عنوان البحث: عندما يصبح المكان بطلًا في رواية جبّور الدّويهي "مطر حزيران"
اسم الكاتب: د. رنا كرم
تاريخ النشر: 20/12/2024
اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية
عدد المجلة: 34
تحميل البحث بصيغة PDFعندما يصبح المكان بطلًا في رواية جبّور الدّويهي “مطر حزيران”
When the place becomes a Hero in the Novel “June Rain” by Jabbour Douaihy
Dr. Rana Karam د. رنا كرم([1])
تاريخ الإرسال:30-10-2024 تاريخ القبول:9-11-2024
ملخّص
إنّ لكلّ فنّ من فنون الأدب العربيّ عناصر يرتكز عليها، وتكون منطلقًا للدّراسة والنّقد. كذلك الرّواية فنّ من هذه الفنون الذي يحتوي على عدّة عناصر، من دونها تفقد مقوّماتها لإيصال الرّسالة، فلا بدّ من أن تظهر هذه العناصر في توليفة تجعلها في قالب روائيّ، فلا يشعر المتلقّي بخروجها عنه. ومن ضمن هذه العناصر الزّمان والمكان.
يُعدّ كلّ من الزّمان والمكان عنصرين متلازمين، يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالشّخصيّات وحركتها، وتكمن أهمّيتهما في كونهما من العناصر التكوينيّة للرّواية؛ فالزّمن هو محور الرّواية وعمودها الفقريّ الذي يشدّ أجزاءها، كما أنّه محور الحياة ونسيجها. ومن خلال اعتناء الكاتب بالمكان، نستطيع أن نلمس حالة التّأثّر والتّأثير بينه وبين الشّخصيّات.
ولمّا كان كلّ عنصر روائيّ يستحقّ دراسة مستقلّة، عمدنا إلى اختيار المكان في رواية جبّور الدّويهي: “مطر حزيران” لندرسه ونحلّل دوره في العمل الرّوائيّ، وأبعاده ودلالاته، انطلاقًا من الأماكن المذكورة في الرّواية، وأهمّيتها في مسار الحدث وفي حياة الشّخصيّات، لا سيّما إيليا الذي كان يبحث عن حقيقة مقتل والده وهويّته. والهدف من ذلك معرفة إذا كان يمكن عدّ المكان بطلًا آخر في الرّواية، على غرار غيره من العناصر المساهمة في تفعيل الحدث، وذلك وفق منهج وصفيّ تحليليّ.
الكلمات المفتاحيّة: البنية المكانيّة، الحدث، الرّواية، الفضاء الرّوائيّ، المكان.
Abstract
Each art of the Arabic Literature has elements on which it is based, and which are a starting point for study and criticism. Likewise, the novel is one of these arts which contains several elements, without which it loses its components to convey the message, so these elements must appear in a kind of blend that puts them in a novelistic form, so that the receiver won’t notice when these elements are outside the form. Among these elements are time and place.
Time and space are two inseparable elements, closely related to the characters and their movement, and their importance lies in the fact that they are among the formative elements of the novel; for time is the axis of the novel and its backbone that holds its parts together, just as it is the axis of life and its texture. And through the writer’s importance of time, we can sense the state of influence and impact between him and the characters.
Since each narrative element deserves an independent study, we intended to choose the place in Jabbour Douaihy’s novel: “June Rain” in order to study and analyze its role in the novel, in addition to its dimensions and implications, based on the places mentioned in the novel, and their importance in the course of the event and in the lives of the characters, especially Elia, who was searching for the truth of his father’s murder and his identity. This aims to know if the place can be considered another hero in the novel, like other elements contributing to activating the event, according to a descriptive and analytical approach.
Key Words: Spatial Structure, Event, Novel, Novel Space, Place.
المقدّمة
يعدّ المكان من العناصر المهمّة في العمل الروائيّ. وعلى الرّغم من أنّه يشكّل مع الزّمان عنصرين متلازمين لا يفترقان. فإنّ المكان ثابت على عكس الزمان المتحرّك، وهو في ثبوته واحتوائه للأشياء الحسّيّة المستقرّة فيه، يدرَك بالحواسّ إدراكًا مباشرًا، ذلك لأنّ “المكان صورة أوّلية ترجع إلى قوّة الحسّاسية الظّاهرة التي تشمل حواسّنا الخمس”([2]). “فهو الإطار الذي تقع فيه الأحداث، وهناك اختلاف بين طريقة إدراكه وطريقة إدراك الزّمن؛ لأنّه يرتبط بالإدراك الحسّيّ، وقد يسقط الإدراك النّفسيّ على الأشياء المحسوسة لتوضيحها والتّعبير عنها”([3])؛ فالرّواية الحديثة منذ رعيل الواقعيّة الأوّل جعلت من المكان عنصرًا حكائيًا مهمًّا، فأصبح الفضاء الرّوائيّ مكوّنًا أساسيًّا في أيّ عمل حكائيّ، فلا يمكن تقديم الحدث الرّوائيّ غير مصحوب بجميع إحداثيّاته الزّمنيّة والمكانيّة([4])، ومن دونها يستحيل على السّرد أن يؤدّي رسالة الحكاية.
ويكتسب المكان في الرّواية أهمّيّة كبيرة، فهو يعدّ إحدى الركائز الأساسيّة لها، لا لأنّه أحد عناصرها الفنّيّة، أو لأنّه المكان الذي تجري وتدور فيه الأحداث، وتتحرّك في إطاره الشّخصيّات فحسب، بل لأنّه يتحوّل في بعض الأعمال المتميّزة إلى فضاء يحتوي كلّ العناصر الرّوائيّة، بما فيها من شخصيّات وأحداث وما بينها من علاقات، ويمنحها المناخ الذي تتحرّك فيه، وتعبّر عن وجهة نظرها، ويكون هو نفسه المساعد في تطوير بناء الرّواية، والحامل لرؤية البطل الممثّل من منظور المؤلّف([5]). وكأنّنا لا نستطيع تصوّر الرّواية خارج هذه التّركيبة والتّوليفة. ومن منظور غاستون باشلار (Gaston Bachelard)([6])، إنّ العمل الأدبيّ يفقد خصوصيّته وأصالته في حال فقد هذه المكانيّة([7]). من هنا، لا يمكن عدّ المكان عنصرًا زائدًا في الرّواية، فهو يتّخذ أشكالًا متعدّدة الأبعاد، ويتضمّن معاني ذات قيم، بل إنّه قد يكون في بعض الأحيان الهدف الرّئيس من وجود العمل كلّه([8]).
