عنوان البحث: التّشكيل الرّوائيّ في رواية "أصابعنا الّتي تحترق" للكاتب اللّبنانيّ "سهيل إدريس"
اسم الكاتب: د. حوراء عبدالعزيز كمال
تاريخ النشر: 20/12/2024
اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية
عدد المجلة: 34
تحميل البحث بصيغة PDFالتّشكيل الرّوائيّ في رواية “أصابعنا الّتي تحترق” للكاتب اللّبنانيّ “سهيل إدريس”
The Narrative Formation in the Novel “Our Burning Fingers” by the Lebanese Writer “Suhail Idriss“
بحث مستل من أطروحة الدكتوراه”صورة العائلة في الرّواية اللبنانيّة 1950-2000″
Dr.Hawraa Abdelaziz Kamal د. حوراء عبدالعزيز كمال[1]
تاريخ الإرسال:21-8-2024 تاريخ القبول: 2-9-2024
الملخص
الوثيقة هي دراسة أكاديميّة تحلّل التّشكيل الرّوائيّ في رواية “أصابعنا الّتي تحترق” للكاتب اللّبنانيّ د. سهيل إدريس، وتناقش التّفاعل بين الشّخصيّات، مع الترّكيز بشكل أساسيّ على بطلَي الرّواية “سامي وإلهام”، وعلاقاتهما، والأبعاد الاجتماعيّة والثّقافيّة والنّفسيّة والفلسفيّة لنضالهما. وتستخدم الدّراسة المنهج الاجتماعيّ والنّفسيّ لاستكشاف موضوعات مثل حرّية الفكر، والهويّة الشّخصيّة والجماعيّة، وديناميكيّات الأدوار داخل المجتمع اللّبناني. كما يتعمّق التّحليل في الفضاء الزّماني والمكاني السّرديين، ويبحث في كيفيّة مساهمة هذين العنصرين في تشكيل هذه الرّواية.
الكلمات المفاتيح: الحرية – النّضال – البعد النّفسي – البعد الفلسفي – البعد الاجتماعي
Abstract
The document is an academic study that analyzes the narrative formation in the novel “Our Burning Fingers” by the Lebanese writer Dr. Suhail Idriss, and discusses the interaction between the characters, focusing mainly on the two main characters of the novel “Sami and Ilham”, their relationships, and the social, cultural, psychological and philosophical dimensions of their struggle. The study uses the social and psychological approach to explore topics such as freedom of thought, personal and collective identity, and role dynamics within Lebanese society. The analysis also looks into the narrative time and space, and examines how these two elements contribute to shaping this novel.
Keywords: Freedom – Struggle – Psychological dimension – Philosophical dimension – Social dimension
مقدّمة
إنَّ الرِّواية، تشكيل كلاميٌّ للحياة في بناء نصٍّ عضوي يتّفق وروح الحياة ذاتها، وينهض هذا التّشكيل علی تفاعل عنصرين في ما بينهما، أحد هذين العنصرين هو الحدث، وثانيهما هو النّاس. وقد ارتبطت الرّواية في الأدب العربيّ ارتباطًا مباشرًا بالأوضاع السّياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة في العالم العربي ككلّ([2]).
أمّا الرّواية في لبنان، فثمّة من يُعدُّ، ومن بينهم الدّكتورة رفيف رضا صيداوي أنّ “الانطلاقة الحقيقيّة للرّواية في لبنان بدأت في خمسينيّات القرن الفائت وستّينيّاته، وأنّ هذه الانطلاقة تضافرت مع جملة تغييرات بنيويّة كانت قد بدأت تطاول المجتمعات العربيّة، وبخاصّة المجتمع اللّبنانيّ الّذي انخرط آنذاك في (حداثة) احتلّت معها العاصمة بيروت واجهة المشهد الثقافيّ العربيّ، سواء من خلال الموضوعات الّتي عالجتها، أم من خلال الأشكال والأساليب الفنّية التي استعارتها، وذلك بعدما تشكّلت جنسًا أدبيًّا بوصفها حقلًا مرتبطًا بالحاضر غير المنجز وبالحدث المستقبليّ، وهذا ما أدخل المؤلّف (في علاقات جديدة مع العالم المتخيَّل)، إذ يقعان معًا (المؤلّف والعالم المتخيَّل) في تعاطفات الأزمنة والقيم نفسها، ويكون الكلام الّذي يتصوّره المؤلّف على مستوى الكلام نفسه المتصوَّر للبطل”([3]). والتّشكيل الرّوائيّ يشير إلى تحليل بنية الرّواية وطريقة تشكيلها في العناصر السّرديّة والرّوائيّة، ويركّز على مجموعة من الجوانب الأساسيّة الّتي تشكّل الرّواية كعمل أدبيّ، من قبيل بناء الشّخصيّات وديناميّتها داخل الرّواية، وكيفيّة تفاعلها مع بعضها، وآليّة الصّراع وتحقيق الذّات، ودراسة الملامح الدّاخليّة والخارجيّة للشّخصيّات الفاعلة في الرّواية، ما يعزّز التّشكيل الفنّيّ لها داخل الرّواية، كذلك دراسة الفضاء الرّوائيّ، وتحليل عناصر الزّمان والمكان، بالإضافة إلى الأبعاد المرجعيّة للشّخصيّات، وتحليل الأبعاد المختلفة لها، ما يعمّق فهم التّشكيل الرّوائيّ، ويوضح الخلفيّات الفكريّة والأيديولوجيّة والنّفسيّة والاجتماعيّة الكامنة وراء أفعال الشّخصيّات وتفاعلاتها. انطلاقًا ممّا تقدّم، ستتناول هذه الدّراسة التّشكيل الرّوائيّ في إحدى الرّوايات اللّبنانيّة؛ رواية “أصابعنا الّتي تحترق” للكاتب اللّبنانيّ د. سهيل إدريس، والمحاولة عن الإجابة عن الأسئلة الآتية:
– ما دور الشّخصيّات الرّئيسة في هذه الرّواية؟ وكيف تتفاعل في ما بينها؟
– ما دور الزّمان والمكان في الرّواية؟
– ما الخلفيّات الاجتماعيّة والثّقافيّة والنّفسيّة الكامنة وراء هذا التّعبير؟
- المنهج المتّبع: هذا البحث يعتمد المنهج الاجتماعيّ، ودراسة العمل الأدبيّ على أساس أنّه جزء من النّظام الاجتماعيّ. كذلك، فإنّ العمل يقتضي اعتماد المنهج النّفسيّ. ويقول جورج لوكاتش “Gyorgy Lukacs”([4]): عن المنهج الاجتماعيّ “إنّه منهج يتكوّن أوّلًا وقبل أيّ شيء من دراسة الأسس الاجتماعيّة الواقعيّة بعناية.” وهو الّذي يتناول العمل الأدبيّ ويقوّمه، معتمدًا على القواعد الفنّيّة المباشرة فيه وأصولها، كالعاطفة، والخيال، والأفكار والأسلوب([5]). وثمّة من يرى([6]): “إنّ الأدب يصوّر لنا الحياة الاجتماعية في المرحلة التاريخيّة التي كتب فيها، ويعطينا صورة واضحة عن وقائع اجتماعية محددة”. أمّا المنهج النّفسيّ فيقوم على “وضع أُطُر منهجيّة لتفسير السّلوك الإنسانيّ، ويُساعد على التنبُّؤ بحالة الإنسان، وعلاج الإشكاليات التي يُواجهها، ويعتمد على قدرته على التّفسير الواسع المدى لمختلف ميادين النّشاط الإنسانيّ([7]).” ويُعدّ سيغموند فرويد “Sigmund Freud” مؤسّس مدرسة التّحليل النّفسيّ، وقد عمد إلى تطبيق مكتسبات علم النّفس في مجال الإنتاجات الثّقافيّة، ودرس الدّيناميّة اللّاوعية المرتبطة بالرّغبة والكبت. وهذا المنهج ينظر إلى العمل الأدبيّ على أنّه وحده القادر على إبراز ما في التّخيّل من حقيقة، ويُخضع المنهج النّفسيّ النّصّ الأدبيّ لقدرته على التّأويل والحكم باسم “اللّاوعي”، فلا يمكن له إقصاء مسألة الذّات؛ فهناك علاقة وثيقة بين الإنسان وإبداعه([8]).” تعريف رواية “أصابعنا الّتي تحترق” للكاتب د.سهيل إدريس: تدور أحداث هذه الرّواية حول الشّخصيّة الأساس وهي “سامي” الأديب والكاتب والمثقّف الذي يصارع واقعه وذاته. “سامي” الّذي يريد الانتصار لحرّيّة الفكر وقضايا أمّته المليئة بالصّراعات والانقسامات، وهو الذي يريد أن يجمع بين الكتابة والحبّ ولقمة عيشه. والبطلة الأخرى للرّواية هي زوجة سامي “إلهام”؛ الزّوجة المثاليّة الّتي تريد مساعدة زوجها لمواجهة قمع الفكر عبر مساعدتها ومساندتها له في مجلّة “الفكر الحرّ” الّتي يديرها سامي، وصراعها مع الفقر ومواجهة الفشل، والمواجهة الكبرى مع ذاتها وشكّها وقلقها من ماضي زوجها، هذا القلق الذي لا يريد أن يفارقها، معرّضًا زواجها من الشّخص الّذي تحبّه للخطر. أوّلًا: المرأة في رواية أصابعنا الّتي تحترق:
أ: في بناء الشّخصيّات– شخصيّة إلهام: أقام “غريماس”([9]) Greimas) (Algirdas Julien علم دلالة بنائيًّا للقصّ، يدرس الشّخصيّة على مستويَيْن، أحدهما المستوى العاملي؛ أي الدّور الّذي تؤدّيه الشّخصيّة، وقد وضع نموذجًا يقوم على ستّة عوامل: (العامل الذّات: البطل – العامل الموضوع: الهدف، وما يرغب فيه البطل “العامل الذّات”- العامل المرسِل: المحرّك إلى الرّغبة – العامل المرسَل إليه: ما يحقّق الهدف – العامل المساعد: يعين الذّات – والعامل المعاكس: يناوئ الذّات).
