استخدام النّسبة الذّهبيّة كأداة تصميم في العمارة الحديثة والمعاصرة
دراسة تطبيقها وإدراكها وتأثيرها
The Golden Ratio in Modern and Contemporary Architecture:
Examining its Application, Perception, and Influence
Dr. Johane G. Sleiman د. جوهان ج. سليمان
الملخص:
إنّ تطبيق النّسبة الذّهبيّة في الهندسة المعماريّة المعاصرة والتصميم الداخلي، هو ممارسة متجذرة في الأهمّيّة التّاريخيّة لهذه النّسبة، والتي يعود تاريخها إلى الحضارات القديمة وكان تبجيلها لصفاتها الجماليّة والرّياضيّة. يستكشف هذا البحث الاستخدام الحديث للنسبة الذّهبيّة كأداة تصميم، مع التركيز بشكل خاص على تأثيرها على الممارسات المعماريّة. وتبحث هذه الورقة في ما إذا كان دمج النّسبة الذّهبيّة في التصاميم المعماريّة يؤثر على جودة المنتج النّهائي في الشكل والوظيفة، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف. اقتُرِحت العديد من الفرضيات، ما يشير إلى أن النّسبة الذّهبيّة تعزز الانسجام البصري والأناقة والتماسك المكاني وتجربة المستخدِم داخل المساحات المعماريّة. من خلال تحليل دراسات الحالة وإجراء الفحوصات المعرفيّة، يسعى هذا البحث إلى الكشف عن العلاقة بين النّسبة الذّهبيّة والإدراك البشري للجماليات في الهندسة المعماريّة والهندسة الدّاخليّة؛ من خلال دراسات الحالة هذه، تتوضح الطرق المتنوعة التي بها يُستخدَم النّسبة الذّهبيّة. بالإضافة إلى ذلك، تستكشف هذه الورقة الاستخدام المعاصر للنسبة الذّهبيّة وآثارها على ممارسة التصميم في هذا المجال. تساهم النتائج في فهم أعمق لدور النّسبة الذّهبيّة في التصميم المعماري وتسلط الضوء على كيفيّة تطبيقها في التصميمات الدّاخليّة. في حين أن تطبيق هذه النّسبة لا يزال ذاتيًّا ومفتوحًا للمناقشة، لا تزال النّسبة الذّهبيّة إطار قيم لتحقيق التوازن والانسجام المكاني في التصميم المعماري المعاصر.
الكلمات المفاتيح:النّسبة الذّهبيّة. الهندسة المعماريّة. الهندسة الدّاخليّة. الإدراك البشري. الانسجام النّسبي.
Abstract
The application of the Golden Ratio in contemporary architecture and interior design is a practice rooted in historical significance, dating back to ancient civilizations and revered for its aesthetic and mathematical qualities. This paper explores the modern utilization of the Golden Ratio as a design tool, with a particular focus on its implications on architectural practices. This research investigates whether the incorporation of the Golden Ratio in architectural designs influences the quality of the final product in terms of form and function, and if so, how. Several hypotheses are proposed, suggesting that the Golden Ratio enhances visual harmony, elegance, spatial coherence, and the user experience within architectural spaces. By analyzing case studies and conducting cognitive examinations, this research seeks to reveal the relationship between the Golden Ratio and the human perception of aesthetics in architecture and interior architecture. Through these case studies, it demonstrates the diverse ways in which the Golden Ratio is employed in recent architectural projects. In addition, the paper explores the contemporary use of the Golden Ratio and its implications for design practice in this area. The results contribute to a deeper understanding of the role of the Golden Ratio in architectural design and highlight how it could be applied in interiors. While its application remains subjective and open to discussion, the Golden Ratio continues to serve as a valuable framework for achieving proportion, balance, and spatial harmony in contemporary architectural design.
Key words: Golden Ratio. Architecture. Interior Architecture. Human Perception. Proportional Harmony.
المقدمة
لا يزال استخدام النّسبة الذّهبيّة كأداة تصميم في العمارة المعاصرة يلهم المهندسين المعماريين والداخليين ويشكل البيئة المبنيّة في مختلف البلدان، ويمكن إرجاع الأهمّيّة التّاريخيّة للنسبة الذّهبيّة إلى الحضارات القديمة، مثل المصريين واليونانيين. هذه النّسبة هي معادلة رياضيّة اكتشفت في الطبيعة المخلوقة قبل الآف السنين، وقديمًا كانت تسمى بالنّسبة الإلهيّة، ولقد أخذت هذه التسمية لصفاتها الجماليّة وقدرتها على إنشاء تصاميم متناغمة تصل الى حد الكمال، والجمال المثالي والكمال الرياضي. لقد أشار المهندس المعماري اليوناني فيتروفيوس إليها في كتابه حول الهندسة المعماريّة، مسلطًا الضوء على أهميتها في إنشاء مبان متناسبة بشكل جيد.
أهمية البحث: يوفر فهم خلفية وأهمية النّسبة الذّهبيّة أساسًا لاستكشاف تطبيقها وآثارها في مختلف المجالات الفنية. إن تطبيقها يسمح بتقدير أعمق للتفاعل بين الرياضيات وعلم الجمال والإدراك البشري، ويعزز المناقشات حول دور التناسب والانسجام في إنشاء تصميمات جذابة بصريًّا ونفسيًّا. ومعلوم أنّ هندسة العمارة تتطور باستمرار، وتحتضن تقنيات جديدة وفلسفات تصميم مبتكرة، ووسط هذا التطور، لا يزال المهندسون يجدون الإلهام في المبادئ القديمة، وخاصة النّسبة الذّهبيّة.
أ اهتمامي الشخصي بالنّسبة الذّهبيّة، فيعود الى أهميتها في التثقيف الجامعي، لقد كانت إحدى المواد التي درستُها في أيام تخصصي في الهندسة الدّاخليّة في التسعينيات من القرن العشرين، واليوم أنّا أدّرس هذه النّسبة منذ أكثر من عشرة أعوام في الجامعة اللبنانيّة. لا يمكن أن ننكر مدى اهميتها في صقل فكر الطالب ومساعدته على تصميم متوازن، جميل ومؤثر بطريقة إيجابيّة للناظر أو لشاغل بناء معين. كما أنّ تدريس النّسبة الذّهبيّة، امتد الى مناهج العمارة، الرّسم، التصميم الجرافيكي وغيرها من الفنون. ومن هنا ارتأيت أنّه من الواجب القاء الضوء عليها وتسهيل فهمها وإعادة احيائها في المبادئ الهندسيّة.
الإشكاليّة: يسعى هذا البحث بشكل عام إلى كشف الأهمّيّة التّاريخيّة للنسبة الذّهبيّة وتطبيقها المعاصر في الهندسة المعماريّة والدّاخليّة، مع تسليط الضوء على فوائدها المحتملة وكيف تؤثر على الجوانب الجماليّة والوظيفيّة للمشاريع المعماريّة، وتتعمق هذه الورقة في دراسة التطبيق الحديث والمعاصر للنسبة الذّهبيّة كأداة تصميم. من هذه الإشكاليّة يأتي السؤال الآتي: هل يؤثر استعمال النّسبة الذّهبيّة في التصاميم المعماريّة على جودة المنتج النهائي في الشكل والوظائف؟ وكيف؟
فرضيات البحث: في حين أن النّسبة الذّهبيّة قد طُبِّقت تاريخيًّا لخصائصها الجماليّة، فيما يلي بعض الفرضيات المتعلقة باستخدام النّسبة الذّهبيّة في الهندسة المعماريّة والدّاخليّة المعاصرة:
• تثير المباني المصممة باستخدام النّسبة الذّهبيّة شعورًا بالانسجام البصري والتوازن، ما يؤدي إلى بيئة أكثر متعة وتهدئة للشاغلين.
• يساهم وجود النّسبة الذّهبيّة في التفاصيل المعماريّة، مثل الأفاريز، في الشّعور المتزايد بالأناقة والصقل في المساحة الدّاخليّة.
• يساهم تطبيق النّسبة الذّهبيّة في الواجهات المعماريّة والتخطيطات الدّاخليّة ووضع الأثاث والمكملات التصميمية في الشعور بالنظام والتماسك، ما يؤدي إلى تحسين العثور على الطريق والتنظيم المكاني، ويعزز الوظائف وسهولة الاستخدام.
• يُنظر إلى المساحات الدّاخليّة التي تلتزم بنسب النّسبة الذّهبيّة على أنّها أكثر اتساعًا وتناسبًا جيدًا، ما يعزز تجربة المستخدم وراحته بشكل عام، وتثير لديه استجابة عاطفيّة أقوى، ما يؤدي إلى تأثير أكثر عمقًا ودائمًا على تجربته العامة.
• يؤدي تطبيق النّسبة الذّهبيّة في توزيع الألوان الدّاخليّة إلى الإحساس بالتّوازن، ما يعزز أجواء الفضاء الدّاخلي وأجوائه.
