المنظور الأصولي للدلالة الالتزاميّة
The fundamentalist perspective of the semantics of commitment .
Noralhuda Mohsln Badr نور الهدى محسن بدر)[1](
Dr.Reza Shokrani . د . رضا شكراني([2])
Dr.Raad kadhum kakaalla. د . رعد كاظم كاكاالله([3])
الملخص
يهدف البحث الى بيان الرؤية الأصوليّة للدلالة الالتزاميّة؛ لما لها من أثر عظيم في عمليّة الاستنباط والأحكام من النّصوص .
لذا اعتمد الباحث في هذه الدّراسة (الدّلالة الالتزاميّة من وجهة نظر أصوليّة )، الى بيان الدّلالة في البساط اللغوي والاصطلاحي الأصولي حسب ما ذهب اليه أبناء العامة والإماميّة ، وبيان مفردة الالتزام من ناحية اللغة والاصطلاح، وتطرق الباحث الى بيان أقسام الدّلالة الالتزاميّة من لزوم بين بالمعنى الأعم ولزوم بين بالمعنى الأخص ولزوم غير بيّنٍ، وما يرادفها في علم الأصول من المنطوق والمفهوم وأقسامه من (الحصر، الغاية، الشرط، اللقب، والدّلالات السياقيّة من : إشارة وتنبيه واقتضاء )، وبيان علاقة اللازم بالملزوم وما ينشأ من التلازم ثبوتًا ونفيًّا قواعد مهمة لها أثرها في علم الأصول ، وتطرق الباحث الى بيان أراء العلماء في تبعيّة الدّلالة الالتزاميّة للمطابقيّة في الحجيّة .
وما تطرق هذا البحث الى نماذج تُعد عينات لهذه الدّراسة ، ومناقشة آراء العلماء فيها على ضوء ما توصل اليه من الدّراسة .
الكلمات المفتاحية : علم الأصول ، الدّلالة الالتزاميّة .
Summary:
The research aims to explain the fundamentalist vision of the obligatory significance. Because of its great impact on the process of deduction and judgments from texts.
Therefore، the researcher adopted in this study (the obligatory connotation from a fundamentalist point of view)، to explain the connotation in the fundamental linguistic and terminological simplicity according to what the sons of the common people and the Imamis held، and to explain the word “commitment” from the point of view of language and terminology. The researcher addressed the sections of the obligatory connotation of necessity between meaning. The more general meaning is clear necessity in the most specific sense and non-clear necessity، and what is synonymous with it in the science of principles of what is spoken and understood and its divisions (limitation، purpose، condition، title، and contextual connotations such as: indication، warning، and necessity)، and an explanation of the relationship of what is necessary with what is necessary and what arises from the conjunction، proving and denying important rules for it. Its impact on the science of principles، and the researcher discussed the opinions of scholars regarding the dependency of the binding significance on conformity in authenticity.
This research did not discuss models that are samples for this study، and a discussion of the opinions of scholars regarding them in light of the findings of the study.
Keywords: the science of origins، commitment significance.
مقدمة: يعدّ مبحث الدّلالات من مباحث علم الأصول والتفسير المهمّة؛ لأنّه يستخرج المعاني والأحکام من الألفاظ، فهو يُمکّن المجتهد والمفسر من إحکام الدّلالات ويأمنه من الوقوع في الخطأ ؛ لذلك وصفه العلماء أنّه عُمْدَةُ عِلْمِ الأصول؛ لِأَنَّه مَيْدَانَ سَعْيِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي اقْتِبَاس الْأَحْکَامِ مِنْ أُصُولِهَا وَاجْتِنَائِهَا مِنْ أَغْصَانِهَا، إذْ نَفْسُ الْأَحْکَامِ لَيْسَتْ تَرْتَبِطُ بِاخْتِيَارِ الْمُجْتَهِدِينَ وَرَفْعُهَا وَوَضْعُهَا ، وَالأصول الْأَرْبَعَةُ مِنْ الْکِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْعَقْلِ لَا مَدْخَلَ لِاخْتِيَارِ الْعِبَادِ فِي تَأْسِيسِهَا وَتَأْصِيلِهَا، وَإِنَّمَا مَجَالُ اضْطِرَابِ الْمُجْتَهِدِ وَاکْتِسَابِهِ اسْتِعْمَالُ الْفِکْرِ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْکَامِ وَاقْتِبَاسِهَا مِنْ مَدَارِکِهَا (1).
ولدلالة الالتزام أثر عظيم ومهم في عمليّة الاستنباط، واستخراج المعاني من الألفاظ، واستنباط الأحکام من النّصوص، فلا يستغني عالم في أيّ علم عن فهمها والإلمام بقواعدها، يحتاج إليها الباحث في علم البيان في باب المجاز والکناية، والمنطقي يهتم بها وإن کان اشتغاله بالمعاني ؛ لأنها قوالب المعاني ، والأصولي والفقيه يرتب عليها أحکامًا في باب الأوامر والنواهي وفي غيرهما، وفي علم المناظرة لينظر في لزوم الدّعوى من الدّليل هل تستلزمها أم لا ؟، والنحوي في استقراء أحکام النحو وفي علم العقيدة وإقامة البراهين تدخل دلالة اللزوم لتحکم بوجوب أو جواز أو استحالة ثبوت شيء ما ، والمفسر يحتاج إليها فيما سبق جميعًا.
وتنقسم الدّلالة إلى دلالة مطابقة، وتضمن، والتزام، وبين اللازم والملزوم علاقة معتبرة تختلف باختلاف العلوم ، وکذلك ينشأ من التلازم بينهما ثبوتًا ونفيًّا قواعد مهمة يحتاج إليها الباحث في کل علم ، لذلك أرتأيت في هذا البحث أن أجمع المباحث المهمة لدلالة الالتزام، وأثرها في علم الأصول والمنطق.
هدف البحث:
- بيان مفهوم الدّلالة الالتزاميّة عند الأصولين.
- بيان مواضع الدّلالة الالتزاميّة.
- استعراض آراء العلماء في مسألة تبعيّة الدّلالة الالتزاميّة للمطابقيّة في الحجيّة .
أسئلة البحث : في هذا القسم ، وبناءً على الدّراسات الأساسيّة وتحليل المشكلة ، يُلخَّص وتوضَّح الفرضيات التي يجب إثباتها في هذا البحث أو الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة)
الفرضیات (إذا استوجب الأمر) أو أسئلة البحث : في القرآن الكريم آيات مختلفة لها دلالات الالتزاميّة وأشار المفسرين الى هذه الدّلالات الالتزاميّة من دون التّصريح بأسماء هذه الدّلالات والبعض صرح بذلك. وفي ضوء هذه الفرضية نستطيع أن نجيب عن الأسئلة الآتية :
- ما المعنى الأصولي للدّلالة الالتزاميّة ؟
- وهل مفهوم الدّلالة الالزاميّة في كتب الأصول يختلف عن علم المنطق ؟
- ما موا ضع الدّلالة الالتزاميّة ؟
- هل الدّلالة الالتزاميّة تابعة للدّلالة المطابقيّة في الحجية ؟
سابقة البحث : لم أقـــف علـــى دراســـات ســـابقة في هـــذا الموضـــوع بعـــد البحـــث في محركـــات البحـــث والموسـوعات الإلكترونيّـة، ومراكـز الأبحـاث العلميـّة، وسـؤال المختصـين، وغايـة مـا وقفـت عليه من ذلك إشارات من بعض العلماء لهـذه الدّلالة باسمهـا تـارة، وبمثالهـا تـارة أخرى، مـع عـدم تمييز كثير منهم لها عن الدّلالات المقاربـة لهـا، مـا يعـني أن هـذه الدّراسة التفصـيليّة الجديـّة لهـــذه الدّلالة دراســـة جديـــدة، من السّوابق التي تناولت هذا العنوان كالآتي :
1- دراسة غزوان حميد، (2016): وقد بيّن الباحث فی كتابه :(الدّلالة الالتزاميّة عند الأصوليين في القرآن الكريم) وجود الدّلالات الالتزاميّة في القرآن الكريم والتي عليها المعول من المفسرين في بيان المراد من النّص القرآني، فاعتمد على ذكر الأمثلة القرآنيّة على دلالة الالتزام واستعرض أقوال المفسرين في بيان وجه الدّلالة .
إلّا أنّني سأتناول هذا الموضوع بشكل تطبيقي وفق منهجيّة علمية جديدة، أربط من خلالها مفهوم الدّلالة الالتزاميّة في كتب الأصول وما جاءت من دلالات في القرآن، ثم بيان الاشتراك والاختلاف بين القرآن وكتب الأصول في هذه الدّلالة .
2- دراسة مصطفى أبو بكر مصطفى، (١٤٣٩ھ – ٢٠١٨م) يرى الباحث في كتابه: ( دلالات الألفاظ عند الأصوليين وتطبيقاتها في القرآن الكريم) أنّ دراسة الدّلالات له أهمية بالغة في تكوين الملكة الأصوليّة، وتسهيل الوصول إلى الصواب في عمليّة الاستنباط ، وبما أن القرآن الكريم نزل بلغة العرب فمعرفة الدّلالات الألفاظ تؤهل الإنسان إلى فهم معانيها وفهم مدلولات الآية من الأحكام ، فالألفاظ قوالب المعاني ولا يتوصل الإنسان إلى معرفة المعاني إلا بمعرفة الدّلالات.
