البحث التاريخيّ من التقليد إلى الرقمنة
وسائل البحث في المصادر والوثائق التاريخيّة في الشبكة العنكبوتيّة والعالم الرقميّ
د. زياد منصور*
أوّلًا – الإطار العامّ للبحث
1 – 1 مقدّمة
على عتبة القرن الواحد والعشرين، بدأ المؤرّخون يركّزون جلَّ اهتمامهم على استيلاد وصياغة ما يمكن أن نسمّيه “إنتاج المصادر التاريخيّة الإلكترونيّة”، وبلورة منظومة متكاملة من المصادر العلميّة التي يمكن أن تتحوّل إلى مكتبات شاملة تصل إلى أكبر عدد ممكن من المؤرّخين، والمهتمّين في مجال الأبحاث التاريخيّة، كما في اختصاصات متنوّعة في العلوم الإنسانيّة، هذا التحوّل الكبير فتح أمام العلوم التاريخيّة إمكانيّات جديدة لا حدود لها. ويمكننا اليوم أن نجد في الشبكة العنكبوتيّة مئات الآلاف من المصادر والكتب، وكذا الوثائق التاريخيّة بصورتها الأصليّة، إلى مئات النصوص المصوّرة ضوئيًّا بواسطة الماسح الضوئيّ، الذي مكَّن من الحصول على عدد لا يحصى من الرسومات والصور، التي تمّ تحويلها إلى صور رقميّة تتناسب مع حاسوب بسيط، أو أيّ جهاز خليويّ كوسيلة سهلة لتخزين هذه المصادر داخل الملفّات، واسترجاعها عند الحاجة إليها، ثمّ نسخ المستندات وإعدادها، منها الوثائق النادرة جدًّا عن تاريخ الحضارات القديمة والوسيطة، ومواضيع عن بعثات أنتروبولوجيّة وأركيولوجيّة ومدوّنات ومذكّرات رحّالة، ومجموعات لا حصر لها من الصور النادرة والقيّمة.
من من دون أدنى شكّ فإنّ المؤرّخين الذين يعيشون في عالم تزدهر فيها الثورة الرقميّة، بدا وكأنّه فتحت أمامهم إمكانيّات ومُناخات لا تحدّها حدود، الأمر الذي يفتقده أولئك الذين لا زالت بلدانهم متأخّرة في هذا المجال، والذين لا تزال تقنيّات المعلومات في طورها البدائيّ، أو تعاني من عدم قدرة على مواكبة المتغيّرات السريعة الذي يشهدها هذا الفضاء.
في هذا السياق وكمثال على ذلك، فإنّ إدارة الأرشيف والوثائق الوطنيّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة (NARA)، الذي يضمّ ما يقرب من مئة وعشرين ألف وحدة، تمّ مسحها ضوئيًّا وتحويلها إلى نسخ رقميّة، وتمّ نشرها عبر الإنترنت على موقع (NARA) ليصل إليها كلّ من يرغب في ذلك، وتضمّ هذه الوثائق، والمصادر الممسوحة ضوئيًّا آلاف النصوص، والصور، والخرائط، والجداول المرتبطة بمراحل تاريخيّة عن تاريخ الولايات المتّحدة الأميركيّة، فمن بين الوثائق التي تمّ رقمنتها (معاهدة شراء لويزيانا من فرنسا عام 1803، قانون تحرير مقاطعة كولومبيا 1862، إعلان التحرير 1863، معاهدة شراء جزيرة ألاسكا من روسيا عام 1868، وغيرها).
يمكن القول أنّه حصلت ثورة فعليّة نقلتنا من إطار البحث التاريخيّ التقليديّ: المباشر وغير المباشر، أي من مرحلة الملاحظة المباشرة والدراسات الميدانيّة – الأثريّة، والشهود والسجلاّت، إلى موضوعات باتت تقدّم لنا كلّ شيء بشكل رقميّ عبر المواقع الإلكترونيّة، ومحركات البحث مع وجود مميّزات تمنحها التكنولوجيا من خلال مجموعة من الخِدمات الافتراضيّة، وتوفير الأرشيفات الرقميّة[1]. وفي الوقت نفسه، فإنّ هذا التحوّل نحو العصر الرقميّ بدأ يضع كيف يمكن التحقّق من مصداقيّة المصادر التاريخيّة المنشورة، أي الأصيلة، وتلك الإلكترونيّة، وكيف يمكن التمييز بين الوثيقة الأصيلة والوثيقة الرقميّة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
** أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانيّة – الفرع الثالث – قسم التاريخ. له العديد من المؤلّفات والمقالات المتخصّصة في التاريخ الرّوسيّ.
فلنذهب أبعد منذ ذلك، فإذا قمنا بتنزيل نصّ تاريخيّ من الشبكة، أو من موقع إلكترونيّ، أو ويب معيّن، كيف بالإمكان تنقيح المصدر أو الاقتباس وتثبيته، وكيف هي في الأساس آليّة الاقتباس؟ ذلك أنّ الموقع الذي جرى الاقتباس منه يمكن أن يُزال، أو يُمحى، أو يُتعرّض للحظر، وكيف يمكن أكثر أن نَحُلّ مواضيع متعلّقة بحقّ الملكيّة الفكريّة عند الاستفادة من المصادر المتاحة للعموم، والمنتشرة هنا وهناك في عشرات المواقع الإلكترونيّة، وما هي أحقّيّة المقالة المقتبسة، والمنشورة على الإنترنت ومكانتها وموقعها؟
إنَّ هذه بمجملها أسئلة تحتاج إلى إجابات، وإلى حلول تضع المؤرّخ أمام جملة من المَهَمّات التي لا بدّ من حلّها، الأمر الذي يسعى هذا البحث للإجابة عن بعض منها.
وأبرز هذه التعقيدات هو تقادم المصادر المطبوعة، وفقدانها لقيمتها العلميّة شيئًا فشيئًا، وتعرّضها للتلف، والاهتراء من جهة، ومن جهة أخرى إمكانيّة حصول لبس في مصدرها الأصليّ، ما يعني فقدانها لقيمتها المعرفيّة الوازنة التي تخدم في الأساس أصول البحث العلميّ، وهذا ما يؤدّي تدريجيًّا إلى نسيانها الكلّيّ، وخروجها عن السِّكّة المعرفيّة.
لقد بات من الضروريّ على المؤرّخ أن يتقن أوّلًا سبل الاستخدام المعرفيّ بما توفّره الشبكة الرقميّة، ثانيًا التأكّد من الدقّة، والجودة، والأصالة من خلال معرفة تقنيّات البحث واحترافها وتقنيّات التثبت من أصالة المادّة الإلكترونيّة.
وعلى طريق تأسيس مكتبات وطنيّة رقميّة، فإنّ العمل مع الأرشيف يعدّ مسألة بالغة الدقّة، وتحتاج إلى ترتيبات وإجراءات بما فيها تلك المتعلّقة بأمن الدولة، وحماية مصادرها التاريخيّة، وسرّيّة المعلومات حفاظًا على الاستقلال الوطنيّ في مجال تسريب المعلومات والوثائق ذات الطابع الوطنيّ كجزء من التراث والثروة الوطنيّة، وتحديد سقف السماح للباحث بالوصول إلى كمّ محدّد من المعلومات، بما لا يضرّ بالمصلحة الوطنيّة والسياديّة، إذ إنّه من الضروريّ سنّ قوانين ووضعها، وتشريعات وطنيّة تحدّد مستوى الوصول والولوج إلى هذه المعلومات، والمصادر، الأمر الذي تتّبعه المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة، والأرشيف الوطنيّ في الولايات المتّحدة، والمكتبة الوطنيّة في روسيا.
