عنوان البحث: فوضى العواطف: تحليل علمي موجز
اسم الكاتب: د. أحمد عبد الرؤوف عمار
تاريخ النشر: 20/12/2024
اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية
عدد المجلة: 34
تحميل البحث بصيغة PDFفوضى العواطف: تحليل علمي موجز
Chaos of emotions: A concise scientific analysis
د. أحمد عبد الرؤوف عمار[1] Dr. Ahmed AbdulRaouf Ammar
تاريخ الإرسال: 6-9-2024 تاريخ القبول: 18-9-2024
الملخص
يعدُّ استقرار العواطف هدفًا محوريًّا؛ يسعى الكثيرون لتحقيقه لخلق مبادئ ثابتة غير متبدلة لدى الجمهور مستندة الى تفكير منطقي نقدي بناء، ومع ذلك قد تنفلت العواطف في بعض الأحيان، وتخرج من نطاق السّيطرة، وتصبح غير متوقعة ومتضاربة بشكل يصدق عليه توصيف “فوضى”، ما يخلق نوعًا من الاضطراب النّفسي يؤثر على السّلوك اليومي للفرد، واضطرب في التفكير الجمعي قد يكون حصيلته تكريس العواطف المضطربة بشكل عادات وتقاليد.
في هذه الدّراسة، سنقدم موجز لتحليل شامل لمفهوم “فوضى العواطف” من منظور علمي، وسنناقش أسبابه وتأثيراته وطرق التّعامل معه سعيًا الى حالة التّوازن النّفسي العاطفي.
الكلمات المفاتيح: العواطف، الوعي الذاتي، الشّخصيّة، اضطرابات الشّخصيّة، السّلوك.
Abstract
The stability of emotions is a central goal that many strive to achieve, aiming to establish unwavering principles within the public, rooted in constructive critical thinking. However, emotions can sometimes spiral out of control, becoming unpredictable and contradictory to the extent that they can be aptly described as “chaos.” This emotional turmoil can create psychological disturbances that affect an individual’s daily behavior, and consequently, collective thought may become disrupted, leading to the entrenchment of these chaotic emotions in the form of customs and traditions.
In this study, we will present a summary of a comprehensive analysis of the concept of “chaos of emotions” from a scientific perspective. We will discuss its causes, effects, and ways to manage it in pursuit of emotional and psychological equilibrium.
Keywords: Emotions, Self-awareness, Personality, Personality disorders, Behavior.
المقدّمة
تخرج العواطف في أحيان معينة عن سيطرتها، ما يجعل الشّخص يشعر بالتوتر أو الحيرة أو تغيير السّلوك أو حتى الانهيار. وقد تصاب العواطف بعدم الاستقرار ،وتصبح غير متوقعة ومتضاربة بشكل يصدق عليه مصطلح “فوضى”، ما يخلق نوعًا من الاضطراب النّفسي الذي يمكن أن يؤثر على السّلوك اليومي للفرد.
في هذه الدّراسة، سنستعرض مفهوم مصطلح “فوضى العواطف” من منظور علمي شامل، وسنناقش أسبابه وتأثيراته وطرق التعامل معه.
فوضى العواطف في الأدب: تجسيد للتناقضات العاطفيّة
كان أدب المسرح العالمي دائمًا وسيلة لفهم الطبيعة الإنسانيّة، وقد سلط الضوء على “فوضى العواطف” بشكل جلي في العديد من الأعمال الكلاسيكيّة. من بين هذه الأعمال، نجد مسرحيّة “يوليوس قيصر” لويليام شكسبير، إذ تُعدُّ اللحظة التي يتعرض فيها قيصر للخيانة من صديقه المخلص بروتس تعبير عن فوضى العواطف في أقصى درجاتها(1). تلك اللحظة تجمع بين الصّدمة والخيانة والغضب، وهي تمثل التّعارض بين الشعور بالثقة العميقة والخيبة المطلقة.
وبالمثل، في مسرحيّة “عطيل” لشكسبير، نجد أن البطل يعاني من فوضى عاطفيّة متكاملة عندما يتأرجح بين الحبّ العميق لديدمونة وبين رغبة الانتقام منها بعد أن وقع فريسة لمزاعم خيانتها (2). هنا تتضح كيف يمكن أن يؤدي التناقض العاطفي إلى تحطيم الإنسان داخليًا. وهو ما يمثل محورًا أساسيًا في فكرة “فوضى العواطف”.
