قصص قصيرة
الحسن بنمونة (المغرب)([1])
1- أن تكون بلا عمل
قال الشاب لفتاته، التي ارتأى أن تكون زوجًا له:
– أنا أحبك.
– ماذا يعني هذا أيها الأبله؟
ضحك الشاب الذي يبدو أنه أغرم بفتاته، قبل أن يغرم بالعمل.
في مثل هذه الحوادث ينبغي لنا توقع ما لا يتوقع، كأن تصفع الفتاة فتاها، أو أن يصفع الفتى فتاته.
- قال موضحًا لها الفكرة: لم لا نتزوج؟
بدت الفكرة شبيهة بما يثيره الأبطال في الأفلام، عندما ينقذون فتياتهم من براثن الأوغاد.
هو طبعًا لم ينقذ فتاته من براثن وغد، من أوغاد الشوارع المعتمة. ربما هو لا يزال يافعًا أو فاقدًا الحيلة.
وفي هذه الحال، يقتضي الأمر أن نشفق عليه.
وعلى أي حال، نستطيع القول إن قلب الفتاة رق لحاله، إذ لا نعلم ما الذي قد يحدث بعد هذا؛ كأن يصفعها أو يغرس خنجرًا في قلبها، أو جنبها الأيمن، لأن الآلة عادة ما نمسك بها باليد اليمنى،
سألته :
– أتشتغل؟ بمعنى آخر، هل تعمل في إدارة أو في معمل؟
– لا، ولكنني أبشرك فتاتي بأنني لا أدخن ولا أسكر.
هذا يتطلب قناطير من التفكير الموجع للرأس وللبدن معًا. يتطلب المشورة حقًّا.
قالت لأمها: إنه لا يعمل، ولكنه لا يسكر، ولا يدخن، وأنا أقبله زوجًا لي.
صاحت أمها في جنون:
– أجننت أيتها الكلبة العمياء؟ إنه لا يعمل فكيف يستطيع أن يطعمك، ويعول فراخك؟
– أماه، أنا فتاة ذكية تعرف أين تضع قدمها اليمنى، وأين تضع قدمها اليسرى، في الموضع الذي يليق بهما. هو لا يدخن ولا يسكر، فلو كان عاملاً، وكان المال يدخل يملأ جيبه، لفكر في السكر والتدخين. لا علينا.
2- أن تحك جلد ظهرك بقصة قصيرة
صديقي الكاتب لا يني يحدث أيًّا كان عن كونه يكتب القصص.
أحدهم تساءل إن كان يكتب القصص المصورة، أو القصص المدوَّرة.
فوجم صاحبنا. قلت له: الآن فهمتَ أن الفهم العام للقصة مقلوب على رأسه.
القصص هي الأفلام والروايات، بمعنى ما تبثه الإذاعات المسموعة من مسلسلات، بأصوات ممثلين لا يظهرون للعيان.
ووجم صاحبنا مرة أخرى، ثم استل قصة قصيرة من جيبه الداخلي، وشرع يحك بها جلد ظهره.
بدا المشهد غريبًا، ولكن هذا ما وقع بالفعل.
3– الكساد الأدبي
نحن كتّاب القصة نعاني الكساد الأدبي، فلنفترض أن الواحد منا كتب قصة واحدة كل يوم، فهذا يعني أنه يخط ثلاثين قصة في الشهر بالتمام والكمال، ولنفترض أن عدد الكتاب يتجاوز الألف في بلدنا العزيز على القلب، إذ يبدو أن عدوى الكتابة أصابت خالات، وعمات، وأعمام، وأخوال الكتاب، وربما أصابت حتى الجيران، وأصدقاء الجيران، والأخوال وهلم جرا ، فهذا يعني أن الطوفان قادم لا محالة.
الكتابة أمر عظيم، والأمة تفتخر بكتابها ومفكريها. ولنفترض أن عدد الجرائد والمجلات لا يتجاوز المائة، فهذا يعني أنها ستنشر مائة قصة كل يوم، إنما المصيبة أنها لم تعد مهتمة بالقصص، ولهذا ترى دائمًا كتّابنا في هم وغم ونكد, فبدل أن تنشر قصصًا خيالية أصبحت تنشر صور بنات يأكلن المثلجات، أو يمسكن بهواتف نقالة، أو يقفزن من بوابات طائرات، بمعنى اقتصادي؛ الجرائد غدت شركات.