1 – 2 أهمّيّة البحث ومبرّرات اختيار الموضوع
أشرنا إلى أنّه من بين أكثر المصادر التي تحتاج إلى التدقيق، ومراعاة الدقّة في عمليّة الاقتباس، والاستشهاد هي المصادر التاريخيّة، ولذلك تبقى المخطوطات، والنصوص التاريخيّة المصورة معرّضة للتحريف والتشويه بما يفقدها أهمّيّتها التاريخيّة، ومكانتها كمرجع علميّ موثوق به، بالإضافة إلى الكتب القديمة التي تعدّ مراجع تاريخيّة مُهِمَّة، والتي يعود تاريخ نشرها إلى قرن ونصف من الزمن. وبما أنَّ هذين المصدرين يعدّان من بين أهمّ المصادر في البحث التاريخيّ، فكيف الحال في البحث التاريخيّ الرقميّ الذي يلجأ إليه المؤرّخ خلال كتاباته لأبحاثه ودراساته، حيث من المهمّ هنا الاعتماد على الدقّة المتناهية، خصوصًا في ظلّ وجود مجموعة كبرى من المصادر الإلكترونيّة، أو مصادر الإنترنت سواء المجانيّة منها أم المدفوعة سلفًا بواسطة بطاقات الدفع الإلكترونيّ – الرقميّ، التي تتخصّص في هذا المجال لتأمين المادّة عبر بيعها ونشرها.
من هنا يركّز هذا البحث على أهمّيّة إتقان فنّ التعامل مع وسائل النشر الإلكترونيّ التاريخيّ على شبكة الإنترنت، التي تُتيح للباحث، والدارس، والمؤرّخ، وطالب الدراسات العليا إمكانيّة نشر وإعادة نشر أبحاثه، والولوج إلى المكتبات الإلكترونيّة عبر العالم، والتواصل مع الجمعيّات العلميّة التاريخيّة، والعلماء، والمؤرّخين بواسطة الشبكة العنكبوتيّة، والإسهام في المؤتمرات العلميّة من خلال المشاركة الرقميّة.
من هنا فإنَّ أهمّيّة هذه الدراسة تكمن في مساعدة المؤرّخ على التحقّق من المصادر التاريخيّة الإلكترونيّة في الفضاء الرقميّ الشاسع، وإلقاء الضوء على أهمّيّة الانتقال التدريجيّ نحو البحث الإلكترونيّ التاريخيّ الرقميّ بما يواكب المتغيّرات الحاصلة في العلوم التاريخيّة على مستوى العالم أجمع.
1 – 3 – أهداف البحث
أشرنا إلى أنّ هذا التحوّل يحتاج إلى توفّر الكثير من الظروف والعناصر، ولذلك من بين أهمّ أهداف هذا البحث ما يلي:
أوّلًا: وضع نماذج وأشكال مقترحة ومعتمدة للنشر الإلكترونيّ يراعي المتغيّرات التي تحصل في هذا المجال ويتناسب مع معايير النشر، والبحث، والتقويم لمصادر المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت، بغرض قياس درجة المصداقيّة والدقّة.
ثانيًا: المساهمة في تقديم أفضل المعايير لتحكيم مصادر المعلومات الإلكترونيّة التاريخيّة، ذلك أنّ هذه المعايير التقويميّة يجب أن تعتمد على حقوق وقواعد واضحة، ومنها: حقّ الملكيّة الفكريّة ونُظمها وقواعدها، المسؤوليّة الفكريّة (حقّ التأليف والمؤلّف)،المضمون، الدقّة العالية، تحديث المصادر، طرق الاستشهاد المرجعيّ الرقميّ الدقيق.
ثالثًا: من بين أهمّ أهداف هذا البحث هو كيفيّة الاعتماد على مقياس الجودة العلميّة، ودرجة الوثوق بالمصادر الرقميّة لأغراض كتابة الأبحاث العلميّة التاريخيّة.
1 – 4 إشكاليّة البحث وتساؤلات الدراسة
نرى أنّ الإشكاليّة الأهمّ في هذه الدراسة تكمن في عدم وجود “داتا” للمصادر والمراجع التاريخيّة العربيّة، واضطراره للجوء إلى مصادر، ومواقع، ومحرّكات بحث مشكوك فيها وغير علميّة وعشوائيّة. من هنا يحاول البحث طرح إشكاليّات عدّة منها:
– ما هو مفهوم البحث التاريخيّ الرقميّ، وماذا تعني الشبكات الرقميّة، وقواعد المصادر، ومحرّكات البحث؟
– كيفيّة التفريق بين البحوث التقليديّة، وبين خِدمات المعلومات التاريخيّة الرقميّة التي تقدّم عبر المواقع على شبكة الويب؟
– هل يمتلك الباحث – المؤرّخ المعارف، والمهارات اللازمة الرقميّة التي تمكّنه من العمل في البيئة الرقميّة؟
1 – 5 – فرضيّات البحث
الفرضيّة الأولى: البيئة الرقميّة توفّر إمكانيّة هائلة للباحث في مجال العلوم التاريخيّة، وواجب إتقانها أصبح ضرورة لتطوّر العلوم التاريخيّة بتنوّع تشعّباتها.
الفرضيّة الثانية: المصادر، والوثائق، والمخطوطات المصوّرة تحتفظ بأهمّيّتها العلميّة، والتعامل معها لا يقلّل من أهمّيّها وجودتها ومصداقيّتها.
الفرضيّة الثالثة: تمكّن طرق البحث الرقميّ، والبحث الوثائقيّ داخل البيئة الرقميّة إمكانيّة استرجاع وثائق يحتاجها توفّره الشبكة العنكبوتيّة، الأمر الذي يفترض تهيئة البيئة الرقميّة لتلائم هذا التحوّل في العلوم التاريخيّة.
1 – 6 – منهج الدراسة
اعتمدت الدراسة على المنهج المسحيّ التقريبيّ للعديد من النماذج، والمصادر التاريخيّة المنشورة في المكتبات الرقميّة العربيّة الموجودة على شبكة الإنترنت، ومستوى إعدادها، وسهولة الولوج إلى المعلومات، ومستوى الدقّة والأمانة العلميّة ومنها (مكتبة فلسطين للكتب المصوّرة، مسابقات ومعرفة، الوثائق البريطانيّة، مكتبة أبو العيس الإلكترونيّة، مكتبة التاريخ الحديث والمعاصر، مكتبة التاريخ – لبنان – اليونان – الشرق الأوسط – الوطن العربيّ وغيرها)، كما استخدم الباحث المنهج التحليليّ لما لهذا المنهج من فائدة في رصد خِدمات المعلومات التي تقدّم للباحثين على بعض المواقع المحلية والعربيّة على شبكة الويب ومعرفة مدى تلبيتها لاحتياجات المستفيدين (سوق عكاظ، مكتبة القراء العرب، مدونة مكتبة الياسين، المكتبة التاريخيّة والسياسيّة واحد واثنين…)، وإمكانيّة الاستفادة من تكنولوجيا الويب في إتاحة السجلاّت والملفّات الرقميّة إلى اكبر عدد من المستفيدين.
1 – 7 – الدارسات السابقة والمماثلة
معظم الدراسات العربيّة والأجنبيّة التي عالجت موضوع خِدمات المعلومات الرقميّة على شبكة الويب، لم تعالج بشكل علميّ مسألة البحوث الرقميّة التاريخيّة، وعلاقة المؤرّخ بالشبكة الرقميّة، لذا لا توجد دراسات سابقة مكتملة العناصر وإنّما توجد دراسات عربيّة، وأجنبيّة شبيهة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1) دراسة بعنوان “خِدمات المعلومات في ظلّ البيئة الإلكترونيّة” للباحثة فاتن سعيد مبــــــارك بامفلح (2009) الدار المصريّة اللبنانيّة، تناولت فيه الحديث آليّات تسويق هذه النوعيّة من المعلومات.
2) دراسة حول تقييم جودة المواقع الإلكترونيّة للباحث مصطفى محمّد حسين (2020)، ونشرت في مجلّة تكريت للعلوم الإداريّة، والاقتصاديّة، وعالج فيها مسألة تقدير جودة المعلومات الرقميّة، وتحديد معايير هذه الجودة ومصادر المعلومات.
3) زكي حسن الورديّ: خِدمات المعلومات على الإنترنت ومردوداتها على المكتبات (2003)، أوضحت الدراسة تسهيلات الإنترنت وخِدمات المعلومات على هذه الشبكة ومردوداتها على المكتبات.
4) دراسة عماد أبو الربّ، وليلى رشيد حسن (2006): “نموذج تقييم المواقع الإلكترونيّة”، تطرّق الباحثان إلى قياسات الدقّة، والجودة، والتحديث، والتغطية التي تقدّمها المواقع الإلكترونيّة والمحرّكات البحثيّة.
