عنوان البحث: مضيق هرمز بين الجغرافيا والقانون والسياسة
اسم الكاتب: فاتن مصطفى
تاريخ النشر: 19/03/2025
اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية
عدد المجلة: 36
تحميل البحث بصيغة PDFمضيق هرمز بين الجغرافيا والقانون والسياسة
Strait of Hormuz between geography, law and politics
Faten Mostafa فاتن مصطفى([1])
Supervised: Dr. Mustafa Al-Shamiya إشراف: أ. د. مصطفى الشّاميّة([2])
تاريخ الإرسال:20-1-2025 تاريخ القبول:11-2-2025
ملخص الدّراسة turnit in:19%
تبحث الدّراسة في التّصنيف الجغرافي والقانوني للمضيق البحري، وتحاول فهم الارتباط بين الموقع الجغرافي لمضيق هرمز وتأثيره المباشر على العلاقات الدّوليّة، وكيف أصبح الموقع الاستراتيجي لهذا المضيق محل تجاذب القوى الإقليميّة والدّوليّة.
يُعدُّ مضيق هرمز من الممرات البحريّة المهمّة في العالم، وقد كان ومازال شريانًا حيويًا واستراتيجيًا يسهم في تطوير التّجارة العالميّة، وما زاد من أهمّية المضيق اكتشاف النّفط في الدّول المجاورة له، إذ يمر عبره نحو 40% من شحنات النّفط العالميّة المنقولة بحرًا.
من منظور الجغرافيّة السياسيّة، يكتسب المضيق أهميته بحكم موقعه المهم الذي يربط بين الخليج العربي وخليج عُمان، فيشكل عنق الزجاجة في مدخل الخليج العربي، وهو المنفذ الوحيد لبعض الدّول المطلة عليه. لذلك يحتل أهمّية في اقتصاديات الدّول المنتجة والمستهلكة للطّاقة التي تمر عبره، ويشكل ورقة ضغط في السياسة كما في الاقتصاد.
الكلمات المفتاحيّة: المضيق البحري، الموقع الجغرافي، العلاقات الدّوليّة، مضيق هرمز.
Résumé
Notre étude examine la classification juridique du détroit, tente de comprendre la corrélation entre la situation géographique du détroit d’Ormuz et son impact direct sur les relations internationales, et comment la situation stratégique de ce détroit est devenue l’attraction des puissances régionales et internationales.
Le détroit d’Ormuz est l’une des voies maritimes les plus importantes au monde et a été et continue d’être un corridor commercial stratégique contribuant au développement du commerce international. La découverte de pétrole dans les pays voisins a rendu plus important le détroit. En effet, environ 40% des cargaisons mondiales de pétrole transportées par voie maritime passent par le Détroit.
D’un point de vue géopolitique, le détroit est important en raison de son emplacement important reliant le golfe Persique au golfe d’Oman, constituant le goulet d’étranglement à l’entrée du golfe Persique. Le détroit est le seul débouché pour certains de ses États voisins. Par conséquent, il joue un rôle important dans les économies des États producteurs et consommateurs d’énergie qui le traversent et constitue aussi un moyen de pression politique et économique.
Mots clés : Le Detroit maritime, la zone géographique, les relations internationales, le détroit d’Hormuz.
المقدمة: أصبحت منطقة الخليج في أعقاب الحرب العالميّة الثانية، “قلب النّفط على كوكب الأرض”، في الاحتياطيات وإنتاج النّفط والغاز. لذلك يٌعد مضيق هرمز شريانًا حيويًا لتصدير المواد النفطية والغاز الطبيعي من مجموعة دول تتصدر قائمة الدول المتجة عالميًا ( المملكة العربيّة السّعوديّة، الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، الجمهوريّة العراقيّة، دولة الإمارات العربيّة المتحدة، الكويت).
الثورة النفطية التي حصلت في الدّول المحيطة بالمضيق، زاد من أهميته الاستراتيجيّة، إذ تسيطر هذه الدّول على احتياطي نفطي كبير يٌقدر ب730 مليار برميل، ويمر عبره نحو 40% من شحنات النّفط العالميّة المنقولة بحرًا (أكثر من 17 مليون برميل يوميًا)، وهو ما يشكل نحو 90% من النّفط الخام الذي تصدره دول الشرق الأوسط، فضلًا عن 2 مليون برميل من المنتجات النّفطيّة المصفاة تمر عبر هذا المضيق([1]).
من منظور الجغرافية السياسية، يكتسب المضيق أهميته بحكم موقعه المميز الذي يربط بين الخليج العربي وخليج عُمان، فيشكل عنق الزّجاجة في مدخل الخليج العربي، وهو المنفذ الوحيد للدول العربيّة المطلة على الخليج العربي باستثناء المملكة العربيّة السّعودية ودولة الإمارات وسلطنة عُمان. إنطلاقًا من هذه الأهمية الجغرافيّة يحتل المضيق حيزًا مهمًا في إطار العلاقات الدّوليّة، من ناحية تأثيره المباشر في اقتصاديات دول عديدة إذا لم نقل أنّه ذو تأثير اقتصادي عالمي.
من هنا يمكن طرح الإشكاليّة التي تتعلق بها هذه الدّراسة على الشكل الآتي: ما أهمّيّة الموقع الجغرافي للمضائق في تحديد مسار العلاقات الدّوليّة، لا سيما مضيق هرمز، وكيف يمكن أن تكون ورقة ضغط تستخدم في السياسة للتأثير في اقتصاديات الدّول؟
تبنى هذه الدّراسة على فرضيّة مفادها أنّ الأهمية الجيواستراتيجي لمضيق هرمز دفعت إيران إلى توظيف هذا المضيق الذي يُعدُّ المنفذ البحري الرئيس لبعض الدّول، من أجل تحقيق أهداف استراتيجيّة ومواجهة سياسات التّهديد والعقوبات المفروضة عليها من الغرب.
سنبحث في هذه الدّراسة في المكانة التي تحظى بها المضائق في الجغرافيا السياسية، وتعريفاتها الجغرافيّة والقانونيّة بشكل عام، ثمّ نتطرق للوضع القانوني لمضيق هرمز بشكل خاص، أحكام الملاحة فيه، أهميته الجيوبوليتيكيّة على صعيد الإقليم والعالم.
تنقسم الدّراسة إلى محورين:
الأول بعنوان: المضائق والقنوات الدّوليّة الكبرى في الجغرافيا السياسية للبحار والمحيطات.
الثاني بعنوان: أهمّية مضيق هرمز في العلاقات الدّوليّة.
المحور الأول: المضائق والقنوات الدّوليّة الكبرى في الجغرافيا السياسية للبحار والمحيطات
يعتمد الاقتصاد العالمي بشكل رئيس على التّجارة البحريّة، المنظمة وفاقًا للطرق التي تربط أحواض الإنتاج بمراكز الاستهلاك. تملك هذه الطرق ” كعب أخيل” لكونها تتحدد عبر عدد محدود من نقاط المرور الإلزاميّة أو الرؤوس والقنوات والمضائق التي تحدد مسارها. هذه النقاط الرئيسة للعبور تشهد حالة من عدم الاستقرار، والتّوترات الجيوسياسيّة التي تؤدي إلى تعطيل مسار الاقتصاد البحري وإلحاق الأضرار الكبيرة بالنّظام التّجاري البحري العالمي.
