الماضي لا يتفكرون برموزهم، بل كانوا يعيشون ويتأثرون بمعاني هذه الرموز دون وعي منهم” . (JUNG 1964, p. 81.).
وعلى الرّغم من أن “علم الأحلام” لا يزال يتطوّر يومًا فيوم، لكن الدّخلاء كثر، نراهم يتنطحون في الظهور على الشاشات التلفزيونية وفي البرامج الإذاعيّة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، يدّعون المعرفة بتفسير الأحلام للناس التي تؤمن بتأثيراتها في مجرى أحداث حياتهم.
- الأسطورة محرّك الطقوس الدينية الفعّال
احتضنت الميثولوجيا الدين في رحمها، وولدته لتنتشر ذريته في المعمورة كلها وتتوالد وتتكاثر، وتنجب أفكارًا ترعاها البيئات المتنوعة التي يحتلّونها. هنالك ديانات قديمة لا يزال أتباعها يعيشون بيننا، متخطين الزّمان ومتحدّين الأمكنة التي التزموا العيش بها حفاظًا على طقوسهم الخاصة التي شكّلتها ميثولوجيات ابتكروها وتحدّدت معها طرق الدفن أو الطرق الحياتية الاعتيادية.
نذكر من تلك الديانات “الزرادشتية”([13]) التي تعدُّ أن الإله أهورامازدا AhuraMazda قد أوصى بحفظ أربعة عناصر مقدّسة وهي: النّار والهواء والماء والتراب. ويجب عدم تلويثها بأي شكل من الأشكال. وبهذا استحال عليهم الدفن في الأرض ولا حرق الجثث ولا رميها في الأنهر. ولما كان إله الزّرادشتيّة قد أوصاهم في وضعها في أعلى القمم الجبليّة كي تأتي الكلاب والكواسر لتنهشها (عبد الرحمن، 2009، ص. 284)، وبسبب تكلّل الجبال بالثلوج معظم أيام السنة وصعوبة الوصول إليها، ابتكروا أبراجًا دُعيت “أبراج الصمت” (الداخما)، وأصبحوا يضعون الجثث فوقها، فتأتي الطيور الكاسرة وتأكل بقايا الجثث. لكن هذا الأمر لم يعد مقبولًا في عالم اليوم الذي تزايدت فيه أعداد البشر وضاقت فيه المساحات، إضافة إلى احتجاجات الناس التي تعيش إلى جانب الزرادشتيين واعتراضهم على فكرة الدفن هذه. فتقرّر منذ العام 1978 إغلاق الداخمات جميعها، وجعل دفن الجثث في خرسانات مسلّحة ثقيلة، أو حرقها في أفران كهربائيّة خاصة (PREVOST p. 11)، وبذلك يكونون قد حافظوا على جوهر العقيدة في عدم تلويث العناصر الأربعة المقدّسة.
الديانة الثانية التي لا تزال حاضرة اليوم هي “المندائيّة” التي عاشت قديمًا في الجنوب العراقي، والتي كان يُعتقد أن جذورها تعود إلى إحدى طوائف البحر الميت. تعتمد هذه الدّيانة على المياه في طقوسها جميعها، لأنّهم يعتقدون أن الطهارة هي الأساس، وأنّ الإله هو نور والمياه شكل من أشكاله النورانيّة. والطقس الأساس عندهم هو العماد بالماء الذي يطرد النجاسة من الجسد والخطيئة من الروح (BUCKLEY 2002, p. 31.). لذا، فهم يقيمون بشكل دائم جانب الأنهر الجاريّة حيث يبنون عليها بيت العبادة “المندي”. يتكوّن التراث الأدبي الدّيني المندائي من مجموعة كتب دينيّة، ونصوص تتحدث عن الأساطير المندائيّة التي تدور حول خلق الكون والإنسان والصّراع بين قوى النّور والظلام ويوم الحساب، ومجموعة طلاسم وأدعية ونصوص سحرية لطرد الأرواح الخبيثة، وأدعية لاستجلاب عطف القوى الروحانية وما شابه ذلك (سباهي، ،1996، ص.ص. 13-16؛ دراوور 2006، ص.ص. 53-59؛ المدني، 2009، ص.ص. 19-23؛ الحسني، 1931، ص.ص. 60-61). ومن الأمور التي استمدّوها من تلك الأساطير، لديهم ما يسمّى “السكندولة” أو السكين دوله التي يترجمها المندائيون بمعنى “مسكن الشرّ” (سكان إداولا)؛ هي ختم طلسمي (حلقة مصنوعة من الحديد وتُلبس في اليد)، تحمل نقوشًا تمثل الأسد والعقرب والنّحلة والأفعى التي تشكل الإطار بنقطة التقاء ذيلها ورأسها، وبحسب الكهان فإن هذه الرّسومات تمثل قوى الظلام. تُلبس “السكندولة” أثناء التّعزيم ومن قبل من كان معزولًا في حالة النّجاسة (مثل الولادة والزواج) وتُختم بها سرّة الوليد، كما يُختم بها القبر في طقوس الدفن. ولا يزال المندائيون يستعملون “السكندولة” إلى اليوم، ويعدُّونها وسيلة من وسائل الحماية ضد الكائنات الظلاميّة الشريرة([14]).
“الئيزيدية” هي أيضًا إحدى الديانات التي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا. هاجر الئيزديون من جنوب الرّافدين إلى شماله عندما سقطت دولة بابل العام 539 ق.م. وقد اختاروا العيش في وادي لالش المقدّس حيث بنوا معبد الشيخ عدي بن مسافر([15]). ويعود سبب اختيار المكان هذا بحسب ما أظهرته دراسة الميثولوجيا الئيزيدية، أن السفينة التي صُنعت لمواجهة الطوفان، تقع في عين سفني الكائنة في الشيخان التابع لمحافظة نينوى حاليًا، أي في نفس المكان حيث بنوا مكانهم الديني المقدّس (حبيب، 2006، ص 35). يحمل الئيزيديون كرة صغيرة بحجم حبة البندق مصنوعة من تراب لالش والماء المقدّس فيه يسمّونها “البرات”، دلالتها الرّمزيّة تشير إلى كروية الأرض، يمنحونها شيئًا من القدسيّة والتّبجيل، ويحتفظون بها معهم في كل حين وتصاحبهم عند الوفاة، فهم يعتقدون أنها تشّكل نوعًا من الحروز ضد الشرّ (الرشيداني، 2013، ص 68.).
في حضارة وادي الرافدين القديمة كان يوجد فئة من الكهنة تدعى “كالو” Kalû، ورد ذكرهم في النّصوص الأكادية العائدة الى الألف الثالث ق.م. وكانت مَهَمَّتهم القيام بالغناء والنّحيب أثناء دفن الموتى (RACHET 1999, p. 234). مقارنة مع الئيزيدية، تؤدّي هذه الأخيرة المراسم والشّعائر الدّينيّة والمدفنيّة بالعزف على الموسيقى بواسطة “قوّال” (عبود، 2006، ص.ص 66-68) تمامًا كما هي لدى البابليين. ويوجد رمز الإله البابلي شاماش ([16])Šamaš “قرص الشّمس” منحوت على بوابة معبد الئيزيديين المقدّس ومرسوم على شواهد القبور في مدافنهم مع الإله آشور([17])، كما أنّه نفسه لدى الزّرادشتيين.