العوامل المرسلة |
العامل الموضوع |
العامل المُرسَل إليه |
إخلاصها لسامي+ رومنسيّتها |
الزّواج من سامي |
حبّها لسامي+ بناء عائلة |
العوامل المساعدة |
العامل الذّات |
العوامل المعاكسة |
قناعة إلهام+ حبّ إلهام الكبير لسامي+ إصرار سامي |
إلهام |
مشاكل مادّيّة+ تخصّصها الجامعيّ+ ضيق الوقت |
ب: آلية الصّراع وتحقيق الذّات:هدفت إلهام، في هذه الرّواية، إلى أمرين: نيل شهادة “اللّيسانس”، والاهتمام بعلاقتها مع سامي ومساندته. وفي سبيل تحقيق هدفها الأوّل، استطاعت إلهام، وبدعم معنويّ من سامي، أن تدخل إلى الجامعة، فقال:”سوف أصرّ على أن تتمّي دراستك الجامعيّة حتّى اللّيسانس على الأقل”([10])، ولكن بعد زواجهما، واجهت بعض المشاكل، وذلك لضيق وقتها، إلا أنّها أكملت طريقها، وحقّقت حلمها، وبدعم سامي ومساندته أيضًا، “قال لي سامي إنّه يشجّعني على إعداد رسالة الدّكتوراه بعد ذلك”([11]).
وفي سبيل تحقيق الهدف الثّاني؛ أيّ في علاقتها مع سامي، برهنت إلهام أنّها خير النساء، فاستطاعت أن تقف دائمًا إلى جانب سامي، وأن تساعده وتسانده فكريًّا ومادّيًّا ومعنويًّا، فعملت كسكرتيرة تحرير عنده، ترتّب له المكتب وتنظّفه، “أصبحتُ سكرتيرته الخاصّة… بدأت أرتّب الأوراق وأجمعها وأنظّمها، ثمّ تناولت منفضة ريش كانت هناك، فجعلت أزيل الغبار عن الزّجاج والنّوافذ والكراسي…”([12])، ثمّ عيّنها رئيسة تحرير المجلّة لكي يتفرّغ هو للكتابة، “ستتولّين رئاسة التّحرير، ثمّ تتيحين لي أن أنصرف إلى الكتابة”([13])، وظلّت تساعده حتّى حصل على المجلّة كاملةً، كما وساعدته في تأثيث المنزل، وصولًا إلى زواجهما. وقد قبلت تأخير الزّواج ليتمكّنا معًا من تأمين نفقاته، ومتطلّبات المنزل، فعندما شعرت بالضّيق بسبب المشقّة الّتي يتكبّدها سامي جرّاء تعليمه اللّغة العربيّة في معهد في بكفيا، وذلك لأجل ادّخار مال يعينه على الزّواج، هدّأت من روعها، وتوقّفت عن ظلم نفسها، متسائلة: “ألم نقرّر أن نؤخّر الزّواج عامين لنتمكّن في أثنائهما من توفير ما يحتاجه بيت الزّوجيّة من نفقات؟”([14]). إلّا أنّها واجهت مشاكل بعد زواجها، تتلخّص في الغيرة من الرّسائل الّتي كانت تصل إلى سامي، خاصّة من سميحة صادق، فإلهام لم تجد مبرّرًا لأن تكون بينها وبينه أيّة عاطفة، مع إسهاماتها الغنّيّة في المجلّة، “ولكن هل من الضّروريّ، إذا كانت تسهم في تحرير المجلّة، أن تكون بينها وبين رئيس تحريرها عاطفة حبّ؟”([15])، ولم يبرد غليلها اعتبار سامي هذه الرّسائل وقحة “أنتِ على حقّ يا عزيزتي. إنّها رسالة وقحة بالفعل”([16]).
ج: الملامح الدّاخليّة والخارجيّة لشخصيّة إلهام: إلهام فتاة جميلة جدًّا، في التّاسعة عشرة من عمرها، جذب جمال عينيها كلّ من رآها “من أين جلبت هذا الجمال لعينيك السّوداوين؟”([17]). أنهت المرحلة الثّانويّة، وتوجّهت إلى بيروت بهدف دراسة اختصاص الفلسفة. عاشت حياتها في مجتمع ريفيّ محافظ في البقاع، فأبوها كان رجل دين، وأهلها محافظون، وذلك انعكس على علاقتها الجدّيّة بسامي؛ فرفضت أن يكتب الإهداء على كتاب لها، عندما زارته المرّة الأولى في مكتبه، بذريعة أنّه غير مسموح لها أن تتعرّف إلى الرّجال، أو أن تزورهم في مكاتبهم، “إنّ أبي رجل دين، وأهلي محافظون… المفترض ألّا أتعرّف بالرّجال، فضلًا عن أن أزورهم في مكاتبهم!”([18])، وعندما قبّلها سامي للمرّة الأولى، بكت، وأخبرته أنّه أوّل رجل يقبّلها؛ ما كان مدعاة فخر واعتزاز عند سامي، “ما ألذّها لحظات تلك الّتي تغمر ذراعي فيها جسدكِ، فأدرك أنّها الذّراع الوحيدة الّتي غمرت ذلك الجسد،…”([19]). هي فتاة تحبّ المطالعة والشّعر كثيرًا، كما وعملت في تحرير مجلّة “الفكر الحرّ” الّتي يرأسها سامي. شخصيّة إلهام مخلصة ومحبّة خاصّة لحبيبها، وقد عاشت حياتها قنوعة غير متطلّبة؛ تبادر إلى المساعدة في حال احتاج شريكها لأيّ شيء، حتّى أنّها رفضت أن يشتري سامي لها خاتمًا، كي لا يتكلّف دفع ثمنه، “ولكن هل طلبت منك خاتمًا يا سامي؟ هل حدّثتك يومًا بهذا؟… أنا لست عبيدة تقاليد يا سامي. ماذا يفيدني الخاتم؟ أيّ نفع أجنيه من وضع خاتم في إصبعي يبلغ ثمنه ألوف اللّيرات، أليس الأفضل أن نستعين بهذا الثّمن، لتحقيق بعض مشاريعك؟”([20]).
شاركت إلهام سامي في كلّ شيء، حتّى في نضاله السّياسيّ، واعتزازها بعروبتها كان واضحًا، وذلك من خلال رفضها تدخّل الغرب في البلاد العربيّة، وعبّرت عن موقفها صراحةً أثناء حديثها مع سامي إثر العدوان الفرنسيّ البريطانيّ الإسرائيليّ على مصر، “… إذا كنّا مصمّمين حقًا على الدّفاع عن حقوقنا إلى النّهاية، ألا تعتقد أنّ الأجنبيّ سيتردّد كثيرًا قبل أن يقف في وجهنا؟… أليس إصرار الشّعب العربيّ في كلّ مكان على الصّمود والمقاومة، هو الّذي يدعو عددًا من الدّول الأجنبيّة إلى شجب العدوان المثلّث؟”([21]).
ثانيًا:الرّجل في رواية “أصابعنا التي تحترق”
أ: في بناء الشّخصيّات– شخصيّة سامي
العامل المُرسَل إليه |
العامل الموضوع |
العوامل المرسلة |
حبّه لإلهام+ بناء عائلة+ المحاربة من أجل قضايا عربيّة (مصر) |
الزّواج من إلهام+ النّضال بوجه التخلّف والتدخّل الغربيّ في البلاد العربيّة |
إخلاصه لإلهام+ رومنسيّته+ كرهه للغرب+ شخصيّته الثائرة+ عروبته+ التخلّف |
العامل الذّات |
العوامل المساعدة |
العوامل المعاكسة |
قناعة إلهام + إصرار سامي+ الإلحاح على النضال+ مساندة إلهام + مطابقة نظرته مع نظرة أصدقائه |
مشاكل ماليّة+ ضيق الوقت +نضال فرديّ بوجه قوى كبيرة حاكمة + عدم كونه ناشطًا في حزبٍ معيّن |
سامي |
ب: آلية الصّراع وتحقيق الذّات: واجه سامي صعوبات كثيرةً في مسيرته النّضاليّة ومسيرته الغراميّة.
إنّ هدفه في الرّواية، هو أوّلًا؛ نضاله بوجه التّخلّف والتّدخّل الغربي في البلاد العربّية، ففكّر وهو في باريس بأن ينشئ مجلّة (الفكر الحرّ)، وكما يقول له صديقه بهاء “لتكون رسالة تعبّر بها عن إيمانك، وتجعلها وسيلة من وسائل تحرير الإنسان في هذه المنطقة من العالم. وكان حسبك، كلّما واجهتك صعوبة، أن تذكر أنّها رسالة تحملها، تتطلّب منك بذلًا وتضحية، لتظلّ شعلة متوهّجة تعود عليك برضى الضّمير، وطمأنينة النّفس”([22]). أمّا الهدف الثّاني فهو الزّواج من إلهام.
