خروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبي (دراسة تقييمية للنتائج والآثار السياسية والاقتصادية)
د. عباس حسن رضا)[1](
الملخّص
تتمحور هذه الدراسة حول التداعيات المفترضة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على زعزعته وانفراط عقده والمخاطر المحتملة جرّاء ذلك، لا سيما في مجالات الهجرة والأمن والدّفاع والتعليم والسياسة التجارية فضلًا عن السياسة الخارجية. وقد هدفت الدراسة بشكل خاص إلى التعرف على الدور الجديد الذي يمكن أن تؤديه بريطانيا في النظام الدولي خاصة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. وقد اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي، وعلى الواقعية السياسية Political Realism، التي تحرص على توخي الموضوعية، واقتضت اللجوء إلى تقنية تحليل المضمون. وقد توصلنا في دراستنا هذه إلى النقاط الآتية:
- طموح بريطانيا إلى التخلص من أعباء الهجرة والمخاوف من الإرهاب، ومخاوف انضمام تركيا إلى الاتحاد، والتي تعتبرها بريطانيا مصدراً لانتقال الارهابيين إليها.
- توقعت بريطانيا، من خروجها، ازدهار تجارتها الحرّة، وزيادة نفوذها المالي، واستقلالها التّشريعي.
- توقع بزوغ نزعات انفصالية بين دول الاتحاد الأوروبي ما يزيد من الصراعات وصعود اليمينيّة المتطرفة.
- خطر الهجرة الناتج عن الصراعات الدائرة في الدول العربية، كسوريا وليبيا، وهما دولتان متوسطيتان، تلعبان، مع تركيا، عاملاً مهماً في انتقال الارهابيين إلى الدول الأوربية.
- التراجع الكبير في أنظمة الدول الأوروبية الاقتصاديّة، وضعف الأسواق الماليّة، والتراجع في مؤشرات النمو، وارتفاع نسبة البطالة.
- إزاحة العقدة البريطانية المعرقلة لاقتراحات المفوضية الأوروبية، والسعي الجاد إلى تشكيل جيش أوروبي موحد، وإعادة الاعتبار للغة الفرنسية التي جرى إقصاءها، بفعل اعتماد الانكليزية كلغة أساسية للاتحاد منذ انضمام دول من شرق أوروبا إليه.
- طموح بريطانيا، بعد خروجها، إلى تأسيس شراكة خاصة جديدة مع الاتحاد الأوروبي فيما يختص بشأن السياسة الخارجية والأمنية، بالاعتماد على المبادرات المشتركة معه والفعاليات حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
- سعي بريطانيا إلى تأسيس علاقات خاصة جديدة بينها وبين الاتحاد الأوروبي بشأن السياسة الخارجية والأمنية في أعقاب خروجها من الاتحاد، إفساحاً في المجال أمام المبادرات المشتركة معه، والفعاليات حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
- إمكانية أن يبقى تأثير بريطانيا في الأمن الأوروبي قويًّ، نظرً لموقعها بوصفها القوة الأوروبية الأكثر قدرة واستعدادًا في حلف الناتو.
الكلمات المفتاحية: الاتحاد الأوروبي- البريكست- الأزمة— إدارة الأزمات- نزعات انفصاليّة
Abstract
The study focuses on the supposed implications of Brexit for its destabilization, dislocation and potential risks, particularly in immigration, security, defence, education and trade policy as well as foreign policy.
The study was particularly aimed at identifying the new role Britain could play in the international system, especially after its exit from the European Union. The study relied on the descriptive analytical approach and political realism, which was keen to be objective and required the use of content analysis technology.
In our study, we have reached the following points:
- Britain’s ambition to get rid of immigration burdens, fears of terrorism, and fears of Turkey’s accession to the EU, which Britain sees as a source of terrorist movement.
- From its exit, Britain expected its free trade to flourish, its financial influence and legislative independence to increase.
- Expectation of the emergence of separatist tendencies among EU countries, which increases conflicts and the rise of extreme right-wingism.
- The threat of migration resulting from conflicts in Arab countries, such as Syria and Libya, two Mediterranean countries, playing an important factor in the transfer of terrorists to European countries.
- Significant decline in European economic systems, weak financial markets, decline in growth indicators and high unemployment.
- The removal of the British knot, which is hampered by the proposals of the European Commission, the serious pursuit of a unified European army and the reconsideration of the French language, which has been excluded, by the adoption of English as the basic language of the Union since the accession of Eastern European States.
- After its exit, Britain’s ambition is to establish a new special partnership with the EU on foreign and security policy, drawing on joint initiatives and events on issues of common concern.
- Britain is seeking to establish new special relations with the EU on foreign and security policy in the wake of its exit from the EU, opening the way for joint initiatives with it and events on issues of common concern.
- Britain’s influence on European security could remain strong, given its position as nato’s most capable and willing European force.
Keywords: EU – Brexit – Crisis – Crisis Management – Separatist Tendencies.
المقدّمة
شهدت الحرب العالمية الثانية قيام معسكرين، أحدهما رأسمالي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية، والثاني شيوعي تزعمه الاتحاد السوفاتي السابق. وإزاء ذلك انقسمت الدول الأوروبية، بين هذين المعسكرين؛ وهو أمر لم يرض الأوروبي، الذي شكّل ذات يوم قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية أسهمت في استعمار العالم القديم؛ وقد دفع ذلك الأوروبي إلى ضرورة بلورة كيان يُعِيد لأوروبا هيبتها، ويُرجِع لها عزّها، ويجعلها في مصافي الأحلاف المنافسة للمعسكرين المذكورين. وقد شهد النصف الثاني من القرن العشرين قيامة الاتحاد الأوروبي، الذي أسهم في تكامل اقتصادي وسياسي وثقافي واجتماعي وعسكري لأوروبا. إلا أنّ الوحدة آذنت بالتفكك، بعد رغبة بريطانيا المتكررة للخروج من الاتحاد، والذي تحقق في العقد الثاني من القرن العشرين.
وقد شكل الاتحاد الأوروبي إحدى أكثر التّجارب التكاملية أو الوحدوية نجاحًا، خلال العقود الخمسة الماضية، لا سيّما أنَّه انتقل بالدول الأوروبية الأعضاء من حالة العداء الكامل، خلال الحرب العالمية الثانية، إلى حالة هي أقرب إلى الوحدة الكونفيدرالية على المستويين الاقتصادي والسياسي. وقد تمكن الاتحاد، عبر هذه السنوات، من تأدية دور حيوي فاعل يشكل رقمًا مهمًا في المعادلات الأمنية والسياسية على السّاحة العالمية. بيد أنَّ هذا المشروع الوحدوي صار يعاني، في الوقت الراهن، من مشكلات عدة، تعوق تطوره، وربَّما تهدد استمراره ووجوده، لا سيّما مع بدء البريكست، والشروع في إجراءات مغادرة بريطانيا للاتحاد بشكل رسمي نهاية كانون الثاني 2020. إزاء تلك الأزمات التي عصفت بالاتحاد الأوروبي، وختام ذلك بخروج بريطانيا منه، فإننا نتطلع إلى سبر وكشف وتوقع تداعيات الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي عليه. لذا، قمنا بطرح الإشكالية الأتية: إلى أي مدى سيسهم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في زعرعته، وانفراط عقده؟ وما هي التداعيات المفترضة لذلك الخروج على الاتحاد الأوروبي. وما هي المخاطر المحتملة التي ستنتج من جراء ذلك الخروج؟
وينبثق عن إشكاليتنا الرئيسة التساؤلين الآتيين:
- ما هي التّداعيات المختلفة على الاتحاد الأوروبي جراء خروج بريطانيا منه؟
- كيف سيؤثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على دورها الأوروبي وعلى موقعها في النظام الدولي؟
في ضوء تساؤلات الإشكاليّة، قمنا بصياغة فرضيتنا الرئيسة والمتضمنة ترتّب تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الاتحاد. وقد عمدنا إلى تفريع تلك الفرضية الرئيسة إلى فرضيتين فرعيتين، هما:
- نتج عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تداعيات مختلفة، ايجابية وسلبية، عليه.
- أثّر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على دورها الأوروبي وعلى موقعها في النظام الدولي.
وتهدف هذه الدراسة إلى البحث عن التبعات المحتملة لقرار المملكة المتحدة بالخروج من الاتحاد الأوروبي أو ما يطلق عليه (البريكست Brexit) خاصة في مجالات الهجرة والأمن والدّفاع والتّعليم والسياسة التّجارية فضلًا عن السياسة الخارجية. كما تهدف الدراسة بشكل خاص إلى التعرف على الدور الجديد الذي يمكن أن تلعبه بريطانيا في النظام الدولي خاصة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. وقد اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي التّحليلي، الذي يتوخى “دراسة ظاهرة ما، توجد في الواقع، ويهتم بوصفها وصفاً دقيقاً ويعبّر عنها تعبيرًا كيفيًّا أو تعبيرًا كميًّا” (بوحوش, ع; الذنيبات, م، 1995، صفحة 129)؛ وأتاح لنا هذا المنهج الحصول على المعلومات والبيانات المتعلقة بقيام الاتحاد الأوروبي والتكامل الحاصل جراء ذلك، ورصد تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عليه. كما اعتمدنا في دراستنا هذه على المنهج التاريخي كون “الأحداث السياسية التّاريخيّة هي التي تشكّل خبرة الإنسان السياسية في مختلف مجالات علم السياسة. فالتاريخ في هذا يُعدّ مصدراً من مصادر المعلومات السياسية، حيث تترتب معرفة الحاضر، على خبرات ومعرفة ما سبق من أحداث في الماضي”([2]). وتعتمد دراستنا هذه، أيضًا، على الواقعية السياسية Political Realism، التي تحرص على توخي الموضوعيّة، وتربط النتائج بالمقدمات، فتحسب “حساب الآثار المترتبة على قرار ما قبل أن تصدره، وتقارن الحلول المختلفة لتتخيّر أيسرها وأقنعها. ولا بدّ للواقعية السياسية من أهداف تصبو إليها، ومعايير تقيس بها، وقيم مقررة تعتمد عليها”([3]). ويؤدي هذا المنهج غرض المصلحة الوطنية، كونه يعدُّ مقاربة المصلحة الوطنية كإحدى مقاربات البحث الرئيسة في مجال العلاقات الدولية والسياسة الخارجية؛ وهو ترجمة واضحة للمدرسة الواقعيّة في السياسة، التي سيطرت على تحليل ودراسة العلاقات الدّوليّة منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية، وقامت على مفاهيم ثلاث أساسيّة هي: القوة، وتوازن القوى، والمصلحة الوطنية. اقتضت هذه الدّراسة اللجوء إلى تقنية تحليل المضمون، وهي من أكثر التقنيات استخدامًا في البحوث العلميّة. فكل “ما يُقال أو يُكتب، يُمكن أن يتم إخضاعه إلى تحليل محتوى ومضمون”([4]). وهي أسلوب “للكشف عن الفئات والمفاهيم التي تنطوي عليها البيانات وما يتكرر فيها من أفكار أو موضوعات رئيسة، وتركيزها بعد ذلك على عدد أقل حتى يصبح من السهل فهمها”([5]) وقد أتاحت لنا هذه التّقنية تحليل البيانات والمعلومات التي حصلنا عليها من المصادر والمراجع والمواقع الالكترونيّة المتخصصة والدّراسات، التي تضمنت معلومات حول قيام الاتحاد الأوروبي، وتاليًا خروج بريطانيا منه، بغية تلخيصها، والتدقيق فيها، وصولًا إلى تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عليه. أمّا مجالات الدراسة فتضمنت الحدود المكانية والزّمانيّة. فالأولى شملت حدود بريطانيا والاتحاد الأوروبي. أما الثانية فتبدأ منذ بداية تأسيس الاتحاد الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، حتى انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي العام 2020.