ويعدّ تشخيص المكان في الرواية منطلقًا لجعل أحداثها – بالنّسبة إلى القارىء- شيئًا محتمل الوقوع؛ بمعنى يوهم بواقعيّتها؛ فحسن استغلال المكان من شأنه أن يضفي على جوّ القصّة حيويّة لأنّه يمثّل رصانتها النّفسيّة([9]). ونلاحظ بروز ظاهرة المكان بشكل لافت في “مطر حزيران” لجبّور الدّويهيّ، فهل يمكننا أن نعدّه بطلًا في هذه الرّواية؟ وكيف يمكننا أن نثبت ذلك؟
ما دور المكان في الحدث الرّوائيّ؟ وكيف أسهم المكان في بحث إيليا عن الحقيقة، وعن هويّة والده؟
للإجابة على هذه الأسئلة، وباتّباع المنهج الوصفيّ التّحليليّ، سيقسم البحث أربعة أقسام: في القسم الأوّل سنعرّف بمفهوم المكان وسنبيّن في القسم الثّاني مراحل الاستبعاد حتّى العودة. أمّا في القسم الثّالث فسنحلّل الفضاء الرّوائيّ ودوره في خدمة الحدث، وفي الرّابع ستتمحور الدّراسة حول كشف الحقيقة وما ترتّب عليها من نتائج.
أوّلًا – مفهوم المكان
شغل المكان حيّزًا مهمًّا في رواية “مطر حزيران”، فكانت الرّواية أشبه بمجموعة لوحات تنقل القارئ في كلّ مرّة إلى نقطة معيّنة قد تختلف في الزّمان والشّخصيّات، لكنّ وحدة الحدث تجمعها، والمقصود بذلك الهدف الذي يسعى إليه البطل إيليا والعقدة التي يُفترض حلّها: اكتشاف حيثيّات مقتل والده ومعرفة هويّة والده الحقيقيّ، علمًا أنّ الرّواية تضمّ العديد من الأمكنة داخل المكان الواحد، فضلًا عن الأحداث والشّخصيّات. لذلك يستعمل تعبير الفضاء الرّوائيّ لأنّه أشمل وأوسع في معنى المكان. وما دامت الأمكنة في الرّوايات غالبًا ما تكون متعدّدة ومتفاوتة، فإنّ فضاء الرّواية هو الذي يلفّها جميعًا، إنّه العالم الواسع الذي يشمل مجموع الأحداث الروائيّة([10]).
ولا تقتصر دراسة المكان في الرواية بوصفه الموقع حيث تجري الأحداث، وإنّما تشمل دراسة العلاقة بين المكان والزمان، والشخصيّة، والأحداث… وبالتالي نجد أنّ المكان “مرتبط بالأشياء، وليس مستقلاً عن نوعية الأجسام الموجودة فيه”([11]). فهو عنصر روائيّ أساسيّ يحتاج إلى وقفة متأنيّة، ذلك أنّ الشخصيّات تحتاج إلى مكان تتحرّك فيه، والزمان يحتاج إلى مكان يحلّ فيه، وينتقل من خلاله، وكذلك الأحداث الروائيّة والسرد([12]).
فالمكان في الرواية ليس وصفًا مجردًا هندسيًّا، للإطار الذي يجمع الشخصيّات وتدور فيه الأحداث، إنّما هو يكتسب سِمات الشخصيّة الحيّة، كما أنّ تحديد أدوار الشخصيّات يتمّ من خلال مدى عمق ارتباطها به([13])؛ فالشرفة التي كانت تجلس عليه كاملة والدة إيليا تشكّل شاهدًا على أحداث مفصليّة في حياتها، لقد كانت تلازمها طوال الوقت، حتّى ابنها فقد ترك دفتره يوميّاته فيها.
فالمكان ليس مجرّد عنصر جامد من عناصر الرواية، يمثّل الحيز للشخصيّات والأحداث، بل إنّه ينصهر مع سائر العناصر ويتفاعل معها مكوّنًا الرواية بكلّ ما تحويه من شخصيّات وأحداث.
وفي الكلام على الحيز أشار غاستون باشلار إلى أن المكان أكثر اتّساعًا من الحيّز، فهو عنده كون مؤقّت بكلّ ما للكلمة من معنى([14]). ولتحديد مدى الترابط الذي يوحي به المكان، ذهب إلى أنّ المكان الذي ينجذب نحوه الخيال، يمكن أن يبقى مكانًا لاجماليًّا ذا أبعاد هندسيّة فحسب، فهو مكان قد عاش فيه بشر لا على نحو موضوعيّ فقط، وإنّما بكلّ ما في الخيال من تحيّز؛ بمعنى أنّنا ننجذب نحوه لأنّه يكشف الوجود في حدود تتّسم بالجماعة([15]).
فالمكان عامل معرّف عمَّن فيه، إنّه لا يكتفي بأن يكون كالوعاء الذي يحوي شيئًا ما، بل يؤثّر في ساكنيه، وهو يُعدّ “من العناصر الفاعلة في تحديد ملامح الشخصيّات وطبيعة أفعالها”([16]).
يؤثر المكان في ساكنيه بالشكل الخارجيّ، وبالعادات والقيم، وبذلك يبدو أثر المكان في الشخصيّة يمتدّ إلى بعدين: شكله الخارجيّ ومضمونه الدّاخليّ؛ وبذلك يتجاوز “وجوده السطحيّ المرتكز على البعد الجغرافيّ والفيزيائيّ، فقد أصبح يحدد سلوك الشخصيّة واتجاهاتها.”([17])
تحتاج الرواية إلى مكان ليس لوقوع الحدث فيه فحسب بل لتأثيره في الشخوص والحوادث، وقدرته على حمل الدلالات والإشارات التي تكشف عن الحالة النفسيّة أو الاجتماعيّة لشخصيّة ما، أو تكشف أحوالًا سياسيّة وفكريّة واقتصاديّة لشخصيّات أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أنّ العلاقة بين المكان والشّخصيّة تبادليّة تقوم على التأثير والتأثّر المتبادل بينهما، فعلى الرغم من كون المكان يمثّل الوعاء الذي يحوي الشخصيّات، إلّا أنّه يتّخذ قيمته الحقيقيّة من خلال علاقته بالشخصيّة([18]).
وعلى الرّغم من أن العلاقة بين المكان والشّخصيّة تبادليّة، إلّا أنّ هذا لا يعني أن المكان والشخصيّة هما العاملان المؤثّران فقط في الرواية، فالأحداث تؤدي دورًا لا يمكن إغفاله، ذلك أنّ “الظروف التي تطرأ على الشخصيّة والمكان، تؤدي دورًا مهمًا في تحديد العلاقة بين الطرفين، وكثيرًا ما تؤدي إلى خلق صراع متبادل بين الشخصيّة والمكان، ينتهي بتكوين علاقة عدائيّة([19]).
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى مسألة أساسيّة تقتضي إضافتها، وهي أنّ الحديث عن مكان محدّد في الرواية، يفترض دائمًا توقّفًا زمنيًّا لسيرورة الأحداث، لهذا يلتقي وصف المكان والانقطاع الزّمني، في حين يفترض الفضاء دائمًا تصوّر الحركة في داخله؛ بمعنى أنّه يفترض الامتداد والاستمراريّة الزّمنيّة. وقد لاحظ نقّاد البنائيّة ِذلك، وعبّر عن ذلك قولهم: “إنّ الفضاء المجزّأ يستدعي زمنًا متقطّعًا”([20]).
