أضواء على تطوّر أنظمة الأراضي في المشرق العربيّ
جورج يوسف العلم*
مقدّمة
شكّلت الأرض في العهود ما قبل عصر الرأسماليّة مصدر ثروة المجتمعات الفلاّحيّة، والريعيّة المشرقيّة، وخزّان مواردها الماليّة والمادّيّة. واحتلت صدارة الاقتصاد العربيّ والإسلاميّ، ومن ثمَّ العثمانيّ على أساس أنّها القاعدة الأساسيّة للإنتاج. وأدت ملكيّة الأرض الزراعيّة دورًا مُهِمًّا في تطوّر المجتمعات البشريّة حيث خضعت هذه المجتمعات لتأثير تطوّرات الملكيّة من الناحية الحقوقيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة. فالملكيّة العقاريّة كانت ولا تزال “تخترق النسيج الاقتصاديّ، والاجتماعيّ، والثقافيّ معًا، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالصراع على السلطة من خلال دور الدولة في السيطرة على الأرض الزراعيّة، وفرض الضرائب عليها، وتلزيم أبرزها من جهة، ومحاولة القوى المنتجة خصوصًا الفلاّحيّة منها التملّص من أعباء تلك الضرائب، وما يتبعها من خوّات، وبلص، وسخرة، ومصادرات، وعقاب جماعيّ، وتهجير، ونزوح من جهة أخرى”([1]).
ونتيجة لارتباط تطوّر المجتمعات بنظام ملكيّة الأرض وريعها عرف المجتمع العربيّ تحوّلات اجتماعيّة عدّة كانت الأرض محورها الرئيس منذ الدولة الإسلاميّة الأولى إلى نهاية الحكم العثمانيّ وبداية التجزئة الاستعماريّة للوطن العربيّ. لذا عُدَّت ملكيّة الأرض قضيّة معقّدة في المشرق العربيّ، لتنوّع قوانينها، وأنظمتها باختلاف الدول والشعوب المتعاقبة على حكم هذه المنطقة، وأنظمتها الخاصّة بها. وعلى الرغم من ذلك، “فهناك وراء كلّ هذا التنوّع الشديد، نمط رئيس كانت له السيادة في العادة، ويشمل الدولة والفلاّح، والوسيط، وكانت ملكيّة الأرض (الرقبة) تتركّز في يد الدولة أو الوالي، مع بعض استثناءات قليلة مثل المُلك، والأرض الحرّة (وكانت لها السيادة في المدن)، والوقف حيث كانت الملكيّة تُعدُّ ملكيّة تحوّلت إلى الله، مع تخصيص دخلها لأغراض دينيّة، أو خيريّة خاصّة”([2])، وفي هذه الحالة، كان الفلاّح الذي يعمل على الأرض يملك فقط حقّ الانتفاع الذي تطوّر إلى حقّ التّصرّف، ثمَّ إلى ملكيّة مطلقة بعد صدور قانون الأراضي العثمانيّ عام 1858م.
ولقد مرّت أنظمة الأراضي وأحكامها في المشرق العربيّ، بأدوار متعدّدة اختلفت أحوالها باختلاف العصور التّاريخيّة ومراحلها منذ الفتح العربيّ الإسلاميّ إلى نهاية الحرب العالميّة الأولى.
“فكان أوّل أدوارها في عصر الإسلام قبل الدولة العثمانيّة”.
“ثمّ تلاه دور الأتراك قبل السلطان سليمان القانونيّ”.
“ثمّ دور السلطان المومى إليه”.
“ثمّ قانون الأراضي الذي بقي نافذًا إلى أن أُدخلت القوانين المؤقّتة أيّام الاتّحاديّين، وبقيت لغاية نهاية الحرب العموميّة”([3]).
أنظمة الأرض منذ دولة صدر الإسلام حتّى نهاية العهد العبّاسيّ المركزيّ.
لم يعرف مجتمع شبه الجزيرة العربيّة الزراعة على نطاق واسع، بل اعتمدت التجارة كقاعدة لاقتصاد مكّة، والمدينة، والحجاز بشكل عامّ. واقتصرت الزراعة على الواحات التي كانت ملكًا جماعيًّا، في شكل مشاعيّة بدائيّة للقبائل العربيّة نصف المسترّة، في حين عرفت واحات المدينة (يثرب)، والطائف الملكيّة الخاصّة([4]).
وبعد الفتح العربيّ الإسلاميّ لليمن، والعراق، ومصر، وبلاد الشام، اكتسبت الدولة العربيّة الإسلاميّة الأولى، الأراضي الزراعيّة في هذه الأقاليم. فأدّى ذلك “إلى بروز إشكاليّة ملكيّة الأرض، وما أفرزته من نتائج ذات أثر بعيد في حياة المجتمع العربيّ في مرحلة صدر الإسلام، وفي المراحل التالية”([5])، وهكذا تحوّل المجتمع المكّي، والقُرشيّ التجاريّ إلى الزراعة في الأقطار المفتتحة حديثًا. ونتيجة لهذا الفتح العربيّ والإسلاميّ وتوسّعه، انحلّت السيطرة القَبَليّة، والعشائريّة لتتحوّل إلى تحالف العشائر الإسلاميّة الجديدة بتعدّد فئاتها الاجتماعيّة من مقاتلين، وتجّار، ورعاة، وزرّاعٍ، ومَوالٍ، وأنصار وغيرهم. وكلّما اتّسعت الفتوحات العربيّة والإسلاميّة كان يتزعزع الموقف التعاونيّ والتعاضديّ للقبائل التي رسخت أقدامها واستقرّت في مواطنها الجديدة وامتلكت الأراضي الزراعيّة المنتجة. وكانت هذه الجماعات عندما تصبح “قادرة على إنتاج ما يفيض عن حاجاتها الضروريّة تتزايد إمكانيّة تراكم الثروة بين أفرادها، بين الذين يملكون أكثر، والذين يملكون أقلّ، والذين لا يملكون”([6]).
من هنا بدأ الصراع للاستئثار بالغنائم، وفائض ريع الأرض التي استولى عليها المسلمون منذ العهد الراشديّ. وأخذت الدولة الإسلاميّة الأولى تتحكّم بفائض الغنائم المنقولة، وغير المنقولة.
