عنوان البحث: الألوهيّة والرّياضيات: العقل النظريّ
اسم الكاتب: خلود الحاموش
تاريخ النشر: 19/01/2025
اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية
عدد المجلة: 35
تحميل البحث بصيغة PDFالألوهيّة والرّياضيات: العقل النظريّ
Divinity And Mathematics; The Theoretical Mind
بحث مستل من أطروحة الدكتوراه “حول العلاقة والتّداخل بين الرّياضيات والجمال الكوني… من خلال الأرقام والهندسة دراسة تحليليّة نقديّة
Khouloud El-Hammouche خلود الحاموش[1]
تاريخ الإرسال:4-12-2024 تاريخ القبول:18-12-2024
الملخّص TURNIT IN: 1%
إنّ تطور المفهوم الرياضي أو ما يسمى بفلسفة الرّياضيات تفاعل بطريقة تراكميّة من العددية إلى إدراك المفهوم الرياضي والمنطقي، مرورًا بمفكرين أضافوا إلى المنهج من المحتوى الطبيعي إلى النظري من فيثاغورس إلى اقليدس تصاعديًّا حتى القرن التاسع عشر وما تلاه، حتى تحولت الرّياضيات من صناعة إلى تحليل.
برزت قيمة الرّياضيات من خلال الفهم اللغوي للمجهولات عادًّا أوغست كونت أنها لغة العلوم، وقد تحولت من مفهومها الحسّي والعقلي إلى حالة إبداعيّة بنائيّة ودقيقة متخطيّة الفعل الفيزيائي الكمي، متخذة الطبيعة بلغتها فصلًا مهمًّا لفهم ثباتها ونظامها.
وعلى الرّغم من أنّ فهم المنطق الفلسفي يعدُّ منهجًا قائمًا بذاته إلّا أنّ قربه من منهج الفلسفة قدم لفهمه منطلقًا، وإدراكًا مختلفًا للواقع، خاصة مع فهم أرسطو والذي أيضًا تطور بفعل الزمن إلى منطق صوريٍّ ورمزيٍّ مع برنارد راسل، ممهدًا ليبنز طريقًا جديدًا لفهم الماصدق معلنًا فهمًا جديدًا للمجهول والأبعاد اللانهائيّة للتفكر العقلي.
وإذا أفرد للعقل بعدًا ميتافيزيقيا لفهم الوجود والفكر الأفلاطوني وأتباعه، فإنّ الفكر الدّاخلي للفكرة ماثل انطولوجيا جديدة لمعرفة منطق الفيزياء الكمي بوصفه الفكرة هي أساس كل وجود طبيعي وروحي، مماثلة التّطور الدّاروني المتحرر من الإقليدية الجامدة ، كمعطى أنّ الحركة هي الثابت الوحيد، متشكلة الرّياضيات كوعاء للفكر وأثير ضوئي حامل للعلوم. إنّ تعلم الرّياضيات ليس معطى فقط وإنما هو فعلًا زمنكانيًّا للإبداع وفهم الذّات والموضوع. هذا الخيال الرّياضي وجد ضالته عبر الحدس الرياضي، كحرفة لتعقل الأبعاد الهندسيّة واللانهائيّة للعقل كمخاطبة “كينونة” في إدراكها وحدة الوجود.
الكلمات المفاتيح: ميتافيزيقيا؛علم الكم؛ الزمنكانيّة.
Abstract
Skills of the mathematical mind: The concepts of understanding mathematics, or the philosophy of maths, has evolved from an understanding of numbers to understanding of intellect and logic, having passed through Pythagoras and Ecluid, reaching the 19th century, where maths has transcended industrial use for analysis practice.
Logic of mathematics: The value of mathematics shines through the understanding of the linguistics of void variables, such as x– where August Kant solidifies maths as the language of the sciences. So, it evolved from sensual intellect, to constructed creativity; transcending quantum physics to explore the formulas of nature.
Where understanding mathematical and philosophical logic evolved from Aristotle logic to symbolics of Russel, reaching the non-truths of Leibniz.
This does not deny the importance of truthful reason, but rather extends the ceiling of the unknown and the metaphysics of infinities.
Anthology of maths: The mind is considered the peak of understanding self and the concepts of existence. And in a way, it is the extension of Pluto’s concepts and legacy that Decart and Hegel drew from. The idea carries an idea resembling quantum physics; whereas the idea is the center of every physical and spiritual. In its evolving, it has elements of Darwinism, freed of Eucliedism; whereas movement is the only constant, and architecture and numbers become a womb of knowledge. Mathematics is the light source and knowledge carrier of science.
Math is not a granted given, but rather an action that transcends settings of space and time for creativity and analysis understanding of self and other.
Mathematical 6th sense is a skill towards imagination, benefiting from the infinite angles and dimensions of the mind to transcend to the unity of existence.
Keywords: Metaphysics, Quantum, Time-place Setting
المقدّمة
كان لفهم الكون وموجودات العالم أن تسعى لتبرير المعرفة الكميّة، وأبعادها وتأثيرها على التّفاعل الفكري والإنساني، وفهم الميتافيزيقيا من خلال الإبداع الرّياضي وتأثير الأرقام العددية والأشكال الهندسيّة علينا وفهمنا لإبداع الخالق وحسن إبداعه. فكان هذا البحث لتقريب المسافة بين الميتافيزيقيّا والرّياضيات وتصويب العلاقة الجماليّة بينهما.
أهميّة البحث: بحثت العقليّة البشريّة عن الله والميتافيزيقيا منذ فجر البشريّة، وحاولت السيطرة على معتقداتها تارة في الفلسفة وحينًا آخر في الدّين، فاختلفت الآراء والأفكار والتصورات بين عبادات طبيعيّة، وثنية، ثم دينيّة مقدسة.
كذلك كان للرياضيات مجالًا بحثيًّا عن أصل هذه المعارف، وأثرها في حياتنا إذ بدأت من دراسة للكميّات الشّكليّة والعدديّة، وبين مدرسة تجربيّة وأخرى عقليّة وبين بنائيّة فكريّة، وقد ابدعت الشّعوب القديمة في فهم دور الرياضيات وحضارتها الهندسيّة والعمرانيّة والفكريّة، فكان فيثاغورس أول المعتمدين على الرياضيات لفهم نشأة الكون، ثم اعتمدها أفلاطون كعماد أساسي للنبوغ والذكاء قائلًا: “من لا يعرف الرياضيات والهندسة لا يدخل علينا”.
هذا التّقارب بين الميتافيزيقيا والرياضيات نراه جليًّا في فهم الخريطة الفلكيّة، ثم في جفر الإمام علي، وكذلك في حساب الجمًل إذ إن الأرقام الدّينيّة كان لها فهمًا خاصًّا للحرف العربي، إذ جاء في القرآن الكريم ربطًا بين اللغة الدّينيّة التي نزل فيها الذكر، وبين حفظ هذه الكلمات في دلالة حتمية لحفظه.
كما نرى أنّ هناك رابطًا فينومولوجيا لوحدة الأرقام بين الأسطورة والفلسفات والدّيانات، ولا سيما في عدد من الأرقام المهمة.
وفي العصر الحديث ربط فوبانتشي الأرقام، والطبيعة بالجمال والرّقم الذّهبي ضمن هيكل أفلاطوني من السّماء إلى الأرض مسقطًا فعلًا غشطلتيًّا على الطبيعة، هذا وقد قدم كبلر على أساس فهم كامل للكون والرياضيات من خلال قوانينه الثلاث والتي تؤكد تناسق الكون ونظامه والدّقة فيه مستعينًا بالّرياضيات كحل لفهم الوجود.
ولعل غاليلو غاليلي أكد على ذلك حاسبًا الرياضيات هي الأساس الأول لفهم طبيعة الفيزياء والكون.
إشكاليّة البحث: تكمن في طرح نقاط للتفكير في المفكر فيه حول العلاقة بين جمال الطبيعة وبلاغة الرياضيات لفهم التناسق الكوني ووجودية الله وابداعاته.