وعلى الرّغم من أنّ الكاتب يختار أحداثه الروائيّة من واقع الحياة الاجتماعيّة، فإنّه يجد نفسه محدودًا بزمن الحدث ومكانه تحديدًا واضحًا، كأنْ يذكر اسم المكان الذي تجري فيه الحكاية، وكذلك الزمن الصريح، فالمكان من الناحية الاجتماعية يتجلّى في الآثار الأدبيّة. هذا ويرى بعض النّقّاد أنّ المقصود بالمجتمع هو المجتمع التخيّلي، وهو مجتمع له قوانينه الفنّية الخاصّة. ومع أنّ كثيرين لا يعطون أهمّيّة كبرى للمجتمع الخارجيّ الذي يعيش فيه الروائيّ نفسه، إلّا أنّهم من جهة أُخرى يرون أنّ الواقع الخارجيّ قد يختلط بالواقع التخيّليّ، وقد تقوم الحدود الواضحة بينهما([21]).
وبالتّالي، إنّ المكان يشكّل شبكة من العلاقات والرؤى ووجهات النظر التي تتضامن مع بعضها بعضًا لتشديد الفضاء الروائيّ الذي تجري فيه الأحداث. ويمكن أن يكون منتظمًا بالدقّة نفسها التي انتظمت بها العناصر الأُخر في الرواية، لذلك هو يؤثّر فيها، فقد يقوّي من نفوذها، كما أنّه قد يعبّر عن مقاصد المؤلّف. وتغيّر الأمكنة الروائية قد يؤدّي الى نقطة تحوّل حاسمة في الحبكة، وتاليًا في تركيب السرد والمنحى الدراميّ الذي يتّخذه ([22]).
انطلاقًا ممّا سبق، تتبّعنا الأمكنة في “مطر حزيران”، ودرسناها انطلاقًا من الأحداث المرتبطة بها.
ثانيًا: من الاستبعاد إلى العودة
يعدّ إيليا الشّخصيّة الأساس التي تحرّك الأحداث وتستحضر الزّمان وتتنقّل في المكان بهدف البحث عن حقيقتين شكّلتا هدف عودته إلى لبنان: البحث عن قاتل والده، ومعرفة هويّة والده الحقيقيّ. فمن هو إيليّا؟ وما علاقته بالمكان؟
- مراحل الاستبعاد
يقول الراوي: “إيليا ابن حارتنا، “حارة العصابة” بتسكين العين كما كنّا نسميها نحن الصغار افتخارًا، وحي “السيدة الغربي” كما هو مسجّل على بطاقات مَن كانوا يقيمون فيها”([23]).
كانت القرى تُقسَم حارات، تأخذ أسماء مختلفة، إمّا بحسب العائلات الأكثريّة فيها، وإمّا بحسب طبع أهلها، وإمّا نسبة إلى ما حصل فيها من أحداث.
كانت هناك امتيازات لإيليا وغيره من الصبية من أبناء أولئك الذين كان يقال فيهم إنّهم “دفعوا دمًا ([24])…والمقصود أنّ أحدًا من أهلهم كان ضحيّة المجزرة التي حصلت في الكنيسة في ذاك اليوم. إلّا أنّه حدث ما جعل أمّه كاملة تستبعده عن هذا المكان؛ بسبب مشكل كبير عاد بعدها إلى البيت، وقد كسر نظّارتيه: فقد عاد يومًا إلى المنزل وأخبر أمّه أنّه رافق اثنين من الصّيّادين الأشقياء إلى التّلّة بالقرب من كرخانة الحرير القديمة، وهناك فتح أحدهما قنبلة يدويّة ورماها أمام الكلب كي يلحق بها، فالتقطها بين أنيابه ولحق بإيليا كي يسلّمه إيّاها، في حين أنّها كانت ستنفجر حتمًا حين يرميها من فمه. فركض الولد وتعثّر وسحق نظّارتيه([25]).
عندها قرّرت والدته “بالصوت العالي، وبشهادة الجيران عليها مرّتين وثلاثًا في اليوم، إبعاد إيليا نهائيًّا من “حارة العصابة” “ومن البلدة كلّها”([26])، فأرسلته إلى إحدى المدارس الداخليّة بالقرب من العاصمة حيث كان يغيب عن البيت ثلاثة أشهر ويعود أسبوعًا واحدًا يمضي خلاله وقته على الشّرفة بدلًا من التّنزّه في أحياء القرية واللّعب مع الأولاد: “كأنّه صار هنا، في بيته في حارة العصابة منفيًّا مؤقتًا من موطنه الأصليّ، يعدّ الأيام التي تفصله عن العودة إليه”([27]).
كيف يصبح المكان الذي ولد فيه الإنسان منفًى بالنّسبة إليه، والمكان الذي لجأ إليه موطنه؟ فقد أصبحت المدرسة عالمه الذي يتوق إليه، ولا يريد العودة إلى بيته في حارة العصابة.
بعد عودته الثانية، في عيد رأس السنة، في المكان نفسه “شرفة منزل كاملة” كان معه “أكورديون”… حينها أدرك الأولاد أنّه أصبح غريبًا عنهم، وعن الأرض التي ألفها، فهو يعزف ألحانًا غربيّة لا يعرفونها. لقد “هجر عالمهم. هجر ضفاف النهر وسرقة الخوخ والأكدنيا في مواسمها.. هجرها من دون رجعة هذه المرّة”([28]).
بالتّالي، تشكّل المدرسة الدّاخليّة المكان الأوّل الذي استُبعِد إليه من حارة العصابة، وتلاه مكان آخر كان فيه الاستبعاد الثّاني، وهو “أحد المصايف في الجبل”([29])؛ ولكنّ الحرب بدأت تنتشر صعودًا، والقذائف تقترب من محيط الدير، فجاء الاستبعاد الثالث، والمكان هو بيته في حارة العصابة([30])، أي العودة إلى نقطة البداية. لكن، وبما أنّ “الحرب كانت تتسرّب كالماء إلى كلّ المناطق التي يمكن أن تصلّ إليها”([31])، جاء الاستبعاد الرابع والأخير خارج الإطار الجغرافيّ الذي ينتمي إليه وطنيًّا، لأنّ الوجهة كانت، هذه المرّة، مدينة نيويورك: “إلى الخارج، إلى بلاد الله الواسعة. مات واحد، لن يموت الثاني”([32]). هكذا كانت تفكّر كاملة، وعاشت تنتظر أن يعود يومًا إلى دياره. وأتى اليوم المنتظر فوصل “إلى مطار بيروت، يوم الأحد بعد الظهر”([33]). عاد إلى المكان الذي غادر منه إلى شرفة داره، هذه الشرفة التي تضمّ اليوم المهنّئين بعودته سالمًا([34]).