لم يصل سامي، في هدفه الأوّل، إلى نتيجة ملموسة، وذلك لأسباب كثيرة، منها أنّ نضاله فرديّ بوجه قوى كبيرة حاكمة؛ فسامي لم يكن ناشطًا في حزب معيّن؛ أي أنّه ليس بيديه قوّة ضاغطة، لذلك بقي نضاله نظريًّا، يكتفي بالتّأثير على محيطه الخاصّ، ورفض الثّقافة الغربيّة لأنّها “قد تُحرم من حرّيّة الفكر، وتتّجه اتّجاهًا يمينيًّا رجعيًّا”([23])، وهذا مخالف لمفهوم (الفكر الحرّ)؛ إذ إنّ مجلّـته “تفضح انقياديّة الأدب الغربيّ في بعض مظاهره للاتّجاهات الفاشستيّة. وعلى هذا، كان موقفها مرتبطًا بصالح الفكر العربيّ، الّذي يريد أن يختطّ طريقًا مستقلًا، يؤمن بحرّيّة الفكر إطلاقًا، بمعزل عن أيّ تأثير”([24]). إلّا أنّ العوامل المساعدة كانت كثيرة، ومنها إلحاحه على هذا النّضال، ومساندة إلهام له، أضف إلى ذلك، مطابقة نظرته مع نظرة أصدقائه، لذلك بقي مصمّمًا عليه حتّى نهاية الرواية.
أمّا في علاقته مع إلهام، فكان هدف سامي الزّواج منها، وبناء عائلة. إلاّ أنّه واجهته مشاكل كثيرة بغية تحقيق هذا الهدف. لقد واجهته مشاكل ماديّة، فهو لم يكن قادرًا على إتمام المنزل بنفسه، لأنّه كان فقيرًا، “ولا مشكلة لديه بأن يظلّ فقيرًا”، من دون أن يساوم أو يبيع رأيه وفكره، وقد اعترف لإلهام بذلك، عندما طلبها للزّواج([25])، كما وأنّ الوقت الضّيّق قد أثّر عليه بشكل كبير، فلم يتسنّ له الوقت الكافي لتمضيته مع إلهام؛ من تعليمه في بكفيّا، وعودته إلى مكتبه، ثمّ عمله في المجلّة. ومع ذلك، لقد أدّت “إلهام” دورًا مساعدًا، من خلال قناعتها بما يملك، وعدم طلبها لأمور هو غير قادر عليها؛ بل إنّ عائلتها قدّمت تجهيز غرفة كاملة من المنزل كمساعدة لهما، تخبره إلهام “قد وعدني أهلي بتقديم أثاث كامل لغرفة الاستقبال”([26]). ومع إصرار سامي، وعمله ومثابرته للوصول، نجح في نهاية الرّواية بهذا الهدف، وتزوّج من إلهام؛ أي أنّه حقّق ذاته.
إذًا، حقّق سامي هدفه الثّاني؛ إلّا أنّ هدفه الأوّل كان ناجحًا على المستوى النّظريّ الشّخصيّ لا أكثر، هذا بالإضافة إلى امتلاكه المجلّة كاملة([27]). لقد حاول الكاتب، في هذه الرّواية، أن يخلق مساحة إيجابيّة، وثورةً متحرّرة، تمثّلت بشخصيّة “سامي” المندفع، المحبّ لوطنه ولانتمائه العربيّ. فنراه يتحرّك، من دون تعب أو مللٍ، من أجل الدّفاع عن حرّية الفكر، والدّفاع عن القضايا العربيّة، وخاصّة الأحداث الّتي تتالت في مصر. بالإضافة إلى كونه أستاذ لغة عربيّة.
أمّا من ناحية سامي؛ أي الزّوج، فهو أيضًا الرّجل المخلص لامرأته، رجل القيم والمبادئ، ولا يحبّ انتهاكها، خاصّة في العلاقة بين الرّجل والمرأة، لقد اعترف أنّ للاثنين حقوقًا وواجبات. يُظهر هذا المشهد أيضًا روحيّة العلاقة بين الرّجل والمرأة وجوهرها؛ أي الإخلاص استنادًا إلى الواقع الاجتماعيّ السّائد في ذلك الوقت.
إنّ العلاقة الّتي تربط كلًّا من سامي وإلهام علاقة مميّزة جدًّا، فهي تجسّد العلاقة الكاملة التي لا تشوبها شائبة. فلا المرأة تقف في وجه الرّجل، ولا الرّجل كذلك، وإنّما علاقة تكامليّة، تستند على العزاء والرّاحة. يشكّل هذا المشهد صورةً مهمّة عن علاقة الرّجل بالمرأة في المجتمع اللّبنانيّ، فالرّجل لا ينظر إلى المرأة على أنّها التّعب، بل هي الخلاص. لذلك كان سامي يقدّر تعب امرأته، وبدورها كانت تقدّر عمله اليوميّ، وتحاول قدر المستطاع أن تكون عاملًا مساعدًا دائمًا.
ج: الملامح الدّاخليّة والخارجيّة لشخصيّة سامي: هو رجلٌ في عمر الشّباب، كاتب ويحبّ المطالعة والشّعر، هو شخصٌ وفيّ ومحبوب بين أصدقائه، التقى بحبيبته إلهام، وأكمل طريقه معها بكلّ ما فيها من صعوبات من خلال تعاونهما: “لقد أخبرتك أنّي لن أخفي عنك شيئًا، لأنّي أريد أن نتعاون معًا على مناقشة الأمور”([28])، والزّواج بالنّسبة إليه “سيؤمّن لنا ما نحن بحاجة إليه من استقرار”([29])، كما أنّه يؤمن بالمشاركة بين الزّوجين، “اسمعي يا إلهام! إنّني منذ خطبتك، وربطت مصيري بمصيرك، لم يبق لي شيء خاصّ، لقد أصبح كلّ شيء بيننا مشتركًا، وليس لديّ ما أخفيه عنك قطّ. وأنا أعدك بأن أطلعك على شؤوني جميعها”([30]).
إنّ سامي شخص مثقّف، حائز على شهادة في اللّغة العربيّة، ينشر أفكاره في مجلّته الخاصّة، وهو رائد في قضايا الحرّيّة الفكريّة، يرتاح في عملٍ ينسجم مع رغباته، ويتّفق وضميره، “إنّه عمل يتّصل بمؤسّسة ثقافيّة للنّشر، ليس فيها ما يثير أدنى شكّ. فهي مؤسّسة حرّة، لا اتّصال لها بأيّة حكومة… وغايتها: الدّفاع عن حرّيّة الثّقافة”([31])، إلّا أنّه لا يتردّد في ترك ذلك العمل لأنّه “اكتشف أنّ غاية المنظّمة الرّئيسة ليست هي الدّفاع عن حرّيّة الثٌّقافة إطلاقًا، بقدر ما هي الهجوم على الثٌّقافة (الأرجوانيّة)…”([32]). سامي، كذلك، ثابت في عروبته، يكره الغرب وتدخّله في شؤون العرب، لذلك، كان يحارب بشكل كبير من أجل القضايا العربيّة، وأبرزها قضيّة مصر الّتي كانت في ذروتها آنذاك. فتقول له إلهام:” عبثًا تحاول أن تخفي عنّي مخاوفك وتمزّقك يا سامي. أنسيت ما حدّثتني به أمس تعليقًا على بدء الاعتداء الإسرائيليّ؟ لقد ذكرت المستقبل بلهجة ذعر وجزع”([33]).
إنّ شخصيّة سامي في الرّواية هي شخصيّة المواطن الغيور على بلاده، والرّومنسيّ في علاقته؛ أي رائد في مجتمعه، ويلقى تقديرًا كبيرًا في دائرتيه الصّغرى والكبرى. هو تلك الشّخصيّة الثّائرة المناضلة التي تهتمّ بقضايا المجتمع من ناحية، وقضايا الأدب من ناحيةٍ أخرى، مفعم بالحياة والرّومنسيّة:” وكأنّك أنت نفسك تتنبّأ بما سوف نواجهه، فتتّخذ هذا المظهر الهادئ، ضاغطًا على أعصابك، كاتمًا ثورتك”([34]).
يصوّر سامي شريحة واسعة من أبناء مجتمعه، وجمع الكثير في شخصيّته الواحدة، من هنا نرى أهمّيّة هذه الشّخصيّة؛ إن كان أدبيًّا أو نفسيًّا أو في علاقته المميّزة مع إلهام.
يصوّر الرّوائيّ سهيل إدريس شخصيّة سامي الغامضة، ككاتب، وكإنسان له اندفاعه وجرأته. مثابرٌ في الحياة، ومخلصٌ في حبّه لإلهام.
ثالثًا:الفضاء الرّوائيّ: عمل الباحثون والنّقّاد طويلًا على تحديد مفهوم مصطلح “الفضاء الرّوائيّ”، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر “بوريس توماشفسكي” (Bouris Tomashevesky) (1890 – 1957م) (هو من الشّكلانييّن الرّوس المهمّين الّذين اهتمّوا بتاريخ الأدب الرّوسيّ من جهة، وبالأسلوبيّة والعروض وعلم السّرد من جهة أخرى) الّذي ميّز بين (المتن الحكائي) و(المبنى الحكائي)([35]) ، و”هارلد فاينريش” (Harald Weinrich) (1927 – 2022م) (لغويّ ألمانيّ) الّذي ميّز بين زمن السّرد والزّمن المحكي، و”تودوروف” (Tzvetan Todorov) (1939 – 2017م) (فيلسوف فرنسي – بلغاري كتب عن النّظريّة الأدبيّة، وتاريخ الفكر، ونظريّة الثّقافة)، بالإضافة إلى عدد من الدّارسين العرب، الّذين حاولوا رسم خارطة التّعامل مع السّرديّة في عالمنا العربيّ([36]) بدءًا بـ “سيزا قاسم ([37]) (باحثة مصريّة)، وسعيد يقطين([38]) (ناقد وباحث مغربي، عرف باهتماماته البحثيّة والأكاديميّة في مجال السّرديّات العربيّة)، وحسن بحراوي([39]) (باحث في الأدب الحديث والتّراث الشّفويّ، وناقد ومترجم ومدرّس للرّواية في الجامعة المغربيّة)، وصولًا إلى مراد مبروك([40]) ، وحميد لحمداني([41]) الّذي توصّل في دراسته “فضاء الحكي” إلى أنّ للفضاء الرّوائيّ مفاهيم عدّة، ولا يمكن حصرها بمفهوم واحد، وهي:
1- الفضاء الجغرافيّ، ويعني الحيّز المكانيّ الّذي تدور فيه الأحداث، وتتحرّك الشّخصيّات.