وهنا لا بدّ من إلقاء الضوء على عدة نقاط كفرضية لهذا البحث:
– أهمية التوجيه لعظمة الخلق من خلال الأعداد وتأكيد وحدة الكون وتناسقه، وتطوير الفكر الرّياضي وانعكاسه على هندسة الكون، وإبداعيّة اللغة في حساب الجمل، وكذلك دور النسبيّة الذّهبيّة من ألفا إلى العلوم الحديثة والفنون.
– قيمة الأشكال الهندسية والأعداد والفكر البنائي الإبداعي لفهم التطور الفكري الإنساني، وتفسير ما لم يكن مفسرًا، فقد فُسِّرت لوحات فنيّة كالعشاء الأخير، وربطها من خلال الزوايا الهندسيّة لنهاية الزمان.
– تفعيل صورة الله من خلال الموجودات والموضوعات العقليّة والتّجريبيّة لفهم الميتافيزيقيا، واعتماد الطبيعة لفهم ما بعد الطبيعة.
– مقاربة روحيّة الأعداد عبر الزّمن من الفلسفة إلى الدّين ومن الطبيعة إلى ما بعدها، لفهم فائق هذا الكون وعملية الارتداد بين الانسان وخالقه.
– إثبات وجود الله ونظامه من خلال عظمة المخلوقات، وتأكيد فطرة الله داخل الكائن البشري
منهج البحث: إن المنهج الأدق لهذا البحث هو المنهج التّحليلي، والمقارن الذي يعمل على فهم ما سبق واستكمال ما لحق، لتقييم وتفسير واستنباط الاحكام بالطريقة العقلية، مستخدمين اليقين الرياضي في بعض الأحيان.
صعوبة البحث: تكمن صعوبة البحث في عدّ ما تقدم هو فرضيّة، تخضع بطريقة أو بأخرى لقوانين ميتافيزيقيا لا يمكن تأكيدها إلّا بدعم تناسق الكون وانتظامه. كما يدخل في جدليّة البحث خريطة لتداخل العلوم، والغيب في فهم الأسطورة والأرقام وفي فهم اللغة والأرقام وكذلك العمران. وفي اعتماد الأرقام والكون تناغم موسيقى وعقلي ووجودي.
قد يعترضنا قلّة الكتب والأبحاث والمراجع ولا سيما في تحويل الفرضيّة إلى نظريّة.
1-1- من صناعة الاكتشاف إلى صناعة التّحليل: عرض ثابت بن قرة في رسالة له عن كتاب الأصول لإقليدس أهمية ما كتبه عن الترتيب المنطقي للبراهين وما يختلف عن ترتيب الاكتشاف، واضعًا مذهبًا نفسيًّا – منطقيًّا للاكتشاف الرياضي، وحسب تعبيره ما يضعنا على نحو ما على أرضية فلسفة الرّياضيات.
إلّا أنّ مفهوم الترتيب تطور إلى فكرة وإشكاليّة صناعة التّحليل التي جاء بها جالينوس، وقد تطور هذا الإدراك في القرن التّاسع مسلطًا الضوء على حقيقة أهمّية فلسفة الرّياضيات، ما جعلنا نشهد وعلى توالي الزمن إعدادًا منطقيًّا لفلسفة الرّياضيات ومن ثَمَّ مشروع صناعة اكتشاف وأخيرًا صناعة التحليل([1]).
1-2- منطق الرّياضيات: يبرز دور الرّياضيات وأهميتها كعامل أساسي لا سيما بعلاقاتها بالعلوم الأخرى، وهذا ما أشار إليه نيوتن في كتابه “المبادئ الرياضية لفلسفة الطبيعة (الفيزياء)”، إذ تظهر الرّياضيات كمحرك أساسي لثبات الطبيعة، وانتظامها وفهمها وإدراك المجهولات اللغويّة والرّقميّة كما وبنفس الامتداد الزّمني والمكاني للبعد الإنساني الوجودي. وقد صنفت الرّياضيات بأنها لغة العلوم وقد عدَّ أوغست كونت أن علم الرّياضيات هو أقدم العلوم، وأنفعها لأهمية علاقة العلوم بها بلغة رمزية دقيقة. وزادت قيمة الرّياضيات شأنًا بتجردها رويدًا رويدًا مع تطور العلوم واتساع نسقها، وما ظهر بدلالة واضحة من علاقة بالرّياضيات والتنظيم الفكري معتمدة مقولة ديكارت الشّهيرة “العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس إذ تعتمد عمليات المنطق والبداهة والمسلمات، خاصة وأن البرهان العقلي ينطلق من مقدمات همها الوحيد خلال هذه العملية البنائية عدم التناقض، واستخدام المنطق والاستنتاج للوصول إلى نتائج حتمية دقيقة.
وما أجاز ضمن نسق منطقي بإمكانيّة وضع قواعد لنظام رياضي أكسيوماتيكي جديد قابل للتحقق حسب العالم الرياضي هيلبيرت([2]) معتمدًا شروطًا ثلاثة:
- أولًا: أن تكون المسلمات الجديدة المخترعة غير متناقضة مع بعضها البعض.
- ثانيًا: أن تكون الواحدة مستقلة عن الأخرى، أيّ أن لا تكون الوحدة مستنبطة من السابقة، وإلاّ فهي تحسب مبرهنة وليست مسلمة.
- ثالثًا: أن تكون كافية لا ناقصة ولا زائدة.
هنا تظهر قيمة الرّياضيات بأنها ليست علمًا نظريًا عقيمًا وإنما عملانية إبداعيّة، بوصف العقل أساس للمعرفة والتّأقلم والتّطور، وأنّ قابليّة التّوسع الفكري قائمة للإحاطة بتطورات الوسائل، والأدوات التي تؤكد أسبقيّة الرّياضيات على العلوم كحالة تجلٍّ وخيال عقلي.
بلغت الرّياضيات بُعدًا جعل العلوم كافة تعتمد عليها لقيمتها، ومصداقيتها العالية إذ إنّ ارتكاز موضوعها على الكميات، والمقدار المجرد أفرد لها مكتسبات عدة ولا سيما اعتمادها على منهج الاستنباط.
فقد نجحت الرّياضيات بتخطي الفعل الفيزيائي الكيفي، وأصبحت لغة تعبير أكثر منها لغة مادة واكتشاف. وهذا يعيدنا إلى أثر المنهج الاختباري ودوره في تأكيد قيمة العلوم الرياضيّة فاعتماد المراحل التي تستخدم وإن كانت تبدأ بالمراقبة والفرضيّة والتحقق من الفرضية للوصول إلى قانون علمي إلاّ أن نهاية التّجربة تخضع إلى ميثاق عزيز الثقة بالرّياضيات، وتحويل التجربة إلى قانون علمي مبني على لغة الرّياضيات.
وإن كانت العلوم الطبيعيّة ارتكزت على فهم واقعها بمنهج علمي مبني على لغة الرّياضيات، لم تنكر العلوم الإنسانيّة هذا الواقع وحولت قوانينها إلى الرّياضيات معتمدة على الإحصاء والترقيم، والتّقييم والقوانين الفيزيائيّة وأن أضفت طابعًا عامًا على الحركة البشريّة، إلاّ أنّها عُدَّت ميزانًا لفهم المجتمعات والأنتربولوجيا.
هذه الإحصاءات أضافت توازنًا على القواعد والقوانين العلميّة على الرّغم من اختلاف المدارس والمشارب التي تنبثق منها، واختلاف فلاسفتها وعلمائها، إلّا أن الثقل الرياضي كان بارزًا منذ بدايات “العلمي البدائي”. استفادت الرّياضيات من منهج البرهان والاستنباط الاستدلالي الذي يشبه المنطق الأرسطي المكوّن من مقدمات صغرى ومقدمات كبرى، ونتيجة المنطق الأرسطي القياسي هو نتيجة متضمنة واقعة في المقدمات: كل إنسان فانٍ (مقدمة كبرى)/ سقراط إنسان (مقدمة صغرى)/ إذًا سقراط فانٍ (نتيجة).