2- بين الماضي والحاضر
يحمل الكاتبُ القارئَ إلى مرافقة إيليا العائد من غربة طويلة، فنراه يمشي متلفّتًا يمينًا وشمالًا كمن يكتشف حارة العصابة للمرّة الأولى. أمّه كانت قلقة عليه، تريد أن تعرف المكان الذي سيتوجّه إليه، تبادره بالسؤال عند عودته، فيجيبها: “مشيت في الشوارع”([35]). تذكّره بأصوله، بالعودة إلى جذوره، بمكان ولادته، ببيته: “…اجلس معي في البيت. تتصرّف وكأنّه ليس بيتك، هذا رزقكم، هذا بيت الكفوري…”([36])
تستيقظ صباحًا، تتمشّى على شرفتها، تنتظره أن يستيقظ من نومه، يترك المنزل كما في كلّ صباح. تخاف عليه من الأماكن التي سيزورها، يطمئنها “لا تخافي”([37]) وينطلق… إلى أين يذهب؟ وما هي الأماكن التي يقصدها؟
وكان أثناء تجواله في الطّرقات “يحاول قدر الإمكان التزام الرصيف… تضيق الطرقات… يسير ببطء في محاذاة البيوت”([38]) حيث يحاول أن يتوقّف كي يسترجع في مخيّلته رائحة الطعام المنبعثة من النوافذ. يعود ليتناول الطعام مع والدته في المكان نفسه، ولكنّ الأشياء تغيّرت، الأغراض لم تعد في مكانها، تحاول كاملة ترتيبها، ولكن نظرها قد شحّ كثيرًا، ولم تتمكّن من ترتيب الطاولة كما في الماضي. تستفهم من ابنها عن مكان سكنه في الغربة وعن بيته، تهمّها الأماكن، فتسأله: “بيتك واسع هناك؟”([39]).
كانا أمام طاولة الطعام، ولكنّ سؤالًا غريبًا جعل كاملة تغيّر مكانها، وتدخل إلى غرفتها: يا أمّي، ألم يبقَ عندنا شيء من والدي؟([40]) لم تُجِبهُ، بل نهضت عن كرسيّها وتوجهت إلى غرفتها… عادت بعلبة خشبية مستديرة”([41]). أعطته العلبة، وأخبرته أنّ ما فيها هو ما وجدوه في جيوب والده في المستشفى.
وفي النهاية، أضافت جملة، وكأنّها تعلم أنّ ولدها لن يبقى معها، وسيغادر أرض أجداده في يوم ما: “إنّها لك، خذها معك إلى أميركا إذا أحببت”([42]).
كلّ ما وجده في هذه العلبة نقود ومسبحة، وأوراق، بينها بطاقة كتب عليها: “نيشان دافيديان”. سأل عنه فقيل له إنّه هرب إلى المدينة. وهكذا، مرّت الأيّام الأولى على عودته، كان كمَن يسترجع الماضي من الأمكنة ودلالاتها وما تمثّل من ذكريات، لينطلق نحو الهدف من عودته.
ثالثًا – الفضاء الرّوائيّ في خدمة الحدث
يضمّ الفضاء الرّوائيّ عددًا من الأماكن التي تشغلها الشّخصيّات والأحداث، والتي سخّرها المؤلّف لخدمة هدف بطل روايته، بدءًا بتقصّي الحقيقة وصولًا إلى النّتيجة التي بلغها.
- تقصّي الحقيقة
أصبح إيليا يتردّد إلى المقهى حيث كان يبحث عن حقيقةِ ما حصل في ساحة الكنيسة يوم المجزرة! يريد أن يعرف كيف مات والده ومَن قتله؟ قالوا له إنّ ذاك الرجل هو الأكثر عبوسًا كان مع والدك، فبدأ يستجوبه: “لماذا قتلوا والدي؟ هل قصدوا قتله؟”([43]).
أُخبِرَ أنّ والده لم يكن يُطلق النار، بل أطلقوا النار عليه: “كان في خطّ إطلاق النار”([44]). فشكّلت هذه الجملةُ هَدَفَ بحثٍ جديد لإيليا عن المكان المحدّد الذي مات فيه والده.
وفي سَعي إيليا لبلوغ حقيقة مقتل والده نلاحظ أهمّيّة المكان؛ فكلّ الأماكن كانت تستوقفه: بيوت الزّعماء، الكنائس، الشّوارع، الدّكاكين، بستان اللّوز الذي كان يبتعد عنه لكن سرعان ما يعود إليه، ذلك أنّ “والده مدفون هناك”([45])، غير أنّ هدفه كان واحدًا: معرفة موقع خطّ النّار. فيوقف أحد المارة ليسأله عن خطّ إطلاق النار، كان السؤال غريبًا جدًا بالنسبة إليه: “أيّ إطلاق نار؟ سنة 1958”([46]).
بعد أنّ اطمأن الرجل إلى هويّة إيليا أجابه: “كانت المتاريس منصوبة على سطح معصرة الزيتون… هناك”([47]).
ولكنّ إيليا لم يكتفِ بهذا الجواب، بل طرح عليه سؤالًا آخر، فالأماكن تعنيه كثيرًا في بحثه عن الحقيقة: “أين تنتهي الحارة التحتا؟ يرتبك الرجل، يعرف… ولكن لا يعرف كيف يدلّه…”([48]). فيتابع إيليا مسيرته في الشوارع حتّى يبلغ ساحة الكنيسة. “يدخل إلى كنيسة السيدة من بابها الخلفي، ومن باب النساء”([49]). يصلّي في الكنيسة ويعود إلى المقهى. وفي حين كان يظنّ أنّ وجهةَ والده كانت الكنيسة، يأتي أحد الرّجال ليخبره بأنّه كان مع والده: “لم نتّجه صوب الكنيسة، وقفنا في باب أحد الدكاكين في الساحة. لم نكن نريد الدخول، كان والدك يضيق خلقه من حضور الجنازات، يمضي وقت الصلاة خارج الكنيسة، وعند انتهاء الجنازة تقترب المشاركة في التعزية… عندما سمعنا الطلقات الأولى. عند انهمار الرصاص أضعته… لم أعرف كيف اختفى…”([50])
2- في موقع الجريمة
عرف إيليا أنّ والده مات غدرًا، فقد أطلقوا عليه النار من الخلف ([51]). وجاء في القرّار الظنّي الذي حدّد المجزرة ومكان حدوثها: مواجهة مسلّحة “على درجات مذبح الربّ”([52]). فقرّر زيارة موقع الجريمة. “حصل على نسخة من القرار الظنّي، واستقلّ سيارة “أجرة”([53]) واتّجه نحو الحيّ القديم، والهدف هو الوصول إلى الكنيسة حيث بدأ بالتقاط الصّور. وأخذ “يتأمّل الساحة…إنّها المرّة الأولى التي يأتي فيها إلى هذه البلدة…”([54]). حاول أن يفهم كلّ ما حصل. لفته أنّه “ليس هناك مكان مأهول في هذه الساحة الرازحة تحت شمس الصيف إلا الدكان”([55]).
إذًا ستكون وجهته الدكان آملًا أن يجد أجوبة عن كلّ ما حصل في ذلك النهار. أعطاه صاحب الدكّان مفتاح الكنيسة ليدخلها. حاول أن يرسم تخطيطًا عامًّا للمكان، مسرح الجريمة. “دخل إلى السكرستيا، كثيرون اختبأوا هنا على ما يبدو…”([56]). بعد أن تنقّل في عدة أماكن داخل الكنيسة، عاد إلى الدكان، حاول أن يستجوب صاحبه، يريد معرفة كلّ تفصيل عن الحادث، فدعاه هذا الأخير للجلوس مكانه: “اجلس مكاني، تفضّل اجلس هنا على الكرسيّ…أنا كنت جالسًا هنا يوم الأحد اللعين ذاك… يمكنك أن ترى باب الكنيسة والقسم الأوسط من الساحة فقط…”([57]).