أهداف البحث: يمكن تلخيص أهداف البحث على النحو الآتي:
• استكشاف الاستخدام الحديث للنسبة الذّهبيّة: يهدف البحث إلى التحقيق في كيفيّة استخدام النّسبة الذّهبيّة في الهندسة المعماريّة المعاصرة والتصميم الداخلي، بالنظر إلى أهميتها التّاريخيّة، واستكشاف آثارها المحتملة على ممارسة التصميم في هذا المجال.
• المساهمة في الفهم والتطبيق: من المتوقع أن تساهم نتائج البحث في فهم أعمق لدور النّسبة الذّهبيّة في التصميم المعماري، مع تسليط الضوء على كيفيّة تطبيقها في الهندسة المعماريّة الدّاخليّة، وما إذا كان دمج النّسبة الذّهبيّة في التصاميم المعماريّة يؤثر على جودة المنتج النهائي في الشكل والوظيفة.
• عرض توضيحي للتطبيق المتنوع: تهدف الورقة إلى توضيح الطرق المختلفة التي بها تُستخدَم النّسبة الذّهبيّة في المشاريع المعماريّة الحديثة، وعرض تطبيقها العملي.
المناهج: لا تخلو هذه الورقة من استخدام منهج التّحليل التاريخي لاستكشاف السّياق التاريخي وتطور تطبيق النّسبة الذّهبيّة في الهندسة المعماريّة. تتضمن هذه المنهجية فحص السوابق المعماريّة والنصوص التّاريخيّة والمهندسين المعماريين المؤثرين الذين استخدموا هذه النّسبة في تصاميمهم؛ ويلقى الضوء على دوافع ونوايا وتفسيرات النّسبة الذّهبيّة طوال التاريخ المعماري، وأهميتها في الممارسة المعاصرة. كما تستخدم هذه الورقة نهجي الوصف التّحليلي ودراسة حالة للتحقيق في استخدام النّسبة الذّهبيّة في الهندسة المعماريّة الحديثة، وقد تمّ تحلَّيل مجموعة مختارة من المشاريع المعماريّة البارزة وتمَّ وصفها والتي تتضمن النّسبة الذّهبيّة، أو تظهر تأثيرها في قرارات التصميم، وتشمل الأمثلة مجموعة متنوعة من الأنماط المعماريّة. يركز التّحليل على تطبيق النّسبة الذّهبيّة في العناصر المعماريّة المختلفة، مثل مخططات الطوابق والواجهات والأنظمة الهيكليّة والمساحات الدّاخليّة ومنها توزيع المفروشات والألوان. من خلال تحليل دراسات الحالة لتثبيت الفرضيات، توضح هذه الورقة البحثيّة الطرق المتنوعة التي فيها تُطبّق النّسبة الذّهبيّة في المشاريع المعماريّة الحديثة والمعاصرة.
مراجعة الأدبيات:عمل دوتشي (Doczi, Gyorgi) في كتاب THE POWER OF LIMITS Proportional Harmonies in Nature, Art, and Architecture هو استكشاف لمفهوم الحدود، الكتاب هو رحلة بصريّة وفكريّة تدعو القراء إلى التفكير في الروابط العميقة بين الرياضيات والفن والعالم الطبيعي. ينسج دوتشي، وهو مهندس معماري وفنان مشهور، رؤى حول الهندسة والجماليات والفلسفة. هي رحلة إلى عالم التناسب والانسجام وجماليّات الطبيعة والفن والهندسة المعماريّة.
أمّا الكتاب الثاني The Golden Ratio: The Story of Phi, the World’s Most Astonishing Number لماريو ليفيو (Mario Livio) ففيه يكشف الكاتب عن جمال وسحر النّسبة الذّهبيّة ويقدم منظورًا شاملًا لهذا الرقم لأهميته عبر المجالات المتنوعة، سواء الرياضيات أو حول أسرار الطبيعة والفن.
النّسبة الذّهبيّة phi (Φ) تعريفها وخصائصها الرّياضيّة: النّسبة الذّهبيّة هي مفهوم رياضي ذو خصائص فردية، ويشار إليها بالحرف اليوناني phi (Φ) وهو الحرف الأول من الكلمة اليونانيّة فانيروس (φανερός-phaneros)، والتي تعني مرئيّة. أول من وصف هذا الرقم بالنّسبة الذّهبيّة هو عالم الرياضيات مارتن أوم (Martin Ohm) (1792–1872)، الذي استخدمه لتمثيل كمية غير معروفة. وقُدِّم مصطلح (Φ) من عالم الرياضيات الأمريكي مارك بار (Mark Barr) في أوائل القرن العشرين كتمثيل مختصر للنسبة الذّهبيّة واعتماده في أعماله الحسابيّة.
يمكن أيضًا توصيف هذا الحرف أنّه تكريم للثقافة اليونانية القديمة، وكونه أيضًا أول حرف من اسم النّحات الإغريقي فيدياس (Phidias) مصمم البارثنون (Parthenon) الذي يتبع النّسبة الذّهبيّة في تصميمه. اعتمد فيما بعد مصطلح النّسبة الذّهبيّة أو المتوسط الذهبي لوصف ال phi، وهو ترجمة للعبارة اللاتينية النّسبة الالهية (divina proportio)، والتي استخدمها عالم الرياضيات الإيطالي لوكا باتشيولي (Luca Pacioli) حوالى 1509 م.، في كتابه النّسبة الآلهيّة (De Divina Proportione) وقد ناقش فيه على نطاق واسع الخصائص الرّياضيّة والأهمّيّة الجماليّة لهذه النّسبة. اكتسب هذا المصطلح مكانة بارزة في القرن التاسع عشر عندما بدأ علماء الرياضيات في استخدامه للإشارة إلى مفهوم رياضي ونسبة معينة سميت بالنّسبة الذّهبيّة بسبب صفاتها الجماليّة المتناغمة، المرتبطة بفكرة شيء ثمين أو قيم، مثل الذهب او حتى الكمال.
من الذين درس هذه النّسبة المهمّين:
• كارل فريدريش غاوس (Carl Friedrich Gauss)(1777-1855)، وهو عالم رياضيات الماني مشهور، قدم مساهمات كبيرة في مختلف المجالات، بما في ذلك نظرية الأعداد على الرغم من أنّه لم يناقش النّسبة الذّهبيّة على وجه التحديد، إلّا أنّ عمله على الكسور المستمرة والأرقام غير العقلانية أرسى الأساس لفهم واستكشاف خصائص phi.
• إدوارد لوكاس (Édouard Lucas) (1842-1891)، عالم رياضيات فرنسي، معروف بعمله في نظرية الأعداد. اكتشف تسلسل لوكاس، المرتبط بتسلسل فيبوناتشي وعرض خصائص مشابهة للنسبة الذّهبيّة.
• أدولف كيتليت (Adolphe Quetelet) (1796-1874)، عالم الفلك وعالم الرياضيات والإحصائي البلجيكي، كان مهتمًّا بقياسات جسم الإنسان ومفهوم النسب المثالية. على الرّغم من أنه لم يناقش النّسبة الذّهبيّة على وجه التحديد، إلّا أنّ عمله وضع الأساس للدراسات حول النسب البشرية ومفهوم الرجل المتوسط (average man).
إنّ اختيار phi كرمز للنسبة الذّهبيّة يختلف عن الرّموز الرّياضيّة الأخرى الشائعة الاستخدام، ما يمكن التعرف إليه بسهولة وهو مريح لتمثيل النّسبة الذّهبيّة في الصيغ والمعادلات الرّياضيّة. أمّا الخصائص الرّياضيّة الرئيسة للنسبة الذّهبيّة فهي متعددة، وتُعرّف أنّها النّسبة بين كميتين، إذ تكون نسبة مجموع الكميتين إلى الكمية الأكبر مساوية لنسبة الكمية الأكبر إلى الكمية الأصغر. و”أول من حدد هذه النّسبة وأعطاها المعادلة الرّياضيّة هو إقليدس (Euclid) 300 ق.م… حدد إقليدس نسبة مشتقة من تقسيم بسيط لمعلومات الخط وأطلق عليه أقصى ومتوسط النّسبة. في كلمات إقليدس:
يقال إن الخط المستقيم قد قُطِع في أقصى، ومتوسط النّسبة عندما، يكون قياس الخط
بأكمله إلى الجزء الأكبر يساوي قياس الجزء الأكبر إلى الأصغر.” بكلام أوضح، أيّ عندما يُقسم جزء الخط إلى جزئين تكون نسبة الجزء بأكمله إلى الجزء الأطول هي نسبة الجزء الأطول نفسه إلى الجزء الأقصر، تكون النسب الناتجة هي نسبة ذهبية والتي تساوي …1.6180339887.