5) دراسة خيرت روابحيّ: “البحث الوثائقيّ، ولغات التوثيق في البيئة الرقميّة” وهي دراسة أعدّت لنيل شهادة الدكتوراه في علم المكتبات، والتوثيق في جامعة أحمد بن بلّة في وهران، وعالجت إشكاليّة إيجاد المعلومة الوثائقيّة عبر الإنترنت، وأدوات البحث عن الوثائق، وكيفيّة تقييم الوثائق.
6) من الدراسات الأجنبيّة دراسة للباحث الفرنسيّ إيريك غوشار (Éric Guichard) تحت عنوان: “الإنترنت، ونظريّات العلوم الاجتماعيّة، والإنسانيّة، 2014″، ونشرت في مجلّة العلوم الفرنسيّة تحت عنوان: (L’internet et les epistemologies des sciences humans et socials). يستعرض فيها الباحث أهمّيّة العلوم الإنسانيّة في البيئة الرقميّة، كما تتناول العلوم الرقميّة في فرنسا وتطوّرها وثقافة الإنترنت.
انطلاقًا ممّا تقدّم فإنّ البحث الحاليّ تمّ تقسيمه بما يتناسب وهذه الدراسة، فهو يتألّف من مقدّمة تتضمّن فرضيّات وإشكاليّات وأهمّيّة البحث، ودراسة المراجع السابقة، المبحث الأوّل: تحت عنوان: علم التاريخ في البحث الرقميّ؛ المبحث الثاني: تحت عنوان: أنواع الأبحاث الرقميّة؛ المبحث الثالث: تحت عنوان: التوثيق ومعايير جودة المصدر التاريخيّ الرقميّ، ثمّ خاتمة والنتائج التي توصل إلبها البحث، مع قائمة المراجع.
1 – علم التاريخ في البحث الرقميّ
لعلّ من أهمّ الأمور التي تحظى بعناية الباحثين هو التعرُّف إلى الجديد في مجال البحث التاريخيّ، الذي يمكن الآن تتبُّعه عن طريق متابَعَة النشرات العلميّة التي تُصدِرها المعاهد، والمراكز العلميّة التعليميّة، وكذلك الجمعيّات التاريخيّة عبر شبكة الإنترنت، وهذه النشرات الفصليّة تحوي الجديد في مجال نشر الكتب، وعقد المؤتمرات، والإعلان عن الندوات، والمحاضرات الخاصّة بالتاريخ، أو العلوم المساعدة لها.
على هذا الأساس لا يمكن القول إنّ العالم العربيّ، ولبنان قد سلكا هذا الطريق بالشكل المطلوب، ما خلا بعض التجارب المحدودة التي تجري في الإمارات العربيّة المتّحدة ومصر، إذ تغيب عن برامج وزارات التعليم العالي في العالم العربيّ، ومراكز الأبحاث العربيّة، والسياسات التربويّة، المشاريع التي تدعم عمليّة التحوّل الرقميّ الملحّ في الأقسام المتعدّدة للعلوم الإنسانيّة، وتحديدًا المصادر، والعلوم التاريخيّة، وتطوير قواعد ومحرّكات البحث العربيّة، وتحديثها بشكل دائم بما يؤدّي إلى استقلاليّة القاعدة الرقميّة العربيّة، ومحرّكات البحث الإلكترونيّة العربيّة بما يعني وضع هُويّة لها كجزء لا يتجزّأ من التنمية والتطوير؛ وفي هذا المجال لا يكفي فقط الاستناد إلى المعلومات التي يوفّرها محرّك “غوغل”، و”ويكيبيديا”، و”قنوات يوتيوب العلميّة”، و”إنترنت بابليك لايبريري”، و”ميكروسوفت أكاديميّك سيرتش”، و”أرشيف هوب” وغيرها، التي يغلب على الكثير من معلوماتها ظلال من الشكّ بسبب عدم توفّر البيانات البيبليوغرافيّة التي يمكن من خلالها الاستدلال على حداثة المعلومات، والمعطيات ودقّتها، والتحقّق من توفّر عنصري الثقة، والأمانة العلميّة، ما يدفع المؤرّخ إلى اقتباس معلومات غير موثَّقة كمصادر في بحثه، بما يتعارض مع أهمّ شروط البحث العلميّ أي الأمانة، والدقّة، والموضوعيّة، ما يؤدّي إلى ولادة دراسات هشّة، ويستدعي تحكيمها قبل الاستشهاد بها، وذلك وفقًا لمعايير محدّدة مطبّقة في العديد من الجامعات، والدول التي سنأتي على ذكر بعضها لاحقًا.
هناك الكثير من التعقيدات في مجال الاقتباس من المصادر الإلكترونيّة، إذ هل بالإمكان اقتباس مصدر من دون إبراز نسخته الأصليّة (وثيقة، مستند، أحكام، مراسيم، رسائل، مخطوطات وغيرها)، إذا احتسبنا أنّ هذا النصّ التاريخيّ المقتبس هو مخطوط تمّ حفظه كما هو في الأرشيف بأصالته، ولغته الأصليّة القديمة مثلًا؛ هل أنّ صورته الإلكترونيّة تؤكّد على مصداقيّته؟ عمليًّا، فإنّ الجواب عن هذا السؤال سيبقى غير مقنع، ذلك أنّ العمل مع المخطوطات في العلوم التاريخيّة يرفض قطعًا التعامل مع البديل بدل الأصيل.
إنّ الاقتباس الإلكترونيّ المجتزأ يشوّه المصدر التاريخيّ ويشكّك في مصداقيّته، هنا تبرز أهمّيّة تحديد مستوى أصالة النصّ وهُويّته ((Identity)، مع أهمّيّة الإشارة الدقيقة إلى المصدر الإلكترونيّ أي محدّد موقع المعلومات، وليس فقط عنوان صفحة الويب، واسم الموقع، والسنة والشهر، بل هناك ضرورة ملحّة لإظهار سنة الوصول، وشهر ويوم الوصول إلى المعلومات بالساعة والدقيقة، وبالطبع محدّد موقع المعلومات كتحصيل حاصل. إنّ الأبحاث التاريخيّة، والثقافيّة، والوثائقيّة الرقميّة قد تتعرّض للكثير من التحوير، والتشويه، والتزييف، بعد أن مكَّنت شبكات الاتّصال الرقميّ داخل بيئة الإنترنت من الوصول المباشر إلى الأوعية الفكريّة المتعدّدة، وتصفّح محتوياتها، والاتّصال ببنوك المعلومات والمكتبات وقواعدها المتّصلة بالبحث المباشر في جميع أنحاء العالم، وهذا يعدّ من أكثر الجرائم الإلكترونيّة انتشارًا في عالمنا المعاصر، حيث يلجأ المخرّب للتشويش على المعلومات، والبيانات أثناء عمليّة بثها واسترجاعها، وذلك بالتحوير في محتوى الوثيقة[2].
دون شكّ فإنّ هذا يستدعي إتقان المهارات التاريخيّة البحثيّة الإلكترونيّة التي تهدف إلى الكشف عن المعلومات، والوصول إلى الحقائق، والدلائل، ووزن الأدلّة، وربط الأسباب والنتائج، والمقارنة والتمييز بين الحقائق، والخلاصات، والخروج بتعميمات، ومبادئ عامّة مقبولة من وجهة النظر التاريخيّة[3].
على أنَّ السلبيّات كثيرة، ويسعى العاملون في هذا الحقل جهدهم لسدِّها، ومنها مواجهة القرصنة، والحدّ من ضخّ المعلومات المزيّفة، وسرقة المصادر، والتلاعب، والاختراقات المحتملة.
ونجد لزامًا أنّه على الباحث والمؤرّخ أن ينظر نظرة نقديّة لكلّ ما يقدّم له من معطيات فيعرضها للتحليل، والتمحيص، والنقد البنّاء، وخصوصًا الرقميّة منها، بالطريقة التحليلية البحثيةنفسها التي كان يتعاطى في خلالها مع الوسائل الأخرى التي سبقت الثورة الرقميّة (استخلاص الحقائق التاريخيّة من مصادرها الأوّليّة، عقد مقارنة بين الأدلّة التاريخيّة، الحصول على المعلومات من الصور، والخرائط، والنقوش، والنقود، والمخطّطات التاريخيّة، ترتيب الأحداث، وتنظيمها مكانيًّا وزمانيًّا، قراءة المادّة تاريخيًّا، وفهمها، وإعادة صياغتها، وفهم المصطلحات التاريخيّة، واستخلاص أسباب الحدث والواقعة، والتمييز بين الرأي الخاصّ، والحقيقة الدامغة، ربط النتائج بالأسباب، وإصدار حكم وتعميم مدعّم بالأدلّة التاريخيّة)[4].