سأل إيليا عن الذين كانوا في الدكّان، يريد أن يعرف مكان وجود والده يوم الحادث: “كان والدك هنا برفقة شاب آخر من عائلتكم…”([58]). عرف خيطًا جديدًا من أحداث ذاك اليوم المشؤوم، هو أنّ والده وقف ليلتقط صورة مع رفيقه: “كان هناك مصوّر اقترب من والدك ورفيقه، وعرض التقاط صورة لهما…أذكر أنّ والدك وضع سيجارة في فمه ليتصوّر…”([59]). ولمّا عرف اسم المصوّر “نيشان دافيديان” قصده إلى محلّه في بيروت، وعرّفه بنفسه، وطلب صورًا لبرج الهوا، القرية التي قُتل فيها والده، فأعطاه مغلّفًا من الصور: “جلس إيليا أمام المغلّف كمن يجلس إلى وليمة بعد جوع طويل”([60]).
3- برج الهوا والأحداث المشؤومة
يخبرنا الكاتب عن أحداث برج الهوا، على لسان منتهى جارة كاملة التي لم تكن تفارقها حتّى بعد موت زوجها. فهي كانت كالمعتاد في بيت أهلها يوم الحادث: “بدأنا نسمع ضجّة الناس، هدير غامض… سيّارة تمرّ في اتّجاه المدينة. كان أهل الحارة قد بدأوا يخرجون من بيوتهم، يستكشفون، امتلأت بهم الساحة، قطعوا الطريق”([61]). “اخترقت الجمع شاحنة صغيرة… كانوا قد صفّوا القتلى، بأن وضعوا رؤوسهم داخل صندوق الشاحنة، وقد رموا فوقهم غطاء أبيض، لكنّ أرجلهم بقيت ظاهرة”([62]).
بعد هذا المشهد أصرّت كاملة على العودة إلى البيت، وتوجّهت إلى غرفة النوم، فتحت الدرج المليء بالجوارب وبدأت تعرّبها، فهي لم تجد الكحليّ: “لبس الكلسات الكحليّة اليوم، وطلع على برج الهوا…”([63]). يجب أن تتوجّها إلى طرابلس، كانت أمّها قد وصلت إليها “نزلنا إلى المدينة ودرنا على كلّ المستشفيات”([64]). أكّدت لمنتهى أنّها على حقّ، لقد وجداه في برّادات إحدى المستشفيات يلبس “الكلسات الكحليّة”. أخرجنه من المستشفى وطوال يوم الاثنين بقين في الساحة: “انتقلنا إلى ساحة الكنيسة. اتّفقوا على وضع القتلى حول الساحة…حتّى ساعة الجنازة…”([65]). كانت كاملة لا تتوقّف عن طرح السّؤال الآتي: لماذا ذهبت إلى برج الهوا؟([66]) وكأنّ المكان هو الذي أدّى إلى موته…
4- المكان يستحضر الماضي ممثّلًا حروب العائلات
الأماكن لها وقعها وأهمّيّتها في الحروب، فنلاحظ أنّ الكاتب يستحضر بعض الأحداث النّزاعيّة الحربيّة بين العائلات ليبيّن الأجواء التي كانت سائدة زمن مقتل والد إيليا، فيخبرنا بعضًا منها، ممهّدًا لذلك بذكر الزّمان والحدث الأمنيّ: الثورة الّتي امتدت “بين نيسان وأيلول 1958”. يخبرنا عن محسن الذي اختار متراسًا له في الحرب “حجر الرحا، حجر معصرة الزيتون المجاورة”([67]). كان يتقاسم متراسه مع شقيقه: هو في النهار وحليم في الليل، وقد استطاع بعد ثلاثة أشهر من التّرصّد قَتْلَ خصمه في المتراس المقابل([68]) الذي “هو كناية عن عمارة بثلاث طبقات”([69]). عندما احتدم النزاع بين العائلات رسموا خطًا سمّوه خطّ التماس، “هذا الخطّ الوهميّ الفاصل بين حيّ آل السمعانيّ إلى الطرف الجنوبيّ وحيّ آل الرامي إلى الشمال في البلدة”([70]). عندما اشتدّ القتال طلبوا من سميح، وهو فرّان القرية، أن يرحل عن الحيّ ويعود إلى أبناء عائلته. غير أنّه أبى أن يرحل متمسّكًا ببيته وبيت أجداده ومحبّة النّاس له. لكنّ الثأر وأعمال القتل كانت كثيرة لا ترحم، ففي أحد الأيّام “جاء إلى الفرن رجل ووقف في المدخل، كانوا قد قتلوا ابن أخيه وهو يدرس على شرفة منزله، أراد الثأر فصوّب مسدّسه نحو سميح وقتله برصاصاته الثلاث. لم يقع سميح أرضًا، سقط جالسًا على الكرسيّ…”([71]). كما يعود بنا الكاتب إلى المعارك والقتال، ويبيّن لنا مشكلة كبيرة يواجهونها تتلخّص بأنّ هناك نساء من الحارة التحتا تزوجن رجالًا من الحارة الفوقا أو العكس، وأصبحنَ يُتَّهمنَ بالتخوين. مثلاً: “محسن السمعاني هو شقيق حسني قتل واحدًا من أبناء سليمة”([72]). حسني امرأة من الحارة التحتا وتسكن مع زوجها عبّود في الحارة الفوقا، تبيّن أنّها أخبرت أخاها عن مكان مدفع الهاون 60 وهو أخبر الجميع…”([73]). فقرّ الرّأي على التّخلّص من عدد من النّساء اللّواتي يُعتَبَرن جواسيس، وكان الحلّ بأن يعدنَ إلى مسقط رؤوسهنّ: “الخوري بولس يقود النساء، يعبر بهنّ خطّ التماس، فيتوزّعن على بيوت أهاليهنّ. ويعود بنساء آل الرامي من الحارة التحتا”([74]). هكذا حصل تركت حسني بيتها وابنها الرضيع وعادت إلى بيت أهلها لتؤكّد لزوجها ومجتمعها أنها لم تنتمِ في يومٍ لهم ولطالما كان انتماؤها وهويّتها مرتبطين ببيت أهلها: “أنا نازلة إلى بيت أهلي يا عبّود في كل حال ، كلّما توجّهت إلى الحارة التحتا فتح قلبي”([75]).
إنّ هذه النّماذج التي عرضها المؤلّف تبيّن علاقة الفرد بمحلّ ولادته وأهمّيّة هذا الرّابط ودوره في حياته الاجتماعيّة، كما تظهر بشكل خاصّ الجوّ العامّ السّائد زمن مقتل والد إيليا.
