عنوان البحث: الوعي بين الذَّات والموت في قصيدة الكمال كفاءة النُّقصان لمحمود درويش
اسم الكاتب: أمل ناصر ناصر
تاريخ النشر: 19/03/2025
اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية
عدد المجلة: 36
تحميل البحث بصيغة PDFالوعي بين الذَّات والموت في قصيدة الكمال كفاءة النُّقصان لمحمود درويش
Awareness between the self and death in the poem “Perfection is the Efficiency of Imperfection” by Mahmoud Darwish
Amal Nasser nasser أمل ناصر ناصر([1])
تاريخ الإرسال: 24-2-2025 تاريخ القبول: 3-3-2025
الملخَّص turnitin:3%
يبيِّن البحث التَّرابط بين النَّص، والوعي للموت، بالإضافة إلى جوانب الحياة الأخرى، الأمر الَّذي يتجلَّى من خلال جعل قصيدة محمود درويش “الكمال كفاءة النقصان” التي تناولها البحث ظاهرة نصِّيَّة تستكشف الوعي للموت، بالاعتماد المباشر على التَّحليل الظاهري. ويتمُّ ذلك من خلال إسلوبيّة التَّعبير، والتَّطبيق الظَّاهراتي للأفكار.
الكلمات المفاتيح: الوعي، الموت، الأسلوبيّة، الفرد، الذات
The paper shows the combination between the text and the consciousness to death in addition to the aspect of life, and this is revealed by considering the poem of mahmoud darwich that the paper delt with as a textual phenomenon which explores the awareness to death depending on direct phenomenological analysis. This is done through method expression and the ideas in his awareness took the way through phenomonological application.
Keywords: Consciousness, death, individual, self, method
التَّعريف بموضوع البحث: ظهر الوعي في النَّظريات الأدبيَّة، والفلسفيَّة، والنَّفسيّة بوصفه أداة من أدوات الأدوات الفكريَّة الَّتي اتَّبعها العلماء لتفكيك العلاقة، وجلاء صورتها بين الإنسان والوجود إلى أن خلص الأمر بإظهار الوعي شكلًا من أشكال الوجود الإنساني، من خلال إسباغه طابع الحياة الخارجيَّة المنعكس من الذَّات الإنسانيَّة، وبما أن هذا الوعي يبيِّن الوجود الخارجي للإنسان من دون وسائط، وبأشكال مختلفة من خلال التَّعامل مع الظواهر الموجودة في الطبيعة وفي حياة الإنسان، فإنّ هذا الوعي يتبدَّى أيضًا من خلال اللُّغة، لتكون اللُّغة بوساطة أدواتها التَّعبيريَّة وسيلة لإظهار الوعي الخارجي للوجود من خلال الذَّات، وتبيان أشكاله في حياة الإنسان من خلال التَّعابير، والصُّور اللُّغويَّة في التَّعامل مع النَّص بوصفه ظاهرة لغويَّة، لذلك سيتناول هذا البحث دراسة وعي الشَّاعر للموت من خلال الوسائل التَّعبيريَّة في قصيدة محمود درويش([2]) “الكمال كفاءة النقصان”([3]) من كتاب أثر الفراشة، وذلك ربطًا بين أسلوبية التَّعبير، ونظرية الوعي الظَّاهراتي المتبدِّي في اللُّغة التَّعبيريَّة.
هدف البحث: يهدف البحث إلى تبيان الرَّابط بين الأساليب اللُّغويَّة (المتمثِّلة في الصُّور، والأساليب الإنشائيَّة والخبريَّة)، وبين فكرة الوعي الظَّاهراتي للموت عند الشَّاعر، وذلك من دون وسائط، أو وسائل خارجيَّة، سبيلًا لتبيان شكل الحياة عند الشاعر من منظور فينومينولوجي؛ الشَّكل الَّذي ظهر من خلال اللُّغة التَّعبيريَّة.
جدة البحث: تتمحور جدة البحث حول ربط نظرية فلسفيَّة متعلِّقة بالوعي الفنيومينولوجي للظَّاهرات الخارجيَّة مع الأسلوب اللُّغوي، وبذلك يتعامل البحث مع اللُّغة بوصفها ظاهرة نصيَّة يمكن للوجود الإنساني أن يتبدى من خلال أدواتها التَّعبيريَّة، وتبيان علاقة الوعي، وذات الشَّاعر لفكرة الموت، ويعدُّ هذا الرَّبط الأدبي الأسلوبي مع نظريّة فلسفيّة حديثة ربطًا جديدًا في إطار هذا البحث.
الإشكاليات
- كيف ظهر الموت في حياة الشَّاعر بواسطة الوعي من خلال اللُّغة الإسلوبيّة التَّعبيريَّة؟
- هل نجحت اللُّغة الإسلوبيّة التَّعبيريَّة في إظهار وعي الشَّاعر للموت؟ أم قصرت عن ذلك؟
الفرضيَّات: قد تنجح الأدوات التَّعبيريَّة الإسلوبيّة في اللُّغة عند الشَّاعر في إظهار وعي الكاتب للموت وقد تفشل بذلك، لذا إنَّ اللُّغة الإسلوبيّة قد تكون قابلة لتبيان الوعي الظَّاهراتي للموت، وقد تكون غير قابلة لذلك. وإنَّ التعامل مع القصيدة الشِّعريَّة بوصفها ظاهرة نصيَّة قد يسمح في الرَّبط بين النَّظريَّة الفلسفيَّة الفينومينولوجيَّة، والإسلوبيّة التَّعبيريَّة الأدبيَّة.
المنهج المعتمد: للإجابة عن هذه الإشكاليَّات سيتناول البحث المنهج الفينومينولوجيّ؛ وَهو المنهج الَّذي يدرس خبرة الوعي بالأشياء بحسبِ هوسرل، وَخبرتِه بذاتِهِ، وَيبحثُ بالمعرفة بوصفها خبرة للوعي، وَيدرس المنهج الفينومينولوجي ظواهر الوعي، أي ظهور الموضوعات، وَأشياء العالم الخارجي، وَبذلك تكون الفينومينولوجيا هي دراسة الوعي بالظَّواهر، وَطريقة إدراكه لها، وَكيفيَّة حضور الظَّواهر في خبرتِهِ، وَعن طريقة إدراك الوعي للموضوع، وَوُصولِه إلى معرفة موضوعيَّة، وَيقينيَّة حوله، أي بالاستعدادات المعرفيَّة الموجودة لدى الذَّات الإنسانيَّة، وَالَّتي تمكِّنُها من تأسيس معرفة يقينيَّة مرتبطة بالوعي الخالص.
يقوم المنهج الفينومينولوجي على خطواتٍ وَهي:
- العودة إلى الذَّات: يُعدُّ هذا المفهوم من مرتكزات الظَّاهراتيَّة المهمِّة، إذ ينطلق عملها من عمليَّة الرَّدِّ إلى الذَّات، وَفعلها وَخبرتِها. “إنَّ المنهج الفينومينولوجيَّ منهج للرُّؤية الذِّهنيَّة، وَيعتدُّ بالأشياء وَالظَّواهر، كما يتجلَّى وَيظهر في الذِّهن، أو الوعي، وَليس بوصفها مقولات، وَأفكار، وَمفاهيم قبليَّة مسبقة”([4]).
- القصديَّة:من المفاهيم المحوريَّة المهمِّة الَّتي تتَّكئُ عليها الظَّاهراتيَّة، وَتعني القصديَّة أنَّ كلَّ وعي هو وعي بشيءٍ ما، وَهي النُّقطة الَّتي تميِّز المنهج الفينومينولوجي الَّذي يعِدُّ الذَّاتَ أساسًا للمعرفة، ولا يُمكنها أن تحوي وعيًا، وَتصوُّرًا فارغًا من كلِّ محتوى، أو وعيًا يحملُ أفكارًا مسبقة، إنَّما هو وعي وَشعور يحمل موضوعات وَظواهر؛ لأنَّ المعرفة هي معرفة لهذه الموضوعات والظَّواهر ذاتها، وَلا توجد معرفة بدونها.
3– الرَّد الفينومينولوجي التَّرانسندنتالي([5]) (المتعالي):لا يمكن فهم القصديَّة إلَّا بوساطة عمليَّة الرَّد لأنَّ هذه الرُّدود تحدِّد السِّمات، والخصائص التَّجديديَّة للفينومينولوجيا، لأنَّها العمود الفقري بحسب هوسرل([6]) الَّذي تنبثق منه، وتتحقَّق معه فكرة العلم الكُلِّي على العالم الطَّبيعيِّ، وَهي فكرة التَّلقائيَّة المباشرة في التّعامل مع الظَّاهرة نفسها، إنَّها الحكم على الأشياء من دون وسائط، أيّ إلى الرَّد إلى الجذور وَالأساس الَّذي انبثقت منه الطَّبيعة الإنسانيَّة في التَّعامل مع الظَّاهرة.
لذلك سيدرس هذا البحث الدَّلالات المباشرة الَّتي منحها محمود درويش للحدث مباشرة من خلال الذَّات الواعيّة المتجليّة في القصيدة، وَهذا يعني مواجهة النَّص الأدبي بوصفه ظاهرة ذات دلالة، أو معنًى يكشفُه، أي استخراج دلالات الموت عند درويش بشكلٍ مباشر من دون الاستعانة بأيّ وسائط، أي من خلال النَّص نفسِه من دون أيِّ موروث، أو أفكار مسبقة، أو حتَّى شخصيَّة، أو أيّ رؤى فلسفيَّة، وَهكذا إنَّ الفينومينولوجيا هنا هي مواجهة النَّص الأدبي كما هو، واستيعابِهِ مثل ما يخاطِب المتلقِّي كما هو مباشرةً، وَما يكشفه الموت، وَكيفَ يظهر الموت من خلال وعي الشاعر.