المصطلحات أو المفاهيم الاجرائية
الاتحاد الأوروبي
الاتحاد الأوروبي (EU) هو نظام سياسي متميز تمامًا بطابع ذاتي، إذ إنه متجاوز للدولة الوطنية الواحدة (بما يعني تمتعه بسيادة جماعيّة مشتركة). وذو تداخل في ممارسة الحكم (معتمدًا في ذلك على تعاونه مع حكومات الدول الوطنيّة) وفي الوقت نفسه: ولم يتوصل الاتحاد الأوروبي (حتى الآن) الى مستوى الدولة الاتحادية، التي ربما تفقد البلدان المندمجة فيها سيادتها الوطنية الى حد كبير، ولكنه يُعَد في الوقت ذاته أقرب الى التوصيف بمنظمة دولية، لأن الدول المتمتعة بعضوية وضعت ضمن الانتماء اليه أجزاء أساسية من سيادتها في أجهزة مشتركة.
الأزمة
حدث خطير أو سلسلة من الأحداث تهدّد بشكل حادٍ سلامة الأشخاص، العمليات، الأصول، البيئة، أو السّمعة، أو التّطور المستقبلي للمنظمة. وهي عملية تحوّل لا يمكن معها الحفاظ على النظام القديم. وهي التهديد أو الحدث الذي يخلق الفوضى والمعاناة([6]).
مواجهة الأزمة
المقصود بمواجهة الأزمة هو إدارتها بما ينطوي عليه ذلك من مراحل مختلفة وأهداف نسعى لتحقيقها خلال كل مرحلة. وهناك منهجان تتبعهما المنظمات للتعامل مع الأزمات، الأول تقليدي ويقوم على رد الفعل Reactive Approach ويركز على التعامل مع الأزمة عند حدوثها. أمّا المنهج الثاني، وهو المنهج الحديث، فيقوم على التعامل الاستباقي Proactive Approach ويعمل على مواجهة الأزمة قبل حدوثها من خلال التنبؤ بها والوقاية منها والتحضير لها([7]).
بريطانيا ودورها المحوري والتحديّات التي واجهتها
1.1 مكانة بريطانيا في الاتحاد الأوروبي
تقع جزيرة بريطانيا العظمى شمال غرب القارة الأوروبية، ويحيط بها بحر الشمال، القنال الإنجليزي والمحيط الأطلسي([8])، وتشكل الغالبية العظمى من مساحة المملكة المتحدة. وهي أكبر جزيرة في أوروبا وتاسع أكبر جزيرة في العالم، وثالث أكبر جزيرة مأهولة على وجه الكرة الأرضيّة([9])، إذ يبلغ عدد سكانها 60 مليون نسمة. ويحيط بها أكثر من 1000 جزيرة كبيرة وصغيرة. وكإصطلاح سياسي، تجمع بريطانيا كل من: إنجلترا واسكتلندا وويلز، التي تشكل منطقة الجزيرة على الرغم من أن هناك جزرًا أخرى تابعة لكل منهم. وقد شهدت اسكتلندا، في 18 سبتمبر 2014، استفتاءً لسكانها للتصويت على الانفصال عن بريطانيا العظمى، إلا أنّ نتيجته كانت رفض الاسكتلنديين للانفصال بنسبة 55.3٪ من الأصوات. ثمة عاملان أسهما في تحديد مسار الصراعات في أوروبا وفي حسم مصيرها وتحديد موقعها ومكانتها في النظام العالمي، هما: الاكتشافات الجغرافيّة، والثورة الصناعية. فقد آذنت رحلات كريستوف كولومبوس لاكتشاف أميركا العام 1492 وموجات الرحلات الكثيفة التي خرجت من أوروبا صوب “العالم الجديد، ببداية عصر هيمنة أوروبا على العالم كله.
أمّا الثورة الصناعيّة في نهاية القرن السّابع عشر، التي انطلقت من بريطانيا ثم انتقلت إلى مستعمراتها في أميركا ثم إلى بقية الدّول الأوروبيّة. فقد أصبحت القدرة على استيعابها والاستفادة منها هي العنصر الأكثر حسمًا في تحديد وتطور موازين القوى الدّوليّة. لقد تفاعلت صراعات القوى الأوروبيّة على خلفية تأثيرات هذين العاملين وأفضت إلى حربين عالميتين فقدت أوروبا مكانتها ودورها في النّظام العالمي. لقد خسرت “أوروبا التقليدية” ميزة القيادة التّاريخيّة. بُعيد الحرب العالمية الثانية، انقسمت القارة الأوروبية إلى: شرقية تتبع المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السّوفياتي، وغربية تتبع المعسكر الرأسمالي وعلى رأسه الولايات المتحدة التي خرجت من الحرب قوية، وباقتصاد مزدهر. فكان لا بدّ من استتباع أوروبا بعد إنهاكها بسبب الحرب العالمية الثانيّة وأثمانها الباهظة التكاليف، بشريًّا وماديًّا، إلى الولايات المتحدة، فبدأت “الجهود لإعادة ترتيب الأوضاع الأوروبيّة بتطبيق خطة مارشال التي قدمت من خلاله الولايات المتحدة المساعدات، لكنّها اشترطت أن تتوحد الدول الأوروبيّة في إطار مؤسّسي كي تستفيد من هذه المعونة([10]). لقد فرضت خطّة مارشال على الأوروبيين أثمان التبعيّة للولايات المتحدة وما يستتبع ذلك من خسائر، فقد خرجت أوروبا من المعادلة العالميّة، ليشهد العالم بزوع نجمين هما: الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركيّة.
2 تداعيات خروج بريطانيا على الاتحاد الأوروبي
2.1 مكامن الخطر على مستقبل أوروبا
سنحاول في هذه الفقرة تبيان خريطة العوامل المهددة لوحدة أوروبا كمشروع تكاملي، إذ سنقوم بتقسيمها إلى متغيرات داخلية وبينية، ومتغيرات ذات طابع خارجي وعالمي.
2.1.1 الاتحاد الأوروبي وتجربته التكاملية
يرى بعض المحللين أن تفتّت المجتمع وضعف الدول القومية بتأثير من العولمة على أنّهما مرحلة طبيعيّة لتكوّن فضاءات آخذة في الاتساع. وحجتهم الرئيسة في ذلك هي إنشاء الاتحاد الأوروبي الذي يرون فيه اليوم اجتراحًا لإرادة سياسيّة واقتصاديّة وثقافة ووعي مشترك للمواطنيّة. إن “إنشاء اوروبا جامعة هو فوز خارق، في الواقع، لكن ليس ثمة توطدًا لدولة قومية على المستوى الأوروبي، بل إنّ اهمية بناء أوروبا تكمن، بالعكس، في ولادتها من تفكك اقتصاد عالمي، من إدارة اقتصاديّة قاريّة، من تجدد الحياة المحليّة والحفاظ على الهوية القومية”([11]). وقد شكل الاتحاد الأوروبي إحدى أكثر التّجارب الاندماجيّة أو الوحدوية نجاحًا، خلال السّنوات الأخيرة، لا سيّما أنَّه انتقل بالدول الأوروبية الأعضاء من “حالة العداء الكامل، خلال الحرب العالمية الثانيّة، إلى حالة أقرب إلى الوحدة الكونفيدراليّة على المستويين الاقتصادي والسياسي. وقد تمكن الاتحاد، عبر هذه السنوات، من أدى دور حيوي كفاعل يشكل رقمًا مهمًا في المعادلات الأمنيّة والسياسيّة على السّاحة العالميّة”([12]). بيد أنَّ هذا المشروع الوحدوي صار يعاني، في الوقت الراهن، مشكلات عدة، تعوق تطوره، وربَّما تهدد استمراره ووجوده، لا سيّما مع بدء البريكست، والشروع في إجراءات مغادرة بريطانيا للاتحاد بشكل رسمي نهاية يناير 2020.
2.1.2 المخاطر الناتجة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
2.1.2.1 ثغرات مؤسّسية إدارية ووظيفيّة
يرى المختصون أنَّ الاتحاد الأوروبي يعاني أزمة إدارية، أو، بالأحرى، مؤسسية، من أبرز مظاهرها غياب قانون إداري أوروبي مشترك، أو سلطة تنفيذية واحدة. إذ لم يتصور “مؤسسو الوحدة الأوروبيّة عمل المؤسسات فيها على غرار عمل الدولة. لذلك، تتوزع الاختصاصات التّنفيذيّة بين «المجلس» و «المفوضيّة». ويعيب البعض على إدارة الاتحاد تركيز الاهتمام على تشريع سياسات جماعية في مجالي السياسة الخارجية والمنافسة الاقتصادية”([13]). وقد بدأت التباينات حول «معنى» و«ترجمة» المشروع الوحدوي الأوروبي تشكل تهديدًا واضحًا لمستقبل أوروبا الموحدة. مثلًا، تبدي “بولندا اعتراضات حادة على هيمنة المؤسسات الاتحاديّة، أو ما تسميّه «السيادة الأوروبيّة» على سيادة الدُّول. وبدأت المفوضيّة الأوروبيّة تتحرك لمعاقبة بولندا على هذا الموقف، خاصة بعد أن قامت وارسو بتعديلات دستورية جعلت النظام القضائي هناك أكثر تبعية للسلطة السياسية”([14]). ومن المؤشرات المهمة، في هذا السّياق، قلق القادة الأوروبيين من المخاطر الدّاخليّة على وحدة أوروبا. فقد طالب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الأوروبيين بعدم الانسياق وراء النّزعة القوميّة، الَّتي وصفها «بالأنانية»، حيث اعتبر أنّ التكتل الأوروبي بحاجة إلى تعزيز السيادة الأوروبية في العالم([15]).
2.1.2.2 تهديد النزعات الانفصاليّة
تشكل النزعات الانفصاليّة هاجسًا مهدداً للمشروع الأوروبي، منذ الاستفتاء البريطاني على مغادرة الاتحاد الأوروبي (بريكسيت) في 2016، ليس فقط على مستوى العلاقة بين الدُّول والتكتل القاري، وإنما داخل بعض الدُّول الأوروبية ذاتها. فهناك مخاوف عدة من توجه بعض الدُّول الأخرى لمغادرة الاتحاد، على غرار بريطانيا. وتتزايد هذه المخاوف مع صعود قوى اليمين المتطرف في عدد من الدُّول الأوروبيّة، وتبنيها لشعارات مغادرة الاتحاد الأوروبي، ويبرز الملف الإسكتلندي في الدُّول الأوروبيّة ففي الانتخابات البريطانيّة الأخيرة (ديسمبر 2019)، وصل عدد أعضاء الحزب القومي الإسكتلندي في مجلس العموم إلى 46، ما يقوي موقف الحزب في المطالبة بإجراء استفتاء ثان حول استقلال اسكتلندا المعادية لبريكسيت([16]). وفي إسبانيا، لم تهدأ كتالونيا، منذ محاولة إجراء استفتاء على الانفصال العام 2017، والتي أحبطتها السلطات الإسبانيّة بالقوة([17]).