وأصبحت تجبي الضرائب الخراجيّة والعُشريّة من المتصرّفين بالأراضي، ما أدّى إلى تراكم الثروة في خزينة الدولة (بيت المال)، وإغناء عناصر أجهزة الدولة العسكريّة، والمدنيّة، وتكوين الأرستقراطيّة العربيّة الإسلاميّة ولا سيّما منذ عهد الخليفة عثمان بن عفّان([7]). وذلك إخلاصًا وإيمانًا بمبادئ الإسلام الذي دعا إلى الأخوة في الدين، وإلى استمرار الجهاد، أوجدت الدولة الإسلاميّة الأولى ثلاثة أحكام للأرض التي فُتحت وضُمت إلى ممتلكاتها: “أرضٌ أسلم عليها أهلها، فهي ملك أيمانهم، وهي أرض عُشر، لا شيء عليهم فيها غيره. وأرضٌ افتتحت صلحًا على خُرج معلوم: فهم على ما صُولحِوا عليه، لا يلزمهم أكثر منه. وأرضٌ أخذت عنوة. فهي التي اختلف فيها المسلمون، فقال بعضهم: سبيلها سبيل الغنيمة فتخمّس وتقسّم، فيكون أربعة أخماسها خططًا بين الذين افتتحوها خصوصًا، ويكون الخمس لمن سمّى الله تبارك وتعالى. وقال بعضهم: بل حكمها والنظر فيها إلى الإمام، إن رأى أن يجعلها غنيمة، فيخمسّها كما فعل رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بخيبر – فذلك له وإن رأى أن يجعلها فيئًا فلا يُخمسّها ولا يقسّمها، ولكن تكون موقوفة على المسلمين عامّة ما بقوا، كما صنع عمر بالسواد – فعل ذلك”([8])، أي لم يُقسّمها حتّى لا يحرم أحدًا من المسلمين والمجاهدين.
وهكذا كانت الأراضي العشريّة هي الأراضي المملوكة التي أسلم عليها أهلها، ويتصرّف بها أصحابها “بجميع التصرّفات في الإسلام، ولا جزية على رؤوسهم، ولا خراج على أراضيهم”([9])، أمّا الأراضي الخِراجيّة فهي الأراضي المملوكة أيضًا من قبل الأهالي غير المسلمين، وضُرب عليها الخراج، ولكن تعود رقبتها إلى بيت المال إذا تُوفِّيَ المتصرّف بها من دون وارث شرعيّ، أي إذا انقرضت سلالته. لذا كان المسلمون يحتفظون بأراضيهم العشريّة المملوكة بتوارثها، وبتكاثر نسلهم عن طريق تعدّد الزوجات، وإنجاب الذكور الوارثين. لأنّ “كلّ من مات من المسلمين لا وارث له فماله لبيت المال، إلاّ أن يدَّعي مُدّعٍ منها شيئًا بميراث يرثه من مات، وتركها، ويأتي على ذلك ببرهان وبيّنة فيُعطى منها ما يجب له”([10]). وكان أصحاب الأراضي الخراجيّة المملوكة يخسرون الأرض بصراعهم مع القبائل الوافدة، والطوائف الأخرى، أو بهجرتهم من مناطق تواجدهم الأصليّة في المشرق العربيّ تحت ضغط الحروب والعوامل الطبيعيّة.
ومنذ تأسيس الدولة الإسلاميّة الأولى، وُضعت في المشرق العربيّ، قواعد التصرّف بالأراضي التي أصبحت في ما بعد الركيزة الأساسيّة لأنظمة الأراضي المتّبعة في الدولة العثمانيّة. وقد قسّمت الأراضي على النحو التالي([11]):
- المباني والعَرَصَات الملحقة بها من أرض الجدار، والحواكير، والحدائق المتمّمة للسكن، والمحيطة بالأبنية وملحقاتها، وهي من الأراضي المملوكة في الإسلام استنادًا إلى القوانين الرومانيّة.
- الأراضي الزراعيّة: وهي أراضي المسلمين العشريّة (مملوكة)، وأراضي الصلح الخراجيّة (مملوكه)، وأراضي الفيء والغنيمة (أراضي أميريّة)، والأراضي الموات.
- الصوافي، أو عقارات بيت المال، وهي العقارات التي يصطفيها الإمام، أو الحاكم لنفسه بوصفه رأس الدولة، أو بصفته الشّخصيّة، أو العقارات التي يختارها لتكون وقفًا للمصلحة العامّة فتغذّي خزينة بيت المال.
- أراضي الحِمى، والارتفاق، والأراضي المحميّة والمرفقة، وهي الأراضي المشتركة التي كانت تخصّص للمنفعة العامّة من مراعٍ، ومحاطبٍ، ومشاربٍ، وطرقٍ، وأسواق، ومجار مائيّة، وينابيع، وأنهار.
- وأخيرًا الأراضي الوقفيّة.
وكانت كلّ أنواع هذه الأراضي تعدّ ملكًا للأمّة الممثّلة في ظلّ دولة صدر الإسلام بأمير المؤمنين، أو الخليفة، وكان الخلفاء الراشدون يشرفون بأنفسهم على جباية الخراج ليتمكّنوا من محاسبة الولاة والقضاة على ما جنت أيديهم من أموال وأرباح. وكان هذا النظام يسمّى نظام المقاسمة([12]). ويقابله نظام الالتزام، أو نظام الإقطاع الذي كان على نوعين: إقطاع استغلال، أو إقطاع تمليك. وهذا الأخير يقسم إلى إقطاع الأراضي الموات، وإقطاع الأراضي العامرة([13]).
وكان يُفترض أن يكون إقطاع التمليك من الأراضي الموات “لأحيائها أو من أرض الصوافي ويُعطى صاحبه حقّ الملكيّة ويدفع عنه العشر. أمّا إقطاع الاستغلال فهو مؤقّت، وهو شبيه بالمزارعة، ويدفع صاحبه عادة الخراج”([14]).
وأوّل من طبق نظام الإقطاع في الإسلام النبيّ محمّد (صلى الله عليه وسلم) عندما أقطع على نفسه أوّلًا ثمَّ على أبي بكر، وعبد الرحمن بن عوف، أراضي بني النّضير لتأمين مصاريف أسرهم من غلّتها بعد أن تركوا التجارة، وبدأوا الجهاد في سبيل الدين الجديد([15]). وكان الهدف من هذا الإقطاع أن يُمنح “بعض الناس غلّة أرض من أراضي الدولة لبلائهم في الجيش، أو لعظم فائدتهم للأمة”([16]). ولكن لم يحافظ على هذا الهدف من الإقطاع بعد توسّع الفتوحات العربيّة الإسلاميّة، وسيطرة الدولة الحديثة على أراضٍ واسعة تحتاج إلى أيد عاملة كبيرة لإحياء الأراضي الموات، وإشغال العامر من الأرض واستثماره. لذا درجت الأعراف الإسلاميّة على إقطاع بعض الأشخاص الأراضي كي لا تتحوّل كلّها إلى ملكيّة عامّة، وتلحق ببيت المال فتتطلّب تفرّغ عدد كبير من المزارعين على حساب الجهاد العسكريّ، أو تعود إلى الأراضي الموات فتخسر الخزينة ريعها العقاريّ.