الكساد أصاب قصصنا حقًّا، فليبحث الكُتَّاب عن أسواق جديدة؛ في قارتي آسيا أو أوستراليا. أرض الله واسعة طبعًا.
4- Bas du formulaire
أن تشبه الطائر
استغرب كيف أن شخصًا غرد في مكان يسمى تغريدة، فألقي عليه القبض بتهمة ما.
كنت أظن أن الآدمي إن تحول إلى طائر فقد كفى السلطة شره، لأنه ساعتها يكون ملتحقًا بسلطة الطيور، وهي تمتلك قوانينها، وسجونها في السماء. طبعًا هي سجون حرة، بمعنى أنه يحق لك التحليق والتغريد والعودة إلى الشجرة عندما يحل الليل، ولكن أن تغرد كطير لتسجن فهذا سيثير ضحك الطيور علينا.
5- أن تأكل القصصBas du formulaire
عندما تأكل ثمرة الأفوكا، فهذا لا يعني أن رأسك سيصغر، ثم يسمن شيئًا فشيئًا حتى ينتفخ مثل بالون وعندما تأكل البطاطس، فهذا لا يعني أن رأسك سيكون مثل حبة بطاطس.
كُلْ أي شيء؛ كلِ الأرض ومن عليها فرأسك لن يزيد، ولن ينقص بوصة واحدة، ولكن ساعة تقرأ قصة قصيرة رائعة، وكأنك أبصرت امرأة نحيفة على شاكلة عارضة أزياء أمريكية مثقفة، فاعلم أن رأسك سينتفخ حتى يصير بالونًا، وربما صار سماء بنجومها وكواكبها، أو صار عالما غريبا حتى إنك ستصرخ: لم صار كذلك؟ لم رأسي بحجم السماء؟
الأمر بسيط للغاية؛ لأنك قرأت قصة قصيرة رائعة، ولم تقرأ قصة رديئة، وكأنك أكلت قنطار ملح.
6– الثورة تأكل أبناءها
رَبُّ مصنع عجلات أكل البطاطس فكادت روحه تزهق.
فقير من فقراء القرن الواحد والعشرين الجدد، أكل رَبَّ مصنع عجلات، ولم يحدث شيء قد يؤثر في العلاقة بين العامل وأرباب المصانع.
يُحمل العامل على الأكتاف، لأنه بهذه الحادثة يستطيع الدفاع عن حقوق العمال، فما لا يأتي بالطيبة يأتي بالقوة.
تخول له الحادثة أن يصير ثوريًّا أكولاً.
ولهذا قيل: الثورة تأكل أبناءها. والله أعلم.
7- لا علينا أيها السادة
قام السيد من نومه وحلم أنه يحدث في نفسه تغييرًا أو ثورة. لا علينا. بتر يديه وألقى بهما في الطريق، ثم قطع ساقيه، ورأسه، وشطر صدره نصفين. كان ينزع القطعة من بدنه ويلقيها في الشارع. لم يكن يبدو على العابرين أي تأثر، أو تقزز مما يحدث له. كانوا يمرون به غير مكترثين، بل إن أحدهم بتر ذراعه ورماه بها، لأنه أراد أن يثبت له أن ما يقوم به لا يهمه.
وقام السيد من حلمه ضاحكًا.
كان فعلاً قطعًا مرمية هنا وهناك.
ولكنه كان مؤمنًا بهذا النوع من الثورات.
قد يحدث هذا مرات عديدة، والحياة تظل دائمًا جميلة، تستحق العيش.
8- لم لا نهتم بالصعود؟
صاحبي صعد إلى السماء، وشرع يطل على الذين يسكنون الأرض، ساخرًا وضاحكًا، ثم صار باكيًا.
كان يصرخ ويبكي، يرجو أمه أن تصعد إلى السماء، كي تنقذه من الملل.
لهذا لا أحد يفكر في الصعود إلى السماء، فلنفترض أنك صعدت وتسلمت مملكة تحكمها، ستحس بالملل، وتريد النزول فلا تستطيع، ولهذا نحن لا ننظر عادة إلى فوق، إلى السماء. هي مجرد بساط أزرق يعيش في الأعلى.
1- كاتب مغربي ولد سنة 1963م في وجدة. نشر في مجلات وجرائد مغربية وعربية، منذ 1983م. نال شرف عضوية التحكيم، لجائزة الدكتور عبد العزيز المنصور الكويتية، لقصص الطفل لسنة 2019م.