هذا العرض القياسي للمنهج المنطقي عند أرسطو، والعلم الرياضي يتشابه إلى حد بعيد في مقاربة المنطق الرّياضي المرتكز على العلاقات بين الحدود الرياضيّة:
إذا كانت أ = ب/ وإذا كانت ب = ج/ النتيجة أ = ج
إلّا أنّ الفرق الأساسي في كل من العلمين هو أن المنطق يقوم فقط على أصول صحيحة ومقدمات قياسيّة لازمة، ونتائجها تعتمد على بديهيات صادقة ونتائجها متضمنة صحيحة وثابتة ومعروفة، اعتمدت سابقًا على اللغة. أمّا الرّياضيات فهي مقدمات غير مبرهنة نظريًا، تقوم على مبدأ مقدمات صادقة أو كاذبة، نتائجها تبحث عن مضامين قياسيّة معروفة أو مجهولة ترتفع أو تقلّ حسب حالة التّجريد المعتمدة. وتقدّم الرّياضيات وفرضياتها المعتمدة والتي افترضت مع تقدم الرّياضيات أشكالًا رقميّة وهندسيّة وأبعادًا لا حدود لها، لا يكفيها القياس، بل تعتمد أيضًا على أنماط أخرى من معالجة المسائل كالاستقراء ولا سيما في ما عُولِج في الأشكال الهندسّية والزوايا، وقد عُدَّت الرّياضيات علمًا فرضيًا – استنباطيًا كونها تنطلق من مسلمة مجرد فرضية وليست حقيقة مطلقة.
ولعلّ هذه المقدسات بدأت مع إقليدس إلاّ أنّ رحابها تجاوزت المعقولات، والأولويات الرياضية لتفتح معبرًا واضحًا أمام اللاإقليدية بعد التفتح والتوسع الفكري التّقني، والمعرفي والعلمي ولا سيما بعد القرن الخامس عشر وعصر النّهضة، إذ أصبحت النتائج المجهولة الثابتة بعدًا فكريًّا آخر يرتبط بالمقدمات المحددة سلفًا وتنتقي بعدها خاصيّة المفكر فيه.
إنّ أدوات اللعب الموسيقي للمنطق الرياضي تجاوزت ما قدمته الأفكار المنطقيّة حتى بلغ مع التقدم الزمني أكثر، فأكثر تجريدًا وتفردًا في فهم الوقائع الاجتماعيّة والاقتصاديّة والفكريّة للمجتمعات، ما حلل استخدام الرّياضيات كمنبّه للعصور وحول ارتباطه بالحضارات وتناغمها وتراكمها المعرفي. وهذا يجعلنا نستحضر قيمة العقل والمنطق في ميزان الشّعوب والتطور اللغوي والرمزي. ويشهد التّناغم الحضاري صراعًا بين العلم وعلاقته بالمنطق، والفروقات التي يلمسها المنطق في فهم أرسطو لحيثياته وواقع برنارد راسل للمنطق الصوري الحديث.
توجد علاقة وثيقة بين العلم بالمنطق، “فالعلم هو إدراك المجهول على جهة اليقين أو الظن إدراكًا يطابق الواقع أو يخالفه”([3])، والعلم الصحيح هو الذي يبحث المنطق في طرق كسبه. وهذا يعيدنا إلى عمليّة الفهم القائمة على الإدراك العقلي، وفهمنا لكل ما يحيط بنا ومن تماثله وتداعياته، وتركيباته المبنيّة على أسس تراكميّة وفهم واستحضار للفكرة والشكل والإحساس وغيرها، ومن معرفتنا لمتغيرات الشيء وتحولاته، كذلك لا تغفل عنا الأوهام العقليّة ومستلزمات ما يترتب عن ذلك من أخطاء. حال هذا الشأن العقلي حال العلم الرياضي الصّادق أو الكاذب، الصحيح أو الفرضي الذي نبني عليه توقعاتنا، نبعد أو نقترب. إلّا أن نتائجه ترتبط وبشكل وثيق بمقدماته التي ترتب عليه. كحب شخص بطريقة مثاليّة معصومة عن الخطأ، أو أوهام بركة ماء عذب خدعتنا بها أشعة الشّمس في صحراء قاحلة، أو وهن عقلي من تعب أو جهد أو مرض نربط حينها الرّياضيات مثلًا بإقليدية أو لاإقليدية، هي منطق العقل المُعطى ذاته والذي يصل إلى نتائجه بسلطة القوة والتّأثير من دون أدوات أو ضمان، وهي كالفرضيّة العلميّة، تصدق أو تخطئ حسب التّطور العلمي والآلات وتفسد لقلة الشهود عليها أو لإقصائها. ولعل فرضيّة (غاليلو) غاليليه عن الأجسام السّاقطة تثبت هذا الرأي، إذ إنّه بعد 500 سنة من عدِّها فرضيّة خاطئة استطاعت أن تصبح نظريّة صادقة لتغير الأدوات والتقنيات. هذا المنطق الذي انقلب به السّحر على السّاحر نشهده بتغير المعادلة في تحول المنطق الأرسطي من أورغانون إلى مقدمة للمنطق البحثي، بعد تطور المنطق إلى رمزي وعدَّ الرياضيون أنّ الاشتغال بمنطق أرسطو هو خارج نطاق عملهم. وقد بدأ تحرر المنطق الرياضي عن المنطق الأرسطي بعد الشكّ بعقبات البحث الصادق، والحديث عن بحث مفهوم وبحث صادق في الرّياضيات، وعدّ اللغة كعائق أمام تقدم الرمزية العددية. ويبدو للوهلة الأولى أن أنواع المتناقضات ثلاثة: الرياضيّة في صميم طبيعتها، والمنطقيّة وتلك التي قد يشك في أنّها ترجع إلى حيل لغويّة بسيطة أو معقدة ويضيف هنري بوانكارييه أنّ المنطق الرياضي لم يعد عقيمًا، ذلك أنه يولّد التناقض، وأن هذه المتناقضات تعود إلى زمن الإغريق([4]).
وتبرز الإشكاليّة الأساسية بين ما عُدّ مهمًا في منطق الفلسفة، وهو اعتماد المفهوم أساسًا لوجهة النّظر وبين اعتماد المنطق الرياضي الماصدق، فليبنتز اعتمد الماصدق ليكون حمّال أوجه للمنطق، واعتمد المنطق الصوري وزر الوسط بينهما([5]). من هنا كان لا بدّ من الحدّ من الصّراع المنطقي للتطور الطبيعي للمعرفة والمنطق، وتوضيح النزاع بين المنطق الأرسطي اللغوي والمنطق الصوري الرّمزي الذي تبناه برتراند راسل، إذ يختلف كل منهما بشكل كبير في الفلسفة والمنهجيّة والأسلوب. وفي ما يلي بعض الاختلافات بينهما:
- المنهجيّة: يعتمد منطق أرسطو على المنهج الدلالي، إذ يستخدم اللغة والمفردات لتحليل الأفكار والمفاهيم، بينما يعتمد منطق برنارد راسل الصّوري على المنهج الرمزي، فيستخدم الرموز والرسوم البيانيّة لتمثيل الأفكار والمفاهيم.
- الفلسفة: يرتبط منطق أرسطو بالفلسفة الأرسطيّة، إذ يؤمن بوجود أفكار ومفاهيم عالمية وثابتة، بينما يرتبط منطق برنارد راسل الصوري بالفلسفة الإيمبرسيونيّة، ويؤمن بأن المفاهيم والأفكار تتغير مع التّغيرات في الزمان والمكان.
- الأسلوب: يستخدم منطق أرسطو أسلوب التّحليل اللغوي، إذ يحلل الأفكار والمفاهيم إلى مكوناتها الأساسية، بينما يستخدم منطق برنارد راسل الصوري أسلوب التمثيل الرمزي، فيستخدم الرّموز والرّسوم البيانيّة لتمثيل الأفكار والمفاهيم.
