الصنعةُ الفنّيّة في الشعر المُحدث خلال القرن الثاني الهجريّ
د. عمر عثمان*
تمهيد:
عرف الجاهليّون الصنعة(1) الفنّيّة، ولكنّها كانت تقوم على الجودة والرويّة، فنشأ لديهم ما يُعرف “بالشعر الحوليّ المحكّك”. وفي القرن الثاني، مع تطوّر الحياة، وسيادة أناقة التعبير ورقّة الذوق، شهدت الصنعة تطوّرًا بارزًا بنوعيها اللفظيّ والمعنويّ، بحيث أتاحت الحضارة الجديدة للشعراء قوّة التمثيل، والتوسّع في إدراك العلاقات بين الأشياء، وتصوير الجزئيّات، ومحاولة تشخيص الصورة.
لذلك خصّصنا هذا البحث لدراسة بعض النماذج الشعريّة وتحليلها لثلاثة من كبار المحدثين، ارتقت الصنعةُ على أيديهم فبلغت حدّ الروعة والتفنّن. أوّلهم بشّار الذي برع في استخدام المحسّنات اللفظيّة لزخرفة شعره وجلاء معانيه؛ وتوزّعت صورهُ بين قديمة ألبسها ثوب الحضارة والجدّة، وبين التصوير الدقيق، والإلمام بالجزئيّات، إلى صور مبتكرة وثيقة الصلة بالخيال العبّاسيّ.
واهتمّ مسلم بن الوليد بهذه الصنعة فزخرف شعره بالطباق والجناس، كأنّه كان يتعمّد في كلّ قصيدة إدخال هذه الناحية الصناعيّة، ليُلبس نهجه القديم ثوبًا يلائم روح العصر. وتراوحت الصورة في شعره بين الخيال المتعمّق والكدّ الفنّيّ.
أمّا أبو نؤاس، فحاكى الأقدمين في بعض صوره، ولكن في ثوب جديد يُعبّر عن حياته المتأنّقة؛ وأعاد تشكيل عناصر الصورة على أسس فنّيّة جديدة، تحوّل معها الفكرُ إلى لون شعريّ، تتراءى من خلاله ملامح الحياة في أبعادها الكونيّة.
ومال أكثرُ المحدثين إلى الصنعة، ولكن على درجات متفاوتة، كلٍّ بحسب ثقافته، وشدّة تأثّره بعلوم عصره وفنونه.
أوّلًا: مصطلح صناعة الشعر
كثُر مصطلح “صناعة الشعر” في مؤلَّفات الكتّاب والنقّاد العرب القدامى، وكان الجاحظ في طليعتهم، فهو أوّل من دعا إلى الافتتان في الصياغة، ورأى أنّ “النظرة إلى الأدب ينبغي أن تكون إلى مقدار ما حوى من آثار الصنعة، ومدى عناية الأديب بالأسلوب الذي تبدو فيه مظاهر الفنّيّة”(2)، كما يستدلُّ من قوله: “فإنّما الشعرُ صناعةٌ، وضربٌ من النسج، وجنسٌ من التصوير. . .”(3) فكان أوّل من قرن القصيدة بالصورة، وهو تقليدٌ شائع حتّى قيل: “الرسم شعر صامت والشعر صورة ناطقة”(4). وتحدّث ابن طباطبا عن بناء القصيدة تحت عنوان “صناعة الشعر”(5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ متفرّغ في الجامعة اللبنانيّة كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة الفرع الثالث أستاذ مادّة النقد الأدبيّ، أستاذ معيد.
ونُقل عن الخليفة عمر بن الخطّاب قوله: “خيرُ صناعات العرب أبيات يُقدّمها الرجلُ بين يدي حاجته”(6). وكان بشر بن المعتمر أوّل من استعمل هذا المصطلح في أوّل نصّ مكتوب في صحيفته المشهورة(7).
وتبعهُ ابنُ سلام الجُمحيّ (ت232هـ/ 846م)، فقال: “للشعر صناعةٌ وثقافةٌ يعرفُها أهلُ العلم، كسائر أهل العلم للصناعات”(8). وفي كلام العرب القدماء ما يدلُّ على أنّهم كانوا يحسبون الشعر ضربًا من الصناعات، فجعلوه كالبُرود، وكالحُلَلِ، والمعاطف، والديباج، والوشي، وأشباه ذلك(9). وتبلور مدلولُ هذا المصطلح عند قدامة، فرأى أنّ الشعر صناعة من الصناعات والمهن، لها طرفاها: أحدهما غاية الجودة، والآخر غاية الرداءة، وبينهما حدودٌ تسمّى الوسائط.(10) و”يظهر مبدؤه الصناعيّ جليًّا في حديثه عن الفضائل النفسيّة، وتقسيم الشعر، وهو كغيره من نقّاد عصره حاول أن يظهر الوجه الذي يتحقّق فيه سبيل الصوغ المتميّز، والبراعة الحاذقة(11).
إذًا فالشعر في نظر هؤلاء النقّاد صناعة “وبما أنّ أيَّ صناعةٍ لا يستطيع كلُّ واحدٍ أنْ يُلمَّ بها، فكذلك الشعرُ لا يستطيع معرفتهُ والحكم عليه إلاّ أهلهُ، ومن رسخت أقدامهم فيه”(12). ولكن مفهوم الصناعة لا يعني تكلُّف الشاعر وزخرفته لمادة الشعر بالألوان والأشكال المختلفة، بل يعني الفنّ بحدّ ذاته(13)، لأنّ في كلّ منهما معنى المهارة والتفنّن(14). وهذا الالتباس بين الصناعة، والفنّ قديمٌ يعود إلى اليونان الذين كانوا يعدّون الشعر من الحرف والصناعات(15).
والشعر في الواقع هو صناعة توليد العواطف(16)، فلا يكفي الشاعر أن يعبّر عمّا يجيشُ في نفسه، وإنّما المهمّ كيف يُعبّرُ(17)، ليظهر براعته، وقدرته الفنّيّة على النظم، فتبرز عندئذ المعاني في صور رائقةٍ معجبةٍ، يشعر الإنسانُ معها بمتعةِ الحسّ، ولذّة القراءة، والتفكير(18)؛ كما أنّ المسألة الجماليّة في العمل الأدبيّ هي “مسألة الرؤيا الفنّيّة المجسّدة بأسلوب تشكيليّ إيحائيّ يجلو رؤية المحتوى وفنّيّة المضمون”(19).
ثانيًا: الصنعة الفنّيّة بين القديم والتحديث
عرف الجاهليّون الصنعة الفنّيّة في الشعر، ولكنّها كانت مذهبًا يقوم على التجويد، “اتّقته العربُ إتّقاء شديدًا لأنّها رأت الشاعر في ترويته إنّما يسمّ كلماته فلا يرمي بها إلاّ قاتلًا”(20). وكان لهذا المذهب أثر في قيام الأسواق الأدبيّة، وتنافس الشعراء على “تجويد مدائحهم ليستخرجوا بها سنيّ الهدايا، والألطاف من ممدوحيهم”(21)؛ وبذلك أصبح لزامًا على كلّ شاعر مدّاح أن يُجيد كي يأتي شعره على مستوى المقام، بريئًا من عيوب السرعة والارتجال. وكان بعض الشعراء يغالون في صناعة الشعر بتؤدة، فتمكث القصيدة عندهم زمنًا طويلًا يجيلون النظر فيها(22)، أمثال زهير والحُطيئة (ت نحو 45هــ/ نحو 665م). وينسبُ الجاحظ إلى هذه الفئة كلّ من جوّد في شعره، وأعاد النظر فيه حتّى يُخرج أبيات القصيدة كلّها مستويةً في الجودة(23).
وفي القرن الثاني الهجريّ، تثقّف المحدثون بثقافةٍ واسعةٍ نوّعت أفكارهم، وخواطرهم، وأجّجت عقولهم، وأذهانهم، فانطلقوا يُصوّرون ما يجول في نفوسهم(24)، بأساليب ساحرة فيها ترفُ الفنّ، وجمالُ الصنعةِ والأداء؛ واهتمّوا بالزخارف، وأولوها عنايتهم في شعرهم، وأجهدوا أنفسهم لبلوغ صياغة جديدة تمثّل روح العصر، فتجاوزوا مفهوم الأقدمين لمعنى التشبيه والاستعارة، وتوصّلوا إلى دلالات فيها كثيرٌ من الخيال المرتبط بمظاهر الحضارة، وبلغوا مرقاةً عالية من مراقي التصوير الفنّيّ، وحاولوا تشخيص الصورة وتجسيمها، وافتنّوا في إخراج التشبيهات وزخرفتها، متأثّرين ببيئتهم الحضاريّة المترفة.
ويُحاول مصطفى صادق الرافعيّ أن يفرّق بين الصنعة الشعريّة عند الجاهليّين، والصنعة عند المحدثين الذين لم يلتزموا “سنن العرب في الوصف، بل قلبوهُ إلى التشبيه، وبينهما فرقٌ عند العرب، وهو أنّ الوصف إخبارٌ عن حقيقة الشيء، والتشبيهُ مجازٌ وتمثيلٌ، لأنّه مبنيّ على أن يُوقع بين الشيئين اشتراكهما في الصفات أكثر من انفرادهما فيها، إذ لا بُدّ أن يكون بين المشبّه والمشبّه به اشتراك في معانٍ تعمّهما ويُوصفان بها، وافتراق في أشياء ينفردُ كلّ واحدٍ منهما بصفتها، فهو يدخل في الوصف كما ترى وليس به في الحقيقة. ومن أجل ذلك بالغ المولّدون في أوصافهم، وجاءوا بالتشبيه المفرط والبعيد، وكان هذا شيءٌ اقتضتهُ حضارتهم المبنيّة على الترف وتمويه الأشياء بالزخرفة. . .”(25).
وعني شعراء القرن الثاني بالصنعة الشعريّة لبلوغ جمال الشعر، ظنًّا منهم أنّ المعاني نضبت، وأنّ أهمّ شيء في الشعر هو الصياغة، وليس المهمّ عندهم أنّ شيئًا يُقال، وإنّما أن يقال في بيان جميل بالزخرف في العبارة والتنميق، فاجتمع لهم من ذلك الجناسُ، والطباقُ، والاستعارة، وغيرها من الأنواع التي وقع عليها اسم البديع. ولاحظ الأقدمون التطوّر الشكليّ الذي بلغه المحدثون، فنسبوا إليهم التفوّق في البديع(26). وأغلب الظنّ أنّ هذا الفنّ نضج بفعل رواج الغناء، فالشعراء الذين كانوا يلاحقون هذا التطوّر بما يصنعونه من شعر يغنى، حرصوا أشدّ الحرص على البديع مُلاءمةً منهم بين الشعر، والغناء، والموسيقى(27) فتفنّنوا في الصياغة الشعريّة ونهجوا بها مناهج لم يسبقهم إليها أحد من قبل(28). ويبدو الجاحظ متعصّبًا للعرب في قوله إنّ البديع، أي الصنعة الشعريّة بصفةٍ عامّةٍ، مقصور عليهم، ومن أجله فاقت اللغة العربيّة كلّ لغة وأربت على كلّ لسانٍ، وحين يذكر الشعراء المحدثين يردُ في كلامه لفظُ البديع كثيرًا(29). وإذا كان الجاحظ “يصف المعاني، والألفاظ بالبديع، فلكي يشير بذلك أحيانًا إلى خصائصها الذاتيّة، وميزاتها الخاصّة من الفصاحة والجماليّة(30). ومن الواضح أنّ البديع لم يفرض نفسه في ذلك القرن دون مقاومة، فقد عبّر الكثيرون من النقاد، والدارسين عن معارضتهم الشديدة لهذا الأسلوب، ودارت معركة القدماء والمحدثين من نواح عدّة حول استخدامه(31).
والبديع بمفهومه العامّ يشمل الصنعتين اللفظيّة والمعنويّة، فهو صورة من صور التداخل الحضاريّ، لا يقف عند حدود الزخارف، والرسوم المنمّقة، بل يتجاوزها إلى استخدام الصور البيانيّة المتنوّعة، من تشبيه واستعارة، وتناول المعاني القديمة بمثل هذه الأشكال التعبيريّة الجديدة(32). وكان شعراء القرن الثاني على اختلاف مذاهبهم، وألوانهم من أصحاب البديع، منهم ثلاثة، هم: بشّار، ومسلم، وأبو نؤاس، بلغت الصورة الشعريّة معهم درجة عالية من حيث التأمّل الواعي، والإدراك الدقيق للجزئيّات.
ثالثًا: بشّار والتفنّن البديعيّ
تُجمعُ المصادر القديمة على أنّ بشّارًا كان على رأس جماعة المحدثين فهو “ممهّد طريق الاختراع والبديع للمتفنّنين”(33)، ويصفه الجاحظ بأنّه أصوب المولّدين بديعًا مع ابن هرمة(34). ونقل أبو الفرج عن الأصمعيّ قوله بأنّ هذا الشاعر سلك طريقًا لم يُسلك، وتفرّد به، فكان أكثر تصرّفًا وأوسع بديعًا(35)؛ ويرى ابن رشيق أنّه كان أوّل من فتق البديع(36)؛ ويعلّل الحصريّ القيروانيّ سبب تسميته بأبي المحدثين بأنّه نهج لهم سبيل البديع فاتّبعوه(37). والذي لا خلاف عليه أنّ في شعر بشّار نزعة قويّة نحو البديع أي الصنعة الشعريّة بنوعيها اللفظيّ والمعنويّ؛ فاللفظيّ يتمثّل بتلك الزخرفة الكلاميّة، مثل الطباق، والجناس، والمقابلة، وما إليها، وهو في الأساس يعبّر عن مهارة الشاعر في نظم الكلمات، وبراعته في ترتيبها، وتنسيقها؛ وتوافر هذا النوع من الشعر يزيد من موسيقاه(38). وأمّا المعنويّ فيعني الصور الشعريّة التي تشمل “كلّ ضربٍ من ضروب المجاز يتجاوز معناه الظاهر، ولو جاء منقولًا عن الواقع”(39).
1- المحسّنات اللفظيّة:
اعتمد بشّار على بعض المحسّنات اللفظيّة، وفي مقدّمتها الطباق والجناس. والطباق هو المقارنة بين الجوانب المتناقضة، تحتاج إليه الفكرة في استقصائها، وجلاء غوامضها؛ ويُعدُّ من “أهمّ أركان الجمال في الشعر(40). وهو في أكثره عند بشّار من النوع البسيط الذي يجمع بين الكلمة وضدها، على نحو قوله(41):
أعمى يقودُ بصيرًا لا أبا لكمُ قد ضلّ منْ كانتِ العميانُ تهديه
فهو يطابق بين أعمى وبصير، وبين الفعلين ضلّ وتهديه.
ومن شعره أيضًا :
إذا أيقظتك حروبُ العدى فنبِّه لها عُمرًا ثم نَمْ(42)
“فنبّه ونَمْ” طباقٌ له أثرٌ قويٌ في تجويد الشعر؛ ويشير قدامة إلى هذا الطباق لما يؤديه من دقة معنى، قائلًا: “لو قال مثلًا فجرد لها عمرًا لم يكن لهذه اللفظة ما لنبّه من الموضوع من نمْ”(43)
ويطابق بين “مباعدة ومقاربة” وبين “مقبلة ومُدبرة”(44)، مُعبرًا عن حالة التناقض التي تتجاذب شعوره إزاء معشوقته عبدة(45)؛ ويُصوّر تقلبات النفس، وترجّحها بين مشاعر الفرح، والحزن من خلال مطابقته بين الفعلين “تضحكين وتبكين”(46). والأمثلة على الطباق كثيرة في شعر بشّار، وهي تُضفي على المعنى قوةً، وحركةً، وتكشفُ عن الجوانب المتناقضة في ذات الشاعر(47).