2- الفضاء النّصّيّ، ويعني الحيّز المكانيّ الّذي تشغله الكتابة نفسها على مساحة الورق.
3- الفضاء الدّلاليّ، ويعني الحيّز الدّلاليّ الّذي تنتجه لغة القصّ.
4- الفضاء الّذي يلفّ مجموع الرّواية.
أ- المكان الرّوائيّ: يشمل المكان الرّوائيّ أمكنة الرّواية جميعها وأشياءها، كما يقدّمها الوصف المنتظم في سياق حركة تشكّل البناء الرّوائيّ؛ أي في سياق حركة الفعل الّذي يجري فيها([42]). وهذا الوجود المنتظم في سياق الحركة هو ما يمثّل “المكان الرّوائيّ”، وكما يقول د. حميد لحمداني، إنّه “لا يمكن تصوّر الفضاء الرّوائيّ من دون تصوّر الحركة الّتي تجري فيه، في حين أنّه يمكن تصوّر المكان الموصوف من دون سيرورة زمنيّة مكانيّة”([43]).
لا يشكّل المكان الوعاء الرّوائيّ فحسب، بل يؤدّي دوره في “العمل” كأيّ ركن آخر من أركان الرّواية([44])، و”يخطئ من يفترض أنّه تكوين جامد أو محايد”([45]). وقد أجاب الفيلسوف الفرنسيّ، “غاستون باشلار” (Gaston Bachelard) (1882 – 1964م) عن سؤال: ما هو المكان في الصّورة الفنّيّة؟ فعدَّ المكان هويّة العمل الأدبيّ، الّذي، إذا افتقد المكانيّة يفتقد الخصوصيّة، وتاليًا أصالته”([46]). ورأى أنّ المكان الّذي ينجذب نحوه الخيال، لا يمكن أن يكون مكانًا لا مباليًا، ذا أبعاد هندسيّة فحسب، وإنّما هو مكان تكثيف الوجود”([47])، وقد حدّد مهمّة دراسته، فقال: “كلّ ما أودّ استكشافه هو ثروة الوجود المتخيّل”([48]).
بناءً عليه، سأحاول في دراستي الفضاء الرّوائيّ لهذه الرّواية، البحث عن الأماكن والأشياء الّتي تكوّن “المكان الرّوائيّ”، والبحث عن ثروة الوجود المتخيّل الّتي تتمثّل في انتظام الكائن مستقلًّا بمكوّناته ودلالته، وأدائه دورًا يمثّل هويّة الرّوائيّة وفاعليّته.
تدور أحداث هذه الرّواية، بشكل أساسيّ، في مبنى المجلّة الّذي شكّل مركزًا مهمًّا بالنّسبة إلى بطلَي الرّواية (سامي وإلهام)، وتحديدًا داخل مكتب سامي، ذلك المكان الضّيّق الّذي أدّى دورًا كبيرًا في الرّواية، إذ توضّحت فيه الكثير من المشاعر والقضايا النّضاليّة لدى الشّخصيّات؛ ففيه تعترض إلهام على رأي الشّاعر هاني الغريّب من مجلّة سامي “الفكر الحرّ”؛ إذ كان مأخذه عليها أنّها تلتزم قضيّة، لا تميّز فيها بين الأبعاد السّياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة، وأنّها تلتزم القضيّة العربيّة، وهي مجلّة لبنانيّة، وهذا ما ترفضه إلهام رفضًا قاطعًا، لأنّها ترى هذين المأخذين ميزتين رئيسيّتين للمجلّة، فتقول داحضةً رأي هاني: “… كأنّ المفروض بالأدب ألّا يهتمّ قطّ بالسّياسة!… وكأنّ المفروض ألّا تهتمّ المجلّة اللّبنانيّة بالقضيّة العربيّة”([49]). وذلك المكان، أيضًا، يمثّل لسامي مبنى نضاله وكفاحه من أجل حرّيّة الفكر، فهناك كان يشرف شخصيًّا على تحرير المجلّة، ويكتب، ويجسّد أفكاره، ويجتمع فيه مع الأدباء والمفكّرين لبحث القضايا القوميّة، كما حدث بعد الاعتداء الثّلاثيّ على مصر، “وضاق مكتب “الفكر الحرّ” في المساء عن استيعاب الأدباء الّذين لبّوا الدّعوة لحضور الاجتماع… وجرت مناقشات طويلة لم يشترك فيها الأرجوانيّون، ولكنّهم وافقوا على صيغة البيان الّذي يشجب الاعتاء، ويدعو المواطنين العرب، ولا سيّما الأدباء منهم، إلى حشد جهودهم، وبذل كلّ التّضحيات الممكنة، للوقوف في وجه الغزو المجرم”([50]).
كما أنّ ذلك المكان كان شاهدًا على حبّ إلهام وسامي، وأصبح مكان لقائه بحبيبته؛ ففيه اعترف سامي أنّه يحبّ إلهام “… أحسّ أنّه يقولها بكلّ جوارحه، يقولها بلا تردّد ولا تحفّظ: إنّي أحبّك يا إلهام”([51])، وطلب يدها للزّواج، “إلهام، هل تقبلين أن تكوني شريكة حياتي؟… لقد تيقّنت في هذه الفترة أنّي أحبّك يا إلهام، وأنّ بوسعي أن أسعدك، وأكون سعيدًا معك”([52]).
هكذا، تعدّدت وظائف هذا المبنى؛ إذ شكّل مبنى المجلّة، بداية، مركزًا ثقافيّا بامتياز، وهو مكان يهتمّ بقضايا المجتمع، ومن ثمّ، تحوّل هذا المكان، من مكان ثقافيّ محض، إلى مكان لقاء الحبيب.
إذًا، شكّل هذا المكان انطلاقتين مهمّتين، الأولى، وهي النّضال في سبيل الحرّيّة الفكريّة، والثّانية انطلاقة علاقة حبٍّ جدّيّة.
ب- الزّمان الرّوائيّ: يشير الدّكتور عبد المجيد زراقط في معرض حديثه عن الزّمن الرّوائيّ، أنّ للزّمن وجودين: “أوّلهما موضوعيّ، يمكن إدراكه بوساطة مظاهر الكون من اللّيل والنّهار والشّمس والقمر… وثانيهما ذاتيّ لا يمكن ضبطه أو قياسه؛ فهو إنسانيّ نفسيّ، يمثّل خبرة الفرد الذّاتيّة وحياته الدّاخليّة، وهو الزّمن في الأدب عمومًا، وفي الرّواية خصوصًا”([53] ). إذًا، إنّ للرّواية زمنين؛ أوّلهما زمن المادّة الرّوائيّة، أو زمن الوقائع، أو زمن الحكاية، تتتابع فيه الأحداث في سياق زمنيّ موضوعيّ خطّيّ، وثانيهما زمن الرّواية، أو زمن السّرد، وتنتظم فيه الوقائع في سياق زمنيّ ذاتيّ روائيّ.
والحدث الرّوائيّ لا يقدّم إلّا مع جميع إحداثيّاته الزّمانيّة والمكانيّة، وهذا ما يفسّر الانصهار الحاصل بين الزّمان والمكان من دون أن يخفي معالم أيّ منهما داخل النّصّ؛ وقد عبّر “بختين” عن عمليّة انصهار الزّمان في المكان داخل العمليّة السّرديّة، فقال: “ما يحدث الزّمكان الفنّيّ الأدبيّ هو انصهار علاقات الزّمان والمكان في كلّ واحد مدرك ومشخّص. الزّمان يتكاثف ويتراصّ، فيصبح شيئًا فنّيًّا مرئيًّا، والمكان أيضًا يتكثّف ويندمج في حركة الزّمان بوصفه حدثًا أو جملة أحداث”([54]).
يفارق زمن السّرد الرّوائيّ المحبوك الزّمن الحكائيّ، فيعدّل الزّمن مساره، وينزاح، فيبطئ أو يسرع، يمتدّ أو يقصر، “وينشئ انزياح الزّمن مفارقات سرديّة من استرجاع لأحداث ماضية، واستباق لأحداث لاحقة، ومن استغراق زمنيّ (ديمومة أو ديمومات أحيانًا) فتتقاطع الأزمنة بين الماضي والحاضر والمستقبل وتختلط”([55]).
في هذا البحث، سأقوم بمحاولة دراسة الزّمن الرّوائيّ وحركة السّرد من خلال التّقنيات الآتية:
- الاسترجاع: استعادة ما حدث في الماضي، إمّا قبل بدء زمن الرّواية، أو ما حدث بعد بدء الزّمن الرّوائيّ، وقبل بدء الحدث.
- الاستباق: استشراف أحداث لاحقة لبدء زمن الرّواية، وزمن الحدث الّذي يؤدّى، وما يحتمل حدوثه في المستقبل القريب أو البعيد، أو تصوّر ما يمكن أن يحدث.
- التّضمين: إيراد حدث، من خارج أحداث الرّواية لأداء وظيفة ما.
- التّناوب: انتقال السّرد من حادث إلى آخر، فيسرد الرّواي الأوّل ويقطعه ويعلّقه، ثمّ يسرد الثّاني ويقطعه ويعلّقه.