- التّطبيقات: يستخدم منطق أرسطو في العديد من المجالات مثل الفلسفة والرّياضيات والعلوم الاجتماعيّة، بينما يستخدم منطق برنارد راسل الصوري في المجالات التي تتطلب استخدام الرموز والرسوم البيانية مثل الرسوم البيانيّة والأنظمة الحاسوبيّة.
بشكل عام، يمكن القول إنّ منطق أرسطو يركز على اللغة والمفردات والتّحليل اللغوي، بينما يركز منطق برتراند رسل الصوري على الرّموز والرّسوم البيانيّة والتمثيل الرمزي. ولو أوضحنا بشكل علمي مكامن القوى أو الاختلاف بين كل من الفيلسوفين نرى أن إيجابيّات منطق أرسطو ارتكزت على:
- التحليل اللغوي الدقيق والتفصيلي للأفكار والمفاهيم.
- استخدام في العديد من المجالات مثل الفلسفة والرّياضيات والعلوم الاجتماعيّة.
- عدّ المنهج الأساسي في الفلسفة الأرسطيّة.
أمّا سلبيات منطق أرسطو فتختصر بالآتي:
- الاعتماد على اللغة والمفردات في التّحليل، ما يجعله أحيانًا غير قادر على التّعامل مع المفاهيم الصعبة والمعقدة.
- عدَّ بعض النقاد أنّه يفتقر إلى الدّقة والصّرامة في التّحليل.
في المقابل تظهر إيجابيات منطق برتراند رسل الصوري:
- في استخدام الرّموز والرّسوم البيانيّة لتمثيل الأفكار والمفاهيم، ما يجعله قادرًا على التّعامل مع المفاهيم الصّعبة والمعقدة.
- وفي استخدام المنطق في المجالات التي تتطلب حيز الرموز والرّسوم البيانيّة مثل الرّسوم البيانيّة والأنظمة الحاسوبيّة.
وتكمن سلبيات منطقه:
- في اعتماده على الرّموز والرّسوم البيانيّة في التّحليل، ما يجعله أحيانًا غير قادر على التّعامل مع المفاهيم التي لا يمكن تمثيلها بالرموز.
- وفي عدّ بعض النّقاد أنّه يفتقر إلى الدّقة في إحداثياته الرّمزية([6]).
هنا يظهر التّشابك والتنافر بين الفلسفة والرّياضيات، وبين الرّياضيات والمنطق، وبين المنطق واللغة، وبين اللغة والعقل، هذا يجعلنا نقف أمام تحديات جديدة لفهم الذّات والموضوع وارتباط كل منها بما سلف والواقع بكل تناقضاته واستدامته بخط واحد، إقليديًا أحيانًا ومتأرجحًا بين لوبشافسكي وريمان أحيانًا أخرى.
1-3- مهارات العقل الرياضي: يعتقد أصحاب المذهب العقلي أنّ التعويل للحصول على المعرفة ترتكز على موارد المنطق والعقل وهذا الأمر لا يستقيم على معطيات الخبرة وإنما يعرف بالتفكير القبْلي، فنحن لا نحتاج إلى النّظر ورؤية ما إذا كان العالم الحقيقي يزودنا بدليل.
وهذا المذهب يتخذ من التفكير الاستنتاجي مثالًا، يعرض الحجج بطريقة محكمة ولا يقبل النتائج إلّا إذا لزمت بدقة من المقدمات. والنّموذج هنا هو علم الرّياضيات. فالعالم (غاليلو) غاليلي يؤكّد أن “الرّياضيات هي اللغة التي يتحدث بها الكون، وإذا أردت فهمه، فعليك تعلم هذه اللغة”.
كما يفترض العقل إدعاءً واحدًا مفهومًا للعقل كجواب الرّياضيات النّهائي، ولعل ديكارت أشار إلى ذلك بوصف العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس، عادًّا أنّ التّفكير السليم لا يصل إلّا إلى نتيجة واحدة. فالعقول غير قابلة للقسمة، ولا يمكن تدميرها كما الأجساد وهي تمتلك حرية الإرادة.
وعلى الرّغم من الانتقاد الذي وجهه فيلسوف العقل غيلبرت رايل إلى نظرية ديكارت بأنها شبح الآلة([7])، إلّا أنّ ديكارت أراد بذلك أن يؤكد الوعي الداخلي للعقل([8])، ولعل مفاد هذا انتماؤه الحقيقي إلى الأفلاطونيّة العقليّة، وامتداد حالة التّفكير من ذات إلى موضوع ومن خارجي إلى باطني ليصبح الوجود قبليًّا، والعقل قاسمًا مشتركًا لتأكيد الأنا والوجود.
تبرز إشكاليّة التناقض التي تُنُولت مسبقًا داعمة للاختلاف القائم في العقول حالها حال الموجودات، الكواكب والمجرات، تثبتها فيزياء الكميّة في العصر الحديث التي برهنت على لاحتميّة سلوك الجسيمات على مستوى ما تحت الذرة. فاللاحتميّة الكميّة عشوائيّة وهي غير قابلة للتنبؤ وإنما إحصائيّة الهدف([9]). ولعل اقتطاع بعض من بنية تفكير هيغل تثبت أهمّية العقل بوصف أنّه دائرة الفكرة، وهو الحقيقة المكشوفة لنفسها.
إن الفكرة المباشرة هي الحياة نفسها. فالحياة هنا حال أنطولوجي، وهي التعين المباشر المفكرة من جهة ما تكون سيرورة الكائن الحي هي نفسها ذاتًا محضًا، وعمليّة توسط يكتشف من خلالها الكلي ذاتيته وكليته الجوهرية. فإنّه حين تنتحرر الفكرة، بما هي حياة، من طابعها المباشر، وتكتشف الكلي فيها، تُمهَّد الطريق أمام ظهور الرّوح([10]).
هذا التوجه الهيجلي يعيدنا إلى بدايات الفهم وتماثل الذات، والموضوع واحتواء الجدليّة الهيجلية لمبدأ العقل، وانتاجيته التي تعمل في تجددها حالة من الأنطولوجيا التي تعبر عبر فهم جديد للمعرفة، والبحث في أصولها المتجددة كإبستيمولوجيا عبر فكرة الحياة اللاحتمية، وغير الثابتة لتناقض طبيعي لسيرورة الحياة والفكر.
عقب هيغل تصوره عن الفكرة بأنّها تحقيق كامل للتصور، وهي الوحدة المطلقة للموضوعيّة، رابطًا المثاليّة والموضوعية بمعنى الوجود الحق، بوصف الفكرة هي الوحدة بين التصور والواقع.
فالفكرة هي الفكرة الخالصة أولًا وهي أساس كل وجود طبيعي وروحي، وهي تخرج عن ذاتها وتظهر ثانية كطبيعة في الزمان والمكان، وتعود فترتدّ إلى ذاتها، وبعد خروجها عن ذاتها في المرحلة الثالثة تظهر على هيئة استلاب (أي يكون الشيء غير نفسه) كي تصبح روحًا أو عقلًا حقيقيًا وفكرًا كائنًا يشعر بذاته. ويمزج هيغل في جدليّة حالًا بحال فيقابل هذه اللحظات الثلاثة حسب أقسام فلسفته: المنطق – فلسفة الطبيعة – فلسفة الروح. مع التنبيه إلى عدم استخدام تعبير أقسام بشكل حرفي بمعنى الفرقة أو الفصل. فكلمة منطق تعني هنا التعينات الخالصة للفكر، فتبدو العلوم الفلسفيّة الأخرى كالطبيعة وفلسفة العقل أيضًا منطقًا.
فالمنطق هو الروح التي تشيع في هذه الأقسام؛ كأن موضوع المنطق هو بعينه موضوع الطبيعة وموضوع فلسفة العقل. فالعقل هو المنطق محضًا والعقل مطبقًا في حالة استبطان لفلسفة الروح.