إلّا أنّني في بحثي أتناول دلالة واحدة من دلالات الألفاظ وهي الالتزاميّة، واستخرج الآيات التي تتضمن هذه الدّلالة وأبيّن صحتها وتطبيقها ومفهومها ضمن كتب الأصول، كأنّها دراسة عكسيّة، أنطلق من القرآن الكريم لأنّه المرجع لبيان الدّلالة الالتزاميّة كمفهوم، وأثبت حجيتها من خلال القرآن الكريم وبيان موافقتها لما جاءت به كتب الأصول .
منهج البحث : سلكت في هذا البحث المنهج الاستقرائي والاستنباطي التحليلي، فاستعرضت ما أمكنني الوقوف عليه من كتب الأصول ومباحث الدّلالات، ثم نظرت في ما وقفت عليه من نصوص العلماء حول الدّلالة الالتزاميّة – بنظره تحليليّة فاحصة ، لبيان مفهوم ومصطلح هذه الدّلالة وتحديدها تحديدًا دقيقًا يخرجها من المفهوم العام إلى المصطلح الجدي.
المطلب الأول : مفهوم الدّلالة في اللغة والاصطلاح
الدّلالة: مَصْدَر”دَلّ يَدُلّ دلالةً “؛ يقال: “دَلّه على الطريق يَدُلّه دِلالةً ودَلالةً ودلولةً ” والفتح أعلى: أيْ َرْشَدَه. وقِيل: “الدّلالة” بالكسر: اسم لِعَمَل الدَّلاّل، أو ما يُجْعَل لِلدّليل أو الدَّلاّل مِن الأجرة . والمراد هُنَا: الدّلالة بالفتح، ومعناها: الإرشاد، وقِيل: ما يقتضيه اللفظ عند إطلاقه .
ويُسَمَّى الدّليل “دلالةً” على طريق المَجاز؛ لأنَّهم يُسَمّون الفاعل باسم المَصْدَر(2). وجاء في لسان العرب: دَلَلَ: أدَلَّ عليه وتدلل انبسط، وقال ابن دريد: أدل عليه وثق بمحبته فأفرط عليه. والدّليل: ما يستدل به، والدليل: الدّال، وقد دلَّه على الطريق يدُلّه دَلالةً ودِلالةً ودلُولة. والدليل والدّلّيلي: الذي يدلُّك (3).
وقد عرفها الجرجانى 816هـ: “أنّها كون الشيء بحالة، يلزم من العلم به، العلم بشيء آخر (4) .
وللدلالة أنواع أهمها :
دلالة غير لفظية عقلية: دلالة الآثر على المؤثر، والمصنوع على الصانع، والمعلول على العلة، دلالة الحركة على المحرك.
دلالة غير لفظيّة طبيعيّة: دلالة ارتفاع درجة الحرارة على المرض فى الجسم .
دلالة غير لفظيّة وضعيّة: دلالة إشارة المرور والسّهم على الاتجاه .
دلالة لفظية عقليّة : دلالة المتكلم من وراء الجدار على أنّه حيّ .
دلالة لفظية طبيعيّة : دلالة صوت السّعال على مرض الصدر .
دلالة لفظيّة وضعيّة : دلالة الإنسان على الحيوان الناطق. فهذه كلّها دلالات فيها ملازمة بين شيئين فإذا علم الإنسان بهذه الملازمة وعلم بوجود الدال ينتقل ذهنه إلى الشيء المدلول (5) .
المطلب الثاني : مفهوم الدّلالة عند الأصوليين
ارتبط البحث الدّلالي عند الأصوليين ارتباطًا شديدًا بفهم المسالك التي تؤدي إلى الأحكام المراد استنباطها، ولتحقيق ذلك انصبت جهودهم في دراسة الألفاظ وعلاقتها بمعانيها من الأفراد والتركيب، كما اتجهوا إلى أوجه الأدلة وارتباطها بمدلولاتها، ملمين بمقتضيات الخطاب (6)، لذا اشترطوا أن يكون الأصولي متمكنًا من دقائق اللغة العربية، وملمًّا بالمقاصد الشّرعيّة، وهما يمثلان محورًا دلاليًّا ، سواء تعلق الأمر بالدّلالة اللفظية أم الدّلالة المقاصديّة (7).
تُعرَّيف دلالة اللفظ: في ضوء تعريف الدّلالة – منطقيًّا – أنّها تلازم الدال والمدلول، وهذا ما بينه ابن سينا في (الشفاء) بقوله: ومعنى دلالة اللفظ: أن يكون إذا ارتسم في الخيال مسموع اسم ارتسم في النفس معنى، فتعرف النّفس أن هذا المسموع لهذا المفهوم، فكلما أورده الحسّ على النّفس التفتت إلى معناه، ولغويًّا يعرّفها (المعجم الوسيط) بما نصه: الدّلالة: ما يقتضيه اللفظ عند إطلاقه(8)، ويعرب الشّاطبي في (الموافقات) عن أنّ مقصد الأصولي هو (المعنى)، وما اللفظ إلّا وسيلة لتحصيل المعنى وهذا ما نصه عليه، بقوله: واللفظ إنما هو وسيلة إلى تحصيل المعنى المراد، والمعنى هو المقصود (9).
علاقة اللفظ بالمعنى: إنّ من مهمات مسألة دلالة اللفظ، محاولة معرفة نمط علاقة اللفظ بالمعنى، وهي من القضايا التي تناولها بالبحث الفلاسفة الأقدمون وعلماء اللغة المحدثون، وبين هؤلاء وأولئك علماء أصول الفقه قديمًا وحديثًا، وأقدم إطار ثقافي بُحثت فيه هذه المسألة هو الفلسفة الإغريقيّة، فقد تناولها بالدّرس الفيلسوف اليوناني سقراط، ومن بعده تلميذه أفلاطون ومن بعده تلميذه أرسطو، واختلف سقراط وأرسطو في آرائهم وانتقل خلافهما مع التّرجمات العالميّة للفلسفة الإغريقيّة إلى الفلسفات الأخرى. فدخلا مجال الفلسفة الإسلاميّة، وكان أقدم من تعامل معهما من فلاسفة المسلمين متكلمة المعتزلة، وعلى رأسهم عباد بن سليمان الصيمري.
وعن طريق المعتزلة انتقلت المسألة – وبما تحمل في طياتها من الرأي اليوناني والآخر المعتزلي – إلى الدّراسات اللغويّة العربيّة، وكان أقدم من أثارها على صعيد البحث اللغوي عالم اللغة وصناعتها أبو الفتح ابن جني في كتابه اللغوي القيم الموسوم ب (الخصائص)، وكذلك عن طريق المعتزلة دخلت عالم البحوث الأصوليّة الإسلاميّة، واستقبلها الفقهاء المسلمون بالتحليل، والنقد، والإضافة، والحذف، واستمرت تدار حولها النظر فيها، وأُثير الجدل ما أدّى الى أكثر من نظرية أصوليّة إسلاميّة في تعريفها اتسمت بالشّموليّة والعمق، فكان في أصول الفقه السنّي بحث في الرأيين اليونانيين، وأكثر من نقد لهما، ولعل أوفى من استوفى ذلك الفخر الرازي في (المحصول)، ولكن بعد استقرار المذاهب الفقهية السنيّة، وتوقف حركة الاجتهاد في الدّرس الفقهي السُنّي توقف العطاء الفكري السني في المسألة، وتركز الدّرس الأصولي السني في استرجاع الآراء القديمة في المسألة وعرضها، بينما نجده في أصول الفقه الشيعي مستمرًا، ومتطورًا تطورًا تجديديًّا، فقد نقد النّظريات الأولى وبلورها، وجاء بنظريات أُخرى وخاصة في مجال التّعريف، دلل فيها على مدى تعمق النّظرة العلميّة الجادة لديه، وفي أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، وعند انبثاق ما يُعرف بعلم الدّلالة دخلت المسألة وبقوة إلى علم اللغة الحديث، وقطعت فيه شوطًا بعيدًا في إفراز نظريات جديدة ذات قيمة علميّة مهمة، وبعد أن تبين أنّ كلّ هذا الذي يرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بتاريخ المسألة ننتقل إلى محاولة معرفة نمط ونوعية العلاقة القائمة بين اللفظ والمعنى الذي هو موضوع المسألة، وذلك من خلال استعراض الأقوال في المسألة (10)، وهي:
– (رأي الأصوليين من أَبناء العامة): لم يزد علماء أصول الفقه السُنيون على الرأيين اليونانيين، إلّا بما وجهوه من نقد لرأي سقراط، وقد تبنى عباد بن سليمان الصيمري، وأهل التكسير (علم الحروف)، وبعض المعتزلة رأي سقراط وزعموا أن بين اللفظ والمعنى مناسبة ذاتيّة مخصوصة (11).