ومن المحسّنات الكلاميّة في شعره، الجناس بنوعيه التامّ والناقص، وهو تشابه اللفظيّن في النطق واختلافهما في المعنى(48)، على نحو مجانسته بين الفعلين “تسامح” و”تجامحُ”، وبين “الدّاء” و”الدواء”، وبين “الرَّغب” و”الرّهب”(49). ومن الأمثلة على الجناس التامّ بين الاسمين المتماثلين ما ورد في قوله(50):
إذا لاحَ الصّوارُ ذكرتُ نُعمى واذكرها إذا نفحَ الصِّوارُ
فالصّوار الأوّل: اسم جمع، وهو القطيع من الظباء، أو بقر الوحش. والصّوار الثاني هو القطعة من المسك وجمعها أصورة.
ومن الجناس المستوفي، وهو ما كان ركناهُ من نوعين مختلفين، ما ورد في قوله(51):
يا خليلًا نَبا بِنا في المشيبِ لم يُعرّجْ على مشار الطبيبِ
فهو يُجانسُ بين الفعل الماضي “نبا” وحرف الجرّ والضمير المتّصل به “بنا”
ومن الجناس الناقص قوله في عبدة(52):
فخْمةٌ فعْمةٌ برودُ الثّنايا صعلةُ الجيدِ غادةٌ غيداءُ
فالفخمةُ تعني الضخمة، والفعمةُ أي الممتلئةُ لحمًا؛ وفيه أيضًا الغادة، وهي المرأة المتثنبة لينًا، والغيداء تلك التي تميلُ عنقها في المشي تدلّلاً واسترخاء.
وتحتشد الألفاظ المتجانسة في البيت الواحد، على نحو قوله في النسيب(53):
وجَنَاتٌ قال الإلهُ لها كُو ني فكانتْ رُوحًا ورَوْحًا وراحا
فالرُّوحُ تعني الحياة الدائمة، والرَّوح هي النسيم اللذيذ البرودة، والمقصود بها الفرح والسرور: والرّاح هي الخمرة، ويُقصدُ بها الارتياح والنشاط.
2- الصنعة المعنويّة – أنماطها العامّة:
ويُقصدُ بها الصورة الشعريّة التي تشكّل قوّة إيحائيّة توحي بالفكرة والعاطفة(54)، وهي عنصر مهمّ “من عناصر الإبداع الشعريّ، ووسيلتُهُ المتميّزة”(55). إنّها الصياغة الفنّيّة التي يتمّ من خلالها تمثّل المعاني، فتحمل الألفاظ دلالة جديدة مبتكرة، يُستدلّ بواسطتها على مميّزات أسلوب الشاعر، وإبداعه الفنّيّ. والصورة هي الأكثر أهمّيّة في صنعة بشّار، فاستحقّ أن يكون من أجلها أمام المحدثين في البديع؛ وتتنوّع بين قديمة ألبسها ثوب الحضارة، وصاغها بطريقة جديدة تلائم روح العصر، ومُجسّمة تحتوي على دقائق الوصف، وجزئيّات التصوير، ومُبتكرة تقوم على أركان الشخيص.
أ- إحياء الصورة القديمة:
انطلق بشّار في رسم بعض صوره من مخزون ذاكرته، فظلّت تدورُ في أفق التقليد، على الرّغم من مُسحة الحضارة البادية في بعض جوانبها؛ ومنها تشبيه المحبوبة بالشمس(56)، فهي تضرمُ النار في قلبه وأحشائه، وتثيرُ لهيب الشوق في عروقه. يقول(57):
فقلْتُ أحسنْتِ أنتِ الشمسُ طالعة أضرمتِ في القلبِ والأحشاءِ نيرانا
ويورد هذه الصورة في موضع آخر قائلًا:
أتتني الشمسُ زائرةً فلم تكُ تبرحُ الفلكا(58)
في هذا البيت استعارة مطلقة، يعلّق عليها غازي يموت في قوله: “وحين قال: أتتني الشمس، فقد جاء بالقرينة، وهي “أتتني” ليمنع انصراف الذهن إلى الشمس الحقيقيّة، لأنّ الشمس لا تأتي، فلا يُقال: إنّ كلمة أتتني هي تجريد لأنّها تلائم المشبه “المرأة”، بل يجب أن ننظر في الصفات الباقية مثل الزيارة (للمشبه) والفلك (للمشبه به)(59).
وأضفى على هذه الصور بعض المعاني التي استمدّها من روح العصر، فجعل الحبيبة تتفوّق على الشمس في محاسنها وقوة جاذبيّتها، تصطاد الناظرين إليها فتشدّهم إلى جمالها، يقول(60):
كأّنها الشمسُ، قد فاقتْ محاسنُها محاسن الشمس إذْ تبدو لأسفارِ
الشمسُ تدنو ولا تصطادُ نـــــاظرَها ولـــــــو بدَتْ هي صادتْ كل نظّارِ
ويُشرك صورة البدر مع الشمس في وصف جمال الحبيبة حين تقنُّعها، فإذا وجهها في القناع بدرٌ يتلألأ في سواد الأفق(61).
ويتحدّث شوقي ضيف عن استغلال بشّار لصور الغزل القديم ومعانيه، ومنها “وقوفه عند طول الليل والسُّهاد فيه الذي ذكره الجاهليّون والإسلاميّون كثيرًا في أشعارهم”(62)، ولكنّ بشّارًا عرضه في طرائق جديدة تختلف عن أساليبهم؛ فحالة القلق والهمّ التي اعترت قلبه جعلت ليله طويلًا مثقلًا بالعناء لا ينقضي، وعينه تعجز عن التغميض، كأنّ جفونه قصرت، ولم تعد قادرة على الاتّصال؛ وإذا السُّهادُ حالةٌ دائمةُ، واللحظاتُ تتثاءبُ بطيئة الخُطى تحت ستار الظلمة. يقول(63):
أقولُ وليلتـــــــــــــــــــــــــي تزدادُ طولًا أمّا للّيل بعدَهُمُ نهـــــــــــــــــارُ؟
جفتْ عيني عن التغميض حتّى كأنّ جفونَها، عنها، قصارُ
وإذا كانت الصورة قديمة في هذين البيتين، سبقه إليها الشعراء الجاهليّون(64)، فهي على جانب كبير من الروعة، لأنّ الشاعر ألبسها زيًّا جديدًا، وأورد المعنى بطريقةٍ مبتكرة تقومُ على التعليل، والتفسير، والدقّة في تقصّي عناصر الصورة وجزئيّاتها، وهذا ما عناه المبرّد في قوله إنّ هذين البيتين هما من تشبيه المحدثين المستطرف(65).
وعلى هذا النحو كان بشّار يدير المعاني القديمة في ذهنه، ويُولّدُ منها، ويستخرج طرائف جديدة، ويُلبسها ثوبًا من خيال المولّدين بعد أن يُطعمّها بالبراعم العبّاسيّة المشرئبّة، ولهذا انطبعت بسمات عصره الحضاريّة(66). وتكثر في شعره الصور الحسّيّة، وهي تحملنا على الظنّ، لولا معرفتنا بظلامة عينيه، بأنّه كان يرى الأشياء ويتلمّسها كالمبصر، “وقد يكون في فقد بعض الحواسّ ما يُعين على تنبه القلب، وصفاء العقل، ويقظة سائر الحواسّ”(67). وخيرُ مثال على ذلك صوره المتنوّعة في وصف مفاتن “صواحبه وأجسادهن، وكأنّه مبصرٌ يصف كلّ ما تقعُ عليه عيناه”(68) ومن ملابس المرأة، وأدوات زينتها، ومظاهر جمالها الأنثويّ. ومن صوره الحسّيّة هجاؤه لواصل بن عطاء (ت 131هـ/748م)، وتشبيهه لعنقه بعنق النّقْنق أي ذكر النعام، والغزال، فوجهُ الشبه هو طول العنق وامتداده بشكلٍ غير متناسقٍ مع الجسم، وهذا يُشكِّلُ عيبًا ظاهرًا(69)؛ ويشبِّهُ في صورة أخرى أسراب بقر الوحش، وهي تجوسُ في الصحراء، بمشي النساء المتهاديات، وسعةَ الصحراء بامتداد الفضاء المترامي الأبعاد الذي لا حدّ له(70). وقد أُعجب الأصمعيّ بقُدرته على التدقيق في صوره الحسّيّة فقال: “كان يشبّه الأشياء بعضها ببعض فيأتي بما لا يقدر البصراءُ أن يأتوا بمثله”(71).
ب- الإلمام بالجزئيّات وعناصر التجسيم:
بلغت الصورة البشّاريّة جانبًا كبيرًا من الروعة والدقّة والجمال، لاحتوائها على دقائق الوصف، وعناصر التجسيم، والتصوير، وخيرُ مثالٍ على ذلك ما قاله في معاتبة وزير المهديّ يعقوب بن داود، لحبسه العطاء عنه بعد طول انتظار:
يعقوبُ قد وردَ العُفاةُ عشيّةً | مُتعرّضين لسَيبكَ المُنتابِ | |
فسقيتَهمْ وحسبْتني كمّونـــــةً | نبتت لزراعها بغيرَ شرابِ(72) |
فهو يشبّه نفسه بالكمّونة، حسب زعم يعقوب، إذ تصبرُ على العطش، وتعطي جناها بغير سقيٍ. والكمّون كما يزعم الناس، ينبتُ بالأمّاني، فلا يُسقى، بل يُوعدُ بالسقي، فهو ينمو على المواعيد الكاذبة، ولذلك يضربُ المثلُ به للوعد الكاذب.
ويعتمد بشّار على صورة الكمّون ليُعبّر عن قلّة الصدقٍ في تنفيذ الوعد(73). ويجسّم معنى الهمّ فيشبهُهُ بشخصٍ مُخيفٍ مائلٍ في فراشه، يمنعُهُ من الرّقاد، كلّما نظر إليه النومُ نفرَ منهُ وارتدّ خائفًا:
وكأنّ الهمّ شخْصٌ مائلٌ كُلّما أبصرَهُ النّومُ نفرْ(74)
ويتخيّل نفسه طائرًا يعبر الآفاق للقاء الحبيبة، تدفعه إليها زفرات الحُبّ الملتهبة، فيقول:
أكادُ من زفرةٍ تُباكرني أطيرُ في الطّيرٍ حينَ تُبتَكَرُ(75)
أمّا الصورة الرائعة التي أثارت اهتمام النقّاد لاحتوائها على عناصر التجسيم، فهي وصفه الدقيق لزحف الجيش، في إحدى مدائحه(76) لمروان بن محمّد، وتشبيهه السيوف تحت الغبار بالشهب المتساقطة في الظلام، ومن أبياتها:
إذا الملكُ الجبّارُ صعَرَ خدّهُ مشيّنا إليهِ بالسيوف نُعاتبُه
“فصعّر خدّهُ” بمعنى أمّاله عن وجوه الناس، والنظر إليهم تهاونًا بهم واستكبارًا، وفي قوله “مشينا إليه بالسيوف نُعاتبه” لونٌ جميلٌ من ألوان البيان؛ وقصدُه أنّ الجبّار الذي يصعّر خدّه، لا نرضى بأن نعاتبه على ذلك عتاب الناس، بل أن نضع له السيوف موضع العتاب(77)؛ وأحسن الصنعة في استعارته العتاب للقتال، لما في هذا المعنى من دقّةٍ وبراعةٍ ووقع شديد في النفس، “وأيّ عتابٍ أشدُّ من عتابٍ تنتضي فيه الصّوارمُ بدلًا من الألسنة”(78). ثمّ يخلعُ على هذا المعنى الحركة والحياة، فيمنحهُ قدرًا من التجسيم، مشبّهًا الغبار المتصاعد من أرض المعركة، والسيوف اللامعة في تساقطها على رؤوس الأعداء بليلٍ تتهاوى كواكبه، قائلًا
كأنَّ مثارً النّقْعِ فوقَ رؤوسنا وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبُهُ
وطرفا التشبيه في هذه الصورة مركَّبان، فالشاعر “عمد إلى تشبيه هيئة مركبة، مؤلّفة من صورة السيوف التي سلّت من الأغماد، تتحرّك بسرعة علوًّا وسفلًا، أمامًا وخلفًا، تتداخل وتتصادم، ثمّ تهوي مستطيلة، بهيئة مركبة أخرى، مؤلّفة من صورة الكواكب، وهي تشقُّ بهيم الليل، متساقطة تجرّ خلفها أذيالًا طويلة”(79). وكان عبد القاهر الجرجانيّ قد أعجب بهذه الصورة، فرأى أنّ الشاعر راعى فيها ما لم يراعه غيرهُ من الشعراء، فعبّر عن هيئة السيوف، وقد سلّت من الأغماد، وهي تعلو وترسب، وتجيء وتذهب، ولها في حال احتدام الحرب، واختلاف الأيدي بها في الضرب، اضطرابٌ شديدٌ وحركات سريعة، فالكواكبُ “إذا تهاوتْ اختلفت جهاتُ حركاتها وكان لها في تهاويها تواقعٌ وتداخلٌ ثمّ إنّها بالتهاوي تستطيلُ أشكالها(80). وقد استكثر الأقدمون عليه هذ الصورة لجدّتها فقالوا باستغراب ودهشة: “ما قال أحدٌ أحسنَ من هذا التشبيه، فمن أين لك هذا، ولم ترَ الدنيا قطّ، ولا شيئًا فيها”(81).
إنّ هذا المعنى وما فيه من تفاصيل دقيقة يُشيرٌ إلى قدرة بشّار على استكمال عناصر التجسيم، وتصوير أدقّ الأشياء بجدّة وبراعة، بحيث نستطيع أن نتخيّل الصورة بكامل جزئيّاتها، ونشعر بها شعورًا قويًّا؛ وهذا الأمر لا يتّفق مع الرأي الذي ذهب إليه السيّد أحمد خليل في قول إن بشّارًا كان “في كلّ مدائحه يصدرُ عن الصورة الشعريّة القديمة”(82)، فإذا كان فعلًا قلّد الأقدمين في بعض معاني صوره، فإنّه برع، وأبدع في صور أخرى، ممثّلًا عصرهُ أصدق تمثيل.
ج- الصورة المبتكرة:
استجاب بشّار لمؤثّرات عصره، فكانت بعضُ صوره وثيقة الصلة بالخيال العبّاسيّ، تُمثّلُ واقع الحياة بدقّة. وما يلفت النظر في شعره “هو تجديد البناء الفنّيّ للصورة في تشبيهات مبتكرة، تجدّد لغة الصورة، وشكلها الخارجيّ”(83). وخيرُ مثال على ذلك تفنّنهُ في وصف كلام المرأة؛ فحديثُ عبدة يُشبهُ في نسقِهِ وأدائه قطعَ الرّياض المتنوّعة الأزهار، المتجانسة بألوانها الزاهية، كأنّ هاروت، ملك السّحر، أضفى على هذا الحديث كلّ جمال وبهاء(84)، وفي ذلك يقول(85):
وكأنّ رصْفَ حديثها | قِطعُ الرّياض كُسيْنَ زهرا | |
وكأنَ تحت لسانِها | هاروتَ ينفثُ فيهِ سحرا |
ويرى المبرّد أن هذه الصورة هي من حسن تشابيه المحدثين(86).