العواطف من منظور علم النّفس: تفسير الآليات النّفسيّة
لتقديم فهم أعمق لفوضى العواطف، يجب أولًا تحليل العواطف نفسها من منظور علم النّفس. العواطف ليست مجرد ردود أفعال لحظيّة أو مشاعر عابرة؛ بل هي نتاج سلوك لتفاعل معقد بين العمليّات العقليّة والفسيولوجيّة التي تحدث داخل الجسم.
نموذج الأنظمة الثنائية للسّلوك الذي اقترحه(3) (Strack and Deutsch,2004) يفسر السّلوك البشري على أنّه ناتج تفاعل بين نظامين معرفيين مختلفين: النِّظام الاندفاعي والنِّظام الانعكاسي. إليك شرحا لكل نظام:
النِّظام الاندفاعي
-تلقائي وسريع: يعمل النِّظام الاندفاعي تلقائيًا وبسرعة، غالبًا دون وعي. يقوم بمعالجة المعلومات بسرعة ويولد سلوكيات بناءً على عمليات الترابط.
-مدفوع بالعادات والعواطف: يعتمد هذا النِّظام على الروابط السّابقة والعواطف، ما يجعله يتأثر بشكل كبير بالتّجارب السّابقة والعادات والحالة العاطفية الحالية.
-استجابي: نظرًا لأنه يعمل بناءً على التّرابطات التّلقائيّة، فإن النِّظام الاندفاعي يميل إلى إنتاج استجابات فورية وردود فعل على المنبهات، غالبًا ما تكون مدفوعة بالرّغبات أو الغرائز أو المؤثرات البيئيّة.
-مثال: التفكير بالحصول على حلوى ينشط فكرة الأكل.
النِّظام الانعكاسي
-متأنٍ وبطيء: يعمل النِّظام الانعكاسي بشكل متأنٍ وبطيء في معالجة المعلومات. يشمل التّفكير المنطقي، والتّخطيط، واتخاذ القرارات الواعية.
-قائم على الأهداف والقواعد: يعتمد هذا النِّظام على التفكير المنطقي، والأهداف طويلة الأمد، والقيم الشّخصيّة. يقوم بتقييم عواقب الأفعال ويتخذ القرارات التي تتماشى مع تلك الأهداف والقيم.
-وظيفة مثبطة: يتمثل أحد الأدوار الأساسية للنظام الانعكاسي في كبح النِّظام الاندفاعي، عندما تتعارض الاستجابة الفورية مع الأهداف طويلة الأمد.
-مثال: الامتناع عن تناول وجبة الحلوى لأنك تحاول الالتزام بنظام غذائي صحي.
تفاعل كلا النِّظامية:
– التّنافس والتّعاون: يمكن للنظامين أحيانًا التنافس (مثل الرغبة الاندفاعيّة في تناول الحلوى مقابل الرّغبة الانعكاسيّة في الالتزام بنظام غذائي) أو التّعاون (مثل استخدام التّجارب السّابقة للمساعدة في اتخاذ قرارات على نحو هادئ).
-يعتمد على السّياق: قد يعتمد هيمنة أحد النِّظامين على الآخر على الموقف. في حالات التوتر أو الإجهاد، قد يسيطر النِّظام الاندفاعي، بينما في المواقف الهادئة التي تتطلب التّفكير، قد يقود النِّظام الانعكاسي السّلوك.
عندما يحدث تداخل بين هذين النِّظامين أو خلل في أحدهما، فقد يبدأ تغيير العواطف في الظهور، وقد يصل الى مرحلة الفوضى. قد يكون هذا التداخل ناتجًا عن ضغوط خارجيّة، أو تغيرات فسيولوجيّة، أو عوامل بيئيّة تؤثر على استقرار العواطف.
أسباب فوضى العواطف: تحليل العوامل المؤثرة
هناك عدة عوامل قد تساهم في ظهور فوضى العواطف، سواء أكانت تلك العوامل بيولوجيّة أو بيئيّة أو نفسيّة. يمكن تصنيف هذه العوامل كما يلي(4,5):
التقلبات المزاجية السّريعة: التقلبات المزاجيّة، سواء أكانت ناجمة عن أسباب داخليّة مثل الهرمونات، أو أسباب خارجيّة مثل التّوتر والضّغوط اليوميّة، يمكن أن تؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار العاطفي.