نرى أنّ حيثية انتقال المنطق (فكرة خالصة) إلى الطبيعة وإلى الروح مكان جدل عند البعض، بوصفهما قسمين مختلفين جوهريًا عن القسم الأول. لكنه وضح ذلك بوصف المنطق هي الأفكار الخالصة أو المقولات، ويهدف إلى استنباط الأفكار الخالصة بعضها من بعض، بينما تهتم فلسفة الطبيعة بالأشياء الموجودة بالفعل وبالمادة والنبات والحيوان. أمّا فلسفة الروح فهي التي تُعنى بالأشياء الفعليّة الموجودة في العالم والعقول وبكل أحداثها وأنظمتها وبنتاج الفن والدّين والفلسفة.
هذا التناغم الطبيعي للحرية والعشوائيّة، هو ذاته ما فُهِم أنّه تطوّر دارويني طبيعي للحياة، وأنّ الجمود الإقليدي لا مبرر له على الرّغم من أهميته وإحصائيته إن جاز التّعبير. وإنّ اللاإقليدية كمعطى هي الحركة الثابتة الوحيدة. وما أفاد به أرسطو أنّ الحركة هي أساس الحياة والكون، تبدأ من الذرة ولا تنتهي بكل مكنونات الأرض والفضاء، فالتوقف عن الحركة هو اللغز الوحيد الذي لم يفسر إلّا فعل مراقبته لا تجدر عليه الحواس وإن برره العقل.
وبين الرّياضيات، أنطولوجيا العلوم والفكر كأنطولوجيا الحياة، تعدُّ لغة الرّياضيات وعاء للفكر بجدارة علمية لا جدال حولها، لتصبح العقلانية الرياضيّة المحرك الأول لفهم الذات والموضوع.
وهنا لا بدّ من توجيه صفات التفكير العلمي ومهاراته([11]) لتتضح صورة العلمي، وتميّز العالم الرياضي عنه لنضفي على الرّياضيات طابع الأثير الحامل للعلوم وبالتالي أنطولوجيا الفكر للموضوعات ودقتها المسلمة كأولويات (وهنا يجب فهم الرّياضيات كمعطى وإن اختلفت حالته بين بيدعي وتعريف ومسلمة).
الصّفة الأولى وهي التراكميّة: فالمعرفة هي عملية تراكميّة للعلوم والمعارف، كعمليّة تشييد بناء. لا يقوم الثاني إلّا على الأول، على الرّغم من أهمية الجديد إن في العلوم أو في الفلسفة أم في الفنون وغيرها، إلاّ أننا نستمر في تذوق القديم والتّمتع به والانغماس في تفاصيله ما يفتح الباب أمام آفاق جديدة، وأبعاد وملاحظات جديدة حتى على البناء الجديد. وهنا تكشف لها هذه العمليّة التراكميّة خاصية النسبيّة والتي فتح آفاقها آينشتاين على مصراعيها. فالحقيقة العلميّة لا تأخذ شكلًا نهائيًا وإنما تستمر في تطورها وتوقها إلى الكمال والتحول. وكما قلنا سابقًا حسب المعطيات الجدية والتّحولات العلميّة والأدوات والمكامن الثقافيّة والاجتماعيّة التي تعيشها الشّعوب. وإنّ أي انتقاد يعتري هذا التوجه يأخذ المجتمعات برمتها من حالة الإزدهار إلى حالة الكمون والجمود وعلى المستويات كلّها. وهذا ما تعيشه مجتمعاتنا العربية من توقف وفهم ومواكبة للحداثة بعد الانغماس في أزماتهم الفكرية والاقتصاديّة والسياسية والاجتماعية، ما جعل شبابهم يغادرون أوطانهم طلبًا للحرية والتّحرر.
الصفة الثانية هي التنظيم: لا يمكن استقامة أي عمل أو علم من دون تنظيم وترتيب، وتتميز عقولنا بعملها الدائم ونشاطها حتى في حالة الأحلام. فنشاط العقل يبقى مستمرًا حتى في حالة الفوضى والعشوائيّة وتستقر أفكارها في لحظة معينة، ومتفردة كحالة أرخميدس عند اكتشافه قانون الأجسام الطافية على الماء، وقد اكتشف هذا القانون وهو يستحم وخرج صارخًا وجدتها وجدتها. فالأفكار تسير بصورة حرة طليقة وإنما تنمو في مسير معين لبلوغ الهدف، وقد يكون المثل الفرنسي ordre du désordre أو ترتيب الفوضى هو عمل عقلي منظم للتّعرف إلى الأفكار، فالفرضيات التي يستخدمها العقل تصبح أدوات ابتكار في ما بعد.
ولعل قوانين كبلر التي استنتجها بعد مراقبة المريخ لمدة أربع سنوات متتالية والتي أُفردت للتنظيم، والتناسق الكوني حيزًا كبيرًا ومهمًا بهدف فهم الكون، والعالم ما هو إلاّ دليل صنعة وتنظيم من الأعلى إلى الأدنى، وهذا في صورة متماهية مع العالم.
فالعلم معرفة منهجيّة تقوم على نقاط وفواصل محددة لبلوغ أمر معين كالقوانين الفيزيائيّة التي تخضع إلى منهج علمي يقوم على المراقبة، والملاحظة والفرضيّة والتّحقق من الفرضية، للوصول إلى قانون علمي مبني على لغة الرّياضيات. وإن كانت التّجربة الموضوعة للمعالجة تخضع للمذهب الحسي العقلي أم غيرها من المذاهب إلّا أنّها كلها تخضع إلى تراتبيّة منظمة تعتمد على القياس والاستنباط والاستدلال والاستقراء في شموليّة هذا الطرح أو في جزء منه. والفرق بين عالم وآخر هو فهمه لقانون الحركة والفوضى قبل تعلمه مبدأ اليقين والتّنظيم، ولعل الالتفات إلى أهميّة الفرضيّة أكثر من النّظرية المثبتة أمر أوجد فعاليته مع تغير الأدوات والعلوم والمعارف. والبحث في الإقليدية وما اكتُشِف بعد الخط الإهليجي يفسح المجال أمام البعد الهندسي وجماليته ولا يلغي ما سبق.
كما كان اكتشاف كبلر للقوى المغناطيسيّة بين الكواكب سببًا لمعرفة نيوتن في ما بعد للقوة الجاذبة، كذلك ما قدمه نيوتن حرره آينشتاين بنسبية مختلفة حتى يدرس إعادة فهم القوة الجاذبة بوصفها احتماليّة وليست نظرية.
ومن هنا فإنّ تعليل الأسباب ليس يقينًا فقط، فيكون أصل الضرورة في عقولنا نحن، وأن الارتباط الضّروري هو أشبه بالرّياضيات والتي تربط مصيرها بالمعطى للحصول على نتيجة لثبات منهجها، وليس لضرورة صحة مقدماتها.
إنّ العقلانيّة المعاصرة تطورت بطريقة لم تعد تقتصر فقط على ما هو ثابت، وقبلي حالها حال الرّياضيات التي تطورت مع الزّمن بشكل أكثر تجريدي من العدد، والمنفصل الهندسي إلى الكمي فاللوغاريتم والمجرد ومن الإقليدي إلى اللاإقليدية. فالقول بتاريخيّة “العقول وثباتها بشكل مطلق ونهائي”([12]) هو أمر لم يعد مقبولًا خاصة بعد ظهور النّظريّة النّسبيّة لأينشتاين. كذلك إعادة النّظر في الموروث وذلك بعد الاكتشافات العلميّة إن في مركزية العالم أو من في الخطوط الإهليجيّة التي حولت الأفق الهندسي إلى أبعاد مختلفة، نرى البحث في الموروث أصبح عادة عند الحداثة العقليّة، وتحوّل المنطق بمرحلة ما من منطق لغوي إلى منطق رقمي ومن ثم تحوّل إلى منطق صوري تجريدي، وخاصة من منطق الخوارزميّات مع الذكاء الحديث، ما جعل للعلوم نقلة لا نهائيّة.