نستخلص من هذه الأمثلة التي قدّمناها أن لا الزّمان ولا المكان استطاع النّيل من الفكر الميثولوجي لدى تلك الديانات الثلاث. فمنهم من تخطّى مشكلة المكان واضطر إلى التأقلم مع البيئة والمجتمع الحديث، كما فعل الزّرادشتيون في تغيير أسلوب الدّفن لكن مع الاحتفاظ على جوهر العقيدة في الطريقة المستحدثة. ومنهم من لا يزال يحتفظ برموز استوحاها من الفكر الميثولوجي، كما يفعل المندائيون إلى اليوم في استعمالهم ختمهم السحري. ومنهم من أقحم الأسطورة في اختياره موقع بناء المعبد الديني، وحمل حروزًا مصنوعة من الطين والماء المقدّسين للمعبد كي تقيه الشّرور في الحياة وفي الممات، ونقل بعض رمزيات ميثولوجيات العالم القديم لتعبّر عن شعائره الخاصة، كما فعل الئيزيديون.
من ناحية أخرى، نتعرّف من خلال الأساطير والملاحم على الطقوس المدفنيّة التي كانت تجري في الحضارات القديمة من حيث مظاهر الحزن والحِداد. على سبيل المثال:
إحدى القصائد الأوغاريتية “بعل وموت([18])“، يتبيّن منها حالة الحزن والحِداد وطريقة الدّفن في أوغاريت في ذلك الوقت، أي في الألف الثاني ق.م. يسرد النّص قصة صراع بين إلهين “بعل وموت” ينتهي بانتصار هذا الأخير ومقتل الأول (الذي يعود لاحقًا إلى الحياة مرة أخرى). وبحسب النّص، عندما علمت عنات شقيقة بعل بالأمر، أصعدت جثة أخيها إلى قمة جبل “سافون” وأقامت طقوس الموت. ولدى وصول النّبأ إلى والد بعل الإله إيل، نزل عن عرشه كي يقيم له الحداد. يقول النص:
“حداد الإله إيل: ذرّ على رأسه أوساخ الحداد، وعلى جمجمته الغبار الذي يتعفّرونه، وغلّف كليتيه بكيس، وجرّح جلد جسده بحجر، وجزّ لحيته بالمقص، وجرّح خدّيه وذقنه في ثلاثة مواضع، وشقّ عضلات ذراعه كما يُحرث الحقل، كما جرّح صدره، وجرح ظهره في ثلاثة مواضع أصبح كأرض في الوادي [….].
حداد عنات: لقد جرّحت جسدها بحجر، وجزّت جدائلها بالمقص، وجرّحت وجهها وذقنها في ثلاثة مواضع، شقت عضلات ذراعها مثلما يحرث الحقل، وأيضًا صدرها، وجرّحت صدرها في ثلاثة مواضع وكأنه أرض في الوادي… بكته ودفنته في الأرض المقدّسة ووضعته في المقبرة الإلهية الأرض، وذبحت سبعين ثورًا بإسم القدير جدًا بعل، كما ذبحت سبعين خروفاً […]، وذبحت سبعين وعلًا […]، وذبحت سبعين عنزًا برّيًّا […]، وذبحت سبعين حمارًا […].” (لابات وآخرون، 2012، ص.ص 484-486).
في المشرق القديم جرت ممارسات مماثلة كتلك الموصوفة في هذه القصيدة، فقد “كان إيرانيو الشرق يمارسون طقوس الرثاء بشكل عنيف، كأن يضربوا أنفسهم الذي يصل أحيانًا حتى الانتحار.” (ELIADE 1976, p. 343).
وفي أقدم ملحمة في التاريخ “ملحمة جلجامش” الرافدينيّة، عندما يموت إنكيدو Enkidu صديق الملك جلجامش، يحزن عليه ويقيم له كل مظاهر الحِداد:
“[…] صار يمشي جيئة وذهابا أمام الفراش […] وينتف شعره المظفور ويرميه على الأرض، خلع ثيابه الجميلة ومزقها ورماها […]
من أجل إنكيدو، خلّه وصديقه، بكى جلجامش بكاء مرا، وهَامَ على وجهه في البراري […]
سأجعل أهل “أوروك” يبكون عليك ويندبونك، وسيحزن عليك أهل الفرح […] وأنا نفسي بعد أن توسد في الثرى سأطلق شعري، وسألبس جلد الأسد وأهيم على وجهي في البراري.” (باقر، 1980، ص.ص 73-74).
التّعبير عن الحزن الشديد بطريقة خلع المظاهر الملوكية وتعذيب الجسد أو إلباسه ثياب جلود الحيوانات والندب والرثاء، يدلّ على صلات ثقافية بين المعتقدات في المشرق القديم.
- الأسطورة تعبر الأماكن وتتجاوز الآفاق
تحفل الأسطورة بمعالم البلدان التي كتبت عنها، وتقودنا من خلالها إلى معرفة حلقات التّواصل بين الشّعوب كالعلاقات الاقتصادية وغيرها، وتُظهر بعضاً من أوجه التشابه بين الثقافات التي تستند، كما يبدو إلى حدّ ما، إلى الآليات المعرفية المشتركة وخصائص الأساطير في تلك المجتمعات.
نتخذ على سبيل المثال من أساطير مصر القديمة أسطورة أوزيريس ([19])Osiris الذي قتله أخوه الحسود سيث Seth بعدما صنع له صندوقًا وضعه فيه بالحيلة وأطبق عليه وختمه بالرصاص، وألقاه في النيل الذي حمله نحو البحر. عندما علمت إيزيس Isis زوجة أوزيريس بالأمر، أبحرت وراء مصبّ النهر إلى داخل البحر بحثًا عن نعش زوجها الذي انجرف إلى ساحل جبيل، وتجذّر في شجرة “طرفاء” ([20])Tamarisk حُوِّلت إلى عمود في قصر الملك الفينيقي وبداخلها أوزيريس الميت. وبعد مفاوضات أجرتها إيزيس مع هذا الملك، استطاعت الحصول على التابوت وأعادته إلى مصر (MAJSOV 2005, pp. xix-xx; BUDGE 1908, p. 48).
أهمية هذا الموضوع هي المعاني والدّلالات العديدة التي يمكن استخراجها منه:
أولًا: تختلف النّصوص في تسمية الشجرة التي اندمج بها التابوت الذي يحوي جسد أوزيريس الميت، فمنهم من يصفها بالشّجرة العجيبة أو الرائعة، وآخرون يقولون إنها شجرة أرز أو خلنج Erica، لكنني أجد الطرفاء هي الأقرب إلى المنطق، لأنّ الأسطورة تتحدث عن الساحل الجبيلي، والطرفاء –كما تمّ تعريفها في الهامش 51- تنمو إلى جانب المياه ويُصنع من سيقانها الصلبة الأخشاب والسّفن، وجبيل كانت تشتهر بصناعة السفن. وما يدعم هذه الفرضيّة أيضًا بأن الأرزة شجرة باسقة العلو، أمّا الشّجرة المذكورة في الأسطورة فهي “شجرة صغيرة (NARDO 2001, p. 36.) ” تمامًا كالطرفاء.