السّلوك الاندفاعي: عندما يجد الشّخص نفسه في موقف يسبب له ضغطًا عاطفيًّا كبيرًا، قد يلجأ إلى السّلوك الاندفاعي كوسيلة للتعامل مع تلك الضغوط. على الرّغم من أنّ هذا السّلوك قد يمنح الشّخص شعورًا بالارتياح اللحظي، إلّا أنّه غالبًا ما يؤدي إلى نتائج سلبية تؤجج الفوضى العاطفية.
مشاكل في العلاقات الشّخصيّة: العلاقات الشّخصيّة المعقدة أو غير المستقرة تمثل مصدرًا رئيسًا لفوضى العواطف. الصراعات المستمرة في العلاقات العاطفيّة أو الأسريّة قد تؤدي إلى استجابة عاطفيّة مفرطة وغير متوازنة، فيصبح من الصّعب السّيطرة على المشاعر.
صورة الذات المتقلبة: يمكن أن يؤثر الشّعور بالذّات المتقلبة على استقرار العواطف. الشّخص الذي يواجه صعوبات في تقدير نفسه، قد يتأرجح بين مشاعر الثقة والانهيار العاطفي، ما يعزز من حالة الفوضى.
الاستجابة المبالغ فيها للمواقف: بعض الأفراد يميلون إلى المبالغة في ردود أفعالهم تجاه المواقف اليوميّة. هذه الاستجابات المفرطة قد تؤدي إلى تضخيم المشاعر وتحويلها إلى مشاعر غير متناسبة مع الواقع، ما يزيد من تعقيد الفوضى العاطفيّة. كما قد يعاني الأشخاص الذين لديهم اضطراب ثنائي القطب من تقلبات حادة متكررة في الشّخصيّة بين حالات المزاج العالي (الهوس) والمزاج المنخفض (الاكتئاب).
الفرق بين العاطفة والشّعور: تحديد المفاهيم
لفهم فوضى العواطف بعمق، من الضروري التّمييز بين العاطفة والشّعور، وهما مفهومان يرتبطان ببعضهما البعض ولكنهما مختلفان في الطبيعة.
– العاطفة (6,7)(Emotion):: هي تجربة فسيولوجية وعقلية قوية ومركزة عادة اتجاه هدف معين. العواطف تتميز بأنها قوية وسريعة الظهور، وقد تؤدي إلى تغييرات فورية في السّلوك. مثال: عند الخوف تزداد ضربات القلب وسرعة التنفس وتتغير تعابير الوجه ويحدث التّعرّق بفعل إفراز الأدرينالين.
– الشّعور (7,8) (Feeling): هو تجربة ذاتيّة تتطور ببطء أكثر مقارنة بالعواطف، وهي تمثل وعي الفرد بحالته العاطفيّة. الشّعور يمكن أن يستمر لمدّة أطول من العاطفة، ويتيح للفرد الفرصة لتقييم تجربته الدّاخليّة. الشّعور هو وعي أو استجابة واعية أو إدراك. مثال: الشّعور بالقلق وعدم الارتياح بعد الخوف.
فوضى العواطف والاضطرابات النّفسيّة: تشخيص دقيق
يمكن أن تتطور فوضى العواطف لتصبح جزءًا من اضطراب مرض نفسي أكثر تعقيدا إذًا لم التّعامل معها بشكل صحيح. إحدى هذه الحالات هي اضطراب الشّخصيّة غير المستقرة (Borderline Personality Disorder)، إذ يجد الشّخص صعوبة بالغة في تنظيم مشاعره وتكون ردود فعله العاطفية غير متناسبة مع المواقف. ومع ذلك، فليس كل من يعاني من فوضى العواطف مصابا باضطراب نفسي (5).
الفوضى العاطفية يمكن أن تظهر أيضًا في الأشخاص الأصحاء وقد تكون بين مدة وأخرى، خاصةً في الحِقب التي يواجهون فيها ضغوطًا نفسيّة أو اجتماعيّة كبيرة. في مثل هذه الحالات، تكون الفوضى مؤقتة، ويمكن التغلب عليها من خلال العلاج النّفسي أو الدّعم الاجتماعي المناسب.
يقترح باحثون ست مراحل في تصنيف حالات تبدل العواطف(9)، وهي كما يلي:
- عاطفة غير مقبولة.
- صعوبة انخراط بالسّلوك الهادف.