الفائدة العلميّة المكتسبة: تظهر فائدة البحث من خلال الخروج عن التَّحليل التَّقليدي للقصائد، والتَّعامل مع النُّصوص الأدبيَّة انطلاقًا من مفاهيم فلسفيَّة، تعزيزًا، وتطويرًا للغة، وتعميقًا لدلالتها، وهذا يؤدِّي إلى فتح المجالات اللُّغوية التَّحليليَّة على العلوم الأخرى الَّتي من شأنها تعزيز الرَّابط، وتعميقه بين الإنسان والعالم من حوله، والحد من العزلة بين العلوم والنظريات الحديثة واللغة.
الدِّراسات السَّابقة: وردت دراسة في مجلَّة القدس العربي من العام 2020 للكاتب رامي أبو شهاب في عنوان: الأدب: الوعي والفينومينولوجيا. ورد في هذه الدِّراسة أنَّ الوعي في المفهوم الأدبي يتعلَّق بقدرتنا على أن ننظر إلى النَّصِّ بوصفه يحمل مستويين من الوعي، إذ لا يُراد الانسياق إلى التَّوصيف الأفلاظوني حول ظاهرة الأشياء وحقيقتها، لكن يراد من البحث تبيان أنَّ النَّص بوصفه تشكيلًا خطابيًّا يمتدُّ بعدِّه نموذجًا مرجعيًا يعنى بتكوين العالم، ويشير البحث إلى إعادة تموضع الوعي في الزَّمان والمكان، ويكمن هذا الوعي في تمكين القارئ من ممارسة التَّأويل إذ يسعى من خلال هذا التَّأويل إلى فهم العالم المعاين للكاتب الَّذي انطلق من تجربة ليكتب هذا النص، وكانت اللُّغة وسيلة للتَّعبير عن هذه التَّجربة، وهكذا يعدُّ النَّصُّ الأدبي وسيطًا للوصول إلى ماهيَّة العالم، ويبقى النَّص بمعزل عن إيحالات نهائيَّة، ويعدُّ النَّصُّ ظاهرة تختبر الأنا، وتعكس حقيقة إدراك الأشياء، وقدَّم الكاتب نموذجًا شخصيَّة إلياس نخلة في رواية عبد الرحمن منيف “الأشجار واغتيال مرزوق”، إذ قرأ ظاهرة الوجود من خلال تجربة الشَّخصية، وكذلك قدم شخصية منصور عبد السلام فينسج العالم انطلاقًا من خبرات تتَّصل بالحبِّ، والوطن، والمرأة، والحياة، وذلك بالرُّجوع إلى الآليَّات السَّرديَّة، ولقد استفدت من هذه الدِّراسة المختصرة من خلال دراسة الوعي الفينومينولوجي للوجود عبر النَّص الأدبي، ولكن بأخذ الموت جزءًا من أجزاء هذا الوجود، وإظاهر تجليِّه في وعي الكاتب بحسب قصيدة الكمال كفاءة النقصان ظاهرة نصيَّة. مع الأخذ بنظرية هوسرل الظاهرتية، والاعتماد على التعابير الأٍسلوبية بدلًا من البنيات السردية.
تمهيد: ظهرت معايير جديدة ترتبط باللُّغة مع ميلاد مفهوم جديد للغَّة التَّعبيريَّة، وانبعاث قدرتها على تجديد نفسها مرورًا بالعصور الوسطى، وحتى عصرنا هذا، منها ما ارتبط بالإسلوبيّة الَّتي وصِفت على أنَّها البلاغة الجديدة والَّتي تحتمل أشكالًا مضاعفة من التَّعابير، والأساليب الفرديَّة، وفي ضوئها ظهر مصطلح الإسلوبيّة، وظهرت دراسة الأسلوب تأخذ شكلًا منظَّمًا، لتسلك كلمة إسلوبيّة المنحى الَّذي يدلُّ على مجموعة من الطُّرق المميَّزة الَّتي تجمع دراسة العلاقات بين الشَّكل، وبين مجموعة من الأسباب الإخباريَّة، لتبقى الإسلوبيّة طريقة للتَّعبير عن الفكر بواسطة اللُّغة.
منح غموض النَّص قدرة التَّلقِّي على التَّوثُّب خارج عتبات النَّصِّ الأدبيِّ ليلتفَّ هذا الغموض ويعود إلى النَّصِّ عينه، ويغدو النَّصُّ في هذه الحال ظاهرة تتمركز فيها الحالات الخارجيَّة الَّتي أوجدت النَّصَّ نفسه، الأمر الَّذي يعكس حالات الوعي، والتَّكفير، والإدراك المتعلِّقة بالحالات الفكريَّة عند الشَّاعر.
التعبير الأسلوبي وأدواته: تترابط كلٌ من اللُّغةِ وَالتَّفكير بشكلٍ وثيقٍ بكلِّ ما لهُ صلة بالإنسان. “التَّعبيرُ عن الفكرِ بأكثرِ المعاني ضيقًا يكون باستخدام المفردات، والبنى القاعديَّة، ولكن نستطيع أن نتصوَّر التَّعبير عن الفكر هو تمثيل الفكر، وَتطوُّرِهِ، وعرضه، كما نستطيع أن نتصور أنَّه العمل جميعًا، في ظروفك جميعها الَّتي تجعله مخبرًا”([7]). من هنا تظهرُ الإسلوبيّة وسيلة للتَّعبير المجرَّد للفكرة، وكذلك للإحساس من خلال اللُّغة، وهذا الأسلوب نفسُه هوعمليَّة تعامل الوعي مع أدوات التَّعبير، وَمن خلال هذا الوعي تظهر مكامن القوَّة الَّتي تحتويها اللُّغة، وَلا تقف هذه القوى عندَ التَّفكير، أو الشُّعور، ولكنَّها تتعدَّى ذلكَ لتشمُلَ الحالَ الإنسانيَّة العامَّة الَّتي تتراكب، وتتقاطع في الأدوات التَّعبيريَّة في النَّص.
يفتَح التَّقاطع في الأدوات التَّعبيريَّة تعدُّدًا في العناوين الَّتي تَحمل اللُّغة، أي موضوعات متداولة تبحثُ عن نفسِها من خلال الإسلوبيّة على مستوى النَّص. وإنَّ القراءةَ الإسلوبيّة للنَّص تجعلُهُ منفتِحًا على ذاتِهِ، لا يمكنُ أن يثبُتَ في زمنٍ، أو أن يقِفَ عندَ تاريخٍ محدَّدٍ، وَينكشِفُ النَّصُّ على إثرِ هذهِ القراءة على تحوُّلاتٍ، وتغيُّراتٍ قد يظهرُ فيه التَّاريخُ ممتدًّا إلى أزمانٍ متعدِّدة، وَهكذا إنَّ جملة الأفكار الَّتي يُبنى عليها النَّص ترتبطُ تأويليًّا بنزعةِ اكتشافِ الوعي فيه، وَإظهاره من خلال اللُّغة، وَتطبيق هذا الظُّهور على مجموعة من الوقائع تكونُ اللُّغة المحرِّكَ الأساس فيها.
يتعالقُ اكتشافُ الوعي، أو إظهارِه من خلال اللُّغة التَّعبيريَّة في النَّص بمدلولاتٍ عدَّة، إنَّها الدَّوالِ النَّصِّيَّة الَّتي لا يُمكن أن تكتملَ إلَّا مع امتزاجِ هذا الحضور اللُّغويِّ -الكامن فيه التَّعبير عن الفكر- مع ذهنيَّة القارئ المستحثَّة لكوامن النَّص وَبواطِنِهِ. وَهكذا إنَّ الدَّال الحاضرَ في النَّصِّ يُعبِّر عن صوتٍ متكاملٍ منَ الأداء الفكريِّ في النَّص يتليه الأداء العاطفيُّ، ويعبِّر عن اختلاجاتٍ إنسانيَّةٍ مكثَّفة.
ترتبطُ الإسلوبيّة بينَ شكلِ النَّصِّ المأخوذِ في الكلماتِ، وَالمجازات اللَّفظيَّة، وَما يرتبطُ بها من معنًى. وَكذلك ما تأخُذُه الكتابة الشَّاملة في دلالاتها نحو المضمون. ومن المجازاتِ اللَّفظيَّة المهمّةِ هي الاستعارة الَّتي يدورُ حولها حقلٌ دلاليٌّ منفصل تتمازجَ فيه الأفكارِ، وَالأفعالِ، وَالأحاسيس، وَهناك حالات استعاريَّة تخرج في دلالاتها من إطارها الفرديِّ إلى تموضُعها الاجتماعيِّ، وَهذا ما تمنحُهُ اللُّغة من خلال الأسلوب التَّعبيريِّ وَالَّتي يعملُ السِّياق من خلالها على خلق مدلولاتٍ تتزوَّدُ بها الاستعارة بشكلٍ دائمٍ.