ولعل هذه المرحلة من التفكر في العصر الحديث تجعلنا نرهب إطلاق العنان للفلسفة خوفًا من جمودها، وتقنية نتائج الحقائق المنبثقة عنها، لذا كان للإبستيمولوجيا دور في البحث عن ماهية الأشياء، وكانت الرّياضيات أصل الحياة لإعادة دور التّفكير والثبات بمنطق الأنطولوجيا، وثبات الحقيقة حسب معطى العلوم والأدوات ووجهات النّظر المقدمة للبحث. هذا الباب فتح مجالًا أمام اعتبار الحقيقة معطًى يعتمد على مجموعة حقائق تقترب أو تبعد من الدّقة حسب أولوياتها، وحسب معطياتها الخاضعة لقانون النسبية والزمكانية.
وسنعرض بطريقة مفصّلة، خاصة عند التزامنا بفصل لاحق، أهمّية فكرة المجموعات في الرّياضيات وتناسبها مع فهمنا للكواكب والكون، والموجودات وعملها لتسهيل فهم الأرقام والموجودات، وما قدمه الرياضي اليوغوسلافي شبورير لدعم القيمة المضافة للرياضيات وخاصة في المناهج التعليمية للأطفال. وهذا ما اعتمده العديد من الفلاسفة وخاصة اليونانيين خلال بداياتهم في المدارس المقامة، مشيرًا إلى إضافتها الرّياضيات إلى صفات مستخدميها وهي صفات نجاحهم، لترسيخها فكرة المثابرة والحكمة والقدرة على الخلق والولع الإبداعي والشّعور بالتواصل الروحي مع مكتسب هذه المهارات ما جعله يثبت تحقيق قيادة تربويّة ضرورية للطالب والمتعلم والعالم([13]).
وفي رسالة عن ابن حزم أكّد فيها الدكتور الرشيدي أهمّية علم الرّياضيات في الفكر التربوي، والعمليّة التعليميّة وتأثيرها على طرق التربية عادًّا أنّ الرّياضيات هي وقاية للعقل من الأمراض، والتّخلف مستفيدًا من أهمّية الاستنباط الذي يبدأ من الكليات، وينتهي بالجزئيات بعكس الاستقراء. وأثر البرهان يبدو جليًّا في الرّياضيات “والعلم يتقن الشّيء على ما هو عليه من برهان أو عن اتباع صادق قام البرهان على صدقه”([14]) وحاجة الاستدلال تبقى سبيلًا لتقوية الذاكرة العقليّة عن طريق النتائج.
هنا نشهد دور المتعلم والمكتسب هذا العلم في اكتشافه الحقائق المجهولة؛ بطريقة مبدعة ترتكز عدا عن هذه المقومات المكتسبة فعلًا باطنيًّا مستترًا في عالم غيبي عقلي لا من أبعاد اللاإقليديّة ما لا يقل عن دور الخيال والإبداع والحدس. وهذا الأمر أعطى العلماء والمؤرخين ورجال الدين، وكذلك المبدعين في مجالات الفنون بعدًا خاصًا لفهمهم الحقائق المستترة حولهم.
ولعل ديكارت في بحثه عن يقين العقل استخلص بعض النّقاط التي تشهد لتميز الرّياضيات وينشدها العقل، كدور الحدس العقلي وهي الرؤية العقليّة المباشرة للحقيقة التي بلغت من الوضوح والتّميز العقلي ما يزيل معها كل شك. فهذه العمليّة عنده لا تتعلق بالحواس أو بالخيال وإنّما بالذّهن الصّافي المتنبه الذي يستطيع وحده أن يصل إلى الفكرة السليمة البسيطة، فهي أشبه بغريزة عقليّة نصل عن طريقها إلى المعارف البديهية، عدًّا البداهة أفكارًا لا تأتي عن طريق ملاحظتنا للعالم الخارجي، بل تأتي عن طريق تأملاتنا لذواتنا، مطلقًا عليها الأفكار الفطريّة، ليس المقصود بها أنّها تولد معنا ولكن المقصود أن يكون إزاءها استعداد تلقائي كاستعداد الأجسام لالتقاط الأمراض. وفي حّيز آخر يعقب على الفطريّة أنّها من عند الله لذا تتميز بأنّها حدسيّة وبديهيّة وواضحة ومتميزة، وليست موضع شك أو برهان. مؤكدًا تشكّل الأفكار عامة عن طريق الأفكار الفطريّة السّالف ذكرها، والأفكار الاتفاقيّة التي تأتي عن طريق الحواس والعالم الخارجي والأفكار الخياليّة وهي الأفكار التي بنيت على أساسها أمجاد العلوم الرياضيّة وأصولها.
أطلق برغسون مغالاة في فهم الحدس بوصفه حالة أرفع من العقل، عادًّا أنّ فلسفته الحدسيّة تقوم على تقسيم الإدراك إلى نوعين، مستهدفًا بذلك التوفيق بين الفلسفة والعلم([15]). وعلى الرّغم من نسف الحدس عن الكثير من أصحاب هذا الجانب للرياضيات والذي تلقى ضربة بعد اختبارات العلوم، والانقلاب على الموروث الإقليدي إلّا أنّه لا يمكننا إنكار هذا الأمر لصدق حامله، وبداهته وكذلك الصّفار والسّرعة في فهم المسائل الرّياضيّة وتلقيها. إلّا أنّ تميز الجانب الخيالي يظهر بقلادة ذهبيّة عند مناورات الحدي الفكري، لاعتبار الخيال هو سلم الوعي العقل لما يحمله من فن وجمال وصنعة، كما أشدنا مسبقًا ببروز شروط للقواعد الرياضية، إلّا أنّ الخيال يأخذ الرّياضيات كسلم مجد إلى تخطيه الواقع، ونجد ما وصل إليه اليوم من تجرد وأبعاد لا نهائيّة تخطى حاجز المتوقع والمدرك. هنا تظهر هذه الخصائص المميزة على العقل حافزًا إضافيًا لتفرد العقل الرّياضي بسعة الخيال والحدس والبداهة، ما يجعل الإبداع هو السّمة الأساسيّة لأصحاب العقول الرّياضيّة المتفردة بالجمع بين العقل، والحواس مطبقًا عليها ما وسمته المدرسة العملانية من إبداع ونباغة. فهل حقيقة يحق للرياضيات هذه المعاملة الخاصة؟
لفهم هذه المعادلة يجب الحديث عن مواصفات صاحب الفطنة الرياضيّة والتي يتميز صاحبها من سائر البشر بكونه فطن في فهم المسائل، وحلّها لاعتماده على طرق سهلة وذكيّة ومبدعة خلاقة لمعرفة القوانين والمعادلات التي تحيطه وتفسيرها. صحيح أن مقياس الذكاء النفسي ظهر سنة 1905، لكن مقاييس الذكاء واختباره أصبحت بعد القرن الحادي والعشرين تنحصر في جوانب عدة منها: توسيع مهارات الذكاء من أحاديّة الجانب إلى ذكاء اجتماعي وانفعالي وثقافي، كما امتدت إلى دراسة العمليّات المعرفيّة المسؤوليّة عن السّلوك الذكائي وفهم العوامل الثقافيّة والبيولوجيّة المؤسسة له([16]).
وقد زاد الاهتمام بالذكاء العملي الدينامي عبر الزمن، وارتباط قياسه بالتّفاعل الاجتماعي وأثره على سلوكيات الفرد وعلى فهم الذكاء كتخصص بيني interdisciplinary إذ امتد ذلك إلى الاهتمام بعلم المعرفة عامة وشمل دراسة العلوم؛ علم الأعصاب وعلم الأنتربولوجيا، والكومبيوتر وفلسفة العقل، وضمنها فهم الذكاء الرياضي وطبيعته والذي يتميز بالسّرعة، والبداهة والحدس في تلقي وتفسير وفهم كل ما يقدم له من معطى، واكتشاف حتى الأخطاء المقدمة وحل ما يعمل عليه.