في الوقت الذي تغطي فيه البحار والمحيطات 73% من سطح الكرة الأرضيّة، فإنّ الملاحة المدنيّة والعسكريّة مقيدة بسلسلة من المضائق والقنوات الدّوليّة الرئيسة التي تحدد الطرق البحريّة الرئيسة: هي نقاط عبور إلزاميّة (P.P.O) ( points de passage oblige). لذلك فإنّ مراقبة أمنها وأدائها السليم تمثل قضايا جغرافية –اقتصاديّة وجيوسياسية وجيواستراتيجية مهمة، كونها تشكل نقاط اختناق محتملة(chok points). هذه الأهمّيّة للممرات البحريّة بالنسبة إلى القوى الكبرى هي ذاتها بالنسبة إلى الدول المشاطئة لها والتي تُعدُّ داعمًا رئيسًا لاقتصادياتها كما تمس بأمنها القومي بشكل مباشر.
أولًا: المضائق والقنوات البحريّة في الإطارين الجغرافي والقانوني
إذا كان هناك ما مجموعه 150 إلى 180 مضيقًا وممرًا بحريًا يستحق الاهتمام، فإنّ النّظام العالمي لديه حوالي ثلاثين موقعًا رئيسًا، بما في ذلك 12 نقطة اختناق عالميّة. إنّ أزمة المياه التي تحدّ من عبور قناة بنما أو تشبع مضيق مالقا أو الأزمات الجيوسياسيّة التي تؤثر على مضيق باب المندب، أو هرمز أو تايوان كلها تضع التّجارة الدّوليّة، والاقتصاد الدّولي في مواجهة توترات قويّة في تأثيراتها المباشرة في تغيير نمط التّجارة البحريّة العالميّة.
يتميز المضيق بخاصيتين مختلفتين ولكن متكاملتين من الناحية الجغرافية: في النّهج البحري، يُعد المضيق مدخلًا ضيقًا إلى حدّ ما بين الساحلين المتاخمين له، يربط بين مسطحين مائيين، بالنسبة إلى الملاحة هو ممر مادي يضمن استمراريتها بين حوضين. قد تأخذ هذه الأماكن عدة تسميات، مضيق ( هرمز، باب المندب)، قناة ( السويس، بنما)، سد، عنق الزّجاجة ([2])…
وعند الاقتراب من الأرض، يُعد المضيق النقطة الأكثر قربًا بين جزأين من اليابسة أو الجزيرة أو بين قارتين تفصلهما المياه. هنا يجب التمييز بين المضائق الوطنيّة التي تقع داخل المياه الإقليميّة لدولة ما ( مضيقا البوسفور والدردنيل) والمضائق الدّوليّة التي تشكل الحدود الفاصلة بين دولتين مشاطئتين ( جبل طارق، هرمز، باب المندب).
في الإطارين البحري والبري، لتعريف المضيق، يُعد مكانًا ذا أهمية كبيرة لأنّه يعمل كواجهة بحرية وبريّة، ما يسمح له باستقطاب الأنشطة المتنوعة محليًا ودوليًا. هذه الأهميّة الاستراتيجيّة –التي تتفاوت بين مضيق وآخر- تجعله مسرحًا تتبلور فيه طموحات القوى المتنافسة للهيمنة والسّيطرة.
تظهر العناصر الأساسية للقانون العام المطبق على الممرات البحريّة في القرار الذي أصدرته محكمة العدل الدّوليّة العام 1949 ( قضية مضيق كورفو)، وفاقًا للمحكمة “من المقبول بشكل عام ومنسجم مع العرف الدّولي، أنّ الدّول في حالة السّلم تستطيع سفنها عبور الممرات البحريّة التي تستخدم لأغراض الملاحة الدّوليّة، تحت عنوان “المرور الآمن”، الذي لا يلحق الضرر بأمن البلد المتاخم وإستقراره. هذا الحقّ معترف به بشكل أكبر للسفن التجاريّة.
يعتمد هذا التعريف للمضائق على المعيار الجغرافي ومعيار المرور. وفاقًا لهذه الصيغة فقط الممرات البحريّة التي تربط بين جزأين من أعالي البحار تخضع لمبدأ المرور البريء. ثمّ أضافت اتفاقيّة جنيف عام 1958 عنصرًا ثانيًا لهذا المعيار، وهو أنّه ليس فقط الممرات البحريّة التي ينطبق عليها وصف محكمة العدل الدّوليّة تخضع لنظام المرور البريء، ولكن أيضًا تلك التي تربط أعالي البحار بالبحر الإقليمي لدولة ساحليّة.
وفاقًا للمحكمة فإنّ القوات والمضائق التي تدخل ضمن فئة الطرق البحريّة الدّوليّة الخاضعة لمبدأ المرور الآمن، يجب أن تستوفي شرطًا آخر، وهو أن تكون مستخدمة لأغراض الملاحة الدّوليّة وهذا ما يشير إلى المعيار الوظيفي للمضيق. يحاول هذا مبدأ التوفيق بين طموحات المجتمع الدّولي، وتطلعات الدّول المشاطئة للممرات البحريّة الدّوليّة. فهو يؤمن سلامة حركة الناقلات البحرية، ويسهل حركة التّجارة الدّوليّة، وفي الوقت نفسه هو قادر على حماية أمن الدّول السّاحليّة وسيادتها.
وإذا كان العالم يحوي مئات المضائق، فإنّ توزيعها على سطح الأرض لا يفسح المجال أمام عديد من الدّول للاستفادة منها، بسبب الديناميكيات الجيولوجيّة والتكتونيّة والمورفولوجيّة والمناخيّة وغيرها… مثلًا أرخبيل القطب الشّمالي الكندي يحتوي على العديد من المضائق لكنه لا يُستفاد منه بسبب المناخ وكثرة الجليد فيه.
لذلك فإنّ مجموعة المضائق الموجودة عالميًا لا تقدم القيمة الجيوسياسيّة والاستراتيجيّة أو الجغرافيّة الاقتصاديّة نفسها للمجتمعات البشريّة. من هنا يُسلَّط الضوء عالميًا على إثنتي عشرة نقطة عبور إلزاميّة لتحديد مسار الطرق البحريّة. وغالبًا ما تُختَار هذه النقاط بوصفها أقصر الطرق بين ميناءين بهدف تقليل المسافات وأوقات العبور وتكاليف النقل. ولكن هذه النقاط قد تعترضها عقبات أثناء الملاحة : الرؤوس والأرخبيل والمياه الضحلة… كما أنّ الاعتبارات الجيوسياسيّة والجغرافيّة والاقتصاديّة لها وقعها بسبب تكثيف سلاسل التوريد المنسوجة وتنويعها من التّقسيم الدّولي للعمل والعولمة([3]).