إنَّ المعنى المتولِّد منَ الاستعارة ناشئ من تفاعل بينَ طرفين، وَإنَّ هذا التَّفاعلَ هو الحركة التَّوليديَّة للمعنى الاستعاريِّ، إذ لا يُمكن أن ينشأ هذا المعنى لو كان كلُّ طرفٍ من هذين الطَّرفين مستقلًّا، وَهذا المعنى المتولِّد هو معنى جديد كلِّيًّا، وَبذلكَ يتحقَّق الدَّور الاستعاريُّ من خلال وسائل اللُّغة التَّعبيريَّة، وَبحسبِ مقدِّمة ترجمة كتاب الاستعارة الحيَّة([8]) لبول ريكور([9])؛ فإنَّ الاستعارة تُصنَّف على مستوى المدلولات، وَترتبطُ الاستعارة بحقل دلاليٍّ يتحقَّقُ بواسطَةِ ظروفٍ محدَّدة تتراوحُ بينَ الإطار الفرديّ والجماعيِّ، وَهذا يمنحها صفة التَّداول، والمرونة على صعيد توليد المعنى لما تفرِضه اللُّغة وَالسِّياق، لأنَّهُ من خلالِ السِّياقات غير المحدودة وَالَّتي ترتبطُ بشكلٍ مباشرٍ في الابتكارات الفرديَّة يُعادُ خلق مدلول العبارة الاستعاريَّة، وَإنَّ التَّرابُطَ القائمَ بينَ طرفيِّ الاستعارة لا يمكنُ أن يَكونَ مُحدَّدًا، أو ثابتًا، الأمر الَّذي يجعل الاستعارة أقرب إلى التَّداوليَّة أكثر منها إلى الدَّلالة([10]).
يُحتِّم الأسلوب خلقَ حالٍ من التَّأثير،ِ وَالانفعاليَّة لدى المتلقّي، وَهي ما سمَّاهُ أدونيس([11]) بالصَّدمة([12])، وَمن هذا الأسلوب غير التَّقليديِّ توَّلَّدت مفاهيم عديدة مثل الشِّعريَّة، أو أدبيَّة الأدب، وَأوجدَت لهذة الإسلوبيّة الجديرة بين التَّأثير الانفعاليِّ مكوِّنات أساس تُحسن هذه المكوِّنات خلقِ موضوعاتٍ من موضوعاتٍ؛ ليشبهَ الأمر السِّلسلة الَّتي لا يُمكن أن تتوقَّف عندَ زمنٍ، أو تتقنَّن بفكرٍ محدَّدٍ، ففي الوقت الَّذي كانت فيه الإسلوبيّة هي البلاغة عند القدماء، فقد أصبحَت الإسلوبيّة حديثًا بنشأتِها أقرب من البلاغة بطرق جديدة فكانت إسلوبيّة التَّعبير -الَّتي نشأت استجابةً للمتغيِّرات اللُّغويَّة الَّتي نشأت مع العصور- لِتكون إسلوبيّة التَّعبير مهمَّة من مهمَّات الإسلوبيّة المعاصرة، لأنَّ معها غدا الأدبُ وسيلةً للتَّعبيرِ عن التَّجربة المُعاشة.
إنَّ التَّعبيرَ فعلٌ يُعبِّرُ عن الفكر بواسطة اللُّغة، وَتتألَّف اللُّغة من أشكال (زمن الأبعاد، الجمع، المفرد) وَمن بنى نحويَّة (الحذف، نظام الكلمات)، وَمن كلمات وَهي أيضًا أدوات للتَّعبير. إنَّ الفكر ينجز نفسه بالتَّعبير ضمنَ الأشكال، وَيدخُل في الجوهر القاعديِّ، وَمثله في ذلك دخول الحياة في الجسد.[13]. فإنَّ دراسة التَّعبير دراسة إسلوبيّة ترتبط باللُّغة والتَّفكير معًا، وَلأنَّ إسلوبيّة التَّعبير هي إسلوبيّة الصُّوَر؛ فإنَّ هذا الارتباط يحوي اللُّغة، وَالتَّفكير، وَيربطها بالتَّاريخ، وَالاجتماع، ومجموعة علوم شتَّى، الأمر الَّذي يخلق منَ النَّصِّ اللُّغويِّ مجموعة من الأفكار المتحرِّكة، ولا يُعبِّر عن فكرة واحدة؛ لأنَّ مضمونَ التَّعبيرِ أبعد بكثير، وَأعمق، وتولِّدُ على هذا الأثر إسلوبيّة التَّعبير قيمة النَّص القصديَّة وَالَّتي تقوم على مناحٍ متعَدِّدة. وَهكذا إنَّ مفهوم القيمة الإسلوبيّة التَّعبيريَّة تعني وجود عدَّة طرق للتَّعبير عن الفكرة نفسها، وَهذا ما يسمَّى المتغيِّرات الإسلوبيّة الَّتي تشكِّل كلَّ واحدة طريقة للتَّعبير عن المفهوم: “هكذا تصبح إسلوبيّة التَّعبير دراسة لقيم تعبيريَّة، وانطباعيَّة خاصَّة بمختلف وسائل التَّعبير الَّتي في صورة اللُّغة، وَترتبط هذه القيم بوجود متغيِّرات إسلوبيّة، أيْ ترتبط بوجود أشكال مختلفة للتَّعبير عن فكرة واحدة، وَهذا يعني وجود مترادفات للتَّعبير عن وجهٍ خالصٍ من أوجُهِ الإيصال”[14]. هذا ما عرَّفه بالي لإسلوبيّة التَّعبير، أيّ أنَّها تدرُس وقائع التَّعبير اللُّغويِّ من ناحية مضامينها الوجدانيَّة، أيْ أنَّها تدرُسُ التَّعبيرَ عن الوقائع للحساسيَّة المعبِّر عنها لُغويًّا، أيْ هي تحقيق الفكرة في اللُّغة ضمن سياقاتٍ وجدانيَّة، وَيكون هذا التَّحقُّق عندَ الطَّرفين إمَّا المتكلِّم أو السَّامع([15]). بمعنى آخر يمكننا الحديث عن مستوى الإيصال، والتَّفاعل بينَ طرفين هما الكاتب وَالمتلقّي، وَبمعنى آخر يوصلنا إلى الفرد والجماعة، وَهذا كلُّه مرتبط بالنَّواحي الدَّلاليَّة الَّتي تنجم من إسلوبيَة التَّعبير الَّتي بإمكانها أن تكشفَ حجم العلاقات الإنسانيَّة وَالاجتماعيَّة في النَّص.
أمَّا في ما يخُص إسلوبيّة الفرد فإنَّها العلاقة القائمة بين التَّعبير اللُّغويّ الموجود في النَّص وَبين الفرد أو المجتمع، إذ تظهر إسلوبيّة الفرد، وَالعلاقة الاجتماعيَّة الخاصَّة بينَ مجموعةٍ من المتكلِّمين، وَعلى إثر امتدادات أسلوب بالي([16])، فإنَّ إسلوبيّة الفرد تنظرُ إلى النَّص بعده تعبيرًا عن حال الشَّاعر الخاصَّة، إذ إنَّ التَّركيب اللُّغويَّ الحاضر في النَّص هو امتداد لحال متشابهة من ذات الشَّاعر، إذ ما يلجأُ إليه المؤلِّف من فكرة التَّعبير اللُّغويّ هو ابتكار فردي بالدَّرجة الأولى، وَإنَّ المعالم الدَّلاليَّة للنَّص لا يُمكن أن تتوقَّف عند ما عبر عنه بالي بإسلوبيّة التَّعبير، وَهكذا إنّ الإسلوبيّة المرتبطة بالنَّص لكنها تتوسَّع لتشمل دراسة الأسلوب الفردي، ودراسة التَّعبير الوجداني ضمن أدوات تعبيريَّة لُغويَّة، ليتصل بالنَّص ما يسمَّى بالتَّعبير الأدبي. إذًا من خلال إسلوبيّة الفرد يمكن للنَّص أن يتيحَ لنا معرفة الفرد الشَّاعر الَّذي أنتجَ النَّص، وَمعرفة المجتمع الَّذي أنتجَ الشَّاعر، وَهكذا إنَّ النَّص بينَ إسلوبيّة التَّعبير، وَإسلوبيّة الفرد يُظهر التَّجاوب العلائقي بين وجدانيَّة النَّص وَالعاطفة، وَبينَ العالم الخارجي المحيط، وَبين العالم الذَّاتيِّ للشَّاعر، لذا إنَّ المقدِّمات اللُّغويَّة الحاضرة في النَّص من الضَّمائر، وَالأفعال، وَالصُّور (الاستعارة)، وَالفئات القاعديَّة -بناء الجملة- تفتح بوساطة الإسلوبيّة -سواء أكانت فرديَّة أوتعبيريَّة- النَّص ضمن أدواته التعبيريَّة على أساليب الوعي الإنسانيِّ الَّتي ساهمت في خلق طبيعة الجملة التَّركيبيَّة والكلمة، وَما يعكسه هذا الوعي في العالم الخارجي بوساطة الذَّات، وَتكون الأداة اللُّغة، وَالتَّنفيذ في الكلمة الَّتي ابتكرها الشَّاعر في تراكيب جديدة.
دلالة التَّعبير الأسلوبي: تستطيع الإسلوبيّة على مستوى الدَّلالة أن تستخرج الآثار النَّاجمة من التَّعبير اللُّغوي، وَما تستدعيه هذه الآثار، وَيكمنُ دورُ الكلمات النَّصِّيَّة الأدوات المُبنى عليها النَّص من لُغويَّة وغيرها في إظهار تغيُّرات المعنى، هذه الأدوات الَّتي يبنى عليها النَّص تعودُ في طبيعة كيفيَّاتها إلى ابتكار الشَّاعر بالدَّرجة الأولى، وَيستدعي الأثر الآتي من التَّعبير اللُّغوي استخراج الجمل الوجدانيَّة من النَّص الَّتي تتآزر فيها الأحداث، وَبنية الكلمات، وَالصُّور وَغيرها. فتكون العلاقة القائمة بين بنية النَّص الشَّكليَّة، وَالمعنى من خلال القيمة الإسلوبيّة في الدَّلالة الصَّارمة للتَّعبير .إنَّ الصّور أو تغيُّر المعنى الَّذي يُصيب الكلمات مصدرًا رئيسًا من مصادر التَّعبيريَّة، وَنحنُ نعلمُ أهميَّة الاستعارات في البلاغة القديمة، فقضايا الأصل اللِّساني، وَالنَّفسي، المنطقي، والاجتماعي للمجاز اللَّفظي، وَلبنيتة المنطقيَّة، ولإنتاجة الدَّلالي والتَّعبيري، منذ كلِّ الأزمنة استحوذت على اهتمام الفلاسفة، وَعلماء الاجتماع، وَعلماء الجمال، كما استحوذت على اهتمام اللِّسانين”([17]).