ثانيًا: شجرة الطرفاء كانت مقدّسة في العراق القديم، استخدموها في العلاجات الطبية لأنّهم عدُّوها ذات خصائص تنقية مرسلة من الآلهة، وقد تكرّر ذكرها في التعاويذ الخاصة بالشّفاء كقوّة سحريّة، حتى أنّهم اعتقدوا أنّ جذورها تمتد إلى العالم السفلي: “الطرفاء، شجرة ثابتة، .. جذورها تلامس العالم السفلي […].” (CUNNINGHAM 1997, p. 27) الطرفاء وما تحمله من معتقدات بالنّسبة إلى الرافدينيين، يبدو تأثيرها في الفكر المصري وقد خصّصوها في أسطورتهم، كما تشير إلى اعتقادهم كمثل الشّعوب القديمة بسكن الأرواح أو الآلهة في الشجر([21])، وهي من بين أنواع الأشجار التي كانت معروفة في مصر والتي استخدمها الحرفيون في الصناعات الخشبيّة (SHAW & NICHOLSON 2002, p. 295 ; DAVID 2003 1998, pp. 242-243) ، ومنها صناعة النّعوش كتلك التي أتت من المملكة المتوسطة Djehetynakht (COONEY 2015, p. 274). أضف أنّه تشهد عليها فنون المقبرة الملكيّة Mentuhotep (المملكة القديمة) وقد “زرع المصمّم 53 شجرة tamarisk […] في الحديقة” (BLEIBERG 2005, p. 39).
ثالثًا: الطريقة الدّبلوماسيّة في التعامل بين المصريين والفينيقيين التي نستشفها من القصة. فقد عمدت إيزيس إلى التفاوض مع الملك الفينيقي، أدّى إلى إقناعه بإعطائها الصندوق من داخل عمود قصره الذي يحوي زوجها الميت ونقله إلى مصر، أي أنّ أسلوبها البارع يمثل عمل الدّبلوماسي اللبق في تعامله مع الآخرين.
قصة أخرى ترويها ملحمة جلجامش الرّافدينيّة عن عبور هذا الملك أماكن كثيرة بحثًا عن نبتة الخلود، ومنها غابة الأرز في لبنان حيث يواجه مع صديقه انكيدو الوحش حارس الغابة الذي يدعى همبابا Humbaba. تصف الملحمة الغابة:
“كانا يتأملان انبساق أشجار الأرز […] ممرات مستقيمة وطرقات واضحة المعالِم. (ومن بعيد)، كان يمكن رؤية جبل الأرز مسكن الآلهة […] على سفح (هذا) الجبل، كانت أشجار الأرز تنشر فروعها […] كانت الغابة مكتسية بأجمّة كثيفة الالتفاف […] والأرز و”البالاّكو” (Ballaku) ذي الأريج والميعة (Styrax نبات يستخرج منه صمغ لتثبيت العطور).” (حنون، 2006، ص. 141؛ الشواف، 2001، ص. 321).
وهذا دليل على قِدم معرفتهم بغابات الأرز وجغرافيّة لبنان، إذ تصف الملحمة سهل البقاع الذي يشرف عليه جبل حرمون وكأنّه نتيجة انهيار وقع عندما تصارع البطل جلجامش مع همبابا “فجعلت ضرباتهما المتقطعة حرمون ولبنان ينفصلان.” (الشواف، 2001، ص 327) وكما وصفت الملحمة الأشجار المتنوعة إلى جانب أشجار الأرز، يرد أيضًا ذكر للأشجار والأخشاب كهدايا مقدّمة من همبابا إلى الملك في مقابل أن يبقي على حياته “[أبقِ على حياتي يا جلجامش]… [وسوف أسلّمك] عدد الأشجار الذي تطلبه. وأحتفظ لك أيضًا بشجيرات ريحان… وبأنواع الخشب جميعها لتجميل [أبنية مدينتك].” (الشّواف، 2001، ص 328؛ حنون، 2006، ص 145) أيّ أنّ أشجار الأرز والأخشاب المتنوعة كانت تُنقَل لصناعة الأبنية في العراق القديم، وهذا يدلّ على علاقات اقتصادية بين البلدين، وما يدعم هذه الفرضيّة هو الوصف الدّقيق في قيامهم بقطع الأرز ونقله إلى نفر([22]) عن طريق الفرات “[…] قمنا بقطع أرزة باسقة بشكل خاص، قمّتها كانت تشقّ السّماء! أطلبْ أن يُصنع منها ردفة بوابة […] سوف ننقلها إلى نفر، محمولة على الفرات، وسوف تبتسم بها نفر.” (الشواف، 2001، ص 334؛ حنون، 2006، ص 149-150).
- عالمية الآلهة الأسطوريين
يُخبر لوسيوس أبوليوس ([23])Lucius Apuleius في قصته “الحمار الذّهبي” التي كتبها في القرن الثاني ق.م. أنّه كان يبحث عن الإلهة إيزيس التي ظهرت له وخاطبته قائلة : “أنا، أم الكون، سيدة جميع العناصر، المولود الأول في الدّهور، الأعلى بين الآلهة، ملكة الظلال، أول من سكن السماء، أمثل في شكل واحد جميع الآلهة والآلهات، حاكمة الأرواح وملكة الأموات والخالدين[…] وعلى الرّغم من عبادتي بمختلف المظاهر المعروفة بعدة مسمّيات واسترضائي بمختلف الطقوس، فإنّ كلّ الأرض الدّائريّة تعبدني.” (APULEIUS 2004, p. 172) وهذا يدل على عالميّة هذه الإلهة وعبادتها بمختلف الأشكال والتسميات.
خلال التنقيبات الفرنسيّة في أوغاريت (مملكة قديمة في سوريا، تقع أنقاضها في تل أثري يدعى رأس شمرا) بين عامي 1930 و1931، عُثر على ملحمة مدوّنة على ثلاثة ألواح طينيّة وكِسرة رابعة تكملها، تروي قصة رجل صالح يدعى دانيل Dan’el أو دانييل Daniel، ويعني إسمه “قاضي الإله”، إذ كان قاضيًا حكيمًا عادلًا ينصف الأرامل واليتامى، ويلقب بالـ “رافا” Rapha([24]) (PRITCHARD & FLEMING 2011, p. 134) وقد حكم القدر على هذا الرجل أن يكون عقيماً، فيعمل على استدرار عطف الآلهة بكل الطرق المتاحة كتقديم الأضاحي وإقامة شعائر طقوس الموتى لأسلافه…الخ. وبعد سبعة أيام من رفع الابتهالات المتواصلة إلى الإله بعل، يرق قلب هذا الأخير ويتوسط لدى الإله إيل ليمنحه الخصب، فتتم الإرادة الإلهية وتلد زوجته صبيًّا يسمّيه أقهات Aqhat (إدزارد وآخرون ، ص.ص 226-227). الأبحاث التي أجراها العلماء حول النص، تُبيّن أن دانيل كان ملكًا mlk يحكم إقليمًا يشمل مدنًا عديدة، ويحمل لقب “mt hrnmy” ترجمته “الرجل الـharnamite” أو “الرجل من Harnam”، وهو ما سوف يكشف إسم عاصمة مملكته (CAQUOT 1974, p. 402). في وثائق “ماري” Mari (مملكة قديمة في سوريا، إسمها اليوم تل حريري) و “ألالاخ” Alalakh([25])، عبارة “رجل (من مدينة)” هي أسلوب للإشارة إلى ملك مدينة أجنبية. وبدا أن إسم المكان Harnam قد نُسخ HRNM في الوثائق المصريّة للإمبراطورية الحديثة بردية Anastasi I، وهي تتوافق في تحديد منطقة “الهرمل” الحاليّة في البقاع اللبناني (ALBRIGHT 1953, pp. 26-27). وهذا يعني أن دانيل لم يكن أوغاريتيًا، وعلى الرّغم من هذا فقد حقق له الإله “إيل” رغبته بوساطة “بعل”. أي أن الآلهة تخطت حدود منطقتها وساوت بين البشر وعاملتهم على حدّ سواء.