على أنّ هذا يستدعي سلسلة من التغييرات التي تحتاج إلى مصادر تمويل كبيرة، وتحديث شبكيّ مستمرّ، وهذا يتطلّب:
- تحديث النصوص التاريخيّة الإلكترونيّة التي تضمّ مئات الآلاف من الوثائق، والمصادر، والرسائل، والمستندات منذ العهود القديمة إلى يومنا هذا (تاريخ الشرق القديم وصولًا إلى العالم العربيّ المعاصر) بعيدًا عن تلك التي يسمح للباحثين العرب بالحصول عليها مقنّنة، وموجّهة من الأرشيف العثمانيّ، أو الفرنسيّ، والبريطانيّ وغيرها، التي ربّما تمّ التلاعب بها، أو تحريفها، أو تجزئتها وتقزيمها، كما يجب تحديث تلك الكتب النادرة التي صدرت بأعداد قليلة، واختفت نهائيًّا حتّى تلك المصادر التاريخيّة المحظورة والممنوعة.
- استحداث قواعد المعلومات التاريخيّة التي تحتوي على جداول رقميّة، وأرقام وإحصاءات في التاريخ الاقتصاديّ والاجتماعيّ، ففي لبنان تنعدم قاعدة البيانات (، خرائط سجلاّت ورقيّة، قاعدة مشاريع الأبحاث والرسائل، المجلاّت والصحف، سجلاّت الخطب، والمواقف، سجلاّت الفنون الجميلة، والقوائم وغيرها).
- إنشاء القواعد الرقميّة المتخصّصة بإعادة إصدار الوثائق الرقميّة من وثائق، ومعاهدات، وصور قديمة حتّى أفلام تعبّر عن أحداث مفصليّة في مراحل تاريخيّة بعينها، وتطوير البيبليوغرافيّة التاريخيّة أي قاعدة المصادر، وثائق الدولة, والأحزاب، والجمعيّات، وبيانات الصحف، ومقالات متنوّعة ذات بعد تاريخيّ وإلخ.
- إصدار القائمة الإلكترونيّة للكتب، والنصوص الإلكترونيّة، وتبويبها بعد مراجعتها، من قبل باحثين متخصّصين في اللغة والتاريخ وغيرها.
لم يحصل في لبنان حتّى الآن التحوّل الرقميّ المطلوب الذي بإمكانه إحداث النقلة النوعيّة الضروريّة، فالخوادم الإلكترونيّة لا تزال جنينيّة إلى درجة كارثيّة بخلاف فرنسا حيث توضح مارتين سين بارو المسؤولة في القسم الرقميّ في هيئة المحفوظات الوطنيّة الفرنسيّة: “الأرشيف الرقميّ قطاع يسجل “نموًّا استثنائيًّا” مع أكثر من 198 مليون وثيقة”. وتضيف أنّه خلال التغيير الحكوميّ الأخير في فرنسا، تمّ جمع حوالي تسعة آلاف غيغابايت من البيانات المتأتّية من وزارات محلّيّة على يد هذه المؤسّسة التي تتمحور مَهَمَّتها الأولى في جمع محفوظات الدولة[5].
إذ لا زلنا نرى أنفسنا أمام سلسلة من التعقيدات، إضافة إلى كمّ من التحدّيات، والمشاكل التي تواجه المؤرّخين اللبنانيّين، وكذلك المكتبات، ومراكز البحث الوثائقيّ التي تعتمد التكنولوجيا الرقميّة، ومن بينها: ضَعف البنى التحتيّة في المكتبات، ومراكز المعلومات، وينسحب ذلك على الأجهزة، والبرامج، وشبكات الاتّصال والتواصل وتكنولوجيّتها؛ الافتقار إلى المعايير الموحدة ومقاييسها في التعامل مع المصادر الرقميّة؛ الضَعف في البيئة التَّقنيّة، والكادر، والموارد البشريّة لجهة فنّ التعامل مع الشكل الإلكترونيّ لمصادر المعلومات؛ عدم استقرار المطبوعات والدوريّات الرقميّة المتعلّقة بمصادر المعلومات وانتظامها وخصوصًا الإلكترونيّة منها؛ المعوّقات والحواجز اللغويّة، فمعظم المصادر الإلكترونيّة الأكثر نفعًا هي في العادة باللغة الإنجليزيّة، واللغات الأخرى التي يستعصي على الكثير من الباحثين العرب الاستفادة منها.
إنّ هذا يفضي إلى ضرورة أن يصار إلى السعي لتنظيم وإتاحة المصادر التاريخيّة وتبويبها والعمل على بناء معايير وصفيّة تنظّم المصادر التاريخيّة في شكلها الرقميّ، وتمكين البحوث العلميّة في مجال النظم التَّقنيّة المتعلّقة بحفظ وإتاحة المصادر التاريخيّة، وبناء الكادر التخصّصيّ، وتبادل الخبرات مع المراكز العالميّة، والدخول عبر استخدام التَّقنيّة الجديدة في خِدمة الأهداف الرئيسة للمؤرّخ، ومنها العمل على كيفيّة جمع المادّة التاريخيّة، ودراستها، ونشرها، ولتحقيق الاستفادة القصوى منها، وكيفيّة العمل مع قواعد المعلومات، كما يتطلّب إتقان تقنيّات الإنترنت أي برمجيّات شبكة الإنترنت الأساسيّة لنشر المصادر الإلكترونيّة، والكتاب الإلكترونيّ EBOOK، والنشر بصيغة HTML، والنشر بصيغ النصوص المصوّرة PDF، والنشر بواسطة الأقراص المدمجة CD ROOM، والنشر من خلال تَقنيّة web، التي تشارك في خاصّيّة التواصل مع الآخرين[6].
تجدر الإشارة إلى أنّه ومن أهمّ قواعد المعلومات “موارد أو أدوات البحث ” (Search Resources)، وهي تمثِّل أدلّة إرشاديّة تساعد على تكشيف الشبكة بعد ازدياد عدد المواقع على شبكة الإنترنت، وتتخصَّص هذه الكشافات في حصر المواقع التاريخيّة ذات الصلة باهتماماتها حتّى توفّر للزائرين وسيلة عمليّة في تحديد احتياجاتهم، والوصول إلى أهدافهم بيسر وسهولة.
كما تشكّل المكتبات جزءًا مهمًّا من قواعد المعلومات لما تحويه من أوعية متعدّدة للمعلومات التي تتيح الشبكة إمكانيّة زيارة عدد كبير من المكتبات العامّة، والجامعيّة في عدد من الدول، وتتيح إمكانيّة متابعة التوجّهات الحديثة في الدراسات التاريخيّة، والاطِّلاع على ملخَّصات رسائل الماجستير، وأطاريح الدكتوراه المقدَّمة في الجامعات الأخرى.
2 – المبحث الثاني: أنواع الأبحاث الرقميّة
2 – 1 البحث الكليومتريّ
إنّ أول من صاغ هذا المصطلح في البحث التاريخيّ هو الباحث والعالم الأميركيّ ستانلي رايتر وهو عالم رياضيّات، واقتصاد حيث جمع في هذا المصطلح بين كلمتين “ميتريك أي وحدة القياس، و”كليو” وهي كلمة يونانيّة تعني “ربّة التاريخ التي كانت واحدة من ثماني ربّات أبدعن في الأدب، والفنّ اليونانيّيْن، وتعتمد الكتابة التاريخيّة هنا على مجموعة قياسات كمّيّة يتمّ تحليلها عبر الحاسوب، وهذه النظريّة تعتمد على أهمّيّة دراسة النواحي الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، ودراسة حركة السكان، والأسر، والحياة في المدن والأرياف، وسلوك المجموعات الأثنيّة والعرقيّة، والانتخابات ومساراتها ونتائجها، وسلوك الأفراد من خلال تخيُّل رياضيّ لدوافع السلوك وقياسه بمعادلات رياضيّة، والبحث عن دلائل تثبت صحّة، أو عدم صحّة المعادلات، ودورها في عمليّة التطوّر التاريخيّ بالتعامل مع الدلائل، والقرائن التي تقدّمها الأرقام الاقتصاديّة[7].