إنَّ الإنتاج التَّعبيري الدَّلاليّ المرتبط بالصُّور يشكِّل المركز الأساس في الدِّراسات الإسلوبيّة، وَتكون هذه الدِّراسة تكاملًا بين إسلوبيّة التَّعبير، وَإسلوبيّة الفرد، وَتُشكِّل الاستعارة جوهر هذه الدِّراسات، إذ تعكس الأبعاد الثَّقافيَّة وَالاجتماعيَّة، وَهكذا إنَّ الإنتاج التَّعبيري للصُّور يُسهم في إظهار البُعد الوجداني للنَّص، وَكذلك الفرديَّ، وَعلى إثرِه تتعزَّز الدَّلالة حتّى تصل إلى أقصاها في النَّص الأدبيِّ. كذلك إنَّ النَّص من النَّاحية الإسلوبيّة من خلال تعزيز الدَّلالة التَّعبيريَّة للصُّور يُبقي المعنى حيًا في اللُّغة، وَلا يُمكنُ لهُ أن يموتَ لأنَّه يتجدَّدُ بمجرَّد إعلاء الإحساس لهذه الصُّور، وَبخاصَّةٍ الاستعارة، وَهذا ما يفتح الباب أمام ربط الإسلوبيّة بالمتغيِّرات القائمة عبر الزَّمن وَالمجتمعات. وَهكذا إنَّ إسلوبيّة التَّعبير بحسب بالي تتناول القيمة الإسلوبيّة لأدوات التَّعبير، وَينبعُ منها كلُّ الأشكال الوجدانيَّة، وَالجماليَّة، وَالذَّاتيَّة، وَالأصل الفردي، وَالاجتماعي، ومعها كلُّ الانطباعات الخارجة من النَّص، وَكُلُّها من أسلوبٍ أدبيٍّ بحتٍ، وَلا تقفُ عندَ هذا الحَدِّ لكن تستطيع الإسلوبيّة أن تخرج الآثار النَّاجمة من الرَّبط بين التَّعبير اللُّغوي، والشَّكل؛ أي الأسلوب التَّعبيري.
الوعي الإنسانيُّ في الإنتاج التَّعبيريِّ: تعطي الإسلوبيّة القُدرة على إظهار أشكال تعدُّديَّة التَّفكير عن المفهوم، وذلك من خلال اللُّغة، وَالصُّور، وَالتَّراكيب المرتبطة بها، وَيؤسِّس المفهوم لما يُسمَّى بالتَّعبير، وَالانطباع المرسوم في ذهن المتلقِّي، أو القارئ من خلال الأدوات التَّعبيريَّة، وَإنَّ كلَّ رسمٍ ذهنيٍّ يتولَّد من الوعي الإنساني، أو من عُنصر الوعي البشري لما تعكسه العبارة اللُّغويَّة في ذهن المتلقِّي، مع ارتباط هذا الوعي ارتباطًا حتميًّا بالتَّجربة، إذ لا يُمكن للعبارة اللُّغويَّة أن تأخد الحيِّز الخاصَّ في مدلولها إذ لم ترتبط مباشرةً بالوعي الإنساني تمامًا كما الأشياء في -الظَّاهرة الفينومينولوجية – تكمن ركيزة الوعي بحسب ما ذكره بول ريكور في كتابه من النَّص إلى الفعل أنَّ الوعي الشَّخصيّ يعدِّد مسار تجربة تاريخيَّة، وَذلك يعني أنَّ مجاوزة الوعي بالفكر يمكن أن يظهر نقاط إلتقاء عدَّة، وإظهار ما هو حقيقي، وَيرتبط إظهار الحقيقة بالطَّريق الَّذي سلكها الوعي نفسه، وَذلك لأنَّ الوعي يكشف الحقيقة من خلال التَّجربة، وهو متعلِّق بشكل مباشر بالفينومينولوجيا: “تكون الظَّاهراتيَّة هي خلاصة لجميع درجات التَّجربة البشريَّة، وَيكون الإنسان فيها، بالتَّتابع، شيئًا من الأشياء حيًّا بين الأحياء، كائنًا عقليًّا متفهِّمًا للعالم، ومؤثِّرًا فيه، حياة اجتماعيَّة، وَروحيَّة، وَوُجودًا دينيًّا. بهذا المعنى الظَّاهراتيَّة، بدون أن تكون الظَّاهرتيَّة “ل” الوعي هي ظاهراتيَّة داخل عنصر الوعي”([18]). إنَّ العُنصر في الوعي الإنساني هو الَّذي يميِّز الحضور الإنساني في الخارجي، وَلا يميِّزه فقط بل يبيِّن اختلافاته.
وإذ ما عددنا اللُّغة عالمًا خارجيًّا بالنِّسبة إلى عنصر الوعي الإنسانيِّ، فإنَّ هذا الوعي ينظر إلى هذه اللُّغة انطلاقًا من انعكاس الوعي في الذَّات على اللُّغة، وَبالتَّالي إنَّ أيَّ قراءة للأساليب اللُّغويَّة التَّعبيريَّة من خلال الوعي تعدُّ قراءة فينومينولوجيَّة في اللُّغة يعمل فيها الوعي الإنسانيُّ من خلال تجربته في إظهار مدلولات اللُّغة التَّعبيريَّة من منظور الوعي نفسه، وَهذا الأمر يخلق قاعدة حتَّى للاختلاف الدَّلالي أو التَّأويلي. وَهكذا تتقاطع العلاقة بين فينومينولوجيا الوعي وَإسلوبيّة التَّعبير، إذ يحدَّد المدلول اللُّغوي في الأدوات والأساليب التَّعبيريَّة (لغة، وصورًا، وَأصواتًا) من خلال الوعي، أو ما يظهره الوعي في ذات المتلقِّي، أو الكاتب من خلال الأسلوب التَّعبيري.
لا تتحدَّد قيمة الأشياء في العالم الخارجي إلَّا من خلال ارتباط الوعي الإنساني فيها، وَبحسب المبدأ الفينومينولوجي فهو إرجاع الظَّواهر كلِّها إلى كيفيَّة وجودها في الوعي الإنساني، أي كيف تنبثق الحقائق في الوعي، وَعليها يقوم تحليل الوعي بناءً على كلِّ ما تقتضيه الأحوال الإنسانيَّة من حُبٍّ، وَبغضٍ، وَإدراك وغيرها، وَبالتَّالي يجريُ من خلال هذه الأفعال، وَالمقتضيات الَّتي تتعلَّق دائمًا في المعاش من الوعي، أي أنَّ الأشياءَ، وَالصُّور، وَالمعاني ترجعُ كلُّها إلى العالم الخارجيِّ، وَطريقة استيعابه من الوعي نفسه الَّذي يسبغ دلالاته على هذه الأشياء. وَانطلاقًا من الفكرة الفينومينولوجيَّة وَارتباطها بالعالم الخارجي من خلال الوعي، فإنَّ تحليل الوعي الكامن في اللُّغة من خلال إسلوبيّة التَّعبير بإمكانه إظهار الحال الَّتي انبثقت منها الصُّورة اللُّغويَّة، وَبالتَّالي فإنَّ الوعي البشريَّ الَّذي يؤسِّس العالم بحسب النَّظريَّة الفينومينولوجيَّة هو نفسه بإمكانِه أن يؤسِّس النَّسق اللُّغوي، المتألِّف من الصُّور، وَالكلمات لها تركيبها الخاصُّ، وَبالتَّالي لها دلالاتها الخاصَّة، وإنَّ تأسيس الدَّلالة في النَّص اللُّغوي يرتبط بوعي الكاتب للحالات الخارجيَّة في العالم المحيط، وَهكذا إنَّ استخراج الدلالة اللُّغويَّة من خلال الإسلوبيّة له ارتباط فينومينولوجي كامن في وعي الكاتب، لذلك يتَّجه هذا البحث إلى استخراج الوعي الإنساني من النَّسق التَّعبيري الأسلوبي اللُّغوي.
