هل الطِيبَة غباء؟
أ.د.خديجة عبدالله شهاب([1])
تغيّرت في العقود الثلاث الأخيرة نظرتنا إلى بعض المفاهيم، والقِيم، وقلّت معرفتنا بما تعنيه لابتعادنا من القراءة والمطالعة، والشّغف بمواقع التّواصل الاجتماعي التي أخذت منّا الغالي والثّمين؛ حتى الطِّيبة لم تعد موجودة، والإنسان الطَّيب في عُرف البعض يعني الغبيّ.
فقد جاء في لسان العرب:”الطَّيب على بناء فِعْل، والطَّيب: نعت… وفلانٌ في بيتٍ طَيِّبٍ: يُكنّى به عن شرفه وصلاحه وطِـيبِ أَعْراقِه. وفي الصِّحاح: الطيَّب خلاف الخبيث؛ وقال ابن بريِّ: الأمر كذلك، إلّا أنّه قد تتسع معانيه… ونفسٌ طيّبة بما قُدِّر لها أيّ راضية؛ وطعام طيّبٌ للذي يستلذُّ الآكل طَعمه”. وعن ابن سيده فقد جاء: “طاب الشّيء طيبًا وطابًا: لذَّ وزكا”؛ وقال ابن الأثير:” … وقد يرِد الطّيب بمعنى الطّاهر” وإذا أردنا تتبع معانيها في بقيّة المعاجم فلا ننتهي منها.
فالشّرف قيمة قليل من يستطيع أن يمارسها في ظل الهجمة الألكترونيّة على مجتمعاتنا، والصّلاح لم يعد له وجود، وأصبح الخبث في المعاملة هو السّمة الأساسيّة لبعض بني البشر، ويحسبها فوزًا عظيمًا في عالم المعاملات، والأثر الطّيب الذي يجب أن تتركه في من تتعامل معهم، لم يعد يَسْكن بَالَ هؤلاء.
في المقابل؛ يعني الإنسان الطّيب هو الّذي يملك نفسًا راضية وقانعة؛ وإذا أردت أن تغيّر فيه شيئًا لن تفلح في ذلك لأنّه اختار الأمر بملء إرادته؛ ورفض أن يتأثر بالقِيم والعادات القادمة من المدينة، والمدنيّة والحضارة الوافدة إلينا الّتي لا تُقيم وزنًا لهذا النّوع من المواصفات الشّخصيّة والإنسانيّة.
وقد تصادف في حياتك من يتصرف خلاف ما تقدّم؛ فإذا قدّمت إنسانيتك في التّعاطي معه، يحسبك قليل الفهم؛ وبالتّعبير العامي” أجدبً” يعني بإمكانه أن يمرّر ما يحلو له من ألاعيب أخلاقيّة.
وأنت في حيرة من أمرك هل تتركه يمرر ما يريده ويشعر بوهم التّفوق عليك؛ أم تقف قبالته وتفهمه أنّه لم يفز في مبتغاه، وأنّك بحسب ما تبادر إلى ذهنه لست “أجدبَ” فتكون الصّاعقة الكبرى له.
ولأنّ البشر أجناس وأفكار متنوعة ومتعددة، فقد يتصرف البعض بحسب الأصول، والبعض الآخر، قد يصرف النّظر عما بدر من “الخبيث” والبعض الثالث سيتصرف برعونة، وآخر….
ولكن مهما كانت ردة الفعل في مقابل هؤلاء عليهم أنّ يفهموا أنّ الطيبة صفة جميلة ومهمّة، يتمسك بها حاملها في هذا الزّمن أكثر من أيّ وقت مضى، لأنّ الأمل الّذي سيشع في نفوسهم والبيئة من حولهم؛ هو ما يجعلنا نعرف أنّ هناك من لا يزال يؤمن بها، ولا يرغب في الانجرار وراء ما يُسمى بالتمدّن.
ما يعني أيضًا أنّ “الطّيبة” ليس غباءً أو ضعفًا في التّصرّف إنّما هي إيمان لم يعد يحمله الكثير من بني البشر.
- أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانيّة. قسم اللغة العربيّة، وجامعة المعارف، ومشرفة على رسائل ماجستير وأطاريح دكتوراه في الجامعة -[1]
Email:d.kshehab@hotmail.com اللبنانيّة، وأحد رئيسي تحرير المجلة.