ومن هنا يمكن فهم تحوّل بعض الأراضي إلى “ملكيّة خاصّة اقتطعها الحاكم، أو الأمير، ودفعها إلى بعض النّاس على أن تكون لهم رقبتها وهي القطائع (جمع القطيعة)”([17])، إذًا كان من شروط الإقطاع، أن تكون الأرض مواتًا، أو خرابًا تحتاج إلى إحياء، “… وليست لأحد، ولا في يد أحد، ولا ملك أحد، ولا وارثة، ولا عليها عمارة”([18]). وأن لا تكون من الأملاك المحميّة، أو المرفقة، “لأنّ سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الكلأ والنار والماء أن الناس جميعًا شركاء”([19]). ومن شروط الإقطاع أيضًا ألا تكون في الأرض معادن ظاهرة يحتاج الناس إليها، أما إذا كان المعدن في باطنها فيعود الحكم في الإقطاع للإمام([20]).
ولكن هذا الإقطاع المشرقي كان يختلف عن الإقطاع الأوروبي، “فالقطيعة (بمعناها الأساسيّ) أرضٌ تقتطعها الدولة من أملاكها وتمنحها،من دون تحديد مدة، في غالب الأحيان إلى رجل مسلم يمارس عليها جميع امتيازات المالك، وليس له فيها أيّ حقّ من حقوق السيادة”([21])، بينما في الغرب “تحوّلت الجماهير الشّعبية تدريجيًّا إلى عبيدٍ، والأرض دخلت في عداد ملكيّة البارونات”([22]).
وفي البداية كانت القطائع أو “الإقطاعات” غير وراثية وكانت تُمنح للقبائل العربيّة المجاهدة، ولكن مع وصول الخليفة عثمان بن عفان إلى السلطة بدأ النظام الإقطاعيّ الإسلاميّ المشرقيّ يتكوّن، وأخذت القطائع “تُعطى للقادة والأسياد، وبكلمة واحدة للأرستقراطيّة التي لم تكن لتدفع سوى الزكاة، بينما ضريبة الخراج على هذه الإقطاعات نفسها كان يدفعها شغيلتها من مسلمين وغير مسلمين”([23]). ومن ثمَّ يُسمح لأصحاب القطائع بتوريثها لأبنائهم.
وكان من واجبات صاحب القطيعة أو المقطع وملتزم الأرض استثمارها، وإحياء الموات منها، وتعميرها بالبناء، وتحجيرها لتصبح ملكًا له. فإنْ أهمل هذه الشروط تُنزع الأرض منه، وتسلّم إلى شخص آخر يستغلّها، ويحسن استثمارها، ويدفع خراجها([24]). ولقد نصّ الشرع الإسلاميّ على “أنّ من أحيا أرضًا مواتًا فهي له”، بينما من يهمل زراعة الأرض تعود بعد ثلاث سنوات إلى الدولة لتُقطع إلى شخص آخر([25]).
وبما أنّ الدولة الإسلاميّة الرشيديّة كانت تشرف على طرق استثمار الأراضي، عُدّتْ هذه الأراضي ملكًا اسميًّا لها، أو للخليفة([26]). واستمرّ هذا التقليد متّبعًا حتّى صدور قانون الأراضي العثمانيّ عام 1858م.
وإنّ إشراف الدولة المباشر على طرق استثمار الأراضي، وجباية ضرائبها الخراجيّة، والعشرية عزز دورها المركزيّ، وهمّش دور أصحاب القطائع الذين لم يكونوا أحرارًا في التصرف بها بل كانوا ملزمين بأداء العشر الواجب على كلّ مسلم. وكان حجم الالتزام، أو الإقطاع غيره في حالتي إقطاع الاستغلال، أو إقطاع التمليك حسب نوع القطيعة واتساعها، فهو يمكن أن يشمل أرضًا واسعة تضمّ ضياعًا عدّة، أو يقتصر على قرية واحدة، أو جزء منها([27]).
وهكذا تحوّلت ملكيّة الأرض الجماعيّة المشتركة، التي “عاشت في صورة ملكيّة قَبليّة مشرقيّة”([28])، في صدر الإسلام، إلى نظام ملكيّة القطائع الذي كان الممهّد لنشوء الملكيّة الخاصّة. “فأصحاب القطائع (المقطعون) لم يكونوا يتوارثونها فحسب، وإنّما كانوا يتبايعونها أيضًا، مع أنّ التشريع كان يسمح لهم بتوريثها فقط، كذلك كانت الأض تُعطى لشخص مدى الحياة أو لمدة قصيرة”([29]) كإقطاع تمليك.
استفاد الأمويّون من أنظمة الأرض في العهد الراشديّ، ومن التوجّه نحو الزراعة على أساس أنّها مصدر ثابت للثروة. وفي الوقت الذي “حاولوا فيه إنماء واردات دولتهم وزيادتها،… جهدوا أن ينمّوا مواردهم الخاصّة، لذا فقد اصطفوا خيرة الأراضي لأنفسهم ولأنصارهم. كما بذلوا نشاطًا ملحوظًا في إحياء الأراضي الموات، وضمّها إلى أملاك الخليفة كصوافي”([30]). وانطلاقًا من أهمّيّة الملكيّة الفرديّة كوسيلة ناجحة لكسب الأنصار، والمؤيّدين، أو لإبعاد خطر الطامعين بالسّلطة، حاول الأمويّون تكريس سيطرتهم الطبقيّة والأرستقراطيّة من خلال ترسيخ علاقات الإنتاج الإقطاعيّة المتحصّنة بطابعها العسكريّ. “أمّا المصلحة الطبقيّة هذه فقد تكوّنت من أن معاوية وأسرته أصبح في حيازتهم أراضٍ واسعةٍ كانت قبل الفتح العربيّ – الإسلاميّ مُلكًا لإمبراطور بيزنطيّة وأرستقراطيّتها، وكان مفترضًا – حسب نظام الأراضي في الإسلام – أن تكون ملكًا عامًّا للدولة الإسلاميّة، ولكنها تحوّلت، تحت سلطة معاوية وأقربائه وبطانته، إلى ملكيّة خاصّة”([31]). ليصبح وأخصّ أقربائه، وحاشيته من أكبر المالكين العقاريّين، ويؤلّفون الأرستقراطيّة الإقطاعيّة الجديدة.