ظهرت الفينومينولوجيا عند هورسل بوصفها نقدًا للعلم الحديث، وعدَّ أنَّ هناك اثنتين من خصائص العلم بحاجة إلى تعديلات جذريَّة وَهما: انحطاط العلم إلى دراسة غير فلسفيَّة للحقائق المجردَّة، وَنزعتُه الطبيعيَّة الَّتي جعلته غير قادرٍ على التَّعامل مع مشاكل الحقيقة المُطلقة ومع الصَّلاحيَّة. “إذ بدا له عدم قدرة العلم على مواجهة مشاكل القيمة وَالمعنى، بسبب اقتصاره على الحقائق الحسِّيَّة فحسب، وَهو السَّبب الأساس لأزمة العلم وَلأزمة البشريَّة نفسها، وَعلى النَّقيض من علم عصر النَّهضة الَّذي كان جزءًا منه نسقٌ فلسفيٌّ شامل، بدا علم الوضعيَّة بالوقائع وجدها علمًا مبتورًا يعرض الإنسان للخطر، وَيُعرِّض نفسَه في الواقع للخطر… وَلذلك راح العلم نفسه ينادي بفلسفة من شأنها أن تعيد ارتباطه بالاهتمامات الأعمق للإنسان، وَمن الواضح في ما يخصُّ هوسرل أنَّ الفينومينولوجيا الخاصَّة به هي الَّتي كانت ستسدُّ مثل هذة الحاجة([19]). بحسب هورسل إنَّ العلوم الغربيَّة أي العلوم الطَّبيعيَّة، وَالفيزياء، وَالعلوم الحديثة، وَالرِّياضيَّات حوَّلت العالم إلى طابعٍ صوريٍّ؛ أرقام، وَمفاهيم، وَعناصر، رسمت للعالم صورة سمَّاها ترييض العالم، أو صورنة العالم، وَهذه العلوم أفقدته حياته وانسيابه، أو الطَّابع المتدفِّق، أوالمباشر للظَّاهرات، كما تتبدَّى للإنسان؛ وَهو طابع ساذج وبسيط لاكتشاف الظَّاهرات، لم تعد هذه العلوم تعتني فيه، وَبالتَّالي إنَّ المعرفة المباشرة بالظَّاهرات أصبحت مغيَّبة نتيجة إسباغ الطَّابع الصُّوري على العالم، وهذه العلوم جعلت دلالة هذا العالم دلالة صُوريَّة وَليست دلالة مباشرة، وَلم تعد هذة الدَّلالة كافية نتيجة العلاقة الحدسيَّة بالعالم؛ لم تعد كافية بحسب هوسرل، فإنَّ هذه العلوم لم تكن موجودة لولا وعي مباشر بالعالم المتمثِّل بالحدس البسيط وَالسَّاذج، وَهي معرفة بسيطة، وَساذجة كما سمَّاها هورسل ([20] ) doxa وَهي المعرفة الشَّائعة، أو المبدئيَّة الَّتي حسبها المنبع الأساس لهذه العلوم، وَلا يوجد تنظير، وَتفكير، وَحكم، وَإسناد. إذًا يعدُّ هوسرل أنَّ هذا الإنجاز الصُّوري لهذا العالم القائم على أحكام، وَمذاهب، وَرؤى، وتيَّارات فكريَّة، وتأمُّلات، لم يكُن موجودًا لولا استنادهِ إلى معرفة بسيطة ساذجة مؤلَّفة من أشياء العالم المحيطة، وَالَّتي تكشف عن نفسها بشكلٍ تلقائيٍّ، وَمن هنا نبتت أزمة العلوم الأوروبيَّة لأنَّها أغفلت الأساس القائمة عليه، أو غيبت هذه المعرفة السَّاذجة، والأصليَّة، وَالبسيطة، وَالحدسيَّة، وَراحت تبرِّر نفسها بتماسك أنظمتها المعرفيَّة، وليست تثبت نفسها باستنادها إلى معرفة بدهيَّة. وهذا ما يسمَّى البداهة الحدسيَّة؛ لأنَّ الإنسان يتفاعل مع هذا العالم، ومكوِّناته بشكل بديهيِّ، وَيتعامل مع أشيائه المحيطة بشكلٍ بديهيٍّ، وَهي علاقات أشياء، واستدلال أشياء مثلًا: النَّار تُحرق، وَالماء تَروي، هذه الأشياء ليست بحاجة إلى استدلال هي أشياء بدهيَّة مكوَّنة في وعي الإنسان، فالعالم كما يتبدَّى في بداهته الأصليَّة، وهو عالم معطى لا يحتاج بنفسه إلى إثبات لأنَّه قائم داخل الوعي الإنسانيِّ. وَإنَّ العلوم أسبغت الطَّابع الصُّوري، وَأصبح الإنسان يتلقَّى الأشياء من حوله بوساطة هذه العلوم وَليس بشكلٍ مباشر. إنَّ هذه الوسائط هي العلوم القائمة بتقسيماتها من رياضيَّات وَأحياء وَطب… إلخ، الأمر الَّذي يسمَّى ترييض العالم (من رياضيَّات)، وَهكذا جرى تغييب العالم الَّذي يُسمِّيه هورسل عالم الحياة، وَهوعالم الحياة الأصلي الَّذي تأسَّست معارف البشريَّة عليه؛ فإنَّ هذا العالم غيَّبته هذه العلوم. وقد عدّ هوسرل أنَّ هذه العلوم الحديثة تعاني من أزمة، فكتب كتابه أزمة العلوم الحديثة، وَبحسب هوسرل إنَّ العالم الأصليَّ عالم الحياة هو الَّذي يرتبط به الوعي بشكلٍ مباشرٍ، وَهو الَّذي يمنحه الوَعي الإنساني معناه، وَدلالته، وَإنَّ لقاء الإنسان المباشر مع العالم يسبغ عليه دلالتهُ، وَنحنُ نسبغ نتيجة هذه العلاقة المباشرة مع العالم معناه وَمغزاه، وَنرسُم صورة العالم من خلال علاقة الوعي المباشر فيه، إذًا يأخذ هذا العالم معناه من خلال وجودنا فيه ومجيئنا إليه. وَهكذا يعودُ هورسل إلى الجذور، أو إلى بدايات المعرفة: “مطالب الفكر في الظَّاهرات بالمعنى المألوف، وَالَّتي ترتكز عليها مفاهيمنا جميعها في نهاية المطاف، ستكون هذه الفترة هي فترة احتفائه بالعودة إلى الأشياء، وَلكنَّه مع ذلك وَفي عمليَّة البحث في جدور هذه الظَّاهرات عن طريقة تحليله الفينومينولوجيّ الجديد بشكلٍ مطرد، وَمحاولة تقديم وصف كامل، وَصادق لا يرحم لمعتقداته توصَّل إلى الاقتناع أنَّ هذه الجدور تكمن في الأعماق، أي في وعي الفاعل العارف الَّذي انكشفت له هذه الظَّاهرات”([21]).
هكذا إنَّ الوعي الممثَّل في الفينومينولوجيا يظهر في الأشياء الخارجيَّة المحيطة، أو في العالم الخارجي، وَتتبين هذه الأشياء من خلال انعكاسها في الذَّات الإنسانيَّة إذ يكمن الوعي، لذلك سيتناول هذا البحث الوعي الظَّاهر في لغة محمود درويش التَّعبيريَّة في قصيدة “الكمال كفاءة النُّقصان”([22]). من ديوان أثر الفراشة، وَإنَّ استخراج الوعي عند الشَّاعر من خلال لغته الإسلوبيّة الَّذي استخدم فيها الصُّور البيانيَّة، وَالتراكيب اللُّغويَّة ستبيِّن طريقة تجسُّد العالم في وعي الشَّاعر من خلال لغته بمعزل عن أيِّ وساطة، أي بشكلٍ مباشرٍ من خلال وعيه وَهكذا سيظهر هذا الوعي الأثر الفينومينولوجي بالتَّعبير عن العالم بوساطة اللُّغة الَّتي كتبها الوعي، أو الإدراك الَّذي أوجد اللُّغة التَّعبيريَّة عن الشَّاعر، أو بمعنى آخر الذَّاتيَّة التَّرانسندنتاليَّة كما رأت العالم بكلِّ مفاهيمها، وَهكذا يربط هذا البحث بين مبدأ الفينومينولوجي بوصفه نوعًا جديدًا من التَّأمُّل عند هوسرل، وَبينَ اللُّغة التَّعبيريَّة بوصفها أثرًا واضحًا لهذا المبدأ الواعي.
الوعي والإسلوبيّة في قصيدة الكمال كفاءة النِّقصان: تُقدِّم قصيدة الكمال كفاءة النُّقصان للشَّاعر محمود درويش رؤية بعيدة حملها بمضامين تعبيريَّة جمعت بين الشَّكل اللُّغويِّ والأسلوب، وَذلك التَّعبير الوجدانيِّ الَّذي تفيض به أسطر القصيدة، لتخرُجَ تعابير توضِّح رؤية الكاتب للحياة في أسلوبٍ شاعريٍّ جمعَ بينَ التَّأمُّل الفلسفيِّ، وَفكرة الوجود، وَالشعور الإنساني، وَمن خلال هذا الأسلوب وبوساطة النَّص الشِّعريّ مباشرةً تخرُجُ الذَّات الواعية عند درويش وَهي ذات مُدركة ومتأمِّلة، لتُظهر الموت بوصفِه شكلًا من أشكال الظَّاهرة النَّصِّيَّة الَّتي تُثبتُ بالوعي الذَّاتي عند الشَّاعر، وَليس المقصود بوعي الذَّات عند الشَّاعر، بالذّات يعني النَّفس؛ وَإنَّما الذَّات الواعية المدركة وَليست الذَّات النَّفسيَّة المرتبطة بالحالات الفيزيولوجيَّة المختلفة مثل: الفهم، وَالحُب، وَالخيال؛ وَإنَّما الذَّات الواعية الَّتي تتولَّد من خلالها المعرفة وَالوعي للعناصر الخارجيَّة بشكلٍ تلقائيٍّ وَمباشر، وَمن خلال ذلك يمنحُ النَّص بوصفه ظاهرة -أي التَّعامل معه من منظورٍ ظاهراتي- القدرة على استخلاص حياة الشَّاعر، أو بالأحرى استخلاص الخطِّ الأفقي لحياة الشَّاعر، وانغماسِهِ في مجتمعِهِ، وَهكذا سيتبدَّى الموت من خلال النَّص عندَ درويش بشكلٍ مباشر بوساطة الذَّات الواعية، وَالمدركة الَّتي أظهرت الموت بواسطة النَّص في وعي الشَّاعر، وَهكذا بيَن إسلوبيّة التَّعبير الَّتي تدمج البنية الشَّكليَّة وَدلالاتها مع وجدان الشَّاعر وَإحساسه، وَإسلوبيّة الفرد المناطة وحدها بلغة الشَّاعر الفريدة، وَطبيعة سير حياتِه الاجتماعيَّة، يظهر النَّص بوصفِهِ حالًا شعريَّة تعكسِها تجربة فريدة لشاعرٍ عاشَ الحياةَ بكلِّ غمارِها.