رابعًا – هويّة الوالد: الحقيقة والنّتيجة
صحيح أنّ أيليا كان يريد أن يعرف حيثيّات مقتل والده، غير أنّ أمرًا آخر كان يشغله ويسيطر على تفكيره: معرفة هويّة والده الحقيقيّ. فكيف عرف الحقيقة؟ ما هي؟ وما كانت نتيجتها؟
1-حقيقة هويّة الوالد
في خضمّ المعارك التي أشرنا إليها سابقًا، كانت كاملة في بيتها الذي لم تتركه منذ وفاة زوجها، مقتنعة بأنّ “أقاربه سيسعون للثأر، دمهم لن يحملهم طويلًا. بدأوا يربطون الطرقات في الليل”([76]). وكانت تجلس في مكانها المعتاد، “حيث كانت تريد دائمًا أن تبقى، هنا حيث سينسونها جالسة على شرفتها”([77]). لكنّها بدأت تحس يومًا بعد يوم بإحساس غريب، فقد تأخّرت عليها العادة الشهريّة. “أخبرت أختها فكان احتمال أن تكون حبلى لكنّها ترفض أن تصدّق. تعود بالذاكرة إلى الوراء … لقد نامت مع زوجها يوم السبت، وقتلوه الأحد”([78]). وبعد أسبوعين، “قصّدت أمها إلى بيتها وأخبرتها …”([79]). لقد كانت المرّة الأولى التي تغادر فيها منزلها منذ وفاة زوجها. وعندما تأكّد خبر حملها وشاع بين النّاس، أخذ الكلام يطالها من كلّ جانب: “خمسة عشر عامًا بدون أولاد. مات زوجها من هنا، حبلت من هنا، كيف ذلك؟([80]). وعندما ولدت ابنها كانت تتمنّى “أن تحمله بجعة بيضاء وتطير به إلى آخر الدنيا، إلى بلاد لا تعرف فيها أحدًا، وتضعه في جبلٍ عالٍ بعيد عن العيون”([81]). كانت تخاف عليه لدرجة أنّها كان تغسل ثيابه وتنشرها داخل المنزل. ولكنّ الصبيّ كبر وذهب إلى المدرسة، ولم ينجُ من عيون النّساء اللّواتي كنّ يطاردنه ويسألنه: “ابن مَن أنت يا إيليا؟”([82]). في يوم من الأيّام تعارك مع ابن الجيران فما كان من هذا الأخير إلّا أن قال له ” ابن كاملة”. هرول إيليا إلى البيت غاضبًا باكيًا … قرّرت من يومها إرساله إلى مدرسة راهبات الصليب”([83]). لم تفارق هذه الأحداث إيليا، وأثناء تحرّيه حقيقةَ مقتل والده، قصدَ كلَّ الأماكن القريبة والبعيدة التي يمكن أن تشكّل خيطًا يقوده إلى اليقين، وكان آخر بيت زاره قبل أن يطوي الصفحة ويسافر “بيت العاصي” حيث سمع من جاره الرّواية الآتية: “انظر من هذه النافذة، اقترب منّي، اقترب، ماذا ترى هناك العريشة وسطح القرميد الصدئ أليس كذلك؟ هذا بيتكم … ربّما لست معتادًا رؤيته من هنا … كانت شرفتكم مقصودة جدًا من الجيران([84]). وأخبره كلّ ما سمع ليلة الحادثة: “سمعنا صراخًا تبعه طلق ناريّ واحد، ثمّ عويل بدأ يتصاعد من أرجاء الحيّ كافّة … تلت ذلك زمامير سيّارات وهدير دبّابة عسكريّة تطلق صفّارتها. بعدها ارتفع صوت جرس الكنيسة. في هذه الليلة زار أمّك على الشرفة فؤاد وبطرس الرامي”([85]).
فهل كانت مخاوف إيليا في مكانها؟ هل حقًا هو ابن كاملة وليس ابن يوسف الكفوري؟
ليلة الجنازة “الفكرة هي فكرة أم كاملة” “كان هذا يوم الاثنين في الثامن عشر من حزيران 1957، قرابة الساعة السابعة مساءً. طلبت من منتهى أن تذهب إلى فؤاد الرامي. يريدان القدوم إلى البيت لتقديم التعزية إلى كاملة”([86]). وصلا تحت جنح الظّلام، ووجدَتهما ينتظرانها أمام مدخل البيت([87]). كانت كاملة على الشرفة. بعد لحظات بدأت ترتجف من البرد فدخلت إلى البيت، في هذه اللحظة انقطعت الكهرباء. “بقيت كاملة مع فؤاد الرامي في الداخل لأكثر من ساعة. انتظرهما بطرس ومنتهى وأمّ كاملة في العتمة على الشرفة”([88]). وهكذا، بعد هذه العودة المحمّلة خيبات، أتى اليوم الذي سيودّع فيه إيليا أمّه الجالسة على شرفتها. لقد كان الوداع صعبًا على الاثنين. وضعت كاملة أغراضه وهو صغير في حقائبه وبعض الطعام الذي يحبّه. لقد انطلق إلى بيروت ليسافر من جديد، لكنّه ترك وراءه “الدفتر الذي دوّن عليه كلّ ملاحظات رحلته. تركه وراءه عمدًا على مقعد الشرفة “([89]). فطلبت كاملة من منتهى أن تقرأ لها ما كتب، وكانت المفاجأة: “حصلت على أكثر من سبع روايات متناقضة لكيف بدأت الحادثة، كأنّ الجميع راحوا فجأة، وفي اللحظة نفسها، يطلقون النار في جميع الاتّجاهات. لكلّ شخص سألته روايته الخاصّة”([90]). استوقفتها أيضًا لائحة مرقّمة بالقتلى لم يذكر أسماءهم بل اكتفى في ذكر أشغالهم وأوضاعهم العائليّة.