بحسب التوزيع الجغرافي للأقطاب التي تهيمن على الاقتصاد العالمي والترابط البحري، يمكن التمييز بين إثنتي عشرة نقطة عبور إلزاميّة على المستوى العالمي، تسعة منها مضيق رئيس( ماجلان، جبل طارق، يادو كاليه، أوشيرسوند، البوسفور، باب المندب، هرمز، مالقا وتايوان)، رأس كبير( رأس الرجاء الصالح)، قناتين ( السويس وبنما). ويبقى ستة عشر مضيقًا من الدرجة الثانية ( مضيق بيرينغ، قناة موزمبيق…).
ثانيًا: أنواع المرور المقرر قانونيًا في المضائق
أقرّ الفقه الدّولي بوجوب فتح المضائق أمام الملاحة الدّوليّة، والهدف من ذلك عدم منع السّفن التجاريّة من المرور في المضيق عندما يكون هذا الأخير يصل بين بحرين عالميين. وهذا ما ضمّنه القضاء الدّولي والاتفاقيّات والمؤتمرات الدّوليّة بشأن المضائق وعدم جواز إغلاقها في وجه الملاحة الدّوليّة.
انطلاقًا من هذه الضمانات وجب على الفقه الدّولي التمييز بين نوعين من المرور:
النوع الأول: المرور البريء، وهو نظام يطبّق في المضائق التي تصل البحر الإقليمي لدولة أجنبيّة بالبحر العالي أو المنطقة الاقتصاديّة الخالصة. ويشمل الملاحة عبر البحر الإقليمي لغرض الاجتياز فقط من دون دخول المياه الدّاخليّة أو زيارة ميناء يقع خارج المياه الدّاخليّة أو التّوجه من المياه وإليها إلى ميناء آخر، ويكون المرور متواصلًا وسريعًا مع أماكن الرّسو، والتّوقف إذا كان هنالك ما يستدعي ذلك.
يُعدُّ المرور بريئًا إذا كان لا يضرّ بسلامة الدّولة السّاحليّة أو بأمنها، وقد أُلزمت السّفن كافّة بعدم استخدام القوّة أو التّهديد باستعمالها. كما يُطلب من الدّول السّاحليّة الالتزام بهذا النّظام، وعدم فرض شروط على السّفن الأجنبيّة قد تؤدي إلى حرمانها من حقّ المرور البريء.
–النّوع الثاني: المرور العابر وهو النّظام الذي يُطبّق على المضائق التي تصل بين بحرين عالميين أو منطقتين اقتصاديتين خالصتين. يعني هذا النّوع ممارسة حريّة الملاحة، أو التّحليق لغرض واحد هو العبور المتواصل والسّريع في المضيق. وقد أجازت المادة 38 من اتفاقيّة قانون البحار 1982م أن يُمارس حقّ المرور العابر “الترانزيت” لغرض المرور من دولة مضائقيّة أخرى وإليها مع مراعاة شروط دخول تلك الدّولة([4]).
يطبّق نظام المرور العابر في حال كان المضيق الممر الوحيد، وإلّا يطبّق المرور البريءعلى البحر الإقليمي للمضيق، وحال كون المضيق ممرًا اختياريًا لا يطبق نظام المرور العابر بل نظام المرور البريء.
المحور الثاني: أهمية مضيق هرمز في العلاقات الدّوليّة
يشكّل الموقع الجيوبوليتيكي للمضايق البحريّة دورًا كبيرًا في تحديد العلاقات الدّوليّة، إذ إنّه حجر زاوية في تحديد ملامح أغلب النّزاعات والتّصادمات بين الدّول. فكلما زادت أهمّية المضيق الاستراتيجيّة كلما تصاعدت حدّة النّزاعات حوله. ومع سعي الدّول للسيطرة على المواقع الاستراتيجيّة بدوافع اقتصاديّة، وفي المقابل سعت دول أخرى للحفاظ على مصالحها القوميّة ما شكَّل بيئة للخلافات والصّراعات الدّوليّة حول المضايق، فمعظم الصّراعات القديمة والحديثة، ارتبطت بالأبعاد الجيوبوليتيكيّة للمضايق، وزادت أهميتها في العصر الحديث مع اكتشاف النّفط والغاز الطبيعي في محيطها، هذين الموردين اللذين يشكلان عصب الاقتصاد العالمي.
بهذا تكون المضايق قد دخلت بقوّة في الحسابات الاستراتيجيّة للقوى العالميّة، ما دفعها إلى إيجاد أطر للسيطرة عليها، أو تأمينها وتضاعفت بذلك قيمة المضايق، والممرات البحريّة التي تُعدُّ منافذ مهمّة وأساسيّة في توسيع التّجارة العالميّة وتطويرها. فهي الشّريان الحيوي الذي يضمن نقل وتبادل البضائع بين الدّول. من هنا تكتسب المضايق أهمية سياسيّة كبيرة، فهي تُعد نقطة فصل بين القارات، وتُعدُّ مصدرًا مهمًا للدخل القومي وموردًا كبيرًا للنّقد الأجنبي. وفي المقابل تُعدُّ مسرحًا جغرافيًا للصّراعات والنّزاعات الدّوليّة على مر التاريخ وقد استُخدِمت كسلاح في وجه الخصوم، إذ يؤثر إغلاقها في وجه الملاحة البحريّة، والتّجارة الدّوليّة بشكل مباشر على ارتفاع أسعار السّلع عمومًا وعلى أسعار النّفط خصوصًا، وهو ما يُعدُّ محركًا أساسيًّا في العلاقات الدّوليّة في حالتي السّلم والحرب.
نظرًا لما تشكله المضايق من أهميّة جيوسياسيّة مؤثرة، فقد اهتم المجتمع الدّولي بتقنين المضايق الدّوليّة منذ مطلع القرن السّابع عشر، في ما يتعلق بحقوق الدّول المشاطئة واختصاصاتها، وكذلك تنظيم الاستفادة من البحار في المجالات الملاحيّة والاقتصاديّة والتّجاريّة، عبر عدة اتفاقيّات أهمها اتفاقيّة جنيف 1958 وصولًا إلى إتفاقية البحار 1982. ولا شكّ أنّ الصراع الجيوسياسي في التاريخ المعاصر يزداد يومًا بعد يوم، لكونها الرئة الاقتصاديّة للاقتصاد العالمي. ويُعدُّ مضيق هرمز واحدًا من الممرات البحريّة العالميّة التي يزداد التنافس الإقليمي والدّولي عليها بسبب موقعه الجغرافي الاستراتيجي وأهميته الاقتصاديّة العالميّة.