الوَعي في إسلوبيّة التَّعبير: في اللُّجوء إلى ما يُريدُه الشَّاعر من إسلوبيّة التَّعبير، يتجلَّى بدايةً أنَّ القصيدة قائمة على الحوار بين ذات الشَّاعر من جهة، وَبينَ الوقت وَالموت من جهة ثانية، وَبهذا جعل الشَّاعر الحياة وَالموت كائنين حيَّين ناطقين، الأمر الَّذي يؤنسنهما، أي يمنحهما صفة الإنسانيَّة، وَكذلك إنَّ الحوارَ بينَ طرف الشَّاعر من جهة، وَطرف الحياة وَالموت من جهة ثانية، هو تجاوز، أيضًا، للصِّفات الإنسانيَّة العاديّة، وَاستنهاضٌ لأفكارٍ لا تراودُ أشخاصًا عاديِّين، بل تأتي لِذوي الحكمة وَالعقلانيَّة، وَهكذا يُعطينا الحوار دلالة التَّساوي بينَ أطرافِه. فإذا ما أراد الشَّاعر أن يفهم كنه الموت وَالحياة عليه أن يتجاوزَ الصِّفات الإنسانيَّة العاديَّة، ليُصبحَ ربَّما فيلسوفًا، وَإذا ما أرادَ أن يخلع عن الموت وَالحياة صفة الإنسانيَّة المتمثِّلة بالنَّص، عليهِ أن يُزيلَ عنهما صفة الغيببيَّة وَيُخضعها إلى حضور مرتبط بقلمِهِ وَرُؤيتِهِ، وَفكرتِهِ وَهذا الأمر جعل القصيدة تأخذ تعابيرها الجديدة وَالمؤثِّرة.
هكذا تُمثِّل إسلوبيّة التَّعبير من خلال البناء التَّركيبي وَالقاعدي استنطاقًا لأفكار الشَّاعر، أو الحال الفكريَّة عند الشَّاعر من خلال المواجهة المباشرة في النَّص؛ ليتكلم النَّص بواسطة أدواته التَّعبيريَّة مباشرة، وَمن دون وسائط على الحال الفكريَّة للشَّاعر في نظرته إلى الموت.
تبدأ القصيدة بجملة اسميَّة “الوقت طار”([23]). وقدم الوقت للأهمِّيَّة، وأعطاه الصَّدارة في موضوعه، وَاستخدمَ الشَّاعر كلمة طارَ وَليسَ ذهب وهذا مؤشِّر على السُرعة وعدم التَّمكُّن من اللَّحاق به.
إذا نظرنا إلى جملة الوقت طار بوصفها اسميَّة، وَاستعارة في الوقت نفسه فإنَّ إسلوبيّة التَّعبير هنا تمزج بين الشَّكل اللُّغويِّ المتمثِّل بالجملة الإسميَّة، وَالصُّورة الاستعاريَّة ليُبرز ما في النَّص ظاهرة فكريَّة تدل على الوعي الذَّاتي للشَّاعر في ما يخُصُّ الموتَ، وَإنَّ عبارة الوقت طار الاستعاريَّة تبرز الحال الذِّهنيَّة للذَّات الواعية للشَّاعر، وَتحوُّلها معرفة في ما يخصُّ مؤشِّر السُّرعة من كلمة “طار”، وَهكذا إنَّ وعي الشَّاعر للموت وكما يدركه أنَّ الوقت السَّريع خاطفٌ، وَهوعلى نحو زمني متقدِّم لا يمكن إلَّا أن يوصل الى الموت، وكأنَّ التَّعاقب الحدثيَّ بينَ الموت وَالوقت، فإنَّ لزوم الوقت هو لزوم الموت.
تبدأ القصيدة بجملة اسميَّة، “الوقت طار” وقد قدَّم الوقت للأهمِّيَّة وَأعطاه الصَّدارة في موضوعِهِ، وَاستخدم كلمة طار وَليس ذهب، مؤشِّر على السُّرعة، وَعدم التَّمكُّن من اللّحاق بهِ، ثمَّ يردف وَيقول ” وَلم أطر معه” وَهذا يؤكِّد الفارق بين طبيعة الشَّاعر البشريَّة الَّتي تتصل بقدرات محدودة وَمحكومة وَحاجات محدَّدة، وَبينَ الطَّبيعة الجذريَّة للوقت وَهي ذات قدرة خارقة يستطيع الشَّاعر تلمُّسها وَالإحساس فيها من دون أن يراها، ليطلب الشَّاعر من الوقت التَّوقُّف “توقَّف قُلت” إنَّ طلب الشَّاعر هنا يأتي توثبًا صوب القدرة الخارقة للوقت، وَإنَّ التوثب في نصِّ الشَّاعر يعدُّ ظاهرة من ظواهر الوعي الذَّاتي في حثِّ القدرة الذِّهنيَّة للشَّاعر صوب إدراك الوعي إدراكًا فلسفيًّا محضًا يرتفع درجات عن المعرفة العاديَّة، ثمَّ تبدأ معها أسطر القصيدة بالتَّتالي في إجابة من الشَّاعر عن مطلب الوقت، ليوضِّح في جملة فعليَّة تحتمل معنى النَّفي والقلب.
“لم أشرب دوائي كلَّه
لم أكتب السَّطر الأخير من القصيدة
لم أسدِّد أي دين للحياة”([24])
إنَّ في هذه الحاجات الَّتي يتماهى الشَّاعر في عرضها تعزيزًا لطبيعته البشريَّة من حيث المرض، والتَّعلُّم، والقدرة على مناورة الحياة، تمنح الشَّاعر الوصف الشَّامل من النَّاحية الذِّهنيَّة الواعية بأنَّه يحاول القفز خارج هذه الطَّبيعة لكي يصل إلى طبيعة الوقت المحيِّرة، والملهمة في الوقت نفسه لشاعر واع بوصفه إنسانًا غير عادي، في محاولة أظهرها النَّص من خلال الحوار المساوي بين الأطراف المتحاورة في أنَّ للشَّاعر محاولة التَّوثُّب صوب الوقت والحديث معه، ومن ثمَّ ينتقل الشَّاعر ليتكلَّم على الحياة فيقول:
“وقد رأتني جائعًا قرب السِّياج
فأطعمتني حبَّة من تينها
ولقد رأتني عاريًا تحت السَّماء
فألبستني غيمة من قطنها
ولقد رأتني نائمًا فوق الرَّصيف
فأسكنتني غيمة في صدرها”([25])
يشير الحوار إلى قول الشَّاعر للموت ماذا أعطته الحياة، إنَّ وعي الشَّاعر لرؤية الحياة جعله يفنِّدها على أنَّها احتياجات أساس للإنسان. أدرك من خلال وعيه أنَّ الجوع قرب السِّياج لا يمكن أن يخترق بشكل عبثي، وأنَّ حبَّة التِّين هي الجذور الأولى للحياة والأصل المتولِّد في أساسه، ورداء القطن هو للتَّوالد والتَّمازج مع عناصر الأرض، ولكي يكون نجمًا لا بد أن يكون جائعًا في البدء. إنَّ فهم الشَّاعر الحقيقي للحياة أخرجت منه اعترافًا علنيًّا للوقت بأنَّ له القدرة في مجاراته والحديث معه، وهكذا ينتقل من حال إبداء تعارضه مع الوقت إلى حال آخر يوضِّح فيها ما قدَّمته له الحياة، وهو في قمَّة العوز والحاجة فأعطته تينًا، وألبسته غيمًا، وأسكنته النُّجوم، وقد تقصد الشَّاعر ألَّا يذكر الحاجات المادِّيَّة في الحياة، أو الحاجات الَّتي تنتقي بمجرد اقتنائها، لكنَّه استخدم رموزًا في إشارة منه أنَّ في هذه الحياة كثيرة هي الأشياء الَّتي إذا ما تبصَّرنا بها، عرفنا حقائقها، وأزلنا الحجب عنها لفهمنا الحياة فهمًا مغايرًا.
ومن ثمَّ يدخل الموت على خطِّ الحوار بطريقة التَّوازي بينه وبين الحياة.
“وقال الموت لي متطفِّلًا
لا تنسني فأنا أخوها
قلت: أمُّكما سؤال غامض لا شأن لي فيه
وطار الوقت من لغتي إلى أشغاله”([26]).
تولِّد الظَّاهرة النَّصيَّة في هذه الأسطر حالًا من التوأمة والمطابقة بين الوقت والموت، ليظهر الموت في ذهن الشَّاعر ووعيه هو الوقت نفسه، وأنَّ النَّتيجة الحتميَّة لمسار الوقت المتقدِّم هي الموت.
إنَّ التَّعامل مع الظَّاهرة النَّصيَّة لما يبديه النَّص من تصاوير للموت والحياة والوقت في وعي الشاعر يظهر من خلال التَّرابط القائم بين تركيب الجمل التَّضاديَّة، لتبدو الإسلوبيّة الثُّنائيَّة والتَّضاديَّة تعزِّز وعي الشَّاعر للموت، والحياة، وإدراكه لهما إدراكًا ليس عاديًّا، وتأتي هذه الحال مطابقة تمامًا للمجرى الَّذي يأخذه الوعي في تمظهر الحياة والموت في ذات الشَّاعر، ليكون العنوان “الكمال كفاءة النُّقصان” في الثُّنائيَّة الضِّديَّة الَّتي يحملها، يأخذ مساره في البناء التَّعبيري للقصيدة في المقطع الرَّابع منها.
