لغة الطير
محمد شمص*
أيقظه من شروده حفرة واسعة نزل بها السائق بتأنٍّ وأجبرته على التخفيف من سرعة الحافلة. كانت الشمس المتثائبة ترسل أول خيوطها على الطريق الصحراوي لمنطقة تدمر، والريح الخفيفة تغطي بعض أجراء الطريق بالرمل.
يجلس أحمد بجانب السائق الذي بدا شديد التركيز أثناء القيادة. بينما يجلس الأخوة في الخلف في صفين متقابلين، ويخيم الصمت الوقور على الجميع.
الطريق الممتد امتدادًا مستقيمًا جعله مملًا، والهدوء الذي يخيّم على المكان تقطعه أصوات الانفجارات البعيدة أخذا أحمد إلى بيته إلى ابنته الصغيرة فاطمة التي لم يفارقه طيفها منذ أن التحق بالخدمة من أسبوعين.
ضحكتها الطفولية، صخبها المحبب، غنجها العذب.
– بابا، بابا أريد أن تحضر لي معك ببغاء.
– ببغاء؟ قالها بدهشة متعمدة.
– أريد ببغاء يقلد صوتك.
عندما تذكر كلماتها تبسم ابتسامة فرحة جعلت أبا علي يلتفت إليه ويبتسم. لمح على مسافة قريبة من الحفرة التي أحدثها القصف الصاروخي عش طائر على خط سير عجلات الحافلة محاطًا برمل خفيف.
قال للسائق: توقف يا أبا علي توقف.
– أبو علي مستغربًا: التوقف هنا خطر، هؤلاء الملاعين لا يزالون يتسللون إلى هنا.
– أرجوك توقف لدقيقة واحدة فقط، إنه عش طائر لعله لطائر الحجل أنحّيه عن الطريق جانبًا وأعود مسرعًا.
– دقيقة واحدة فقط، معي خمسة عشر شابًا لا أريد أن أخاطر.
نزل أحمد من الحافلة بسرعة كبيرة فلحق به بعض الأخوة لمعرفة سبب التوقف، وأبو علي ينادي عليهم بعدم ترك الحافلة. ما إن اقترب من العش وأراد أن ينحيه حتى صرخ: الله أكبر الله أكبر.
اندفع سائر الأخوة نحوه ووقف الجميع في ذهول تام غير مصدقين ما رأوا. كان العش مبنيًا بإتقان جميل فوق لغم أرضي مخصص للأليات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* طالب حوزة