- الأسطورة من ناحية الأعمال الفنية
قراءة الأسطورة لا تجري فقط من خلال النّصوص، فقد استُثمِرت القصص الأسطوريّة في الأعمال الفنيّة منذ الحضارات القديمة من ما قبل التاريخ، كالرّسم الجداري في Lascaux في فرنسا (بين 17000 و15000 ق.م.)، وفيها رسومات تحكي قصصًا لها علاقة بطقوس سحريّة([26])؛ وفنون حضارات الرافدين ومصر القديمة والكنعانيّة التي جسّدت مظاهر الألوهة والطقوس الدّينيّة وغيرها من القصص والأفكار الماورائيّة؛ والفنون الكلاسيكيّة القديمة (من 500 ق.م.-450 م.) أي الرومانيّة-اليونانيّة وصولًا إلى عصر النّهضة والعالم الحديث. فالفنّ هو ظاهرة من ظواهر النّشاط الإنساني، يعكس مجمل ثقافة الكائن الاجتماعي.
وعلى سبيل المثال، لقد جُسِّدت أسطورة طرد آدم وحواء من الجنّة (العهد القديم: سفر التكوين 1-11) على يدّ الفنان الإيطالي مازاشيو Masaccio مع آخرين في بداية عصر النّهضة على إحدى جداريات كنيسة سانتا ماريا ديل كارمين Santa Maria del Carmine في مدينة فلورنسا (1425). وقد أظهر العمل الفني حالة اليأس والخجل على الكائنين الأولين المطرودين من الجنّة المزعومة في القصة (CHRISTIANSEN 1991, p. 7; & CASAZZA 1990, p. 46)
وإن قصة خلق آدم الإنسان الأول تحوّلت إلى رسمة على جزء من جدارية سقف كنيسة Sistine في الفاتيكان The Sistine Chapel، رسمها مايكل انجلو([27])Michelangelo العام 1512. تُظهر الرّسمة القصة بشكل الإله الخالق المحاط بالملائكة في السماء وهو يمدّ يده نحو آدم الجالس على الأرض وبالكاد تتلامس أصابعهما. وقد استُنْسِختِ اللوحة في عدد لا يُحصى من التقليد والمحاكاة الساخرة للموضوع (STEINBERG 1992, p. 564).
كما تُنظَّم الوثائقيات عن المواضيع الأسطورية كالتي تُبث على الفضائيّات في محطات متخصصة مثل National Geographic والجزيرة الوثائقيّة وغيرها. انطلاقًا من هذه النّقطة، ارتأيت أن أطرح موضوع عالِم الأساطير الأميركي جوزف كامبل Joseph Campbell (1904-1987) الذي لقي برنامجه الحواري «The Power of Myth» مع الصحفي بيل مويرس Bill Moyers شعبيّة وجماهيريّة كبيرتين في التلفزيون الأميركي. فقد بُثَّ هذا العمل الوثائقي العام 1988 (أيّ بعد عام واحد من وفاة Campbell) في ست حلقات مدة كل منها ساعة، ووُثقت حلقات هذا البرنامج في كتاب يحمل الاسم نفس صدر في السنة نفسها. إحدى الحوارات بين كامبل و مويرس تدور حول استكشاف دورة الأبطال الكلاسيكيين، بما في ذلك نماذج البطل في الأدب وحتى أفلام حرب النجوم. وكان كامبل يشجع الجمهور على رؤية أجزاء من حياتهم على أنها رحلات بطولية، واكتشاف ما يثيرهم وجعل هذا الأساس لرحلاتهم الشّخصيّة. أهميّة هذا الموضوع هو عامل التّحفيز الذي يحرّك به عالِم الأساطير النّاس والذي من شأنه حثّ مكامن الأسطورة داخل كل إنسان، وكم هو قدير هذا التحريك في تأجيج روح البحث الذي يؤدّي إلى توليد أفكار جديدة وأعمال أدبيّة طابعها أسطوري. ولا يقف الطرح عند هذا الأمر، بل إنّ أشهر كتبه «The Hero with a thousand Faces» (1949) الذي يناقش فيه نظريته حول رحلة البطل النموذجي التي تشاركها الأساطير العالميّة، قد طبّقتها مجموعة واسعة من الكتّاب والفنانين المعاصرين. وأنّ أول أفلام “حرب النجوم” الذي بُث العام 1977، يقول صانعه جورج لوكاس Georges Lucas أنّ أفكاره تشكّلت جزئيًّا من خلال أعمال كامبل. وتجدر الإشارة إلى أنّه في أعمال كامبل الكثير من الفن والأدب والفلسفة، كما تظهر بصمته في علم النفس والأنثروبولوجيا([28]). من أشهر أقواله: “الأسطورة هي الانفتاح السرّي الذي تتدفق من خلاله طاقات الكون التي لا تنضب إلى مظاهر ثقافيّة بشريّة.” (CAMPBELL, 1949, p. 3).
- الرّواية الأسطوريّة
من خلال الإدراك العميق للأسطورة، ازداد الإقبال على الأعمال التي تحمل الطابع الروائي الأسطوري، نختار إحداها “عين الفرس” للكاتب المغربي الميلودي شغموم (2005) التي تلامس في طياتها الواقع وتشرح همومه وقضاياه ومشاكله، نرى فيها محاكاة للأساطير التّقليديّة المعروفة التي تنقل مشكلة ما قد حدثت فعلًا، وتحاول إيجاد الحلّ لها. تقول الرواية إنّ عين الفرس هي مدينة تقوم على السّاحل وهي مليئة بالناس البسطاء الذين يرزحون تحت سلطة طاغية مستبدة، وهم جياع يحلمون بلقمة تسدّ جوعهم. في هذا الواقع المرير الذي يعيشه أهالي هذه المدينة، استسلموا للأوهام والنبؤات الكاذبة حولهم. وقد انتشرت بين الناس أسطورة إسمها “البسطيلة”، وهي طعام سوف يُجلَب لهم، فقد كانوا يشاهدون كل ليلة ضوءًا ساطعًا في البحر، وتخبرهم الأسطورة الملعونة هذه أن ذلك الضوء هو طعام. لكن الحقيقة تنكشف في ما بعد ليجدوا أن هذا الضوء القوي في عرض البحر ما هو إلّا السّفن الإسبانيّة المنتشرة التي تستخدمه لاصطياد الحيتان.
نستخلص العبرة من هذه الرّواية أنّ الأسطورة تحمل معاني الأمل للناس، فيلجأ البعض إليها كي يجدوا الراحة بين حناياها، لكنهم يصطدمون في ما بعد بواقعهم الذي استسلموا له من دون اللجوء إلى أساليب أكثر حقيقيّة. كما أنّ لهذه الرواية جوانب أخرى منها سياسيّة، فهي تتحدث عن واقع الحال السياسي الذي تعيشه معظم الدول الإقليميّة من تعسّف في استعمال حقّ السّلطة وتفرّد هذه الأخيرة بالخيرات وتنعّمها بها من دون التّفكير بالناس الفقراء والجوع الذي ينهشهم. والجانب النّفسي للموضوع هو في “موت الأنا” وهو مصطلح يشير إلى التحوّل الأساسي في النفس. ففي استسلام الناس وعدم النّهوض في وجه الحكّام الظالمين موت للأنا التي تسكنهم وفقدانٌ للحسّ.