2.1.2.3 التنافس والصراعات البينية بين القوى الأوروبيّة
تشكل التّنافسات البينيّة بين القوى الأوروبيّة الرئيسة مهددًا لمستقبل المشروع الاندماجي الأوروبي. لا سيّما مع تزايد التنافس بين ألمانيا وفرنسا حول قيادة الاتحاد الأوروبي، خاصة منذ العام 2017، مع وصول الرئيس الفرنسي الشاب، إيمانويل ماكرون، سدة الحكم، إلى رأس السلطة حاملًا معه خطة لإصلاح الاتحاد الأوروبي، لتبدو فرنسا ماكرون كما لو كانت القائد الجديد للقارة العجوز، على حساب ألمانيا ـ ميركل، الَّتي قادت أوروبا الموحدة لسنوات طويلة. ويرى البعض أن محاولات ماكرون لقيادة أوروبا الموحدة، تجسدها دعواته لإصلاح النظام الأوروبي، سواء في ما يتعلق بالاقتصاد، عبر الدّعوة لرصد ميزانيّة موحدة للتكتل القاري، وتعيين وزير المالية، أو من الناحية الأمنية، عبر مبادرته لتشكيل جيش أوروبي موحد([18]). وعلى الرّغم من مجاراة ألمانيا للمبادرات الفرنسيّة في البداية، إنّ الخلافات تأججت كثيرًا، في الأشهر القليلة الماضية، إذ عدّت ألمانيا المبادرة الفرنسية أنّها دعوة إلى تقسيم أوروبا، معتبرة أنَّ الحلف الَّذي تقوده الولايات المتحدة «يبقى الأساس لحماية القارة العجوز». على الرّغم من ذلك، فإنّ ألمانيا وفرنسا تعيان أهمية التّعاون بينهما لضمان استمرار المشروع الاندماجي الأوروبي. ولهذا، أعلنتا بشكل مشترك في يونيو 2018 عن خطة لإصلاح الاتحاد الأوروبي تتضمن تعزيز السياسة الخارجيّة والأمنيّة وتطوير آلية الاستقرار الأوروبية على الصعيد الاقتصادي([19]).
2.1.2.4 صعود الشّعبوّية واليمين المتطرف
بينما انهارت أحزاب الوسط الليبرالي واليسار، الَّتي قادت المشروع الاندماجي الأوروبي، تتقدم مكانها سريعًا التّيارات الشّعبويّة واليمينيّة المتطرفة. وهي القوى الَّتي تتبنى الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتكرس النزعات القومية الانفصاليّة([20]). وتتفق قوى اليمين المتطرف في أوروبا على نقطة محورية هي أنَّ بروكسل (أي الكيان الأوروبي) لا ينبغي أن تكون أكثر قوة ما هي عليه، داعيّة إلى رفض سياسات الاتحاد الأوروبي المتبعة في عدد من المجالات، أبرزها قضايا الهجرة واللاجئين. في ما تدعو بعض هذه القوى صراحة إلى الثورة على قوانين الاتحاد الأوروبي وتدميره من الدّاخل، وترحب بخروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي، وتدعو إلى إجراء استفتاءات مماثلة في عدد من الدُّول الأخرى، مثل فرنسا، وهولندا، والمجر([21]).
المقلق زيادة شعبية هذه التيارات في المدّة الأخيرة بشكل ملحوظ، والتي انعكست بوضوح في الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي، في مايو 2019. وفي فرنسا، تقدم حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، برئاسة ماري لوبان، على ائتلاف حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، وحصل على 23% من الأصوات. وفي إيطاليا، حقق حزب «الرابطة» اليميني المتطرف الشعبوي، بزعامة نائب رئيس الوزراء ماتيو سالفيني، انتصارًا ساحقاً، إذ حصل على 34% من الأصوات، متقدمًّا بفارق كبير عن «الحزب الديمقراطي» اليساري الَّذي حصل على 22% ولم يختلف الوضع كثيرًا في معظم الدُّول الأوروبية الأخرى([22]).
2.1.2.5 اللجوء والهجرة
مثّل العام 2015 ذروة موجة الهجرة إلى أوروبا، لا سيّما مع تفاقم الصراعات والحروب في منطقة الشرق الأوسط ودول شمال إفريقيا، ما أدى إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين نحو أوروبا، لتزيد هذه المعضلة من حدة المشكلات الَّتي تعانيها القارة. فمن ناحية أولى، تضع مشكلة الهجرة الدُّول الأوروبية أمام عدد من التحديات الاقتصادية، ومخاوف كبرى من وقوع أعمال إرهابيّة يقوم بها متطرفون قد يستغلون الوضع للدخول إلى أوروبا كلاجئين، فضلًا عن التهديد بإحداث تغييرات، ديموجرافيّة، وثقافيّة، إضافيّة قد تعمق بعض مشكلاتها القائمة في هذا الإطار. بالإضافة إلى المشكلات البينيّة في القارة حول تحمل أعباء هذه الهجرة فعلى الرّغم من أنَّ اتفاقية «شنجن»، الَّتي تنظم إدارة الحدود بين الدُّول الَّتي قامت بتوقيعها، وتضع مسؤوليّة مشتركة في حماية الحدود الخارجيّة لتكتل تلك الدُّول، فإن اتفاقية دبلن (2013) الملحقة بها، تنص على تقدم اللاجئين بطلب اللجوء في أول دولة يدخلونها من بين دول «شنجن»، الأمر الَّذي دفع عددًا من الدُّول الَّتي يحط اللاجئون فيها أولًا بإنهاء التزاماتها تجاه الاتفاقيّة، ما تسبب في أزمات اقتصاديّة، وسياسيّة، وأمنيّة أدت إلى تعميق الخلاف بين الدُّول الأوروبيّة، لا سيّما مع الارتباك الأوروبي في التعامل مع ملفات الشرق الأوسط([23]).
من ناحية أخرى، تواجه أوروبا مأزقًا أخلاقيًّا، إذ تفرض المبادئ الإنسانيّة للاتحاد الأوروبي قبول موجات اللاجئين، ومنحهم حق اللجوء، في الوقت الَّذي لا ترغب فيه هذه الدُّول بذلك، وهو ما أوجد تباينات كبيرة في مواقف الدُّول المنضوية داخل الاتحاد الأوروبي. ويرجح بعض المتابعين أنّها قد تضرب هيكلة الاتحاد على المديين القصير والمتوسط، خاصة في ظل وجود إشكالية الحدود. وستكون محاولة إيجاد صيغة مشتركة للتعامل مع ظاهرة الهجرة، الَّتي دعت إليها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التحدي الأكبر الَّذي سيواجه دول الاتحاد، لا سيّما في ظل الأزمات الاقتصادية الخانقة، بل قد يكون الامتحان الأبرز الَّذي سيحدد مدى قدرة هذا الهيكل على استيعاب المشكلات الكبرى المطروحة عليه وفق رؤية محددة([24]). تأكد ذلك أيضًا مع تصريحات وزير خارجية لوكسمبورج، جان أسلبورن، في يوليو 2018، بأنّ الاتحاد الأوروبي يمر بـ«أزمة وجودية»، وأنَّ التضافر في قضية الهجرة يعد اختباراً لاستمرارية الاتحاد الأوروبي([25]). وتتزايد صعوبة ذلك الاختبار مع ظهور فجوة بين مواقف الدُّول الأوروبية الغربية ودول أوروبا الشّرقيّة. إذ قاد رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، شرق أوروبا في رفض استقبال اللاجئين، وتشكلت مجموعة «فيسجراد» اليمينية، الَّتي تضم المجر، وبولندا، وسلوفاكيا، والتشيك كمعسكر شرقي مناهض للهجرة([26]).
2.1.2.6 الصعوبات الاقتصاديّة
تشهد غالبية دول الاتحاد الأوروبي تراجعًا كبيرًا في أنظمتها الاقتصاديّة، انعكس في ضعف الأسواق الماليّة، والتراجع اللافت لمؤشرات النمو، خصوصًا ارتفاع نسبة البطالة في العدد من البلدان المؤثرة في الاتحاد. كما تشهد البنوك الرئيسة في اليونان انهيارًا كبيرًا، إلى جانب المصاعب المالية الَّتي تشهدها قبرص منذ العام 2018، فضلًا عن عدم استقرار معظم الدُّول الأعضاء الأخرى باستثناء ألمانيا، الَّتي حافظت على مؤشر نمو اقتصادي عال. في اليونان، الَّتي تمر بأكبر الأزمات في أوروبا، بلغت ديونها 180% من الناتج المحلي الإجمالي، في ما بلغت ديون إيطاليا 133% من الناتج المحلي الإجمالي، يليها البرتغال بنسبة 128%، فإيرلندا 108%. لقد تبعت هذه المصاعب الاقتصادية مشكلات اجتماعية حادة في أغلب بلدان الاتحاد، ترجمها عديد من مسيرات الاحتجاج الكبرى، الَّتي عبرت عن استيائها من أداء الفاعلين السياسيين داخل الاتحاد الأوروبي، الأمر الَّذي أربك القوى الكبرى داخل هذا الهيكل، على غرار ألمانيا وفرنسا، الَّتي لم تنجح في تقديم رؤية موحدة حول آليات إعادة بناء الاقتصاد الأوروبي، لا سيّما مع وجود تفسيرات تعزو التأزم الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي إلى التّسرع في التوسع، وضم دول جديدة إلى حظيرة الاتحاد الأوروبي، وتضاعف الأعباء، وزيادة التحديات أمام المشروع الأوروبي([27]). بطبيعة الحال، استغلت الأحزاب والقوى الشعبوية واليمينيّة تلك المصاعب الاقتصادية في دول، مثل بولندا والمجر، للتشكيك في المشروع الأوروبي، وزعزعة الثقة في المؤسسات الأوروبية الاقتصادية، وتحميله مسؤولية تلك الأزمات بسبب سياساته المالية والاقتصادية([28]). وتعد إيطاليا حالة لافتة في هذا الصدد حيث تدفع التيارات اليمينية المتطرفة نحو إعادة النظر في علاقة روما بالاتحاد، والخروج من منطقة اليورو وعودة التعامل بالعملة الوطنية «الليرة»([29]).
2.1.3 التهديدات الخارجية
2.1.3.1 العولمة وتأجيج الصراعات
على الرّغم من أنَّ ظاهرة العولمة، وهي تعميم الشيء، وإكسابه صيغة عالمية، وتوسيع دائرته ليشمل العالم كله([30])، أي بمعنى إزالة الحدود والحواجز، وحرية تنقل البضائع والأفراد، وتحويل العالم لقرية صغيرة تتجاوز العصبيات الهُوياتية المتعدّدة، قد أضحت أمرًا واقعًا، منذ نهاية ثمانينيات القرن العشرين، إلاّ أنّها قد أنتجت أيضًا نقيضها، وهو الطائفيّة، والعنصريّة، والإثنيّة، والأصوليّة. وبدلًا من توحيد العالم وتقارب الثقافات، فقد اندلعت في العالم حروب وصراعات، خصوصًا مع انهيار دول المعسكر الاشتراكي، ثمَّ صعود اليمين المتطرف في أكثر من بلد في العالم ويرى كثيرون أنَّ بريكسيت هو أحد تجليات المهمّة لإعادة النظر في العولمة، ومؤشر على العودة للانغلاق على الذات، واستحضار الدولة القومية المعتزة بسيادتها وهويتها.