رياضيًّا، يمكن تمثيل هذا الرقم على أنّه : Φ = (1 + √5) / 2. إنّ قيمة النّسبة الذّهبيّة هي رقم غير منطقي، ما يعني أنّه لا يمكن التعبير عنها ككسر أو رقم عشري محدود، ويستمر تمثيلها العشري إلى أجل غير مسمى من دون تكرار الأنماط. كما وإنّ إحدى خصائصها المثيرة للاهتمام هي تشابهها الذاتي (Self-similarity)، وهي تعطي نسب متناغمة وتوازن جمالي، كما أنّ لها تأثيرًا ممتعًا ومتناسقًا على الإدراك البشري، وغالبًا ما يلاحظ خاصيّة التّشابه الذاتي هذه في الطبيعة والفن على أنواعه. أمّا في ما يتعلق بعلاقة نسب الاشكال الهندسيّة كالمستطيل والمثلث والمخمس والحلزون إذ إن النّسبة الذّهبيّة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنسب هذه الأشكال الهندسيّة الذّهبيّة بطريقة حسابيّة أو بأخرى.
تسلسل فيبوناتشي (Fibonacci sequence):لا يمكن ذكر النّسبة الذّهبيّة من دون التطرق لتسلسل فيبوناتشي، فهو يرتبط ارتباطًا وثيقًا بهذه النّسبة، وهي سلسلة من الأرقام التي يكون فيها كل رقم هو مجموع الرقمين السابقين، ومع تقدم التّسلسل، تقترب نسبة الأرقام المتتاليّة من النّسبة الذّهبيّة. ولقد اكتشف فيبوناتشي التسلسل أثناء دراسة مشكلة تعرف باسم مشكلة الأرانب في كتابه ليبر اباتشي (Liber Abaci)، الذي نشر في العام 1202. مشكلة الأرانب كانت من خلال مراقبة التكاثر لزوج من الأرانب: يبدأ زوج الأرانب في التكاثر عندما يبلغ عمرهم شهرًا واحدًا، كل شهر، ينتج زوج الأرانب زوجًا جديد، ويصبح كل زوج جديد منتجًا عندما يصل إلى شهر واحد من العمر. لا تموت الأرانب أبدًا، وينتج كل زوج من الأرانب زوجًا جديدًا واحدًا كل شهر. من خلال تحليل المشكلة رياضيًّا، لاحظ فيبوناتشي أن عدد أزواج الأرانب في كل شهر لاحق يشكل تسلسلًا: 0 و1 و1 و2 و3 و5 و8 و13 و21 و34 و55 .… ويُحصَل على كل رقم في التسلسل عن طريق إضافة الرقمين السابقين، على سبيل المثال:
1 + 1 = 2، 1 + 2 = 3، 2 + 3 = 5،…
أدرك فيبوناتشي أهمية هذا التّسلسل وخصائصه الرّياضيّة، ودرس التسلسل وتطبيقاته على نطاق واسع في مجالات مختلفة، مثل نظرية الأعداد والهندسة والظواهر الطبيعيّة. ساعد تحليله لهذا التسلسل وصلاته بالرياضيات على وضع الأساس لاستكشاف وتطوير هذا المفهوم لاحقًا.
الأشكال الذّهبيّة: يشير مصطلح الأشكال الذّهبيّة عادة إلى الأشكال الهندسيّة التي تظهر نسبًا وفقًا للنسبة الذّهبيّة. في ما يلي بعض الأمثلة الشائعة على الأشكال الهندسيّة المرتبطة بالنّسبة الذّهبيّة:
– المستطيل الذهبي: يعرف أنّ الأطوال الجانبية نسبتها هي النّسبة الذّهبيّة، كما أنّه عند إزالة مربع منه، يكون المستطيل المتبقي أيضًا مستطيلًا ذهبيًّا. يعدُّ هذا الشكل ممتعًا من الناحية الجماليّة وغالبًا ما استعمل في الفنون.
– الدّوامة الذّهبيّة: أيّ الحلزون، هي دوامة لوغاريتميّة تنمو إلى الخارج مع الحفاظ على نسبة نمو ثابتة تتفق مع النّسبة الذّهبيّة، يتشكل هذه اللولب عن طريق ربط زوايا المربعات المتتاليّة داخل مستطيل ذهبي. وهي تظهر في الظواهر الطبيعية، مثل ترتيب البذور في عباد الشمس أو على شكل صدف بحرية معينة.
– المثلث الذّهبي: هو مثلث متساوي السّاقين تكون فيه نسبة طول الجانب الأطول إلى الجانب الأقصر النّسبة الذّهبيّة تقريبا، كما أنّ الزوايا المتعادلة أمّا تكون تساوي 72 او 36 درجة.
– المخمس الذهبي: هو الذي يتضمن النّسبة الذّهبيّة في أبعاده، إذ تتناسب جوانبه وأقطاره مع النّسبة الذّهبيّة.
هذه الأشكال مهمة لأنّها تظهر أبعادًا متناغمة ترضي الأذواق، ولقد لوحظت ودُرِست في الفنون والظواهر الطبيعيّة على مرّ التاريخ.
النّسبة الذّهبيّة والفن: يمتد تأثير النّسبة الذّهبيّة إلى ما وراء العالم الطبيعي وإلى مختلف التّخصصات البشرية، بما في ذلك الفنون على أنواعها. استخدِمت كأداة تكوينية لإظهار أعمال فنية جذابة ومتوازنة بصريًّا، وفي الهندسة المعماريّة، ارتبطت بتناسب الأنظمة والعلاقات المكانيّة، وتوجيه تصميم الهياكل التي يُنظر إليها على أنّها ممتعة، ومتناغمة من الناحية الجماليّة. من الفلاسفة المهمّين الذين ناقشوا العلاقة بين المفهوم أو الفكرة جيست (Geist) وتمثيلها الحسي في الفن، هو هيغل (Hegel)، وكان ذلك واضحًا في كتاباته العديدة. بشكل عام، جيست (روح أو عقل) هو مفهوم أساسي في نظامه الفلسفي، وهو عنصر رئيس في فهمه للتاريخ والثقافة والوعي، والتفاعل بين الجوانب الفرديّة والجماعيّة للوجود البشري، وهو يمثل الطبيعة الديناميكيّة والمتطورة للفكر البشري والمجتمع والوعي الذاتي. وقد أكد هيغل أهمّيّة الفن كوسيلة للتعبير عن الروح وتجسيدها والقيم الثقافية لعصر تاريخي معين. ويقول في كتابه “المدخل إلى علم الجمال وفكرة الجمال” “تكمن مهمة الفن في التوفيق بين هذين الجانبين: الفكرة وتمثيلها الحسي بتشكيل كلية خالية من كليهما” .
أثرت أفكاره الفلسفية على المفكرين والحركات اللاحقة في مختلف المجالات، بما في ذلك الجماليات. في حين أن هيغل نفسه لم يناقش النّسبة الذّهبيّة صراحة، إلّا أنّ إطاره ومفاهيمه الفلسفيّة الأوسع كانت مؤثرة في تشكيل المناقشات حول الجماليّات وصلتها بالتناسب والانسجام والجمال. تأثير أفكاره على المفكرين اللاحقين واضحة في اعمال هيرمان فون هلمهولتز (عالم الفيزياء وعلم النفس الألماني) وعلم النّفس الجشطالت (Hermann von Helmholtz and Gestalt Psychology)، إذ طبّق الجدلية الهيغلية على دراساته حول الإدراك والجماليات. درس كيف ينظر البشر إلى الانسجام البصري ونسبته ويفهمهما، وهي جوانب رئيسة مرتبطة بالنّسبة الذّهبيّة. ساهم عمله في علم نفس الجشطالت في فهم الإدراك البصري وصلته بالتجارب الجماليّة.
الفنون التي اعتمدت على النّسبة الذّهبيّة في تصاميمها: يمكن العثور على النّسبة الذّهبيّة بأشكال فنية مختلفة، أمّا باتباع الأشكال الذّهبيّة أو النّسبة الذّهبيّة أو تسلسل فيبوناتشي. أولى هذه الفنون هي الهندسة المعماريّة، لا سيما في تناسب المباني والواجهات والمساحات الدّاخليّة. أمّا في الرسم، فلقد استُخدِم النّسبة الذّهبيّة في تكوين ونسب اللوحات، وتوجيه وضع العناصر وخلق تركيبة متوازنة وممتعة بصريًّا، والأمثلة كثيرة في هذا المجال وتمتد من الكلاسيكي الى المعاصر. معظم لوحات ليوناردو دا فينشي لم تخلُ من هذه النّسبة أو الأشكال، فلوحة الموناليزا مثلًا تتبع في تصميمها المثلث الذّهبي.
كما أدرج النحاتون النّسبة في نسب وأبعاد المنحوتات، ما يضمن الشّعور بالانسجام والتوازن في العمل الفني. وهذه النّسبة طبقت في أعمال كبار النّحاتين الكلاسيكيين. أمّا في العصر المعاصر، مثلًا، فالرصيف الحلزوني (1970، Utah، Spiral Jetty) لروبرت سميثسون (Robert Smithson)، يتميز بشكل حلزوني يذكرنا بالحلزون الذهبي، إذ غالبًا ما يرتبط مفهوم النمو والتوسع فيه بالنّسبة الذّهبيّة.