- صعوبة التّحكم بالاندفاعات.
- فقدان الوعي العاطفي.
- وصول محدود الى استراتيجيّة تنظيم العاطفة.
- فقدان الوضوح العاطفي.
إن مصطلح فوضى العواطفChaos هو أوسع وأكثر استمراريّة من مصطلح عدم استقرار العواطف Instability والتي هي حالة يشعر عندها المرء بإرهاق عاطفي بسبب شعور متداخل، وفقدان للسيطرة على العواطف مؤديا الى اضطراب وارباك.
النفاق الاجتماعي وفوضى العواطف: مقارنة ضروريّة
من المهم التّمييز بين فوضى العواطف وبين النّفاق الاجتماعي. في حالة النّفاق، يعبر الفرد عن مشاعر غير حقيقية لتحقيق أهداف معينة، مثل كسب ود الآخرين أو التّلاعب بمشاعرهم. أمّا فوضى العواطف فهي حالة من التشتت الداخلي العميق، إذ يجد الفرد نفسه غير قادر على تنظيم مشاعره أو التحكم بها او يظهر ذلك.
مراحل الفوضى العاطفيّة: تصنيف تدريجي
يمكن تصنيف فوضى العواطف إلى عدة مراحل تختلف في شدتها وتأثيرها على الفرد:
1- بعثرة(Disarray or Scattering) : في هذه المرحلة، يشعر الفرد بتشتت بسيط في مشاعره، حيث يبدأ بفقدان القدرة على تنظيم عواطفه بشكل متماسك.
2- تشوش(Confusion) : يتفاقم الأمر في هذه المرحلة، فيصبح التشوش العاطفي أكثر وضوحًا، ما يؤثر على قدرة الفرد على اتخاذ قرارات منطقيّة.
3- هرج(Heck) : هنا تتصاعد الفوضى بشكل أكبر، إذ يصبح تأثير العواطف غير المتوازنة على السّلوك واضحًا، ما قد يؤدي إلى ردود فعل غير محسوبة أو سلوكيات مدمرة.
4- جحيم(Hell) : في هذه المرحلة القصوى، يصل الفرد إلى حالة من الفوضى العاطفيّة الكاملة، إذ يفقد السّيطرة التّامة على مشاعره، ويصبح عرضة للانهيار النّفسي أو العواقب الجسديّة الوخيمة.
استراتيجيات استقرار العواطف: نحو تنظيم أفضل للعواطف
استقرار العواطف هو هدف يسعى الكثيرون لتحقيقه، ويمكن تحقيقه من خلال تبني مجموعة من الاستراتيجيات النّفسيّة والاجتماعيّة ويمثل العلاج النّفسي، وخاصة العلاج السّلوكي المعرفي، والعلاج الجدلي السّلوكي، أداة فعالة في مساعدة الأفراد على تطوير مهارات إدارة العواطف وتحسين تفاعلهم مع الآخرين. كما أنّ خلق مبادئ لدى الجمهور مستندة الى التفكير المنطقي النقدي البناء يساهم جديًّا في مواجهة التّغيرات الاجتماعيّة المؤديّة لاضطراب أو تبدل العواطف.
المراجع
- ويليام شكسبير. يوليوس قيصر. ترجمة: حسين أحمد أمين. المكتبة الكلاسيكيّة، دار الشروق. القاهرة. 1994. الفصل الثالث، المشهد الأول.
- ويليام شكسبير. عطيل. تعريب: خليل مطران. دار مارون عبود. بيروت. 1974. الفصل الخامس، المشهد الثالث.
- Strack F, Deutsch R. Reflective and impulsive determinants of social behaviour. Personality and Social Psychology Review 2004; 8(3): 237.
- National institute of mental health. Borderline personality disorder. nimh.nih.gov
- Ahuja N. A short textbook of psychiatry. Jaypee Brothers Medical Publishers, India. 2011.pp: 69-82, 113-120.
- britanica.com
- wikipedia.org
- meriam-webster.com
- Gratz KL, Roemer L. Multidimensional assessment of emotion regulation and dysregulation: development, factor structure and initial validation of the difficulties in emotion regulation scale. Journal of Psychopathology and Behavioral Assessment 2004; 26(1): 41-54.
1– دكتوراه طب. استشاري جراحة قلب. بغداد، العراق.
- Consultant Cardiac Surgeon. Baghdad, Iraq. Email: ahmed.ar.ammar@gmail.com