ومنها نشأت دلالته عليه (12)، وتبنّى جمهورهم رأي أرسطو فقالوا: إن العلاقة بين اللفظ والمعنى نشأت بسبب الوضع، إلّا أنّهم اختلفوا في الواضع: هل هو الله تعالى، أو البشر، أو أنّ الألفاظ الموضوعة بعضها من الله وبعضها من النّاس، قال الفخر الرازي في (المحصول) (13): كون اللفظ مفيدًا للمعنى إمّا أن يكون لذاته، أو بالوضع، سواء أكان الوضع من الله تعالى، أم من الناس، ثم بعضه من الله تعالى وبعضه من الناس، فهذه احتمالات أربعة: الأول: مذهب عباد بن سليمان الصيمري.
والثاني: وهو القول بالتّوقيف: مذهب الأشعري وابن فورك.
والثالث: وهو القول بالاصطلاح: مذهب أبي هاشم وأتباعه.
والرابع:يتمثل بقولهم إنَّ بعضه توقيفي وبعضه اصطلاحي، وفيه قولان: منهم من قال: ابتداء اللغات يقع بالاصطلاح، والباقي لا يمتنع أن يحصل بالتوقيف، ومنهم من عكس الأمر، وقال: القدر الضروري الذي يقع به الاصطلاح توقيفي، والباقي اصطلاحي، وهو قول الأستاذ أبي إسحاق (الاسفراييني)، وأمّا جمهور المحققين فقد اعترفوا بجواز هذه الأقسام، وتوقفوا عن الجزم ، وأشار الرازي في المصدر نفسه (14) إلى دليل الصيمري بقوله: واحتج عباد أنّه لو لم يكن بين الأسماء والمسميات مناسبة بوجه ما، لكان تخصيص الاسم المعين بالمسمى المعين ترجيحًا لأحد طرفي الجائز على الآخر من غير مرجح، وهو محال، وإن حصلت بينهما مناسبة فذلك هو المطلوب ، وأجاب عنه بقوله: والجواب: إن كان الواضع هو الله تعالى، كان تخصيص الاسم المعين بالمسمى المعين، كتخصيص وجود العالم بوقت مقدر دون ما قبله أو ما بعده، وإن كان الناس فيحتمل أن يكون السبب خطور ذلك اللفظ – في ذلك الوقت – بالبال من دون غيره، كما قلنا في تخصيص كل شخص بعلم خاص من غير أن يكون بينهما مناسبة ، وأُجيب عنه في بعض مناقشات أصول الفقه الإمامي لهذا الرأي بأنّ المحال هو الترجح من دون المرجح كوجود المعلول من دون العلة، لا الترجيح من دون المرجح؛ لإمكان تساوي الأغراض في تحصيل غرض واحد مطلوب كتساوي الرغيفين من الخبز في الإشباع فيؤتى بأحدهما تخييرًا لحكم العقل بالتّخيير حينئذ، وإلّا لزم فوات هذا الغرض، إذ مقتضى محاليّة التّرجيح بلا مرجح فواته مع تساوي الدّخيل فيه من جميع الجهات، بل عدم إمكان الإتيان بواحد مما له دخل فيه – كما هو مقتضى المحاليّة – مع أنّه خلاف الوجدان والعقل لإمكان الإتيان بأحدهما بداهة كما أنّه لا وجه لتفويت الغرض المطلوب (15) ، والملحوظ هنا أنّ أصول الفقه السني توقف عند تبني الرأيين اليونانيين دونما إضافة، وقد يرجع هذا إلى تأكيدهم دراسة الأصول العقليّة كالقياس أكثر من تأكيدهم على الأصول النقليّة (اللغوية).
– (رأي الأصوليين من مدرسة أهل البيت ع) : وأطال علماء أصول الفقه الإماميون من الشّيعة البحث في حقيقة الوضع ، وأكثر ما انتهوا إليه أهمّيّة من آراء وأقوال هي:
1- نظرية التّعهد: وهي للملا علي النّهاوندي صاحب (تشريح الأصول)، قال في تعريف الوضع : إنّه تعهد الواضع والتزامه بإرادة المعنى من اللفظ في استعمالاته للفظ بلا قرينة (16)، وتبعه في ذلك أهل لغته (17).
2- نظرية الاختصاص: وهي للملا محمد كاظم الخراساني، قال في كتابه (كفاية الأصول) (18): الوضع: هو نحو اختصاص اللفظ بالمعنى، وارتباط خاص بينهما ناشئ من تخصيصه به تارة ومن كثرة استعماله فيه أخرى .
3 – نظرية الرمز: وتعني أنّ اللفظ علامة ترمز للمعنى، وهي للفيلسوف الشيخ محمد حسين الأصفهاني في كتابه (نهاية الدراية) قال في تعريف الوضع: هو جعل اللفظ علامة على إرادة المعنى.
4 – نظرية الاعتبار: وتعني أنّ الوضع اعتبار له واقع، وهي للأصولي الشيخ ضياء الدين العراقي، وخلاصته: أن الوضع أمر اعتباري، إلّا أنّه يختلف عن الأمور الاعتبارية الأخرى أن ما يتعلق به الاعتبار يتحقق له واقع ويتقرر له ثبوت واقعي كسائر الأمور الواقعية، فهو يختلف عن الأمور الواقعية من جهة أنًه جعل العلقة واعتبارها، ويختلف عن الأمور الاعتباريةّ أن ما يتعلق به الاعتبار لا ينحصر وجوده بعالم الاعتبار، بل يثبت له واقع في الخارج .
5 – نظرية التنزيل: ويقررها ويقرها السيد البجوردي في كتابه (منتهى الأصول) (19) بتعريفه الوضع :أنّه الهوهوية والاتحاد بين اللفظ والمعنى في عالم الاعتبار، ومثل هذه الهوهوية والاتحاد الاعتباري يمكن أن يوجد في عالم الاعتبار بالجعل والإنشاء تارة وبكثرة الاستعمال أخرى .
6 – نظرية الجعل: وهي لأبي الحسن المشكيني في (حاشيته على كفاية الأصول) (20) قال: قد وقع الخلاف في ماهية الوضع المتحقق بين اللفظ والمعنى، وأنّه هل هو تخصيصه به، أو اختصاص له به، أو تعهد من الواضع وتبعه في ذلك أهل لغته، وهو بالمعنى الأول والثالث من صفات الواضع بخلاف الوسط فإنّه من صفات اللفظ، وحقيقته – بناء عليه – هو العلقة الحاصلة بين اللفظ والمعنى بواسطة جعل الواضع نظير الملكيّة الحاصلة بإنشاء من بيده الاختيار، وغيرها من الأمور القابلة للجعل التّشريعي الاستقلالي، وهذا هو الأقوى لحصوله وجدانًا بكثرة الاستعمال، وليس فيه بيان ولا تخصيص .
7 – نظرية الاقتران الشّرطي: وهي للسيد الشهيد الصدر (قدس سره) جاء في (الدّليل اللفظي) (21): وتحقيق الكلام في تشخيص حقيقة الوضع، أن يقال: إنّ الله سبحانه وتعالى قد جعل من الإحساس بالشيء سببًا في انتقال الذّهن إلى صورته، فالانتقال الذّهني إلى الشيء استجابة طبيعيّة للإحساس به وهذا قانون تكويني، ويوجد قانونان تكوينيان ثانويان يوسعان من دائرة تلك الاستجابة الذّهنيّة.
أحدهما: قانون انتقال صورة الشيء إلى الذّهن عن طريق إدراك مشابهه، كانتقال صورة الحيوان المفترس إلى الذّهن بسبب رؤية رسم مشابه له على الورق.
ثانيهما: قانون انتقال صورة الشيء إلى الذّهن عن طريق إدراك الذّهن لما وجده مشروطًا ومقترنًا بذلك الشيء على نحو أكيد بليغ، فيصبح هذا القرين في حكم قرينه لإيجاد الأثر نفسه، والاستجابة الذّهنيّة التي كان يحدثها على الذّهن عند الإحساس به وهذا هو ما يسمى في المصطلح الحديث بالمنبّه الشّرطي والاستجابة الحاصلة منه بالاستجابّة الشّرطيّة، وهذا الاقتران والاشتراط الذي يوجب الاستجابة المذكورة لابدّ وأن يكون على وجه مخصوص، مخصوص اقترانًا أكيدًا ناشئًا من التكرار أو نتيجة عامل كيفي معين وبذلك نشأت العلقة الوضعيّة، أعني السببيّة والاستتباع بين ذلك الصوت المخصوص والمعنى المخصوص، وهكذا تولدت ظاهرة اللغة في حياة الإنسان وبدأت تتكامل وتتوسع من صيغ بدائيّة محدودة إلى صيغ متكاملة أكثر شمولًا واستيعابًا للألفاظ والمعاني، هذا هو حقيقة الوضع، فالواضع بحسب الحقيقة يمارس عملية الأقران بين اللفظ والمعنى بشكل أكيد بالغ، وهذا الاقتران البالغ إذا كان على أساس العامل الكمي – كثرة التكرار – سمي بالوضع التّعيني وإذا كان على أساس العامل الكيفي سمي بالوضع التعييني (22).