جرت أحداث رواية “أصابعنا الّتي تحترق” في العام 1967، وما يشير إلى ذلك، الحديث عن العدوان الثّلاثيّ على مصر، “ها هم اليوم يتمّمون عمل القرصنة الّذي بدؤوه، فيشتركون مع بريطانيا وإسرائيل بغزو مصر”([56])، ذلك الزّمن الّذي كان صعبًا على العالم العربيّ بأكمله. ولعلّ الكاتب صوّر نظرته الخاصّة، وحاول أن يخلق “مدينته الفاضلة” لخلق بقعة نورٍ في ذلك الوقت العصيب. أمّا أحداث هذه القصّة فتخطّت هذا العام، وسارت من الحاضر إلى المستقبل، بخطٍ زمنيّ متسلسل، مع خرقه في استشراف المستقبل، خاصّة عند البطلين سامي وإلهام؛ فنراهما يخطّطان دائمًا إلى المستقبل، “عبّر عن أمله بأن يتغيّر الوضع، وتتحسّن أحوال المجلّة… إنّ معقد الأمل عندي هو المستقبل”([57]). من هنا يمكننا القول، إنّ هاتين الشّخصيّتين تخافان إلى حدّ ما منه، ولكنّهما مصمّمان على تحدّيه بأبسط الأمور.
إذًا، إنّ المسار الزّمنيّ في الرّواية ينطلق من الحاضر، إلى المستقبل، وإلى المستقبل الأبعد.
رابعًا: الأبعاد المرجعيّة في الرّواية :”تقدّم الرّواية واقعًا متخيّلًا يعادل الواقع الموضوعيّ ويغايره في آن”([58]). فالمؤلّف ينشئ البناء الرّوائيّ المعادل والمغاير، وهو ينظر إلى الواقع الموضوعيّ، من موقع ما، أو من زاوية رؤية، فتحكم رؤيته اختيار المادّة الرّوائيّة وانتظامها في بناء ينبثق منها، وينطق بها عند اكتمال تشكّله. وقد أدرك النّقد الرّوائيّ العربيّ هذه الحقيقة، فقال د. عبد المحسن طه بدر: “رؤية الأديب هي الّتي تتحكّم في اختيار موضوعه، كما تتحكّم أيضًا، في اختياره جزئيّات هذا الموضوع، ما يؤثّر بدوره على بناء العمل الأدبيّ”([59]).
وللشّخصيّة الرّوائيّة أبعاد مختلفة ومتعدّدة يرسمها الأديب لتأطير العمليّة السّرديّة برمّتها، بما يتكوّن منها من عناصر فنّيّة خاصّة، أبرزها على الإطلاق الشّخصيّة الّتي ترتبط مع الحدث ارتباطًا مباشرًا، فتتولّى مهمّة التّصريح به، وبما أنّ للشّخصيّة في السّرد الرّوائيّ مثل هذا الحضور، فقد “اكتسبت الكثير من الأبعاد على وفق الدّور الّذي ينتظر منها أن تقوم به، أو على وفق القناع الّذي تتوارى خلفه أو ترتديه، فهي يجوز أن توصف بأنّها شخصيّة نفسيّة، أي الدّور الّذي تؤدّيه يغلب عليه البعد النّفسيّ، ويجوز أن توصف الشّخصيّة بالاجتماعيّة لكون الأديب يعتني بموقعها الاجتماعيّ ومنزلتها لدى الآخرين وعلاقاتها بالنّاس، وبالتّالي؛ الدّور الذي تؤدّيه يغلب عليه البعد الاجتماعيّ، أمّا الجانب الفيزيولوجيّ فهو متعلّق بملامح الشّخصيّة … وهكذا”([60]).
انطلاقًا ممّا تقدّم، يظهر أنّ الشّخصيّة ترتكز على أبعاد متعدّدة، سأعمل في هذا البحث على كشف الأبعاد الفلسفيّة والنّفسيّة والاجتماعيّة الّتي ظهرت في الرّواية موضوع الدّراسة.
أ- البعد الفلسفيّ: قدّمت الرّواية نموذجًا عن البطل الوجوديّ، الّذي ينادي بشعارٍ وجوديّ مهمّ، نتيجة حاجة الإنسان العربيّ إليه، وهو الحرّيّة. والحرّيّة الوجوديّة شغلت مساحة واسعة من الرّواية.
الوجوديّة كمذهب فلسفيّ، لم تقتصر نشاطاتها على ميدان الفلسفة، بل تجاوزته إلى ميدان الأدب، “فوجدت الأدب أرضًا خصبة لبيان ما تحتوي هذه الفلسفة من أصول ومبادئ”([61]). سارتر لجأ إلى الأدب الرّوائيّ والمسرحيّ لبيان ما ينويه، إذ “إنّ الّذين يكشفون وجوديّة سارتر من خلال روايته ومسرحه الأدبيين، هم أكثر بكثير من الّذين يكتشفونها من خلال كتابه الوجود والعدم”([62]). إنّ الوجوديّة في تاريخ الفكر، قديمة وحديثة في آن واحد، “فهي من جهة تضرب عمقًا في تاريخ الوعي البشري، ولكنّها محدثة من جهة ثانية، إذ ازدهرت في القرن العشرين كمذهب فلسفي، ارتكز على فكرة أسبقيّة الوجود على الماهيّة الّتي تفرّعت منها مبادئ كالحرّيّة والاختيار والمسؤوليّة والالتزام”([63]). والحرّيّة أكثر ما نادت بها الفلسفة الوجوديّة أهمّيّة، وقد عدَّ البعض أنّه “من المؤكّد أنّ الفلسفة الوجوديّة أكثر الفلسفات المعاصرة حديثًا عن الحرّيّة”([64])، فلا يمكن الفصل بين وجود الحقيقة الإنسانيّة والحرّيّة، “فالإنسان لا يكون أوّلًا من أجل أن يكون حرًّا في ما بعد، فليس ثمّة فارق بين وجود الإنسان وكونه حرًّا”([65]).
إنّ رواية “أصابعنا الّتي تحترق” جعلت همّها الدّعوة إلى الحرّيّة المطلقة، وإشاعتها في الوطن العربيّ، وسامي، كبطل وجوديّ في هذه الرّواية، اتّخذها رسالة في حياته، تنبعث عن وعيه وإيمانه، ولذلك يحاول الوقوف أمام كلّ صعوبة تقف بينه وبين تحقيق هذه الرّسالة، فيقول له شريكه سمير:” لقد كنتَ دائم الإمان أنّ أكبر نعمة مُنِحها الإنسان هي نعمة الحرّيّة، وأنّ كلّ نضال قام به الإنسان عبر القرون إنّما كان هدفه الأسمى الحرّيّة، التّحرّر من لون ما، من ألوان العبوديّة. من أجل هذا، فكّرت وأنت بعد في باريس، بأن تنشئ “الفكر الحرّ” لتكون رسالة تعبّر بها عن إيمانك، وتجعلها وسيلة من وسائل تحرير الإنسان في هذه المنطقة من العالم”([66]).
إنّ سامي عمل على إصدار مجلّة تحمل عنوان “الفكر الحرّ”؛ وقد تعمّد هذه التّسمية لأنّها تفوح برائحة حرّيّة الفكر والتّعبير، وصار يعمل كرئيس تحرير للمجلّة، كي يؤدّي رسالته في تحريض الشّعب العربيّ للحصول على الحرّيّة بمختلف أنواعها. يخوض مع إلهام معركة استمرار المجلّة، وسط عجز ماليّ، يشتدّ هذا العجز لمّا مُنعت المجلّة من العراق بسبب ما تحمل من “الموادّ المتفجّرة” – بحسب قول سامي – الّتي تثير حفيظة حكّامه، فيلجأ سامي مضطّرًّا إلى تخصيص نسخ معيّنة للعراق، تكون خالية من هذه الموادّ، يبادر إلى حلّ المعضلة الماليّة بالتّدريس في معهد في بكفيّا، حيث يعطي دروسًا في اللّغة العربيّة للفرنسييّن المتدرّبين في السّلك الدّبلوماسي، ويغتنم الفرصة لإزالة الصّورة المشوّهة الّتي قد سجّلت في أذهانهم عن الشّعب العربيّ، لأنّه المثقّف الحسّاس، لا يمكن إلّا أن يكون ملتزمًا بالقضايا القوميّة.
إنّ سامي الوجوديّ، عزم على أن يبدأ حياته من الصّفر، ويخلق نفسه من جديد. وهذا ما تؤكّده الوجوديّة: ف”الإنسان يوجد أوّلًا، ثمّ يتعرّف إلى نفسه”([67]). كان سامي يعرف غايته الّتي انبعثت عن وعي ومعرفة بأنّ الإنسان لا بدّ أن يكون حرًّا، وعليه أن يواجه كلّ العراقيل والمتاريس حفاظًا على هذه الحرّيّة، وعليه أن يصمد أمام كلّ ما يهدّد حرّيّته، ويفقدها صفة الإطلاق، “أتراك تشعر بأيّ قيد قد يحدّ انطلاقك، أو بأيّ عمل يصرفك عمّا نذرت له نفسك، أو بأيّ ضغط يحول دون أن تحقّق ما تريد؟”([68]). وفي اجتماع بمناسبة عيد مجلّة الفكر الحرّ، يناقش الأدباء موضوع الأديب والمال، متّفقين على أنّ الأديب لا يمكنه أن يعتاش من قلمه، ولكن ما يهمّ سامي هو الحرّيّة، وخاصّة حرّيّة التّعبير: “هذا الجانب الاقتصاديّ من المشكلة على غاية الأهمّيّة. ولكن هناك أيضًا مشكلة “حرّيّة التّعبير” بالنّسبة إلى الأديب. هل يستطيع الأديب أن يعبّر عن كلّ ما يريد قوله بحرّيّة مطلقة؟”([69]). سامي يرفض التّحزّب لأيّ حزب، لأنّ هذا التّحزّب يهدّد حرّيّته في مجال الفكر والأدب، “لكنّي لن أدخله، لن أدخل أيّ حزب… إنّه مبدأ ضميريّ، إنّ أيّ التزام حزبيّ مهدّد لحرّيّتي، حرّيّة فكري وأدبي، وأما أصرّ على أن أحتفظ بحرّيّتي كاملة”([70]).