إذًا بهذا المعنى فإنّ “الكليوميتريّة” هي عبارة عن منظومة تقوم على استخدام العلوم الرياضيّة في الأبحاث بشكل عامّ، والتاريخيّة بشكل خاصّ، وهي تنقسم إلى مراحل عدّة:
أ: طرح الموضوعات والفرضيات التاريخيّة من أجل إيجاد حلول لها.
ب: تكوين منظومة متكاملة من المصادر الأصيلة المتعلّقة بحدث تاريخيّ بعينه (بيانات، جداول، إحصاءات، استبيانات…)، ثمّ تحديد درجة الصدقيّة (الدقّة)، أي تحديد المقاييس الدقيقة لبعض الوقائع التاريخيّة التي حصلت في ظرف ومكان معيّنَينِ، ومستويات الدقّة هذه يمكن أن تتراوح بين التقييم الدقيق، أو القريب (النسبيّ)، والبعيد ظرفيًّا وصولًا إلى تقصّي الحقيقة، والظاهرة التاريخيّة، وتحديد مآلها (مصيرها). بنتيجة ذلك نحصل على معايير الخطأ، أو ما يسمّى (الخطأ التقريبيّ) من خلال دراسة الفارق بين معيار التقييم البعيد الذي حصلنا عليه بواسطة المقاييس المستخدمة للدلالات، والظاهرة – الحدث كما حصلت في المكان والزمان. ويمكن تصنيف الخطأ في المقاييس بغض النظر عن تجلّياته، وظروفه، وأشكاله على الشكل التالي:
- الخطأ النوعيّ: الذي يحصل بفعل انعدام الطرائق العمليّة والنظرية للحصول على النتائج المرجوة من الأبحاث وعدم اكتمال صورتها، والتي تعيق التوصل إلى تحديد نوع القياس.
2 – الخطأ الكمّيّ الذي يحصل بفعل، عدم دقّة المقاييس المستخدمة في الأبحاث، وتنقسم إلى:
- الأخطاء الرقميّة: أي التفاضل والتكامل، وتبرز بسبب غياب التدقيق في حسابات الأرقام، والتواريخ، وتكرار العمليّات الحسابيّة (التدوير وغير ذلك).
- أخطاء في تسجيل المعطيات: هي أخطاء المصادفة التي تحصل بفعل الإهمال، وقلّة الانتباه من قِبل الباحث، وربّما بفعل الخلل في المقاييس المعتمدة.
- الأخطاء المنهجيّة: من بينها الأخطاء المقصودة والمفتعلة، والأخطاء غير المقصودة بفعل التدوير، أو افتقاد إمكانيّة تخزين المعلومات في الذاكرة.
- ضرورة حسن اختيار الطريقة الكمية التي تسمح بالوصول إلى فرضيّة قويّة ومتماسكة والتي توفّر الطرق والمخارج الحسابيّة الواضحة.
- الحساب التحليليّ الدقيق للمعايير الكفّة.
- تحليل النتائج التي تمّ التوصّل إليها من خلال تأكيد الفرضيّة أو نفيها.
هذه الطرق تلزم المؤرّخ – الباحث، الإجابة عن جملة من الأسئلة من بينها:
ما هي الطرق التي تساعد على تحديد دقّة وقوع الحدث التاريخيّ، والتأكّد من أصالة المادّة التاريخيّة التي جرى الاستناد إليها، وما هي أسباب التشويه، والتحريف المتعمد للحدث التاريخيّ، وأسباب وقوعه، أسباب المبالغة الكمّيّة المتعمدة في حجم الخسائر مثلاً (المجازر الطائفيّة في جبل لبنان)، مساحات الملكيّات الوقفيّة والكنسيّة، الدوافع لتضخيم الأرقام (المجازر الأرمنيّة، الهولوكوست)، دقّة المصادر وأصالتها (العثمانيّة، الأجنبيّة، مدى دقّة مصادر البعثات الدبلوماسيّة…).
خلاصة القول إنّه بينما ترتكز الأبحاث التقليديّة على الأدلّة، والشهادات، والمصادر، والملاحظات التي يكتبها المؤرّخ، والباحث كدلائل في الحواشي، نجد الفارق في البحث الرقميّ الكليوميتريّ بأنّ المؤرّخ العلميّ يبحث عن اقتراحات وبدائل رقميّة بواسطة بيانات، وجداول، وأرقام، ومنحنيات.
2 – 2 البحث في المجلاّت الإلكترونيّة
من المعروف أنّ المجلّة الإلكترونيّة هي نسخة رقميّة عن المجلّة المطبوعة التي يتمّ نشرها على شبكة الإنترنت، أو البريد الإلكترونيّ، بمعنى آخر إدخال نصوص المقالات ونشرها إلكترونيًّا. وتحتوي بعض المجلاّت الإلكترونيّة على محرّكات بحث، وأدوات تصفّح، ووصلات ترابط بالمعلومات، والمواقع المنشورة على الويب[8]، ويمكن تقسيم المجلاّت الإلكترونيّة إلى ثلاثة أنواع:
- المجلاّت الإلكترونيّة الموازية: أي النسخة الإلكترونيّة الموازية للنسخة المطبوعة، وتنشر بصيغة PDF.
- المجلاّت المدمجة: التي تصدر بنسختين إلكترونيّة، وورقيّة في الوقت نفسه، وتتّصف بالتعمّق خصوصًا في التحرير والإعداد.
- المجلاّت الأصيلة: أي تلك التي تصدر فقط إلكترونيًّا، وتعدّ من الأكثر شيوعًا اليوم. لا شكّ في أنّ لهذه المجلاّت مجموعة من العيوب منها: سرعة انتشارها، كما أنّ اللجان الأكاديميّة، والباحثين لا يعترفون بالمقالات المنشورة فيها، إلى عيوب تتعلّق بحقوق الملكيّة الفكريّة، إذ ليس هناك ضمانات لحقوق المؤلّفين، إلى صعوبات تَقنيّة (مثل العنوان الإلكترونيّ الخطأ) صعوبات في الوصول إلى الشبكة.
- المقال الرقميّ: إنّ كتابة النتائج التي تمّ التوصل إليها الباحث – المؤرّخ تتطلّب إتقان كتابة المقال عبر الإنترنت، على برنامج وورد (حجم الخطّ 14)، نوع الخطّ New Roman Times، بتباعد بين الأسطر والفقرات 1,5، ويرسل عبر البريد الإلكترونيّ.
يتضمّن الملخّص الرقميّ ما يلي: صفحة العناوين، والعناوين الفرعيّة؛ المقدّمة بما فيها أهداف المقال، الخصائص (المنهجيّة المتّبعة)، المحتوى، الإشكاليّة، تحديد المصادر الرئيسة، والأعمال التاريخيّة المتعلّقة بالموضوع؛ الفصل الأوّل: يتضمّن عرضًا تحليليًّا للمواقع التي تناولت الموضوع، (الكلمات المفاتيح، بنية البحث، وسبل العمل مع المصادر، والاستعلام، نتائج البحث)، عرض مفصّل حول الموضوع أقلّه ما ورد في عشرة مواقع إلكترونيّة على الأقلّ؛ الفصل الثاني: تحليل بيبليوغرافيّ للنتائج التي تمّ التوصّل إليها من خلال مصادر المعلومات في القوائم الإلكترونيّة، أي الاستشهاد بحوالي عشر قوائم من كلّ موقع، أو مكتبة مرتبطة بالموضوع نفسه)؛ الاستنتاجات: لا بدّ من صياغة النتائج، وعرض المعلومات، والخلاصات المفيدة التي على الباحث الإلكترونيّ إبرازها، وإظهار نتائج بحثه، وما توصّل إليه. ومن أبرز شروط الملخّص، أن يتضمّن عرضًا تحليليًّا لما ورد في كلّ المواقع التي تناولت موضوع البحث، وأن يتضمّن كذلك عرضًا لكلّ المواضيع، وكيفيّة معالجتها، أي كشّافات، ومنظومات بحثيّة جرى الاستعانة بها (Google، Yahoo وغيرها)، وذلك من أجل إظهار مهارات البحث عبر الشبكة. بالنسبة إلى عرض المصادر ونوعيّتها يجب أن يكون كاملًا غير منقوص (إظهار المؤلّف، ساعة الوصول، نوع المصدر، أهداف إنشاء الموقع). مثال على ذلك:
http://www.sooqukaz.com/ http://www.sooqukaz.com/index.php/main./ الخطاب – والتغيّر – الاجتماعيّ – نورمان – فيركلف.