أولًا: الموقع الجغرافي لمضيق هرمز وأهميته الاستراتيجيّة
- مضيق هرمز عبر التاريخ: ارتبط اسم المضيق تاريخيًا بالجزيرة المطلة عليه، كان يطلق هذا الاسم في السّابق على مدينة في البرّ الإيراني بالقرب من خورمينات، وتقع الجزيرة التي كانت في الأصل موقعًا لمدينة هرمز القديمة على بعد 11 ميلًا من جنوب شرق مدينة بندر عباس، وأربعة أميال إلى الجنوب من البرّ الإيراني، وتبعد من خورفكان حوالي 19 ميلًا إلى الشّرق من الجزيرة التي بناها أردشير أحد ملوك الفرس الساسانيين، ومع أنّ أهالي هذه المدينة قد هجروها العام 1315م بسبب غزو المغول لها، فإنّ حاكمها جيرون أو زورون نقل مقرّه إلى الجزيرة المقابلة لها والتي أصبح اسمها منذ القرن التّاسع ميلادي أورمنر ( هرمز)، وتُعزى أسباب نقله إلى الجزيرة لأسباب دفاعيّة. حكم العرب مدينة هرمز منذ العام 1262م، ولم تكتسب الجزيرة أهميتها في العصر الحديث فقط، بل إنّ أهميتها التّجارية ضاربة في التاريخ، فقد كانت مدينة تُعدُّ من أغنى مدن العالم، إذ عُرفت بحياة الترف التي عاشها سكانها، وكان يباع في أسواقها الحرير النّفيس، والجواهر واللآلىء والكهرمان والملابس الموشاة بالذهب والفضة([5]).
يستمد المضيق زخمه التاريخي منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، بتعاقب سيطرة حضارات عديدة عليه، استفادت منه بوصفه معبرًا لقوافل سفنها التّجاريّة والحربيّة، كالحضارة السّومريّة والبابليّة والفارسيّة والإغريقيّة والفينيقيّة.
ظلّ المضيق يؤدي دورًا دوليًا وإقليميًا مهمًا في حركة التّجارة الدّوليّة، في القرن السّادس عشر خضع للاحتلال البرتغالي، ولأهميته بالنسبة إلى البرتغاليين قالوا ” إذا كان العالم كله خاتمًا من ذهب فإنّ هرمز هي جوهرته” حسبما ذكر الكاتب البريطاني أرنولد ويلسون في كتابه ” تاريخ الخليج”.
شهد تاريخ الصراع في ذلك الشّريط الضيق من الماء ما يعرف ب”معركة هرمز” بين عامي 1552م-1554م بين العثمانيين والبرتغاليين. وانتهت بفشل تطلعات السلطنة العثمانية في إحتلال جزيرة هرمز.
في العام 1632م تمكنت بريطانيا وبلاد فارس من طرد البرتغاليين بعدما استوطنوا المنطقة لمدة 119 سنة. عدّت بريطانيا المضيق آنذاك مفترق طرق استراتيجيًا وطريقًا رئيسًا إلى الهند، واحتلت معظم الدّول المجاورة له، ثمّ دخلت في صراع مع الفرنسيين والهولنديين لسنوات طويلة([6]).
أخضعت بريطانيا الملاحة لنظام الانتظار، والراحة من دون فرض شروط على السّفر لمرورها السّريع. ثمّ جاءت مرحلة العثور على آبار النفط والتنقيب لتعطي هذا الممر المائي دورًا بوصفه معبرًا حيويًا يمر عبره النّفط بإتجاه النّفط.
عقدت بريطانيا عدة اتفاقيّات مع القبائل في منطقة الخليج العربي، بغرض تأمين حركة المرور عبر مياه المضيق بسلام ومنع أعمال القرصنة من العام 1820م حتى 1970م([7]).
تعتبر الجزر القريبة من مضيق هرمز، والتي يطلق عليها “جزر هرمز”، ذات موقع استراتيجي يمكّنها من أن تكون مركزًا للمراقبة مهمًا لسواحل الخليج العربي، إذ تطل على دول الإمارات وقطر والبحرين والسّعودية والكويت والعراق وإيران.
من هنا يمكن القول إنّ السيطرة على هذه الجزر تمنح القدرة للطرف المسيطر على التّحكم بحركة الإمدادات النّفطية. وإيران هي الطرف الأقوى في هذا المجال.
ب-الميزات الجغرافية لمضيق هرمز: يربط مضيق هرمز الخليج العربي ( وهو بحر شبه مغلق) بخليج عُمان ( وهو بحر مفتوح) وكلاهما يشكل لسانًا بحريًا متصلًا بالمحيط الهندي، وينتهي ساحل المضيق الجنوبي عند عُمان بينما تطل إيران على ساحله الشّمالي والشّمالي الشرقي، ويحد المضيق من جهة الخليج العربي خط يمتد من رأس الشّيخ مسعود على السّاحل الغربي من شبه جزيرة مسندم، باتجاه الشمال حتى جزيرة ونجام جنوب الساحل الإيراني وحدّه، ومن جهة خليج عُمان خط يمتد من رأس دبا على الجانب الشرقي لشبه جزيرة مسندم حتى دماغة باكخ على السّاحل الإيراني، ويبلغ طول الخط الممتد من رأس دماغة باكخ 52,5 ميلًا بحريًا. ويمثل الخط الحدّ الشّمالي لخليج عُمان ومدخل المضيق الجنوبي المفتوح على البحر، وهو أقصى عرض له، ويضيق المضيق إلى عرض 20,5 ميلًا بحريًا ما بين جزيرة لارك في الجانب الإيراني وقوين الكبرى ( سلامة وبناتها) على السّاحل العُماني، وهو أدنى اتساع له. يبلغ طول المضيق عند خط الوسط 104 أميال بحريّة، وتشكل سلسلة رؤوس الجبال ورأس مسندم معها امتدادًا لسلسلة جبال الحجر الشّرقي حاجزًا ما بين خليج عُمان شرقًا والخليج العربي غربًا. ويمتد الخليج العربي الذي يقع المضيق عند مدخله من جهة عُمان ليصل عرضه 50 ميلًا من رأس مسندم حتى مدخل شطّ العرب، أمّا عرض الخليج العربي فيبلغ عند رأسه 140 ميلًا، وعند مضيق هرمز يبلغ نحو خمسة أميال، أمّا أقصى اتساع له فيبلغ نحو 200 ميلًا، ويبلغ طول السّواحل التي تطل على الخليج 200 ميلًا ويتراوح أقصى عمق للخليج ما بين 240-300 قدم، بينما يبلغ عمقه قرب جزيرة مسندم 48 قدمًا. ويكون الخليج عميقًا قرب الجانب الإيراني، ولكن بالنسبة إلى مضيق هرمز فإنّ العمق في الجانب العربي أكثر منه في الجانب الإيراني([8]).
تنتشر حول المضيق مجموعة من الجزر وفي الخليج العربي ظهرت أهميتها الاستراتيجيّة، والسياسية عبر التاريخ وظهرت أهميتها الاقتصاديّة بنتيجة اكتشاف النّفط في الخليج العربي.
ج- الأهمية الاستراتيجيّة لمضيق هرمز عالميًا: ازداد الثقل الإستراتيجي لمضيق هرمز مع مرور الوقت، لا سيما بعد تحوّل المناطق المجاورة له إلى خزان نفطي لفت أنظار العالم، ( إيران والجزيرة العربيّة). وجوهر أهميته الاقتصاديّة تكمن في كونه ممرًا ضروريًا لتجارة النّفط والغاز العالميّة. لذلك يعرّف على أنّه “العنق الرئيس للعالم” و” نقطة الاختناق” التي تأتي في مقدمة ثماني نقاط رئيسة في العالم، تُعد معبرًا لنحو 40 مليون برميل من النّفط يوميًا([9]).