ب- البعد النّفسيّ: الشّخصيّة الرّوائيّة تتميّز على وجه العموم بكونها “ذات محتوى سيكولوجي خصب ومعقّد معًا، فهي تحبل بالتّوترات والانفعالات النّفسيّة الّتي تغذّيها دوافع داخليّة يُلمس أثرها في ما تمارسه من سلوك وما تقوم به من أفعال”([71]).
يصوّر الرّوائيّ سهيل إدريس شخصيّة سامي الغامضة، ككاتب، وكإنسان له اندفاعه وجرأته. مثابرٌ في الحياة، ومخلصٌ في حبّه لإلهام. كذلك، هي شخصيّة المواطن الغيور على بلاده، والرّومنسيّ في علاقته؛ أي رائد في مجتمعه، وله الكثير من التّقدير في دائرتيه الصّغرى والكبرى.
إنّ سامي يعيش حياة قلقة دائمًا، وهذا القلق ينبعث عن تحمّسه للحرّيّة. فهو كلّما أراد أن يختار عملًا، ويقوم به، يعتريه القلق متسائلًا: هل هذا العمل لا يسلب حرّيّته المطلقة، ولا يبعده عن مسؤوليّته في أداء رسالته؟ فهو عندما يلتحق بمعهد، أو مركز صحفيّ، فإنّه إمّا ستقيله من منصبه، كما شاهدنا في المركز الثّقافيّ، أو يستمرّ في عمله، عندما تزول عنه الشّبهات، وهذا ما رأيناه في المعهد الفرنسيّ فلمّا التحق به، كان قد اعتراه قلق مستمرّ، وخوف شديد من سلبه حرّيّته، فلذلك أراد التّخلّي عنه، ولكنّ الضّابط الجزائريّ ورئيس المعهد قد أزالا هذا القلق، فاتّخذ مهنته فيها وسيلة لتوعية الطّلاّب الفرنسيّين عن الشّعوب العربيّة، “بالأمس خطفوا زعماء الجزائر، وها هم اليوم يتمّون عمل القرصنة الّذي بدؤوه… فأيّ موقف ترين أن أتّخذ يا إلهام؟ أتعتقدين أنّ هناك مجالًا للاختيار بين موقفين؟ لا يا عزيزتي. إنّ أقلّ ما ينبغي أن أفعل هو أن أحتجّ، وليس من تعبير آخر للاحتجاج، في وضعي، غير الاستقال من المعهد”([72]).
القلق الوجوديّ الّذي يصاحب البطل ينبعث من شدّة تحمّسه لرفع مشعل الحرّيّة واحتفاظه به، لتأدية هذه الرّسالة. ولكن على الرّغم من هذا التّحمّس، فإنّ ما صوّره “سهيل إدريس” “دليل على الضّعف البشريّ”([73])، إذ إنّ مبادرة سامي إلى إصدار طبعة خاصّة من مجلّته إلى العراق، وقد حذف منها كلّ ما يسمّيه “الموادّ المتفجّرة” يُعدّ ذروة الجدال في إثارة قلقه، فيتبدّل قلقه إلى ذعر شديد؛ فهو أمام ممكنَين: إمّا يحتفظ بحرّيّته الكاملة، ويتقبّل احتجاب مجلّته، وإمّا يخضع إلى رأي السّلطة، “ويحسّ برعدة ذعر تجتاحه وهو يتخيّل مجلّـه متوقّفة، معطّلة، ميتة… فيحسّ بأنّ حرّيّته كلّها مهدّدة تهديدًا مميتًا، حرّيّته في أن يتنفّس، ويعيش… ثمّ يتساءل في دهشة مذعورة: وأنا، أنّى لي أن أحسّ نعمة الحرّيّة، ومجلّـتي مهدّدة بعبوديّة الخوف من الاحتجاب؟”([74]). إنّ سامي، لم يكن يريد أن يرضخ وخضع، بل كان يصارع ويقاوم، فعندما وقع نظره على صحيفة عراقيّة اتّهمت الفكر الحرّ بالخيانة، قال لإلهام: “اسمعي يا إلهام. إنّ الكاتب يوجز رأيه بهذه العبارة في مقاله إنّ صاحب “الفكر الحرّ” يصدر إلى أحد البلاد العربيّة طبعة خاصّة من مجلّـته يحذف منها كلّ ما لا ترضى عنه سلطات ذلك البلد الخائنة”([75]).
يصوّر سامي الكثير من أبناء مجتمعه، إلّا أنّه جمع الكثير في شخصيّته الواحدة، من هنا، نرى أهمّيّة هذه الشخصيّة، إن كان أدبيًّا أو نفسيًّا أو في علاقته المميّزة مع إلهام.
أمّا إلهام، فقد أدّت في هذه الرّواية دورًا مهمًّا جدًّا، أسهم في نجاحها وشريكها في نهاية المطاف. لقد مثّلت دور المرأة الواعية، القنوع، والمساعدة، والغيور على زوجها؛ حاولت مرارًا أن تتغاضى عن ماضي سامي، على الرّغم من معرفتها المسبقة أنّه عرف نساءً كثيرات قبلها، وتُظهر ذلك عندما تقول له: “وأنا يا سامي، أيمتنع عليّ حين تضمّني أو تقبّلني، أن أتساءل عن عدد الأجساد الّتي ضمّتها ذراعك، وعدد الشّفاه الّـي قبّلتها شفتاك؟”([76]). وفي منظور علم النّفس، فإنّ الغيرة هي “استجابة طبيعيّة لما يهدّد بفقدان المحبّة سواء أكان هذا حقيقيًا أو متوهّمًا”([77])، وتؤدّي إلى شعور بالنّفور والكراهية نحو الأشخاص، وهي “داخلة في النّسيج الحقيقيّ للحبّ الحقيقيّ، لأنّ المرأة كائن غيور بطبعها، وإن أحبّت حبًّا حقيقيًّا، فإنّها تغار على الحبّ نفسه، أي تخشى أن تفقد هذا الحبّ”([78])، وهذا ما يلمسه القارئ في غيرة إلهام، فهي كانت تسعى للحفاظ على حبّها، وتعمل لتحقيق استمراريّة مؤسّسة زواجها، حتّى عندما عاد سامي من القاهرة، وأعطاها مذكّراته لتقرأها، وعرفت أنّه ذهب للقاء سميحة صادق، لم تناقشه؛ بل أخفت الأوراق تحت وسادتها، واتّجهت إلى المكتب، لأنّها تريد أن تحافظ على وعدها الّذي قطعته سابقًا، بأن تساعده دائمًا، ومهما كانت الظّروف، على أن يكتب، وها هو الآن بدأ يكتب، “إنّه يكتب، وقد خيّل إليّ أنّ أصابعه الّتي تمسك بالقلم، كانت تحترق، إنّه يكتب… ثمّ أغلقت باب الغرفة الصّغيرة على سامي، وأنا أبكي”([79]).
ج- البعد الاجتماعيّ: هو ذلك البعد الّذي يحدّد أوصاف الشّخصيّة الرّوائيّة، ومركزها الاجتماعيّ في بيئتها وثقافتها ومهنتها، وعاداتها وعلاقاتها الاجتماعيّة، “فالشّخصيّة هي حصيلة ضرب البيئة والوراثة”([80]).
تظهر الرّواية شخصيّة “إلهام”، الفتاة الحالمة، زوجة “سامي” في ما بعد الّتي تساعده في كلّ أموره، وتسانده حتّى النهاية، فتدفع به دائمًا إلى الأمام، مع حرصها الدّائم على راحته؛ فهي لا تريد أن تكون عبئًا عليه، بل مساعدته في مسيرته، وفي علاقتهما المميّزة.
تضيء هذه الرّواية، إضاءة جيّدة على حياة الزّوج والزّوجة في لبنان، وكيفيّة تعاطيهما مع الأمور الحياتيّة، من جهة، والعلاقة الّتي تجمعهما، من جهة أخرى. لقد حاول الكاتب تجسيد العلاقة المثاليّة بين “سامي” و”إلهام”، فنراه يشدّد على النّواحي الاجتماعيّة بشكل كبير.
أدّت إلهام دورًا كبيرًا في هذه الرّواية؛ إنْ كان على صعيد مساندة حبيبها “سامي” في حبّ القضيّة الوطنيّة الّتي يؤمن بها، أو كان من خلال كونها المرأة الصّالحة، المخلصة لزوجها، فنراها تتنقّل من مكان إلى آخر محفّزة زوجها في مسيرته، فحين قرّرت إلهام أن تساعد سامي في المكتب بسبب انشغاله في التّعليم في بكفيّا، خطت خطوة إيجابيّة شجاعة، فبرهنت بذلك أنّها تتحمّل المسؤوليّة، وأنّها داعمة لزوجها. وهذا الأمر يُظهر تعاون الزّوج والزّوجة، في مجال العمل، فقد سلّم سامي رئاسة التّحرير لإلهام.