بعد ذلك نقوم بعرض التوصيف الذي قدّم للبحث، ويمنع وضع توصيف للمادّة التاريخيّة مأخوذ من موقعين متعدّدَيْن (ويب آخر) للمؤلّف عينه، كما يمنع اقتباس مصادر معلومات في البحث التاريخيّ من مواقع أبحاث (ويكيبيديا) ورسائل وأطاريح جامعيّة تطرّقت إلى الموضوع نفسه. من المُهِمّ أن يكون عرضًا دقيقًا وحرفيًّا (الرابط) أي المصدر الإلكترونيّ كما هو من دون إنقاص.
المراجع:
عند البحث عن قائمة مراجع متعلّقة بأيّ موضوع، يجب أن لا يقلّ عدد المقالات عن عشر مقالات، أو مصادر إلكترونيّة، أو مكتبات على سبيل المثال:
http://dlib.nyu.edu وهي المجموعات العربيّة على الإنترنت، (www.wdl.org) المكتبة الرقميّة العالميّة، القرية الإلكترونيّة http://www.electronicvillage.org/)، (https://www.hindawi.org/) مكتبة هنداويّ كتب غوغول (https://books.google.com/?hl=ru)، مكتبة الشرق الأوسط العربيّة في جامعة ييل (https://web.library.yale.edu)، مكتبة قطر الرقميّة (https://www.qdl.qa/en)[9].
2 – 3 محركات البحث
أبرز المصادر التاريخيّة يمكن أن نجدها في محركات البحث التي تعدّ أداة فعالة لمساعدة الباحثين في إيجاد المعلومات المحددة على الشبكة والأكثر شيوعًا هي: Google، MSN، Alta Vista،Yahoo. وهي برامج بإمكانها المساعدة في البحث عن معلومات موجودة على الشبكة، وتتنوّع في مستوى بحثها وعمقها وطريقة استعمالها.
ولأجل دقّة البحث والغوص لا بدّ من اعتماد كلمات مفاتيح، ما يسمّى بالكلمات الرئيسة التي يتمّ اختيارها للدلالة على المادّة عبر إدخال الكلمات الرئيسة على محرّك الويب، لنحصل على لائحة مطوّلة من الصفحات حول المادّة العلميّة التي نريد العثور عليها.
إنّ تحليل بعض المصادر التاريخيّة المنتشرة على الشبكة الإلكترونيّة يُظهر لنا نوعان، والأكثر رواجًا، هي:
– الوثيقة التاريخيّة الإلكترونيّة المماثلة للوثيقة التاريخيّة التقليديّة (المخطوطة).
– الويب سايت (site web)، المتخصّص بنشر المعلومات والأدبيّات التاريخيّة.
هكذا فإنّ الوصف الموجز للنصّ التاريخيّ الإلكترونيّ يعطينا تصوّرًا عن المصادر والمحتوى، فهو لا غنى عنه للدلالة على ندرة المادّة (zip, word, html)، وهو أمر ضروريّ عند الإشارة إلى المادّة المنشورة وكيفيّة نشرها مع الأخذ بالحسبان البعد الزمانيّ، والعوامل المادّيّة، كما أنّ وجود نسخة مطبوعة (كتاب – مقالة – بحث) إذا وجدت بالإضافة إلى النسخة الإلكترونيّة، يعطي مصداقيّة وقوّة للمصدر، ويسهل إمكانيّة البحث عن المصدر المطبوع عند الضرورة وإيجاده في المكتبات. خلافًا لطبيعة الشبكة العنكبوتيّة التي تقوم بشكل دوريّ بتحديث المادّة وتغيير الداتا، ولأجل تلافي الوقوع في هذا الفخّ لا بدّ من وضع هيكلة بديلة أي “داتا” يشار فيها إلى المواقع الرديفة التي اهتمّت بنشر الموضوع التاريخيّ نفسه.
وقد وضعت المنظّمة الدوليّة للتقييس في عام 1995 International Organization For tandardization المواصفة رقم 2 – 692 DIS، كمواصفة دوليّة لتحديد طريقة توثيق المراجع الإلكترونيّة المتعدّدة في الإنترنت، وتشمل العناصر التالية: المسؤوليّة الرئيسة (جهة أو شخص)، نوع الوسيلة المستخِدمة، تاريخ النشر، رقم العدد، مكان النشر، الناشر، تاريخ التحديث، بمعنى إظهار كلّ المعلومات الإضافيّة، مثل عنوان الموقع، رقم التقييس أي ISSN – ISB.
وتنقسم طرق التوثيق الإلكترونيّ إلى أربع طرق متعارف عليها عالميًّا، ويُعمَل بها في جميع التخصّصات العلميّة: وهي الاستشهادات وفقًا لمواصفة الأيزو 690 ISO الصادرة من منظمة التقييس الدوليّة، وهي معدّلة سنة 1997، بالإضافة إلى الاقتباسات المرجعيّة الإلكترونيّة؛ الاستشهادات المرجعيّة وفقًا لنمط الجمعيّة النفسيّة الأمريكيّة APA))، وهي الأكثر استعمالاً في العلوم الاجتماعيّة نظرًا إلى سهولتها، وصياغة الاستشهادات المرجعيّة وفقًا لنمط الحديث لجمعيّة اللغات (MLA)، وهي أيضًا مستعملة بكثرة سواءً في العلوم الاجتماعيّة، أو الإنسانيّة، وكذا طريقة الاستشهادات المرجعيّة وفقًا لنمط أسلوب شيكاغو (MC).
لا شكّ في أنّ إبراز هذه المعطيات الدلاليّة الرقميّة للاستشهاد، أو الاقتباس يفسح في المجال لعرض أدقّ التفاصيل من دون إظهار الفقرة، والنوع، وحجم الخطّ (ذلك أنّ أيّ مادّة منشورة على الإنترنت هي عبارة عن مستند html)[10].
وبحسب تصنيف وضعه الدكتور رضا محمّد محمود النجار، تنقسم المعلومات، ومصادرها إلى تقليديّة – مطبوعة أو ما تسمّى بالموثّقة، كما تنقسم الأخيرة أي المصادر التقليديّة بدورها إلى مصادر أوّليّة، وثانويّة، ومصادر من الدرجة الثالثة، ويضاف إليها المصادر المسموعة والمرئيّة، والمضغوطة – المصغّرة، مصادر محوسبة إلكترونيّة وليزريّة[11].
لكنّنا سوف نجد تصنيفات أخرى معتمدة لدى متخصّصين في هذا المجال للمصادر المتاحة على الإنترنت، وتضمّ حسب بعضهم: محرّكات البحث (search engine)، الأدلّة الموضوعيّة (web directories)، منتديات المناقشة الإلكترونيّة (Discussion forums)، قوائم المراسلات البريديّة (mailing lists)، المجموعات الإخباريّة (news groups)، البريد الإلكترونيّ (E – Mail)، الأسئلة الأكثر تكرارًا (Faq)، يضاف إليها المصادر المتعدّدة مثل المخطوطات، المفكّرات، الدوريّات الإلكترونيّة، المذكّرات، الرسائل الجامعيّة، المصوّرات، التسجيلات الصوتيّة، براءات الاختراع، المواصفات القياسيّة، أعمال المؤتمرات، الملصقات، تقارير شهود العِيان، المجلاّت، والمطبوعات، والوثائق الرسميّة، تقارير البحوث، المراجعات العلميّة، التحليل النقديّ، الدراسات التاريخيّة، الكتب، والدوريّات الإلكترونيّة، فهارس المكتبات والناشرين، أدلّة الدوريّات، والمكتبات، الكتب السنويّة، مصادر المعلومات المرجعيّة، خِدمات التكشيف والاستخلاص، قواعد البيانات، صفحات المؤلّفين، والأشخاص، والكتّاب، صفحات الجامعات والكلّيّات.