فالعولمة، وإن كانت قطعت أشواطًا مهمة في ما يتعلق بالتجارة والاستثمارات، أو حركة رؤوس الأموال، فإنها تشهد مراجعات في جوانب وأبعاد أخرى. فمثلًا، تعد ثورة المعلوماتية، خصوصًا الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي، من مظاهر العولمة المهمّة. وكان الهدف من هذه الوسائل زيادة التواصل بين الأفراد داخل المجتمع، والتواصل بين الشعوب وبعضها بعضًا. إِلَّا أنَّ هذه التقنية استُعمِلت لإثارة النّزعات الشّعبويّة، وباتت أداة في أيدي الحركات الأصوليّة لنشر أفكارها، وتنفيذ عملياتها العنيفة، حتى إِنَّ كثيرًا من دول العالم باتت تخضع هذه التقنيات للمراقبة الشديدة، وأحيانًا تتدخل لوقف نشاطها. ولم تعد هذه التّقنيات وسيلة إلى تقارب الشعوب، بل مدخل لصعود اليمين المتطرف وظاهرة الأصولية في الغرب، ما عزز الدولة القومية والهويات الوطنية، مقابل المشروعات الاندماجية كالاتحاد الأوروبي([31]).
2.1.3.2 ارتفاع حدّة الإرهاب
يعرف الإرهاب أنّه “تلك الأعمال التي تعرّض للخطر أرواحًا بشريّة بريئة، أو تهدّد الحريات الأساسيّة، أو تنتهك كرامة الإنسان”([32]). ويسعى الإرهاب الذي يمارس في مجتمع ما لتحقيق هدف معيّن ترسمه الجماعة القائمة به، وغالبًا ما يكون هذا الهدف سياسيًّا، بمعنى انّه يتوخى تحقيق نتائج ذات طابع سياسي، مثل الوصول الى السلطة، أو تقويض السلطة القائمة لصالحه أو لصالح غيره، أو الضغط على السلطة لحملها على توجهات أو اعتقادات معيّنة، أو الانتقام من السلطة التي عارضت أهدافه ووقفت أمام توجهاته([33]). إنّ الارهاب هو سلوك رمزي يقوم على أساس الاستخدام المنظم للعنف أو التهديد باستخدامه، بشكل يترتّب عليه خلق حالة نفسية من الخوف والرهبة وعدم الشّعور بالأمان لدى المستهدفين، وذلك لتحقيق أهداف سياسية. لذلك، فإنّه إذا كان استخدام العنف عنصرًا أساسيًّا للفعل الارهابي، فإنّ كل سلوك عنيف لا يعدّ عملًا إرهابيًّا. وقد عانت دول الاتحاد الأوروبي، خلال السنوات الأخيرة تطورات كميّة ونوعيّة في تحركات وأنشطة جماعات التّطرف العنيف والإرهاب، لا سيّما مع نجاح التنظيمات الإرهابيّة في تشكيل شبكات وتبادل وتمويلات ومعلومات عبر الحدود. كما لم يصبح الإرهاب مرتبطًا بدول الجوار الجنوبي لأوروبا، كما كان الحال من قبل، بل أصبح مواطنون أوروبيون يرتكبون هجمات باسم منظمات غير أوروبية، مثل «داعش» والقاعدة. ومن ثمَّ، برزت أهميّة الاستجابة الأوروبيّة الجماعية لظاهرة الإرهاب، خاصة في ما يتعلق بالأوروبيين العائدين من سوريا والعراق إلى الأراضي الأوروبيّة. وما تزال السياسات الأوروبيّة المشتركة عاجزة عن مواكبة الزّخم الَّذي يسمى ظاهرة الإرهاب في القارة الأوروبيّة، بل يظل معظم المعنيين بهذه القضايا متشككين في ما إذا كان باستطاعة الاتحاد الأوروبي تطوير استجابة شاملة، ومتماسكة للتصدي للإرهاب أم لا. في هذا الصدد، يلفت البعض الانتباه إلى الطابع المجزأ لسياسات الاتحاد الأوروبي، بشأن حماية البنى التحتية من الهجمات الإرهابية، ويراها مثالًا على تحديات الاتساق في العمل المشترك الأوسع نطاقًا الَّتي يواجهها الاتحاد الأوروبي، في رده على التّهديد الإرهابي، نتيجة لهيكل بيروقراطي معقد يضم عددًا كبيرًا من اللجان والوكلات البيروقراطيّة. كما يرى أنَّ التّعقيدات المؤسسيّة ومشكلات التنسيق بين السياسات (بين البعد الخارجي لمجلس العدل والشّؤون الدّاخليّة، والسياسة الخارجيّة والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي، والعلاقات الاقتصاديّة الخارجية) ما تزال تشكل عراقيل قوية أمام القيام بدورها الخارجي في مكافحة الإرهاب، ويظل من غير المعروف ما إذا كانت دعوات البرلمان الأوروبي لتبني نهج شامل لاستراتيجيات الأمن الخارجي والدّاخلي، والتنسيق بين هياكل مجلس العدل، والشؤون الداخلية، والوكالات الأوروبيّة، والدائرة الأوروبيّة للشؤون الخارجيّة، ستحدث فارقاً في مواجهة التحديات القائمة أم لا([34]).
2.1.3.3 تحديات الدول العظمى غير الأوروبيّة
يواجه الاتحاد تحديات رئيسة مرتبطة بتغيرات هيكل القوى على صعيد السياسة والاقتصاد الدوليين. خصوصًا في ما يتعلق بتوجهات وأوزان الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، يمكن طرحها كالآتي:
2.1.3.3.1 تغيّر في قواعد الشراكة مع الولايات المتحدة
أكدت الولايات المتحدة، أكثر من مرّة، عند تولي الرئيس السابق لها، دونالد ترامب، ضرورة تحمل الأوروبيين في المستقبل مسؤولية أمنهم. بيد أنَّ العلاقات الأوروبية ـ الأميركية شهدت توترًا مضاعفًا في عهد ترامب، نتيجة فرض إجراءات حمائية على الواردات الأوروبيّة للسوق الأمريكيّة، والتّلويح الأمريكي المتواتر بالانسحاب من الناتو وتفكيكه إذا لم تف الدُّول الأوروبيّة بالتزاماتها المالية تجاه الحلف، الَّذي تتحمل واشنطن القسط الأكبر من تكاليفه الماليّة. في السّياق ذاته، يواجه الاتحاد الأوروبي منافسة من بعض دول أوروبا الشّرقيّة، الَّتي لا تخفي حاجتها للدعم الأمريكي، سواء سياسيًّا، أو اقتصاديًّا، أو حتى أمنيًا، بما يمثل دافعًا كافيًا لهذه الدولة، كي تتخذ خطوة على طريق الانفصال عن أوروبا الموحدة لتقديم نفسها في المستقبل القريب كحليف لواشنطن، على حساب دول أوروبا الغربية([35]).
2.1.3.3.2 سعي روسيا إلى استعادة مكانتها عالميًّا
شكلت الأزمة الأوكرانيّة، الَّتي أسفرت عن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، مؤشرًا واضحًا على سياسة موسكو، في عهد بوتين، لاستعادة دوريها الإقليمي والعالمي، كقوة كبرى، وقد عملت على ترسيخ موقعها في البلقان التي تمثّل آخر المناطق الأوروبيّة المنبثقة عن الاتحاد السوفياتي السابق، والتي لم تُدمج بعد بالكامل في الهياكل الأورو-أطلسية؛ لذا فهي تمثل هدفًا رئيسًا لعمليات التأثير الروسية الموجهة نحو تعطيل ومنع توسع الاتحاد الأوروبي، لتبقى روسيا، بمساعدة بعض قادة دول المنطقة القوميين المتشددين، قادرة على إبقاء غرب البلقان بؤرة توتر قابلة للانفجار في أي وقت، وهو أشد ما تخشاه دول الاتحاد الأوروبي. كما أنَّ بإمكان روسيا وقف إمدادات الغاز فعليًّا إلى دول البلقان وأوروبا، وإدخالها في حالة من العجز والشّلل، أو سحب رؤوس أموالها من بنوك دول البلقان لتتسبب في ضرب اقتصاداتها وزعزعة استقرارها المجتمعي([36]).
من ناحية أخرى، لا يمكن إغفال أثر العلاقات الروسيّة بالأحزاب الشّعبويّة الأوروبيّة والأحزاب المتطرفة، على الأمن الأوروبي المشترك، لا سيّما مع صعود نجم هذه التيارات التي تشكّل مصدرًا محتملًا للضغط الروسي على السياسة الدّاخلية للبلدان الأوروبيّة. فيرى المراقبون أنَّ المشاعر المؤيدة للروس، الموجودة بين هذه الأحزاب تسبق الأزمة الأوكرانيّة. كما أنَّ موسكو أعطت إشارة لهذه الأحزاب بأنّ دعمها يحظى بترحيب بالغ، كما حضرت بعض فاعلياتها الجماعيّة، واستقبلت موسكو بعض رموزها، مثل ماري لوبان([37]).
2.1.3.3.3 بزوغ نجم الصين كفاعل دولي
يرى مراقبون أنَّ الصعود الصيني لا يمثل تهديدًا للمشروع الوحدوي الأوروبي على المستوى الاقتصادي فحسب، بل يرجع أيضًا لطبيعة المؤسسات والمبادئ الدوليّة، الَّتي تنتجها الصين كقوة صاعدة داخل النّظام الدولي، والتي تعد تحديًّا للنّموذج الأوروبي في مجمله، كونها جاذبة للعديد من الدُّول الَّتي تحبذ العمل، داخل إطار مؤسسات جديدة، عن إحداث تغييرات في المؤسسات القائمة في نظام ما بعد الحرب الباردة. ويقصد بذلك النظام الَّذي يعتمد على الحوافز التّجارية والماديّة، والَّذي يشكل الاقتصاد المحور الأساسي فيه، بعيدًا من القوة، سواء الصّلبة أو النّاعمة، إذ يدعم هذا النّظام تدفق رأس المال والنمو التجاري للدول الأعضاء، ويقلل من قيمة المعايير والمبادئ الليبراليّة الَّتي يتبعها الاتحاد الأوروبي. تزداد خطورة التّهديد الصيني، في هذا السياق، مع عجز أوروبا عن الوصول إلى اتفاق بشأن سياسة التعامل مع الصين الصّاعدة. إذ تتراوح توجهات الدُّول الأوروبية بين ضرورة تبني سياسة مشتركة أكثر صرامة، في ما تتجه بعض الدُّول الأوروبية، منفردة، للانخراط في المشروعات الصينية الكبرى، مثل إيطاليا الَّتي صدقت، منفردة، على مبادرة «حزام واحد طريق واحد»، الَّتي تدخل في إطار برنامج استثماري أوراسي ـ صيني ضخم في البنية التحتية، ما عدّه مراقبون ضرب لموقف الاتحاد الأوروبي الموحد([38]).
2.2 مكاسب الاتحاد الأوروبي من خروج بريطانيا
لا يؤدّي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى فوائد لطرف وخسائر للطرف الآخر، بل يتبين أن لكلي الطرفين فوائد وخسائر، وإن اختلفت تلك في ميزان كليهما. ويؤيّد كلامنا ما عكف عليه نواب وموظفون وباحثون في العلوم السياسية لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وبشكل سري، منذ زمن طويل، على استشراف نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث تبيّن لهم أن لخروج بريطانيا سلبيات وفوائد لصالح الاتحاد الأوروبي. ومن الفوائد المستشرفة لديهم، ما يلي:
2.2.1 عرقلة بريطانيا لاقتراحات المفوضية الأوروبية
لكل صراع “عقدة اساسية، فلا بد من تحديد عقدة الصراع، وهو نوعان: دستوري مباشر، وغير الدستوري أو غير المباشر”([39]). وقد اعتمدت بريطانيا استخدام التأثير الدستوري المباشر خلال الأربعين سنة الماضية في تشكيل الإتحاد الأوروبي؛ حيث دفعت، وفي مرّات عديدة، إلى القيام بتغييرات كثيرة، حسب وجهة نظر ألكساندر غراف لامبسدورف([40])، نائب رئيس البرلمان الأوروبي. لكنها لم تنفك في المقابل عن معارضة مشاريع قوانين اقترحتها المفوضية الأوروبية([41])، لذلك فإنّ مغادرة بريطانيا التكتل الأوروبي سيسهل على أوروبا عملية المصادقة على بعض من قراراتها، كما يرى أحد الموظفين العاملين في الإتحاد الأوروبي. كما لن تضطر دول أوروبيّة أخرى إلى الاختباء وراء المملكة المتحدة في مجلس الإتحاد الأوروبي، والآن أمامهم فرصة يجب عليهم أن يعربوا عن أنفسهم ويتخذوا قرارات من تلقاء أنفسهم. وبخروجها ستفقد بريطانيا وضع “العضو الاستثنائي” في الاتحاد الأوروبي، إذ إن هذا الوضع سمح لها في الماضي بالعديد من الامتيازات كالتدابير الاستثنائيّة، ومساهمة مالية أقل في الميزانية الأوروبية خلافًا لدول أعضاء أخرى.