يُعدُّ المضيق ذو أهمية خاصة بالنسبة إلى القوى العالمية المستهلكة للنفط لضرورات صناعية( روسيا، اليابان، الصين…)، إذ يُعدُّ ممرًا دوليًا للنفط يربط منطقة تمتلك أكبر إنتاج للنفط في العالم في الأسواق العالميّة وأكبر احتياطي له، إذ أصبح المضيق منفذًا لمرور ناقلات النّفط إلى أرجاء المعمورة. لذلك فإنّ مصالح العديد من دول وعلى اختلاف أحجامها وأوزانها الدّوليّة، ونظمها السياسيّة ومواقعها الجغرافية ومستوياتها الاقتصادية، ترتبط بهذه النقطة الاستراتيجيّة التي تربط الخليج العربي بالمحيط الهندي على الرّغم من التباين في المصالح المرتبطة بهذا المضيق، إلّا أنّها توصف أنّها حيوية ومهمة.
ازدادت أهمية المضيق مع الحرب الروسية-الأوكرانية العام 2022، بعد تحوّل الدّول الأوروبية باتجاه الدّول العربيّة المنتجة للنفط للتعويض عن النّقص الحاصل في استيراد الغاز الروسي.
هذا المضيق هو قفل طبيعي، يكسر عزلة المنطقة التي أصبحت تدريجيًّا ضروريّة للتشغيل السّليم للاقتصاد العالمي من خلال توريد المواد الهيدروكربونيّة. يضمن المضيق الاتصال بين مناطق الاستخراج والإنتاج ومراكز الاستهلاك، لذلك فهو يفتح الفضاء الفارسي على العالم الآسيوي عبر بحر العرب ثم المحيط الهندي، ومن ناحية أخرى إلى أوروبا أو حتى إلى القارة الأمريكيّة عبر البحر الأبيض المتوسط التي يمكن الوصول إليها عبر قناة السويس. ويُعدُّ المضيق شريانًا حيويًا لتصدير الهيدروكربونات من خمسة من أكبر المنتجين في العالم ( المملكة العربيّة السّعوديّة، الجمهورية الإسلاميّة في إيران، الإمارات المتحدة، الكويت، العراق).
تعد منطقة الخليج الفارسي خزانًا طبيعيًا وغنيًا بالمواد الهيدروكربونيّة التي لم يُكتشف منها إلّا النّسبة القليلة ، فوفاقًا لمنظمة الدّول المصدرة للنفط (أوبك)، فإنّ ثلثي الاحتياطات المؤكدة من النّفط موجودة في منطقة الشّرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص في الخليج الفارسي.
في العام 2023 مرّ عبر المضيق ما يقارب 20,5 مليون برميل يوميًا في المتوسط من النّفط الخام والمكثفات والمنتجات النّفطيّة. وتتوقع وكالة الطاقة الدّوليّة أن تزداد أهمية المضيق مع ازدياد حجم الطلب العالمي على النّفط ليصل إلى 121 مليون برميل يوميًا العام 2030. يضاف إلى ذلك حجم التّجارة التي تبلغ تريليون دولار سنويًا، إذ تشير الأرقام إلى عبور ناقلات تزن أكثر من مليارين ونصف المليار طن سنويًا، وتمثل شحنات السّلع الأوليّة مثل الحبوب وخام الحديد والإسمنت 22% وتجارة الحاويات التي تنقل السلع تامة الصنع إلى دول الخليج نحو 20%([10]).
بالنسبة إلى الدّول المطلّة على الخليج العربي مثل العراق والكويت والبحرين وقطر، يُعد المضيق المنفذ البحري الوحيد الذي تعتمد عليه كليًا في التّصدير والاستيراد، في ما يعد المنفذ الرئيس لكل من السّعودية والإمارات وإيران، لكنّها تمتلك منافذ أخرى تتفاوت في أهميتها لكل دولة.
أمّا عُمان فلا تعتمد على المضيق بشكل رئيس بوصف أنّ لها واجهة بحريّة طويلة على خليج عمان بحر العرب في الجنوب. ويذهب 80% من الذّهب الأسود المنتج في دول الخليج العربيّة عبر المضيق، إلى الدّول الآسيوية، في ما ينقل الباقي إلى دول أوروبا وأميركا الشّماليّة.
د-أحكام الملاحة في مضيق هرمز: لم تخضع الملاحة في مضيق هرمز يومًا لأحكام اتفاقيّة دوليّة أو إقليميّة، إنّما ظلت يحكمها نظام المرور العابر ( transit) الذي لا يخضع السّفن لأي شروط طالما كان مرورها عابرًا وسريعًا ومتواصلًا، ولا يشكل تهديدًا لامن الدّول المشاطئة للمضيق.
تدخل مياه المضيق في نطاق المياه الإقليميّة لكل من إيران وعمان، بوصفه يفصل بين إقليم الدّولتين. وتمارس كلا الدّولتين سيادتها على إقليميها. يصنّف مضيق هرمز من بين المضائق التي تربط بين بحرين عامين ( بحر عمان والمحيط الهندي)، ويربط بين خليجين ( الخليج الفارسي والخليج العماني).
ونظرًا لكون مياه الخليج العربي تعد بحرًا شبه مغلق، فهو يشكل المنفذ الوحيد لعدد من الدّول ( العراق، الكويت، قطر، البحرين) التي تُعد أكثر ارتباطًا بالمضيق مقارنة بغيرها مثل إيران والسّعوديّة والإمارات كونها تملك منافذ بحرية خارج مياه الخليج. لذلك فإنّ صلتها بالعالم الخارجي لا تحصل إلّا عبر مضيق هرمز. خُصص لهذا المضيق ممران ذهابًا وإيابًا للملاحة حسب مواصفاته الهيدروغرافية المحددة للمضائق وفق المنظمة الدّوليّة للملاحة البحريّة([11]).
يتراوح اتساع المضيق ما بين 20 و32 ميلًا بحريًا لذلك فهو يقع ضمن المياه الإقليميّة لإيران وعمان، كما أنّه يربط بين جزأين من البحار العاليّة، وهو يخضع لمرور الملاحة الدّوليّة، أي المرور العابر من دون أخذ إجازة مسبقة من الدّولتين الساحليتين. إلّا أنّ إيران وعمان تتمسكان بسريان نظام المرور البريء الذي يضمن لهما السّيطرة على المضيق، بهدف حماية أمنهما من المخاطر التي قد تنتج بسبب المرور العابر. في المقابل تتمسك الدّول الخليجية بحقّ المرور العابر الذي أقرته المادة (38) من اتفاقيّة الأمم المتحدة لقانون البحار 1982م. فتترك الحريّة لمرور السفن التّجاريّة أو الحربيّة من دون إعاقة أو توقف.