رواية أخرى تحمل عنوان “هاتف المغيب” للكاتب المصري جمال الغيطاني (1970)، تعتمد أسلوب الرواية في كليلة ودمنة لابن المقفع وأسلوب ألف ليلة وليلة. تدور أحداث الرّواية عن شاب مصري يحس بهاتف غريب يضطره إلى الهجرة نحو مغيب الشّمس في رحلة تملؤها العجائب. “كانت رؤيته تلك بمثابة البحث الخيالي/ الواقعي عن علاقة الإنسان بالمكان، حدود العلاقة هي الجغرافيا، أمّا مجالها فهو التاريخ. يجمع فيها بين جغرافيّة المكان الروائي وتاريخ أحداثها، خيالٌ خصب وذاكرة تراثيّة تزدحم بالمفارقات والأحداث.” وقال فيها صلاح فضل أنها: “مقصوصة من قماش أسطوري، لا يمثل الواقع المباشر ولا اللحظة التاريخية المنتهية، بل تقع وراء الزمان والمكان… صنوف من الرمز المؤطر في ميثولوجيا أشواق الوجود”([29]).
الجغرافيا والتّاريخ هي مكوّنات هذا العمل الروائي الذي تناول الكاتب فيه أيضًا، كما في الرواية السابقة، نقدًا للأوضاع السياسية بالأسلوب الأسطوري القصصي غير المباشر.
الخاتمة
ارتكازًا على الأدلة النّصيّة والتّصويرية، نجد أنّ الأسطورة قد وضعتنا أمام حقائق ظننا أنها تخصّ عالمًا قديمًا مرّ عليه الزّمن، لكننا نلقى أنفسنا اليوم نعيد تجارب الماضي في قوالب عصريّة مستحدثة. فعلى الرّغم من قِدم الأساطير، فهي تعيش يوميًا في ذاكرة الشّعوب، يتداولونها في الأدب بأشكاله المختلفة أو يستوحون منها لصناعة الأفلام وما إليها والتي تحظى بشعبية كبيرة. ويعود السّبب في ذلك إلى أنّ المواضيع التي تعالجها الأساطير، يحرّكها نظام منطقي مترابط يتميّز بوجود مشكلة ذات عقدة، ثم البحث عن الحلّ الذي تكون نتيجته إمّا بالنّجاح أو بالفشل. وفي هذه النّقطة الأخيرة، يمكن جمع الدلالات لتشكيل البُعد الحقيقي للموضوع المطروح في الأسطورة لمعرفة المعنى الذي ابتغاه المؤلف(ون).
الأسطورة، وهي من صلب العلوم الإنسانيّة، لا تزال تشكّل مادة دسمة للمتخصصين بالعلوم الإنسانيّة لأنها حقيقة أبديّة موجودة وراء الزّمان والمكان، تتخطّى المنظور المحدود الأبعاد، ترحل بالخيال القريب من الواقع لتشكّل فهمًا لبيئة يكتشفها العالم الظاهر، وقد تصل في رسالتها إلى حدّ الوعي وتجييش الأنفاس ضد الظلم والمستبدّين؛ وأنّها لا تزال حيّة تُرزق في الفنّ، نلمس بصمتها في معظم أشكاله، كيف لا وهي من عمر هذا الكون الأسطوري وباقية إلى حين انقضائه. فالأسطورة مثل الحلم، كما يقول فرويد في كتابه “تفسير الأحلام”، إذ “تتشابه فيهما كلّ من آلية العمل والرّموز لأنّهما نتاج العمليات النّفسيّة اللاشعورية، ففي الأسطورة كما في الحلم، تقع الأحداث خارج قيود وحدود الزمان والمكان.” وعلى الرّغم من هذا الوصف، نرى في الأساطير قصصًا تنقل فهم الشّعوب للحقائق، وفقد حوّلت حقائق الوجود إلى مفاهيم حقيقيّة. ومن أجل تعزيز نقاش مثمر عبر التّخصّصات، فقد استكشفنا طرق العمل مع هذه الحقائق الوجوديّة وتلك الجوانب الثقافيّة من خلال ما توفره المصادر المتاحة لهذا النّوع من الدّراسة. وقد ساعد المنهج المتعدّد الاختصاصات على معالجة التّكوينات الخاصة للثقافات، ووفّر شرح أفضل للخلفيات الأسطوريّة، ووضع الإطار الصّحيح للصور والمعاني التي تكتنفها.
العالم الحديث قد انتفع بلا شك من تجارب من سبقه، لكنّه أطلق أدوات العلم المعاصر وفلسفته وطرائقه التي أودت به إلى منهج عقلاني، وبلغة أبلغ “إلى طرائق العلوم الإنسانيّة” التي أصبحت كالوقود المحرّك للإدراك والفكر، والذي لا يزال يجاهد في تشييد استراتيجيّة أو رؤية للمستقبل تواكب الرّكب الحضاري مع ثورات العلوم الراهنة والقادمة. إذ إنّنا نعيش اليوم بوتيرة متسارعة، تغلبنا التّقنيات الحديثة التي قفزت قفزة سريعة جعلتنا نرزح تحت نير متطلباتها، كتجديد الهواتف مثلًا كي تتماشى مع التّحديثات الدّائمة. قراءة الأدب هي الأشياء الدّافئة التي لا يزال الإنسان يحنّ إليها، ويرجع لها ليشعر بنوع من السّكينة في ظلّ هذا العصر العاصف بالأحداث والصّراعات إلى جانب هموم الحياة الاقتصاديّة الخانقة؛ والأسطورة هي إحدى المواد الأدبيّة التي من شأنها السّفر بالإنسان إلى فضاء رحب حرّ.
الأساطير والملاحم هي مرآة مبتدعها، أي المجتمع الذي وُلدت فيه، من خلال النّظر إليها يمكن رؤية الصورة المرسومة لها في الأذهان. لكن يحدث أحيانًا أن تختلف هذه الصورة عن تلك التي يحاول البعض معرفة صيغتها وما تمثله، فيكون القصد من وراء الرموز المخطوطة منها إخفاء إرادة باطنة غير معلنة. من هنا أرى أن الأساطير تدين للعلوم الإنسانيّة بتخصّصاتها الأكاديميّة كافة التي أعطتها حقّها كعلم واسع النّطاق تمتدّ مواضيعه عبر التّاريخ البشري كله.
لقد تبيّن من خلال هذه الدّراسة كيف ألهمت الأسطورة الغرب، وأشعلت فتيل الإبداع في عالم صناعة الأفلام والوثائقيات. وعليه، تكون التّقنيات الحديثة قد سخّرت أدواتها في خدمة الأساطير التي أصبحت قوة خلاّقة تتلقّى أوامرها من خيال الإنسان وحلمه وواقعه على حدّ سواء لتُخرج منها أعمالًا تتماشى وتطلّعات العصر الحديث. وقد قيل في هذا الصدد بأن “الأسطورة هي عنصر أساسي في الفكر الإنساني لم تفقد نفوذها الخيالي ولا طاقتها الحيّة كقوة تاريخية اليوم”. (SAMUEL 1990, p. 4).