هذه السّرعة أو بالأحرى العامل الزّمني للبداهة أخذ مساحة مع “سول سترنبرغ” الذي أفسح مجالًا لدراسة الوقت الزمني للعمليات المعرفيّة، وهذا ما أطلق عليه القياس الزمني العقل([17]). على أنّ العقل البشري يثبت، وبعد الدراسات، بأنّه يستخدم نسبة قليلة من عقله ولا يقوى حتى الآن على أن يتعدى درجة معينة، وهي لا تتعدى عند أقصى حدّ العشرة بالمئة من عقله. ومن الشخصيات المهمّة التي عُرِفت باستخدامها نسبة عالية من عقلها أو استفادت من نشاط عقلها الفعال العبقري نذكر:
- ألبرت أينشتاين: عالم فيزياء نظريّة، اشتهر بنظريته النسبيّة ومساهماته الكبيرة في مجال الفيزياء.
- ليوناردو دافنشي: رسام وعالم ومهندس إيطالي، اشتهر بأعماله الفنيّة الرائعة واختراعاته المتعددة.
- نيكولا تسلا: مهندس وعالم فيزياء صربي، اشتهر بمساهماته الكبيرة في مجال الكهرباء والمغناطيسيّة.
- ماري كوري: عالمة فيزياء وكيميائيّة بولنديّة، اشتهرت بدراساتها في مجال الإشعاع والعناصر النوويّة.
- ستيفن هوكينغ: عالم فيزياء نظرية وكاتب إنجليزي، اشتهر بكتاباته وأبحاثه في مجال الثقوب السوداء ونظريّة النّسبيّة([18]).
هذا ويمكن زيادة قدرات الطفل أو المبدع الرياضي في جانبه العقلي الحدسي، والفطري بتمرين الأدوات الاستدلاليّة أو المعرفية، وهذه المشاريع كان لها صدًى كبير في مجتمعات أوروبا وأميركا وفنزويلا واليابان وغيرها من الدول التي تراعي قدرات الفرد، وتهتم بها وتعمل على تنميتها عن طريق برامج لتنمية الذهن والتفكير كمشاريع الفلسفة للأطفال، والمونتيسوري ومشاريع صندوق البحوث المعرفية والتي تتميز بتقوية الاستدلال وفهم اللغة بعلاقة الكلمات، وبنية اللغة والحجج والبراهين وحل المشكلات واتخاذ القرارات. وهذه البرامج تفسح المجال للأطفال بتوسعة إدراكاتهم العقليّة والمكانيّة وحلّ المشاكل وابتكار الأفكار.
هذا وعملت برامج تحفيز الرّياضيات والتي تساند الطفل منذ بداياته إلى تطوير الذكاء الرياضي عبر سبل عديدة منها الحساب الذهني الذي يستخدم العدّ عن طريق استخدام أصابع اليد وبطريقة سريعة ومختصرة. ومن أعلى علامات الإبداع الرياضي الخيال الذي يعدُّ هبة إلهيّة، وسماويّة لا يمتلكها كل من يدرس أو يتعاطى المجال الرياضي، فهي كموهبة الرّسم أو الغناء أو الحدس عن طريق ما يعرف بالحاسة السّادسة. والخيال هنا يجسد بطريقة أو بأخرى أهميّة الفرضيّة التي سنأتي على ذكرها لاحقًا إذ تكمن شعلة الخيال في المجال الرياضي في اكتشافه علاقات جديدة بين الأشياء واختراع أساليب عدة لحلّها، وهي أشبه بالتّجلي عند المتصوفين، حالة اتحاد مع الكون تبدأ بتعليل ما سبق وبناء الألويات البديهيّة على أساسها ثم تمكينها بالتّعريفات والمسلمات التي لا تقبل النقض. فالخيال تميز به الإنسان الأول في حالة الدهشة والتأمل بمجريات الكون والذات والوجود والكون، كذلك اعتمده العالم في وضع فرضياته وتحليلاته واعتصر الرياضي ما سبق ضمن يقين الواثق صاحب البداهة الفطرية. “الخيال أهم من المعرفة” لأنّه صانعها، فهي كحالة أحلام اليقظة، وقد فسّر المدلول اللاتيني المخيلة وبوصفها “صب” أيّ شكل شيء من مادة خام، وهذا ما نستحضره من اعتماد النظرية الرياضيّة من دون العمل على برهنتها كحالة خاصة بذاتها، ودراسة الهندسة اللاإقليدية فضاءات خيالية واسعة تفوق الحرية اللانهائيّة وتعتمد على بصيرة الكم والأبعاد. هذا النّشاط العقلي الواعي هي نشاط لا شعوري للعقل أشبه بالإشراق والإلهام المبدع.
ولعلنا لا نبالغ حين نشبه العالم الرياضي بفنان العلوم إذ نشهد أن العديد من البارعين في هذا الإطار أجادوا الفنون والشّعر، وهذا ما أشار إليه أفلاطون في نظرية المثل، ومحاورة “أيون” التي يتحدث فيها عن الإلياذة وهوميروس، ويقدم فكرته القائلة بأن “العبقرية إلهام”([19])، ورسامين ونحاتين استخدموا الأشكال الهندسيّة وكانت رمزًا عبقريًا لإبداعاتهم، ما تزال قائمة كتحفة فنيّة حتى عصرنا الحالي، كليوناردو دي فنشي برسمة الموناليزا والهندسة المعماريّة في الأهرام والكنائس والمساجد والأبراج…
وقد عملت الوثائق والمعاهدات الدوليّة لحقوق الإنسان والرّعاية لدعم القدرات الإبداعيّة الرياضيّة عند الصغار والكبار، كما كانت الرّياضيات ملهمة لدور السينما التي وثقت العديد من الروايات التي تُبرِز الإعجاز الرياضي، والفطري للأطفال وكيفية حلّ المعادلات الصعبة وتوسع العقل، ولا سيما من خلال النسبة المستخدمة للعقل، ومن هذه الأفلام المهمّة: lucy([20]) وGifted ([21]) وTHE Imitation game و A Beautiful mind وغيرها. وأيضًا فيلم Gifted
هذا التميز الرياضي يجعلنا نكتشف، وبحسب قول الدكتور الرياضي السوري محمود باكير، أنّ الرّياضيات هي “حرفة عقليّة”([22])، حرفة لنمذجة السّلوك الإنساني أو برأيه المجتمع الرياضي، مؤكًدا دور الرّياضيات في الآدب والعلوم السياسيّة ودورها في الاخلاق. فقد أضحت الرّياضيات منهجًا للتفكير، والرئة التي تتنفس منها العلوم، مضيفًا في مقالة عن الرياضي البريطاني اللبناني مايكل عطيه إن كانت اللغة هي الصفة المميزة للجنس البشري فإن الرّياضيات هي الميزة لجنس العلماء.
هذا وإن كان للإبداع نمطه التأملي التّخيلي أو المنطقي المنظم يبقى للرياضيات منطقها الخاص الذي لا ينتهي وذلك عبر دورها التّواصلي بين العقل والواقع، الغيب والمعلن، وهو لغة الرّياضيات ورموزها.
الخاتمة: استحوذت فكرة الفطرة والبداهة على التحليلات الأولى للرياضيات، وأدّى ذلك إلى إسقاطات مباشرة على الواقع لتصالح الفكر البشري مع نظريّة إقليدس، واعتمادها سبعة عشر قرنًا من دون منازع أو مجابهة في طرح أفكاره، حتى تبيّن لاحقًا أن ما قام به هو فرضيّة فكريّة إن على مستوى العدد، أو على مستوى الهندسة وأن الاكتشافات العلميّة مهّدت الطريق لتصورات جديدة عن المحيط الذي نعيش داخله، وصرّح لوباتشفسكي وريمان في العصر الحديث بتجدد حرية التّخيّل الرياضي عبر رسم مدركات جديدة، وفتحا للفيزياء والكيمياء بحرًا من التساؤلات، والفرضيات تتعلق أقلها بفهمنا للتشابك الكمّي وأبعاده والتي اعترف علماؤه أنّ فهمه بحدّ ذاته مسألة صعب شرحها، وهو حقيقة لا بدّ من الاعتراف بها وذلك على لسان أكبر علماء الفيزياء.