ومع زيادة التّصعيد الأميركي ضد إيران (الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات على إيران عبر مجلس الأمن)، تزايدت وتيرة التهديدات الإيرانيّة بإغلاق المضيق في حال تعرض أي من منشآتها النووية لضربات عسكريّة أمريكيّة، وللضغط على الولايات المتحدة لسحب العقوبات الاقتصاديّة والسياسيّة التي أنهكت الاقتصاد الإيراني.
ثانيًا: مضيق هرمز بؤرة توتر جيوسياسي: تُعد الممرات المائيّة العالميّة ضرورة حتميّة للتجارة العالميّة، إذ يضيف كل مضيق أو قناة قيمة اقتصاديّة وماليّة واستراتيجية فريدة، وتتجاوز أهمّية هذه الممرات كونها مجرد نقاط عبور، إذ تمثل بؤر توتر جيوسياسي تعكس التوترات العالميّة الأوسع. لذلك فإنّ استخدام المضيق كورقة ضغط سياسيّة بيد الدّول المشاطئة، والتّهديد بإغلاقه وعرقلة الملاحة البحريّة فيه أمر وارد وواقعي في أحيان كثيرة. مع العلم أنّ لكل مضيق خصوصيته وتأثيراته الخاصة في حال إغلاقه.
- مضيق هرمز منطقة ساخنة: يدخل مضيق هرمز في نطاق الضغط السياسي والاقتصادي من خلال تلميح، أو تصريح الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران بإغلاق المضيق، أو عرقلة الملاحة فيه لا سيما بعد إصدار مجلس الأمن رزمة من العقوبات الاقتصاديّة عليها بغير وجه حق.
يُعد المضيق نقطة إشتعال رئيسة، ففي كثير من الأحيان كان موقعًا للصراع وحور التّهديدات بالإغلاق من قبل الدّول المجاورة. ويطلق عليه البعض ” برميل البارود الأزلي”.
تمنح الجغرافية المتوازنة لمضيق هرمز قوة سياسيّة واقتصاديّة للفاعلين. وهو الممر الوحيد الفعّال في المنطقة لنقل النّفط إلى السّوق العالميّة. لذلك فإنّ أي تعطيل لحركة النّفط عبر المضيق سوف يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشّحن العالميّة وتعطيل سلاسل التوريد لعدة أيام. وستتأثر أسعار الطاقة العالميّة بشكل كبير، وسيتضرر كلّ من الدّول المستوردة والمصدرة على حد سواء.
وقد بدا الأمر واضحًا بعد ارتفاع حدة التوتر الإيراني الأميركي، وانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وتهديدها إيران بخفض صادراتها النّفطيّة إلى الصفر (يمر عبر مضيق هرمز إلى الدّول الآسيوية نحو 90% من النّفط ومعظم صادرات الغاز الإيراني).
رفضت الولايات المتحدة الأمريكيّة القيود التي فرضتها كل من إيران وعُمان على المضيق، ما جعل المنطقة في دائرة التوترات الأمنيّة غير المتوقعة آفاقها. فإيران التي تواجه عقوبات اقتصاديّة قاسية من الولايات المتحدة أنّ السيطرة على المضيق أمر حيوي لبقائها.
في مقابل هذا تُعدُّ العلاقات المتوترة بين إيران والمملكة العربيّة السّعوديّة عاملًا إضافيًا لزيادة التوتر وعدم استقرار المنطقة، كلا البلدين يسعيان إلى تعزيز نفوذهما في المنطقة، ويُعدُّ مضيق هرمز نقطة ارتكاز رئيسة في توتر العلاقات بين البلدين.
كما تدور خلافات بين إيران والإمارات العربيّة المتحدة حول الجزر الواقعة بالقرب من مضيق هرمز، مثل جزر أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى والتي تُعدُّ ذات موقع استراتيجي تسمح بمراقبة السفن في مياه الخليج.
بدأ التّهديد الإيراني باستخدام المضيق كورقة سياسيّة ضاغطة، إبان الحرب العراقيّة_ الإيرانيّة في الثمانينات، وكان لهذه التهديدات ردود فعل دوليّة عنيفة عبرت عبّرت عن القلق الدّولي الكبير خوفًا من توقف حركة الملاحة البحريّة في ممر إستراتيجي كمضيق هرمز.
واليوم في ظل التوترات الحاصلة بين إيران، والغرب بشأن الملف النووي وبين إيران والكيان الإسرائيلي بشأن الحرب على غزة ولبنان (2024)، يمكن لمضيق هرمز أن يكون ورقة ضغط مهمّة في لعبة المناورات السياسيّة والنّفطيّة الاستراتيجيّة، ويمكن للأمور أن تتصاعد بسرعة وقد تخرج عن نطاق السيطرة، وفي قلب أي مواجهة محتملة في هذه المنطقة الاستراتيجيّة في العالم، لذلك فإنّ عملية إغلاق المضيق سيكون لها تبعات كبيرة على مسألة تدفق النّفط نحو العالم، ففي حال الإغلاق سوف يجد العالم نفسه “مخنوقًا نفطيًا”، لا سيما الدّول التي لا تملك مخزونًا استراتيجيًا لمدّة طويلة كالصين والهند، واليابان والهند والدّول الأوروبية التي تعاني من أزمة نفطيّة بسبب الحرب الأوكرانيّة في الأساس. وبطبيعة الحال سيؤدي إغلاق المضيق إلى ارتفاع جنوني في أسعار النّفط والغاز بسبب قلّة العرض وزيادة الطلب العالمي. هذه الاضطرابات في سوق النّفط العالمية من دون شك ستؤدي إلى حدوث أزمة عالمية في مجال الطاقة ستكون تداعياتها خطيرة على مستوى الدّول المنتجة والمستهلكة على حد سواء.
ومن الناحية العملية والنّظريّة تكتسب التهديدات الإيرانيّة بإغلاق مضيق هرمز أهمية استراتيجيّة لا لبس فيها، فطرق الشّحن وناقلات النّفط تمرّ بالقرب من الأراضي الإيرانيّة، والجزر التي تسيطر عليها في الخليج وكذلك قواعدها البحريّة الكبرى، وهذا يجعلها في موضع مثالي لإعاقة مرور السّفن في المضيق، لذلك أعطت إيران أولويّة كبرى لتحديث قواتها البحريّة بصورة مستمرة، والتّركيز بشدّة على الأنظمة البحريّة الجديدة وزيادة نشاطاتها التّدريبيّة ومناوراتها العسكريّة، وتحسين موانئها وتقوية دفاعاتها الجويّة.
على أرض الواقع أظهرت المناورات العسكريّة للبحرية الإيرانيّة خلال السنوات الأخيرة، أنّ المنطقة تستعد لحرب بحريّة تعتمد على الكرّ والفر، وهجمات مباشرة ضد السّفن الحربيّة الكبرى وناقلات النّفط والسفن التجارية، وذلك بهدف إعاقة الملاحة البحريّة ومهام القوات الحربيّة البحريّة الأمريكيّة والغربيّة.
من جهتها لا تستهين الإدارة الأمريكيّة، والمخططون الاستراتيجيون في وزارة الدّفاع بمثل هذه التهديدات، ومن المؤكد أنّ تأمين مضيق هرمز ومنع إيران من إغلاقه أو تهديد حركة الملاحة عبره سيكون أحد الأهداف الاستراتيجيّة الأمريكية في المدى القريب.