أمّا في التصوير الفوتوغرافي، فغالبًا ما يطبق المصورون النّسبة الذّهبيّة لتكوين صور جذابة ومتوازنة بصريًّا، ووضع الموضوعات الرئيسة أو نقاط الاهتمام على طول الخطوط أو داخل أقسام محددة. أيضًا في التّصميم الجرافيكي، يستخدم مصممو الغرافيك هذه النّسبة في تصميم التخطيط والطباعة وإنشاء شعارات للشركات لتحقيق الانسجام البصري والتّوازن في تركيباتهم.
لم تخلُ الموسيقى من النّسبة الذّهبيّة، فلقد جرب بعض الملحنين والموسيقيين تطبيقها في المؤلفات الموسيقيّة، أو هيكلة الأقسام الموسيقيّة أو التّوقيعات الزّمنيّة، مثال على ذلك أعمال الموسيقار بيتهوفن. “تشير الأبحاث أن فيثاغورس (570-495 ق.م.) الفيلسوف اليوناني أنشأ مفهوم العلاقات الرّياضيّة والموسيقيّة” . كما أنّه برهَن أنّ آلة الكمان لا تخلو من هذه النّسبة عندما تقسم مسافات معيّنة منها على بعض. ويمكن لمخرجي الأفلام والمصورين السينمائيين استخدامها في تأطير اللقطات وتحديد المواقع، ما يخلق تركيبات جمالية وتوازنًا بصريًّا داخل الإطار.
السّياق التاريخي للنسبة الذّهبيّة في الهندسة المعماريّة: يمتد السّياق التاريخي للنسبة الذّهبيّة في الهندسة المعماريّة لقرون ماضية وحضارات عريقة مختلفة. ويمكن القول إنّ استخدامها يعود إلى العصور القديمة، ولا سيما في الممارسات المعماريّة للمصريين واليونانيين والرومان. ففي مصر القديمة، أدّت مبادئ التناسب والانسجام دورًا مهمًّا في التصاميم المعماريّة وأدرج المصريون المبادئ الرّياضيّة، بما في ذلك النّسبة الذّهبيّة، في بناء المعابد والأهرامات والهياكل الضخمة الأخرى. غالبًا ما تتميز هذه المباني بنسب متناغمة وتخطيطات متناظرة، ما يعكس فهم العلاقات الرّياضيّة وتأثيرها الجمالي. من الممكن رؤية ذلك في الهرم الأكبر في الجيزة في مصر التي تظهره عدة أبحاث من علماء رياضيين ومهندسين.
“إن الاعتقاد الشائع جدًا أن الهرم الأكبر قد بني وفقًا لتصميم يعتمد على النّسبة الذّهبيّة يدين بالكثير إلى المصداقية التي قدمها المؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت Herodotus)، 425-485 ق. م.)، الذي سافر إلى مصر ألفي عام بعد بناء أهرامات الجيزة. يتكرر هذا الاستعمال باستمرار اليوم في نصوص الرياضيات وحتى من المؤلفين العالميين.”
تبنّى الإغريق، المعروفون بتقدمهم في الرّياضيات والفلسفة، النّسبة الذّهبيّة كمبدأ تصميم أساسي. يتضح ذلك في الإنجازات المعماريّة لليونان القديمة، وقد التزمت المعابد، مثل البارثينون الذي صممه النّحات اليوناني فيدياس (Phidias) وبدأ بانشـائه العام 447 ق. م.، بأنظمة التناسب المستمدة منها. طبق المهندسون المعماريون اليونانيون، مثل إكتينوس (Iktinos) وكاليكرات (Kallikrates)، المهندسين الذين عملًا مع فيدياس على البارثنون، مفاهيم رياضيّة لتحقيق الانسجام البصري والتّوازن والنسب المثالية في تصاميمهم. “البارثينون والمعابد اليونانيّة الأخرى: تناظرها الديناميكي (هامبيدج، 1924) هو عمل مهم آخر من قبل هامبيدج ، نادرًا ما يستشهد به المؤلفون الحديثون، يستخدم قياسات البارثينون والمعابد اليونانيّة الأخرى لإظهار الاعتماد القديم بشكل مقنع على النّسبة الذّهبيّة واللوالب اللوغاريتميّة والمستطيلات الجذرية في بناء الهندسة المعماريّة المقدسة. يوضح الشكل (صورة 4) تحليل هامبيدج لواجهة البارثينون الأمامية.”
استمر تأثير النّسبة الذّهبيّة خلال العصر الروماني، وواصل المهندسون المعماريون الرومان، المتأثرون بشدة بالعمارة اليونانيّة، دمج الأنظمة النسبية في تصاميمهم. أكد المهندس المعماري الروماني فيتروفيوس، في أطروحته عن العمارة De Architectura، على أهمية النسب التوافقية وتطبيقها في إنشاء مبان مصممة تصميما جيدا، كم انه أشار إلى النّسبة الذّهبيّة فيما يتعلق بالتكوين المعماري والجمال. واحد من اهم امثلة العصر الروماني معبد بورتونوس Portonus)) او معبد فورتونا فيريليس (Temple of Fortuna villiris) في روما. أكد المؤرخ المعماري مارك ويلسون جونز (Mark Wilson Jones) في كتابه مبادئ الهندسة الرومانية، (Principles of Roman Architecture (2000)) إلى أن أبعاد هذا المعبد تتبع مبادئ النّسبة الذّهبيّة، وهي واضحة في نسبة عرض الرواق الأمامي إلى عمقه، بالإضافة إلى نسب الأعمدة والمدماك العلوي.
بعد العصر الروماني لم تلحظ اي اهتمامات بالنّسبة الذّهبيّة في العمارة الا عند حلول عصر النهضة، القرن الخامس عشر، حيث شهدت إحياء المثل العليا الكلاسيكية، فتجدد الاهتمام بها. وهبّ المهندسون المعماريون والفنانون الذين سعوا الى الاستيحاء من مبادئ العمارة اليونانية والرومانية القديمة، إلى تطبيق الانسجام الرياضي في أعمالهم. درست شخصيات مثل ليون باتيستا ألبرتي (Leon Battista Alberti) وأندريا بالاديو (Andrea Palladio) phi على نطاق واسع وأدرجتها في تصاميمها، معتبرة أنها ضرورية لتحقيق الجمال المعماري والكمال. عقب تحليل مسطح فيلا روتوندا لبالاديو يلاحظ ان المبنى واقع في وسط مربع، والفيلا مسطحها مربع. كما تظهر صورة 5 . استعمل بالاديو اربعة مستطيلات ذهبية متداخلة، والحلزونات داخل المستطيلات الاربع تتلاقى عند وسط المربع لتكوّن الدائرة الوسطية حيث قبة المبنى.
في القرون اللاحقة، استمر تأثير ال phi في الهندسة المعماريّة، حيث استلهم العديد من المهندسين المعماريين من نسبها ومبادئها وساعد في انتشار هذه النظرية عام 1930 أصدار الكاتب ماتيلا غيكا (Matila Ghyka) كتاب بعنوان الرقم الذهبي (Le nombre d’or)، حيث يؤكد أنّ الاغريق تعمّدوا إستخدام هذه النّسبة بهدف إظهار التوازن في تحفهم. كذلك، فقد تأثّر الفيلسوف الفرنسي بول فاليريه (Paul Valéry) بهذه النّسبة، وذكرها في قصيدته (Cantique des colonnes) متأملًا الأعمدة الإغريقية، فقال فيها:
«Nos antiques jeunesses,
Chair mate et belles ombres,
Sont fières des finesses
Qui naissent par les nombres
Filles des nombres d’or,
Fortes des lois du ciel,..»
يتكلّم فاليري عن الابداع في التصميم والتجانس في أقسام هذه الأعمدة بالاستناد الى phi بحسب فيثاغوروس، والتي بقيت شامخة “أبدية” (antiques jeunesses) بالرغم من صمودها الطويل بوجه التاريخ. كما أشار المهندسون المعماريون الحديثون في القرن العشرين، مثل لو كوربوزييه (Le Corbusier) وفرانك لويد رايت (Frank Lloyd Wright) وألفار آلتو (Alvar Aalto)، إليها في تصاميمهم وتطبيقها، وغالبا ما سعوا إلى إنشاء مساحات متناغمة وجذابة بصريًّا.
سلط السّياق التاريخي للنسبة الذّهبيّة في الهندسة المعماريّة الضوء على أهميتها الدائمة والاعتراف بقدرتها على إنشاء تركيبات ممتعة ومتناغمة بصريًّا. من الحضارات القديمة إلى المهندسين المعماريين الحديثين، ولعبت دورا في تشكيل الجماليات المعماريّة، مؤكدة على أهمية النّسبة والتوازن في التصميم المعماري، ولا زالت هذه النّسبة تلهم المهندسين الى اليوم.