في عالمنا العربي غالبًا ما تتحكّم بنا العواطف والغيرة على الأديان، وننبذ الأفكار التي تحوزها الأساطير إذ نعدُّها “خارجة عن القانون” لأنّها “هرطقة وكفر”. لهذا، نحن نحتاج إلى ثقافة أوسع في علم الأساطير، نبدأها من مدارسنا وبتوجيه علمي بحت بعيدًا من التنظيرات اللامنطقيّة في كثير من الأحيان، وذلك لعدم اندثار إرث نفخر أنّه نتاج حضاراتنا، ففي فقدان إحدى الموروثات الأدبيّة، والأساطير إحداها، فقدانٌ للهُوية. أضف إلى أنّه يجب تنظيم وثائقيات وبرامج تثقيفية في دراسة الأساطير، على غرار ما تقوم به المحطات العالميّة، تنتجها محطاتنا الخاصة.
في الختام أشير إلى أن الأساطير لم تمدّ الإنسانيات فقط بمواضيع متنوعة ومتشعبة، لكنّها فرضت نفسها أيضًا كربّة للطب القديم، وألبست الطبيب التالد ثوبها، ومنحته هبة معرفة أصل الأمراض وسبل الخلاص منها، وسلّمته أدوات الطبابة وطرائق العلاج، وهذا موضوع عالجته بإسهاب في أطروحتي “الطب بين العلم والدين في نقوش وادي الرافدين”.
الهوامش
-[1] دكتوراه في الفنون والآثار، الجامعة اللبنانية.
Doctorate in Arts and Archeology, Lebanese University .Email: lahamkatia@hotmail.com
-[2] الإلياذة: ملحمة بطولية من تأليف الشاعر الإغريقي هوميروس، وهي من أشهر ملاحم الشعوب القديمة، وقد أجمع أكثرية النقاد ومؤرخي الأدب على أن أحداثها وقعت حوالي منتصف القرن الثاني عشر ق.م.
أنظر: هوميروس (1999)، الإلياذة، ترجمة: دريني خشبة. دار العودة، بيروت-لبنان. ص 5.
[3]-انليل Enlil: يعني إسمه بالسومرية والأكادية “السيد نسيم”، وهو رئيس مجمع الآلهة السومري.
Enki[4] هو الإسم السومري و Ea الإسم الأكدي. المرجع:
ESPAK Peeter (2010), The God Enki in Sumerian Royal Ideology and Mythology, Tartu University press, Estonia, p. 11
[5] -أتراحاسيس: يعني إسمه الفائق الحكمة. الشواف قاسم (1997)، الهامش (3) ص. 226
[6] -جلجامش: بطل أسطوري، ملك حكم أوروك بعد الطوفان (حوالي 2800 ق.م.). عُثر على النص الكامل للملحمة في مكتبة أشوربانيبال في نينوى، وتعود الرُقُم إلى القرن السابع ق.م. أنظر:
GEORGE Andrew (2000), The epic of Gilgamesh, Penguin Classics, p. xxxi.
[7] -عن السبي البابلي لبني إسرائيل، أنظر: الشواف، قاسم (1997)، ص.ص 301-302
[8] -في ملحمة جلجامش العديد من سرد الأحلام وتفسيراتها. أنظر:
AZRIÉ Abed (2006), L’épopée de Gilgamesh, éditeurs Berg International, pp. 24-28, 37 ff
[9] -يتربّع إيل El (ilu) قمّة مجمع الآلهة الكنعانية في الأساطير الأوغاريتية. يُلقب بأبي البشر والمنجب خالق الخلق. لديه القدرة على الخصب كما أنه يستطيع أن يصيب الناس بالعقم.
[10] – بعل Baal (ba’alu-ba’lu): يعني هذا الإسم في كل اللغات السامية المالك والسيد والزوج. هو إبن الإله إيل، وهو إله الطقس والعاصفة، كما يُلقب بالعلي، وقد ارتبط إسمه بأسماء الكثير من المدن والبلاد والمواقع.
[11] -عنات Anat (‘anatu): إلهة الحرب والصيد، تحمل لقب batulatu أي العذراء/البتول.
Henri L. Bergson[12] هو فيلسوف فرنسي (1859-1941) يعتبر من أهم فلاسفة العصر الحديث. حاول إنقاذ القيم التي أطاحها المذهب المادي، ويؤكد إيماناً لا يتزعزع بالروح، من مؤلفاته:
L’énergie spirituelle (1919), Essais de conférences, Felix Alcan, Bibliothèque de philosophie, Paris.
See: GROGIN Robert C. (1988), The Bergsonian Controversy in France, 1900-1914, Calgary Press.
[13] -زرادشت هو مؤسس الديانة الزرادشتية، وُلد في أذربيجان في إيران الشمالية بالقرب من بحيرة أورميا حوالي سنة 660 ق.م.، حيث استقرت قبيلة أجداده “ميديا”. العباداني، عبدالله مبلغي (2011)، تأريخ الديانة الزرادشتية، الترجمة من الفارسية: وريا قانع، تعريب: عبدالستار قاسم كلهور، مؤسسة موكرياني للبحوث والنشر، لا مكان، ص 13.
[14] -عن السكندولة، أنظر: الليدي دراوور (2006)، ص.ص 68-69.
[15] -الشيخ عدي بن مسافر: عاش في القرن الثاني عشر ميلادي. قام بتجديد وتطوير الدين الأيزيدي، وسعى للحفاظ على أسسه ومبادئه الأساسية. المرجع: تيللو، فريدون، اليزيدية، عبدة الشيطان، أساطير وحقائق مزيفة، نسخة الكترونية، بحزاني نت للنشر والتوزيع، ص.ص 29-30
Šamaš[16]: إله الشمس والعدالة (البابلي الأكادي وUtu السومري) كما يرتبط بالقوانين
COLEMAN James A (2007), The dictionary of Mythology, an A-Z- Themes, Legends and Heroes, Arcturus publishing limited, London, p. 902
[17] – الإله المعبود لمدينة آشور ثم للإمبراطورية الأشورية الحديثة. تظهر تصاويره بأشكال مختلفة أبرزها مجنّح داخل قرص شمس حاملاً قوساً مشدوداً. المرجع: إدزارد (لا ت.)، ص. 68-69
[18] -موت Mot (môtu): ملك الموت.
GIBSON John C.L. (2004), Canaanite Myths and legends, 2d ed. T&T Clark international, London-N.Y., (1st published 1956), p. 14. أيضاً: WYATT Nicolas (2007), p. 121
أيضاً: إدزارد، ديتز (Dietz Otto Edzard) وآخرون (لا ت.)، ص.ص 299-303
[19] -أوزيريس: إله حكم Duat العالم السفلي المصري، وتمّ تصويره على شكل إنسان. ظهرت أسطورته لأول مرة في نصوص الهرم، وهي أول النصوص الجنائزية المصرية على جدران غرف الدفن في الأهرامات في نهاية الأسرة الخامسة خلال القرن الرابع والعشرين ق.م
[20] -الطرفاء Tamarisk: شجيرة (arbuste) لها عدة تسميات منها الأثل. تتواجد في الأماكن الدافئة ولا تتحمّل الصقيع طويلاً. تنتشر جذورها في الغالب في الأراضي الرطبة بالقرب من المياه والأنهار والأودية. يُصنع من سيقانها الخشب الصلب والسفن خاصة بسبب تواجدها بالقرب من البحار. مجمع اللغة العربية بالقاهرة (1934)، المعجم الكبير، الجزء الأول، نسخة الكترونية Internet Archive HTML5 Uploader 1.4.2 www.archive.org، ص. 96
[21] -عن موضوع سكن الأرواح في الشجر، أنظر: فريزر، جيمس (1971)، الغصن الذهبي، دراسة في السحر والدين، (ترجمه عن الانكليزية The Golden Bough: أحمد أبو زيد)، الجزء الأول، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، ص.ص. 383-413
[22] -نفر هي التسمية الحديثة لمدينة نيبور السومرية. تقع في منطقة الفرات الأوسط. كانت العاصمة الدينية والسياسية للسومريين والبابليين.