ويتمثّل بشّار الحياة العبّاسيّة القائمة على الزخرف، فيشبّهُ حديث المرأة بالثوب الموشّى في دقّة زخارفه وتناسق ألوانه “وحديثٌ كالواشي وشي البُردودِ”(87)، ويربط بين الرياض، والحديث العذب، فيبتكر علائق جديدة بين المشبّه به “كأنّ رياضًا فُرّقت في حديثها”(88).
ومن الصور المبتكرة تشبيهه ما كان بينه وبين صاحبته من مودّة، بما “بين المسك والعنبر والورد” من تقارب في الرائحة. ويُشبّه الهوى بالطفل الصغير “بكيتُ من الهوى وهواك طفل”. ويبلغ وصفه درجة التشبيه المقلوب، “وهو عكس طرفي التشبيه بحيث يجعل المشبّه مشبّهًا به، بادعاء أنّ وجه الشبه فيه أقوى”(89) فبعد أن شبّه عبدة بالقمر في سحرها، عاد وشبّه القمر بها، فهي تفوقُهُ ضياءً وجمالاً:
غرّاءُ كالقمرِ المشهورِ حينَ بدتْ لا بلْ مثلَها حينَ استوى القمرُ(90)
ويُشبّهُ صديقَ السُّوءِ بالدمَّل المليء بالقيح، ويومَ زيارته بيوم مجيء الحمّى التي تُرهقُ الجسم؛ ويُمثلُ صبره على ذلك الصديق بصبر المرءِ على الدمَّل، فلا يجدُ من تحمّلِ أذاه لأنّه ملتصقٌ به، ولا يستطيع أن يؤذيهُ لأنّه ينمو في جلده:
وصاحبٍ كالدُّمّلِ المُمِدِّ | أرقُبُ منْهُ مثلَ يوم الوردِ | |
حملتُهُ في رقعةِ جلدي | صبرًا وتنزيهًا لما يؤدّي |
“فحملتُهُ في رقعةِ جلدي من الاستعارة الخاصيّة النادرة، “وهي الفنّ الأوّل من الإبداع الذي يرجعُ إلى حسن اختيار المعنى المستعار للمستعار له.”(91).
وكثيرة هي الاستعارات التي تنمُّ عن ذوقٍ فنّيّ عند بشّار، ففي صورة تجمّد الدّمع يستعير معنى الغصّة للعين، وهو ما يُستعمل للحلق، وذلك للتعبير عن نار الجوى التي تستعرُ في قلبه، فتعجز عيناهُ عن البكاء، وتُقفلُ نوافذ الذات فلم يعدْ يجدُ مُتنفّسًا لهمومه:
أقولُ والعينُ بها غُصّةٌ منْ عَبْرةٍ هاجتْ ولم تسكُبِ
ويستعيرُ معنى النضجِ للكبد، والنارَ القويّة للصبابة التي يشتدُّ غليانُها نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وعندها تتحوّل الكبدُ إلى ثمرةٍ يانعةٍ، أو طعامٍ مُعدّ للأكل على مائدة الحبّ:
ويا كبدًا قدْ أنضجَ الشوقُ نصفَها ونصفٌ على نار الصبابةِ ينضجُ
ويجمعُ بين التشبيه والاستعارة في موضع واحدٍ، فيُشبِّه فؤاده بالطائر الذي حانَ وِردُهُ” فراح يهزُّ جناحيه مؤذنًا بالطيران، ويستعير الوفودَ للأحزان فيلقاها واحدًا بعد آخر:
كأن فؤادي طائرٌ حانَ وِرْدُهُ | يَهزُّ جناحيهِ انطلاقًا إلى وَرْدِ | |
ومنْ حبِّها أبكي إليها صبابة | وألقى بها الأحزانَ وفدًا على وفد(92) |
أمّا براعةً بشّار الفنّيّة فتظهر في ناحية التشخيص الذي هو “ضربٌ من التعبير يُعَدُّ من أقوى أركان الصورة الشعريّة”(93)، ويقومُ على “أنسنة الجماد، والحيوان، والنبات، واعتبار الطبيعة كائنًا ذا روحٍ كلّ ما فيها يحيا ويحسّ”(94). وكان الشاعر سبّاقًا إليه(95)، فزفراتُهُ الملتهبة، وهي شيءٌ معنويّ، ومظهرُ الحركة والحياة، “يأكلْن قلْبَ الحديد”، والحبيبةُ ساحرةً “يضحكُ ماءُ الشبابِ في وجهها” فتوّةً ونضارةً، و”وجوهُ المنايا حاسرات العمائم” تكشفُ عن ذاتها بدون خجل، والهمّ “ساهرٌ يتوهجُ” في قلب الشاعر فيقضُّ مضجعهُ، والقلبُ يشدُّ على المكتوم فيرى حوله “الإخوان عوّادًا”(96)، ويتراءى له الحبُّ جنودًا تدلفُ إليه حاملةً بشائر الموت:
فجودي بالوِصال لمُستهامٍ | بذكرك في المساءٍ وفي الصّباحْ | |
يهيمُ بكُمْ وقدْ دلفَتْ إليهِ | جيوشُ الحُبِّ بالموتِ الصُّراحْ(97) |
ويتحوّل القمريّ إلى إنسانٍ يهتفُ، فيثير بصوته مكامنَ الشوق في قلب الشاعر، وعندها لا يستطيع حبسَ دموعه:
إذا هتفَ القمْريُ نازعني الهوى بشوقٍ فلمْ أملكْ دموعي من الوجْدِ(98)
وخلاصةُ القول إنّ صنعة بشّار كانت “تقوم على الموازنة الدقيقة بين العناصر التقليديّة في الشعر العربيّ، والعناصر الجديدة المستمدّة من الحضارة، والثقافة المعاصرة(99)، غير أنّه ارتقى بالصورة إلى درجة الإبداع فتميّزت بالدقّة، والروعة، وقوّة التمثيل للعلاقات بين دقائق الأمور وجزئيّاتها.
رابعًا: الصنعة في شعر مسلم
يُعدّ مسلم بن الوليد أحد روّاد الصنعة الشعريّة في القرن الثاني الهجريّ، فقد تكلّف البديع، واستكثر منه(100)، وهو الذي أعطاه لقبَه(101)، ثمّ تبعه الشعراءُ فيه(102). وكان مُتفنّنًا متصرّفًا في شعره، فكسا “المعاني حُلل اللفظِ الرفيع”(103)، وتمكّن من اكتشاف أدوات الصنعة، فذاعت شهرته، وحظي شعره بمكانة خاصّة. ويُروى أنّه كان يجلسُ في المسجد والناسُ حوله يكتبون(104). ولعلّ من أسباب تفوّقه في هذه الصنعة، وابتكار الصيغ المعجبة، أنّه جمعَ في شخصيّته طاقة النبوغ في الشعر، والإجادة في الخطابة والكتابة، ويشهدُ الجاحظ لهُ بهذه القدرات(105). وكان الشعرُ عندهُ صناعة مُجهدة، لا بُدّ فيها من التريث، والصقل، والتجويد(106)، لذلك حفلَت قصائدهُ بالزركشة اللفظيّة، والتنميق الكلامي، والتشبيهات البارعة، والاستعارات اللطيفة، ونشأتْ بفعل ذلك مدرسةٌ بيانيةٌ جديدة تحوّل الشعر معها إلى فنّ يسير الشاعر فيه وراء الجمال(107).
- المطابقة والمجانسة:
من ضروب الصنعة اللفظيّة التي كثرت في شعر مسلم، الطباق والجناس، وقليلة هي الأبيات التي تخلو من هذين اللونين؛ فهو يطابق مثلًا “كان فيها” و”عداها”، وبين “أقمتُ بها” و”أعدّيها” في مطلع إحدى مدائحه قائلًا(108):
إنْ كان فيها الذي أهوى أقمْتُ بها وإنْ عداها، فما لي لا أُعدّيها
ويطابقُ بين “الإقفار والأنس”، وبين “خلت الديار ويعهدُ أهلهُا” في فاتحة إحدى قصائده(109)؛ وبين “الخير والشرّ”، و”العلم والجهل”(110)، وبين “معلوم ومجهول” و”الهجاء والمدح”، و”عززت وذليل” في مقطوعة يهجو فيها تلميذه دعبل الملقّب بميّاس؛ وبين “أرى وما تريان” و”ناءٍ وبعيد”، مُعبّرًا عن جزعه الشديد لفقدان زوجته؛ ويطابق بين “يجود وضنّ” في أجمل بيتٍ قاله، وهو يمدح رجلاً بالشجاعة(111):
يجودُ بالنفس إذْ ضنّ الجوادُ بها والجودُ بالنفسِ أقصى غايةِ الجُودِ
وكان يُوشّحُ بعض أشعاره بطباقات بارعة، فيلبسها ثوبًا جديدًا زاهيًا ينّم عن ذوقٍ رفيع وقدرةٍ على التفنّن والزخرفة البديعيّة، على نحو لاميّته التي نظمها في مدح بني جبريل، ومن أبياتها(112):
أمّا الخليطُ فزائلونً لفُرقـــــــــــــــــــــةٍ | فمتى تراهُم راجعين قُفـــــــــــــــــــــولا | |
تاللهِ ما جَهِلَ السُّرورُ ولا الكـرى | أنَّ الفراقَ من اللقاءِ أديـــــــــــــــــلا | |
سَلْ عيشَ دهرٍ قدْ مضتْ أيامُهُ | هل يستطيعُ إلى الرّجوعِ سبيلا؟ |
فهو يُطابقُ بين “زائلون لفُرقةٍ”، و”راجعين قفولًا، وبين “اللقاء والفراق”، وبين “مضتْ أيّام الصّبا، ويستطيعُ إلى الرجوع سبيلاً”. وغالبًا ما كان يجمع الطباق والجناس في موضع واحدٍ، على نحو قوله في مدح الفضل بن يحيى البرمكيّ، مطابقًا بين “يمناه وشماله”، ومجانسًا بين “الندى والرّدى”:
تساقطُ يُمناهُ الندى وشماله الرْ ردى وعيونُ القولِ منطقة الفضل(113)
ويبدو هذا الجمع واضحًا في إحدى مقدّماته الغزليّة، فيطابق بين “أعلن وأسرُّ”، وبين “الود”، وما فيه من معاني الوصل والحبّ، و”الهجرة” وما تحمله من معنى البعد والفراق، وبين “أأرجعُ وأتقدّم”؛ ويجانس بين “تقتل والقتل”، وبين “سلّم والمُسلم” في الموضع نفسه(114).
- الصورة بين التخيّل والكدّ الفنّيّ:
تزاحمت الصور الفنّيّة في شعر مسلم، وهي بمجملها تتّسمُ بالجدّة والطّرافة، وتخضع لعمق الخيال، لكنّها على وجه العموم تتّحدُ بالزخارف، والمحسّنات اللفظيّة، وتغلبُ الصنعة على بعضها. وخير مثال على ذلك ما ورد في لاميّته الشهيرة التي مدح فيها يزيد بن مَزيد الشيبانيّ(115) (ت 185هـ/ 801م)، وقد وصفها ابن المعتزّ(116) (ت 269هـ/ 909م) بأنّها “جيّدة عجيبةٌ مشهورة”، وهي تقع في تسعةٍ وسبعين بيتًا، أكثرها حافل بضروب البيان والبديع؛ استهلها بمقدّمةٍ غزليّةٍ، يشكو فيها من لوعة صدّ المحبّ، ويُعبّر عن حقيقة الصراع بين العاشق الذي باح بحبّه وتجرّد له، وبين العُذّال الذين يلومونه، ثمّ يصوّر شدّة حزنه ساعة الفراق، وتماسك دموعه، حتّى كادت نفسه أن تذوب أسىً، فيقول(117):
أجررتُ حبّل خليعٍ في الصِّبا غـــــــزلِ | وشمّرتُ همم العُذالِ في العَذل | |
هاجَ البكاءُ على العين الطّموح هوىً | مُفرق بين توديعٍ ومحتمــــــــــــل |
فالجهدُ واضحٌ في هذه الأبيات من حيث زخارف الجناس والطباق؛ فهو يجانس بين العذّال والعذل، ويطابق بين التوديع الذي فيه شيء من الانتظار والتريث، وبين الاحتمال والارتحال، وما فيه من تسرّع واستعجال.
وعلى هذا النسق يمضي في بث صوره المدحيّة، قائلاً:
يغشى الوغى وشهابُ الموتِ في يدهِ | يرى الفوارس والأبطال بالشُّعلِ | |
يفترُّ عند افترار الحرب مُبتسمًــــــــــــــــــا | إذا تغيّر وجه الفارس البطـــــلِ | |
مُوف على مُهج، في يوم ذي رهــــــج | كأنّه أجلٌ يسعى إلــــــــــــــى أملِ |
فالمجانسةُ واضحةً بين يفترّ وافترار، فيزيد يفتر مبتسمًا، وتفتر الحرب عن أنيابها القاتلة؛ وتبدو المطابقة أيضًا بين تغيّر الوجه، وعبوسه، وابتسام الممدوح. ويستعير الشهاب للسيف، فيجعله شهاب موتٍ تسقط منه الشعل على فوارس الأعداء فتحرقهم. ويتألّق الجناس بين مُهجٍ ورُهج، وبين أجل وأمل؛ ثمّ يُشبِّه الممدوح بالبيت الحرام الذي تنتهي إليه سبل رواد القاصدين، ويقصر رحلة هؤلاء الناس إليه دون سواه، قائلًا:
لا يرحلُ الناس إلاّ نحو حُجرتِهِ كالبيتِ تُضحي إليه مُلتقى السبل
يجعل يزيد يكسو السيوف بدماء أعدائه فيتوّج القنا برؤوسهم، مجسّمًا نفوس القتلى:
يكسو السّيوف دماء الناكثين به ويجعلُ الهام تيجان القنا الذبل
يعمد إلى الاستعارة القويّة العنيفة التي يفتق من خلالها أكمام المعاني، في قوله: “يقري المنيّة أرواح الكُماه”.
وتتلاحم المعاني عند مسلم، وتتكامل في إطار الصورة الكبرى، فتتحوّل كلّ قصيدة إلى لوحة فنّيّة رائعة الظلال والأبعاد، متجانسة الألوان، تتلاقى فيها دقائق الأمور وخفاياها، على نحو قصيدته التي يعبّر فيها عن شدّة حبّه، ونزوع نفسه للقاء الحبيبة، وما يعانيه من شوق وهيام؛ فقد غرق في بحر الحبّ وراح يستغيث بالحبيبة، لكنّها لم تصغ إليه، ولم تنهض لإنقاذه، فتركته وحيدًا تتقاذفه الأمواج وتطوح به:
طفوت على بحرِ الهوى فدعوتكم | دعاء غريقٍ مــــــــــــا له متعوم | |
لتستنقذوني أو تغيثوا برحمــــــــــــــةٍ | فلم تستجيبوا لي ولم تترحموا(113) |
ويتمثّل الشّيب جيشًا يغزو رأسه، فيُشبِّه الشعر الأبيض بالنجوم، والأسود بالليل، فالشعرات البيضاء تتقدّم، وتنتشر متفرّقة لتشمل رأسه بكامله؛ ومع ذلك فهو صبور يستقبل الشيب بالرضى، والارتياح رغم أنّه يبشر بالموت والعجز:
نجومٌ هي الليل الذي زال تحتها تفارط شتّى ثمّ يجمعُها أفلُ(114)
ومن أجمل الصور التي ابتكرها في الرثاء، قوله:
أرادوا ليخفوا قبرَهُ عن عدوّه فطيبُ تراب القبر دلّ على القبرِ(115)
ومن الصور الفنّيّة المستحسنة في الوداع، قوله:
وإنّي وإسماعيل يومَ وداعِهِ لكالغمْد يوم الرّوع زايلَه النّصْلُ
فيوم الروع هو يوم الحرب، وزايله أي فارقه، والنّصل هو حديد السيف؛ وفي التشبيه ما يجسّد حالة الافتراق بين الصديقين(116).