في نهاية اللائحة كتب: “يعمل في مجال ألعاب القمار، تارةً يفتح ناديًا، وتارةً يشارك مع غيره، يلعب وينظّم ألعاب الورق، 42 عامًا، متزوج، لم يرزق بأولاد …”([91]). طلبت من منتهى أن تعيد لها القراءة لأنّها عرفت أنّه يتحدّث عن والده. غضبت… مزّقت الورقة، ومن ثمّ أحرقت الدفتر وارتاحت. لكن، ماذا فعل إيليا؟ وهل وجد الرّاحة في رحيله؟
2- المكان وسيلة لولادة جديدة
غادر إيليا وطنه مرّتين: المرّة الأولى عندما كان صغيرًا، والثّانية بعد اكتشافه الحقيقة. فعندما رحل صغيرًا إلى نيويورك لمدّة عشرين عامًا ادّعى هويّات متعدّدة، فقد كان يدّعي أحيانًا أنّه يتيم الأمّ لا الأب، وأحيانًا أنّه من اليمن. وعلى غرار عدم الاستقرار الانتمائيّ ورفضه لهويّته، نراه غير مستقرّ سكنيًّا إذ “كان يبدّل مسكنه باستمرار”([92])، حتّى جاء اليوم الذي قرّر فيه العودة. وبعد عودته واكتشافه الحقيقة، انطلق في رحلته عائدًا إلى بلاد الغربة: “بين لبنان وجزيرة قبرص اخترع سِيَرًا أخرى له، تخلّى عن هويّته، عدّ نفسه تاجر سيّارات مستعملة”([93]). وفي مطار لارنكا قال إنّ اسمه ” ايلي” بالفرنسيّة ([94]). وفي مطار “اورلي” رمى الطّعام الذي حمّلته إيّاه والدته داخل علبة القمامة([95]). على متن الطائرة المتّجهة إلى نيويورك عرّف بنفسه باللكنة الإنكليزيّة “إيلاي”، وأخبر الفتاة النيويوركيّة أنّه مقيم في نيويورك وأنّه مصريّ المولد”([96]). وفي مطار جون كندي ترك وراءه الحقيبة ومشى: “خرج حاملاً صورة يوسف الكفوري والأكورديون… مسافرًا دون حقائب”([97]). في الفندق عاد إلى عالمه الوهميّ وعلى تأليف قصص جديدة عن حياته ومهنته وجذوره. أصبحت الأماكن بالنسبة إلى البطل موضعًا للهروب من الواقع، من الحقيقة التي لا يريد أن يصدّقها، فنراه يبتدع سِيرًا جديدة له يتخلّى فيها عن هويّته وجذوره. هذه الهويّة التي بحث عنها وعن حقيقتها، وعندما وجدها تخلّى عنها وهرب إلى بلاد الدنيا الواسعة. وبالتّالي نلاحظ رفضه الانتماء إلى قريته لأنّها تمثّل واقعًا صادمًا يرفضه، ومحاولته الانتماء إلى بلاد بعيدة من خلال محاولة ابتكار شخصيّة جديدة لا تمتّ بصلة إلى شخصيّته الحقيقيّة، ما يعني أنّه كان يبحث عن ولادة جديدة تناسب أفكاره وتطلّعاته وأحلامه. فالمكان، على كثرته وتشعّبه، لم يستطع أن يؤمّن له الأمان والاستقرار، بل تلاعب به وقاده إلى حيث لم يتمنَّ أن يكون.
وهكذا، يؤدّي المكان دورَ بطولة في الرّواية، فمن خلاله تمكّن القارئ من إدراك الرسالة التي يريد الكاتب إيصالها، لأنّ إدراكه لها مرتبط بإدراكه للمكان الروائيّ وإحساسه أنّه عنصر فعّال في الحدث. والأمر الذي يقوّي أيّ عمل روائيّ هو انفراده بهويّة مكانيّة خاصّة به، وبصورة ذهنيّة محدّدة وواضحة له؛ فالعمل”حين يفتقد المكانيّة فهو يفتقد خصوصيّته، وبالتالي أصالته”([98]).
الخاتمة
يُعدّ المكان عنصرًا أساسيًّا من العناصر التي تشكّل العمل الرّوائيّ (الزّمان، الأحداث، الشّخصيّات)، وهو يؤثّر في نجاح العمل أو تدهوره. وقد شغل الفضاء الرّوائيّ رواية “مطر حزيران”، في عمليّة تآلفيّة بين تنوّعه وتنوّع الأحداث والشّخصيّات. واللّافت أنّ مكانين أساسيّين تنازعا الشّخصيّة الرّئيسة إيليا: قريته التي تمثّل الوطن، وبلاد الغربة. وفي كلّ منهما كانت أماكن كثيرة أخرى تطلّ في كلّ مرّة، محمّلة بجديد يساهم في نجاح حبكة الرّواية. ففي مرحلة طفولته استبعدته أمّه عن القرية خوفًا عليه أربع مرّات، وكانت الأخيرة إلى مدينة نيويورك، وفي كلّ مرّة كانت شخصيّته تتّسم بصفات ربّما هي انعكاس للمكان، كحالِهِ عندما كان يعود إلى قريته لفترة قصيرة من المدرسة الدّاخليّة، إذ لم يكن يلعب مع الأولاد، بل يختلف عنهم في تصرّفاته وهواياته، كعزفه على الأكورديون موسيقى لا يعرفونها، الأمر الذي هو نتيجة حتميّة لأثر المكان في نموّ شخصيّته.
وبعد عودته من الغربة بهدف كشف حقيقة مقتل والده والبحث عن حقيقة والده الحقيقيّ، يستوقف القارئ بداية تنزّهُه في القرية ومشاهدته أحياءها ومناظرها، ما يدلّ على حنين داخليّ إلى المكان الذي يشعر فعليًّا بالانتماء إليه. غير أنّنا نلاحظ أنّ الفضاء الرّوائيّ كان مشبعًا برائحة الحرب والنّزاعات العائليّة والمجزرة التي حصلت منذ سنوات وكان ضحيّتها والده. وقد ساعدته الأمكنة التي زارها في تقصّيه الحقيقة مع ما تحمل من دلالات وما تستحضر من ذكريات على معرفة أنّ والده مات غدرًا.
ويأبى المكان إلّا أن يكون شاهدًا على حقيقة كان يخشاها، هويّة والده الحقيقيّ، التي يخيب معها أملُهُ وطموحُهُ، فيغادر الوطن مهاجرًا، محاولًا البحث عن ولادة جديدة فيها رفض لانتمائه وهويّته وجذوره.
وبالتّالي، تتكشّف الرّواية عن أكثر من بطل، ذلك أنّ الشّخصيّات لن تتحرّك إلّا في مكان يحتويها، والأحداث لن تجري بمعزل عن مكان يتحكّم بها، والزّمان لن يتوقّف طالما المكان يتغيّر والأحداث تتابع والشّخصيّات تتفاعل. لقد حقّق الفضاء الرّوائيّ انتصارًا في “مطر حزيران”، بمجرّد أن انهزم إيليا في مكان (الوطن)، فبحث عن نجاته في مكان آخر (الغربة). ويبقى السؤال الأخير الذي أطرحه، هل الغربة هي غربة الذات عن النفس أو غربة الجسد عن الأرض؟ فالإنسان يمكنه ان يعيش الغربة عن وطنه وهو مقيمٌ فيه، كما يمكنه أن يعيش الوطنيّة ويحافظ على هويّته وانتمائه إلى بلده وهو يعيش في بلاد الغربة. فإلى متى سنعيش في وطنٍ نشعر فيه أنّ ذاتنا تعيش في غربة عن الواقع وأنّنا نسعى دائمًا إلى الغربة الحقيقيّة لأننا ننتمي إلى الوطن في قلوبنا ولكن طموحنا يتطلّع نحو الأفضل؟
الهوامش
– [1] دكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها من جامعة القدّيس يوسف – بيروت بدرجة مشرّف جدًّا. عملت في دبي مدرّسة ومنسّقة للّغة العربيّة في المدرسة اللّبنانيّة الفرنكوفونيّة، كما كان لها عدّة مشاركات في مؤتمرات للّغة العربيّة في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة. وعملت مدرّبة حول الطّرق الحديثة والنّاشطة واعتماد الابتكار والإبداع في التّعليم. لها عدّة أبحاث في مجلّات محكّمة، ولدها خبرة واسعة في تعليم اللّغة العربيّة لغير النّاطقين بها. عضو الهيئة الإداريّة في نادي الكتاب اللّبنانيّ.