من دون شك هذه الحرب إن وقعت ستكون عالية التكلفة على الطرفين وعلى الاقتصاد العالمي والإقليمي. وكلا الطرفين يدرك أنّ اتخاذ قرار بإغلاق المضيق ولمدّة طويلة، والانزلاق في مواجهة عسكرية بحرية غير مضمونة النتائج، من شأنها أن تلحق الضرر الكبير بالاقتصاد العالمي والاقتصاد الإيراني، إن من جهة توقع ارتفاع سعر برميل النّفط ارتفاعًا قياسيًا، نتيجة عدم القدرة على مرور ناقلات النّفط من الدّول المنتجة إلى السوق العالمية، وزيادة العرض على الطلب، سيرافق ذلك ارتفاع في أسعار وسائل النقل والمواد الاستهلاكيّة.
أيضًا من المتوقع أن تلجأ شركات النّقل البحري إلى التفتيش عن طرق بديلة ما سيعقبه ارتفاع الكلفة الاقتصادية وارتفاع أسعار التأمين، الأمر الذي سينعكس على أسعار السلع الاستهلاكيّة، والتأخر في وصولها إلى الدّولة المستوردة قد تصل لأشهر. هذا سيشكل ضغوطات كبيرة على قتصاد عالمي مازال يعاني من آثار وباء كورونا وتبعاته، وتعطيل قسم كبير من عمليات الإنتاج وتوقف حركة التّجارة العالميّة في كثير من الأحيان. زد عليه التّبعات السّلبيّة للحروب على حركة التّجارة العالميّة لا سيما الحرب الرّوسيّة-الأوكرانيّة، العدوان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان وردّ اليمنيين بمساندة الشّعب الفلسطيني واللبناني بضرب سفن تجاريّة وحربيّة في محيط مضيق باب المندب.
- إغلاق مضيق هرمز من وجهة نظر القانون الدّولي: مضيق هرمز هو ممر مائي يصل بين جزأين من أعالي البحار، وهما الخليج الفارسي وخليج عُمان، يحدّه دولتا إيران وعُمان وهما دولتان مشاطئتان للمضيق، ويخضع لسيادتهما، بوصف أن مياه مضيق هرمز هي مياه إقليميّة لكلتا الدّولتين.
وفي ظل غياب اتفاقيات خاصة تخضع لها الملاحة في المضيق، فإنّه ظل خاضعًا لقواعد العرف الدّولي. ووفاقًا لأحكام اتفاقيّة جنيف العام 1958 الخاصة بالبحر الإقليمي والمنطقة المتاخمة، فقد أقرّ حقّ المرور البريء والآمن للسفن ( مرور من دون توقف). ومع إقرار اتفاقيّة قانون البحار العام 1982 تطور مفهوم المرور في المضايق ليصبح مرورًا عابرًا له ضوابطه وشروطه الخاصة.
يحكم حركة الملاحة في مضيق هرمز حالتان:”المرور الآمن” و”المرور العابر”، ومن المعروف أنّ إيران وقعت على اتفاقيّة قانون البحار ولم تصدق عليها في برلمانها، لذلك فإنّ القانون السّاري في مضيق هرمز بالنسبة إليها هو حقّ “العبور الآمن”، بموجب اتفاقيّة 1958 للبحار التي وافقت عليها. وبالاستناد إلى بنود هذه الاتفاقيّة يمكن لإيران أن تفرض شروطها، وقوانينها التي أقرتها العام 1935 على السفن التي تمر في بحرها الإقليمي، وأن تطبق عليها قانون الملاحة الآمن([12]) وعلى السّفن الحربيّة التابعة لدول أخرى إذا أرادت عبور مياهها الإقليميّة أن تحوز على موافقة مسبقة من الدّولة الإيرانيّة، وذلك قبل ثمانية أيام على الأقل هذا في حال السّلم، كما على الغواصات أن تبحر فوق سطح الماء. أمّا إذا كانت البوارج الحربيّة لدولة عدو، فإنّه يطبق عليها قوانين البلاد وإجراءاتها الخاصة في حالة الحرب.
وبناء عليه فإنّ مجرد إحساس إيران بالخطر في مياههها الإقليميّة، يكون من حقّها إتخاذ الإجراءات كافّة التي تصون أمنها وسيادتها، بما فيها تعليق الملاحة في مضيق هرمز الذي يقع ضمن نطاق مياهها الإقليميّة.
- مستقبل منطقة مضيق هرمز: ما لا شك فيه أنّ مضيق هرمز سيظل نقطة ارتكاز استراتيجيّة للاقتصاد العالمي، وأنّ أي إضطراب في حركة النّفط عبر المضيق سيؤثر على الأسواق العالميّة بشكل كبير. ومع استمرار تدهور العلاقات الإيرانية- الأمريكية، سيظل المضيق منقطة ساخنة يمكن أن تؤدي إلى تصعيدات عسكريّة في أي وقت. وفي حال قرر الغرب مهاجمة إيران عسكريًا فإنّ إغلاق مضيق هرمز سيكون الخيار الوحيد المتبقي لدى إيران للحفاظ على بقائها، وأمنها القومي ولكونها لا تملك القوّة العسكريّة التي يملكها الخصم.
على الرغم من التّهديدات المستمرة من الجانب الإيراني بإغلاق المضيق، والتصعيد المتكرر للتوترات لم يغلق مضيق هرمز أبدًا. وتبقى الفرص ضئيلة لإغلاقه كليًا في المستقبل. فإيران تدرك أنّ الاقتصاد الإيراني يعتمد بشكل كبير على الأداء السّلس للمضيق، وأنّ شحن النّفط عبر المضيق يحافظ على التّوازن في الاقتصاد الإيراني. بالإضافة إلى أنّ إغلاق المضيق سيؤثر على اقتصاديات الدّول الصديقة لإيران مثل الصين والهند.
يرى المحللون أنّ الإجراءات التي ستتخذها إيران في هذا المجال، قد تتراوح بين احتجاز السّفن ومهاجمة المنشآت في البحر. هذا الأمر سيؤخر حركة الملاحة في المضيق ما سيزيد من تكلفة تأمين الشّحنات وسيعرقل وصول السّلع والبضائع في الوقت المحدد لها. وكلما زادت نسبة المضايقات الإيرانيّة للسفن المعادية كلما زادت التوقعات بحصول فوضى في المضيق، وخروج الأمور عن السيطرة وإشعال حرب قد تؤثر على العالم بأسره.