المطلب الثالث : مفهوم الالتزام لغة واصطلاحًا
الفرع الأول : الالتزام في اللغة: لَزِمَ الشيءُ ـَ لُزُومًا: ثبت ودامـة، و كذا من كذا: نشأ عنه وحصل منه. يقال: لزمه الغرم، ولزمه الطَّلاق، وـلزم العمل: داوم عليه (23). ومفهوم الالتزام في البساط اللغوي، یراد به الاعتناق، والمداومة للشيء، یقال: ” لزمت الشيء بالكسر لزومًا ولزامًا، ولزمت به ولازمته وألزام الملازمة، ویقال صار كذا ضربة لازم لغة في ضربة لازب، وألزمه الشيء و التزمه، والالتزام أیضًا الاعتناق” (24).
الفرع الثاني : دلالة الالتزام في اصطلاح الأصوليين
الدّلالة الالتزاميّة: وهي دلالة اللفظ على معنى خارج عن المعنى الموضوع له اللفظ إلا أنّه لازم له، على أن يكون هذا التّلازم بين المعنى الموضوع له اللفظ وبين المعنى الخارج عن المعنى الموضوع له اللفظ بنحو اللزوم الذّهني، بمعنى أن يكون موطن التلازم بين المعنيين هو الذّهن، فلو كان التلازم في الخارج من دون الذّهن فإن الدّلالة الالتزاميّة لا تحصل من ذكر أحد المتلازمين خارجين، فلو افترضنا أنّ شخصًا لا يعلم أن للنّار خاصيّة هي الإحراق فإنّ الإحراق حينئذ لا يكون مدلولًا التزاميًّا للفظ النار.
كما أنّه لا يلزم أن يكون بين المعنيين تلازم واقعی خارج بل لو كان بينهما خارج تمام التباين إلّا أنّ تصور أحدهما يلازم في عالم الذّهن تصور الآخر، فإن هذا يكفي في حصول الدّلالة الالتزاميّة عند إطلاق اللفظ الموضوع للمعنى الملزوم. فالعمى والبصر وإن لم يكن بينهما تلازم خارج، بل بينها تمام المعاندة إلا إنَّهما متلازمان ذهنًا، ولهذا يلزم من ذكر أحدهما تصور المعنى الآخر (25).
ويكاد يذهب علماء الإماميّة الى التعريف عند المناطقة نفسه .
في حين يرى أبناء العامة أنّها : هي دلالة اللفظ على لازم المسمى الذّهني(26)، وهي تشمل دلالة الاقتضاء، ودلالة الإشارة، ودلالة الإيماء، إذن فالالتزام هو أثر من آثار الدّلالة بسبب انتقال الذّهن إلى خارج المسمى، وعرفها القرافي بقوله: «ودلالة الالتزام هي إفهام اللفظ للسامع مع لازم المسمى البين» (27).
وشرح هذا المعنى صاحب كشف الأسرار فقال: «وفهمك لأمر خارج موضوع اللفظ التزام، والمعنى بالالتزام: أن يكون المعنى الذي وضع له اللفظ بحيث إذا أطلق انتقل الذّهن من فهمه إلى فهم شيء آخر يلزمه، واللازم للشيء قد يلزمه ذهنًا وخارجًا، وقد يلزمه ذهنًا فقط، فالأول كتلازم الأجساد والأعراض، من اللون أو الطعم وغير ذلك، والثاني كتلازم الضدين، فأنت متى فهمت البياض مثلا….» (28)، أدركت السواد، ومن ثمرات هذه الدّلالة استعمال قياس الدّلالة و« هو الجمع بين الأصل والفرع بدليل العلة وملزومها» (29).
ومن الأمثلة في ذلك قوله تعالى:﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (30).
قاس في هذه الآية الإحياء الذي استبعدوه على الإحياء الذي تحققوه وشاهدوه، والعلّة في ذلك هي عموم قدرته سبحانه وكمال حكمته والذي دل على هذه القدرة وهذه الحكمة هو الإحياء الذي شاهدوه، فقياس الدّلالة ذات المعنى هو أثر من آثار تلك المعاني الواردة في ظاهرة خشوع الأرض ثم اهتزازها واستجابتها للحياة إثر نزول الغيث، والتي تدل على قدرة الحي القيوم على إحياء الموتى كما أحيى موات الأرض، وهو على كل شيء قدير.
كذلك عدّ الظلم ضلالًا في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾(31)، وهو ظاهر من ترتيب الاهتداء والأمن من الضلال أو العذاب الذي يستتبعه الضلال، على ارتفاع الظلم ولبس الإيمان به، وبالجملة فالضلال، والشرك ، والظلم أمرها واحد وهي متلازمة مصداقًا، وهذا هو المراد من قولنا: إنّ كل واحد منها معرف بالآخر أو هو الآخر، فالمراد المصداق دون المفهوم(32)، إذن تضمنت الىية دلالة الالتزاميّة على معنى الظلم بالضلال فيرى الطباطبائي أنّها متلازمة في المنطوق أيّ بيّنه بالمعنى الأعم؛ لأنّ الأصوليين يعدون المنطوق من أقسام الدّلالة الالتزاميّة ذات المعنى البين بالمعنى الأعم .
ومثله قوله تعالى: ﴿ إِنّ الّذِينَ ءَامَنوا وَ الّذِينَ هَادُوا وَ النّصرَى وَ الصبِئِينَ مَنْ ءَامَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ وَ عَمِلَ صلِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيهِمْ وَ لا هُمْ يحْزَنُونَ﴾ (33).
_ يرى صاحب الميزان أنّ الآية تدل على أن أوصاف الكمال لا تُنجّي صاحبها إلّا وصف العبوديّة فالآية قد حصرت النّجاة بالعبوديّة فقط، وهذا يندرج تحث الدّلالة الالتزاميّة ذات قسم بين بالمعنى الأخص ؛لأنَّه مفهوم حصر (34).
إذن عندما يكون للفظ معنى وهذا المعنى له معنى آخر لازم عنه في الخارج، وبفهم المعنى الأول يفهم الثاني وهو اللازم بانتقال الذّهن إليه، يكون فهم المعنى الثاني هو دلالة الالتزام، ويرى الآمدي: أنَّ دلالة الالتزام وإن شاركت دلالة التضمن في افتقارهما إلى نظر عقلي يعرف اللازم في الالتزام والجزء في دلالة التضمن، غير أّنه في التضمن لتعريف كون الجزء داخلًا في مدلول اللفظ، وفي الالتزام لتعريف كونه خارجًا عن مدلول اللفظ، فلذلك كانت دلالة التضمن لفظيّة بخلاف دلالة الالتزام» (35).
وبذلك دليل الآمدي ينطوي على أمرين:
الأول: أنَّ حصول الدّلالة الالتزاميّة يكون بانتقال الذّهن ، فهو عملية عقلية.
الآخر: أنَّ الانتقال خارج مدلول اللفظ. ومن مجموعهما يتأيد اعتبار الالتزام دلالة عقليّة وليست لفظيّة (36).
قال الشيخ السّنوسي رحمه الله: وأمّا في فن الأصول أو في البيان فإنهم لا يشترطون في دلالة الالتزام أن يكون اللزوم ذهنيًّا بل مطلق اللزوم بأي وجه كان، وبذلك كثرت الفوائد التي يستنبطونها بدلالة الالتزام من ألفاظ القرآن والسنة وألفاظ أئمة المسلمين (37).
المطلب الرابع : أنواع الدّلالة الالتزاميّة عند الأصوليين
اهتمَّ علماء أصول الفقه بالمباحث الدّلاليّة ؛ لأهميَّتها في استنتاج الأحكام الشّرعيّة من النّصوص الدّينية، لذلك نجدهم يعالجون في كتبهم مسائل العلاقة بين اللفظ والمعنى، والحقيقة والمجاز، والاشتراك اللفظي، والترادف، والعام والخاص، وغير ذلك. كذلك نجدهم يستعرضون أنواع الدّلالات: اللغويّة ، وغير اللغويّة. وقد قسّموا طرق الدّلالة اللغوية إلى:
دلالة المنطوق : هي دلالة اللفظ على حكم ذكر في الكلام ، ونطق به، قول منه: إنّ الله لقن رسوله أن يقرأ الآية عليهم ويخاطبهم بقوله: ﴿ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ﴾(38)، ما لا دليل عليه ؛ لأنًّه إن أراد بهذا التلقين وحيًا جديدًا بالخطاب كالوحي الأول بالغيبة كانت الآية نازلة مرتين مرة في ضمن السورة، وهي إحدى آياته ومرة في المدينة غير داخلة في آيات السورة ولا جزءَ منها، وإن أراد بالتلقين غير الوحي بنزول جبرئيل بها لم تكن الآية آية و لا القراءة قراءة، و إن أريد به أن الله فهم رسوله نوعًا من التّفهيم أن لفظ “تجعلونه قراطيس” إلخ، النازل عليه في ضمن سورة الأنعام بمكة يسع الخطاب والغيبة جميعًا، وأن القراءتين صحيحتان مقصودتان كلاهما ، وربما يقوله من ينهي القراءات المختلفة إلى قراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو القراءة عليه ونحوهما ففيه الالتزام بورود جميع الإشكال السابقة كما هو ظاهر من منطوق الآية .