“…وتكون قاسية وناعمة وسيِّدة وجا رية
ولا تبكي على أحد، فلا وقت لديها
تدفن الموتى على عجل وترقص مثل غانية
وتنقص ثمَّ تكتمل. الكمال كفاءة النُّقصان
والذِّكرى هي النِّسيان مرئيًّا”
إنَّ إدراك الشَّاعر لكنهِ الموت والحياة يتمظهر في النَّص الشِّعري من خلال التَّضاد، أو الصُّور الطِّباقيَّة في أسلوبية الشَّاعر، أو بين النَّقيضين بشكل تامٍّ، الأمر الَّذي يدلُّ إلى أنَّ الشَّاعر في إدراكه يعي تمامًا الشُّموليَّة الَّتي تبديها الحياة بين الأحزان والأفراح، وبين الحبِّ والكره، وهي مع نقيضها التَّام الموت، فتظهر الموائمة القاهرة أنَّ كلَّ نقص يأتي به الموت هو اكتمال للحياة ذاتها والعكس صحيح. هكذا إنَّ إسناد فعل القول للحياة، أو الموت إنَّما المراد منه إعطاء الأهمِّيَّة لهما؛ أهمِّيَّة فهمهما معًا، وإنَّ كلَّ ما يدور في حياة الإنسان يتمحور حول الموت. فإسناد فعل القول لكلٍّ من الحياة والموت يعطي النَّصَّ الشِّعري بعدًا ظاهراتيًّا من خلال الاستعارة في الأسلوب التَّعبيري، والَّتي منحت كلًّا من الموت والحياة قدرة النُّطق، وإنَّ حديث الشَّاعر مع الوقت في مقدِّمة القصيدة يدلِّل على قدرة الوقت على الكلام، وهكذا إنَّ الصُّورة الاستعاريَّة في اللُّغة التَّعبيريَّة عند الشَّاعر تعطي بعدًا ظاهراتيًّا حول ظاهرة الموت والحياة في ذات الشَّاعر الواعية.
يتداخل عمل الاستعارة في القصيدة مع الثُّنائيَّة الضِّديَّة الكامنة في المقصد الدَّلالي النِّهائي من حيث التَّرابط بين العنوان، ومضمون القصيدة، وبين الحياة والموت. “اللُّغة في جوهرها استعاريَّة أي أنَّها تعبِّر عن العلاقات غير المدركة قبلًا للأشياء، وتعمل على إدامة هذا الإدراك، أو الفهم، وبمرور الوقت تصبح الكلمات الَّتي تشكِّلها رموزًا، وعلاقات لأقسام، أو أصناف للتَّفكير بدلًا من أن تكون صورًا لأفكار متكاملة”([27]).
توطِّد الجمل الاستعاريَّة حال الفهم والإدراك عند الشَّاعر، والمعبَّر عنها بشكل لغوي، وتدل على طبيعة التَّفكير والوعي الذَّاتي، أو الإدراك للظَّواهر الخارجيَّة المتمثِّلة بالنَّص، لذا تمنح الاستعاراة المتوخّاة في النَّص رؤية الشَّاعر – وفق التَّشابه المحدَّد – اختلافًا جذريًّا في التَّفكير، وأصالته الدَّال على الذَّات الواعية للشَّاعر للظَّاهرة الخارجيَّة، ليغدو معها النَّصُّ ظاهرة لغويَّة تكشف هذا الوعي.
تبرز الاستعارة في القصيدة وسيلة من الوسائل التَّعبيريَّة التي تذهب إلى إظهار المنحى الفكري للشَّاعر، ولعلَّ أبرز الاستعارات جاءت من خلال أنسنة الوقت، والموت والحياة، وهذه الأنسنة تظهر في النَّص بوصفها دلالة لمنح القدرة للشَّاعر الإنسان على الكلام مع هذه الغيبيَّات، أو المدركات لدى الإنسان بشكل غير حسِّي، أو ملموس وهذا هاجس في طبيعة الإنسان الوجوديَّة، لأنَّ الشَّاعر يبيِّن من خلال هذه الاستعارة فكرة الخوف من الوقت، والموت، والحياة، وفكرة المجابهة لهذه الأقدار المحتَّمة عليه، وتحمل هذه الاستعارة قدرة الشَّاعر الذِّهنيَّة على مناكفة الوقت، والموت، والحياة، وتؤشِّر كذلك مجتمعة “الوقت طار”، وعن الحياة “رأتني”، “أطعمتني”، “ألبستني”، “أسكنتني”، وعن الموت “قال الموت”، إنَّ هذه القدرات مجتمعة في الوقت، والموت، والحياة ظهرت كلُّها في وعي الشَّاعر بصورة الحتميَّة الَّتي تتطلَّب مجابهة حقيقيَّة، وكأنَّه في ساحة معركة ويستعدُّ لخوضها.
هكذا يقدِّم الحوار المؤطَّر بالاستعارة في هذه القصيدة حضور الحياة والموت بصفتهما الوجوديَّة بشكل أساس، ويقابلهما حضور الشَّاعر الَّذي يحاورهما حوار المناضل الَّذي أثبت نفسه أمام قدرتهما الَّتي ظلَّ البشر عاجزين أمامها، ليكون الحوار في النَّص الشِّعري الظَّاهرة الأساس الَّذي أسند فيها فعل القول إلى أطراف الحوار الثَّلاثة بين الإنسان والحياة والموت، والأخيران اللَّذان يمثِّلان القدر المتحكِّم بالإنسان. إذًا تبدوالقصيدة حوارًا بين حاكم ومحكوم ومسلِّم ومسلَّم له، وهكذا يقدِّم الأسلوب المعبَّر عنه مواقف وجدانيَّة للشَّاعر تمثِّل الإدراك والوعي الذَّاتي لديه.
ويأتي الإنشاء الطَّلبي المتنامي في القصيدة تعزيزًا للدَّور الاستعاري الَّذي جاء عن طريق الوقت الّذي يمثِّل الحياة في تماهيه مع الموت، وكأنَّ هذا الوقت نتيجته الحتميَّة هوالموت، أن يتوقَّف في إشارة إلى أنَّ الوقت غافله وطار، ليواجَه برفض من الشَّاعر، وتبرير أنَّ لديه كثير من الأمور للقيام بها، متبعًا الجمل الفعليَّة الَّتي تخلق حال التَّواتر والاستمراريَّة عاكسة إصرار الشَّاعر على المضي قدمًا. وأمَّا الأسلوب الطَّلبي الإنشائي الثَّاني فهو عن طريق الموت حين يقول له: “لا تنسني فأنا أخوها” في إشارة تحذيريَّة من الموت إلى قوَّة حضوره وقدرته الفاعلة.
الوعي في إسلوبيّة الفرد: يظهر الوعي من خلال إسلوبيّة الفرد عبر تبيان ذات الشَّاعر وما يعتريها وما يخالجها، وكيفيَّة علاقة الشَّاعر بمحيطه الَّذي أسهم بشكل مباشر في إخراج هذه القصيدة إلى العلن، وبالتَّالي إنَّ التَّعامل مع هذا النَّص بوصفه ظاهرة تمثل المجتمع الخارجي، وكيفيَّة تعامل الكاتب مع هذه الظَّاهرة من خلال ذاته وبشكل مباشر تبيِّن ذاتيَّة الشَّاعر متمثِّلة بضمير المتكلِّم “أنا” الَّذي يظهر في القصيدة من خلال تاء الضَّمير سواء في الحوار الَّذي دار في بداية القصيدة، ويخرج من دائرة الحوار المباشر عن رؤية الشَّاعر الخاصَّة حول الحياة حيثما قال: “هتفت” في إشارة إلى أنَّه وجد اللُّغز، وعرف سرَّ الحياة، ثمَّ ألحقها بأوصاف للحياة نتيجة رؤيته الذَّاتيَّة بأنَّها قاسية، ناعمة، سيِّدة، وجارية، ولا وقت لديها، أي أنَّها متسلِّطة تدفن موتاها، وترقص كغانية، وتنقص ثمَّ تكتمل من نقصانها، أي أنَّها تتزوَّد من ذاتها، أي أنَّها تأكل نفسها بنفسها لتحيا.
إنَّ رؤية الشَّاعر الذَّاتيَّة للحياة وعلاقته بها تظهر وكأنَّها في حال من الفهم العميق لسذاجتها وغفلتها، ومن أجل هذا الفهم عاش الشَّاعر الحياة لحظة بلحظة ويومًا بيوم.
توضِّح أسلوبية الفرد علاقة الشَّاعر بالحياة وبمحيطه أيضًا من خلال علاقته بها، فهو الَّذي فهم جيِّدًا أنَّها تمضي من دون أن تسأل، وتدفن موتاها مبتسمة راقصة، وكان رد الشَّاعر على هذا الفهم العميق للحياة ألَّا يسأل عنها، وأن يحياها كما يريد، وكما يطلب، لأنَّه إذا ما شغل تفكيره بفكِّ لغزها، وأسرارها ستلتهمه وقودًا لذاتها ولن يجد جوابًا، إذًا الشَّاعر فرد غارق في الحكمة والخبرة الحياتيَّة.
“ولكنِّي لعبت مع الحياة كأنَّها كرة ولعبة يناصيب
لم أفكِّر مرَّة باللُّغز: ما هي؟
كيف أملأها وتملأني” ([28]).
