الأمنية المستحيلة
الأمنية المستحيلة
حسين ابراهيم([1](
الساعة التاسعة وإحدى عشرة دقيقة ليلاً. أجلسُ بهدوءٍ لأرتشف قهوتي، وبينما أمسحُ الفنجان بشفتيّ، مداعبًا بلساني دوامةَ الأسرار السّوداء التي تسبح داخله، يقفز فجأةً من الدّوامة جنيٌّ أزرق مَهول. يحدق إليّ بوجه كسول رتيب، ثم يقول:
– تمنّى أمنية وسوف أحققها لك.
أسأله بنفس الكسل والرّتابة اللذين يعتريان وجهه:
– أمنية واحدة؟
فيجيب مقلّبًا عينيه بسأم:
– وهل سمعتني أقول عشرة؟ أجل واحدة.
أنتفض محتجًا:
– ولماذا واحدة فقط؟ بمَ يفوقني علاءُ الدين لتمنحه ثلاث أمنيات بينما أنا واحدة؟!
– لا تجادل وإلا انسحبت عائدًا من حيث أتيت.
– حسنًا حسنًا أمهلني دقيقة لأفكر.
وتمتد الدّقيقة إلى عشر دقائق… عشرين… ثلاثين… وأنا ما أزال أفكر في الأمنية التي سأطلبها.
السّفر؟ ولكن إلى أين؟ وهل سأتأقلم في العيش بعيدًا من الوطن الذي نشأتُ فيه؟ لا أظن ذلك.
إصلاح الوطن؟ لا… فهذا الأمر لا تسعه أمنية واحدة، بل يتطلب ألف أمنية وأمنية.
المال؟ ولمَ لا؟ سوف أشتري به سعادتي وكل ما أشتهيه، لكنه سينفذ ويتبدد يومًا ما، وأنا أريد شيئًا خالدًا.
ماذا عن الخلود نفسه؟ سوف أحيا الدّهر بكامله ولن أفنى. لكن ألن أشعر بالملل؟ كيف لا، وهذا الشّعور قد بدأ يراودني منذ هذه اللحظة؟!
إذًا؛ الموت… نعم، فإني متلهف إلى معرفة ما يخفيه هذا الشّبح الغامض من أسرار. لكنني سأموت حتمًا في يوم ما، وحينها سأكتشف تلك الأسرار. ثم إنّ هذه الأمنية لا تستلزم جنيًّا، يمكنني أن أحققها بنفسي، ومتى أشاء.
يرمقني الجنيّ بنظرة باردة لا تخلو من السّخريّة:
– هل تحتاج إلى “منيو”؟
آه ماذا سأتمنى؟ الشّهرة؟ وماذا إن اشتهرت بما هو ذليل وليس حسَن؟
أنجلينا جولي؟ لقد أصبحت كبيرة. وكذلك مونيكا بيلوتشي. ماذا عن مارغوت روبي؟ لكنها متزوجة.
تبًا… لا حصر للخيارات! السّاعة تقارب العاشرة، والجنيُّ ما يزال ينتظر أمنيتي بتأفّف:
– هلّا أسرعْت؟ ليس لدي الليل بطوله.
أشعر بالجفاف يكتسح حلقي. أحمل فنجان القهوة لأبلل ريقي وأستعيد تركيزي، فأجده فارغًا. الجنّي لا يكف عن التأفف والتذمر. آخذ نفسًا عميقًا ثم… أتمنى:
– فنجانُ قهوة آخر لو سمحت.
[1] – طالب دراسات عليا في الداسات اللبنانيّة، قسم اللغة العربية وآدابها-husseinibraheim@outlook.com-