PHD in Arabic Language and Literature from Saint Joseph University – Beirut with high distinction. Worked in Dubai as a teacher and Arabic Language coordinator in the Lebanese Francophone School, and participated in many conferences about Arabic language in the UAE. Worked also as a trainer on modern and active methods as well as adpting innovation and creativity in education. Done several researches in peer-reviewed journals. Well experienced in Arabic Language teaching for Non-Arabic speakers. Member of the board of directors in the Lebanese Book Club.Email: Ranakaram777@gmail.com
[2]– يوسف كرم، تاريخ الفلسفة الحديثة، ص. 222.
[3]– قاسم سيزا، بناء الرواية، ص. 106.
[4]– حسن بحراوي، بنية الشكل الروائي، ص. 27.
[5]– أحمد زياد محبك، دراسات نقدية من الأسطورة إلى القصّة القصيرة، ص. 147.
[6]– غاستون باشلار (1884- 1962): فيلسوف فرنسيّ. “كرّس جزءًا كبيرًا من حياته وعمله لفلسفة العلوم، وقدّم أفكارًا متميّزة في مجال الإبستمولوجيا حيث تمثّل مفاهيمه في العقبة المعرفيّة والقطيعة المعرفيّة والجدليّة المعرفيّة والتّاريخ التّراجعيّ، مساهمات لا يمكن تجاوزها، بل تركت آثارها واضحة في فلسفة معاصريه ومَن جاء بعده” (https://www.marefa.org، المراجعة بتاريخ 29/ 10/ 2024).
[7]– غاستون باشلار، جماليّات المكان، ص. 7.
[8]– حسن بحراوي، بنية الشكل الروائي، ص. 33.
[9]– إيفلين فريد جورج يارد، نجيب محفوظ والقصّة القصيرة، ص. 217.
[10]– حميد لحمداني، بنية النصّ السردي، ص. 63.
[11] – محمّد محمود عيسى، تيّار الزمن في الرواية العربيّة، ص. 5.
[12] – صلاح صالح، قضايا المكان الروائي في الأدب المعاصر، ص20 .
-[13] إبراهيم جنداري، الفضاء الروائي عند جبرا إبراهيم جبرا، ص. 174.
[14]– غاستون باشلار، م. س.، ص. 36.
[15]– م. ن.، ص. 31.
-[16] زغدان عبد الوهاب، المكان في رسالة الغفران: أشكاله ووظائفه ، ص. 68.
-[17] أسماء شاهين، جماليّات المكان في روايات جبرا إبراهيم جبرا ، ص. 113.
-[18] محمّد البارودي، الرواية والحداثة، ص. 232.
-[19] رافيد لوبرتون، أنثربولوجيا الجسد والحداثة ، ص. 20.
[20]– حميد لحمداني، م. س. ص. 63.
[21]– سمر روحي الفيصل، ملامح من الرواية السورية، ص. 214.
[22]– حسن بحراوي، م.س.، ص. 32.
[23] -جبّور الدويهي، مطر حزيران، ص. 21.
[24]– الموضع نفسه.
[25]– م. ن.، ص. 23،24.
[26]– م. ن.، ص. 25.
[27]– م. ن.، ص. 26.
[28]– م. ن.، ص. 27.
[29]– الموضع نفسه.
[30]– م. ن.، ص. 28.
[31] – الموضع نفسه.
[32]– الموضع نفسه.
[33]– م. ن.، ص. 31.
[34]– م. ن.، ص. 33.
[35]– م. ن.، ص. 52.
[36]– م. ن.، ص. 53.
[37]– م. ن.، ص. 54.
[38]– م. ن.، ص. 55.
[39]– م. ن.، ص. 57.
[40]– م. ن.، ص. 58.
[41]– الموضع نفسه.
[42]– م. ن.، ص. 59.
[43]– م. ن.، ص. 60.
[44]– الموضع نفسه.
[45]– م. ن.، ص. 62.
[46]– م. ن.، ص. 63.
[47]– الموضع نفسه.
[48]– م. ن.، ص. 64.
[49]– الموضع نفسه.
[50]– م. ن.، ص. 65.
[51]– م. ن.، ص. 98.
[52]– م. ن.، ص. 107.
[53]– م. ن.، ص. 100.
[54]– م. ن.، ص. 102.
[55]– م. ن.، ص. 107.
[56]– م. ن.، ص. 108.
[57]– م. ن.، ص. 112.
[58]– الموضع نفسه.
[59]– الموضع نفسه.
[60]– م. ن.، ص. 188.
[61]– م. ن.، ص. 132.
[62]– م. ن.، ص. 134.
[63]– م. ن.، ص. 137.
[64]– م. ن.، ص. 138.
[65]– م. ن.، ص. 141.
[66]– م. ن.، ص. 142.
[92]– م. ن.، ص. 162.
المصادر والمراجع
أوّلًا- المدوّنة
1- جبّور الدويهي، مطر حزيران، بيروت، لندن، دار الساقي، 2012.
ثانيًا- المراجع العربيّة
2- البارودي (محمّد)، الرّواية والحداثة، ط1، اللّاذقيّة، دار الحوار، 1993.
3- باشلار (غاستون)، جماليّات المكان، ترجمة غالب هلسا، بيروت، المؤسّسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2006.
4- بحراوي (حسن)، بنية الشكل الروائيّ: الفضاء،الزمن،الشخصيّة، ط2، بيروت، المركز الثقافيّ العربيّ، 2009.
5- جنداري (ابراهيم)، الفضاء الرّوائيّ عند جبرا ابراهيم جبرا، ط1، بغداد، دار الشؤون الثقافيّة، 2001.
6- سيزا (قاسم)، بناء الرواية: دراسة مقارنة لثلاثيّة نجيب محفوظ، القاهرة، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 1984.
7- شاهين (أسماء)، جماليات المكان في روايات جبرا إبراهيم جبرا، ط1، بيروت، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، 2001.
8- صلاح (صالح)، قضايا المكان الرّوائيّ في الأدب المعاصر، ط1، القاهرة، دار شرقيّات، 1997.
9- عبد الوهّاب (زغدان)، المكان في رسالة الغفران: أشكاله ووظائفه، ط2، صفاقس، دار صامد، 1985.
10- فريد (إيفلين) ويارد (جورج)، نجيب محفوظ والقصّة القصيرة، عمّان، دار الشروق للنشر والتوزيع، 1987.
11- الفيصل (سمر روحي)، ملامح من الرّواية السّوريّة، دمشق، منشورات اتّحاد كتّاب العرب، 1979.
12- كرم (يوسف)، تاريخ الفلسفة الحديثة، القاهرة، دار المعارف، 1986.
13- الحمداني (حميد)، بنية النّصّ السّرديّ، بيروت، المركز الثقافي للطباعة والنشر والتوزيع، 1991.
14- لوبرتون (رافيد)، أنثربولوجيا الجسد والحداثة ،ترجمة: محمد عرب صاصيلا، ط1، بيروت، المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنشر، 1993.
15- محبك (أحمد زياد)، دراسات نقديّة من الأسطورة إلى القصّة القصيرة، دمشق، دار علاء الدين، 2001.
16- محمود (عيسى محمّد)، تيّار الزّمن في الرّواية العربيّة، ط1، القاهرة، مكتبة الزهراء، 1991.
ثالثًا- المراجع الرّقميّة
17– https://www.marefa.org