فالآية بحسب نفسها تحتمل المعاني جميعها بطريق الالتزام، لكن الأنسب وفق ما ذهب ما ذهب اليه الطباطبائي بالنّظر إلى الآيات السابقة الواصفة لهدايته تعالى أنبياءه المستعقبة لإيتائهم الكتاب و الحكم والنبوة، وعنايته الكاملة بحفظ كلمة الحقّ ونعمة الهداية بين الناس زمانًا بعد زمان وجيلًا بعد جيل أن تحمل على المعنى الأول، فإنَّ في إنكار إنزال الوحي حطًّا لقدره تعالى و إخراجًا له من منزلة الربوبيّة المعتنية بشؤون عباده وهدايتهم إلى هدفهم من السعادة والفلاح، وقد أستنبط الطباطبائي هذا المعنى اعتمادًا على المنطوق الصريح للآية (39).
وتقسّم دلالة المنطوق إلى أقسام عدّة :
(أوَّلا) دلالة المطابقة: هي دلالة اللفظ على تمام معناه، كدلالة البيت على كلِّ ما يتألَّف منه، فلو قال : “بعتك هذا البيت” فإنَّ المشتري يمتلك البيت كلَّه بجدرانه، وسقفه، ونوافذه، وأرضه (40).
(ثانيًا) دلالة التّضمن: هي دلالة اللفظ على جزء معناه ، كدلالة البيت على السقف ، أو على الجدار ، أو على الأرض ، فلو قال : “بعتك هذا البيت” فإنَّه قد باعه أيضًا الأبواب، والنّوافذ، والسّقف، والجدران، ولا يستطيع البائع أن يرفض تسليم أي منها؛ لأنَّها داخلة تحت لفظ البيت؛ لأنّها أجزاؤه، ومن أمثلة ذلك ما ورد في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾(41). فيدخل ضمن معنى (وجه) الجبهة، والحاجبان، والعينان، والخدان، والأنف ،والشفتان، والذقن، واللحيان، والفم (42).
(ثالثًا) دلالة الالتزام: هي دلالة اللفظ على لازم خارج عن معناه، مثل دلالة (سقف) على الجدار؛ لأنَّ الجدار لازم للسقف؛ لأنَّه لا يقوم إلّا عليه، وفي النّصوص يكون اللازم:
- دلالة المفهوم: تطلق كلمة المفهوم على ثلاثة معان :
١- المعنى المدلول للفظ الذي يفهم منه، فيساوق كلمة المدلول، سواء أكان مدلولًا لمفرد أو جملة، وسواء أكان مدلولًا حقيقيًّا أو مجازيًّا.
۲ – ما يقابل المصداق، ويراد منه كل معنى يفهم وأن لم يكن مدلولَ اللفظِ، فيعم المعنى الأول وغيره.
٣- ما يقابل المنطوق، وهو أخص من الأولين (43).
أو المفهوم هو : اصطلاح أصولي يختص بالمدلولات الالتزاميّة للجمل التركيبية سواء أكانت إنشائيّة أم إخبارية، فلا يقال لمدلول المفرد مفهوم وإن كان من المدلولات الالتزاميّة .
وعرفوه كذلك: أنّها مصطلح يطلق على معنى يفهم من اللفظ بالدّلالة الالتزاميّة ؛ نظرًا الى العلاقة اللزوميّة البيّنة بالمعنى الأخص أو الأعمّ بينه وبين المنطوق، فتكون دلالة اللفظ على المنطوق أولًا بالذّات وعلى المفهوم بالعرض(44) .
أمّا المنطوق فمقصودهم به: ما يدل عليه اللفظ في حد ذاته على وجه يكون اللفظ المنطوق حاملًا لذلك المعنى وقالبًا له، فيسمى المعنى (منطوقًا) تسمية للمدلول باسم الدّال؛ ولذلك يختص المنطوق بالمدلول المطابقي فقط، وأن كان المعنى مجازًا قد استعمل فيه اللفظ بقرينة (45).
وعليه، فالمفهوم الذي يقابله ما لم يكن اللفظ حاملًا له دالًا عليه بالمطابقة، ولكن يدل عليه بعدَّه لازمًا أفاد الجملة بنحو اللزوم البينّ بالمعنى الأخص(46)؛ ولأجل هذا يختص المفهوم بالمدلول الالتزامي.
مثاله قولهم:«اذا بلغ الماء كرًّا لا ينجسه شيء» (47). فالمنطوق فيه هو مضمون الجملة، وهو عدم تنجس الماء البالغ کرًّا بشيء من النّجاسات. والمفهوم – على تقدير أن يكون لمثل هذه الجملة مفهوم – إنّه إذا لم يبلغ کرًّا يتنجس .
وعلى هذا يمكن تعريفها بما يلي: المنطوق: «هو حكم دل عليه اللفظ في محل النطق» (48) .
والمفهوم: «هو حكم دل عليه اللفظ لا في محل النطق». والمراد من الحكم: الحكم بالمعنى الأعم، لا خصوص أحد الأحكام (49).
وعرفوهما (المفهوم والمنطوق )أيضًا: بأنّهما حکم مذکور وحكم غير مذكور، وأنّهما حكم المذكور وحكم لغير مذكور، وكلّها لا تخلو عن مناقشات طويلة الذيل، والذي يهون الخطب أنّها تعريفات لفظيّة لا يقصد منها الدّقة في التّعريف (50).
كما في قوله تعالى: ﴿ وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾(51)، والآية مكية أيضًا، وكأنَّ النّاس لم يكونوا متنبهين بما فيه من الحرمة الكبيرة حتى نزل قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾(52)، و الآية مدنية وهي تمنع الناس بعض المنع عن الشرب و السكر في أفضل الحالات وفي أفضل الأماكن و هي الصلاة في المسجد.
و الاعتبار وسياق الآية الشريفة يأبى أن تنزل بعد آية البقرة وآيتي المائدة، فإنهّما تدلان على النهي المطلق، ولا معنى للنّهي الخاص بعد ورود النهي المطلق، على أنّه ينافي التدريج المفهوم من هذه الآيات فإنّ التدريج سلوك من الأسهل إلى الأشق لا بالعكس (53).
و قوله: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾(54)، الى إلخ، تفريع على ما قبله باعتبار دلالته على انقطاعهم عن الجواب وعلى ذلك فمعناه: فمن أظلم منكم، ويكون قوله: ﴿ مِمَّنِ افْتَرَىٰ ﴾ إلخ، كناية عن المشركين المخاطبين ووضع موضع ضمير الخطاب الراجع إليهم ليدل به على سبب الحكم المفهوم من الاستفهام الإنكاري والتقدير: لا أظلم منكم لأنكم افتريتم على الله كذبًا لتضلوا الناس بغير علم، وإذ ظلمتم فإنكم لا تهتدون إن الله لا يهدي القوم الظالمين (55).
أقسام المفهوم: ينقسم المفهوم الى مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة :
أولًا- (مفهوم الموافقة) : ما كان الحكم في المفهوم موافقًا في السنخ للحكم الموجود في المنطوق، فإنّ كان الحكم في المنطوق الوجوب – مثلًا – كان في المفهوم الوجوب أيضًا، وهكذا.
كدلالة الأولويّة في مثل قوله تعالى: «ولا تقل لهما أف» على النهي عن الضرب والشّتم للأبوين ونحو ذلك مما هو أشد إهانة وإيلامًا من التأفيف المحرم بحكم الآية (56). وقد يُسمّى هذا المفهوم (فتوى الخطاب)، ولا نزاع في حنية مفهوم الموافقة، بمعنى دلالة الأولويّة على تعدي الحكم إلى ما هو أولى في علة الحكم :
- فحوى الخطاب: ويقصد به أنّ المسكوت عنه أقوى في الحكم من المنطوق به (57)، كما ذكر قوله تعالى في شأن الوالدين: ﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا﴾(58)، ففحوى الخطاب هنا هو النّهي عن الإيذاء بالضرب، أو الشّتم ، أو السّخرية، وهذه الأمور أقوى في التّحريم من كلمة التّضجر (أف)، وقد عدّ الشّرع الإسلامي عقوقهما من المعاصي الكبيرة الموبقة(59)، وكذلك ما تضمّنه قوله تعالى في شأن بيان المحرمات من النساء: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ﴾(60)، فالنّص يدلُّ على حرمة الزواج ممَّن ذكرن؛ لعلة النسب القوي، ويدلُّ فحواه على تحريم أخريات لم يُذكرنَ؛ لأنهنَّ أقوى في النسب ممَّن ذُكرن؛ فيحرَّم الزواج من الجدات ؛ لأنَّه ذكر من هنَّ أقل منهنَّ كالخالات، والعمات، وكذلك سدلَّ الخطاب بفحواه على تحريم الزواج من بنت الابن ، وبنت البنت ؛ لأنَّه حرَّم من هنَّ أقلُّ منهنَّ في علّة الحكم ، وهنَّ بنات الأخ، وبنات الأخت (61).