ويستعير زرع الهوى في الأحشاء، وما يستلزمه من فعل السقاية حتّى النبت، على نحو قوله في سلمى:
زرعتْ في الحشا الهوى وسقتْـــــــــــــــــــــــــــــــــــهُ حتّى نبَتْ(117)
ويعمدُ إلى الاستعارة العذبة، فيجعل الأمّال ترتعي مزنة جود الفضل(118). وكان مسلم من أكثر الشعراء تفنّنًا في التشخيص، فقد جعل الليل إنسانًا في يقظته وقيامه، والهوى يقف، وقد تراءى بالشوق باكيًا، فأمر اللذاتِ بالرحيل:
خلوتُ بها والليلُ يقظانُ قائـــــــــــــمٌ | على قدمِ كالرّاهـــــــــــــــب المتبتل | |
تراءى الهوى بالشوق فاستحدث | البكا وقالَ للذّات اللقاء ترحّلي(119) |
وهكذا فإنّ الصورة الفنّيّة ارتقت مع مسلم فبلغتْ حدًّا من الروعة والجمال، ولكنّها تدلُّ على قصد صاحبها للصنعة فيها؛ وتعمّده لها في توضيح الجزئيّات، ورسم الألوان، كتعمّد الفنّان الأصيل الذي يُدرك مواطن الجمال، ويُحسن الكشف عن أسراره؛ وقد استطاع، بما أوتي له من قدرة فنّيّة، أن يُلائم ملائمة دقيقة، بين الذوق العام، وما ارتضاه من صور بارعةٍ أوحتْ بها الحياة المتحضّرة المتأنّقة، واتّساعُ الثقافات وتقدّم الفنون؛ ولكن إسراف مسلم في تزيين الشعر بالصنعة البديعيّة والزخارف اللفظيّة، شوّه جمال الصورة أحيانًا، وأفقد المعنى قيمته، على نحو قوله(120):
أغرُّ أبيضُ يغشى البيضَ أبيضَ لا يَرْضى لمولاهُ يومَ الرَّوع بالفشل
فكأنّه بهذا التكلّف الظاهر مهّد لدخول الصناعة إلى الشعر، تلك الناحية التي تطوّرت فيما بعد فأخذت “تجورُ على مادة الشعر وصوره المعنويّة الأصيلة حتّى أسلمته للعصور المتأخّرة جثّةً بلا روحٍ وشكلًا بلا معنى”(121).
خامسًا- أبو نؤاس والإبداع الفنّيّ:
كان أبو نؤاس من كبار الشعراء المطبوعين(122)، لكنّه تفنّن في شعره، فبدت آثار الصنعة في بعض قصائده. ولعلّ الروح الثقافيّة الجديدة التي سادتْ عصره، هي التي وسّعتْ أفق خياله، وأمدّته بالأفكار والمعاني، وأغنتْ شعره بالتشبيهات المتنوّعة، والاستعارات البارعة، والمحسّنات اللفظيّة، لذلك تقدّم الشعراء المحدثين، وكان “أكثرهم تشبيهًا لاتّساعه في القول وكثرة تفنّنه، واتّساع مذاهبه”(123).
1-الصنعة اللفظيّة:
اهتمّ أبو نؤاس كسائر الشعراء بالصنعة اللفظيّة، ولكن في “غير إغراق، وربما لغير قصدٍ”(124)، فكثيرًا ما كان يستخدم هذه المحسّنات لتزيين شعره وتحسينه، وبخاصّةٍ الطباق والجناس. وخيرُ مثالٍ على هذه المطابقات التي استكثر منها، وأضفى من نفسه وفنّه عليها ما جعلها خفيفة مقبولة في نفوس السامعين، ما قاله في رثاء الخليفة هارون الرشيد، جامعًا العزاء والهناء في الوقت نفسه:
جرْت جوارٍ بالسَّعدِ والنَّحـــــــــــــــــــــــــسِ | فنحنُ في مأتمٍ وفي عُــــــــــــرسِ | |
القلبُ يبكي والسنُّ ضاحكــــــــــــــــــــــــةٌ | فنحنُ في وحشةٍ وفي أنــــــــــسِ | |
يُضحكُنا القائــــــــــــــــــمُ الأميــــــــنُ ويُبـ | ـكينا وفاةُ الأمّام بالأمسِ(125) |
فهو يطابقُ بين السعد والنّحس، وبين مأتمٍ وعُرسِ، وبين يبكي وضاحكة، ووحشةٍ وأُنسٍ، ويضحكنا ويُبكينا. وفي هذه المعاني المتضادّة تصوير دقيق لتقلّبات الحالة النفسيّة، وتعبير عن التنازع القويّ بين شعورين متناقضين كانا يتجاذبان عامّة الناس في ذلك اليوم، شعورٌ بالحزن والأسى لفقدان الخليفة الرشيد، وشعورٌ بالعزاء والفرح لتسلّم ولده الأمين شؤون الحكم.
وتحتشد الطبقات في إحدى مدائحه، فهو يطابق مثلًا بين “الحسن والقبيح”، وبين فعلي المضارع “أغدو وأروح” وما في هذا التناقض من تعبير عن حركة التجاذب المتمثّلة بالانطلاق، والسير في اتّجاهين مختلفين، فأمّا باكرًا قُبيل طلوع الشمس، وأمّا متأخّرًا قبيل هبوط الليل؛ وبين “جواد” وما فيها من معنى السّخاء والمُثل وكرم الأخلاق ونبلها، و”شحيح” وما تنطوي عليه من الحرص وعدم التفريط بالشيء(126):
واسْقني حتّى ترانــــــــــــــي | حسنًا عندي القبيح | |
أنا في الدنيـــــا من العبْـ | بَاسِ أغـــــــــدو وأروحُ | |
فهو بالمــــــــــــــــــــــال جوادٌ
|
وهو بالعرْض شحيحُ.
|
ويطابق في بيتٍ واحدٍ بين “تعارف وتناكر” وبين “مؤتلف ومختلف” قائلاً(127):
فما تعارفَ منها فهو مؤتلِفٌ وما تناكرَ منها فهو مُختلفُ
ويُطابقُ في إحدى مقطوعاته بين “الجسد والرّوح”، وبين “السّهاد والنّوم” و”السكون والحركات” للتعبير عن عذابه؛ فجسدُهُ حيٌّ وروحهُ ميتةٌ، ونومه وسهادُهُ حالة واحدةٌ، فيها مزيج من النوم والرقاد؛ وفي مثل هذه الحالة تتشابه المعاني المتناقضة، وتُستعصى على التعبير لدقّة إحساسها النفسي يقول(128):
جَسدي قائمٌ، وروحي مواتُ | وسُهادي معًا ونومي سُباتُ | |
وثيابي تجرُّ منِّـــــــــــي عظامًا | لا سكونٌ لها ولا حركــــــــــــاتُ |
وكان أبو نؤاس يتكلّف الطباق في بعض مقطوعاته من غير أن يُسيءَ إلى المعنى.
والأمثلة على الطباق كثيرة في شعره، فهو يطابق بين “قريب وبعد” و”اليسرى واليُمنى”، و”أخ وأخت”، وهي على وجهِ العموم مستحسنة، بما تضفيه على المعنى من قوة إيحاء ووضوحٍ في التعبير(129).
ويسوق أبو نؤاس في شعره الجناس بنوعيه التامّ والناقص، وقد أشاع من خلاله روح المرح والفكاهة والعبث، على نحو قوله في مدح العبّاس بن الفضل بن الربيع:
لئنْ سُمِّيتَ عبّاســـــــــًا | فما أنتَ بعبّـــــــــــــــــاسِ | |
لدى الجُـــــــــــــودِ، ولكنْـ | نَك عبَاسٌ لدى الباسِ | |
وبالفضلِ لـــــــك الفضلُ | أبا الفضل على النّاسِ |
فعبّاسُ الأولى: اسم علم، وعبّاسُ الثانية: صيغة مبالغة من الفعل عبس، وهو الذي يعبسُ وتظهر على مُحياه أمّارات الكره والغضب. والفضل الأولى تعني الزيادة من المال والأخلاق الكريمة أكثر مما عند الآخرين؛ والفضل الثانية هي الإنعام والعطاء وفعل الخير، أمّا الفضل الثالثة فهي كنية العبّاس الشهيرة. ويعتمد على هذه الزخرفة الكلاميّة المنمّقة لإظهار فضائل العبّاس، ومكارمه وشرف نسبه، فيقول:
عبّاس عبّاسٌ إذا احتدمَ الوغى والفضلُ فضلٌ، والربيعُ ربيعُ(130)
فعبّاس الأولى اسم علم، والثانية معناها العبوس والتجهّم؛ والفضل الأولى اسم علم، والثانية تعني الزيادة. والربيع الأولى: اسم علم، والثانية أي الغيث وما يُوحي به من معنى التدفّق في العطاء والكرم. وعلى هذا النحو من التفنّن الكلاميّ كان يزخرف شعره من غير قصدٍ أو تكلّف.
2-الصورة الشعريّة في أبعادها الشكليّة:
تطوّرت الصورةُ الشعريّة، وارتقت مع أبي نؤاس بسبب ثقافته الواسعة وإلمامه بعلوم عصره، وبلغت حدًّا من الروعة والجمال، فاحتوت على تفاصيل دقيقة لعناصر جزئيّات الموصوف، واتسمت باستقصاء صاحبها لخفايا العلاقة بين دقائق الأمور، واستندت في بنائها الفنّيّ إلى أسس جماليّة واضحة، تحوّل معها الفكر، والتجربة الذاتيّة إلى لونٍ تتردّد بين أفيائه أصداء النفس الإنسانيّة، وتتراءى ملامح الحياة في أبعادها الكونيّة.
أ-الصورة الحسيّة وحداثة العصر:
حاكى أبو نؤاس الأقدمين، فتمثّل بعضَ صورهم، ووقفَ عند حدود الرؤية البصريّة، واعتمد التشبيهات الصريحة، والمعادلات الحسّيّة بين الأشياء(131)، على نحو المعنى الذي رسمه لصاحبته، مُستعيرًا الظلام لسوادِ فرعها، والضياء لجسدها، وهي من المعاني التي كانت شائعة في الشعر القديم، يقول(132):
رأَت شخص الرقيبِ على التداني | فأسبلتِ الظلامَ على الضّياءِ | |
فغابَ الصبحُ منها تحت لـــــــــــــيلٍ | وظلّ الماءُ يقطرُ فوق مـــــاءِ |
ومن مظاهر الصورة القديمة في شعره، تشبيهُهُ أربعة أشياء حسّيّة بأربعة أشياء حسّيّة اخرى، معتمدًا الشكل المقلوب، في وصفه لغلامٍ كان يعشقهُ:
فالسّيفُ مَضْحكُهُ والقوسُ حاجبُه | والسَّهمُ عيناهُ والأهدابُ أرماحُ |
ويظهر هذا المعنى الدّال على مدى تعبّده للجمال، في موضع آخر، وهو يتغزّل بغلام تيّمهُ، فتبدو صورةُ الجمال متشكّلة في البدر كمشهدٍ خارجيّ، ولكنّ الشاعر سعى “إلى تقليد المشهد الجماليّ في الطبيعة، دون أن يتمثّل غلامه كحركةٍ واقعيّةٍ في النفس”(133) قائلًا(134):
البدرُ صورتُهُ، والشمسُ جبهتهُ | وللغزالة منهُ العينُ واللّببُ |
ففي صدر هذا البيت تشبيهٌ حسّيٌّ بليغٌ بين الغلام، والبدر من جهة، وبين الجبهة والشمس من جهة أخرى، وفي عجزه تشبيهٌ مقلوبٌ بين عين الغزال وعين الغلام. وله في وصف الخمرة صورٌ حسّيّة كثيرةٌ، فهو يُشبّهُها بعينِ الديك لشدّة صفائها، وبالدمعة الجارية من عينِ الغانية لقوّة نقائها، أو بمصباح منيرٍ يبدّدُ ظلمة الليل بإشراقِ ضوئه، وبالتفاح وقد جرى ذائبًا، وبالشمس ودارةٍ البدر. أو بشهاب نار يلمعُ في الفضاء(135)؛ غير أنّ منظرها، والماء يمازجها، شبيهٌ بديباج الغانية، أو برسمٍ نقشه الوشاء في ثوبها؛ أمّا قرارتها، وهي تصبّ من فمِ الإبريق، فتُشبهُ رجع المزاميرِ وألحانها، أو ترجيع من يكثر من تكرار حرف الفاء في حديثه، يقول(136):
كأن منظرها والماءُ يقرعُها | ديباجُ غانيةٍ، أو رقمُ وشــــــــاءِ | |
كأنّ قرقرة الإبريقِ بينهــــــــمُ | رجعُ المزامير أو ترجيع فأفاءِ |
غير أنّ أبا نؤاس أضفى على هذه الصورة القديمة مسحة من حداثة عصره وثقافته، فمزج عناصرها ببنية الصورة الجديدة، وألبسها ثوب الحضارة العبّاسيّة بما أضفاه عليها من صفات رائعة، على نحو قوله في غلام كان يهواه:
سَقى الله ظبيًا مبديَ الغنجِ في الخطرِ | يميسُ كغضِ البانِ من رقة الخصرِ | |
بعينيهِ سحْرٌ ظاهرٌ في جفونـــــــــــــــــــــــــــهِ | بتفتير لحظٍ ليس للشمسِ والبـــــــــدْرِ | |
ويضحكُ عن ثغر مليحٍ كأنّـــــــــــــــــــــــــــــــه | حُباب عقارٍ، أو نقيٌّ مـــن الدرِّ(137) |
فالصور الحسّيّة تحتشد في هذه الأبيات، ومنها أنّ الغلام ظبي يسير بغنج ودلالٍ، يميسُ بخصره الجميل الساحر كغض البان، طيبُهُ كالعطر المتضوّع الذي يملأ الأفق بهجةً وانشراحًا، يُشبهُ القمرَ في صفاء ضوءِ جمالهِ؛ أمّا ثغره فمليحٌ كحباتٍ نقية من الدرّ. وكلّ هذه الصفات قديمة، ولكن الشاعر ألبسها ثوبًا جديدًا، فلم يرض بتشبيه جمالها بالقمر على طريقة الأقدمين، بل زاد ملاحةَ اللحظ الفاتر التي ليست للبدر، وجعل الظبي، مغناجًا لعوبًا، وفي هذا المعنى تمثّلٌ ظاهرٌ لرقّة الحياة ونعومتها.