خاتمة: أصبح من المسلّم به أنّ الممرات المائيّة تؤدي دورًا حيويًا واستراتيجيًا في بناء الاقتصاد العالمي وتقويته، كونها الشّريان الحيوي للتجارة العالمية، ما يجعلها عصب هذا الاقتصاد من أصغر ممر-قناة بنما- إلى أكبرها، فإنّ كلًا منها يمثل محورًا استراتيجيًا للدول المشاطئة ولدول العالم، كما أنّه محور استراتيجي مهمًا للتجارة الدّوليّة. ومع التغير المناخي واحتدام التوترات الجيوسياسيّة، وارتفاع تكلفة الشّحن أصبحت هذه الممرات موضوعًا مثيرًا للجدل في صلب العلاقات الدّوليّة. وبناءً عليه يمكن إيجاز الاستنتاجات التي توصلت إليها الدّراسة على الشكل الآتي:
-يمكن القول إنّ السيطرة على الممرات المائية الحيويّة تعني السيطرة على حركة التّجارة الدّوليّة، والتّحكم بمصير الاقتصاد العالمي بأسره. هذه الحقيقة تجعل من الممرات المائيّة “مفاتيح التّجارة العالمية” التي لا تقدر بثمن والتي تشكل شريانًا استراتيجيًا لتجارة السلع والموارد الطاقويّة.
-إنّ إغلاق مضيق هرمز بوجه الملاحة الدّوليّة سيكون مكلفًا لأطراف ، وستكون نتائجه سلبيّة على اقتصاديات الدّول المشاطئة والاقتصاد العالمي عمومًا.
-إنّ تصاعد التوترات الجيوسياسيّة في منطقة مضيق هرمز خاصة بين إيران، والكيان الإسرائيلي ستؤثر بشكل كبير على صادرات النّفط، لأنّ أي إضطراب في مضيق هرمز سيؤدي إلى صدمات في أسعار النّفط العالمية، ما سيؤثر على اقتصاديات الدّول المعتمدة على استيراد النّفط وسيؤثر على التّجارة الدّوليّة للسلع كافّة بشكل عام.
من التوصيات المهمّة التي يؤكدها المحللون الاقتصاديون، ضرورة الحفاظ على أمن هذه الممرات واستقرارها بوصفها مسؤوليّة دولية مشتركة. الأمر الذي يتطلب تعاونًا متعدد الأطراف واتباع نهجٍ استراتيجيٍ يضمن عدم تحولها إلى بؤر جديدة للصراع. واللجوء إلى حلول عادلة لإنهاء الصّراعات التي قد تستخدم فيها المضائق والبحار كورقة ضغط في السياسة لضرب اقتصاديات الدّول.
الهوامش
PhD Student, Islamic University-Beirut-Lebanon, Faculty of Law-Department of International Relations.
Email: mostafafaten165@gmail.com
- محاضر في الجامعة اللبنانيّة ( كلية الحقوق والعلوم السياسيّة، كلية الآداب)، محاضر في الكلية الحربيّة ( وزارة الدفاع الوطني اللبناني)، مشرف علىأبحاث الماجستير والدكتوراة في الجامعة اللبنانيّة والجامعة العربيّة في بيروت والجامعة الإسلاميّة في لبنان.
Lecturer at the Lebanese University (Faculty of Law and Political Science, Faculty of Arts), Lecturer at the Military College (Lebanese Ministry of National Defense), Supervisor of – Master’s and PhD research at the Lebanese University, the Arab University in Beirut, and the Islamic University in Lebanon .Email: mostafa.alshamieh@ul.edu.lb
[1] – International Energy Agency ، Oil Market Report, 11 August 2020
[2] -Les grands détroits et canaux internationaux dans la géopolitique des mers et océans, un système très hiérarchisé sous tensions multiformes, https://geoconfluences.ens-lyon.fr/informations-scientifiques/dossiers-thematiques/oceans-et-mondialisation/articles-scientifiques/passages-strategiques-maritimes-ppo-geopolitique
[3]– Carroué Laurent (2020), Atlas de la mondialisation. Une seule terre, des mondes, Coll Atlas, Autrement, Paris.
[4] لمادة 38 من إتفاقية قانون البحار العام 1982-
[5] -صالح المعايطة، مضيق هرمز بين أهمية الموقع وإحتمالات المواجهة، مجلة درع الوطن، الإمارات، 2014
[6] -مضيق هرمز… العنق الرئيسي للنفط في العالم، على موقع الجزيرة الإلكتروني: -2023https://www.aljazeera.net/encyclopedia
[7] – م. ن
[8] – صالح المعايطة، مضيق هرمز بين أهمية الموقع وإحتمالات المواجهة، مرجع سابق
[9] – مضيق هرمز… العنق الرئيسي للنفط في العالم، موقع الجزيرة، مرجع سابق
[10] – مضيق هرمز… العنق الرئيسي للنفط في العالم، موقع الجزيرة، مرجع سابق.
[11] – محمد بدري عيد، المضايق البحرية بين أحكام القانون الدولي وإشكاليات السلوك السياسي (دراسة حالة: مضيق هرمز)، مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية، جامعة الكويت، 2022، ص 40.
[12] -جاويد منتظران، دراسة الوضع القانوني لإغلاق مضيق هرمز من قبل إيران بموجب القانون الدولي، مركز البيانات للدراسات والتخطيط، العراق، 2018، ص 8.
المصادر والمراجع
- -نعيمة حمد عمران، مضيق هرمز، ضرورة ضمان حرية الملاحة فيه وأهميته للملاحة العربية، جامعة الشارقة، الإمارات العربية، 2008.
- -صالح المعايطة، مضيق هرمز بين أهمية الموقع وإحتمالات المواجهة، مجلة درع الوطن، الإمارات، 2014.
- جاويد منتظران، دراسة الوضع القانوني لإغلاق مضيق هرمز من قبل إيران بموجب القانون الدولي، مركز البيانات للدراسات والتخطيط، العراق، 2018.
- -حسام سويلم، مضيق هرمز في بؤرة الصراع الإيراني- الأميركي، مختارات إيرانية، مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، العدد 82، 2007.
- -محمد بدري عيد، المضايق البحرية بين أحكام القانون الدولي وإشكاليات السلوك السياسي (دراسة حالة: مضيق هرمز)، مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية، جامعة الكويت، 2022.
- – مضيق هرمز… العنق الرئيسي للنفط في العالم، على موقع الجزيرة الإلكتروني: -2023https://www.aljazeera.net/encyclopedia
- -المادة (16) من إتفاقية جنيف 1958.
- -المادة (37) من إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982.
- – المادة 38 من الإتفاقية الثالثة لقانون البحار 1982.
- – المادة 39 من إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.
- -المادة 40 من إتفاقية الأمم المتحدة للبحار 1982.
- – المادة 44 من إتفاقية الأمم المتحدة للبحار 1982.
- International Energy Agency, Oil Market Report, 11 August 2020.
- Jean- paul Burdy, Le détroit d’Ormuz, verrou stratégique du golfe Persique, Cairn, Questions Internationales,n : 99-100,2019
15. Les grands détroits et canaux internationaux dans la géopolitique des mers et océans, un système très hiérarchisé sous tensions multiformes, https://geoconfluences.ens-lyon.fr/informations-scientifiques/dossiers-thematiques/oceans-et-mondialisation/articles-scientifiques/passages-strategiques-maritimes-ppo-geopolitique
- Carroué Laurent (2020), Atlas de la mondialisation. Une seule terre, des mondes, Coll Atlas, Autrement, Paris.