“وقد أباح الأمويّون للجاليات العربيّة الوافدة مع جيوش الفتح أن تمتلك ما تشاء من الأرض في البلدان المُستولى عليها، فتهافت أصحاب الثروة والسلطة من العرب على امتلاك الأراضي في العراق، ومصر، وسائر الأقطار المعروفة بحسن تربتها وغزارة مياهها”([32]). وأخذ هؤلاء المالكون الأغنياء، والجدد يبذلون قصارى جهدهم لاستصلاح الأراضي المقطعة لهم، وذلك خلال استغلال عرق المزارعين، والفلاّحين العاملين على تلك الأراضي وكدحهم. وكان المالكون الصغار من أصحاب حقّ التصرّف، والعاملون على الأراضي المستولى عليها يلجأون إلى المتنفّذين من الأمويّين طلبًا للحماية وتودّدًا إلى أرستقراطيّتهم الذين كانوا يستولون على الأرض مقابل تقديم حمايتهم للسكان المحليّين الذين كانوا يتحوّلون تدريجيًّا إلى مجرّد عمّال زراعيّين يعملون بنظام المقاسمة أي المحاصصة، والمزارعة عند الأسر الأمويّة والعربيّة الأخرى.
ولم يأت العهد العبّاسيّ حتّى كان كبار الأرستقراطيّين “يستولون بأنفسهم على الأرض من دون رادع ويبعثونها حيّة بفضل العمل الفنّيّ فتدرّ عليهم الأرباح الطائلة مقابل دفع العُشر”([33]). ثمَّ يعمدون بعد ذلك إلى توريثها، وتحويل القطائع إلى أملاك خاصّة تنتظر القوانين، والتشريعات لتسجيلها على أسماء أصحابها مدى الحياة.
لم يغيّر العبّاسيّون في ظلّ دولتهم المركزيّة الأولى الأعراف، والتشريعات السابقة، بل اتّبعوا في مسألة نظام الأرض سياسة أسلافهم الأمويّين. وقد توسّعت في عهدهم الملكيّة العقاريّة الخاصّة للأرض عن طريق الإقطاع، أو الشراء، أو الإلجاء، أو إحياء الأرض الموات، وغير ذلك”([34]).
وساهم العبّاسيّون في تكوين الشروط الملائمة لانتقال القطائع إلى نوع من الملكيّات الخاصّة الوراثيّة حيث أصبح الإقطاع يعني حقّ التصرّف بالأرض ومن عليها بعد أن كان قبل القرن التاسع للميلاد حقّ استئجار الأرض مقابل دفع العشر لبيت المال([35]).
وحرصًا على إمداد بيت المال بالضرائب اللازمة لجأ الخلفاء منذ أيّام هارون الرشيد إلى مبدأ تلزيم الضرائب. ليصبح بذلك ملتزمو الضرائب من أبرز موظّفي الخلافة العبّاسيّة يتحكّمون بمناطق التزامهم. وفي أكثر الأحيان، كان الإقطاعيّون يفوزون بالتزام إقطاعاتهم، ومناطق أخرى مجاورة لها سيطروا عليها بالقوّة في ظلّ مباركة الدولة المركزيّة لهذه السيطرة لقاء تأمين العُشر، والرسوم المتعدّدة لبيت مال المسلمين.
وكانت الأراضي، في ظلّ الحكم العبّاسيّ المركزيّ، تُمنح لقوّاد الجند، وكبار موظّفي الدولة، والمقرّبين من الخليفة، وحاشيته ما عزّز الإقطاع العسكريّ والوظيفيّ([36]). ويرتكز النظام المقاطعجيّ اللبنانيّ إلى هذا النمط من الإقطاع العسكريّ، وذلك منذ استقدام القبائل العربيّة، من تحالف تنوخ في عهد أبي جعفر المنصور، إلى السواحل الشاميّة لحماية ثغورها من هجمات الروم البيزنطيّين والفرنجة الصليبيّين([37]). ولقد ارتبط منح القطائع في الجبال اللبنانيّة، والسواحل الشاميّة، بمَهَمَّة المرابطة، والدفاع عن أراضي الدولة العبّاسيّة المركزيّة وممتلكاتها.
وقد حملت تلك العناصر معها “نظامًا قَبليًّا واضحًا يرتكز على شيخ القبيلة، أو العشيرة الذي يُنتخب شكليًّا من قبل القبيلة، لكنّه يمثّل فعلًا أقوى زعمائها عسكريًّا، وأغناهم مادّيًّا. وهكذا تشكّلت نواة جهاز حاكم يستند إلى استغلال معظم أفراد القبيلة لصالح أقلية ضئيلة من المشايخ تتحالف أحيانًا، وتتحارب في سبيل الانفراد بالسيطرة القَبَليّة”([38]).
ومن هنا ارتبط تطوّر الدولة العربيّة الإسلاميّة في المشرق العربيّ بنظام الملكيّة العقاريّة، وطرق استغلال الأراضي لتغيب الدولة المركزيّة القويّة صاحبة حقّ الرّقبة على الأرض لصالح القادة العسكريّين، والمتنفّذين من تجّار المدن، وأعيان الريف، وزعماء البدو على حساب القوى المُنتجة من مزارعين، وفلاّحين، ومرابعين وغيرهم.
مع انهيار الدولة العبّاسيّة الأمّ “انتهى عهد النظام الإقطاعيّ المركزيّ لصالح عهد التشتّت الإقطاعيّ”([39])، وظهور الدويلات، والإمارات الطائفيّة المختلفة المنتشرة في أرجاء المشرق العربيّ.
أنظمة الأراضي في عهد الدويلات الإسلاميّة السلطانيّة
على الرغم من ضَعف الدولة الإسلاميّة المركزيّة، وانتقال السلطة إلى دويلات يحكمها سلاطين كالبويهيّين، والسلاجقة، والمماليك وغيرهم، “إلاّ أنّ أحدًا لم يعمل على تغيير الوضع القانونيّ للأراضي، فبقيت الدولة هي المالكة القانونيّة والرئيسة لمعظم الأراضي”([40]).
ومع توسّع الدويلات السلطانيّة أصبحت الحاجة ملحّة إلى زيادة أعداد الجند واستمالة رؤساء العشائر، والقبائل للقتال إلى جانبها، لذلك أخذت هذه الدويلات تُغري قادة الجند، وزعماء العشائر، ورؤساء القبائل بمنحهم القطائع من الأراضي الزراعيّة لتأمين نفقات مقاتليهم ومواردهم الماليّة الخصوصًا. ما أدى إلى نشوء الإقطاع الحربي أو العسكري.