Apuleius[23] فيلسوف وعالِم روماني (125 م-180 م) ولد في Madauros في الجزائر. وهو كاتب روائي ومسرحي وملحمي وشاعر غنائي. يُعدّ كتابه “الحمار الذهبي” أقدم نص روائي مكتوب في تاريخ الرواية الإنسانية.
SAMPAOLO Marco (Apr. 4, 2018), Biography of Lucius Apuleius, an article published in the Website UNRV History
[24] -هذا اللقب يتطابق مع السلالات الأصلية في كنعان
[25] -آلالاخ Alalakh (تل العطشانة اليوم). تقع عند مجرى نهر العاصي الأسفل قرب مدينة أنطاكية في تركيا. ظهرت لأول مرة في المصادر الكتابية لمملكة “ماري” في بداية القرن 18 ق.م.
[26]– For more details: BATAILLE Georges (2009), The Cradle of Humanity. Prehistoric Art and Culture, Translated by Michelle & Stuart Kendall. Zone Books, N.Y
[27] -مايكل انجلو Michelangelo: رسام ونحات ومهندس وشاعر إيطالي (1475-1564).
HARTT Frederick & WILKKINS David G. (2011), History of Italian Renaissance Art, 7th ed. Laurence King Publisher, London. p. 469.
[28] -من أعمال Joseph Campbell:
Myths to Live by, Viking Press, (1972); The Mythic Image, Princeton University Press, (1974); The Masks of God, Secker & Warburg-London, 4 volumes (between 1959 and 1968)
[29] -الإستشهادين المذكورين هما من: عبد الحميد، شاكر (1998)، جغرافيا الوهم وتاريخ الحياة: قراءة في رواية “هاتف المغيب” لجمال الغيطاني؛ الحلم والرمز والأسطورة: دراسات في الرواية والقصة القصيرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهي مجموعة دراسات نقدية تمّت على أكثر من عشرين رواية حول الحلم والرمز والأسطورة، ص. 89
المراجع
- إدزارد، ديتز (Dietz Otto Edzard) وآخرون (لا ت.). قاموس الآلهة والأساطير، (عرّبه عن الألمانية Götter und Mythen in vorderen Orient: محمد وحيد خياطة)، دار الشرق العربي، بيروت-لبنان، وحلب-سورية.
- أفستا الكتاب المقدّس للديانة الزرادشتية (2009)، إعداد: خليل عبد الرحمن، روافد للثقافة والفنون، سورية – دمشق، ط2.
- باختين، ميخائيل (1990)، أشكال الزمان والمكان في الرواية، ترجمة يوسف حلاق. منشورات وزارة الثقافة، سوريا.
- باقر، طه (1980)، ملحمة كلكامش أوديسة العراق الخالدة، لا.م.
- تيللو، فريدون، اليزيدية، عبدة الشيطان، أساطير وحقائق مزيفة، نسخة الكترونية، بحزاني نت للنشر والتوزيع.
- الجزيري، مجدي محمد، الأسطورة والتجديد، منطلقات عامة في دراسة الأسطورة، مقالة في مجلة فكر للدراسات والأبحاث، العدد 15، نوفمبر 1989، دار فكر للدراسات والأبحاث، القاهرة.
- حبيب، كاظم (2006)، الأيزيدية ديانة قديمة تقاوم نوائب الزمن، ط3، مؤسسة حمدي للطباعة والنشر، كردستان-العراق.
- حداد، حسني ومجاعص، سليم (1995)، أناشيد البعل. قراءة جديدة للأساطير الأوغاريتية، ط1، دار أمواج، بيروت-لبنان.
- الحسني، السيد عبدالرزاق (1931)، الصابئة قديماً وحديثاً، ط1، مكتبة الخانجي، مصر.
- حنون، نائل (2006)، جلجامش. الملحمة الأصلية، دار الخريف، دمشق-سوريا.
- الرشيداني، سالم بشير (2013)، أصل الاعتقاد الأيزيدي، ط1، منشورات المديرية العامة لشؤون الأيزيدية، سلسلة (11)، أربيل.
- سباهي، عزيز (1996)، أصول الصابئة (المندائيين) ومعتقداتهم الدينية، ط1، دار المدى للثقافة والنشر، سوريا، دمشق.
- السواح، فراس (2002)، مغامرة العقل الأولى، ط 13، دار علاء الدين، دمشق-سورية.
- شغموم الميلودي (2005)، عين الفرس، ط2. منشورات دار الأمان، الرباط-المغرب.
- الشواف، قاسم (1997)، ديوان الأساطير. سومر وأكاد وآشور، الكتاب الثاني: الآلهة والبشر. دار الساقي-بيروت.
- __________(2001)، _______________________، الكتاب الرابع: الموت والبعث والحياة الأبدية، دار الساقي-بيروت.
- العباداني، عبدالله مبلغي (2011)، تأريخ الديانة الزرادشتية، الترجمة من الفارسية: وريا قانع، تعريب: عبدالستار قاسم كلهور، مؤسسة موكرياني للبحوث والنشر، لا مكان.
- عبد الحميد، شاكر (1998)، الحلم والرمز والأسطورة: دراسات في الرواية والقصة القصيرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهي مجموعة دراسات نقدية تمّت على أكثر من عشرين رواية حول الحلم والرمز والأسطورة.
- عبود، زهير كاظم (2006)، التنقيب في التأريخ الأيزيدي القديم، بحزاني نت للثقافة والنشر (نسخة الكترونية).
- الغيطاني، جمال (1970)، هاتف المغيب، دار الشروق، القاهرة-مصر.
- فريزر، جيمس (1971)، الغصن الذهبي، دراسة في السحر والدين، (ترجمه عن الانكليزية The Golden Bough: أحمد أبو زيد)، الجزء الأول، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر.
- لابات، رينيه وكاكو، أندره وسنايزر، موريس وفييرا، موريس (2012)، سلسلة الأساطير السورية. ديانات الشرق الأوسط، ترجمة: مفيد عرنوق، ط3، دار علاء الدين دمشق-سورية.
- الليدي دراوور (2006)، الصابئة المندائيون، ترجمة: نعيم بدوي وغضبان الرومي، ط2، دار المدى للثقافة والنشر، سورية، دمشق.
- الماجدي، خزعل (1998)، إنجيل بابل، ط1، منشورات الأهلية العامة، عمّان-الأردن.
- مجمع اللغة العربية بالقاهرة (1934)، المعجم الكبير، الجزء الأول، نسخة الكترونية Internet Archive HTML5 Uploader 1.4.2 archive.org.