- لحن الخطاب: ويعني أنّ المسكوت عنه مساويًا في الحكم للمنطوق به (62)، كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ (63) الذي دلَّ على حرمة إحراق أموال اليتيم، أو إتلافها، أو تبذيرها عليه، أو على غيره، ومثله كذلك ما ورد في قوله تعالى: ﴿ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾(64)، فقد قيّد القتل بالخطأ في إيجاب الكفارة ؛ ليدلُّ على أنَّ إيجابها في العمد أولى.
ثانيًا: مفهوم المخالفة: ويقصد به دلالة اللفظ على ثبوت نقيض حكم المنطوق للمسكوت عنه؛ لانتفاء قيد من القيود المعتبرة(65)، أو ما كان الحكم فيه مخالفًا في السنح للحكم الموجود في المنطوق(66)، وله موارد كثيرة وقع الكلام فيها أذكرها بالتفصيل، نحو قوله تعالى: ﴿ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾(67)، فالحكم المستفاد عن طريق المخالفة: أنَّ المطلّقة غير الحامل لا نفقة لها. ولها أنواع منها: 1- مفهوم الوصف. ۲ – مفهوم الشّرط. 3 – مفهوم الغاية. 4 – مفهوم الحصر . 5 – مفهوم العدد . 6- مفهوم اللقب .
ثانيًّا: الدّلالات السياقيّة: يذكر الفقهاء والأصوليون دلالة الاقتضاء والتنبيه والإشارة كثيرًا، ولكن لم تشرح هذه الدّلالات في أكثر الكتب الأصوليّة المتعارفة، والبحث عنها يقع من جهتين: الأولى في مواقع هذه الدّلالات الثلاث وأنّها من أي من قسم أقسام الدّلالات، والثانية في حجيتها.
الجهة الأولى- مواقع الدّلالات الثلاث قد تقدم أنّ (المفهوم هو مدلول الجملة التّركيبيّة اللازمة للمنطوق لزومًا بيّنًا بالمعنى الأخص ويقابله (المنطوق) الذي هو مدلول ذات اللفظ بالدّلالة المطابقيّة
ولكن يبقى هناك من المدلولات ما لا يدخل في المفهوم ولا في المنطوق اصطلاحًا، کما إذا دل الكلام بالدّلالة الالتزاميّة على لفظ مفرد أو معنى مفرد ليس مذكورًا في المنطوق صريحًا، أو إذا دل الكلام على مفاد جملة لازمة للمنطوق إلّا أنّ اللزوم ليس على نحو اللزوم البيّن بالمعنى الأخص، فإنَّ هذه كلها لا تسمى مفهومة ولا منطوقة، وإنّما الأنسب أن تسمى- على وجه العموم – (الدّلالة السياقيّة)، وهذا التعبير يجري في لسان جملة من الأساطين لتكون في مقابل الدّلالة المفهوميّة والمنطوقيّة (68).
والمقصود بها: أنّ سياق الكلام يدل على المعنى المفرد أو المركب أو اللفظ المقدر، وقسّموها الى الدّلالات الثلاث المذكورة: دلالة الاقتضاء والتّنبيه والإشارة.
حجية هذه الدّلالات:
إنّ دلالة (الاقتضاء والتنبيه)، لا شك في حجيتهما إذا كانت هناك دلالة وظهور؛ لأنّه من باب حجيّة الظواهر، أمّا دلالة (الإشارة) فحجيّتها من باب حجية الظواهر محل نظر وشك، الأن تسميتها بالدّلالة من باب المسامحة، إذ المفروض أنها غير مقصودة والدّلالة تابعة للإرادة، وحقها أن تسمى إشارة وإشعارًا فقط بغير لفظ الدّلالة فليست هي من الظواهر في شيء حتى تكون حجة من هذه الجهة .
نعم هي حجة من باب الملازمة العقليّة حيث تكون ملازمة، فيستكشف منها لازمها سواء أكان حكمة أم غير حكم، كالأخذ بلوازم اقرار المقر وإن لم يكن قاصدة لها أو كان منكرًا للملازمة (69).
المطلب الخامس : تبعية الدّلالة الالتزاميّة للدلالة المطابقيّة
هذه القاعدة لم يشر اليها كتاب (الكفاية) أو (الرسائل) ومفادها: هل تسقط الدّلالة إذا سقطت الدّلالة المطابقيّة عن الحجيّة ؟ اختلف العلماء في ذلك وظهر اتجاهان: الأول: ذهب الميرزا النائيني إلى عدم التبعية، وذكر لذلك دليلًا حاصلًا : أنّ سقوط الدّلالة المطابقيّة لا يلزم منه سقوط الالتزاميّة إذ إن سقوط المطابقيّة عن الحجيّة لمانع أو لنكتة أخرى نحو كذب الراوي ، أو تعارض الدليل المطابقي مع آخر ، وهذا لا يسوغ سقوط الثاني عن الحجيّة (70)، ويناقش الإيرواني هذا الدّليل بقوله : “إنْ صَدَق عنوان الخبر عرفًا فرع القصد، فإذا لم يكن المتكلم قاصدًا للإخبار فلا يصدق عنوان الخبر، فمثلًا لو جاء شخص وقال: (نزل المطر)، فهنا يوجد قصد للإخبار عن نزول المطر، فيصدق عنوان الخبريّة، ولكن للمطر لوازم منها: طهارة الأرض النّجسة، ونزل من الميزاب، وخرب البيوت الضعيفة … إلخ فهل المتكلم عُرفًا يصدق عليه أنّه أخبر بخبر واحد وهو المدلول المطابقي، أو أنّه أخبر عن المطابقي بخبر وعن الالتزامي بآخر، فإنّ العرف لا يحتمل التعدد بل يفهم العقلاء الخبر المطابقي الذي يُقصد بالخبريّة من دون الالتزامي ؛ لعدم صدق القصد، والمدلول الالتزامي ربما يكون المخبر غافلًا عنه بشكل كلي ولم يقصد الإخبار عنه ” (71).
الثاني: القول بالتبعيّة، وقد تبنى هذا القول الخوئي والصدر، مفاده : أنّ المدلول الالتزامي تبعًا له ولكل من العلمين بيان خاص به، أ- بيان الخوئي : أنّ المدلول الالتزامي ، وإن كان مرة أعم وأخرى مساويًّا، والأعم مثل الموت الذي هو لازم أعم لدخول النار ، إذ إن الموت يتحقق مع القتل أو الغرق، وقد يتحقق مع دخول النار، وهذا التقريب محصله : أنّ كل إخبار باللازم يرجع إلى اللازم المساوي ، فإذا قال: دخل زيد النار، فقد أخبر بالمدلول المطابقي ( دخول النار) وحصة خاصة من الموت المقيد بدخول، ولا بدّ أن يسقط معه المدلول الالتزامي (72).
ب- بيان الصدر: أن نكتة حجية الخبر هي استبعاد اشتباه المخبر في حسه، فإذا جاءنا شخص وقال : ( نزل المطر)، فسوف نأخذ بخبره ؛ لكونه من البعيد أنه اشتبه فتصور أن المطر ينزل، وإذا ظهر أنّ المخبر مشتبه في إخباره المطابقي لا يبنى على إخباره وعدم الاعتماد عليه، فلا يكون هناك مدلول الالتزامي؛ لعدم احتمال حصول اشتباهين من المخبر، بل اشتباه واحد، فلا يبقى للمدلول الالتزامي حجيّة ، لعدم وجود النكتة (73).
وردّ الإيرواني على ما ذهب إليه أصحاب هذا الاتجاه قائلًا : هذا الكلام يتم إذا فُرض أن المورد من السبب والمسبب، بمعنى أن المدلول المطابقي للالتزامي، فإذا سقط السّبب يسقط المسبب، نحو من أخبر بوقوع قطعة بول ( سبب النجاسة) فقد أخبر بتحقق النجاسة؛ لوجود السببيّة، وقد لا تكون هناك سببية فيكون المدلول المطابقي ليس سببًا ، والالتزامي مسببًا : فمثلًا إذا أخبر أن صلاة الجمعة واجبة ، فالوجوب مدلول مطابقي والالتزامي ( ليست مكروهة ولا مستحبة ).
فالإيرواني يوافق أستاذيه الخوئي والصدر في سقوط الدّلالة الالتزاميّة تبعًا للمطابقيّة، وإن اعترض عليها في تقرير الدليل إذ ذكر دليلًا في غاية الوضوح وبعيدًا من التعقيدات الأصوليّة والمصطلحات الفلسفيّة كما هي عادته في ذكر المطالب، إذ قال: إنّ المدرك المهم لحجيّة الخبر السيرة العقلائيّة ، فإذا رجعنا إلى السيرة نقول: إنها دليل لبّي، وفي مورد سقوط الدّلالة المطابقيّة عن الحجيّة فإنّ العقلاء لا يلتزمون ببقاء المدلول الالتزامي، أو يترددون فيُقتصر على المقدر المتيقن من السيرة، في حالة فرض أن المدلول المطابقي لم يسقط عن الحجيّة، فأنذاك يُؤخذ بالمدلول الالتزامي، فإن سقط عن الحجية فالالتزامي لا يعود له مدرك للحجيّة(74)، وهذا الدليل الذي ذكره الإيرواني واضح يتبادر فهمه إلى الذّهن على الرغم من اختصاره.