ويعدُّ البويهيّون أوّل من ثبّت الإقطاع العسكريّ في المناطق العربيّة – الإسلاميّة في المشرق العربيّ بعد أن أدخلوا الخدمة العسكريّة كمعيار في تعيين حجم الإقطاع([41])
وكان همّهم الحصول على أكبر ما يمكن من الواردات الضريبيّة، وتشكيل جيش جرّار بمصاريف زهيدة. “وبدل أن يدفعوا رواتب لجندهم، ذهبوا إلى إقطاعهم الأراضي والقرى، ويأخذون من وارد ضرائبها، بدل الرواتب”([42]). وعندما كان الجنود يهملون أراضيهم المُقطعة، ويعجزون عن دفع ضرائبهم، يعوّض السلطان عليهم بقطائع جديدة أكثر خصوبة من الأولى، فازدادت بذلك المساحات الزراعيّة المعطّلة، لأنّ الجنود غالبًا، كانوا يهملون قطائعهم بعد استغلالها لمدّ،ة وانتقالهم إلى مواقع جديدة وقطائع بكر غير مستغلة سابقًا.
ورافق الإقطاع العسكريّ البويهيّ اشتداد عمليّات استغلال الفلاّحين، والأهالي العاملين على الأراضي المُقطعة، حيث عمدت القوى المتسلّطة من مدنيّة وعسكريّة في الأقاليم على استغلال الأراضي الزراعيّة بممارسة قهرها الطّبقيّ على القوى المنتجة الفلاّحيّة للحصول على فائض الرّيع العقاريّ، وتأمين مصارفات القوى العسكريّة المحلّيّة وجمع الأموال بكلّ وسيلة ممكنة. ونتيجة لعمليّة القهر هذه سعى الفلاّحون، والعاملون على الأراضي الخراجيّة إلى الالتجاء، وطلب الحماية من القادة العسكريّين بضمّ أراضيهم إلى القطائع العسكريّة التي كانت تزداد اتّساعًا على حساب الملكيّات الفلاّحيّة الصغيرة([43]).
ويختلف إقطاع البويهيّين للعسكريّين عن إقطاع التّمليك والاستغلال. فلم يكن للمقطع حقّ التّملك أي حقّ الرّقبة، بل كان له حقّ الاستغلال، أو الارتفاق([44]). وكان هذا الإقطاع بالأساس إقطاعًا لوارد الأرض ومنتوجاتها في الأراضي الزراعيّة التي لها زارعوها ومالكوها، إلى قادة الجند وغيرهم من موظّفي الدولة العسكريّين، والمدنيّين. ولكن هذا الإقطاع البويهيّ “أدّى إلى تكوين بعض الحقوق في الأراضي، وإلى أن يصبح الزرّاع والفلاّحون تحت رحمة المُقطعين العسكريّين، وإلى شلل الإدارة، وهو يختلف عن الضمان لأنّ هدفه الأساسيّ لم يكن جباية الضرائب، بل معالجة قضيّة رواتب الجند”([45]).
ولقد ورث السلاجقة الإقطاع العسكريّ عن البويهيّين، ولكنّهم حاولوا تنظيمه من خلال مفاهيمهم للملكيّة القَبَليّة المشتركة التي كانت سائدة في بلاد فارس. فوزّعوا القطائع في البداية على أفراد الأسر الحاكمة وقادة الجند المخلصين، وهؤلاء بدورهم أقطعوا أتباعهم وجنودهم الأراضي المتعدّدة ليظهر ما يعرف بالإقطاع الإداريّ.
وبازدياد نفوذ العسكريّين والأمراء من الأسر الحاكمة اتّجهت الدّولة السّلجوقيّة نحو تثبيت قطائع هؤلاء، والاعتماد عليها لتأمين نفقات جيوشها. “وصار الإقطاع يُقاس بعدد الجند الذين يعيلهم، وكان المُقطعون يقيمون في المدن، ويديرون الإقطاع بالوكلاء، وهذا يعني أنّ الزرّاع، والفلاّحين أصبحوا تابعين للمُقطعين يهيّئون لهم الموارد الماليّة لينصرفوا للخدمة العسكريّة وإعداد الجنود”([46]).
وكما في العهد البويهيّ، كان مفهوم الإقطاع العسكريّ في البداية ماليّا فقط من خلال تقديم فائض ريع الأرض للمقطع تأمينًا لموارد نفقات العسكر. ولكنّ نتيجة سيطرة المقاطعجيّ (المقطع) على قطيعته أخذ يستغل الفلاّحين، ويزيد من تعسّفه بفرض الرّسوم الإضافيّة، وتسخيرهم لخدمته الشّخصيّة ما اضطر الكثيرين من أصحاب حقّ التصرّف بالأراضي الخَراجيّة إلى تركها مواتًا، أو ضمّها إلى ملكيّات المقاطعجيّ طلبًا للحماية، وهربًا من جور المُقطعين، ففقد بذلك المزارعون والفلاّحون حرّيّتهم في الحركة، وتقلّصت ملكيّات تصرّفهم لصالح الملكيّات الإقطاعيّة([47]).
ولقد “تطوّر الإقطاع العسكريّ في أواخر الحِقبة السلجوقيّة، فلم يعد ينصبُّ على الضرائب، بل صار إقطاعًا وراثيًا للأرض، يمارس فيه المُقطع صلاحيّات واسعة مقابل الخدمة العسكريّة، وإعداد الجُند الذين كانوا في الواقع جُنده يستلمون راتبًا، أو قطعة من الأرض، ويدينون بالولاء له”([48])، ولم يكتفِ القادة العسكريّون وأمراء الأسر الحاكمة بتوريث أتباعهم وورثتهم القطائع، بل عمد قسم منهم إلى شراء الأراضي الزراعيّة الخاصّة بهم. وهكذا تحوّلت الأراضي المُقطعة تدريجيًّا إلى ملكيّة إقطاعيّة خاصّة تُمنح لقوّاد الجند وضبّاطهم ما “أتاح للعسكريّين أن يرقوا إلى طبقة الأرستقراطيّة العقاريّة”([49]) لانتقال رقبة الأراضي من الدولة إليهم مباشرة.