استخدام النّسبة الذّهبيّة كأداة تصميم في العمارة الحديثة والمعاصرة
وجدت النّسبة الذّهبيّة مكانها كأداة تصميم في العمارة المعاصرة، وحظي استخدامها باهتمام ونقاش كبيرين. ان الهدف من خلال دراسة مشاريع معمارية محددة تتضمن بوعي الphi، هو التوصل إلى فهم تأثيرها على قرارات التصميم والتركيبات المكانية والنتائج الجماليّة. وهذه الاخيرة توفر رؤى حول الطرق المتنوعة التي يتم بها استخدامها كأداة تصميم. يتطرق النص التالي الى عدة امثلة معاصرة حيث تطبق هذه النّسبة. اما دراسة الحالة فستكون للمهندس الفرنسي والعالمي لو كوربوزييه (Le Corbusier) مع تحليل لمنهجيته المعماريّة وفلسفته في هذا المحور.
1- برج سي ان (CN tower)، تورونتو (Toronto)، كندا
برج سي ان، (CN: Canadian National Tower) هو برج اتصالات افتتح للعامة في عام 1976، وكان أطول هيكل قائم بذاته في العالم في ذلك الوقت . كان اصحاب هذا البرج مؤسسة خطوط سكة الحديد الكندية (Canadian National Railway Company) ، ثم انتقل الى الحكومة الكندية، ولقد صممه مجموعة من المهندسين في ذلك الوقت.
اليوم هذا البرج هو محطة سياحية يزوره كل من يزور كندا وخاصة مدينة تورنتو. يتميز بمطعمه الدائري والطابق ذات الارضية الزجاجية التي تحبس الانفاس عند وطئها. يبدو أن النّسبة الذّهبيّة قد أدرجت عمدا في تصميمه، فنسبة الارتفاع الإجمالي (553.33 متر) إلى ارتفاع سطح المراقبة (ارتفاع 342 مترا) هي …1.618. ليس البرج الوحيد الذي يحوي هذه النّسبة، فقبله كان برج ايفل في باريس، وبعده جاء برج خليفة في دبي.
2 منزل فيبوناتشي، مكتب الهندسة المربع الثالث (square three)، كاليفورنيا
“مستوحاة من رغبة المالك في مزرعة حديثة ذات لمسة غريبة الأطوار، تم استخدام الأشكال التقليدية لخلق شعور بالألفة داخل هذا المنزل المبتكر والموفر للطاقة. تم تصميم المنزل بشكل أكبر على أنه سلسلة من الأحجام المترابطة التي تحيط بالموقع، مما يخلق بيئة فناء خلفي مع شعور بالخصوصية مع الاستفادة في الوقت نفسه من مساحة الفناء الكبيرة. ترتبط الأشكال المتعامدة البسيطة للمنزل شعاعيا بشكل لولبي منحني يعتمد على تسلسل فيبوناتشي.” يلاحظ هذ اللولب في وضعية الاحجام باتجاه عقارب الساعة، بالنظر الى الصورة من الاسفل باتجاه اليسار.
3 دمافاند فيللا (unity villa)، طهران، Plk21
فيما يلي دراسة عن تقسيم بيت مؤلف من ثلاث طوابق بحسب النّسبة الذّهبيّة. يقول مدير المكتب الهندسي: “تم تصميم مفهوم فيللا الوحدة بشكل أساسي على أساس النّسبة الذّهبيّة. ظروف الموقع مثل منحدر الموقع وشكله واتجاهه اثر على تصميم هذا المبنى. أحد العناصر الرئيسية لهذا التصميم هو الشرفة الثلاثية التي تواجه الجنوب.”
يشتق المثلث الجنوبي في تصميم المبنى من المستطيل الذهبي داخل المربع ويستفاد منه في الطوابق الثلاث. من المهم أيضا ملاحظة أنه نظرا للخصوصية المطلوبة داخل الفيلا، تم تصميم معظم الوظائف الدّاخليّة على الجانب الجنوبي.
إن توزيع الوظائف على الطوابق الثلاث باتباع قطع متفرقة من المستطيل الذهبي، كل طابق شغل قطعة مختلفة عن الطوابق الاخرى، والثلاث طوابق توحدت ضمن المستطيل، مما اعطى للمساحات الدّاخليّة المتفرقة رحابة وانسيابية في التنقل بين وظيفة واخرى. كما ان هذا التوزيع اعطى خصوصية بالنّسبة للوظائف الخاصة كغرف النوم ومشتقاتها الموجودة في الطابق الاول، بعيدة عن الطابق الارضي حيث غرفة المعيشة، المطبخ، وغرفة الطعام. اما في الطابق السفلي حيث حوض السباحة الموجود في الفناء الخارجي الجنوبي، توجدغرفة اللعب والطاولة الوسطية، وغرفة نوم للضيوف.
يمتد تطبيق النّسبة الى الهندسة الدّاخليّة المعاصرة ايضا، كما في حال فيللا الوحدة، فان استعمال المستطيل الذهبي اثر بغير شك على توزيع الوظائف في الداخل. ولكن، العمل بموجب هذه النّسبة ليس منتشرا على نطاق واسع، فالمهندسين المعاصرين بالاجمال لا يهتمون بما تقدمه هذه النّسبة من جمال او تناسق، فهم يتبعون ما يطلبه العميل، او ما تفرضه فكرة التصميم الموضوعة مسبقا للمشروع.
لو كوربوزييه والرقم الذهبي
تنتشر أفكار لو كوربوزييه حول الهندسة المعماريّة والحركة الحديثة في جميع كتاباته وبياناته ومحاضراته، كما أنها تعكس فلسفته المعماريّة الشاملة. من خلال كتاباته وتصاميمه، نظر في طبيعة الحياة الحديثة ودور الهندسة المعماريّة في عصر الآلات الجديد، واستخدام الأشكال الهندسيّة، ومخططات الطوابق المفتوحة، والتصميم الوظيفي، ودمج الطبيعة مع الهندسة المعماريّة. “المنزل هو آلة للعيش فيها”هو مفهوم أساسي يوجه فلسفته المعمارية وقد ذكره عدة مرات في كتابه الشهير “نحو هندسة جديدة” . كان يعتقد أن الهندسة المعماريّة يجب أن تخدم الاحتياجات الوظيفية لسكانها بكفاءة، تماما مثل آلة مصممة تصميما جيدا، وتأثّر بكتابات ماتيلا غيكا والنّسبة الذّهبيّة ومختلف دراساته القائمة حول هذا الموضوع. كان يطمح دائماً إلى خلق فضاء داخلي يناسب الإنسان، وحاول أن يجد النسب والتجانس في جسم الانسان مثلما تتواجد هذه الخصائص في الطبيعة. دمج في تسميته ما بين مفهومَيّ الوحدة (module) والنّسبة الذّهبيّة (Or)،”في عام 1948، أصدر المهندس المعماري تشارلز إدوارد جانيريه غريس، المعروف باسم لو كوربوزييه، أحد أشهر منشوراته بعنوان Modulor، يليه Modulor 2 (1953). “عندما يستخدم لو كوربوزييه السلسلة العددية من المودولور يفكر على الفور في الأرقام والأشكال التي يمكنه إنشاؤها ولم يعد بحاجة إلى رسم أي مسارات تنظيمية لأنه استوعب أبعادها الأساسية تماما.” . “في هذه النصوص، أعرب لو كوربوزييه عن دعمه للبحث الذي بدأه فيتروفيوس ودافينشي وليون باتيستا ألبرتي قبل قرون: للعثور على العلاقة الرّياضيّة بين الأبعاد البشرية والطبيعة.” فإتّخذ من الإنسان أداةً له، وإنطلق بدراسته من جسم إنسان عادي متوسّط القامة وحوّله إلى المودلور من خلال تقسيمه بحسب النسب الذّهبيّة، كما دمج في بحثه ما بين:
– الدراسة التي وضعها فيتروف حول جسم الانسان ورسمه دا فانشي لاحقًا (ما عُرِف بالرجل الفيتروفي) في الأقسام الكبرى في جسد الانسان بالاستناد لها. (صورة 10)
– سلسلة فيبوناتشي في الأقسام الصغرى في الجسد.
أيضا وضع قوانين الأبعاد البينية بين هذين القسمين على أساس النّسبة الذّهبيّة للجمع بين الحركة والجمود. أدرج النّسبة الذّهبيّة في تصاميمه المتفرقة، منها الوحدات السكنية (Unités d’habitation) في مارسيليا، “المدينة المشرقة (La ville radieuse) المعروفة ب-( la maison du fada)، التي تمّ انشاؤها بين عاميّ 1947 و1952 في مارسيليا (Marseille)، فرنسا.