2.2.2 الخروج من الاتحاد والضربة الموجعة
تسعى فرنسا إلى تسريع إجراءات خروج بريطانيا من الفريق الأوروبي. وحسب بعض الدبلوماسيين الفرنسيين يجب أن يكون الخروج الضربة الموجعة. وذلك حتى تتعظ بعض الدول المشككة في الاتحاد الأوروبي من أن تحذو حذو بريطانيا. أمر أشار إليه رئيس المفوضية الأوروبيّة جان كلود يونكر، إذ شدد على عدم التساهل مع الجندي المغادر للجبهة. من جهتها طالبت النائبة الفرنسيّة إيليزابيت غويغو “بمحاربة القوى النّابذة واستخلاص العبر من درس الخروج البريطاني”. اليمينيون الشعبويون مثل مارين لوبان في فرنسا أو خيرت فيلدرز في هولندا يسعون إلى حل الاتحاد الأوروبي؛ ولهذا فإنّه من الضروري ردعهم، حسب النائبة الفرنسيّة([42]).
2.2.3 ترقّب لجيش أوروبي موحدّ
أفشلت بريطانيا حتى الآن كل المحاولات السّاعيّة لتشكيل جيش أوروبي موحد، ومؤسسة عسكريّة قوية، من دون مشاركة حلف الناتو. أمّا الآن فمع انسحاب المعرقلين، سيكون الطريق مفتوحا أمام استراتيجيّة عسكريّة أوروبيّة. كما أن خروج بريطانيا خبر سار بالنسبة إلى الدول التي تؤيد تدخل الحكومات في الأمور الاقتصاديّة والمزيد من إجراءات الحماية الاقتصاديّة، والتّساهل في أمور الميزانيّة. لذلك فإنه على الاتحاد الأوروبي – حسب خبراء في الشؤون الأوروبيّة في بروكسل([43]) – أن يولي اليوم اهتمامًا أكبر لأعضائه في الشّرق والجنوب، بعد أن اختار القطب البريطاني المغادرة.
2.2.4 وظائف شاغرة مرتقبة
سيضطر العديد من الموظفين البريطانيين في بروكسل، وستراسبورغ على المدى البعيد إلى الاستقالة من مكاتب المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي ومجلس السياسة الخارجية، ولجان الخدمات الاجتماعيّة والاقتصاديّة ومؤسسات أوروبية عديدة أخرى. ما يعني خلق مواطن شغل جديدة لبضعة آلاف من الناس. وعلى الرّغم من أن عدد موظفي بريطانيا في الإتحاد الأوروبي يعدُّ أقل نسبيًّا من عدد الموظفين اليونانيين، على سبيل المثال، إلا أنهم يشغلون مجملًا مناصب عليا في مؤسسات الاتحاد. لكن عملية تغيير الموظفين ستستغرق بضعة سنوات لأن عقود العمل لا تلغى مباشرة مع خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي.
2.2.5 العودة إلى اعتماد اللغة الفرنسية
كانت الفرنسيّة اللغة الأساسيّة المستخدمة داخل أروقة مؤسسات الاتحاد الأوروبي قبل خمس عشرة سنة. وعدم إتقان مفوض أوروبي للغة الفرنسيّة كان في الماضي أمرًا غير قابل للتصديق. لكن الأمور تغيرت منذ انضمام دول من شرق أوروبا إلى الاتحاد. إذ اعتمدت الإنجليزية فجأة كلغة أساسية للاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى انخفاض أهمّيّة اللغة الألمانيّة. والآن ومع انسحاب رائد اللغة الإنجليزية، تبدو الفرص سانحة أمام عودة الفرنسيّة كلغة أساسية في الإتحاد([44]). وهذا سيسعد بالتأكيد معاهد اللغة والثقافة الفرنسيّة في بروكسل. أمّا بالنسبة إلى المترجمين العاملين هناك، فلن يؤثر ذلك على سير عملهم. إذ إن الإنجليزية ستبقى على الرّغم من ذلك لغة رسمية، لأنّها اللغة الرّسميّة الأولى لأيرلندا و لغة رسمية ثانية لمالطا، بعد المالطية.
2.2.6 الراحة من خطابات الإنكليز في البرلمان
سيختفي النواب البريطانيون المعادون لأوروبا من البرلمان الأوروبي. إذ لطالما انزعج النّواب المناضلون من أجل أوروبا الموحدة من الخطابات المسهبة لبعض النواب المحافظين والهجمات الحادة لحزب “استقلال المملكة المتحدة”([45]). أسهم التنافس بين بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى رضىً عن خروج بريطانيا منه. فقد كرّس خروجها ما كان يحمله شارل ديغول من هواجس تجاه بريطانيا، التي لم تستطيع الولوج إلى الاتحاد إلا بعد استقالته. ويمكننا القول أن خروج بريطانيا أسعد بعض الدول وخصوصًا فرنسا وألمانيا.
2.3 الانعكاسات المتوقعة على الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا
تحرص الواقعيّة السياسيّة على الموضوعيّة وتربط النتائج بالمقدّمات، فتحسب حساب “الآثار المترتّبة على قرار ما قبل أن تصدره، وتقارن بين الحلول المختلفة لتختار أيسرها وأقنعها، ولا بُدّ للواقعية أن تأخذ في الحسبان الفرد والمجتمع معًا. ولا بُدّ لها من أهداف تصبو إليها، ومعايير تقيس بها، وقيم مقرّرة تعتمد عليها([46])“.
ومن خلال التوّقعات المبنيّة على معطيات متوفرة، يمكننا التنبؤ بسيناريوهات لما سيؤول إليه الوضع في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه، وهي كالآتي: بقاء الوحدة الأوروبيّة مع وجود تحديات بعد الانفصال، أو تفكك وانشقاق الاتحاد الأوروبي، أو عودة بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي مرة أخرى، أو بروز صراعات سياسيّة تؤول إلى التقهقر من الاتحاد والعودة إلى الدولة القوميّة.
2.3.1 جدلية بقاء الوحدة الأوروبية والانفصال
هو السيناريو الأكثر ترجيحًا، وتكمن هذه التحديات الَّتي ستنعكس بالفعل على كلا الجانبين (بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي)، وجل تلك التحديات تكمن في الاقتصاد والاستقرار المالي والتجاري، ويباشر الجانبين مفاوضات معقدة تستمر سنتين كحد أقصى، ستقرر شروط الوصول إلى السوق المشتركة. وحذر رئيس المفوضيّة الأوروبيّة جان كلود يونكر منذ الآن من أنَّ: «المملكة المتحدة ستكون دولة ثالثة لن نراعيها». وقال المدير العام لمنظمة التجارة العالمية روبرتو ازيفيدو إِنَّ العملية يمكن أن تستغرق 10 سنوات، وإن «بريطانيا ستحتاج إلى الوقت قبل أن تستعيد موقعًا مشابهًا لوضعها الحالي»، بالقياس إلى موقفها الضعيف في المفاوضات، من جهته حذر وزير الخزانة الأمريكيّة الأسبق لاري سامرز، أنَّ اليورو هو المتضرر الأكبر، وأنّها جاءت في مدّة زمنية صعبة، وأنَّ البنوك المركزية عاجزة إزاء البلبلة الاقتصاديّة([47]). وقد يؤدي الانكماش «الاقتصاد البريطاني» إلى تراجع في معدلات النمو، ويؤثر سلبًا على الاستثمار وأسعار العقارات واستهلاك المواطنين، وكذلك في ما يخص صادرات بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي الَّتي تمثل 45% من إجمالي صادراتها، إضافة إلى هبوط الجنيه الإسترليني الَّذي تراجع بأكثر من 13% مقابل الدولار، ما يجعل سياحة البريطانيين إلى الخارج مرتفعة الكلفة. ويرجح مصرف «إتش إس بي سي» لحدوث بلبلة في الأسواق، كما سينقل آلاف الوظائف من حيّ المال والأعمال في العاصمة البريطانية لندن إلى مركزي فرانكفورت وباريس الماليين، وهبوط سعر الجنيه الإسترليني بنسبة 15 ـ 20 %، وإلى تضخم بنسبة 5%، وزيادة في كلفة العمل، في ما سيتراجع النمو 1ـ 105%. في المقابل يقول معسكر مؤيدي الخروج إِنَّ عالم الأعمال سيتأقلم بسرعة مع الاقتصاد البريطاني المرن والحيوي، والَّذي سيدعمه اختيار شركاء اقتصاديين جدد وهجرة انتقائيّة. ومع أنَّ غالّبية المؤسسات الاقتصاديّة تتوقع صعوبات على المدى الطويل نتيجة لخروج بريطانيا، إِلَّا أنَّ معهد «كابيتال إيكونوميكس» للأبحاث أشار إلى أنَّ الأمر «لن يكون كارثة» مدى الحياة للبلاد، وشدد على أنَّ البلاد تتمتع بميزات عدة تدعم قطاعها المالي، خصوصًا النظام القضائي. وقد تخسر بريطانيا مركزها المالي الثاني عالميًّا بعد نيويورك وهي تسيطر على 40% من سوق التداول باليورو، وقد يخشى من نقل الشّركات والمصارف إلى مدن أوروبية أخرى مثل باريس وبروكسل، ويحرم بريطانيا امتيازاتها على صعيد الاتفاقيات التجاريّة وحريّة حركة السلع والأموال والإعفاءات الضريبيّة.
2.3.2 الاتحاد الأوروبي: تفكك وانشقاق
يعدُّ هذا السيناريو الأقل ترجيحًا، والأقل تطبيقًا أيضًا في المرحلة المستقبليّة على أقل تقدير، لكن ربَّما يكون قائمًا لدى بعض دول الاتحاد وقيد الدراسة وقد يحتاج مزيدًا من الوقت، خصوصًا إذا نجحت تجربة بريطانيا وتُطِلع إليها على أنّها استعادت استقلاليتها، وإعطائها مزيد من الحرية والتحرك الدولي والإقليمي وقللت من قيود وتشريعات الاتحاد على بريطانيا، فقررت رئيس وزراء اسكوتلندا «نيكولا ستورجون»، تنظيم استفتاء جديد حول الاستقلال عن بريطانيا، وتنشق اسكوتلندا هذه المرة مبتعدة من بلد اختار الخروج من البناء الأوروبي. أيضًا في آيرلندا، يعاد ترسيم حدود جديدة تعزل آيرلندا الشّمالية عن جارتها جمهوريّة آيرلندا العضو في الاتحاد، ما يضعف الحركة التجارية بين طرفي الحدود. وحذر رئيسا الوزراء البريطانيين السابقين جون ميجور وتوني بلير من أنَّه سيكون: «من الصعب، بل من المستحيل» الحفاظ على حركة تبادل حر بين البلدين الحاليين([48]). كما حذرا من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يهدد عملية السلام. لكن قد يصبح هذا السيناريو قائمًا وبقوة حال قررت بعض الدُّول الوازنة، والتي لها قيمة استراتيجية من الناحية العسكرية مثل ألمانيا أو فرنسا أو بلجيكا الانشقاق فقد يهز أركان الاتحاد وينفرط عقده لتصبح كلّ دولة مسؤولة عن كيانها وقوميتها.