والتّعاون قيمة كبيرة في المجتمع اللّبنانيّ، وخاصّة قيمة عائليّة، فالعائلة تُبنى على التّعاون وحبّ الآخر. وقد برهنت إلهام أنّها ابنة هذا المجتمع المحبّ المتعاون من خلال تعاونها، ووقوفها إلى جانب زوجها، “ما أسعد حظّ رجل تشاركه رفيقة حياته كلّ شؤون حياته. ستكونين يا إلهام مستشاري، وضميري الثّاني”([81]). تظهر في هذه الرّواية نظرة استقرار في العلاقة الزّوجيّة. فدعم إلهام لسامي في الرّواية، سلّط الضّوء على أهميّة المرأة اللبّنانيّة المساندة الّتي تقف إلى جانب زوجها في شتّى الظروف، فهي التي تربّت على الأصول والتّقاليد، فما كان منها إلّا أن استقت هذه المعارف كلّها، وأظهرتها في علاقتها مع سامي، فتفرح لإنجازاته، “سأتولّى كلّ شيء بنفسي، فأصرف الأمور على الوجه الّذي أستطيع، ولن أدخل عليك غرفتك إلّا لأمر لم أتمكّن من حلّه. وثقْ يا سامي، أنّي سأكون أشدّ فرحة منك بالأسطر الأولى تخطّها أصابعك في هذه الرّواية الّتي باتت في الفترة الأخيرة تؤرّقك، وتنغّص عليك حياتك”([82]). وسامي، أيضًا، يقف إلى جانبها ويدعمها بكلّ الأشكال، فهو شجّعها على إعداد رسالة الدكتوراه بعد انتهائها من “الليسانس”، “إنّه يشجّعني على إعداد رسالة للدّكتوراه بعد ذلك، إذا سمحت لنا ظروف العمل والبيت”([83]). وهنا يكمن دعم المرأة لتكمل تعليمها، فسامي لا يوافق ما كان سائدًا بأنّ المرأة لا يجب أن تتعلّم، وأنّ مصيرها الزواج. بل يعتقد أنّ الزّواج يكون بدعم الجانبين لبعضهما البعض، في كلّ الأحلام التي يريدان تحقيقها.
فالمرأة اللبنانيّة في تلك الحقبة؛ أي في النّصف الثّاني من القرن الماضي، كانت قد بدأت تنخرط في سوق العمل بشكل كبير، ما أعطاها حريّة واستقلاليّة، فنرى؛ على سبيل المثال، إلهام في هذه الرّواية، شعرت بحسّ المسؤوليّة تجاه سامي، وأرادت أن تساعده بكلّ الطّرق المتاحة، فتطرح فكرة أن تعمل “سكرتيرة” عنده، من دون البقاء في المنزل.
أضف إلى ذلك، فإنّ الكاتب “سهيل إدريس” أبرز في روايته بعض القيم والمبادئ الّتي تجعل الزّواج ناجحًا، وتحسّن علاقة الزّوج بزوجته، فبالإضافة إلى التّعاون، تأتي الثّقة، فالعلاقة النّاجحة بين “سامي” و”إلهام” أساسها الثّقة، وهو ما أراد الكاتب أن يظهره في روايته هذه، وحديث كلّ منهما عن الخيانة الزّوجيّة، هو الأمر الذي دفع بكليهما إلى تجديد الثّقة بينهما، فشدّد سامي على فكرة أنّ للزوج مسؤولية، حتى ولو كان فنّانًا، للدّلالة على صديقه.
إنّ الخيانة الزّوجيّة حالة ليست بجديدة بل العكس، هي قضيّة قديمة قدم الإنسان. وإلهام في هذه الرّواية تثق كلّ الثقة بسامي، إلا أنّها أظهرت وجه المرأة الثّوريّة، التي تفعل المستحيل لتحافظ على منزلها وزوجها.
إذًا، إنّ علاقة الزّوجين في هذه الرّواية، علاقة تضحية وشراكة وثقة، عبّر من خلالها الكاتب عن حزم المرأة اللبنانيّة، “فحسبك أنت أن تستطيع الانصراف إلى الإنتاج. وحسبي أنا أن أرعاك، وأسهر على راحتك، واضمن لك الهدوء الّذي تحتاج إليه. وسيعود عليّ ذلك يمثل ما يعود عليك من سعادة ورضى”([84]). والتّحدّي الموجود في هذه الرّواية هو تحدّي الواقع والإيمان بأنّ العلاقة الزوجيّة لا تقف بوجه تطوير الذّات، بل إنّها المساعد الأوّل في ذلك.
الخاتمة
تبيّن في هذه الدّراسة أنّ المرأة (إلهام) أدّت فاعليّة كبيرةً ومهمّةً في الحفاظ على الأسرة وتماسكها من ناحية، فهي تحقّق وتعمل، وتناضل، وتتّخذ موقفًا من الأوضاع الأمنيّة خارج البلاد، وتنخرط مع زوجها (سامي) في ثورة ذاتيّة على الغرب، ولا تهمل الجانب العاطفيّ، وهي تكسر النّمط المُعتمد في تصوير المرأة على أنّها لا تستطيع الوصول إلى هدفها، وأن تحصل على حياة سعيدة مع الشّريك، فتحدّت كل المشاكل والصّعاب وصولًا إلى هدفها لا بل هدفها المشترك وسامي، مع المحافظة على التّقاليد والعادات الشّرقيّة.
أدّى الرّجل (سامي) فاعليّة كبيرةً في هذه الرّواية أيضًا، فرأيناه محاربًا من أجل تحقيق ذاته، وتحقيق هدفه المنشود من تأسيس المجلّة والزّواج من إلهام، وسط وضع متقلّب غير مستقرّ على الأصعدة جميعها (سياسيًّا-اجتماعيًّا-اقتصاديًّا)، ومحبًّا لشريكة حياته (إلهام)، وحريصًا على إنجاح العلاقة بينهما، كما أنّ له موقفًا من الثّورات السّياسيّة الّتي حصلت في تلك المرحلة، مظهرًا النّزعة الثّوريّة والتّحرّريّة.
شكّل مبنى المجلّة مركزًا ثقافيّا بامتياز؛ وهو مكان يهتمّ بقضايا المجتمع، ومن ثمّ، تحوّل هذا المكان، من مكان ثقافيّ محض، إلى مكان لقاء الحبيب. إذًا، تعدّدت وظائف هذا المبنى، وشكّل انطلاقتين مهمّتين، الأولى، وهي النّضال في سبيل الحرّيّة الفكريّة، والثّانية انطلاقة علاقة حبٍّ جدّيّة.
إنّ المسار الزّمنيّ في هذه الرّواية ينطلق من الحاضر، إلى المستقبل، وإلى المستقبل الأبعد.
قدّمت الرّواية نموذجًا عن البطل الوجوديّ، الّذي ينادي بشعارٍ وجوديّ مهمّ، نتيجة حاجة الإنسان العربيّ إليه، وهو الحرّيّة.
قدّمت الشّخصيّتنان الرّئيستان في هذه الرّواية نموذجًا عن علاقة الشّراكة والتّضحية والثّقة الّتي ينبغي توفّرها بين الزّوجين لإنجاح الأهداف
الهوامش
- عبد الرّحيم محمّد عبد الرّحيم الكرديّ، دراسات في الرّواية العربيّة، الطّبعة الأولى، مكتبة فلسطين للكتب، شباط 2019، ص45.
- رفيف رضا صيداوي، الرواية اللّبنانية إلى أين؟، جريدة النّهار، 10 تشرين الأوّل 2015.
- أنريك أندرسون أمبرت، مناهج النقد الأدبي، ترجمة الطّاهر مكّي، الطّبعة الأولى، دار المعرفة الجامعيّة، مصر، 2004، ص 103.
- حسن محمّد حسن عازل، البحث الأدبي أسسه ومناهجه، شركة ناس للطّباعة، 2001، ص 91.
- محمّد اللبيدي، علم اجتماع الأدب، الطّبعة الأولى، دار المعرفة الجامعيّة، 2004، ص 25.
- محمّد فؤاد جلال، مبادئ التّحليل النّفسيّ، الطّبعة الأولى، مؤسّسة هنداوي للنّشر والتّوزيع، 2018، ص 25.
- محمود رضوان ظاظا، مدخل إلى مناهج النّقد الأدبيّ، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد 221، أيّار 1997، ص 90.
- J Greimas, Semantique structura, recherche de methode, et les actantsK les acteurs, et les figures, in semantique narrative et textuelle coll I paris, 1937, p 161.
- سهيل إدريس، أصابعنا الّتي تحترق، الطّبعة الثّانية، دار الآداب، 1967، ص 144.
- المصدر السّابق، ص 175.
- المصدر السّابق، ص 153.
- المصدر السّابق، ص 165.
- المصدر السّابق ، ص 153.
- المصدر السّابق، ص 177.
- المصدر السّابق، ص 180.
- المصدر السّابق، ص 191.
- المصدر السّابق، ص 15.
- المصدر السّابق، ص 179.
- المصدر السّابق، ص 175.
- المصدر السّابق ، ص 270.
- المصدر السّابق، ص 103.
- المصدر السّابق، ص 156.
- المصدر السّابق، ص 157.
- المصدر السّابق، ص 142.
- المصدر السّابق، ص 174.
- المصدر السّابق، ص 185.
- المصدر السّابق، ص164.
- المصدر السّابق، ص 174.
- المصدر السّابق، ص 160.
- المصدر السّابق، ص 156.
- المصدر السّابق نفسه.
- المصدر السّابق، ص266.
- المصدر السّابق، ص 154.
- تزفيتان تودوروف، نظريّة المنهج الشّكليّ نصوص الشّكلانيّین الرّوس، ترجمة إبراهيم الخطيب، ط1، بيروت: مؤسّسة الأبحاث العربيّة، 1982، ص 180
- لينا علي زيتون، العالم الرّوائيّ ودلالاته عند عوض شعبان، ط1، بيروت: دار العودة،2014م، ص 100
- سيزا قاسم، بناء الرّواية، القاهرة: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب،1982، ص 25 – 77
- سعيد يقطين، تحليل الخطاب الرّوائيّ، بيروت: المركز الثّقافي العربي، 2016، ص 59-166
- حسن بحراوي، بنية الشّكل الرّوائي، ط2، المغرب: الدّار البيضاء، ص 105 – 194
- مراد مبروك، بناء الزّمن في الرّواية المعاصرة، القاهرة: الهيئة المصريّة العامّة للكتّاب، 1998،ص 157 – 191
- حميد لحمداني، بنية النّصّ السّردي، ط2، بيروت: المركز الثّقافي العربيّ، 1993، ص 73 – 91
- عبد المجيد زراقط، في بناء الرّواية اللّبنانيّة، الجزء الثّاني، بيروت: منشورات الجامعة اللّبنانيّة،1999،ص 997
- حميد لحمداني، بنية النّصّ السّردي، ط2، بيروت: المركز الثّقافي العربيّ، 1993، ص 61
- صالح إبراهيم، الفضاء ولغة السّرد في روايات عبد الرّحمن منيف، بيروت: المركز الثقافي العربي،2003، ص 13
- عبد الرّحمن منيف، عروة الزّمان الباهي، ط2، بيروت: المركز الثّقافي العربيّ،1999، ص 89
- غاستون باشلار، جماليّات المكان، ترجمة غالب هلسا، ط5، بيروت: المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع،، 2000، ص 5
- المصدر السّابق ص 12.