وتظهر براعة أبي نؤاس ومقدرته الفنّيّة في تحديث عناصر الصورة التقليديّة، فإذا هي تستهوي النفس وتسترعي الانتباه، لانضواء تفاصيلها في حركيّة مبدعة، ناتجةٍ عن تتالي طائفةٍ من التشبيهات التي تبعث على الإعجاب، على نحو قوله في وصف الخمرة والتعبير عن سكرة الحب ونشوته:
فالخمرُ ياقوتة، والكــــــــــــــــأسُ لؤلؤةٌ | مــــــــن كفِّ جاريةٍ ممشوقةِ القدِّ | |
تسقيكَ من عينها خمرًا، ومن يدها | خمرًا فما لك من سُكرين من بدِّ(138) |
فبعد أن شبّه الخمرة بالياقوتة، والكأس باللؤلؤة تشبيهًا حسّيًّا بليغًا، لجأ إلى المقاربة بين لذّة طعم الشراب ولذّة نظر العاشق إلى معشوقته، ليعبر عن بلوغ ذروة النشوة؛ وفي هذا مظهرٌ حضاريّ ينمُّ عن إغراقِ النفس في الترف والشهوة.
وهكذا يبدو أبو نؤاس وصّافًا قديرًا، خلاّقًا للمعاني، يُفتِّقُ الصفات التي يلبسها للشيء الموصوف في براعة الفنان ورشاقة الشاعر. وقد أفاد كثيرًا من الصور الحضاريّة التي تسرّبت إلى مجموع شعره فألقت رداءها على موضوعات وصفه(139).
ب- التشكيل الجماليّ للصورة:
برع أبو نؤاس في إعادة تشكّل عناصر الصورة على أسس فنّيّة جديدة، فأتى بنماذج تشعُّ بالحركة، والجدّة والجمال، تكوّنت في مناخ شعريّ تأمّليّ مفعم بحركة الرؤى المتوثّبة دائمًا نحو المطلق؛ وخير مثال على ذلك ما قاله في تصوير جمال غلام، منتقلًا من الجزئيّ إلى الكلّيّ، ومن الظواهر المعيّنة إلى الجمال اللامتناهي؛ وعن طريق المبالغة في جعل الموصوف فوق المطلق، فاستحال المستحيل ممكنًا، والمجاز حقيقة(140):
ينتسب الحُسنُ إلى حُسْنه والطّيب يحتاجُ إلى نكهتهِ(141)
وعلى هذا النمط من ديناميّة الصورة نظم مقطوعته الشهيرة، كما رأينا، واصفًا جمال وجه معشوقته بالمتجدّد الذي لا تنفد محاسنه، كأنّ بعضها ينتهي وبعضها الآخر يتولّد، وإذا الجمال شكل متحرك، “تتولد منه مع كلّ نظرة صورة جديدة لا تكرّر سابقتها، ولكنّها تتفوّق عليها”(142) رونقًا وإيحاءً وقدرةً على التأثير(143):
ومن صوره الرائعة وصفه لأحداث الزمان وتقلّباتها، وتشبيهها بالرياح الدائمة الهبوب، فلا يعرف متى يشتدّ عصفها ومتى يستكين، ولا في أيّ موضعٍ تهبّ:
إنّ الحوادث كالرّيا ح عليك دائمة الهبوب(144)
ويصوّر غدر الدنيا بالإنسان، وعداءها له على جانب من الدقّة والبراعة في تمثّل المعنى، فيشبّهها بالعدوّ المُداجي الذي يتستّر بثياب الصديق فيتظاهر بالودّ والمحبّة، ولكنّ الشرّ يتأصّل في روحه:
إذا امتحن الدُّنيا لبيب تكشّفتْ لهُ عنْ عدوّ في ثيابِ صديقِ(145)
ويستحيل قلبه إلى أجزاء متناثرة بعد أن عبثت به العيون الفاتنة، فأسقمته وتقاسمت السُكنى فيه، فغدا ضائعًا محتارًا في من يصطفي:
كيف النزوعُ وقلبي قد تقسّمهُ لحْظُ العيونِ وقرْعُ السنِّ بالكاسِ(146)
واتّسمت بعض صوره بالدقّة، والقدرة على الإحاطة بالجزئيّات، والتوسّع في إدراك العلاقة بين عناصرها، على نحو مقطوعته التي يصوّر فيها بخل المهجو، فهو يرفو الرغيف الذي يقتطع منه لقمة، فيعود إلى سابق حالة كأنّه صادر من التنور. يقول(147):
خُبْزُ اسماعيلَ كالوشـ | يِ إذا ما انشقَّ يُرْفــا | |
عَجبًا منْ أثــــــرِ الصّنـ | ـعةِ فيهِ كيف يخفى؟! | |
يلْصَقُ النصْفَ بنصْفٍ | فإذا قدْ صـــــــــــــار ألفا |
وكان للثقافة أثرٌ ظاهرٌ في صور أبي نؤاس، فقد توكّأَ عليها كثيرًا واستمدّ منها بعض المفاهيم لجلاء معانيه؛ فهو حين يهجو المغنّي زهيرًا يستخدم افتراضًا علميًّا شاع في عصره، نقلًا عن الهنود، وهو أنّ الشيء إذا ما أفرط في البرد عاد حارًا مُؤذيًا(148).
وحيث يصف الخمرة يعتمد على علم النجوم، وله في هذا المنحى صورةٌ مبتكرة:
تُخيرتْ والنجومُ وقْفٌ لم يتمكّن بها المدارُ
ومعناه أنّ الخمرة تخيّرت حين خلق الله الفلك، وجعل النجوم مجتمعة في بُرجٍ ثمّ سيّرها، وهي ما تزال جارية حتّى تجتمع في ذلك البرج الذي إن عادت إليه بطل العالم(149).
واستفاد أبو نؤاس كثيرًا من معطيات العلم، والفلسفة في تركيب بعض الصور، وإكسابها أبعادًا جديدة، مع المحافظة على رونق الشاعريّة وحيويّتها؛ فالخمرة عنده خرجت عن كونها جسمًا، وأخذت لشدّة صفائها وشفافيّتها تسمو على الماء، وتتساوى مع النور وتمازجه فتتولّد الأنوار والأضواء. وهذا المعنى مستفاد من نظريّة علميّة تتعلّق بانعكاس الأشعة الضوئيّة وتكسّرها. يقول(150):
رقتْ عنِ الماءِ حتّى ما يلائمها | لطافةً وجفا عن شكلها الماءُ | |
فـلو مزجت بها نورًا لمازجهـــــــــــا | حتّى تولّــــــــــــــــــد أنوارٌ وأضواءُ |
في هذين البيتين يرتفع بالخمرة عن قوانين المادّة وعالمها، مفجّرًا منها “إمكانات ساحرة من التفاعل والتمازج في صورة حركيّة مستمرّة، يثيرها تعبيره حتّى تولّد الذي يوحي بالديمومة. ثمّ يأتي ترادف الأنواء، والأضواء الذي يعطي الصورة ثراء من التألّق، والبريق، وتغاير الألوان، وتمازج الأشعة(151).
ويصف تأثير الشراب الذي يأخذ بالعين كالإغفاء، وهو من المعاني الجديدة، الدالّة على دقّة ملاحظة الشاعر، وعمق نظرته، وسعة ثقافته التي مكّنته من التأمّل، والتنبّه إلى الرعشات النفسيّة التي كانت تستحيل على الشعراء من قبل:
فأرسلت من فم الإبريق صافيةً كأنمـــــــــا أخذُها بالعين إغفاءُ
ويبدو أثر الفلسفة واضحًا في توليد المعاني، وتجاوز نطاق المعرفة الحسّيّة، فالخمرة عنده روح تجرّدت لا تخضع لحكم الزمن، وليس لها مظهر معيّن:
فهي روحٌ مخلّص فارق اللّحمَ والدّما(152)
ويشبهها بالروح، فقد بلغت من اللطافة والشيوع حدًّا جعلها بلا جوهر تقوم به، أو يؤثّر النور فيظهره:
جاءتء كروح لمْ يُقم جوهرٌ لطفًا بهِ، أو يُحْصِهِ نورُ(153)
وفي هذه الصورة تبدو الخمرة إلهيّة، تحوّلت من مادّة إلى روح، فنلمح من خلالها فلسفة الصيرورة والتحوّل وتبدّل أحوال المادّة، وفلسفة الزمن الذي يعطل الأعراض، وليس له قدرة على النيل من الجوهر(154).
ومن جديد أبي نؤاس أنّه لم يكتف بتصوير طعم الخمرة ومذاقها، بل جعلها لذّة الرنو لعين العشّاق في ساعات الخلوة، وهو معنى مبتكر لم يسبقه أحدٌ إليه، ويشير إلى حذق الشاعر، وبراعته في عقد المشابهة بين حالتين، ما كان يخطر بالبال تشابههما. يقول:
من شراب ألذّ في نظر المعــ شوق في وجه عاشق بابتسام(155)
وفي تصوير النشوة التي تحدثها في النفس، يتخيل مريضًا، وقد نجا من قبضة الموت، فراح الشفاء يتمشى في جسده رويدًا رويدًا، ليكسبه النشاط والحيوية، هكذا الخمرة تتمشى في المفاصل تدريجيا لتحكم سيطرتها على الجسد:
فتمشّت في مفاصِلهم كتمشي البُرءِ في السّقمِ(156)
ج- التشخيص:
لعلّ أجمل الصور وأرقاها عند أبي نؤاس كان التشخيص، وهو القدرة على إحياء الجماد وإعطائه صفة الإنسان. ومنها أنّه شخص الخمرة، وبعث الحياة فيها، فشبهها بالفتاة التي تفرض شروطًا على خاطبها، وأقام معها حوارًا بارعًا، كما في قوله(157):
فاستوحشت وبكت في الدنّ قائلـــــــةً | يا أمُّ ويحك، أخشى النـــــــــــــــــــار واللّهبا | |
فقلت: لا تحذريهِ عندنا أبـــــــــــــــــــــــــدا | قالت: ولا الشمس؟ قلت: الحرّ قد ذهبا | |
قالت: فمن خاطبي هذا. فقلتُ: أنا | قالت: فبعلي. قلتُ: الماء إن عذُبــــــــــــــا |
وفي موضع آخر يجعلها عذراء فيزوّجها الماء، ويصوّر نفورها من هذا اللقاء، قائلًا(158):
زوّجتُها الماءَ كي تذِلّ لَهُ فامتعضتْ حين مسّها الذّكرُ
ويشبهها بفتاة بكرٍ تخطب وتمهر فيظهر منها الحياءُ:
كذلك البكر عند خلوتِها يظهرُ منهُ الحياءَ والخفرُ(159)
ويراها عروس خدر فيعشقها ويزورها خاطبّا ليتزوّجها:
زرتها خاطبًا، فزوّجْتُ بكرًا ففَضضتُ الختامَ غير مُليم(160)
والأمثلة على التشخيص كثيرة في شعر أبي نؤاس، وهي تشير إلى ذوقه الحضاريّ المترف، وقدرته الخلّاقة على الابتكار، والتوليد، والإحياء، والإبداع. فقد جعل للرياح أنفاسًا، ولليقين عينًا، وللزمان وجهًا، وللبدر كفًّا يلوح بها، وللهوى أظفارًا تنشب، وإذا نجم الليل يهمّ بالخفقان، والدمع بالهوى يتكلّم، ووجه الصبح يضحك الدجى(161)؛ وله في مدح العبّاس بن الفضل بن الربيع صورة رائعة، وهي:
إنّ السحاب لتستحي إذا نظرت إلى نداه فقاسته بما فيها
والجمال يسجد لحسن وجه الحبيب ويستريح له:
سجد الجمال لحسن وجهــ ـــهك واستراح إلى جمالك(162)
وهكذا يبدو أبو نؤاس وصّافًا بارعًا، صهر الحضارة العبّاسيّة في تجربته الشعريّة فتفجرت من ذاته صور جديدة مبدعة تتجاوز النمط التقليديّ لتبلغ الشكل الفنّيّ الراقي؛ لذلك فهو يمثّل بَدء مرحلة تحكّم جديد في الشعر التعبيريّ(163)، بما أضفاه على الصورة من حركة وحياة، وصبغها بحالة نفسه “حتّى لتبدو كلوحة الفنان الحاذق، كاملة الأصباغ والألوان، محكمة الخطوط والأضواء”(164)، وقد استطاع أن يسخّرها ليبعث الحياة في معانيه وأفكاره. فخياله المبدع الخلاّق مكّنه من انتزاع أقرب الصور، وأكثرها تعبيرًا وأشدّها محاكاة لواقع حياته.
سادسًا: الصنعة سمة عامّة
إذا أمعنا النظر في شعر القرن الثاني، تكشَّف بوضوح مدى تطوّر الصنعة، وانتشارها، ونزوع الشعراء إليها نزوعًا ظاهرًا، واهتمامهم بها على جانب كبير من الدقّة والبراعة؛ فنجد مثلًا في شعر العبّاس بن الأحنف ميلًا إلى هذه الصنعة، إذ كان يستخدم البديع حيث يحلو له، و”لكنّه يعرض عنه إذا أحسّ أنّه يؤدّي إلى الإخلال برونق الصورة الشعريّة أو جوهر المعنى الذي يهدف إليه”(165). وكان الطباق من أبرز المحسّنات اللفظيّة التي اعتمد عليها، فهو يطابق مثلًا في إحدى مقطوعاته بين الفعلين “سلبتني وكستني” وبين “أغلقت وفتحت”، معبّرًا من خلال هذا التناقض عن الصدود، والهجران الذي ابتلي به بعد تغيّر موقف صاحبته التي سلبت من قلبه كلّ سرور، وألبسته ثوبًا من الهموم، فغدا يائسًا مستسلمًا لفكرة الموت:
سلبتني من السُّرور ثيابـــــــــا | وكستني من الهموم ثيابا | |
كلّما أغلقت من الوصل بابًا | فتحت لي إلى المنيّة بابا(166) |
وتحتشد الطباقات في البيت الواحد، وهي تعبّر عن طبيعة المواقف المتعارضة والأهواء المتناقضة مع حبيبته، فيأتي باللفظة وضدّها لرسم صورة واضحة عن معشوقته التي لا تثبت على حالٍ، ولا تستقرّ على رأي. والأمثلة على الطباق كثير في شعره.(167)
ونقع في ديوانه على بعض الجناس الذي زخرف به شعره؛ فهو يجانس مثلًا بين “كان ومكان”، وبين “دموعي ودم”، في قوله(168):
فلو قد تولّى وسارَ الحبيبُ لكان مكانَ دموعي دمُ
أمّا الصورة الشعريّة فتمثّلت عنده بالجدّة والروعة، وهي غنية بالتشبيهات الأنيقة المبتكرة، وربما كان بعضها بكرًا لم يُسبق إليه، منه تشبيه الحبّ الذي لا أمل له فيه، بالذّبالة التي تضيء للناس، بينما هي تحترق:
صرت كأني ذُبالةٌ نصبت تُضيءُ للناس وهي تحترق(169)
فالتشبيه في هذا البيت “حضاريّ عقليّ ثقافيّ متمدّن، وهو جديد في فكرته وصياغته”(170)، يشير إلى قدرة الشاعر على الإيحاء والتصوير.