2.3.3 إمكانية عودة بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي من جديد
يعدُّ هذا السيناريو أقل أهميّة، ومستبعد للغاية، لارتباط تغيره بعدة عوامل، أهمها تغير النظام السياسي القائم وهو النظام «اليميني» والَّذي بدوره أقنع الناخب البريطاني وعبر استفتاءه الأخير بضرورة الخروج من الاتحاد الأوروبي للأسباب الَّتي ذكرت آنفًا، التغيير الثاني إذا ما شعرت بريطانيا بتراجع اقتصادها وتدهور نظامها المالي قد تقنع الناخب مرة أخرى للعودة إلى الاتحاد. أو حدوث مطالبات شعبيّة بالعودة للاتحاد في حال تدني الدخل القومي للفرد. في حين قد تلجأ المملكة إلى تغيير بعض قوانينها وتشريعاتها، كما وقد ينصدم هذا السيناريو برفض قبولها من جديد ويطالبها بإصلاحات جديدة حتى تُقبل.
2.3.4 أثر الصراعات السياسية في العودة إلى الدولة القوميّة
يعدُّ هذا السيناريو مستبعدًا نوعًا ما، لكن لا يخشى حدوثه إذا ما تطورت النظم السياسيّة وتغيرت الأحوال العامَّة داخل البلدان، وأصبحت الظروف مواتية لحدوث انشقاقات وبروز صراعات بين البلدان، أي كانت الدوافع والأسباب مثل الحفاظ على الحدود أو استقرار الاقتصاد أو تنافس على المصالح وحماية الأمن القومي لكل بلد، ويرجح بعض السياسيين أنَّ حدوث زعزعة في هيكل الاتحاد الأوروبي قد يفقده مكانته الإقليميّة وتأثيره الدولي، إذ تبرز مخاوف من احتمال خروج إيطاليا وإسبانيا واليونان، كما سيعزز هذا الخروج النزعات السياديّة في دول الاتحاد مثل فرنسا وبلجيكا، ويعزز المواقف العنصرية والسيادية خارج أوروبا([49]).
خلاصة
تتميّز بريطانيا بثقل سياسي وتاريخي واقتصادي وعسكري في أوروبا، وهذا ما جعلها تتمتع بوضع مُميز داخل الاتحاد الأوروبي. إلا أنّ تشتت خيارها بين قارة عجوز وبلاد العم سام، منحها القدرة على المناورة، والاستغلال. لهذا جعلت من الاستفتاءات حول الخروج من الاتحاد الأوروبي ورقة ابتزاز له، وتزلفًا من الولايات المتحدة الامريكية. لقد تبيّن لنا من السياق أعلاه، أن بريطانيا تريد أن تكون جزءًا من أوروبا، دون أن تكون عضوًا حقيقيًّا فيها. بيد أنّ هذه العلاقة الملتبسة والمنطلقة من الحذر والرّيبة وانعدام الثقة، ناهيك عن أسباب سياسية واقتصاديّة وأمنيّة واجتماعيّة وهوياتيّة وعسكريّة وثقافيّة، أقحم الحكومة البريطانية في تنظيم استفتاء شعبي للبتّ في مسألة بقاءها في الاتحاد الأوروبي من عدمه. إلا أن الاستفتاء الحامس يوم 23 جوان 2016 حول بقائها أو تركها للاتحاد الأوروبي، والذي انتهى بتأييد الخروج، أوقعها في الحرج، وفي نفس الوقت، جعل أوروبا تفتقد لثاني قوة اقتصادية، وأكبر قوة عسكريّة ذات تأثير مهم في الأمن الأوروبي، خاصة وأنّ بريطانيا كانت تتمتع بوضع مُميز داخل الاتحاد الأوروبي، وذلك لثقلها ودورها السياسي والتّاريخي في العديد من القضايا. لقد فرض خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي طرح تساؤلات كبرى حول التّداعيات المستقبليّة سواء الدّاخليّة أو الخارجية المترتبة على ذلك الخروج؟ وهذا ما دفعها إلى وضع عدد من الأهداف والمرتكزات لسياساتها الداخلية والخارجية ودورها الجديد في البيئة الدولية بعد إتمام عملية الانسحاب.
طمحت بريطانيا من خروجها من الاتحاد الأوروبي إلى التّخلص من أعباء المهاجرين، واللاجئين لا سيما في القطاعات الصحيّة والتّربوية والخدماتيّة، ناهيك عن مخاوفها من الإرهاب المتأتي من بعض الدّول الشرق أوسطية، وهذا ما أثار المخاوف من انضمام تركيا الى الاتحاد، بما تشكله من بؤرة ينفذ الارهابيون منها إلى سائر أنحاء أوروبا. كما توقعت بريطانيا ازدهار تجارتها الحرّة، وزيادة نفوذها المالي، واستقلالها التّشريعي.
إلا أنّ لخروجها تداعيات داخلية واضحة على اقتصادها القومي، إذ سيتراجع الجنيه الاسترليني أمام العملات العالميّة أهمها اليورو والدّولار؛ كما سيشهد سوق السّلع كالذّهب والنفط وقطاع العقارات والمنافسة والوظائف وقطاع الطاقة تراجعًا واضحًا بعد خروجها. كما أن خروجها سيقلص من أعداد المهاجرين واللاجئين إليها، ممن يشكلون نسبة كبيرة، وهذا ما يخفف من مخاطر العنف والارهاب وخصوصًا من المهاجرين ذوي الأصول العربيّة والإسلاميّة. وسيشهد قطاع التعليم في بريطانيا خسارة كبيرة بسبب خروجها، وستخسر كذلك الفوائد المكتسبة من التعاون العملي وتبادل المعلومات مع الدول الأوروبية. وسيحتاج سوق العمل فيها إلى ملء الشواغر من ذوي الكفاءات والمهارات من الدول الأوروبية. وسيفقد الأعضاء البريطانيون مقاعدهم في البرلمان الأوروبي بشكل تلقائي. وسيكون بإمكان بريطانيا البدء في إجراء محادثات مع الدول كافة حول وضع قواعد جديدة لبيع وشراء السلع والخدمات، وخصوصًا الولايات المتحدة وأستراليا. كما سيتغيّر لون جواز السفر البريطاني، واغلاق إدارة شؤون بريكست، ولن تستطيع المانيا ترحيل مواطنيها إلى بريطانيا. وتبين لنا وجود مهدّدات داخلية وبينية بين دول الاتحاد، وستتعزّز النزعات الانفصاليّة بين دوله، ما يزيد من حدة التنافس والصراعات البينية، وصعود مشاعر الشّعبوية واليمين المتطرف. كما ستشكل الهجرة هاجسًا كبيرًا وخطيرًا على دول الاتحاد، لا سيما في استمرار الاضطرابات في الدول العربيّة. كما ستشهد غالبيّة الدول الأوروبية تراجعًا كبيرًا في أنظمتها الاقتصاديّة، وضعف الأسواق المالية، وتراجعًا في مؤشرات النّمو، وارتفاع نسبة البطالة. ولن تكون دول الاتحاد بمنأى عن تهديدات خارجية أهمها إثارة النّزعات الشّعبويّة، واستخدام الحركات الأصوليّة لتجليات الثورة المعلوماتيّة والانترنت، ما يزيد من ارتفاع وتيرة مخاطر الإرهاب. كما سيواجه الاتحاد تحديات رئيسة مرتبطة بتغيرات هيكل القوى على صعيد السياسة والاقتصاد الدوليين، خصوصًا مع تغيّر قواعد الشراكة مع الولايات المتحدة، وسعي روسيا إلى استعادة مكانتها السابقة كقوة عالميّة، ولا نستطيع إهمال بزوغ النّجم الصيني كلاعب دولي مهم، ليس على الصّعيد الاقتصادي فحسب، بل على صعيد طبيعة المؤسسات والمبادئ الدّوليّة التي ينتجها كقوة صاعدة داخل النّظام الدّولي.
إلا أن خروج بريطانيا سيعود على الاتحاد الأوروبي بفوائد منها إزاحة العقدة البريطانيّة المعرقلة لاقتراحات المفوضيّة الأوروبيّة، وتلقين درس قاسٍ لكل دولة تفكر في الخروج من الاتحاد، وإمكانيّة تشكيل جيش أوروبي موحد، ووجود وظائف شاغرة مرتقبة، والعودة إلى اللغة الفرنسيّة، التي أقصيت بفعل اعتماد الانكليزية كلغة أساسية للاتحاد منذ انضمام دول من شرق أوروبا إليه. وتبيّن لنا من السياق أعلاه، طموح بريطانيا، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، إلى تأسيس شراكة خاصة جديدة مع الاتحاد الأوروبي في ما يختص بشأن السياسة الخارجيّة والأمنيّة، بالاعتماد على المبادرات المشتركة معه والفعاليّات حول القضايا ذات الاهتمام المشترك. وستحتاج بريطانيا في ردم الهوة في التمثيل الدبلوماسي، الناشئة عن خروجها، إلى زيادة الاستثمار فيه لا سيما في العلاقات الثنائيّة مع الحكومات الأوروبية الأخرى.
خلاصة عامة واستنتاجات
تجاوزت الدول الأعضاء في المجموعة الأوروبية، طيلة العقود الخمسة الأخيرة، خلافاتها، وإلغاء الحدود في ما بينها، بغية تحقيق وحدتها الإقليميّة والتي تعدّ السبيل الأفضل لاستعادة دورها التاريخي، في ظل عالم يتجه نحو اتحادات ضخمة في زمن معولم؛ فلم يمنع التاريخ الحافل بالنزاعات والحروب والثقافات والقوميات المتباينة وتعدد اللغات، الأوروبيين من انتهاج طريق الاتحاد بتصميم وعقلانيّة، منطلقين من حد أدنى من المصالح والأهداف المشتركة، وتمكنوا من إصدار عملة أوروبية موحدة هي “اليورو” ليصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على مواجهة الولايات المتحدة الأميركيّة، وهذا ما سيؤدي إلى زيادة قوة التّدخل السياسي لدول الاتحاد في العلاقات الدولية والإقليمية. لقد استطاعت التجربة الأوروبية تبوأ موضع متميز من بين جميع تجارب التكامل التي شهدها العالم؛ فقد تجاوزت أوروبا خلافاتها الدّمويّة، وأسّست لمرحلة جديدة، ظهرت فيها موحدة من جديد، عبر اعتمادها استراتجيّة تكاملية، بدءًا بالسوق الأوروبية المشتركة، ومرورًا بالوحدة النقدية، وصولًا إلى الدّفاع المشترك. واستطاعت، على مدى نصف قرن، من تجاوز خلافاتها والغاء الحدود فيما بينها، من أجل تحقيق الوحدة الإقليميّة.
