عنوان البحث: هل تكون دولة الأشكيناز آخر الدول العنصريّة في العالم؟
اسم الكاتب: د. صلاح عصام أبوشقرا
تاريخ النشر: 20/12/2024
اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية
عدد المجلة: 34
تحميل البحث بصيغة PDFهل تكون دولة الأشكيناز آخر الدول العنصريّة في العالم؟
د. صلاح عصام أبوشقرا([1])
لقد بيّنت الأيّام والسنون أنّ المستوطنين اليهود في فلسطين شعب غريب، بعقائده وبنمط تفكيره، وطريقة عيشه مع باقي شعوب المنطقة، ولا سيّما في لبنان وفلسطين، وهم أخبر الناس بهم. يعيشون في مستوطنات مدجّجين بأحدث أنواع الأسلحة وأيديهم على الزناد، ينتظرون الموت فيها، وأعصابهم مشدودة منذ الولادة وحتّى الممات، تاركين العيش في الدّول الصناعيّة في عالم الشّمال ذات الاستقرار الأمنيّ، والاجتماعيّ، والاقتصاديّ، ومنهم من يحمل جنسيّاتها، ويتمسّكون بالخَرافات للبقاء في أرض ليست أرضهم، ووطن حرموا أهله منه، فما هو مستقبل الاستيطان في فلسطين؟
بدأ الانتحار اليهوديّ الأوّل في القرن العشرين عند قيام الدولة العبريّة سنة 1948، أعقبه الانتحار الثاني عندما اغتالوا اتّفاق أوسلو الذي وقّع مع منظمة التحرير الفلسطينيّة سنة 1993، الذي ينصّ على حلّ الدولتين، ويصبّ في مصلحتهم وليس في مصلحة الفلسطينيين، لأنّه يكرّس حكمهم لفلسطين ويمهّد لسيطرتهم الاقتصاديّة على دول المشرق العربيّ، ويحقّق لهم الحلم التوراتيّ في استكمال أرض الميعاد من الفرات شرقًا إلى النيل غربًا، لكن هذا لم يتحقّق لأنّهم ينطلقون من فكر عنصريّ تلموديّ يقنعهم بإمكانيّة طرد كلّ من هو غير يهوديّ – عبرانيّ، والاستفراد بأرض الميعاد. فكان مصيرهم السقوط، والفشل، وتسجيل قتل، وتدمير للشّعوب المجاورة لهم، وتدمير حياتهم، والعيش بالقلق والخوف الجماعيّ داخل مستوطناتهم والمدن التي احتلّوها.
قتلوا وما زالوا يقتلون عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف في فلسطين، ثمّ يقتل منهم الآلاف، والفارق أنّ الفلسطينيّين قد عوّضوا “عجزهم الدّيموغرافيّ”، وما زالوا يتكاثرون بمعدل نموّ طبيعيّ سريع، بالمقابل هم يشهدون نموًّا سلبيًّا، وتعويضه بات صعبًا، ويزداد صعوبة على مرّ الزّمن. عقيدتهم تدعوهم إلى التوسّع شرقًا وغربًا، فحاولوا بداية من لبنان، ففشلوا، واضطرّوا إلى الانسحاب سنة 2000 من دون قيد أو شرط، فأعادوا المحاولة سنة 2006 فكان النّصر الثاني للمقاومة في لبنان. وما زالوا يحاولون، وما زالت خسائرهم البشريّة، والاقتصاديّة تتضاعف، وأمنهم “القوميّ” يتلاشى أكثر فأكثر، إذ أصبحت عاصمتهم وكبرى مدنهم في مرمى النيران… باختصار شديد هم يعيشون في جحيم لا يُحسدون عليه، إذ يتركون الدول الصناعيّة الغنيّة ويأتون إلى جحيم ينتظرهم من شعب، سُلِب وطنه، ومُنِع من دخول أيّ من الدّول الصناعيّة الكبرى لكي يعيش بأمان، فما كان أمامه سوى مواجهة الكرة الأرضيّة بأسرها… ولم ينكسر… فكان 7 أكتوبر 2023، ولم تكن البداية… فاختار أولئك المستوطنون الحرب في واحدة من أكثر تصرّفاتهم رثاثة وحماقة، مفوّضين حكّام تل أبيب القيام بها، عوضًا عن التفاوض لاستعادة الأسرى، وإنقاذهم من المقاومة في فلسطين، فكانت النتيجة مقتل نصف الأسرى، وفوقهم المئات منهم، ومن عناصر جيشهم. أضف إلى تهجيرهم من المستوطنات الشّماليّة القريبة من حدود لبنان، والأكثر أهمّيّة من كلّ ذلك أنّ غزّة ما زالت تقاوم على الرّغم من الدّمار؛ عاصية عليهم بعد أن استنفدوا كلّ ما لديهم من قوّة. هذه الحماقة استدعت تدخّل المقاومة في لبنان للمساندة، ففتحت الدولة العبريّة نار جهنم على شعبها، وكالعادة أرضوا المستوطنين، وأشبعوا رغباتهم في رؤية الدّم لتبرير فشلهم في تصفية المقاومة… وهم بذلك حقّقوا أمنيات المقاومين اللبنانيّين قيادات وأفرادًا بالشّهادة؛ وعجزوا عن كلّ ما سوى ذلك، فها هي الرّشقات الصّاروخيّة تتصاعد كمًّا ونوعًا في عمق الدّولة العبريّة.
أخيرًا، لم تبقَ في هذا العالم أرض مستعمرة بشكل كامل سوى فلسطين، ولم تبق دولة عنصريّة قائمة على التمييز الإثني – الدّينيّ سوى الدولة العبريّة، فبعد زوال النازيّة في ألمانيا، والفاشيستيّة في إيطاليا سنة 1945، زال الحكم العنصريّ للبوير في جنوب إفريقيا، وعادت البلاد إلى سكانها الأصليّين، والمسار التّاريخيّ يؤكّد لنا زوال الدولة العبريّة اليهوديّة حيث زالت من قبلها أكبر دولتين يهوديّتين في التاريخ هما مملكة داود في القرن العاشر ق.م التي لم تعمّر أكثر من ثمانين عامًا، والثانية مملكة السلالة الحشمونيّة التي زالت في القرن الأوّل قبل الميلاد، ولم تعمّر أكثر من سبع وسبعين عامًا. أمّا دولة الأشكيناز هذه فشمسها قد شارفت على الغياب…
عماطور في 12 – 10 – 2024
1– أستاذ دكتور في الجامعة اللبنانيّة – كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة – قسم الجغرافيا – وهو أحد أعضاء هيئة التحكيم في المجلّة.