خلاصة القول، إنّه لمن المهمّ خلال عمليّة البحث الإلكترونيّ أن نتنبّه إلى فهم أدقّ لمعنى الأرشيف الإلكترونيّ ذلك أنّ الوثيقة الإلكترونيّة ليست هي الأصل، بل صورة للأصل المتمثّل بالنسخة الورقيّة.
3 – المبحث الثالث: التوثيق ومعايير جودة المصدر التاريخيّ الرقميّ
إنّ توثيق المصادر، يتطلّب الإجابة عن جملة أسئلة، أوّلها: ما الغرض من التوثيق الإلكترونيّ؟
يهدف التوثيق إلى تحقيق أمور ملحّة لإكساب المادّة مصداقيّتها، وتحديد مستوى جودتها العلميّة. من هنا فإنّ تحديد الملكيّة الفكريّة وإعطاء المؤلّف حقّه يرتدي أهمّيّة قصوى، حيث تعدّ معايير المنظّمة الدوليّة للمقاييس الأيزو ISO الأكثر انتشارًا، وتعتمد من قِبل معظم مؤسّسات معايير التوثيق الدوليّة. على سبيل المثال تقترح الأيزو
(ISO 690 – 2)، التي سبق وأشرنا إليها آنفًا، ضرورة توفّر العناصر التالية للتوثيق الإلكترونيّ:
1) الإطار العامّ للتوثيق الببليوغرافيّ، يتضمّن النقاط التالية:
– لقب أو كنية المؤلّف، الاسم الأوّل أو اختصاره، تاريخ الوثيقة، إذا كان مختلفًا عن تاريخ الدخول إلى الموقع، عنوان الوثيقة، عنوان العمل كاملًا بأحرف مائلة، الإصدار، أو رقم الملفّ (الطبعة أو المراجعة)، العنوان، مسار الوثيقة في الموقع، الدخول إلى الموقع و تاريخ الزيارة.
2) توثيق صفحة ويب (Web Page)، إنّ الإطار العامّ لتوثيق صفحة ويب يحتوي على: لقب أو كنية المؤلّف، الاسم الأوّل أو اختصاره، (تاريخ نشر الوثيقة)، العنوان الكامل للوثيقة، عنوان الموقع بأحرف مائلة، (الإصدار، أو رقم الملفّ)، البروتوكول، وعنوان الموقع متضمّنًا المسار، أو الأدلّة للدخول إلى الموقع، تاريخ الزيارة. مثال: عادل منصور. واقع وآفاق البحث العلميّ.<2اتشرين الأول2002> http://mafhoum.com/syr/articles/richeh/richeh.htm
3) في المقالات المنشورة في دوريّة، أو صحيفة إلكترونيّة، إنّ الشكل العامّ للتوثيق يجب أن يحتوي العناصر التالية: لقب أو كنية المؤلّف، الاسم الأوّل أو اختصاره، (تاريخ النشر)، عنوان المقالة، عنوان العمل كاملًا بأحرف مائلة، المجلّد (العدد)، عدد الصفحات، تاريخ الاسترجاع، مصدر الاسترجاع، اسم القاعدة، عنوان الموقع.
مثال: مسائل في التاريخ اللبنانيّ. – cybrarians journal 10 حزيران 2005 . [تاريخ الاطلاع]، نكتب هنا تاريخ اطّلاعنا على المقالة، متاح في: http://www.cybrarians.info/journal/no5/archivst.htm.
4) في حال كان المصدر تقريرًا، أو وثيقة، أو فصلاً من كتاب، أو مقالة من موسوعة، يكون التوثيق على الشكل التالي: لقب أو كنية المؤلّف، الاسم الأوّل أو اختصاره، (تاريخ النشر)، عنوان العمل كاملًا بأحرف مائلة، (الطبعة) إذا كانت متوافرة، تاريخ الاسترجاع، عنوان الموقع.
إنّ هذا التدقيق في الاقتباس يبدو أمرًا ملحًّا للتأكيد على الدقّة، والموضوعيّة في الاقتباس، وتلافيًا لأيّ تشكيك وارد وضمانًا للجودة.
سعت بعض المؤسّسات الدوليّة الذائعة الصيت في مجال التوثيق الإلكترونيّ إلى وضع سلسلة معايير لتحديد الجودة، فعلى سبيل المثال تقدّم جمعيّة الكلّيّات، والمكتبات البحثيّة ACRL (Association of College & Research Libraries) وهي تابعة لجمعيّة المكتبات الأمريكيّة ALA، خمسة معايير لتقويم الوثائق على الإنترنت، وهي:
- دقّة وثائق الويب Accuracy of Web Documents: ويشتمل هذا المعيار على أسئلة عدّة: من هو كاتب الوثيقة؟ وهل يمكن الاتّصال به؟ ما الغرض من الوثيقة ولماذا كتبت؟ هل كاتب الوثيقة مؤهّل للكتابة؟
- المسؤوليّة الفكريّة للوثيقة Authority of Web Documents: من هو ناشر الوثيقة، هل هو منفصل عن مدير الموقع؟ من خلال التدقيق في الوثيقة، من هي المؤسّسة الناشرة أي هل هي متخصّصة؟ هل تدرج مؤهّلات الناشر؟
- موضوعيّة وثائق الويب Objectivity of Web Documents: هل يتّضح هدف وغرض الصفحة؟ هل المعلومات مفصّلة؟ ما الآراء التي يبديها المؤلّف؟
- حداثة وثائق الويب Currency of Web Documents: متى كتبت الوثيقة؟ متى كان آخر تحديث لها؟ ما مدى حداثة الروابط؟
- تغطية وثائق الويب Coverage of the Web Documents: هل الروابط تغطي جوانب موضوع الوثيقة كافّة؟ هل المعلومات تقدّم استشهادات صحيحة؟[12]
لا شكّ في أنّ نوع المعلومات المستقاة أمر بالغ الأهمّيّة، ووجهتها الاستعماليّة في البحث أمر لا بدّ من إظهاره، يفترض ذلك الإجابة عن تساؤلات عدّة، منها: هل أنّ المعلومات هي بغرض البحث العلميّ، هل هناك مراجعات ووقائع وتحليلات حول المادّة العلميّة، ما هو نوع الموقع ومجاله؟
في هذا السياق يذهب الباحث عماد أبو الربّ في بحث يستعرض فيه “نموذج تقييم المواقع الإلكترونيّة” إلى القول: “إنّ مستويات الجودة يجب أن تُظهر القيمة الاستعماليّة للموقع من خلال إيراده لمعايير عدّة من بينها: أصالة المادّة العلميّة، الدقّة في المعلومات التاريخيّة (عدد مرّات التحديث خلال فترة زمنيّة، الأخطاء اللغويّة، والقواعد، والنحو)، الدقّة والموضوعيّة (عرض المعلومات من دون تحيّز)، التحديث الدائم للمعلومات بمعنى تجاوز مسألة تقادم المعلومات، التغطية الشاملة وغير الجزئيّة للمعلومات، الصلة بالمادّة التاريخيّة، توفّر المادّة العلميّة بأكثر من لغة، الأمان والخصوصيّة (خصوصيّة المعلومات عن المستخدم)[13].
لعل أهمّيّة التقييم في الأبحاث العلميّة، والتاريخيّة تكمن في أنّ ذلك ضرورة ملحّة لخِدمة الباحث في توجيهه نحو مواقع رصينة، ومفيدة علميًّا، ومدى صلاحيّة الموقع وإدراجه ضمن المواقع الموثوق بها.
يمكن القول إنّ أساليب البحث الإلكترونيّ باتت تستدعي ابتداع طرق جديدة بعد أن بدأت مجالات البحث تتعقّد وتتطوّر مع مرور الزمن، فإيقاع البحث بات سريعًا أمام زخم، وضخ المعلومات الهائل فلم تعد مسائل البحث في النصوص تتطلّب، أو تستدعي بالضرورة القراءة الشاملة للنصّ، أو الوثيقة، لأنّ سياق التوثيق قد تغيّر، والمعايير تضاعفت، فالتآلف مع المواقع، والروابط باتت أكثر من ملحّة، واكتساب المهارات في الكتابة، والقراءة، والبحث الرقميّ أصبح أمرًا لا غنى عنه.