لقد تميّزت بريطانيا بوضع مهم داخل الاتحاد الأوروبي، بما تمثّله من ثقل سياسي وتاريخي واقتصادي وعسكري في أوروبا، إلا أنّ عوامل كثيرة، داخليّة وخارجيّة، وسياسة المناورة والاستغلال لأوروبا، أدّت إلى خروجها من الاتحاد الأوروبي، على الرّغم من أنها تريد أن تكون جزءًا من أوروبا، من دون أن تكون عضوًا حقيقيًا فيها. وفي ظل هذه العلاقة الملتبسة والحذرة، وعوامل سياسيّة واقتصاديّة وأمنيّة واجتماعيّة وعسكريّة وثقافيّة، أقحم الحكومة البريطانيّة في تنظيم استفتاء شعبي للبتّ في مسألة بقائها في الاتحاد الأوروبي من عدمه، وقد انتهى هذا الاستفتاء بتأييد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهذا ما أوقع بريطانيا في الحرج، وجعل أوروبا تفتقد لثاني قوة اقتصادية، وأكبر قوة عسكرية ذات تأثير مهم في الأمن الأوروبي، خاصة وأنّ بريطانيا كانت تتمتع بوضع مُميز داخل الاتحاد الأوروبي، وذلك لثقلها ودورها السياسي والتّاريخي في العديد من القضايا. وقد فرض خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي طرح تساؤلات كبرى حول التّداعيات المستقبليّة سواء الداخليّة أو الخارجيّة المترتبة على ذلك الخروج. إذًا، طمحت بريطانيا من خروجها من الاتحاد الأوروبي إلى التخلص من أعباء الهجرة والمخاوف من الإرهاب، ومخاوف انضمام تركيا إلى الاتحاد، والتي تعدُّها بريطانيا مصدرًا لانتقال الارهابيين إليها؛ كما توقعت بريطانيا، من خروجها، ازدهار تجارتها الحرّة، وزيادة نفوذها المالي، واستقلالها التشريعي. ويدفعنا الخروج البريطاني إلى التوقع بأن تشهد دول الاتحاد الأوروبي بزوغ نزعات انفصاليّة بين دوله، وهذا ما يزيد من الصراعات وصعود اليمينيّة المتطرفة. كما ستشكل الهجرة خطرًا كبيرًا، لا سيما في ظل الصراعات الدائرة في الدول العربية، كسوريا وليبيا، وهما دولتان متوسطيتان، تلؤديان، مع تركيا، عاملًا مهمًّا في انتقال الإرهابيين إلى الدول الأوروبيّة. ونتوقع أن تشهد غالبيّة الدول الأوروبيّة تراجعًا كبيرًا في أنظمتها الاقتصاديّة، وضعف الأسواق المالية، وتراجعاً في مؤشرات النمو، وارتفاع نسبة البطالة.
وسيواجه الاتحاد تحديات رئيسة مرتبطة بتغيرات هيكل القوى على صعيد السياسة والاقتصاد الدوليين، خصوصًا مع تغيّر قواعد الشّراكة مع الولايات المتحدة، وسعي روسيا إلى استعادة مكانتها السابقة كقوة عالمية، ولا نستطيع إهمال بزوغ النجم الصيني كلاعب دولي مهم، ليس على الصعيد الاقتصادي فحسب، بل على صعيد طبيعة المؤسسات والمبادئ الدولية التي ينتجها كقوة صاعدة داخل النظام الدولي.
ومن الإيجابيات المترتبة على الاتحاد الأوروبي جراء خروج بريطانيا، إزاحة العقدة البريطانيّة المعرقلة لاقتراحات المفوضيّة الأوروبيّة، والسعي الجاد إلى تشكيل جيش أوروبي موحد، وإعادة الاعتبار للغة الفرنسيّة التي جرى إقصاءها، بفعل اعتماد الانكليزية كلغة أساسية للاتحاد منذ انضمام دول من شرق أوروبا إليه.
وتطمح بريطانيا، بعد خروجها، إلى تأسيس شراكة خاصة جديدة مع الاتحاد الأوروبي في ما يختص بشأن السياسة الخارجية والأمنية، بالاعتماد على المبادرات المشتركة معه والفعاليات حول القضايا ذات الاهتمام المشترك. وستحتاج بريطانيا في ردم الهوة في التمثيل الدبلوماسي، الناشئة عن خروجها، إلى زيادة الاستثمار فيه لا سيما في العلاقات الثنائية مع الحكومات الأوروبية الأخرى. فأوروبا، مؤيدة للولايات المتحدة، هي رئة أساسية، لا يمكن الاستغناء عنها. وقد تبين لنا من خلال الضياع البريطاني بين البقاء في الاتحاد الأوروبي الذي تجمعها به تاريخ مشترك وجغرافيا، وبين الولايات المتحدة الجارة الأطلسيّة لبريطانيا، والتي تعدُّها بريطانيا مساعدًا مهمًّا أسهم في انقاذها من الهتلرية أثناء الحرب العالمية الثانية، وانقاذها اقتصاديًّا مع خطة ماريشال.
يمثل لنا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الصراعات والتجاذبات والتنافسات التي يشهدها الحقل العالمي، بين قواه المختلفة، القوية التي تحاول الاستمرار في هيمنتها وقوتها، والدول التي تحاول استعادة قوتها بعد الحرب الباردة كروسيا، والدّول الطامحة والصاعدة كالمارد الصيني الذي يحاول منافسة أوروبا والولايات المتحدة عبر تغلغله الاقتصادي في المستعمرات السابقة في أفريقيا وغيرها.
ونرى أنّ بريطانيا ترمي إلى تأسيس علاقات خاصة جديدة بينها وبين الاتحاد الأوروبي بشأن السياسة الخارجيّة والأمنيّة في أعقاب خروجها من الاتحاد، إفساحًا في المجال أمام المبادرات المشتركة معه، والفعاليات حول القضايا ذات الاهتمام المشترك؛ ومن أجل المساعدة في ردم الهوة في التمثيل الدبلوماسي الناجمة عن خروجها من الاتحاد، ستحتاج بريطانيا إلى زيادة الاستثمار في التمثيل الدبلوماسي في العلاقات الثنائيّة وعبر الحكومة البريطانية في العواصم الأوروبية الأخرى. ونستنتج أيضًا، أنّه سيكون من الصعوبة بمكان، بالنسبة إلى بريطانيا، أن تبقى محتفظة بنفوذها في المناطق مثل: (البلقان، وأوكرانيا، وشمال أفريقيا، وتركيا) طالما شكل الوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي ـ وفي بعض الحالات العضوية المحتملة في الاتحاد الأوروبي ـ دافعًا سياسيًّا قويًّا لها، ومن المرجح أن تسعى دول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي بالاستفادة من خروج بريطانيا من أجل زيادة نفوذها. ونرى أن تأثير بريطانيا في الأمن الأوروبي سيبقى قويًّا، نظرًا لموقعها بوصفها القوة الأوروبية الأكثر قدرة واستعدادًا في حلف الناتو، لكن مع ذلك سيبقى الأمر الأكثر صعوبة على بريطانيا من ترجمة هذا الالتزام إلى نفوذ سياسي؛ إذ يتعين أن تعمل جاهدة لضمان أن تكون مدخلات سياستها ليست على هامش أو نتيجة تترتب على نتائج الحوار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
المصادر والمراجع
أولاً: المراجع باللغة العربية
أ. الكتب
- احمد زكي البدوي معجم المصطلحات السياسية والدولية. بيروت: دار الكتاب اللبناني، 2004
- اسماعيل سعد: دراسات في المجتمع والسياسة. بيروت: دار النهضة العربية، 1988
- تورين, آلان: براديغما جديدة لفهم عالم اليوم. (ج. سليمان, Ed.) بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2011
- جاسم سلطان. قواعد في الممارسة السياسية. المنصورة: أم القرى للترجمة والتوزيع، 2008
- جورج كرم: المنجد في الاعلام. بيروت: دار المشرق، 1976
- الدكتور سفير أحمد الجراد. ظاهرة التطرّف الديني. دمشق: دار العصماء، 2014
- عبدالله محمد الفقيه: إدارة الأزمات، صنعاء، جامعة العلوم والتكنولوجيا، 2012
- ماتيوز؛ روس. الدليل العملي لمناهج البحث في العلوم الاجتماعية. القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2016
- مطيع الله الحربي. حقيقة الارهاب المفاهيم والجذور. الرياض: العبيكان، 1999
ب. الدوريات
- مروة نظير. مكامن الخطر على مستقبل أوروبا. السياسة الدولية، 6، ابريل 2020
د. المواقع الإلكترونية
- إبراهيم ابراش;. (بلا تاريخ). أزمة الاتحاد الأوروبي ونعي رهان العولمة الثقافية، مركز الأبحاث الفلسطيني. تم الاسترداد من bit.ly/3aj2zwp: https://bit.ly/3aj2zwp
- ابراهيم, آسية;. (31 12, 2019). اليمين المتطرف في 2019… صعود يوجه السياسة الأوروبية، الأناضول. تم الاسترداد من bit.ly/2TseKcU: https://bit.ly/2TseKcU
- السيد, ولد آباه;. (27 6, 2016). مستقبل الاندماج الأوروبي، صحيفة «الاتحاد الإماراتية». تم الاسترداد من bit.ly/2VzMB6g: https://bit.ly/2VzMB6g
- العرب اللندنية;. (12 10, 2015). مستقبل الاتحاد الأوروبي على محك الأزمات الداخلية والخارجية، صحيفة «العرب» اللندنية. تم الاسترداد من bit.ly/2Ib2rfI: https://bit.ly/2Ib2rfI
- المركز الأوروبي;. (16 6, 2019). هل يبقى الاتحاد الأوروبي متماسكاً؟، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات. تم الاسترداد من europarabct.com/?p=4793: https://www.europarabct.com/?p=4793
- أوتو غراف لامبسدورف، بالألمانية، Otto Graf Lambsdorff) (20 كانون الأول 1926 – 5 كانون الأول 2009) كان سياسياً ألمانياً من الحزب الديمقراطي الحر. كما أنه شغل منصب الوزير الاتحادي للشؤون الاقتصادية والطاقة.