فيلا سافوي (Villa Savoye)، لو كوربوزييه، بواسي، فرنسا (Poissy, France)، 1931
شيدت فيلا سافوي بين عامي 1928 و1931، وسمحت الارض الكبيرة المحيطة بها بالحرية الإبداعية الكاملة، كما انها تمثل تتويجا لأعوام درس خلالها لو كوربوزييه كيفية التعبير عن جوهر الهندسة المعماريّة الحديثة، حيث حقق قوله الشهير “المنزل يجب أن يكون آلة للعيش فيه” بشكل مثالي ضمن أشكال فيلا سافوي وتخطيطها وموادها. احتلت فيلا سافوي أهمية في سياق الحركة المعماريّة الحديثة، حيث تجلت أفكاره فيها، وهي تعتبر واحدة من أكثر أعماله تأثيرا، ويعكس تركيز التصميم على البساطة والوظائف والأشكال الهندسيّة التي هي المثل العليا للهندسة المعماريّة الحداثية.
“فيلا سافوي هي صندوق في الهواء” يشير هذا القول إلى التصميم المبتكر لفيلا سافوي، حيث ترتفع مساحات المعيشة الرئيسية فوق سطح الأرض، مدعومة بأعمدة رفيعة (Pilotis). يسمح الطابق الأرضي المفتوح بتدفق حر للحركة، مما يلغي الحدود بين الداخل والخارج، كما تعتمد هذه الفيلا الفتحات الافقية الواسعة. تتميز الفيلا بتصميمها الوظيفي ومساحاتها المفتوحة واستخدام خمسة أسس معمارية أساسية في فلسفة تصميم لو كوربوزييه، والمعروفة أيضا باسم النقاط الخمس للهندسة المعماريّة الحديثة ، وأحدثت ثورة في الهندسة الحديثة. تتلخص هذه الاسس الخمس بما يلي:
• بيلوتي (Pilotis): هي عبارة عن أعمدة خرسانية رفيعة ومعززة ترفع مساحات المعيشة الرئيسية للفيلا عن الأرض
• المسطح الحر (Free Plan): يتيح استخدام pilotis إنشاء مسطح حر، حيث تكون الجدران الدّاخليّة غير حاملة، ويسمح ذلك بمساحات مرنة ومفتوحة داخل الفيلا
• الواجهة الحرة (Free Façade): تتميز فيلا سافوي بواجهة حرة غير مربوطة، خالية من الجدران الحاملة
• النوافذ الأفقية (Horizontal Windows): توفر هذه الشرائط المستمرة من النوافذ مناظر بانورامية، وتزيد من الضوء الطبيعي، وتؤكد على أفقية تصميم المبنى
• شرفة السطح (Roof Terrace): توفر هذه الشرفة مساحة معيشة إضافية وتعزز فكرة حديقة على السطح، تربط الفيلا بالمناظر الطبيعية والمناطق المحيطة
تعكس هذه الاسس الخمسة التزام لو كوربوزييه بإنشاء مساحات معيشة وظيفية وفعالة، والاستجابة لمتطلبات الحياة والتكنولوجيا الحديثة، ولقد تزامن تطبيق هذه الاسس مع اسس النّسبة الذّهبيّة في نسب واجهة المبنى والمساحات الدّاخليّة، مما خلق شعورا بالتوازن والانسجام، وتعتمدها نسب الغرف وعناصرها، مثل الأبواب والنوافذ.
صورة رقم 12 تظهر تطبيق اربع مستطيلات ذهبية في المسطح العام للفيلا حيث المربعات تحتل القسم الوسطي. ولقد قسمت الغرف والوظائف على اساس تقاطع هذه المستطيلات. كما انه استعمل مستطيلين متقاطعين في المربع لتصميم واجهة هذه الفيلا. (صورة رقم 11/12)
تتوافق نسب المبنى، مثل نسبة ارتفاع الطابق الأرضي إلى الارتفاع الإجمالي وتحديد مواقع النوافذ الأفقية، مع النّسبة الذّهبيّة. تساهم هذه النسب المتناغمة في الشعور بالتوازن، كما يعكس استخدام فيلا سافوي للنسبة الذّهبيّة أهمية المبادئ الرّياضيّة في الهندسة المعماريّة الحديثة ويساهم في الجاذبية الجماليّة الفريدة للمبنى والشعور بالتوازن وتحقيق التماسك والتوازن البصري في التصميم.
توضح الامثلة ودراسة الحالة هذه الطرق المتنوعة التي يتم بها استخدام النّسبة الذّهبيّة كأداة تصميم في الهندسة المعماريّة والهندسة الدّاخليّة الحديثة والمعاصرة. من تركيبات الواجهات إلى التخطيطات الدّاخليّة، يطبق المهندسون المعماريون بوعي النّسبة الذّهبيّة لتحقيق الانسجام النسبي والتصاميم الجذابة بصريًّا، مما يمكن المهندسين المعماريين والمصممين الحصول على رؤى حول التطبيق العملي للنسبة الذّهبيّة في الممارسة المعماريّة المعاصرة.
استنتاجات في الإدراك والجماليات في العمارة
يلعب الإدراك والجماليات دورا حاسما في الهندسة المعماريّة والدّاخليّة، وقد ارتبطت النّسبة الذّهبيّة منذ فترة طويلة بإنشاء تصميمات ممتعة ومتناغمة بصريًّا. بعد دراسة وافية لتاريخ وتطبيق هذه النّسبة في الفنون وخاصة الهندسة المعماريّة والدّاخليّة، وبعد تحليل لامثلة متفرقة، من الممكن استخلاص كيفية ادراك النّسبة الذّهبيّة وجمالياتها في العمارة مع ذكر امثلة جديدة عالمية معروفة لتثبيت هذه الاستنتاجات.
1 – الانسجام والتوازن في التراكيب المعماريّة: عند تطبيق النّسبة على العناصر المعماريّة مثل أبعاد الواجهة أو أبعاد الغرفة أو مواضع المكونات المعماريّة، فهي تخلق توازنا مرضيا بصريًّا بين أجزاء مختلفة من التصميم، وهذا الانسجام النسبي يجذب الإدراك البشري. على سبيل المثال تاج محل في الهند (Taj Mahal, India) الذي بني في أغرا بين عامي 1631 و1648 بأمر من الإمبراطور المغولي شاه جاهان يبهر كل من نظر اليه بجماله النسبي. ان أبعاده الكلية، بما في ذلك ارتفاعه وعرضه والعلاقة بين القبة والقاعدة، تلتزم بمبادئ النّسبة الذّهبيّة. يخلق هذا الانسجام النسبي شعورا بالتوازن والأناقة في تصميم تاج محل. أما في الهندسة الحديثة فنجد أن منزل الشلالات في بنسلفانيا، اميركا (Falling-water, Pennsylvania)، وهو منزل سكني صممه المعمار الامريكي فرانك لويد رايت (Frank Lloyd Wright) في عام 1935، هو مثال على كيفية تطبيق النّسبة الذّهبيّة في الهندسة المعماريّة الحديثة. إن نسب المستويات والشرفات والنوافذ المختلفة تتبع النّسبة الذّهبيّة، مما يساهم في الانسجام العام والتكامل العضوي للمنزل مع محيطه الطبيعي، وهذا يخلق شعورا بالتوازن والتناظر والجاذبية الجماليّة في البيئة المبنية.
2- شعور بالتوازن البصري: من خلال استخدام النّسبة الذّهبيّة، يسعى المهندسون المعماريون إلى توزيع الوزن والعناصر البصرية في تركيبة بطريقة تبدو متوازنة وممتعة من الناحية الجماليّة، ويمكن أن يساهم هذا التوازن في إدراك إيجابي للفضاء المعماري وتصميمه العام. تتضمن كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان (St. Peter’s Basilica, Vatican)، وهي واحدة من أكبر الكاتدرائيات في العالم، النّسبة الذّهبيّة في تكوينها المعماري. تتبع أبعاد واجهة الكاتدرائية، بما في ذلك العلاقة بين العرض والارتفاع، أبعادا تقترب من النّسبة الذّهبيّة، يعزز هذا التوازن النسبي الانسجام البصري وعظمة المبنى. وفي الابنية الحديثة، غالبا ما يتم الاستشهاد بفيلا سافوي في فرنسا (Villa Savoye, France)، والتي صممها لو كوربوزييه (Le Corbusier)، كمثال على كيفية خلق النّسبة الذّهبيّة التوازن البصري. تم التحدث مطولا عن هذه الفيلا سابقا كدراسة حالة.