ومن صوره الرائعة التي تنمّ عن ذوقٍ رفيع وشاعريّةِ لبقةٍ وتصرّف حسن في ابتكارها، أنّ الليل يسدّ الطريق بينه وبين حبيبته التي بعدت عنه، بينما النجم في كبد السماء، يخفق ضوءُه ويرتعش كأنّه أعمى وقع في حيرة وضلال، فتاه ولم يعد له قائدٌ ليتبعه:
لما رأيت الليل سدَّ طريقــــــــهُ | عنّي وعذّبني الظلامُ الرّاكدُ | |
والنجم في كبد السماءِ كأنّه | أعمى تحيّر ما لديه قائدُ(171) |
وتشترك عناصر الطبيعة، ومظاهرها الأنيقة في إحياء بعض صوره، فيشبه معشوقته، وهي تختال في ثوبها الأحمر، بوردة بيضاء تزداد حسنًا وجمالًا، ومشيتها شبيهة باهتزاز الأغصان الناعمة التي تلامسها أنامل الهواء برقةٍ ولطافة:
بيضاء في حمرِ الثيابِ كــــوردةٍ | بيضاءَ بين شقائق النعمانِ | |
تهتزُّ في غيد الشّباب إذا مشت | مثل اهتزاز نواعمِ الأغصانِ(172) |
ويشبّه رائحة الحبيبة الحلوة بطيب التفّاح وطعم الخمرة، فيقول(173):
ذكرتك بالتفاح لما شممتــهُ | وبالرياح لما قابلت أوجه الشرب | |
تذكرت بالتفاح منك سوالفا | وبالرّاح طعمًا من مقبّلك العــــذْب |
وتتلاحق التشبيهات في بعض مقطوعاته، وهي تترجّح بين الثبات والحركة، ولكنّها تضفي على المعنى رونقًا وجمالًا؛ وربّما لهذا السبب فضّله العلماء على كثير من المحدثين(174). أمّا التشخيص في شعره، فلم يكن في جمال تشخيص غيره من شعراء الصنعة، على الرغم من أنّه كان رائعًا ومبتكرًا في بعض الصور؛ فقد جعل الهوى إنسانًا يقيم في صدره ويُقسم ألا يزول:
لأنّ هواكِ في صدري مقيمٌ أظنّ هواكِ أقسم لا يزول
وتتحدّث العيون عن الألسن، ويتكلّم الهوى:
تحدث عنا في الوجوه عيوننا ونحن سكوت والهوى يتكلّمُ(175)
ونجد في شعر الحسين بن مطير آثار هذه الصنعة بشكل واضح، فمن صوره المستحدثة التي تجعله في مصاف الشعراء المؤسّسين لاتّجاه التجديد، هذه الأبيات الغزليّة الرقيقة:
أين أهلُ القِبابِ بالدهنـــــــاءِ | أين جيراننا على الإحســـــــــــــــــاءِ | |
جاورونا والأرضُ ملبسةٌ نوْ | رَ الأقاحي يُجادُ بالأنــــــــــــــــــــــــــواءِ | |
كلّ يومٍ بأقحوانٍ جديــــــــــــــــــدٍ | تضحكُ الأرضُ من بكاءِ السماءِ(176) |
فالصورة هنا مبتكرة، إنّها نوع جديد في وصف الطبيعة يعتمد على الاستعارة الرائعة؛ فالأرض تزدهي بثوبها الأنيق المنسوج من نور الأقاحي، والسماء تبكي فتذرف الدمع مطرًا يغذّي عروق التربة، والأرض تضحك وتسرّ، والجمال يتحدّد في قلب الطبيعة، بينما الأصحاب رحلوا عن عين الشاعر.
ومن صوره الرقيقة المستحسنة القائمة على الدقّة، والبراعة في الوصف، أنّه يرفع المهديّ عن مستوى البشر، فينزله منزلة الخالق، ويجعله أطهر الناس وأولاهم بالتقديس وأوسعهم كرمًا؛ فمن نوره تتجدّد الألوان، ومن تلألؤ وجهه يتألّق وجه الأرض، ومن يده تدبّ الحياة في الأعواد اليابسة بعد موات(177) يقول:
من حسن وجهك تضحي الأرضُ مشرقةً ومن بنانك يجري الماء في العودِ(178)
ومنها أيضًا صورة النار المتأججة على كبد الشاعر، وقودها في كلّ يوم الشوق والجوى:
لقد كنتُ جلدًا قبلَ أن توقدَ النوى | على كبدي نارًا بطيئًا خمودُها | |
ولو تُركتْ نار الهوى لتصرّمـــــــت | ولكن شوقًا كلّ يومِ وقودُها(179) |
وكان الحسين شديد العارضة(180)، يعتمد على الطباق، والمقابلة بشكل ظاهر، فيطابق بين “حزن ومسرّة” وبين “ضحك وبكاء” في بيتٍ واحد، واصفًا السحاب في قوله:
فله بلا حُزنٍ ولا بمسرّةٍ ضَحِكٌ يراوحُ بينهُ وبكاءُ(181)
وله في هذا السياق قصيدة نظمها في مدح المهديّ، تعدّ من عيون الشعر، اعتمد فيها على المقابلة بين المعاني بشكل ظاهر، ومن أبياتها:
لهُ يوم بؤسٍ فيه للنّاسِ أبؤسٌ ويوم نعيمٍ فيه للناس أنعمُ
“فأيّام هذا الممدوح مقتسمة بين إنعام وانتقام، من إحياء وإهلاك، وانفصال وإعدام، فله يوم بؤس يشقى به أعداؤه، يوم نعيم يحيا به ويسعدُ أولياؤه”(182)
ومن الصور الطريفة التي تبدو فيها الصناعة البديعيّة المبتكرة:
بيضاء تسحبُ من قيام فرعها | وتغيبُ فيه وهو جعدٌ أسْحمُ | |
فكأنَّها منهُ نهارٌ مشــــــــــــــــــرقٌ | وكأنّه ليلٌ عليها مُظلِمُ(183) |
فالمقابلة واضحة بين النهار المشرق والليل المظلم، ووجه الحسناء يبدو من خلال شعرها الأسود كالنهار المشرق، وشعرُها كالليل الأسحم.
وكان عليّ بن جبلة بارعًا في خلق التشبيهات الدقيقة، منها ما قاله في معشوقته دعد، ملمًّا بجزئيّات الصورة وعناصرها، بحيث تستحيل الحياة إلى توثّب دائم، وحركة جماليّة متجدّدة تتوق نحو المطلق(184). وقد استطاع أن يبني قصيدته بالصور، فوصل إلى ما يبتغيه باستخدام الألوان والأضداد، وبالتريث الشعريّ في تناول الأجزاء كالشعر والوجه(185)، ومنها قوله:
بيضاءُ قد لبسَ الأديمُ أديــ | ــمَ الحسنِ فهو لجلدها جِلْدُ | |
ويزين فوديها إذا حســـــــرَتْ | صافي الغدائرِ فاحمٌ جعـــــــدُ | |
فالوجهُ مثلُ الصبح مبيضٌّ | والشعر مثل الليل مُســــــــودٌّ |
وتستوفي هذه القصيدة ملامح المرأة كلّها في صياغة محكمة عذبة، “كأنّها تمثال منحوت من كلمات لإلهة من آلهة الجمال، جمع كلّ ما أحبّه العربيّ من بدانة وطيب رائحة، وتناول أجزاء المرأة جزءًا جزءًا، فأبدع في رسمها، أو نحتها بعبارة موجزة شديدة الإيماء”(186). وتبدو مظاهر الصنعة متنوّعة في شعر ديك الجنّ، وبخاصّة الجناس الذي هو ظاهرة موسيقيّة شعريّة، كان يزخرف شعره به في غير إسفاف، من مثل قوله(187):
نبّهته والندامى طـــــــــــــــــــــــــال مكثُهم | فقلتُ: قُمْ واكفنا الهمّ الذي وكَفا | |
واصرِفْ بصرفكَ وجهَ الهمِّ يومك ذا | حتّى ترى نائمًا منهُم ومنصرفــــــا |
ففي البيت الأوّل مجانسة بين فعل الأمر “واكفنا” والماضي “وكفا” الذي معناه ثقل واشتد. وفي الثاني بين “اصرف” بمعنى أنفق و”صرفك” وهي الخمرة غير الممزوجة، وبين “منصرف” وهو المنكفئ عن الشّرب.
ومن صوره الرائعة المبدعة التي تشهد له بالإجادة والتفوّق، ما قاله في وصف الديك، مبرزًا حقيقة ألوانه الزاهية الموزّعة على عرفه، وجانبي رأسه، وعنقه، وريش جناحيه؛ فكواكب الليل العازبة ترتعي الظلام الذي انقشع بطلوع ضياء الفجر:
أمّا ترى راهبَ الأسْحارِ قد هتف | وحثَّ تغريدَهُ لما عــــــــــــلا الشّعفا | |
لمّا أراحتْ رعاةُ الليل عازبـــــــــــــةً | من الكواكب كانت ترتعي السّدَفا(188) |
فهذه الصورة متحرّكة وملوّنة، بلغ الشاعر فيها “حدّ الاتقان، بحيث أصبحت مثالًا يحتذى عند الشعراء الذين جاءوا من بعده، سواءً في ذلك شعراء المشرق أو شعراء الأندلس”(189).
وعلى الرغم من سهولة لغة أبي العتاهية ورقّة ألفاظه، فإنّنا نجد في بعض مقطوعاته مظاهر الصنعتين اللفظيّة والمعنويّة، وخصوصًا الجناس الذي أكثر من استعماله لتزيين كلامه(190)، على نحو قوله(191):
يومُ النوازل والزلازل، والحــوا | مل فيه، إذ يقذفْنَ بالأحمــالِ | |
يوم التغابن، والتباين، والتنا | زُلِ، والأمورِ عظيمةِ الأهوالِ |
وتميّزت الصورة عند أبي العتاهية بالطرافة، والعمق رغم بساطتها، فيشبّه الدنيا بالظلّ، إذ سرعان ما تنقضي بهجتها وتزول، والحياة بهناءة عيشها، تشبه الأرض المنبسطة السهلة، بينما الشقاء فيها كالجبال الجامدة(192):
ما يكونُ العيشُ حلوًا كلَّه إنّما العيشُ سهولٌ، وحزونُ
ويشبّه الشيب بالناعي الذي ينذر الخاطئين بقرب حلول الأجل، لعلّهم يعودون عن غيّهم إلى الفضائل والرشد:
إنّما الشيبُ، لابن آدم، ناعٍ، قام في عارضيه ثمّ نعاهُ(193)
ويصوّر بدقّة وبراعة، فرس الرشيد المعروف بالمشمّر، وهو يسابق الأفراس، متقدّمًا على الريح التي كانت تتبعه، ولكنّها تعجز عن اللحاق به لشدّة سرعته:
وخلف الريحَ حسْرى وهي جاهدةٌ ومرّ يختطفُ الأبصارا والنظرا(194)
وله صورةٌ يعبّر فيها عن اضطراب الخوف، والرجاء في كلّ نفس أمّام سطوة المهديّ وشدّة مهابته:
يضطرب الخوف والرجاء إذا حرّك موسى القضيبَ أو فكّر(195)
ومن الاستعارات الرائعة البليغة التي تمثّل قدرته على الإبداع ما قاله في تهنئة المهديّ بالخلافة:
أتته الخلافةُ منقادةً إليه تجرُُّ أذيالها(196)
فالخلافة عادة هيفاء مدلّلة، “فتن الناس بها وهي تأبى عليهم وتصدّ إعراضًا، ولكنّها تأتي للمهديّ طائعة في دلال وجمال، تجرّ أذيالها تيهًا وخفرًا”(197).
ويجعل للزمان يدًا تدير الإنسان وتقلّبه كيفما تريد، ويعطي صفة الإدراك للموت الذي لا يفوته شيء؛ ويناجي النفس في حوار روحي، فيدعوها إلى التيقّظ، لأنّ الموت يحدّق بها، ويضمر الشرّ للجسد(198). وللدنيا يد توزع الموت على الناس وتفرّق الإخوان:
وللدنيا يدٌ تهبُ المنايا، وتستلبُ الخليلَ من الخليلِ(199)
ومن الصور المبتكرة التي وجدناها لدى شعراء الفرن الثاني، قول لأبي الشيص يصوّر فيه حليّ المشيب:
حسرَ المشيبُ قناعَهُ عن رأسهِ | فرمينَه بالصدّ والإعـــــــــــــراضِ | |
ولربما جعلتْ محاسنُ وجهِــــــــــهِ | لجفونِها غرضًا من الأغراضِ(200) |
وقول لإبراهيم الموصلّي، وهو يصف رحيل النجوم عن السماء، وإثقال النعاس في عينيه:
ربّما نبهنــــــــــــي الإخْــ | ــوانُ والليــــــــــلُ بهيمْ | |
حين غارت وتدلّـــــــــتْ | في مهاويها النجومْ | |
ونعاس الليل في عيـ | نيَّ كالثاوي مُقيمْ(201) |
ويطول بنا الحديث لو تتبّعنا مظاهر الصنعة بنوعيها اللفظيّ والمعنويّ في شعر القرن الثاني، وهي كثيرة تحتاج إلى دراسة واسعة، ومفصلة لإبراز أهمّ مقوّماتها، واستخلاص دقائق مميّزاتها، ومظاهر اختلافها بين شاعر وآخر. لذلك اكتفينا بتقديم بعض النماذج القليلة منها، لعلّها تضيء السبل أمّام الباحثين، وتسهم في الكشف عن مظاهر تطوّر الصنعة الشعريّة في ذلك القرن، بعد أن أصبحت مذهبًا عامًّا يأخذ به أكثر الشعراء، ولكن على درجات متفاوتة، وفقًا لحياتهم المتحضّرة، وثقافاتهم المتنوّعة، وتفاعلهم مع علوم عصرهم وفنونه.
سابعًا: استنتاج
وفي الختام يمكن أن نستنتج ما يلي:
1- إنّ مذهب الصنعة في القرن الثاني الهجريّ، كان عامًّا وشاملًا، فلم يبق شاعر محدث بعيدًا عنه، حتّى إنّ بعض المحافظين عنوا به؛ فمروان بن أبي حفصة مثلًا، على الرغم من تأثّره بالقدماء، والنظم على طريقتهم، مال إلى هذا المذهب؛ وفي شعره بعض الصور الجديدة القائمة على إدراك العلاقة بين الأشياء، والمستندة أحيانًا إلى عناصر التشخيص، على نحو قوله في رثاء الرشيد:
لقد أصبحتْ تختالُ في كلّ بلدةٍ بقبرِ أمير المؤمنين المقابرُ(202)
فالمقابر في كلّ مكان تزهو، وتفخر بقبر الرشيد الذي بعث فيها الحركة والحياة.
2- الإكثار من التشخيص، وهو أرقى درجات التصوير، لأنّ فيه القدرة على تخيّل الحياة في ما لا حياة فيه، ومنح الجماد، أو المظاهر الطبيعيّة صفات إنسانيّة، من شعور ومشاركة في الحزن والفرح. ولهذا تحوّلت الطبيعة إلى ذات ناطقة، وأشخاص يتحرّكون وينفعلون، وقلّما نجد شاعرًا في القرن الثاني لم يعتمد التشخيص في رسم آفاق صوره.
والأمثلة على التشخيص كثيرة، وهي تشير إلى توحّد الشعراء بالطبيعة، واستيحائهم عناصر الصورة من جمالها.
3- احتواء الصورة على التفاصيل الدقيقة، وإدراكها لجزئيّات الأمور والعلاقات بين الأشياء، على جانب من الروعة والتفنّن، واستقصاء عناصر الموصوف، وإخراجها بشكل فنّيّ متناسق يعبّر عن قدرة الشاعر، ودقّة ملاحظته، وبراعته كفنّان أصيل، يضع كلّ لون في موضعه، وغالبًا ما يكون جمال الصورة بفنّ إخراجها لا بسموّ مصوّراتها.