- آية عبد العزيز. (3 6, 2018). إيطاليا وتحديات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، المركز العربي للبحوث والدراسات. تم الاسترداد من acrseg.org/40768: https://www.acrseg.org/40768
- بارنز، بيتر: بريكست: ما هي جميع السيناريوهات المحتملة؟، بي بي سي العربية، 3/9/2019، https://www.bbc.com/arabic/world-49565542، تاريخ الدخول 2/5/2021
- رمزي بيشوي. (1 2, 2020). أوروبا على شفا حقبة من الصراع بعد «بريكست»، موقع «اليوم السابع. تم الاسترداد من bit.ly/250sYd: https://bit.ly/250sYd
- رويح, عبد الأمير;. (1 5, 2018). ماذا يخبئ المستقبل للاتحاد الأوروبي؟، موقع «شبكة النبأ. تم الاسترداد من annabaa.org: https://annabaa.org/arabic/reports/15088
- ريغر, بريند;. (26 6, 2016). خروج بريطانيا له فوائد للاتحاد الأوروبي أيضاً. تم الاسترداد من dw.com/ar/: https://www.dw.com/ar
- ستيفن لارابي. (2017). روسيا والغرب بعد الزمة الأوكرانية… أوجه الضعف الأوروبية جراء الضغوط الروسية، مؤسسة «رائد». عمان: مؤسسة رائد. تم الاسترداد من إف. ستيفن لارابي، روسيا والغرب بعد الزمة الأوكرانية… أوجه الضعف الأوروبية جراء الضغوط الروسية، مؤسسة «رائد»، 2017، ص53 ـ 55: : https://www.rand,org/cotent/dam/rand/pubs/research-reports/RR13005/RAND-RR1305Z.1ARABIC.pdf
- شاكري, مصطفى;. (22 11, 2018). مصطفى شاكري، أزمات الاتحاد الأوروبي… الأفق الممكن، موقع «هسبريس. تم الاسترداد من hespress.com: https://www.hespress.com/writers/413062html
- شايان, جانيت;. (7 11, 2018). المنادي من أجل «أوروبا الموحدة»، مقابلة مع وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، «دويتش لاند». تم الاسترداد من bit.ly/2TctltS: https://bit.ly/2TctltS
- عرب 48;. (2 9, 2018). أزمة الهجرة: تحديات تهدد بتفكك الاتحاد الأوروبي، عرب 48. تم الاسترداد من bit.ly/2Tu56Gx: https://bit.ly/2Tu56Gx
- كريم الماجري. (11 4, 2019). النفوذ الروسي في غرب البلقان في مواجهة الاتحاد الأوروبي، شبكة «الجزيرة». تم الاسترداد من bit.ly/2wiZU0F: كريم الماجري، النفوذ الروسي في غرب البلقان في مواجهة الاتحاد الأوروبي، شبكة «الجزيرة»، 11 أبريل 2019: : https://bit.ly/2wiZU0F
- محمد, جاسم;. (22 6, 2019). تعزيز التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب في أوروبا، موقع «عين أوروبية على التطرف. تم الاسترداد من bit.ly/3akWzwt: جاسم محمّد، تعزيز التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب في أوروبا، موقع «عين أوروبية على التطرف»، 22 يونيو 2019: : https://bit.ly/3akWzwt
- مروة, نظير;. (16 12, 2019). قراءة في نتائج الانتخابات العامة المبكرة في بريطانيا: دلالات وتداعيات، موقع «العين. تم الاسترداد من khlaasa.net/news.410290html: http:khlaasa.net/news.410290html
- يورونيوز;. (12 7, 2018). مستقبل المشروع الأوروبي… إلى أين؟ موقع «يورونيوز»،. تم الاسترداد من /arabic.euronews.com: https://arabic.euronews.com/9/05/2018/europe-day-eu-raising-of-euroscepticism
ثانيًا: المراجع باللغة الأجنبية
Books
- Dennison, ; Godemen F and Others;. (2015, 7). The Road Back to European power, London. European Council on Foreign Relations. Policy Brief. July 2015: https://www.ecfr.eu/publications/summary/ the-road-back-to-european-power.
- L, Bardin;. (2007). Analyse de contenue. Paris: Presses Universitaires de France
ملحق رقم (1): خريطة بريطانيا
[1] – أستاذ مساعد في معهد العلوم الاجتماعية-الفرع الخامس-الجامعة اللبنانية. abousaleh1@hotmail.com
[2]– اسماعيل سعد: دراسات في المجتمع والسياسة. بيروت: دار النهضة العربية، 1988، ص 33.
[3]– احمد بدوي: معجم المصطلحات السياسية والدولية. بيروت: دار الكتاب اللبناني، 2004، 111.
[4]–L, Bardin;. (2007). Analyse de contenue. Paris: Presses Universitaires de France, P.16
[5]– ماتيوز؛ روس. الدليل العملي لمناهج البحث في العلوم الاجتماعية. القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2016، ص 850.
[6]– عبدالله محمد الفقيه: إدارة الأزمات، صنعاء، جامعة العلوم والتكنولوجيا، 2012، ص 15-16.
[7]– عبدالله محمد الفقيه: م.س، ص 111.
[8]– انظر الملحق رقم (1).
[9]– جورج كرم: المنجد في الإعلام. بيروت: دار المشرق، 1976، ص 130.
[10]– محمد كمال؛ وفؤاد نهرا: م.س، ص 45.
[11]– تورين, آلان: براديغما جديدة لفهم عالم اليوم. (ج. سليمان, Ed.) بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2011، ص 67.
[12]– مروة نظير. مكامن الخطر على مستقبل أوروبا. السياسة الدولية، 6، ابريل 2020، ص 11.
[13]– شاكري, مصطفى;. (22 11, 2018). مصطفى شاكري، أزمات الاتحاد الأوروبي… الأفق الممكن، موقع «هسبريس. تم الاسترداد من www.hespress.com: https://www.hespress.com/writers/413062html
[14]– رويح, عبد الأمير;. (1 5, 2018). ماذا يخبئ المستقبل للاتحاد الأوروبي؟، موقع «شبكة النبأ. تم الاسترداد من www.annabaa.org: https://annabaa.org/arabic/reports/15088
[15]– عبد الأمير رويح: م. س.
[16]– مروة, نظير;. (16 12, 2019). قراءة في نتائج الانتخابات العامة المبكرة في بريطانيا: دلالات وتداعيات، موقع «العين. تم الاسترداد من www.khlaasa.net/news.410290html: http:khlaasa.net/news.410290html
[17]– رمزي بيشوي. (1 2, 2020). أوروبا على شفا حقبة من الصراع بعد «بريكست»، موقع «اليوم السابع. تم الاسترداد من www.bit.ly/250sYd: https://bit.ly/250sYd
[18]– رمزي بيشوي. م. س.
[19]– شايان, جانيت;. (7 11, 2018). المنادي من أجل «أوروبا الموحدة»، مقابلة مع وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، «دويتش لاند». تم الاسترداد من www.bit.ly/2TctltS: https://bit.ly/2TctltS
[20]– السيد, ولد آباه;. (27 6, 2016). مستقبل الاندماج الأوروبي، صحيفة «الاتحاد الإماراتية». تم الاسترداد من www.bit.ly/2VzMB6g: https://bit.ly/2VzMB6g
[21]– المركز الاوروبي;. (16 6, 2019). هل يبقى الاتحاد الأوروبي متماسكاً؟، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات. تم الاسترداد من www.europarabct.com/?p=4793: https://www.europarabct.com/?p=4793
[22]– ابراهيم, آسية;. (31 12, 2019). اليمين المتطرف في 2019… صعود يوجه السياسة الأوروبية، الأناضول. تم الاسترداد من www.bit.ly/2TseKcU: https://bit.ly/2TseKcU
[23]– شاكري؛ مصطفى. م.س.
[24]– العرب اللندنية;. (12 10, 2015). مستقبل الاتحاد الأوروبي على محك الأزمات الداخلية والخارجية، صحيفة «العرب» اللندنية. تم الاسترداد من www.bit.ly/2Ib2rfI: https://bit.ly/2Ib2rfI
[25]– المركز الاوروبي;. (16 6, 2019). هل يبقى الاتحاد الأوروبي متماسكاً؟، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات. تم الاسترداد من www.europarabct.com/?p=4793: https://www.europarabct.com/?p=4793
[26]– عرب 48;. (2 9, 2018). أزمة الهجرة: تحديات تهدد بتفكك الاتحاد الأوروبي، عرب 48. تم الاسترداد من www.bit.ly/2Tu56Gx: https://bit.ly/2Tu56Gx
[27]– المركز الاوروبي;. (16 6, 2019). هل يبقى الاتحاد الأوروبي متماسكاً؟، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات. تم الاسترداد من www.europarabct.com/?p=4793: https://www.europarabct.com/?p=4793
[28]– يورونيوز;. (12 7, 2018). مستقبل المشروع الأوروبي… إلى أين؟ موقع «يورونيوز»،. تم الاسترداد من www./arabic.euronews.com: https://arabic.euronews.com/9/05/2018/europe-day-eu-raising-of-euroscepticism
[29]– آية عبد العزيز. (3 6, 2018). إيطاليا وتحديات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، المركز العربي للبحوث والدراسات. تم الاسترداد من www.acrseg.org/40768: https://www.acrseg.org/40768
[30]-محمد سبيلا؛ نوح الهرموزي: م.س، ص 356.
[31]– ابراهيم ابراش;. (بلا تاريخ). أزمة الاتحاد الأوروبي ونعي رهان العولمة الثقافية، مركز الأبحاث الفلسطيني. تم الاسترداد من www.bit.ly/3aj2zwp: https://bit.ly/3aj2zwp
[32]– مطيع الله الحربي. حقيقة الارهاب المفاهيم والجذور. الرياض: العبيكان، 1999، ص 12.
[33]– الدكتور سفير أحمد الجراد. ظاهرة التطرّف الديني. دمشق: دار العصماء، 2014، ص 69.
[34]– محمد, جاسم;. (22 6, 2019). تعزيز التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب في أوروبا، موقع «عين أوروبية على التطرف. تم الاسترداد من www.bit.ly/3akWzwt: جاسم محمّد، تعزيز التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب في أوروبا، موقع «عين أوروبية على التطرف»، 22 يونيو 2019: : https://bit.ly/3akWzwt
[35]– رمزي بيشوي: م.س.
[36]– كريم الماجري. (11 4, 2019). النفوذ الروسي في غرب البلقان في مواجهة الاتحاد الأوروبي، شبكة «الجزيرة». تم الاسترداد من www.bit.ly/2wiZU0F: كريم الماجري، النفوذ الروسي في غرب البلقان في مواجهة الاتحاد الأوروبي، شبكة «الجزيرة»، 11 أبريل 2019: : https://bit.ly/2wiZU0F
[37]– ستيفن لارابي. (2017). روسيا والغرب بعد الزمة الأوكرانية… أوجه الضعف الأوروبية جراء الضغوط الروسية، مؤسسة «رائد». عمان: مؤسسة رائد. تم الاسترداد من إف. ستيفن لارابي، روسيا والغرب بعد الزمة الأوكرانية… أوجه الضعف الأوروبية جراء الضغوط الروسية، مؤسسة «رائد»، 2017، ص53 ـ 55:
https://www.rand,org/cotent/dam/rand/pubs/research-reports/RR13005/RAND-RR1305Z.1ARABIC.pdf
–[38]Dennison, ; Godemen F and Others;. (2015, 7). The Road Back to European power, London. European Council on Foreign Relations. Policy Brief. July 2015: https://www.ecfr.eu/publications/summary/ the-road-back-to-european-power.
[39]– جاسم سلطان. قواعد في الممارسة السياسية. المنصورة: أم القرى للترجمة والتوزيع، 2008، ص 132-133.
[40]– أوتو غراف لامبسدورف، بالألمانية، Otto Graf Lambsdorff) (20 كانون الأول 1926 – 5 كانون الأول 2009) كان سياسيًا ألمانياً من الحزب الديمقراطي الحر. كما أنه شغل منصب الوزير الاتحادي للشؤون الاقتصادية والطاقة.
[41]– ريغر, بريند;. (26 6, 2016). خروج بريطانيا له فوائد للاتحاد الاوروبي أيضًا. تم الاسترداد من www.dw.com/ar/: https://www.dw.com/ar
[42]– ريغر، برند، م.س.
[43]– م.ن.
[44]– ريغر، برند: م.س.
[45]– م.ن
[46]– احمد زكي البدوي معجم المصطلحات السياسية والدولية. بيروت: دار الكتاب اللبناني، 2004، ص 111.
[47]– ريغر, بريند;. (26 6, 2016). خروج بريطانيا له فوائد للاتحاد الاوروبي أيضاً. تم الاسترداد من www.dw.com/ar/: https://www.dw.com/ar
[48]-ريغر, بريند;. (26 6, 2016). خروج بريطانيا له فوائد للاتحاد الاوروبي أيضاً. تم الاسترداد من www.dw.com/ar/: https://www.dw.com/ar
[49]– بارنز، بيتر: بريكست: ما هي جميع السيناريوهات المحتملة؟، بي بي سي العربية، 3/9/2019، https://www.bbc.com/arabic/world-49565542، تاريخ الدخول 2/5/2021