الخاتمة: بعد أن درسنا الدّلالة الالتزاميّة من وجهة نظر الأصوليين ، توصل الباحث الى نتائج عدة منها :
- أنّ الدّلالة وصف للدّال، والفهم وصف للفاهم لذا صحّ الفهم السابق للدلالة أنّها: «كون أمربحيث يفهم منه أمر آخر».
- ارتبط البحث الدلالي عند الأصوليين ارتباطًا شديدًا بفهم المسالك التي تؤدي إلى الأحكام المراد استنباطها، ولتحقيق ذلك انصبت جهودهم في دراسة الألفاظ وعلاقتها بمعانيها بالإفراد والتركيب، كما اتجهوا إلى أوجه الأدلة وارتباطها بمدلولاتها، ملمين بمقتضيات الخطاب، لذا اشترطوا أن يكون الأصولي متمكنًا من دقائق اللغة العربية، وملمًّا بالمقاصد الشرعية، وهما يمثلان محورًا دلاليًّا ، سواء تعلق الأمر بالدّلالة اللفظيّة أم الدّلالة المقاصديّة.
وبهذا يتضح أنّ العلاقة بين النّحو والمنطق قائمة، وأن اللفظ والمعنى لا يمكن الفصل بينهما.
- ومفهوم الالتزام في البساط اللغوي، یراد به الاعتناق، والمداومة للشيء، یقال: ” لزمت الشيء بالكسر لزومًا ولزامًا، ولزمت به ولازمته وألزام الملازمة، ویقال صار كذا ضربة لازم لغة في ضربة لازب، وألزمه الشيء و التزمه، والالتزام أیضًا الاعتناق” .
3.أمّا في اصطاح الأصوليين : وهي دلالة اللفظ على معنى خارج عن المعنى الموضوع له اللفظ إلّا أنّه لازم له، على أن يكون هذا التلازم بين المعنى الموضوع له اللفظ وبيّن المعنى الخارج عن المعنى الموضوع له اللفظ بنحو اللزوم الذّهني، بمعنى أن يكون موطن التلازم بين المعنيين هو الذّهن، فلو كان التلازم في الخارج من دون الذّهن فإن الدّلالة الالتزاميّة لا تحصل من ذكر أحد المتلازمين خارجين، فلو افترضنا أن شخصًا لا يعلم أن للنار خاصية هي الإحراق فإن الإحراق حينئذ لا يكون مدلولا التزاميًّا للفظ النار، كما أنّه لا يلزم أن يكون بين المعنيين تلازم واقعي خارج بل لو كان بينهما خارج تمام التباين إلّا أنّ تصور أحدهما يلازم في عالم الذّهن تصور الآخر، فإن هذا يكفي في حصول الدّلالة الالتزاميّة عند إطلاق اللفظ الموضوع للمعنى الملزوم.
فالعمى والبصر وإن لم يكن بينها تلازم خارج بل بينها تمام المعاندة إلا إنَّها متلازمان ذهنًا، ولهذا يلزم من ذكر أحدهما تصور المعنى الآخر، ويكاد يذهب علماء الإماميّة الى تعريف عند المناطقة نفسه .
- في حين يرى أبناء العامة أنها: هي دلالة اللفظ على لازم المسمى الذّهني، وهي تشمل دلالة الاقتضاء، ودلالة الإشارة، ودلالة الإيماء، إذن فالالتزام هو أثر من آثار الدّلالة بسبب انتقال الذّهن إلى خارج المسمى، وعرفها القرافي بقوله: «ودلالة الالتزام هي إفهام اللفظ للسامع مع لازم المسمى البين».
- و للدلالة الالتزاميّة اقسامٌ عديدة من أكثره أهمّيّة: البين بالمعنى الأعم ( وهو ما يصطلح عليه بالمنطوق الصريح في علم الأصول)، والبين بالمعنى الأخص ويشمل المفهوم وأقسامه من الشرط واللقب والحصر والغاية والوصف (وهي مايندرج تحت اقسام مفهوم المخالفة)، وغير البين بالمعنى الأخص وتشمل الدّلالات السياقيّة : دلالة الإشارة، والتنبيه، والإيماء .
6.ذهب العلماء منهم الخوئي والصدر ووافقهم الشيخ الايرواني الى سقوط الدّلالة الالتزاميّة تبعًا للمطابقية، إذ ذكر الإيرواني دليلًا في غاية الوضوح وبعيدًا من التعقيدات الأصوليّة والمصطلحات الفلسفية، إذ قال : إن المدرك المهم لحجيّة الخبر السيرة العقلائيّة، فإذا رجعنا إلى السيرة نقول : إنّها دليل لبّي، وفي مورد سقوط الدّلالة المطابقيّة عن الحجية فإنّ العقلاء لا يلتزمون ببقاء المدلول الالتزامي، أو يترددون فيُقتصر على المقدر المتيقن من السيرة، في حالة فرض أن المدلول المطابقي لم يسقط عن الحجيّة ، فآنذاك يُؤخذ بالمدلول الالتزامي، فإن سقط عن الحجيّة فالالتزامي لا يعود له مدرك للحجية(75)، وهذا الدليل الذي ذكره الإيرواني واضح يتبادر فهمه إلى الذّهن على الرّغم من اختصاره.
الهوامش
- ظ : الغزالي ، المستصفى ،180.
- لسان العرب ، 13/264، والمصباح المنير ، 1/ 199، والكليات ، 439، والمعجم الوسيط ، 1/294.
- لسان العرب ، 13/264
- التعريفات ، 1/120.
- ظ : المصدر نفسه ،121.
- الشاطبي ، الموافقات : 2 / 57.
- المصدر نفسه ،211.
- ابن سينا ، الشفاء ،96.
- الشاطبي ، الموافقات : 2 / 57-58.
- المظفر ، اصول الفقه ، 434.
- الخصائص: 2 / 135 – 136 ط دار الكتب المصرية.
- شرح مختصر المنتهى الأصولي وحواشيه 1: / 193 ط 1393 ه.
- المحصول: 1 / 181 – 182 ط 2.
- المحصول: 1 / 181 – 182 ط 2.
- منتقى الأصول: 1 / 52 – 53 ، ط 1.
- المصدر نفسه: 1 / 14 ، ط 2.
- حاشية المشكيني على كفاية الأصول 1 / 11.
- المصدر نفسه: 1 / 10.
- منتهى الأصول: 1 / 15.
- حاشية المشكيني على كفاية الأصول: 1 / 11.
- الصدر ، دروس في علم الأصول ، 77 – 79.
- ظ: دلالة الألفاظ، ، 68.
- المعجم الوسيط ، مادة (لزم).
- محمد بن أبي بكر الرازي،مختار الصحاح ، تح : محمود خاطر ، مكتبة لبنان بیروت:س ط 1995،مادة لزم ،612.
- محمد صنقور ،المعجم الأصولي،127.
- زكريا الأنصاري: الحدود الأنيقة، 1. 79
- القرافي: نفائس الأصول، /2 546 2.
- عبد العزيز البخاري: كشف الأسرار، /1 167 3.
- ابن القيم: إعلام الموقعين، /1 138
- فصلت : 39.
- الأنعام : 82.
- الطباطبائي ، الميزان :1/29.
- البقرة : 62.
- ظ : الطباطبائي ، الميزان :1/192 .
- الآمدي : الاحكام ، 1/32.
- ظ : الامدي : الاحكام ، 1/ 33.
- ظ: شرح المختصر في فن المنطق ،37.
- الانعام : 91.
- الميزان ، الطباطيائي :17/ 292.
- المظفر ، المنطق ،23.
- المائدة :7.
- المظفر ، المنطق ،23.
- ظ : المظفر ، اصول الفقه ، 1/ 101.
- محاظرات في أصول الفقه ، محمد اسحاق الفياض : 5/59.
- المصدر نفسه ،5/59.
- ظ : المظفر ، المنطق ، 1/ 79 .
- فقه الشيعة ، كتاب الطهاره ، 1/132.
- عضد الدين الإيجي ،شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ،157.
- ظ : المظفر ، اصول الفقه ، 1/102.
- ظ : المظفر ، اصول الفقه ، 1/102.
- النحل : 67
- النساء: 43.
- ظ : الطباطبائي ، الميزان ، 5 /219.
- الانعام : 144.
- ظ : الطباطبائي ، الميزان :10/29 .
- المظفر ، اصول الفقه ، 1/104.
- ظ : الشوكاني ، إرشاد الفحول الى تحقيق الحق من علم الأصول :2/37.