إنَّ العلاقة في القصيدة بين الشَّاعر والحياة علاقة اعتباطيَّة أيضًا من شخص تمرَّس على الحكمة والفهم، والوعي العميق، لأنَّه أدرك من خلال هذا الوعي أنَّ حلَّ اللُّغز لا يمكن أن يجدي نفعًا لأنَّه أمر تعجيزي؛ لأنَّ النِّهاية هي الموت، فكان الموت مقصد الشَّاعر الأخير وكان الوقت هو الموت، وكانت الحياة هي الموت.
أمَّا علاقته بمجتمعه فيبدو أنَّ الشَّاعر اختار الوحدة والعزلة؛ العزلة نفسها الَّتي أوصلته إلى سبر أغوار الحياة، ومعرفة كيفيَّة التَّعامل معها لكي يهزمها، ولم يختر الشَّاعر شيخًا حكيمًا يحاوره ولكنَّه اختار أمورًا غيبيَّة بوصفها أطرافًا للحوار مثل الموت والحياة وجعلها تنطق وتتكلَّم.
إنَّ كلَّ ما تفضي إليه الظَّاهرة النَّصيَّة للقصيدة، وكلَّ المآلات النِّهائيَّة من ناحية العلاقة بالموت، تصبُّ نحو الموت، لأنَّ ذات الشَّاعر الواعية للموت هي المحرك الأساس لمسار الحياة الكاملة الَّتي عاشها، وكذلك لماهيَّة إدراكه لها.
“رأيت الموت يتركني على مهلي…لأسأل
وانتظرت الوقت، قلت: غدًا سأمعن في السُّؤال
عن الحياة، ولم أجد وقتًا
لأنَّ الوقت راوغني وغافلني…وطار!
هذه التَّوليفة الكاملة الَّتي يظهرها النَّصُّ الشِّعري، ومعها الإدراك الباطني من الشَّاعر في قدرة التَّحكُّم المرتبطة بالغيبيَّات، وكأنَّها مسلَّمات لا يمكن أن تأخذ غير منحى.
يدير الموت في وعي الشَّاعر أقطاب اللُّعبة كلِّها؛ يدير الوقت ويدير الحياة، وإنَّ الموت بالنِّسبة للشَّاعر هو الملاذ الأخير، والنَّتيجة الحتميَّة لكلِّ مقتضيات الحياة وما يدور بها.
هكذا يظهِر الموت التَّجلِّي الكبير في وعي الشَّاعر الَّذي حمَّلته القصيدة بتعابير ومضامين تجلَّت من خلالها رؤية الشَّاعر الخاصَّة للحياة والموت؛ فيها من التَّأمُّل والفلسفة والحكمة، مصاغة بأسلوب دمج بين البنية والشكل والمضمون، وتعبّر بصورة وصفيَّة، وبجمل فعليَّة، وحواريَّة عن رؤية الشَّاعر الخاصَّة، محمِّلًا المعاني بتأويلات بعيدة تعمِّق براعة الاختيار لديه، وبذلك تتآزر الذَّات مع الموت في وحدانيَّة لافتة، ومتصالحة معه، الموت الَّذي يفر منه البشر، ويخافونه ويهابونه، يخلق منه الشَّاعر تآزرًا عميقًا مع الوقت والحياة، وتآلفًا شديدًا في حوار حمل لغَّة نصِّيَّة جديدة، وجعل ظاهرة الموت في الوعي الإنساني مغايرة للمألوف، ومنافيه للواقع، ومتحدِّية للخوف، فجاء نصُّ القصيدة غنيًّا في الأسلوب والتَّعبير، ومختلفًا في الوعي، لتتوحَّد العلاقة الوجدانيَّة مع العلاقة الفردية في رؤية ودلالة تحكم الوعي الصَّارخ في تنبيه مختلف للبشر أنَّ الحلقة الَّتي تدور بها الحياة تعود للبدء، حيث تلتقي النِّهاية في البداية مع الموت، لأنَّ الموت هو نقطة الكمال، والنُّقصان دائرة الحياة الحتميَّة، وهذا يعيدنا إلى فكرة العود الأبدي عند نيتشه.
النتائج: يظهر الموت والحياة في حال من التَّناظر على شكل حوار يجمع أطرافًا تحمل بعدًا ميتافيزيقيًّا للحياة والوجود في محاولة للإجابة عن تساؤلات لا تحمل لها أجابات سهلة، وفي هذا التَّناظر يبدو الوعي إجابة مطلقة عن الظَّاهرة المتجلِّيَّة في النَّصِّ الأدبي المتمثِّل بالقصيدة، ليغدو هذا النَّصُّ ظاهرة بعينها يعكس العالم الخارجي للشَّاعر من خلال القصيدة، وكيف يتبدَّى هذا العالم في لغته التَّعبيريَّة، وبهذا يتمثَّل العالم في النَّصِّ الأدبي بالموت، والذَّات في حالات تجاوب، وأخذ وعطاء من خلال الأسلوب الحواري، ليعلن النَّصُّ نفسَّه ظاهرة تبدَّت في وعي الكاتب لتظهر أنَّ الموت هو المآلات النِّهائيَّة لمدرك الحكمة في هذه الحياة، وإنَّ التَّآلف مع الذَّات من أصعب الاختيارات الَّتي ممكن للإنسان أن يسلكها، والَّتي لا يمكن أن يحصل عليها إلَّا بعد رحلة من التَّأمُّل والوعي العميقين. وبذلك كانت اللغة الأسلوبية عند الشاعر وسيلة تعبيرية، وظاهرة من أشكال الوجود الخارجي الذي مكن الوعي من إسباع المعرفة الذاتية للموت عند الشاعر، وهكذا تمكن الشاعر من خلال لغته من جعل هذه اللغة ظاهرة معرفية تبينت تفاصيلها وحيثياتها من خلال الأسلوب الخبري والإنشائي الذي اعتمده الشاعر في القصيدة.
المصادر والمراجع
الكتب الأجنبية
- ريكور بول. (2001). من النص إلى الفعل (الإصدار ط1). (محدم برادة-حسان بورقية، المترجمون) مصر: عين للدراسات والبحوث.
2- ريكور بول. (2016). الاستعارة الحية (الإصدار ط1). (محمد الولي، المترجمون) بيروت: دار الكتاب الجديد.
3-غيرو بيير. (1994). الأسلوبية. (منذر عياشي، المترجمون) حلب: مركز النَّماء الحضاري.
هربيرت سبيغلبيرغ. (2022). الحركة الفينومينولوجية (الإصدار ط1). (خنجر حمية، المترجمون) بيروت: دار المعارف الحكمية.
الكتب العربية
4-عبد الكريم شرقي. (2007). نظريات القراء إلى فلسفات التأويل (دراسات تحليلية نقدية في النظريات الغربية الحديثة) (الإصدار ط1). الجزائر: دار العربية للعلوم ناشرون.
5- محمود, د (2008). أثر الفراشة. بيروت: رياض الريس.
[1] – طالبة دكتوراه في المعهد العالي للدكتوراه في الآداب العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة – الجامعة اللبنانيّة، قسم اللغة العربية وآدابها
PhD student at the Higher Doctoral Institute of Arts, Humanities and Social Sciences – Lebanese University, Department of Arabic Language and Literature. Email: Nasser_amal85@yahoo.com
[2] -أحد الشعراء الفلسطينيين المهمّين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن.
[3] – درويش محمود، أثر الفراشة، رياض الريش للنشر، بيروت، 2008.
[4] – شرقي عبد الكريم، نظريات القراء إلى فلسفات التأويل(دراسات تحليلية نقدية في النظريات الغربية الحديثة)، دار العربية للعلوم ناشرون، الجزائر، 2007، ص97.
[5] – التمشّي المميز للذات عند هوسرل، ويعدُّ أن الأنا الترانسندنتالي هو أساس كل معرفة
[6] – فيلسوف ألماني ومؤسس الظاهرات.
[7] – غيرو بيير، الأسلوبية؛ ترجمة، منذر عياشي، دار النماء الحضاري، حلب، 1994.
[8] – من كتب اليلسوف الفرنسي بول ريكور المهمّة و الذي لا غنى له لفهم الاستعارة التي هي الوسائل الابتكارية المهمّة في اللغة.
[9] – فيلسوف فرنسي وعالم إنسانيات معاصر، وواحد من ممثلي التيار التأويلي.
[10] – ريكور بول، الاستعارة الحية؛ ترجمة، محمد الولي، دار الكتاب الجديد، بيروت، 2016، ط1.
[11] -شاعر وناقد ومفكر وأكاديمي سوري.
[12] -نظرية الحداثة الشعرية عند أدونيس بين الثابت والمتحول، وبين صدمة الحداثة والأصل
[13] -غيرو بيير، الأسلوبية، ص 11.
[14] -غيرو بيير، الأسلوبية، ص 53.
[15] – م. ن
[16] – لغوي سويسري، اشتهر بتدريس النحو المقارن واللسانيات، وكان واحدًا من أبرز تلاميذ فريديناند دي سوسور.
[17] – غيرو بيير، الأسلوبية، ص 65.
[18] – ريكور بول، من النص إلى الفعل؛ ترجمة، محمد برادةـحسان بورقية، عين اللدراسات والبحوث، مصر، ط1، ص220.
[19] – سبيغلبيرغ هيربيرت، الحركة الفينومينولوجية؛ ترجمة، خنجر حمية، دار المعارف الحكمية، بيروت، 2022، ط1، ص133.
[20] – ما هو مشاع أو في متناول الجميع.
[21] – م.ن، ص 135
[22] – درويش محمود، أثر الفراشة، رياض الريس للنشر، بيروت، 2007.
[23] – م.ن، ص 174
[24] – م.ن
[25] – م. ن، ص 175.
[26] – م.ن
[27] – ريكور بول، الاستعارة الحية، ص 152
[28] – درويش محمود، أثر الفراشة، ص 176.