- المصدر السّابق ص 70.
- المصدر السّابق، ص 11 – 12.
- سهيل إدريس، أصابعنا الّتي تحترق، مصدر سابق، ص 271.
- المصدر السّابق، ص 133.
- المصدر السّابق، ص 144.
- عبد المجيد زراقط، في بناء الرّواية اللّبنانيّة، الجزء الثّاني، بيروت: منشورات الجامعة اللّبنانيّة، 1999، ص 702.
- ميخائيل بختين، أشكال الزّمان والمكان في الرّواية، ترجمة يوسف حلاّق، دمشق: منشورات وزارة الثّقافة السّوريّة،1990، ص 5.
- عبد المجيد زراقط، في بناء الرّواية اللّبنانيّة، الجزء الثّاني، بيروت: منشورات الجامعة اللّبنانيّة،1999، ص 705.
- المصدر السّابق، ص 264.
- سهيل إدريس، أصابعنا الّتي تحترق، مصدر سابق، ص 147.
- عبد المجيد زراقط، ، في بناء الرّواية اللّبنانيّة، الجزء الثّاني، بيروت: منشورات الجامعة اللّبنانيّة، 1999، ص 499.
- عبد المحسن طه بدر، الرّوائيّ والأرض، القاهرة: الهيئة المصريّة العامّة، 1971، ص 6.
- إبراهيم خليل، بنية النص الروائي، ط1، الجزائر: الدار العربية للعلوم ناشرون،2010، ص 195.
- خليل برويني، الحرّيّة الوجوديّة في الرّواية العربيّة المعاصرة، مجلّة إضاءات نقديّة، السّنة الخامسة، العدد التّاسع عشر، أيلول 2015، ص 10.
- محمد شفيق شيا، في الأدب الفلسفي، ط2، بيروت: مؤسسة نوفل، 1986، ص 131.
- عبد الرّحمن بدوي، دراسات في الفلسفة الوجوديّة، ط1، بيروت: المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، 1980، ص14.
- عبد الحميد فرحات، التّفسير الوجوديّ للنّضال، مجلّة الفكر المعاصر، العدد الثّالث والثّلاثون، نوفمبر 1967، ص10.
- جان بول سارتر، الوجوديّة مذهب إنسانيّ، ترجمة عبد المنعم الحفني، ط1، 1964، ص 81 – 82.
- سهيل إدريس، أصابعنا الّتي تحترق، مصدر سابق، ص 103.
- جان بول سارتر، الوجوديّة مذهب إنسانيّ، مصدر سابق، ص 14.
- سهيل إدريس، أصابعنا الّتي تحترق، مصدر سابق، ص 102.
- سهيل إدريس، أصابعنا الّتي تحترق، مصدر سابق، ص 208.
- المصدر السّابق، ص 64.
- حسن بحراوي، بنية الشكل الرّوائيّ (الفضاء- الزّمن- الشّخصيّة)، ط2، الدار البيضاء – المغرب، 2009، ص 302
- سهيل إدريس، أصابعنا الّتي تحترق، مصدر سابق، ص 264.
- خليل برويني، الحرّيّة الوجوديّة في الرّواية العربيّة المعاصرة، مصدر سابق، ص 27.
- سهيل إدريس، أصابعنا الّتي تحترق، مصدر سابق، ص 103 – 104.
- المصدر السّابق، ص 222.
- المصدر السّابق، ص 179.
- حسن عبد المعطي، علم نفس النّمو، ط1، دار قباء للطّباعة والنّشر والتّوزيع، 1989، ص 254.
- عادل صادق، الغيرة والخيانة، ط1، دار الشّروق، 1994، ص 13.
- سهيل إدريس، أصابعنا الّتي تحترق، مصدر سابق، ص 293.
- فؤاد علي خارز الصّالحي، دراسات في المسرح، ط1، أربد – الأردن: دار الكندي للنشر والتوزيع، 2009، ص 40.
- سهيل إدريس، أصابعنا الّتي تحترق، مصدر سابق، ص 157.
- المصدر السّابق، ص 213.
- المصدر السّابق، ص 175.
- المصدر السّابق ، ص 214.
المصادر والمراجع
- إبراهيم خليل، بنية النص الروائي، ط1، الجزائر: الدار العربية للعلوم ناشرون،2010.
- أنريك أندرسون أمبرت، مناهج النّقد الأدبي، ترجمة الطّاهر مكّي، الطّبعة الأولى، دار المعرفة الجامعيّة، مصر، 2004.
- تزفيتان تودوروف، نظريّة المنهج الشّكليّ، ترجمة إبراهيم الخطيب، ط1، بيروت: مؤسّسة الأبحاث العربيّة،
- جان بول سارتر، الوجوديّة مذهب إنسانيّ، ترجمة عبد المنعم الحفني، ط1، 1964.
- حسن بحراوي، بنية الشكل الرّوائيّ (الفضاء- الزمن- الشخصية)، ط2، الدار البيضاء – المغرب، 2009.
- حسن عبد المعطي، علم نفس النّمو، ط1، دار قباء للطّباعة والنّشر والتّوزيع، 1989.
- حسن محمّد حسن عازل، البحث الأدبي أسسه ومناهجه، شركة ناس للطّباعة، 2001.
- حميد لحمداني، بنية النّصّ السّردي، ط2، بيروت: المركز الثّقافي العربيّ، 1993.
- خليل برويني، الحرّيّة الوجوديّة في الرّواية العربيّة المعاصرة، مجلّة إضاءات نقديّة، السّنة الخامسة، العدد التّاسع عشر، أيلول 2015.
- رفيف رضا صيداوي، الرّواية اللّبنانية إلى أين؟، جريدة النّهار، 10 تشرين الأوّل 2015.
- سعيد يقطين، تحليل الخطاب الرّوائيّ، بيروت: المركز الثّقافي العربي، 2016.
- سهيل إدريس، أصابعنا الّتي تحترق، الطّبعة الثّانية، دار الآداب، 1967.
- سيزا قاسم، بناء الرّواية، القاهرة: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب،1982.
- صالح إبراهيم، الفضاء ولغة السّرد في روايات عبد الرّحمن منيف، بيروت: المركز الثقافي العربي،2003.
- عادل صادق، الغيرة والخيانة، ط1، دار الشّروق، 1994.
- عبد الحميد فرحات، التّفسير الوجوديّ للنّضال، مجلّة الفكر المعاصر، العدد الثّالث والثّلاثون، نوفمبر 1967.
- عبد الرّحمن بدوي، دراسات في الفلسفة الوجوديّة، ط1، بيروت: المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، 1980.
- عبد الرّحمن منيف، عروة الزّمان الباهي، ط2، بيروت: المركز الثّقافي العربيّ،1999.
- عبد الرّحيم محمّد عبد الرّحيم الكرديّ، دراسات في الرّواية العربيّة، الطّبعة الأولى، مكتبة فلسطين للكتب، شباط 2019.
- عبد المجيد زراقط، في بناء الرّواية اللّبنانيّة، الجزء الثّاني، بيروت: منشورات الجامعة اللّبنانيّة،1999.
- عبد المحسن طه بدر، الرّوائيّ والأرض، القاهرة: الهيئة المصريّة العامّة، 1971.
- غاستون باشلار، جماليّات المكان، ترجمة غالب هلسا، ط5، بيروت: المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع، 2000.
- فؤاد علي خارز الصّالحي، دراسات في المسرح، ط1، أربد – الأردن: دار الكندي للنشر والتوزيع، 2009.
- لينا علي زيتون، العالم الرّوائيّ ودلالاته عند عوض شعبان، ط1، بيروت: دار العودة،2014.
- محمّد اللبيدي، علم اجتماع الأدب، الطّبعة الأولى، دار المعرفة الجامعيّة، 2004.
- محمد شفيق شيا، في الأدب الفلسفي، ط2، بيروت: مؤسسة نوفل، 1986.
- محمّد فؤاد جلال، مبادئ التّحليل النّفسيّ، الطّبعة الأولى، مؤسّسة هنداوي للنّشر والتّوزيع، 2018.
- محمود رضوان ظاظا، مدخل إلى مناهج النّقد الأدبيّ، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد 221، أيّار 1997.
- مراد مبروك، بناء الزّمن في الرّواية المعاصرة، القاهرة: الهيئة المصريّة العامّة للكتّاب، 1998.
- مهى سهيل المقدّم، أوغست كونت في ميزان الفكر الاجتماعي العربيّ، دار الطّليعة للطّباعة والنّشر، بيروت، 1994.
- ميخائيل بختين، أشكال الزّمان والمكان في الرّواية، ترجمة يوسف حلاّق، دمشق: منشورات وزارة الثّقافة السّوريّة،1990.
- J Greimas, Semantique structura, recherche de methode, et les actantsK les acteurs, et les figures, in semantique narrative et textuelle coll I paris, 1937.
[1] – دكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها- الجامعة الإسلاميّة في لبنان- أستاذة تعليم ثانويّ
PhD in Arabic Language and Literature – Islamic University of Lebanon Teacher Education Secondary –