3- ترتبط النّسبة الذّهبيّة بمفاهيم النظام والجمال: يعتقد أن دقت النّسبة الذّهبيّة الرّياضيّة واتصالها بالأشكال الطبيعية تثير الشعور بالأناقة والجاذبية الجماليّة. من خلال دمج النّسبة الذّهبيّة في التصميم المعماري، يهدف المهندسون المعماريون إلى إنشاء مساحات تثير استجابات عاطفية إيجابية وإدراكا للجمال. إن فيلا روتوندا، التي صممها أندريا بالاديو، هي أعجوبة معمارية تجسد مبادئ النّسبة الذّهبيّة، يعتقد أن نسب وتماثل الفيلا، بما في ذلك العلاقة بين القبة والرواق المحيطة بها، تتبع هذه النّسبة، تم برهنة هذا الموضوع في سياق البحث. يخلق هذا الالتزام بالتناسب شعورا بالنظام والجمال، مع التأكيد على الأناقة الكلاسيكية للفيلا. وتشتهر تحفة أنتوني غاودي (Antoni Gaudí)، كنيسة العائلة المقدسة في برشلونة (the Sagrada Família، Barcelona)، بتصميمها الفريد والمعقد. أدرج غاودي النّسبة الذّهبيّة في نسب المبنى، مثل ارتفاع وعرض الأعمدة وأبعاد النوافذ والشكل العام للهيكل، مما يخلق شعورا بالنظام والتوازن، ويساهم في جمال المبنى الاستثنائي.
4- التأثير النفسي للمساحات المعماريّة الإيجابي: مثل الفرح والهدوء والتنظيم والاستقرار، كونها متوازنة والأفراد قد يعانون من شعور أكبر بالهدوء والتماسك عند تعرضهم للمساحات التي تظهر النّسبة الذّهبيّة. ان هذه النّسبة قد تؤثر على الاستجابات العاطفية وتساهم في تجربة مستخدم أكثر متعة في البيئات المعماريّة. كما انه يمكن أن يكون لتطبيق النّسبة الذّهبيّة في الهندسة المعماريّة تأثير نفسي على الأفراد من خلال خلق شعور بالانسجام والتوازن والجمال، كما أنه يؤثر على الجودة المتصورة للمبنى أو المساحة، ويمكن أن تنقل النسب الدقيقة والتركيبات المتوازنة شعورا بالحرفية والاهتمام بالتفاصيل والتفكير في التصميم. نتيجة لذلك، قد ينظر الأفراد إلى هذه المساحات على أنها أكثر تطورا وتصميما جيدا وذات جودة أعلى وتوفر شعورا بالنظام. يمكن للدقة الرّياضيّة والانسجام المتأصل المرتبط بالنّسبة الذّهبيّة أن تخلق شعورا بالطمأنينة والهدوء للأفراد داخل الفضاء، ويمكن أن يساهم التوازن البصري والجاذبية الجماليّة في الشعور بالرفاهية والرضا والرضا العاطفي. من المهم ملاحظة أن هذا التأثير النفسي يمكن أن يختلف من فرد إلى آخر، ويمكن أن تؤثر العوامل الثقافية والسّياقية أيضا على الإدراك والاستجابة العاطفية للتصميم المعماري.
5- تتأثر تصورات الجماليات والنّسبة الذّهبيّة بالعوامل الثقافية والسّياقية: تختلف أهمية وتفسير النّسبة والجمال عبر الثقافات والفترات التّاريخيّة المختلفة، في حين تم الاعتراف بالنّسبة الذّهبيّة كمبدأ عالمي للجماليات، يمكن أن يتأثر تطبيقها بالتفضيلات الثقافية والأساليب المعماريّة والخبرات الفردية. ففي الثقافات المختلفة، قد تحمل نسب معينة أو مبادئ التصميم رمزية ثقافية كبيرة، في حين أن النّسبة الذّهبيّة نفسها هي مفهوم رياضي، إلا أن تفسيرها وتطبيقها يمكن أن يختلفا عبر الثقافات. على سبيل المثال، في العمارة الإسلامية، تستخدم الأنماط الهندسيّة القائمة على النّسبة الذّهبيّة لترمز إلى الطبيعة اللانهائية لخلق الله، وفي الهندسة المعماريّة اليابانية، يتم تقييم مفهوم ما (間) أو الفضاء السلبي، والذي يمكن أن يؤثر على تطبيق النّسبة الذّهبيّة في إنشاء تركيبات متناغمة ومتوازنة. إن التقاليد المعماريّة والفترات التّاريخيّة تشكل أو تغير استخدام وتفسير النّسبة الذّهبيّة، وقد تعطي الأساليب المعماريّة المختلفة الأولوية لمبادئ ونسب التصميم المختلفة. على سبيل المثال، احتضنت العمارة اليونانية والرومانية الكلاسيكية النّسبة الذّهبيّة كمبدأ أساسي للجمال والانسجام، من ناحية أخرى، أكدت العمارة القوطية على العمودية والزخرفة المعقدة، والتي قد يكون لها اعتبارات نسبية مختلفة. ايضا، يمكن أن يؤثر السّياق أو العوامل التي تقع فيه الهندسة المعماريّة على تطبيق النّسبة الذّهبيّة، مثل ظروف الموقع والمتطلبات الوظيفية والبيئة المحيطة بها، قد يقوم المهندسون المعماريون بتكييف أو تعديل استخدام النّسبة الذّهبيّة للاستجابة لقيود سياقية محددة.
توصيات في أسس تطبيق النّسبة الذّهبيّة في الهندسة الدّاخليّة
إن استخدام النّسبة الذّهبيّة في الهندسة الدّاخليّة للعمارة يمكن أن يخلق مساحات متناغمة ومتوازنة، وممتعة من الناحية الجماليّة. من خلال فهم آثارها والنظر في تطبيقها في السّياق الأوسع للهندسة المعماريّة المعاصرة، يمكن للمهندسين استخدام النّسبة الذّهبيّة كأداة لخلق بيئات مبنية مقنعة ومتناغمة بصريًّا. فيما يلي بعض السبل التي يتم فيها تطبيق النّسبة الذّهبيّة في الهندسة الدّاخليّة:
• التصميم النسبي: غالبا ما تستخدم النّسبة الذّهبيّة لتحديد النسب المثالية للمساحات الدّاخليّة، مثل أبعاد الغرفة وارتفاعات السقف وفتحات الابواب والشبابيك.
• أقسام الغرف: عند تقسيم المساحات الدّاخليّة، مثل وضع الجداران، يمكن للمصممين استخدام النّسبة الذّهبيّة لتحديد النسب الأكثر إرضاء من الناحية الجماليّة للأقسام.
• الأثاث: يتم تطبيق النّسبة الذّهبيّة في تصميم الأثاث والأواني الزخرفية لتحقيق أبعاد جذابة بصريًّا. كما ان توزيع المفروشات باتباع النّسبة الذّهبيّة يعطي راحة في استعمال المساحات الدّاخليّة.
• الإضاءة: في تصميم الإضاءة، قد يتأثر وضع تركيبات الإضاءة ونسبها بالنّسبة الذّهبيّة لخلق بيئة متوازنة ومتناغمة بصريًّا.
• فن الجدار والتزيين: يمكن تطبيق النّسبة الذّهبيّة على وضع وتحديد حجم فن الجدار وعناصر الزينة داخل الغرفة، مما يضمن ترتيبا ممتعا بصريًّا يكمل التصميم الداخلي العام.
• السلالم: في تصميم السلالم، يمكن استخدام النّسبة الذّهبيّة لتحديد صعود السلالم وتشغيلها، مما يؤدي إلى درج يشعر بالراحة والجاذبية بصريًّا.
• التفاصيل المعماريّة: يمكن أن توجه النّسبة الذّهبيّة تصميم التفاصيل المعماريّة مثل القوالب والأفاريز والممرات، مما يخلق شعورا بالتناسب والأناقة.
• العناصر الطبيعية: يتم تطبيق النّسبة الذّهبيّة في بعض الأحيان لدمج العناصر الطبيعية، مثل النباتات الدّاخليّة أو الميزات المائية، بطريقة تتكامل بسلاسة مع التصميم الداخلي.
• الالوان: ان توزيع نسب الالوان في المساحة الواحدة يمكن ان يتبع النّسبة الذّهبيّة من حيث كمية اللون نسبة الى لون آخر. كما ان مزج الالوان بنسب معينة يعطي لون نهائي متناغم اكثر.”ألوان النّسبة الذّهبيّة هي نظام ألوان محكم يعتمد على مقياس النّسبة الذّهبيّة المتناغم. يتكون من 1000 لون جميل ومتناغم رائع لأي مشروع تصميم أو تصميم ويب. إنه مفيد لاستخدام الألوان بشكل أكثر تناسقا.”
في حين أن استخدام النّسبة الذّهبيّة في الهندسة المعماريّة الدّاخليّة ليس قاعدة صارمة، يعتقد العديد من المصممين أن تطبيق هذه المبادئ الهندسيّة يمكن أن يعزز تجربة التصميم الشاملة ويخلق مساحات ينظر إليها على أنها متوازنة بصريًّا وممتعة من الناحية الجماليّة مما يؤثر ايجابيا على المستخدم.