ولم يكن الإقطاع السلجوقيّ بالضرورة وراثيًا، إنّما كانت القطائع “تنتقل بعد وفاة القائم عليها إلى زعيم عسكريّ آخر”([50]). وكان تنظيم الملكيّة العقاريّة في المشرق العربيّ أثناء الحكم السلجوقيّ وبعده “مرنًا متحرّكًا قائمًا على توزيع الإقطاعات وكثرة تبديل المُقطعين من كبار الموظّفين، والقادة العسكريّين المعرّضين للعزل، والاستبدال”([51])، وهم مبدئيًّا أكثر الفئات تبدّلًا في المجمّعات العسكريّة السّلطويّة. ومُنح هذا الإقطاع لهم كأرزاق تصرّف، واستحقاقًا، وتعويضًا عن خدماتهم العسكريّة في حماية أمن، وممتلكات الدولة المركزيّة. ولكنّ هذا الإقطاع هو “إقطاع استغلال لا تمليك فالأرض لله تحديدًا؛ وللخليفة – الإمام إقطاعها وفق الأحكام المشروعة”([52]) والمتّبعة في الشريعة الإسلاميّة، والعادات، والأعراف السابق لها.
وفي المناطق الجبليّة في بلاد الشام (الجبال اللبنانيّة والسوريّة الحاليّة)، لم تكن الإقطاعيّة قبل مجيء السلاجقة عسكريّة، وذلك لعدم سيطرة البويهيّين على هذه المناطق. ولكن بعد وصول السلاجقة تغيّرت الأمور وأعطى المقطعون (المقاطعجيّون) لأنفسهم صفة الإقطاعيّة العسكريّة. فاستغلوا الفلاّحين والأهالي المقيمين على أراضي تلك المناطق، وأجبروهم على تقديم الخدمات العسكريّة لهم مقابل حمايتهم من الغزوات الخارجيّة.([53])
ومع تطوّر الأوضاع الاقتصاديّة، والزراعيّة في تلك المناطق من بلاد الشام أضحت “ارستقراطيّة الأرض تنتخب رئيسًا عسكريًّا على الجميع لتنسيق العمل الحربيّ في الدّفاع والهجوم من دون أن تتمكّن جماهير الفلاّحين الصغار شغيلة الأرض والحرفيّين من إبداء أيّ رأي، أو وجهة نظر. وهكذا أصبح الرئيس مع مرور الزّمن يحمل لقب أمير وهو في الأساس لقب عسكريّ، يأتي بعده المقدّمون والمقاطعجيّة، والمشايخ، وكلّهم يؤلّفون أرستقراطيّة الأرض، وباستطاعتهم توريث إقطاعاتهم لأولادهم”([54])، ومن هنا ظهرت الإقطاعيّة الوراثية التي اعتمدت في أثناء الحكمين السلجوقيّ والأيوبيّ لأقسام من بلاد الشام واستمرّت مع حكم المغول والمماليك بنوعيها الإقطاع العسكريّ والإداريّ.
وبعد سيطرة المماليك على بلاد الشام، وتثبيت حكمهم فيها وفي البلاد المصريّة، أرسى هؤلاء القواعد الثابتة للدولة الإقطاعيّة المشرقيّة التي استمدّت قوانينها، وأنظمتها من الشريعة الإسلاميّة، والأعراف المتوارثة من دويلات ما قبل الإسلام، والدويلات الإسلاميّة المتعاقبة قبل المماليك. لذلك عرفت الدولة المملوكيّة كلّ أنواع الإقطاع السابقة من إقطاع الاستغلال، وإقطاع التمليك، وإقطاع الهبة، أو المنح لكبار الموظّفين (إقطاع الوظيفة)، والإقطاع الإداريّ بالإضافة إلى الإقطاع الشخصيّ([55]).
وكانت القطيعة في عهد المماليك “كناية عن إخاذة (تعرف “بالخبز” أو “المثال”) تمنحها الدولة للأمراء والفرسان وتُعدُّ ملكًا مؤقّتًا لهم يستغلونه حسبما يشاؤون، إذ تتنازل الدولة عن هذه الإقطاعات فتُقسم على الأمراء، والفرسان تبعًا لرتبهم العسكريّة([56]). ولكن هذه القطيعة، أو الإقطاعة كانت تختلف عن الإخاذة الغربيّة “Fief”، ولم تكن على النمط الفيوداليّ الأوروبيّ حيث الإقطاع يملك الأراضي، والقرى بسكانها، والعاملين عليها، بينما في المشرق العربيّ كانت الدولة تملك حقّ الرّقبة على الأراضي، والعاملين عليها أحرارٌ في تصرّفاتهم. وكان النّمط الفيوداليّ الغربيّ “يحصر حقّ الإرث في أوروبا بالابن البكر دون سواه. أمّا في لبنان فلم تُوضع قواعد محدّدة لهذا النوع من الإرث”([57])، فلا يستطيع المقاطعجيّ حرمان أحد من حقّه في السّيطرة على جزء من المقاطعة لأنّ لأولاده وأحفاده الحقوق ذاتها التي يتمتّع بها المقاطعجيّ الأبّ أميرًا كان أم مقدّمًا أم شيخًا([58]).
وكانت الدّولة المملوكيّة تمنح، بإذن من السّلطان، الأمراء، والفرسان، أو من يحلّ محلّهم، القطائع الصّالحة للزراعة بموجب مرسوم أو “منشور” خصّ، فتصبح ملكيّة هذه الإقطاعات خاصّة بهم، ولكن غير وراثيّة تساعدهم على تأمين نفقات مصاريفهم العسكريّة والشّخصيّة. وتتعلّق مساحة الإخاذة، أو القطيعة “برتبة الموهوبة إليه، وقد تكون في بعض الأحيان مجزّأة إلى مناطق عدّة. وعلى واضع اليدّ عليها أن يدفع بدء كلّ عام ضريبة أو رسمًا معيّنًا”([59])، للحكومة المركزيّة. لذلك ارتبط النّظام المملوكيّ بالتّراتب العسكريّ من حيث نوع الإقطاع وحجمه.
وبقيت القطائع تُعطى لقوّاد الجند لاستغلالها عن طريق جنودهم في أوقات السّلم، أو بواسطة العاملين على الأرض من أصحاب حقوق التّصرّف برقبتها قبل إستيلاء المماليك عليها، وإعادة توزيعها على أنصارهم، ولم يكن قوّاد الجند إلاّ رؤساء القبائل، والعشائر التي أُقطعت الأرض إليها بالنسبة إلى ما تقدّم كلّ منها من فرسان ومقاتلين في أثناء الحرب([60]).