بعد مراقبة الضوء كانت محاكاة الكونتم والذرة امتدادًا جديدًا لعالم لامتناهي الأبعاد، فكيف للإنسان صاحب الأبعاد الثلاثة أن يفسّر عالمًا بأبعاد نحقق فهمًا فيه للبعد الرابع – الزمن، ونحاول اقتناص بعد طاقتنا فيه من خلال البحث عن ذواتنا ومكنوناتها، وتحليلنا إن كانت أرواحنا تسقط حقًا من عالم الذرّ إلى أجساد محدثة أم أنّ هناك عوالم موازية تواجهنا في أقدارنا، وأفعالنا تشبه حالة الذرة وانقساماتها.
وتظهر السفسطائيّة كحال فكري اجتماعي ورياضي في بعدها المطلق حول صوابيّة الفردانيّة والتي تشكّل من جديد جدلًا سقراطيًّا حول ثبات الحقيقة أو انعدامها، فرضيتها أو تسلطها على الواقع، عبثيتها وإلغاء هويتها أو تسلط الرأي والتحكم. ولا يبتعد علم الاجتماع والتاريخ ببعده الإنساني عن هيبة الرياضيات فيقع الإنسان في أزمة العصر الحديث، أزمة إنسانيّة، حاله كحال أزمة الفلسفة مع العلم. وتسيطر اللإنسانيّة والفردانيّة على واقع قابل للانفجار، واقع في فخّ العولمة والانفتاح والتبعيّة.
وتفرض اللاإقليديّة بحريتها المطلقة في انحراف الإبداع واقعًا سرياليًّا عبثيًا ليصبح سقراط العصر، هو الذرة الأولى للفلسفة ولإعادة تشكيلها من جديد في خط مستقيم فطري في محاولة للعودة إلى قوانين الطبيعة التي تنفلت، كلما زادت حدة الدوران وتشكلاته الهندسيّة للتحايل على الواقع والتغلب عليه.
المراجع
١- علم المنطق – أحمد خير الدين – مطبعة الرحمانيّة – ط١.
٢- أصول الرياضيات – برنارد راسل/ دار المعارف – ط١.
٣- موسوعة عالم المعرفة -العقل – جون سيزل – الكويت المجلس الوطني ٢٠٠٧.
٤- هيفا ونهاية العالم -فتحي المسكيني – تونس دار الجنوب للنشر.
٥- موسوعة عالم المعرفة -التفكير العلمي – فواد زكريا – الكويت المجلس الوطني.
٦- ما هي الابستمولوجيا – محمد وقيدي.
٧- موسوعة عالم المعرفة – الرياضيات في حياتنا – زلاتكاشبو.
٨- فلسفة الرياضيات في المنهج العلمي لابن حزم الأندلسي – فيصل الرشيدي – ليبيا ابحاث دراسات عليا.
٩- موسوعة عالم المعرفة -المخ البشري (مجلد ٢٨٧) – كريستين تمبل – الكويت.
١٠- موسوعة عالم المعرفة – الإبداع في الفن والعلم – حسن عيسى – الكويت.
١١- أبحاث ودراسات الجامعة اللبنانيّة.
الهوامش
1– طالبة في المعهد العالي للدكتوراه الجامعة اللبنانية الآداب والعلوم الإنسانيّة – بيروت – لبنان – قسم الفلسفة.
- Doctoral student at the Lebanese University, Faculty of Arts and Humanities – Beirut – Lebanon – Department of Philosophy-Email: elhammouche@gmail.com
[1] – قراءة من كتاب منطق البحث العلمي، لكارل بوبر، كان استيراد المحتوى من ندوى لملتقى السلام الفلسفي، المحاضر محمد الـ عمران /٢٥ نيسان ٢٠٢٢م.
[2] – المرجع نفسه، ص 718.
[3] – أحمد خيرالدين. (1930). علم المنطق (الإصدار الطبعة الأولى). مصر: المطبعة الرحمانية ص 18.
4– برتراند رسل. (2010). أصول الرياضيات (الإصدار الطبعة الأولى). (محمد أحمد وفؤاد الأهواني، المترجمون) مصر: دار المعارف، ص 18.
[5] – المرجع نفسه ص 121. Arabia ai
[6].- (بلا تاريخ). الفرق بين أرسطو وبرتراند راسل.
[7] – مرجع سابق، جون سيرل. (2007). العقل، مدخل موجز.
[8] – المرجع نفسه.
[9] – المرجع نفسه ص 25.
[10] – فتحي المسكيني. (1997). هيغل ونهاية الميتافيزيقيا. تونس: دار الجنوب للنشر، ص 52.
[11] – فؤاد زكريا. (1988). التفكير العلمي (الإصدار موسوعة عالم المعرفة). الكويت: المجلس الوطني الثقافي، ص 17.
[12] – مرجع سابق، محمد وقيدي. ما هي الإبستيمولوجيا؟ ص 176.
[13] – زلاتكاشبورير. (بلا تاريخ). الرياضيات في حياتنا (الإصدار موسوعة عالم المعرفة). (فاطمة عبد القادر ألما، المترجمون) الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ص 10.
[14] – فيصل الرشيدي. (2021). فلسفة الرياضيات في المنهج العلمي لابن حزم الأندلسي. ليبيا: أبحاث دراسات عليا. ص 9.
[15] – الجامعة اللبنانية. (1995). برغسون. بيروت: منشورات الجامعة اللبنانية.
[16] – كريستين تمبل. (2009). المخ البشري (المجلد 287). (عاطف أحمد، المترجمون) الكويت: موسوعة عالم المعرفة، ص 330.
[17] – المرجع نفسه، ص 108.
[18] – مرجع سابق، Arabia ai. الفرق بين أرسطو وبرتراند راسل.
[19] – حسن عيسى. (بلا تاريخ). الإبداع في الفن والعلم (المجلد 24). الكويت: موسوعة عالم المعرفة، ص 37.
[20] – فيلم فرنسي – أميركي الذي تدور قصته على بناء نظرية الجنس البشري الذي لا يستخدم من قدرته العقلية أكثر من 10 بالمئة، وبعد حقن البطلة بمادة مستخلصة من المشيمة أطلق عليها في الفيلم اسمCPH4 وهي تركيبة خيالية ودورها تبيان أهمية توسع العقل ارتباطًا باطراد النشاط العقلي وعملية سيطرته على الوقائع في كل مرحلة، ما يفوق التخيل، ويعقب المخرج ربط قدرات الحيوانات في كل مرحلة بمعنى آخر ربط تطور الذكاء الإنساني والحيواني بطريقة مختلفة كحالة الاستشعار التي يستخدمها الدولفين في المحيطات حتى تم رصده من الدول الكبرى كعامل تجسس والتي يمكن أن يصل إليها الإنسان في مرحلة ما من استخدامه نشاطه العقلي كما يمكن له أن يدرك عقول الناس وتوقعاتهم وسماع صوت الشجر والريح وغيرها، ويطرح سؤولاً عما يمكن للإنسان أن يدركه لو استخدم نشاطًا رائدا لعقله.
[21] – فيلم يروي قصة طفلة ذكية ورثت هبة إلهية لا يمتلكها إلا نسبة نادرة من البشر وهي عبقرية فذة في الرياضيات في حل المسائل وتركيبها حتى دون معرفة قواعدها. هذه العبقرية سمحت للطفلة أن تنافس أساتذه الجامعة، وكيفية تربية طفل يمتلك قدرات عالية وصعوبة تعامله مع المحيط. عالج هذا الفيلم العبقرية وارتباطها بالبؤس والحزن والكآبة.
[22] – محمود باكير. (2022). الرياضيات حرفة عقلية (طريقة جديدة في الإدراك العقلي). قطر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.