- الاسراء : 23.
- ظ : مفاتيح الأصول ، السيد محمد المجاهد ، 1/668
- لنساء : 23.
- ظ : مفاتيح الأصول ، السيد محمد المجاهد ، 1/668.
- ظ : السيوطي ، الاتقان في علوم القرآن ، 2/63.
- ظ: الشوكاني ، إرشاد الفحول الى تحقيق الحق من علم الأصول :2/37.
- النساء : 10.
- النساء : 92 .
- ظ : مختصر ابن الحاجب ، 142.
- ظ : اصول الفقه ، المظفر ، 1/104.
- الطلاق : 6.
- ظ : اصول الفقة : 1 / 230.
- ظ :المصدر نفسه: 1/ 124. 125.
- ظ : الخراساني ، محمد كاظم / فوائد الأصول ، 4/755.
- الإيرواني / بحث الخارج ، درس 29/ رجب/1436ھ.
- ظ : الخوئي / محاضرات في علم الأصول ، 3/76 ، وأحمد كاظم البهادلي / مفتاح الأصول ، 3/369.
- ظ : الإيرواني / الحلقة الثالثة في أسلوبها الثاني ، 1/166، وحسن فياض العاملي / شرح الحلقة الثالثة ، 1/229.
- ظ : الإيرواني ، محمد باقر / بحث الخارج ، درس 4/شعبان/1436ھ.
المصـــــــادر والمراجــــــــــع
- الاتقان في علم القرآن ، عبد الرحمن بن ابي بكر جلال الدين السيوطي ت (922ه) ت : محمد ابو الفضل ابراهيم ، ط1، 1394ه1974م. نشر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب .
- ارشاد الفحول الى تحقيق الحق من علم الأصول ، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله ( 1250ه) ت : احمد عزدا عتاية ، دار الكتاب العربي ، دمشق – سوريا ، ط 1 ، 1419ه – 1966م.
- اعلام الموقوفين عن رب العالمين ، محمد بن ابي بكر بن ايوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزيه ت (75ه) ت : محمد عبد السلام ابراهيم نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، ط 1 ، 1411ه-1991م.
- التعريفات ، علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني ( 816ه) ، ت : جماعة من علماء بإشراف الناشر ، نشر : دار الكتب العلمية ، ط 1 ، 1403ه-1983م ، بيروت – لبنان.
- حاشية المشكيني على كفاية الأصول ، مشكيني الميرز ابو الحسن ت : سامي الخفاجي ، نشر : انتشارات لقمان ، قم – ايران ، 1415ه.
- الحدود الإنيقة والتعريفات الدقيقة ، زكريا بن محمد بن أحمد بن أحمد بن زكريا الإنصاري ( ت926ه) ، ت : د.مازن المبارك ، نشر : دار الفكر المعاصر ، بيروت – لبنان ، ط1 ، 1411ه.
- الحلقة الثالثة في أسلوبها الثاني ، ط1 ، منشورات المحبين / 1429ھ.
- الخصائص ، ( أبو الفتح ) عثمان بن جني الموصلي ، ( ت 392ه) ، نشر : الهيئة المصرية العامة للكناب ،ط 4، 1027ه.
- دروس في علم الأصول ، محمد باقر الصدر ( ت 1400ه) ، ط2،1406ه-1986م.
- دلالة الإلفاظ ، ابراهيم انيس ، نشر : مكتبة الإنجلوا المصرية ، ط5، 1427ه- 1998م. بيروت – صيدا.
- شرح الحلقة الثالثة ، حسن الفياض العاملي ، ط1 ، منشورات : دار المصطفى لإحياء التراث / بيروت ، 1428ھ.
- شرح الشافية ابن الحاجب ، تح : محمد نور حسين وآخرون ، دار الكتب العلمية، (د.ط) / بيروت ، 1402ھ.
- شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ، عضد الدين الإيجي ت ( 756ه) ، دار ابن حزم .
- شرح مختصر المنتهى الأصولي وحواشية ، ( لابي عمرو ) عثمان بن الحاجب المالكي ( ت 646ه) ، عضد الدين عبد الرحمن المالكي الإيجي ( ت 756ه) ، ط1 ، 1363ه ، دار الكتاب العربي ، بيروت – لبنان .
- الشفاء ، ابو علي بن سينا ، ( ت ) ، ت : زكريا يوسف ، المطبعة الإميرية بالقاهرة ، 1956م.
- فقه الشيعة ، محمد مهدي الموسوي الخلخالي ، ط 3 ، 1410ه ، مطبعة الإداب ، النجف الإشرف.
- كشف الاسرار عن اصول فخر الاسلام البزودي ، علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري (ت 730ه) ، دار الكتاب العربي ، 1308 ، بيروت – لبنان .
- الكليات معجم في المصطلحات والفوارق اللغوية ، أبو البقاء ، ايوب بن موسى الحسيني الفريمي الكوفي الحنفي ( ت 1094ه) ، ت : عدنان الدرويش ومحمد المصري ، ط 1 ، نشر : مؤسسة الرسالة ، 1419ه-1998م ، سوريا – دمشق.
- لسان العرب ، ابو الفضل محمد بن مكرم بن علي جمال الدين ابن منظور الإنصاري الرويفعي ( ت 711ه) ، ط 1، دار المعارف ، 129ه.
- محاضرات في علم الأصول ، ( تقرير لابحاث السيد ابو القاسم الخوئي ) ، محمد اسحاق الفياض، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة .
- محاضرات في اصول الفقه ، محمد اسحاق الفياض ( ت 1413ه) ط 1 ، 1419ه – نشر : أنصاريات.
- المحصول ، ( ابو عبدالله ) محمد بن عمر بن الحسن الحسين التميمي الرازي ( ت 606ه) دراسة وتحقيق : د.طه جار فياض العاملي ، نشر : مؤسسة الرسالة ، ط3 ، 1418ه-1997م.
- مختار الصحاح ، ( ابو عبد الله ) محمد بن ابي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي ( ت 666ه) ، ت : يوسف الشيخ محمد ، نشر : المكتبة المصرية .
- المستصفى ، ابو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي ( ت 505ه) ، ت : محمد عبد السلام عبد الشافي ، نشر : دار الكتب العلمية ، القاهرة – مصر .
- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ، ابو العباس احمد بن محمد بن علي الفيومي الحموي ( ت770ه) ، ت : عبد العظيم الشناوي ، دار المعارف – القاهرة ، ط 2 ، 1250ه.
- المعجم الأصولي ، محمد صنقور علي البحراني ، نشر : منشورات نفس ط2 ، مطبعة عترت ، 1426ه.
- المعجم الوسيط ، نخبة من اللغويين بمجمع اللغة العربية بالقاهرة ، نشر : مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، ط2 ، 1392ه ، مصر – القاهرة.
- مفتاح الأصول إلى علم الأصول ، احمد كاظم البهادلي ، ط1 ، دار المؤرخ / 1424ھ.
- منتقى الأصول ، عبد الصاحب الحكيم ، مؤسسة ال البيت (ع) ط1، مكتبة مدرسة الفقاهة ، النجف الإشرف.
- منتهى الأصول ، حسن بن علي اصفر الموسوي البجنوردي ت (1379ه) ، مطبعة الإداب ، النجف الإشرف ، مكتبة الروضه الحيدرية ، 1388ه.
- المنطق ، محمد رضا المظفر ( ت 1388ه ) ، ط : جماعة المدرسين دار العلوم للتحقيق للطباعة والنشر .
- الموافقات ، ( ابو اسحاق ) ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي ، ( ت790ه)، ت : ابو عبيدة مشهور بن حسن ال سلمان ، تقويم : بكرين عبد الله ( ابو زيد 1 ، نشر : دار ابن عفان .
- الميزان في تفسير القرآن ، محمد حسين الطباطبائي ( 1321ه – 1402ه) ، منشورات : مؤسسة الاعلمي للمطبوعات ، ط1 ، 1997م.
[1] – طالبة دكتوراه في كلية الالهيات ومعارف آهل البیت (علیهم السلام ) قسم علوم القرآن والحديث جامعة اصفهان إيران (البحث مستل من أطروحة الدكتوراه)
– PhD student at the Faculty of Theology and Knowledge of the People of the House (peace be upon them), Department of Qur’anic and Hadith Sciences, University of Isfahan , Iran (the research is taken from a doctoral thesis Email: noralhudaalnlyazee@gmail.com)
[2] – أستاذ مشارك في كلية الإلهيات ومعارف أهل البيت قسم علوم القرآن والحديث جامعة اصفهان إيران ( الكاتب المسؤول)
– Associate Professor at the Faculty of Theology and Knowledge of Ahl al-Bayt, Department of Qur’anic and Hadith Sciences,University of Isfahan , Iran (responsible writer) Email: r.shokrani@ltr.ui.ac.irl
[3] – أستاذ مشارك في كلية العلوم الإسلامية جامعة ذي قار العراق .
raad. Kadhum. islsh@utq.iq Email: .- Associate Professor at the College of Islamic Sciences, Dhi Qar University, Iraq