4- التسامي في التعبير عن المعاني، والانتقال من الحسّ إلى التجريد، والاقتراب من الفلسفة في خلق بعض الصور الإبداعيّة، وذلك بفضل ثقافة بعض الشعراء العميقة واطّلاعهم الواسع على العلوم والمعارف، وتأثّرهم بها في تشكيل أبعاد صورهم.
5- إحياء بعض الصور القديمة، ولكن في ثوب حضاريّ جديد يمثّل روح العصر وواقع التطوّر الذي عرفه العرب في تلك الفترة؛ وقد تأثّر الشعراء بالحياة المترفة، فتولّد لديهم الشعور الدائم بالتجديد، والإبداع الفنّيّ المستمرّ في التعبير عن تجاربهم الشعريّة وانفعالاتهم.
6- الاتّجاه بالصورة نحو الشعبيّة، وذلك بهدف التعبير عن هموم الشعب ومعاناته، ولأنّ عددًا كبيرًا من الشعراء كانوا ينتمون إلى طبقة العامّة، ففضلوا أن يكون الشعر مرآة العصر، يمثّله أصدق تمثيل من ناحية المعنى، أو البناء الفنّيّ القريب من النثريّة.
7- تحرّر الصورة من بعض القيود التي فرضها عليها عمود الشعر، وانطلاقها إلى آفاق رحبة أكثر انفتاحًا وشمولًا، تتجاوز الذات إلى العامّ، وتتخطّى المحدود نحو المطلق، فتعبّر عن جوهر الأشياء ومكنوناتها، وتبلغ أقصى درجات التأثير في النفس.
8- إنّ إفراط بعض الشعراء في استعمال الصنعة أدّى إلى تشويه جمال الصورة، والوقوع أحيانًا في التكلّف الظاهر الذي أفرغ الشعر من جوهر معناه، على نحو قصيدة ابن هرمة، التي تقع في أربعين بيتًا، فجميع حروفها مهملة، وفيها من الصور الزاهية، والجناس، والطباق، ما ينمّ عن مقدرة الشاعر على الصياغة الفنّيّة المحكمة. وينقل أبو الفرج اثني عشر بيتًا منها، أوّلها(203):
أرسم سودَةَ محلّ دارس الطلل معطّل ردّه الأحوال كالحلل
أو كما رأينا عند مسلم الذي مزج في شعره بين الصنعتين اللفظيّة والمعنويّة واستزاد منها، محاولًا بذلك اللحاق بالمجدّدين من معاصريه، فوقع أحيانًا في الزركشة اللفظيّة الفارغة التي تسيء إلى المعنى.
9- أخيرًا يمكن القول إنّ الصنعة الشعريّة تطوّرت كثيرًا في القرن الثاني الهجريّ، فبلغت درجة راقية من الإبداع الفنّيّ، وبرع الشعراء في خلق بعض الصور التي تعد من أزهى ما وصل إليه العقل، لما فيها من تنويع وتجديد وشمول. وفي هذا الارتقاء الشعريّ دلالة واضحة على تطور الذهنيّة الأدبيّة، وتمتّعها بالقدرة على التغيير والتجديد.
الحواشي
(1) تعرّف روز غريّب الصنعة في قولها: “هي الوسائل التقنيّة القديمة والحديثة التي يلجأ إليها الفنّان في إنتاجه والتي تعيّن مقدار نجاحه أو إخفاقه في العمل”.(تمهيد في النقد الحديث، ص 157).
(2) بدويّ طبانة، أبو هلال العسكريّ ومقاييسه البلاغيّة والنقديّة، ص 55و 56.
(3) كتاب الحيوان، ج3، ص 132.
(4) محمّد حسن عبد الله، الصورة والبناء الشعريّ، ص 12.
(5) كتاب عيار الشعر، ص 17.
(6) عمرو بن بحر الجاحظ، البيان والتبيين، ج2، ص فحة 101.
(7) م. ن. ، ج1، ص فحة 138.
(8) طبقات فحول الشعراء، ص 5، تحقيق محمود شاكر، القاهرة، مطبعة المدنيّ، ط2، 1974م. .
(9) عمرو بن بحر الجاحظ، البيان والتبيين، ج1، ص فحة 222.
(10) نقد الشعر، ص فحة 13.
(11) بشرى موسى ص الح، الصورة الشعريّة في النقد العربيّ الحديث، ص 21 و22.
(12) جهاد المجاليّ، طبقات الشعراء، ص 158 وص 159. .
(13) محمّد مندور، الأدب وفنونه، ص 13.
(14) بدويّ طبّانة، قدامة بن جعفر والنقد الأدبيّ، ص 404.
(15) عبد الحميد يونس، الأسس الفنّيّة للنقد الأدبيّ، ص 47.
(16) عبّاس محمود العقّاد، خلاصة اليومية والشذوذ، ص 20 و21.
(17) أدونيس، ص دمة الحداثة، ج3، ص فحة 17.
(18) محمّد مصطفى هدّارة، اتّجاهات الشعر في القرن الثاني الهجريّ، ص 600.
(19) ميشال عاصي، الفنّ والأدب، ص 85.
(20) مصطفى ص ادق الرافعيّ، تاريخ آداب العرب، ج3، ص 49.
(21) محمّد بن عبد المنعم خفاجي، الأدب العربيّ وتاريخه، ج2، ص 241.
(22) عبد الله بن مسلم بن قتيبة، الشعر والشعراء، ص 29.
(23) عمرو بن بحر الجاحظ، البيان والتبيين، ج2، ص 12.
(24) شوقي ضيف، الفنّ ومذاهبه في الشعر العربيّ، ص 141.
(25) تاريخ آداب العرب، ج3، ص 123.
(26) طه أحمد إبراهيم، تاريخ النقد الأدبيّ عند العرب، ص 97.
(27) السيّد أحمد خليل، الاتّجاهات الأدبيّة في العصر العبّاسيّ، ص 106.
(28) إلياذة هوميروس، ص 157. (المقدّمة).
(29) البيان والتبيين، ج1، ص 51 و55.
(30) ميشال عاصي، مفاهيم الجماليّة في أدب الجاحظ، ص 152.
(31) محمّد مصطفى بدويّ، وظيفة البلاغة في الشعر العربيّ الوسيط، مجلّة فصول، ص 215.
(32) ساسين عساف، الصور الشعريّة ونماذجها في إبداع أبي نؤاس، ص 75.
(33) السيّد أحمد الهاشمي، جواهر الأدب في أدبيّات وإنشاء لغة العرب، ج2، ص 187.
(34) البيان والتبيين، ج1، ص 51.
(35) كتاب الأغاني، ج3، ص 147.
(36) العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ج1، ص 131.
(37) الحصري، زهر الأداب وثمر الألبات، ج2، ص 472.
(38) إبراهيم أنيس، موسيقى الشعر، ص 53.
(39) ساسين عسّاف، الصورة الشعريّة ونماذجها في إبداع أبي نؤاس، ص 32.
(40) روز غريّب، تمهيد في النقد الحديث، ص 113.
(41) أبو الفرج الأصفهانيّ، كتاب الأغاني، ج3، ص 225.
(42) ديوان بشّار بنْ برد، ج4، ص 160.
(43) قدامة بن جفعر، نقد الشعر، ص 105.
(44) ديوان بشّار بن برد، ج1، ص 176.
(45) هي عبدة الباهلية، عشقها بشّار إثر سماع لطيف حديثها.
(46) ديوان بشّار بن برد، ج1، ص 193.
(47) م. ن، ص 189 و299؛ وج3، ص 8.
(48) عبد العزيز عتيق، علم البديع، ص 187.
(49) ديوان بشّار برد، ج1، ص 216 و 258؛ ج3، ص 119.
(50) م. ن، ج3، ص 247.
(51) م. ن، ج1، ص 197.
(52) م. ن، ص 117.
(53) ديوان شعر بشّار بن بُرد، ص 83.
(54) روز غريّب، تمهيد في النقد الحديث، ص 191.
(55) بُشرى موسى ص الح، الصورة الشعريّة في النقد العربيّ الحديث، ص 145.
(56) سبقه إلى هذا المعنى النابغة الذبيانيّ. . (ديوان النابغة الذبيانيّ، ص 146.
(57) ديوان شعر بشّار بن برد، ص 224.
(58) ديوان بشّار بن برد، ج4، ص 122.
(59) علم أساليب البيان، ص 264 و265.
(60) ديوان بشّار بن بُرد، ج3،ص167.
(61) م. ن، ج1، ص 117.
(62) الفنّ ومذاهبه في الشعر العربيّ، ص 155.
(63) محمّد بن منظور، لسان العرب، ج14، ص 115 (مادّة نزا).
(64) أمثال امرؤ القيس والنابغة الذبيانيّ، (المعلقات العشر)، ص 35.
(65) المبرد، الكامل في اللغة والأدب، ج2، ص 50.
(66) مارون عبود، الرؤوس، ص 103.
(67) بدويّ طبانة، السرقات الأدبيّة دراسة في ابتكار الأعمال الأدبيّة وتقليدها، ص 103.
(68) يوسف حسن بكار، قضايا في النقد والشعر، ص 117.
(69) عمرو بن بحر الجاحظ، البيان والتبيين، ج1، ص 16. .
(70) ديوان بشّار بن بُرد، د1، ص 109.
(71) ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج1، ص 421.
(72) ديوان بشّار بن بُرد، ج1، ص 109.
(73) ديوان شعر بشّار بن برد، ص 117.
(74) م. ن، ص 138.
(75) ديوان بشّار بن برد، ج3، ص 265.
(76) م. ن، ص 305 – 323.
(77) م. س، ص 317. . (حاشية رقم 6).
(78) بطرس البستانيّ، أدباء العرب في الأعصر العبّاسيّة، ج2، ص 54.
(79) غازي يموت، علم أساليب البيان، ص 113.
(80) أسرار البلاغة في علم البيان، ص 152.
(81) الأصفهانيّ، كتاب الأغاني، ج3، ص 142.
(82) أحمد خليل، الاتّجاهات الأدبيّة في العصر العبّاسيّ، ص 81.
(83) عليّ البطل، الصورة في الشعر العربيّ حتّى آخر القرن الثاني الهجريّ، ص 118.
(84) عصام أبو حمد، بشّار بن بُرد آخر القدماء وأوّل المحدثين، ص 44.
(85) عمر الداعوق، من كتاب الأمّالي لأبي عليّ القانيّ، ص 346.
(86) المبرد، الكامل في اللغة والأدب، ج2، ص 112.
(87) أبو الفرج الأصفهانيّ، كتاب الأغاني، ج3، ص 165.
(88) ديوان بشّار بن برد، ج2، ص 160.
(89) غازي يموت، علم أساليب البيان، ص 158.
(90) م. ن، ج3، ص 159.
(91) م. ن، ج2، ص 224.
(92) م. ن، ج3، ص 9.
(93) يوسف حسين بكار، قضايا في النقد والشعر، ص 34. ي
(94) روز غريّب، تمهيد في النقد الحديث، ص 223.
(95) أحمد عبد الستار الجواري، الشعر في بغداد حتّى نهاية القرن الثالث الهجريّ، ص 310.
(96) ديوان بشّار بن برد، ج2، ص 272، 88؛ و 144. .
(97) م. ن، ص 114.
(98) ياقوت الحمويّ الروميّ، معجم الأدباء، ج16، ص 62.
(99) شوقي ضيف، الفنّ ومذاهبه في الشعر العربيّ، ص 156 و157.
(100) ابن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ج1، ص 131.
(101) الأصفهانيّ، كتاب الأغاني، ج19، ص 31.
(102) محمّد بن عمران المرزبانيّ، معجم الشعراء، ص 248.
(103) إبراهيم بن عليّ الحصريّ القيروانيّ، زهر الآداب وثمر الألباب، ج4، ص 1067.
(104) المرزبانيّ، الموشح في مأخذ العلماء على الشعراء، ص 445.
(105) البيان والتبيين، ج1، ص 51.
(106) شوقي ضيف، الفنّ ومذاهبه في الشعر العربيّ، ص 183.
(107) طه أحمد إبراهيم، تاريخ النقد الأدبيّ عند العرب، ص 99.
(108) ديوان مسلم بن الوليد الأنصاريّ، ص 216.
(109) م. ن، ص 220.
(110) إبراهيم عليّ الحصريّ القيروانيّ، زهر الآداب وثمر الألباب، ج3، ص 855.
(111) ابو الفرج الأصفهانيّ، كتاب الأغاني، ج19، ص 34 و47 و60.
(112) ديوان مسلم بن الوليد الأنصاريّ، ص 53.
(113) ابو الفرج الأصفهانيّ، كتاب الأغاني، ج19، ص 59.
(114) ديوان مسلم بن الوليد الأنصاريّ، ص 177.
(115) هو يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني، من القادة الشجعان.
(116) هو عبد الله بن محمّد المعتز بالله ابن المتوكل العبّاسيّ خليفة عبّاسيّ. .
(117) ديوان مسلم بن الوليد الأنصاريّ، ص 7، (وما بعدها). .
(113) م. ن، ص 177.
(114) م. ن، ص 88.
(115) المرزبانيّ، معجم الشعراء، ص 248.
(116) عبد الله بن مسلم بن قتيبة، الشعر والشعراء، ص 564.
(117) ابو الفرج الأصفهانيّ، كتاب الأغاني، ج19، ص 33.
(118) ديوان مسلم بن الوليد الأنصاريّ، ص 283.
(119) م. ن، ص 144.
(120) ديوان مسلم بن الوليد الأنصاريّ، ص 283.
(121) محمّد مصطفى هدارة، اتّجاهات الشعر العربيّ في القرن الثاني الهجريّ، ص 625.
(122) عبد الله بن مسلم بن قتيبة، الشعر والشعراء، ص 539.
(123) محمّد بن يزيد المبرّد، الكامل في اللغة والأدب، ج2، ص 105.
(124) عمر فرّوخ، أبو نؤاس هارون الرشيد ومحمّد الأمين، ص 55.
(125) محمّد بن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج8، ص 364.
(126) ديوان أبي نؤاس، ص 434.
(127) ابن منظور المصريّ، أبو نؤاس في تاريخه وشعره ومباذله وعبثه ومجونه، ص 85. .
(128) ديوان أبي نؤاس، ص 246.
(129) م. ن، ص 104 و105 و345.
(130) م. ن، ص 463.
(131) المراد بالحسّي ما يُدرك بإحدى الحواس الخمس.
(132) ابن منظور المصريّ، أبو نؤاس في تاريخه وشعره ومباذله وعبثه ومجونه، ص 193.
(133) ساسين عساف، الصّورة الشعريّة ونماذجها في إبداع أبي نؤاس، ص 99.
(134) ديوان أبي نؤاس، ص 333.
(135) م. ن، ص 54 و74 و76 و 84 و85 و693 و 694.
(136) م. ن، ص 701.
(137) م. ن، ص 222.
(138) ديوان أبي نؤاس، ص 27.
(139) ساسين عسّاف، الصورة الشعريّة ونماذجها في إبداع أبي نؤاس، ص 97.
(140) م. ن، ص 99.
(141) ديوان أبي نؤاس، ص 314.
(142) عليّ البطل، الصورة في الشعر العربيّ حتّى آخر القرن الثاني الهجريّ دراسة في أصولها وتطوّرها، ص 120.