الخاتمة
تؤكّد الدراسة إلى أنّ واقع البحث العلميّ الرقميّ، وخصوصًا بما يتعلّق بمادّة التاريخ بات يتطلّب إجراء تحوّل جذريّ يفترض وضع استراتيجيّة واضحة للتحوّل الرقميّ نحو ممارسة الأبحاث الرقميّة من دون تردّد، ما يستدعي تبدّلًا واضحًا في سلوكيّات الباحثين للحصول على المعلومات، وعلى الوثائق التي لا توفّرها المكتبات العاديّة على الرغم من أنّ غالبيّة ساحقة لا تزال تؤمن بأنّ البحث التقليديّ أي المطبوع على درجة عالية من الدقّة والمصداقيّة.
ونرى أنّ ذلك لن يتحقّق إلاّ من خلال لجوء المؤرّخين إلى استخدام المعلومات الإلكترونيّة، لأنّها توفّر لهم الوقت والجهد، وتشعّب المعلومات، كما أنّ ما تسمح به الشبكة العنكبوتيّة من تعدّد مصادر المعلومات الإلكترونيّة، التي تتراوح بين الوسط إلى التغطية الموضوعيّة، مرورًا بنقاط الإتاحة، وطرق الوصول إلى المعلومات حسب جهات التجهيز وقواعد المعلومات ستفسح في المجال أمام هؤلاء للمزيد من الإبداع، والإنتاج التاريخيّ الغزير بعد فترات من الركود والتراجع.
ختامًا قد تتعدّد مقاربات المتخصّصين في العلوم الإنسانيّة في تقييم المعلومة من الشبكة العنكبوتيّة، بين مؤيّد ومعارض لأنّ هناك من يرى أنّ الإنترنت يسهّل عمليّة الحصول على المعلومات، وآخرون يرون أنّ الطرق التقليديّة في البحث أدقّ وأنجح، إلاّ أنّ هناك أسبابًا عديدة أسهبنا في شرحها باتت تفرض التحوّل إلى العالم الافتراضيّ للبحث، واستقاء المعلومة.
وليس من مجال للشكّ في أنّ التكنولوجيا يمكنها أن تكون خير وسيلة للباحث في توسيع معلوماته، حتّى باتت الكثير من الجامعات العالميّة تربط بين استخدام الأستاذ الجامعيّ للإنترنت، وتطوّر أدائه الجامعيّ بصورة عامّة، وهذا ما يفسّر تقدّم الجامعات التي تكون أكثر استخدامًا للإنترنت في إحصائيّات المنظّمات الدوليّة الأمر الذي بتنا بحاجة ماسّة إليه اليوم أكثر من أيّ وقت مضى.
ولهذا نقترح التوصيات التالية
- الإسراع من دون تلكؤ باستخدام الإنترنت لدى الباحثين، والمؤرّخين وخصوصًا الأساتذة، والباحثين، والطلاّب وتهيئة البيئة اللازمة لذلك.
– نشر ثقافة البحث العلميّ بالاستفادة من تَقنيّات شبكة الإنترنت بوسائلها المتعدّدة، ومنها ما أشرنا إليه في هذا البحث.
– نقل التقاليد العلميّة المطبوعة إلى الإنترنت، من نواحي الالتزام بالمعايير والرصانة العلميّة.
– استحداث مواقع إلكترونيّة للجامعات والكلّيّات الرسميّة.
المراجع والهوامش
- إبراهيم كرثيو، كمال بطوش. المصادر الإلكترونيّة غير الرسميّة من خلال المستودعات الرقميّة المؤسّساتيّة: النشر، قياس، الاستخدام، والمرئيّة، الدوحة، 2014، ص.30.
- http://dx.doi.org/10.5339/qproc.2014.gsla.5
- د. فؤاد جمال، جرائم الحاسبات والإنترنت، الجرائم المعلوماتيّة، مركز المعلومات ودعم اتّخاذ القرار، 2005. انظر أيضًا محمّد عليّ قطب، الجرائم المعلوماتيّة وطرق مواجهتها. وزارة الأكاديميّة الملكيّة للشرطة – مركز الإعلام الأمنيّ، ص.8.
- عليّ الجمل، أحمد اللقانيّ، معجم المصطلحات التربويّة في المناهج وطرق التدريس، القاهرة، عالم الكتب، 1996.
- التاريخ يخرج من الورق إلى الرفوف الرقميّة. (28 نيسان, 2018). تمّ الاسترداد من ميدل إيست أون لاين: https://middle – east – online.com
- أحمد يوسف حافظ أحمد، المكتبات الرقميّة العالميّة والدور العربيّ في رقمنة وحفظ التراث الثقافيّ، القاهرة، دار النهضة للنشر، 2013، ص. 34.
- قيس ماضي فرو،. المعرفة التاريخيّة في الغرب . الدوحة: المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، 2013.
- مفهوم المجلاّت الإلكترونيّة، (6 كانون الأوّل, 2017). تمّ الاسترداد من: http://moonamony.blogspot.com:http://moonamony.blogspot.com/2017/12/blog – post_92.htm.
- أهمّ 10 مكتبات رقميّة مجانيّة للمحتوى العربيّ. (أيلول 19, 2017). تمّ الاسترداد من: albawaba.com: https://www.albawaba.com/ar
- بوراس كاهينة. (3 آذار, 2017). لاستشهادات المرجعيّة الورقيّة والإلكترونيّة وفقًا للمعايير الدوليّة الأربعة: (ISO 690 – APA – MLA – CM) في العلوم التربويّة والنفسيّة والاجتماعيّة. تمّ الاسترداد من: http://jilrc.com
- رضا محمّد محمود النجّار، المراجع الإلكترونيّة المتاحة على الإنترنت (الخصائص والفئات – معايير التقييم – الإدارة والخِدمة)، القاهرة، الدار المصريّة اللبنانيّة، 2009، ص. 40 – 41.
- د. عبد الرشيد بن عبد العزيز حافظ، مصادر المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت: معايير مقترحة للتقويم 1. العدد 10، سبتمبر 2006. http://journal.cybrarians.info
- د.عماد أبو الربّ، ليلى رشيد حسن. (2006). تقييم المواقع الإلكترونيّة. تمّ الاسترداد من:
erepository.cu.edu.eg >erepository.cu.edu.eg/index.php/ARTS Conf/article/…/6541 –
المصادر
- أشرف محمّد عبد المحسن الشريف. (تشرين الأوّل, 2007). إدارة الوثائق الإلكترونيّة في المنظّمات الحكوميّة: المعايير والإجراءات. مجلّة الاتّحاد العربيّ للمكتبات والمعلومات، صفحة العدد (1).
- ايمان فاضل السامرّائيّ. (30 آذار, 2016). خطوات استراتيجيّة البحث باستخدام قواعد البيانات. تمّ الاسترداد من www/minshawi/com
- بن ضيفالله فؤاد. (كانون الثاني, 2010). أمن المعلومات أحد السبل لحماية الملكيّة الفكريّة. تمّ الاسترداد من cybrarians journal: http://journal.cybrarians.info/index.php?option=com_content&view=article&id=465:2011 – 08 – 11 – 23 – 46 – 25&catid=229:2011 – 07 – 21 – 09 – 32 – 02
- سليمة شعلال، وسليمة سعيديّ. (أيلول, 2015). الحاجة إلى التدريب الإلكترونيّ على البحث الوثائقيّ لدى الأساتذة والباحثين المنخرطين في النظام الوطنيّ SNDL في الجزائر. المجلّة الأردنيّة للمكتبات والمعلومات، العدد الثالث، صفحة، 22.
- شريف كامل شاهين. (2000). مصادر المعلومات الإلكترونيّة في المكتبات ومراكز المعلومات. القاهرة: الدار المصريّة اللبنانيّة.
- عامر إبراهيم قندلجيّ، (2010). المعجم الموسوعيّ لتكنولوجيا المعلومات والإنترنت. عمان: دار المسيرة.
- متولّي النقيب. (2008). مهارات البحث عن المعلومات وإعداد البحوث في البيئة الرقميّة. القاهرة: الدار المصريّة اللبنانيّة.
- مراد، محمّد يوسف، بوّابات المكتبات والمعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت: مراجعة علميّة .القاهرة، كلّيّة العلوم الاجتماعيّة جامعة 6 أكتوبر، 2006.
- نسيم الحوريّ، سلطات العولمة في المجتمع الدوليّ الرقميّ، مجلّة الجيش اللبنانيّ، العدد 37، تمّوز 2001.