- المدني، محمد نمر (2009)، الصابئة المندائيون، العقيدة والتاريخ، منذ ظهور آدم حتى اليوم، ط1، دار ومؤسسة رسلان للطباعة والنشر والتوزيع، سوريا، دمشق.
- مرسيا الياد (1991)، مظاهر الأسطورة Aspects du Mythe (1963)، ترجمة نهاد خياطة، دمشق دار كنعان، ط1.
- نحاس، جورج ف. (2006)، أساطير الخصب النباتي في حضارات الشرق الأدنى الآسيوي، منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، دمشق.
- هوميروس. “الإلياذة”. ترجمة: دريني خشبة (1999)، دار العودة، بيروت-لبنان.
- ALBRIGHT William F. (1953), The Traditional Home of the Syrian Daniel, Bulletin of the American Schools of Oriental Research (BASOR), vol. 130.
- ALDIHISI Salah (2013), The Story of Creation in the Mandean Holy Book of the Ginza Rba, University College London.
- APULEIUS Lucius (2004), The Golden Ass, translated by: E.J. Kenney. 1st published in 1998, Penguin books, England.
- AZRIÉ Abed (2006), L’épopée de Gilgamesh, éditeurs Berg International.
- BATAILLE Georges (2009), The Cradle of Humanity. Prehistoric Art and Culture, translated by Michelle & Stuart Kendall, Zone Books, N.Y.
- BOLLE Kees 1982, Myth and Mythology, in: The New Encyclopedia Britanica, William Bentom publishers, Chicago, vol. 12
- BLEIBERG Edward ed. (2005), Arts & Humanities Through the Eras. Ancient Egypt, Thomson Gale, U.S.A.
- BLUMENBERG Hans (1985), Work on Myth, MIT Press, Cambridge, London, translated by Robert M. Wallace, originally appeared in German as “Arbeit am Mythos” (1979) by Suhrkamp Verlag, Frankfurt.
- BUCKLEY J. Jacobsen (2002), The Mandeans. Ancient texts and Modern People, Oxford University Press, N.Y.
- BUDGE Ernest A.W. (1908), Books on Egypt and Chaldaea, vol. I, Egyptian Ideas of the Future Life. Kogan Paul, Trench, Trübner & Co. LTD, London.
- CAMPBELL Joseph (1949), The hero with a thousand faces. Commemorative edition, Princeton University Press, New Jersey, [1969].
- CAQUOT André, SZNYCER Maurice, HERDNER Andrée (1974), Textes Ougaritiques. Mythes et Légendes, Tome 1. Les éditions du Cerf, Paris.
- CASAZZA Omella (1990), Masaccio and the Brancacci Chapel, Antella, Frienze-Italy.
- CHRISTIANSEN Keith (1991), Some observations on the Brancacci Cleaning, The Burlington Magazine, vol. 133, No 1054 (pp. 4-20).
- COLEMAN James A (2007), The dictionary of Mythology, an A-Z- Themes, Legends and Heroes, Arcturus publishing limited. London.
- COONEY Kathlyn M. (2015), Coffins, Cartonnage, and sarcophagi, in: A Companion to Ancient Egypt Art Melinda K. Hartwig, Wiley Blackwell, U.S.A & UK.
- CUNNINGHAM Graham (1997), Deliver me from Evil. Mesopotamian incantations 2500-1500 BC., Editrice Pontificio Institutu Biblico, Roma.
- DAVID Rosalie (2003), Handbook to life in Ancient Egypt, Revised edition, 1st in 1998, Facts on file, N.Y.
- ELIADE Mircea (1976), Histoire des croyances et des idées religieuses, de l’âge de pierre aux mystères d’Eleusis, tome I, Payot, Paris.
- ESPAK Peeter (2010), The God Enki in Sumerian Royal Ideology and Mythology, Tartu University press, Estonia.
- FISHER Clarence S. (1905), Excavations at Nippur, vol I, G.E.Stechert, N.Y., p. 8.
- FREUD Sigmund (1900), L’interprétation du rêve, PUf, et (1901) Sur le rêve, Gallimard.
- GEORGE Andrew (2000), The epic of Gilgamesh, Penguin Classics.
- GIBSON John C.L. (2004), Canaanite Myths and legends, 2d, T&T Clark international, London-N.Y., (1st published 1956).
- GROGIN Robert C. (1988), The Bergsonian Controversy in France, 1900-1914, Calgary Press.
- HART George (2005), The Routledge dictionary of Egyptian Gods and Goddesses, 2d, Routledge, London & N.Y.
- HARTT Frederick & WILKKINS David G. (2011), History of Italian Renaissance Art, 7th, Laurence King Publisher, London.
- HOOKE Samuel Henry (1953), Babylonian and Assyrian Religion, Hutchinson House, London.
- JUNG G. Carl (1964), Man and his Symbols, Anchor Press, N.Y.
- LONG Charles H. (1980), Mythology, in: The Encyclopedia Americana, Americana Corporation, Connecticut, vol. 19.
- MAJSOV Bojana (2005), Osiris death and afterlife of a God, Blackwell-U.S.A.
- MAURER Keith (2009), Archeology as spectacle: Heinrich Schliemann’s Media of Excavation, German Studies Review, 32(2).
- NARDO Don (2001), Egyptian Mythology, Enslow publishers, U.S.A.
- PREVOST Jacques Henri (pas de date), Zoroastre et les Parsîs, Petit Manuel d’Humanité, Cahier 23.
- PRITCHARD James B. & FLEMING Daniel E. (2011), The Ancient Near East: an Anthology of Texts and Pictures, Princeton University Press, U.K & New Jersey.
- RACHET Guy (1999), Dictionnaire des civilisations de l’orient ancien, Larousse, Paris, 1999.
- Random House Webster’s Unabridged dictionary. Publisher: Random House.
- SACKS David (1995), Encyclopedia of the Ancient Greek world, Revised edition (2005), Facts on File, U.S.A.
- SAMPAOLO Marco (Apr. 4, 2018), Biography of Lucius Apuleius, An article published in the Website UNRV History.
- SAMUEL Raphael & THOMPSON Paul (1990), The Myths we live by, 1st Routledge, U.S.A.
- SCHLIEMANN Heinrich (1875), Troy and its Remains, Troja und Seine Ruinen, reissued by Cambridge University Press 2010.
- SHAW Ian & NICHOLSON Paul (2002), The British Museum Dictionary of Ancient Egypt, 1st published in 1995, The American University in Cairo Press.
- STEELE Philip (2007), Ancient Iraq, Dorling Kindersley Limited, London.
- STEINBERG Leo (1992), Who’s who in Michelangelo Creation of Adam, The Art Bulletin, vol. 74, No 4, (pp. 552-566).
- The Assyrian dictionary of the oriental institute of the University of Chicago (CAD), vol. 17 (Š) Part I (1989), & 8 (K) (1971) Glückstadt, Germany.
- TEILLARD Ania (1944), Ce qui disent les rêves. Le symbolisme du rêve, Stock + Plus.
- WOOLLEY Leonard C. (1955), Alalakh: An account of the Excavations at Tell Atchana in the Hatay, Society of Antiquaries.
- WYATT Nicolas (2007), Religion in ancient Religions, in: A Handbook of Ancient Religions, John R. Hinnels, Cambridge University Press-U.S.A.78