وبما أنّ الغاية من منح الإقطاعات والإخاذات، كانت تأمين مداخيل المقاطعجيّ ومصاريفه بما يتوافق مع مركزه الاجتماعيّ، وسلطته السياسيّة، وبما يسمح له بتقديم بدل منحه الإقطاعة للدّولة المركزيّة، لذلك اقتصرت الإقطاعات على الأراضي الزراعيّة المُنتجة التي تعطي مبلغًا معيّنًا من المال، ولم تشمل الغابات، والمروج، والمراعي، والجبال، والصّحاري([61])، فالجبال والصّحاري كانت من الأراضي الموات التي يصعب استصلاحها آنذاك بسبب طبيعة الأدوات الزراعيّة المستعملة. وتعدُّ الغابات والمروج، منذ فجر الإسلام، ملكًا مشاعًا لسكان القرى، ويحقّ لكلّ مواطن مسلم كان، أو غيره أن يتصرّف بها كمرعى لماشيته، ومحطبًا لحطبه حسب الأعراف المتوارثة من أنظمة شبه الجزيرة العربيّة قبل الإسلام وبعد.([62])
كما في الدّول التي سبقتها، كانت الأراضي في الدّولة المملوكيّة ملكًا شرعيًّا للسّلطان بصفته رأس الدّولة، يوزّعها كيفما يشاء على قادة جيشه، وزعماء القبائل والعشائر المخلصة لحكمه، وعلى ملتزمي الضّرائب. “ولم يكن توزيع تلك الأراضي، يتمّ صدفة، أو من دون هدف سياسيّ، أو اقتصاديّ معيّن، بل كانت غايته المثلى تمويل الخزينة أوّلًا، وتوسيع طبقة الإقطاعيّين وتقويتها عن طريق ضمّ أعداد متزايدة من “الأشراف”([63])، والأعيان في البلاد إلى الجيش. وهكذا ركّز المماليك نظام “المقاطعة” بمنح أعوانهم، وقوّاد جندهم “الإخاذات”، والأعطيات من الأرض التي لم يُشترط بها أن تكون “ذات صبغة عسكريّة خاصّة أو جزءًا من ممتلكات الجيش وإنّما كانت قائمة على دفع الخِراج”([64]).
وكان لبروز الإقطاع العسكريّ، وإقطاع الوظيفة تأثير كبير في تحويل الإقطاع من حقّ الاستغلال والمنفعة إلى حقّ التمليك من خلال توريثها، أو شراء بعض القوى المتسلّطة لقطع من الأرض، وتحويلها من أراضٍ خراجيّة إلى أراضٍ عُشريّة يمكن تملكّها ملك رقبة([65])، على أساس الأراضي العُشريّة ملكًا خاصًّا للمسلمين، أو الذين أسلموا، وأسقط عن أراضيهم الخراج وعن رؤوسهم الجزية. وعندما ضعُفت الدولة المملوكيّة، والسلطانيّة بشكل عامّ، أصبحت أقلّ قدرة على جباية الخراج، وتأمين مداخيل موازنتها، فعمدت إلى تلزيم الخراج بالضمان إلى ملتزمين يتعهّدون بجمعه لقاء مبلغ مقطوع من المال يؤدّونه سلفًا للدولة مقابل الاحتفاظ بنسبة معيّنة في حسابهم الخاصّ… ونتيجة نظام الالتزام هذا، قلّت موارد الدولة السلطانيّة، وتخلّت عن إشرافها المباشر على الأراضي، وظهرت التشريعات المتعدّدة التي كرّست حقّ المقاطعجيّين بتوارث قطائعهم، وبتشديد السطوة على الفلاّحين وإرهاقهم بالرسوم والأتاوات، شرط تأدية بدل الالتزام في أوقاته المحدّدة.
الخلاصة
لا يمكن فهم تطوّر أحكام الأراضي في الأرياف اللبنانيّة، بمعزل عن مجمل تطوّر أنظمة الأراضي في المشرق العربيّ، والولايات العثمانيّة قبل الحرب العالميّة الأولى، تلك الأنظمة المُستمدّة من الشريعة الإسلاميّة، والعادات، والتقاليد المتوارثة من العهود العباسيّة، والمملوكيّة، والمتآثّرة بالأنظمة الرومانيّة، والإقطاعيّة الغربيّة في القرون الوسطى، والمُقتبسة في ظلّ التنظيمات، والإصلاحيّات العثمانيّة من القوانين، والتشريعات الأوروبيّة العصريّة. ولكن هذا لا ينفي بعض الاستثناءات، والاختلافات في التطبيق تبعًا لطبيعة الأرض ونوعيّة المزروعات، وشكل السلطة المُتّبعة في كلّ من المقاطعات الجبليّة، والبقاعيّة، والسناجق، والولايات العثمانيّة على تعدّدها.
ولقد ساهم تطوّر أنظمة الأراضي في المشرق العربيّ في تبلور نمط الإقطاعيّة المشرقيّة بتشكيلتها العثمانيّة، وسيادة علاقات الدولة الإقطاعيّة، وليس المؤسّسات الفيوداليّة على الشكل الأوروبيّ، ووجود الدولة المركزيّة نسبيًّا، وتشريعاتها المُستندة إلى حقّها في الملكيّة الاسميّة للأرض، وتحصيل الضرائب من الفلاحين، بمقتضى أحكام الشرع الإسلاميّ، وقوانين الدولة العثمانيّة، والتقاليد الموروثة، وموقع الفرد في السلّم الاجتماعيّ، والمتطلّبات العسكريّة للمقاطعة، والولاية، أو الدولة المشرقيّة.
وتمتاز الإقطاعيّة المشرقيّة بهيمنة الاقتصاد الطبيعيّ بجانبه الزراعيّ كاقتصاد آحاديّ للدولة، وبسيادة اندماج ملكيّة الدولة الاسميّة مع حقوق الأفراد في التصرّف الحرّ بالأراضي الزراعيّة المملوكة، والأميريّة، وغلبة العلاقات العائليّة والعشائريّة على العلاقات الاجتماعيّة الريفيّة، وتشكّل الطبقة الحاكمة من صفوف كبار الموظّفين التي تُمسك بيديها أمور القضاء، والتشريع، والتعليم، والدين، والعسكر وغيرها، وسيادة التشريع الدينيّ، والعادات، والتقاليد في جميع قضايا المجتمع المشرقيّ، وسيطرة اقتصاد المدينة على اقتصاد الريف، ونموّ عمليّات التجارة الواسعة للإنتاج الزراعيّ.
المصادر والمراجع
- مسعود ضاهر: “الدولة والمجتمع في المشرق العربيّ…”،
- شارل عيساويّ: “التاريخ الاقتصاديّ للشرق الأوسط وشمال افريقيا”، ترجمة سعد رحميّ، الطبعة الأولى، دار الحداثة، بيروت 1985.