(143) ديوان أبي نؤاس، ص 332.
(144) م. ن، ص 616.
(145) ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ج2، ص 97.
(146) م. ن، ص 102.
(147) ديوان أبي نؤاس، ص 515.
(148) عبد الله بن مسلم بن قتيبة، الشعر والشعراء، ص 543.
(149) م. ن، ص 540.
(150) ديوان أبي نؤاس، ص 6.
(151) عليّ البطل، الصورة في الشعر العربيّ، ص 209.
(152) م. ن، ص 80.
(153) م. ن، ص 14.
(154) ساسين عسّاف، الصورة الشعريّة ونماذجها في إبداع أبي نؤاس، ص 122.
(155) ديوان أبي نؤاس، ص 69.
(156) م. ن، ص 41.
(157) م. ن، ص 91.
(158) م. ن، ص 673.
(159) ابن منظور المصريّ، أبو نؤاس في تاريخه وشعره ومباذله وعبثه ومجونه، ص 190.
(160) ديوان أبي نؤاس، ص 175.
(161) ديوان أبي نؤاس، ص 47 و63 و85 و93 و251و 381.
(162) م. ن، ص 345 و464.
(163) عليّ البطل، الصورة في الشعر العربيّ، 120.
(164) محمّد مصطفى هدارة، اتّجاهات الشعر العربيّ في القرن الثاني الهجريّ، ص 620.
(165) مصطفى الشكعة، الشعر والشعراء في العصر العبّاسيّ، ص 369.
(166) أبو الفرج الأصفهانيّ، كتاب الأغاني، ج8، ص 370.
(167) م. ن، ص 30 و43 و55 و72 و279.
(168) م. ن، ص 239.
(169) ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ص 561.
(170) مصطفى الشكعة، الشعر والشعراء في العصر العبّاسيّ، ص 392.
(171) شرح ديوان العبّاس بن الأحنف، ص 96.
(172) م. ن، ص 276.
(173) م. ن، ص 58.
(174) ابو الفرج الأصفهانيّ، كتاب الأغاني، ج8، ص 353.
(175) شرح ديوان العبّاس بن الأحنف، ص 218 و 241.
(176) ياقوت الحمويّ الروميّ، معجم البلدان، ج1، ص 112.
(177) حسين عطوان، شعراء الدولتين الأموية والعبّاسيّة، ص 397. .
(178) ياقوت الحمويّ الروميّ، معجم الأدباء، ج10، ص 168.
(179) م. ن، ص 176.
(180) إبراهيم عليّ الحصريّ القيروانيّ، زهر الآداب وثمر الألباب، ج4، ص 1051.
(181) ابو الفرج الأصفهانيّ، كتاب الأغاني، ج16، ص 25.
(182) أحمد بن محمّد بن الحسن المرزوقي، شرح ديوان الحماسة، ج3-4، ص 1597. .
(183) ياقوت الحمويّ الروميّ، معجم الأدباء، ج10، ص 170.
(184) شعر عليّ بن جبلة، ص 108-114.
(185) عبده بدويّ، الشعراء السود وخصائصهم في الشعر العربيّ، ص 227.
(186) يوسف عيد، المدارس الأدبيّة ومذاهبها، ج2، ص 42، بيروت، دار الفكر اللبناني، ط1، 1994م.
(187) ديوان ديك الجن الحمصي، ص 96.
(188) م. س، ص 94.
(189) مصطفى الشكعة، الشعر والشعراء في العصر العبّاسيّ، ص 594.
(190) ديوان أبي العتاهية، ص 27 و33 و37.
(191) م. ن، ص 326.
(192) م. ن، ص 217 و 431.
(193) م. ن، ص 475.
(194) ابن عبد ربّه الأندلسي، العقد الفريد، ص 148.
(195) ابو الفرج الأصفهانيّ، كتاب الأغاني، ج4، ص 60.
(196) ديوان أبي العتاهية، ص 375.
(197) غازي يموت، علم أساليب البيان، ص 274.
(198) ديوان أبي العتاهية، ص 59 و213 و314.
(199) م. ن، ص 335.
(200) محمّد بن شاكر الكتبيّ، فوات الوفيات والذيل عليّها، ج3، ص 403.
(201) الأصفهانيّ، كتاب الأغاني، ج5، ص 153.
(202) السيوطيّ، تاريخ الخلفاء، ص 339.
(203) الأصفهانيّ، كتاب الأغاني، ج4، ص 378.
فهرس المصادر والمراجع
- إبراهيم، طه أحمد: “تاريخ النقد الأدبيّ عند العرب من العصر الجاهليّ إلى القرن الرابع الهجريّ”. بيروت، دار الحكمة، لا. ط، لا. تا.
- أبو أحمد، عصام: “بشّار بن برد آخر القدماء وأول المحدثين”. دار الإرشاد بحمص، ط2، 1399هـم 1979م.
- أدونيس (عليّ أحمد سعيد): “الثابت والمتحول، ص دمة الحداثة”. ج3، بيروت، دار العودة، ط2، 1979م.
- الأصفهانيّ (أبو الفرج عليّ بن الحسين، ت 356هـ): “كتاب الأغاني”. بيروت، دار إحياء التراث العربيّ، لا. ط، لا. تا.
- أنيس، إبراهيم: “موسيقى الشعر”. بيروت، دار القلم للطباعة والنشر، ط4، تاريخ المقدّمة مايو 1972م.
- بدويّ، عبده: “الشعراء السود وخصائصهم في الشعر العربيّ”. مطابع الهيئة المصريّة العامة للكتاب، لا. ط، 1988.
- البستانيّ، بطرس: “أدباء العرب في الأعصر العبّاسيّة”. بيروت، دار الجيل، لا. ط، 1979م.
- البطل، عليّ: “الصورة في الشعر العربيّ حتّى آخر القرن الثاني الهجريّ”. دار الأندلس للطباعة والنشر، ط2، 1401هـ/ 1981م.
- بكّار، يوسف حسين: “اتّجاهات الغزل في القرن الثاني الهجريّ”. دار الأندلس للطباعة والنشر، ط2، 1401هـ/1981م.
- بكّار، يوسف حسين: “قضايا في النقد والشعر”. . بيروت، دار الأندلس، ط1، 1404هـ/1984. .
- الجاحظ (عمرو بن بحر، ت255هـ): : “البيان والتبين”. تحقيق عبد السلام هارون. بيروت، دار الجيل، لا. ط، لا. تا.
- الجاحظ: “كتاب الحيوان”. تحقيق عبد السلام هارون. بيروت، دار الجيل، لا. ط، 1412هـ/1992م.
- الجرجانيّ (عبد القاهر، ت471هـ): : “أسرار البلاغة في علم البيان”. . بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر، لا. ط، 1398هـ/ 1978م. .
- بن جعفر، قدامة (ت337هـ): “نقد الشعر”. تحقيق عيسى ميخائيل سابا. لبنان، المطبعة البوليسية، لا. ط، 1958م.
- الجُمحيّ، (محمّد بن سلاّم، ت 232هـ): “طبقات فحول الشعراء”. تحقيق محمود شاكر. القاهرة، مطبعة المدنيّ، ط2، 1974م.
- الجواريّ، أحمد عبد الستار: “الشعر في بغداد حتّى نهاية القرن الثالث الهجريّ”. بيروت، مطابع دار الكشاف، لا. ط، 1956م.
- الحصريّ (أبو إسحاق إبراهيم بن عليّ، ت453هـ): “زهر الآداب وقمر الألباب”. بيروت، دار الجيل، ط4، لا. تا.
- خفاجي، عبد المنعم: “الأدب العربيّ وتاريخه في العصرين الأموي والعبّاسيّ”. بيروت، دار الجيل، لا. ط، 1410هـ/1990م.
- ابن خلّكان (أحمد بن محمّد، ت 681هـ): “وفيات الأعيان وأبناء أبناء الزمان”. تحقيق إحسان عبّاس. بيروت، دار الثقافة، لا. ط، لا. تا.
- خليل، السيّد أحمد: “الاتّجاهات الأدبيّة في العصر العبّاسيّ”. بيروت، دار مكتبة الجامعة العربيّة، لا. ط، لا. تا.
- الداعوق، عمر: “من كتاب الأمالي لأبي عليّ القالي”. دمشق، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القوميّ، لا. ط، 1980م.
- ديوان بشّار بن بُرد. تحقيق محمّد الطاهر بن عاشور. القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، لا. ط، 1369هـ/ 1950م.
- ديوان ديك الجنّ الحمصيّ. تحقيق وشرح أنطوان القوّال. بيروت، دار الكتاب العربيّ، ط1، 1412هـ/ 1993م.
- ديوان شعر بشّار بن بُرد. تحقيق السيّد بدر الدين العلويّ. بيروت، نشر وتوزيع دار الثقافة، لا. ط، 1403هـ/ 1983م.
- ديوان أبي العتاهية. بيروت، دار ص ادر، لا. ط، 1400هـ/ 1980م.
- ديوان مسلم بن الوليد الأنصاريّ. تحقيق سامي الدهان. دار المعارف بمصر، لا. ط، 1958م.
- ديوان النابغة الذبيانيّ. تحقيق فوزي عطوي. بيروت، دار ص ادر، لا. ط، لا. تا.
- ديوان أبي نؤاس. تحقيق أحمد عبد المجيد الغزاليّ. بيروت، دار الكتاب العربيّ، لا. ط، 1402هـ/1982م.
- الرافعيّ، مصطفى صادق: : “تاريخ آداب العرب”. بيروت، دار الكتاب العربيّ، ط4، 1394هـ/1974م.
- ابن رشيق (الحسن بن رشيق القيروانيّ، ت463هـ): : “العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده”. تحقيق محمّد محي الدين عبد الحميد. بيروت، دار الجيل، ط5، 1401هـ/1981م.
- السيوطيّ (عبد الرحمن بن أبي بكر، ت911هـ): “أخبار النحويّين والبصريّين”. ط1، 1955م.
- شرح ديوان العبّاس بن الأحنف. بيروت، دار الكتاب العربيّ، ط1، 1414هـ/ 1993م.
- الشكعة، مصطفى: “الشعر والشعراء في العصر العبّاسيّ”. بيروت، دار العلم للملايين، ط6، 1986م.
- صالح، بُشرى موسى: “الصورة الشعريّة في النقد العربيّ الحديث”. بيروت، المركز الثقافي العربيّ، ط1، 1994م.
- ضيف، شوقي: “الفنّ ومذاهبه في الشعر العربيّ”. مصر، دار المعارف، ط1، لا. تا.
- ابن طباطبا (محمّد بن أحمد، ت322هـ): “عيار الشعر”. تحقيق محمّد زغلول سلام. طرابلس، دار الشمال للطباعة والنشر والتوزيع، لا. ط، 1988م.
- طبانة، بدويّ: “البيان العربيّ”. القاهرة، المطبعة الفنّيّة الحديثة، ط4، 1968م.
- طبانة، بدويّ: “قدامة بن جعفر والنقد الأدبيّ”. القاهرة، المطبعة الفنّيّة الحديثة، ط3، 1969م.
- عاصي، ميشال: : “الفنّ والأدب”. . بيروت، مؤسسة نوفل، ط3، 1981. .
- عاصي، ميشال: “مفاهيم الجماليّة والنقد في أدب الجاحظ”. بيروت، مؤسسة نوفل، ط2، 1981م.
- عبُّود، مارون: “الرؤوس”. بيروت، دار مارون عبود، ودار الثقافة، ط5، 1972م.
- ابن عبد ربّه الأندلسيّ (محمّد بن محمّد، ت328هـ): “العقد الفريد”. تحقيق عبد المجيد الترحينيّ. بيروت، دار الكتب العلميّة، ط3، 1407هـ/1987م.
- عتيق، عبد العزيز: “علم البديع”. بيروت، دار النهضة العربيّة للطباعة والنشر، لا. ط، 1974.
- عساف، ساسين: “الصورة الشعريّة ونماذجها في ابداع أبي نؤاس”. بيروت، المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنشر، ط1، 1402هـ/1982م.
- عطوان، حسين: “شعراء الدولتين الأموية والعبّاسيّة”. بيروت، دار الجيل، ط2، 1981م.
- العقّاد، عبّاس محمود: “خلاصة اليومية والشذور”. القاهرة، دار النصر للطباعة، ط1، 1969م.
- عيد، يوسف: “المدارس الأدبيّة ومذاهبها”. بيروت، دار الفكر اللبناني، ج2، ط1، 1984م.
- غريّب، روز: “تمهيد- في النقد الحديث”. بيروت، دار المكشوف، ط1، 1971م.
- فروخ، عمر: “أبو نؤاس شاعر هارون الرشيد ومحمّد الأمين”. بيروت، دار الكتاب العربيّ، ط1، 1408هـ/1988م.
- ابن قتيبة (عبد الله بن مسلم، ت276هـ): “الشعر والشعراء”. تحقيق مفيد قميحة. بيروت، دار الكتب العلميّة، لا. ط، 1405هـ/ 1985م.
- الكتبيّ (محمّد بن شاكر، ت764هـ): : “فوات الوفيات والذيل عليّها”. تحقيق إحسان عبّاس. بيروت، دار الثقافة، لا. ط، لا. تا.
- المبرّد (محمّد بن يزيد، ت286هـ): “الكامل في اللغة والأدب”. بيروت، مؤسّسة المعارف، لا. ط، لا. تا.
- المجاليّ، جهاد: “طبقات الشعراء في النقد الأدبيّ عند العرب حتّى نهاية القرن الثالث الهجريّ”. بيروت والأردن، دار الجيل ومكتبة الرائد العلميّة، ط1، 1412هـ/1992م.
- المرزبانيّ (محمّد بن عمران، ت384هـ): “الموشّح في مآخذ العلماء على الشعراء”. القاهرة، طبعة دار نهضة مصر، لا. ط، 1965م.
- المرزبانيّ (محمّد بن عمران): “معجم الشعراء”. بيروت، دار الجيل، ط1، 1411هـ/1991م.
- مندور، محمّد: “الأدب وفنونه”. القاهرة، معهد الدراسات العربيّة العالميّة، لا. ط، لا. تا.
- ابن منظور (محمّد بن مكرم، ت 711ه): “لسان العرب”. بيروت، دار إحياء التراث العربيّ، ط1، 1408ه/1988م.
- الهاشميّ، السيّد أحمد: “جواهر الأدب في أدبيّات وإنشائيّات لغة العرب”. بيروت، مؤسّسة المعارف، لا. ط، لا. تا.
- هدّارة، محمّد مصطفى: “اتّجاهات الشعر العربيّ في القرن الثاني الهجريّ”. دمشق، المكتب الإسلاميّ، ط1، 1401ه/1981م.
- ياقوت الحمويّ: “معجم الأدباء”. بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر، ط3، 1400ه/1984م.
- يموت، غازي: “علم أساليب البيان”. بيروت، دار الأصالة للطباعة والنشر، ط1، 1403ه/1983م.
- يونس، عبد الحميد: “الأسس الفنّيّة للنقد الأدبيّ، القاهرة، دار المعرفة، ط2، 1966م.
الدوريات:
- بدويّ، محمّد مصطفى: “وظيفة البلاغة في الشعر العربيّ الوسيط”. مجلّة فصول، القاهرة، مج4، عدد2، (صيف 1995م).
الكتب المعرّبة:
- إلياذة هوميروس. ج1، ترجمة سليمان البستانيّ. بيروت، دار المعرفة، لا. ط، لا. تا.