الخاتمة
في الختام، لقد ألهمت النّسبة الذّهبيّة، بانسجامها الرياضي وجاذبيتها الجماليّة، المهندسين المعماريين والمصممين لدمجها في أعمالهم، سواء في العصور السابقة والمعاصرة، ولقد حلل هذ البحث بعض الابنية العريقة، مثل البارثينون، فيلا روتوندا وفيلا سافوي. وتم الكشف عن مجموعة من الطرق التي يستخدم بها المهندسون المعماريون النّسبة الذّهبيّة كأداة تصميم في الهندسة المعماريّة الحديثة والمعاصرة كفيلا الوحدة، ولوحظ أن النّسبة الذّهبيّة تستخدم لإقامة علاقات نسبية، وخلق الانسجام المكاني، وتوجيه وضع العناصر المعماريّة، ويتم استخدامها في تركيبات الواجهات لتحقيق نسب متوازنة وترتيبات جمالية للنوافذ والأبواب والعناصر الهيكلية. كما انها طبقت في الهندسة الدّاخليّة، في تخطيطات مخطط الطوابق.
كما برهنت هذه الورقة ان تأثير هذه النّسبة على الهندسة المعماريّة يمتد إلى ما هو أبعد من مجرد الجماليات، فان الالتزام بهذه النسب الرّياضيّة يمكن أن يعزز التنظيم المكاني، ويخلق شعورا بالتوازن، ويثير استجابات عاطفية إيجابية من الشاغلين والمراقبين. بينما يسعى المهندسون المعماريون جاهدين لتلبية الاحتياجات الوظيفية والاجتماعية والبيئية للشاغلين، ينبغي اعتبار النّسبة الذّهبيّة عنصرا قيما في سياق تصميم أوسع. تظل النّسبة الذّهبيّة مصدرا للإلهام، مما يشجع المهندسين على البحث عن التوازن والأناقة في سعيهم للحصول على تصميم خالد ومؤثر. مع تطور الاتجاهات والفلسفات المعماريّة، يستمر إرث النّسبة الذّهبيّة في تشكيل البيئة المبنية، تاركا علامة دائمة على عالم الهندسة المعماريّة.
للتعمق أكثر في تطبيق النّسبة الذّهبيّة في التصميم الداخلي، يطرح سؤال ملح: إلى أي مدى تؤثر النّسبة الذّهبيّة حقا على الإدراك البشري والخبرة داخل المساحات الدّاخليّة؟ يمكن أن تستكشف المزيد من الدراسات كيف يتفاعل الناس مع التصميمات الدّاخليّة ذات نسب النّسبة الذّهبيّة مقارنة بتلك التي لا تحتوي على مثل هذه النسب. من خلال إجراء دراسات المستخدم واستخدام التقنيات المتقدمة لقياس الاستجابات الفسيولوجية، يمكن للباحثين تقييم ما إذا كان وجود النّسبة الذّهبيّة يؤثر على الحالات العاطفية ومستويات التوتر والراحة العامة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن التحقيق في الاختلافات الثقافية في تفضيلات النسب، مما يسلط الضوء على كيفية استجابة المجتمعات المختلفة للتصميم المتأثر بهذا المفهوم الرياضي.
من خلال الجمع بين الأدلة التجريبية والحساسية الفنية للمصممين، يمكن للدراسات المستقبلية أن توفر فهما أعمق للدور الذي تلعبه النّسبة الذّهبيّة في تشكيل التجارب البشرية داخل المساحات الدّاخليّة. ستثري هذه الأبحاث مجال التصميم الداخلي وتساعد في خلق بيئات يتردد صداها لدى الناس على المستويين الوظيفي والعاطفي.
المراجع
كتب باللغة العربية:
• دوكزي، جورجي، النّسبة الذّهبيّة تناغم النسب في الطبيعة والفن والعمارة نسخة كاملة، ترجمة: ياسر عابدين؛ بيير نانو؛ ياسر الجابي، منشورات جامعة دمشق، كلية الهندسة المعماريّة، 2011
• هيغل، جورج فيلهلم فريدريش، المدخل إلى علم الجمال وفكرة الجمال، ترجمة جورج طرابيشي. دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 1988.
كتب باللغة الاجنبية:
• Benavoli ,A., Chisci, L., & Farina, A. J. S. P.. Fibonacci sequence: golden section, Kalman filter and optimal control. 89(8), 1483-1488, 2009.
• Doczi Gyorgi, THE POWER OF LIMITS Proportional , Harmonies in Nature, Art, and Architecture, Shambhala, Boston, 2005.
• Gardner, Helen, 1878-1946. Gardner’s Art through the Ages. New York :Harcourt Brace Jovanovich, 1975.
• Le Corbusier, Towards a new architecture, London : New York, Architectural Press، 1963
• Livio, M., The Golden ratio, Broadway Books, NY, USA, 2003
• Livio, M. The golden ratio: The story of phi, the world’s most astonishing number: Crown. 2008
• Pile, J., A History of Interior Design Wiley, 2nd Edition, 2003
• Stiny, G, The Palladian grammar, Environment and Planning B, 1978, volume 5
• Vitruvius, the Ten books on Architecture, translated by Ingrid D Dowland and Thomas Noble Howe, 1999
• Wilson Jones, M., Principles of Roman architecture, Published with the assistance of THE LEVERHULME TRUST; THE GRAHAM FOUNDATION; THE SAMUEL H. KRESS FOUNDATION; Printed In Singapore, 2000.
مقالات علمية رقمية (E-Articles):
• Akhtaruzzaman, M., Shafie, A. A., Raihan, S.M., Hasan, M., Ahsan, T., Alam, M., &Haider, M. B. (2011). Golden ratio, the Phi, and its geometrical substantiation. Paper presented at the 2011 IEEE Student Conference on Research and Development.(https://www.researchgate.net/publication/261457601_Golden_Ratio_the_Phi_and_Its_Geometrical_Substantiation)
• A. F. Horadam, “Eight hundred years young,” The Australian Mathematics Teacher 31 (1975) 123-134. (Department of Mathematics, University of New England) (https://faculty.evansville.edu/ck6/bstud/fibo.html
• Bartlett, C. The Design of The Great Pyramid of Khufu. Nexus Netw J 16, 299–311، 2014 (https://link.springer.com/article/10.1007/s00004-014-0193-9)
• B – Reinterpretare Le Corbusier – 2 – La “Composizione” di Ville Savoye, word Press, 2020 (https://gratuito1203.wordpress.com/2020/04/17/b-reinterpretare-le-corbusier-2-la-composizione-di-ville-savoye/)
• Bogomolny, A. J. I. M. M., & Puzzles.. Golden ratio in geometry, 2017 (https://digitalcommons.aaru.edu.jo/cgi/viewcontent.cgi?article=1608&context=faa-design).
• David N., Eugene C., Screen design with dynamic symmetry: A discovery, researchgate.net/publication/, Match 2005, Acc. June 2023
• Foutakis, P. J. C. A. J.. Did the Greeks Build According to the Golden Ratio? 2014 (https://www.researchgate.net/publication/271875029_Did_the_Greeks_Build_According_to_the_Golden_Ratio
• Sümeyye BAKIM1; Seyit YÖRE , INVESTIGATION OF APPLICATIONS OF FIBONACCI SEQUENCE AND GOLDEN RATIO IN MUSIC; (//https-dergipark.org.trtrdownloadarticle-file1206574.pdf)
• Tuszynski, M, Relationship between the Scale of the City and the Scale of Architecture, IOP Publishing, 2018 (https://iopscience.iop.org/article/10.1088/1757-899X/471/8/082074/pdf)
مواقع الكترونية (Web sites):
• amazingarchitecture.com/visualization/damavand-villa-in-tehran-iran-designed-by-plk21-studio
• andrewgoodwin.us/
• archdaily.com/902597/on-the-dislocation-of-the-body-in-architecture-le-corbusiers-modulor
• archive.org/details/de-divina-proportione
• bath.academia.edu/MarkWilsonJones
• britannica.com/biography
• cntower.ca/history
• doi.org/10.1007/s00004-014-0193-9
• goldennumber.net/golden-ratio
• goldenratiocolors.com/introduction-explanation-calculation-golden-ratio-colours
• holtsmithsonfoundation.org/spiral-jetty
• illustrationhistory.org/artists/jay-hambidge
• khanacademy.org/humanities/ap-art-history/later-europe-and-americas/modernity-ap/a/corbusier-savoye
• merriam-webster.com/dictionary/self-similarity
• plato.stanford.edu/entries/hegel-dialectics
• poesies123.com/poeme-cantiques-des-colonnes-paul-valery
• squarethree.com/projects/fibonacci-house/
• theartstory.org/artist/alberti-leon-battista
• The Design of The Great Pyramid of Khufu Screen design
• triangulations.wordpress.com/2015/04/02/golden-ratio-enthusiasts-phi-fantasies
• with dynamic symmetry: A discovery
الهومش