- دعيبس المرّ: “كتاب أحكام الأراضي المبيعة في البلاد العربية المنفصلة من السلطنة العثمانيّة، مع ملحق لقانون الأراضي العثمانيّ وتعديلاته المختلفة، وملحق لنظام الطابو، بيت المقدس، القدس 1923.
- حسين مروه: “النزعات المادّيّة في الفلسفة العربيّة الإسلاميّة”، الجزء الأوّل، دار الفارابيّ، بيروت 1978.
- الحبيب الجنحانيّ: “إشكاليّة ملكيّة الأرض وأثرها في التحوّل الاقتصاديّ والاجتماعيّ في مجتمع صدر الإسلام”، بحث قُدّم إلى ندوة “ملكيّة الأرض وأثرها في التبدّلات الاجتماعيّة في الوطن العربيّ” التي عقدت في دمشق بين الفترة 28 و30 تشرين الثاني 1988، بدعوة من جامعة دمشق، لجنة كتابة تاريخ العرب، نُشر في مجلّة “الطريق”، العدد الثالث، حزيران 1989، ص 130، وفي مجلّة “دراسات تاريخيّة”، العدد الخاصّ، 35 و36 آذار – حزيران 1990، السنة الحادية عشرة.
- الفضل شلق: “الخراج والإقطاع والدولة”، دراسة في الاقتصاديّ السياسيّ الإسلاميّ للدولة الإسلاميّة، مقدّمة كتاب في “التراث الاقتصاديّ الإسلاميّ”، الطبعة الأولى، دار الحداثة، بيروت 1990، ونشر البحث كمقالة في مجلّة “الاجتهاد” المجلّد الأوّل، العدد الأوّل – بيروت، تمّوز – تشرين الأوّل 1988.
- سليمان تقيّ الدين: “حول الملامح الأساسيّة للإقطاعيّة المشرقيّة في الدولة العربيّة الإسلاميّة في العصر الوسيط” مجلّة “الطريق”، العدد الثالث، حزيران 1979.
- الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام: “كتاب الأموال”، شرحه عبد الأمير عليّ مهنا، الطبعة الأولى، دار الحداثة، بيروت 1988، ص 64. والماورديّ: “الأحكام السلطانيّة…”،
- جمعة محمود الزريقيّ: “نظام الشهر العقاريّ في الشريعة الإسلاميّة”، دراسة قانونيّة مع نظام السجلّ العقاريّ، الطبعة الأولى، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت 1988، ص 142. ويراجع أيضًا، أبو يوسف: “كتاب الخراج” في “التراث الاقتصاديّ الإسلاميّ”،
- الإمام الحافظ أبي الفرج رجب الحنبليّ: “الاستخراج لأحكام الخراج”، في “التراث الاقتصاديّ الإسلاميّ”، ص 641 – 661 و675 – 690، وجمعة محمود الزريقيّ: “نظام الشهر العقاريّ…”.
- صبحي الصالح: “النظم الإسلاميّة نشأتها وتطوّرها”، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة، بيروت 1980.
- الماروديّ: أبي الحسن عليّ بن محمّد بن حبيب، البصريّ البغداديّ (450ه): “الأحكام السلطانيّة. والولايات الدينيّة”. الطبعة الثانية، القاهرة، مصر 1966م /1386ه.
- عبد العزيز الدوريّ: “مقدّمة في التاريخ الاقتصاديّ العربيّ”، الطبعة الرابعة، دار الطليعة، بيروت 1982.
- أبو الحسن البلاذريّ: “فتوح البلدان”، بإشراف لجنة تحقيق التراث، الطبعة الأولى، مكتبة الهلال، بيروت 1983.
- محمّد عليّ مكيّ: “لبنان من الفتح العربيّ إلى الفتح العثمانيّ 635 – 1516″، الطبعة الثالثة، دار النهار للنشر، بيروت 1985.
- كلود كاهن: “تاريخ العرب والشعوب الإسلاميّة منذ ظهور الإسلام حتّى بداية الإمبراطوريّة العثمانيّة” نقله إلى العربيّة بدر الدين قاسم، المجلّد الأوّل، الطبعة الأولى، دار الحقيقة، بيروت 1972.
- بازيلي: “سوريا ولبنان وفلسطين تحت الحكم التركيّ من الناحيتين السياسيّة والتاريخيّة”، ترجمة يسر جابر، مراجعة منذر جابر، الطبعة الأولى، دار الحداثة، بيروت 1988.
- فؤاد قازان: “نظام ملكيّة الأرض والضرائب والطبقات الاجتماعيّة والاقتصاديّة في عهد الخلفاء”، “الطريق”، العدد الأوّل، 1973.
- أبو يوسف، القاضي يعقوب إبراهيم، صاحب الإمام أبي الحنفيّ: “كتاب الخراج”، الطبعة الثانية، المطبعة السلفيّة، القاهرة، 1352ه (1933م).
- نايف بلوز: “بعض الملامح الحضاريّة للإقطاعيّة الشرقيّة في ظلّ الخلافة العربيّة”، مجلّة دراسات عربيّة، السنة التاسعة، العدد الأوّل، تشرين الثاني، نوفمبر 1972.
- م. غودفروا: “النظم الإسلاميّة”، نقله إلى العربيّة فيصل شيخ الأرض وصالح الشمّاع، بيروت 1961.
- د/ف. اتسامبا ود/ل. نادرادزه: “حول تطوّر الإقطاعيّة في ظلّ الدولة العربيّة – الإسلاميّة”، عرض للأبحاث السوفياتيّة والأجنبيّة، ترجمة أنور حمادة، “الطريق”، العدد الأول، شباط 1980.
- محمّد عليّ نصرالله: “تطور نظام ملكيّة الأرض في الإسلام”، الطبعة الأولى، دار الحداثة، بيروت 1982.
- برهان الدين دلّو: “مساهمة في إعادة كتابة التاريخ العربيّ”، دار الفارابيّ، بيروت 1985.
- فؤاد قازان: “لبنان في محيطه العربيّ منذ التكوين الجيولوجيّ حتّى أيّامنا”، المجلّد الأوّل، الطبعة الأولى، دار الفارابيّ، بيروت 1973.
- حسين قاسم العزيز: “البابكيّة وانتفاضة الشعب الأذربيجانيّ ضدّ الخلافة العباسيّة”، مكتبة النهضة – بغداد، دار الفارابيّ – بيروت، دون تاريخ، ص 65. (رسالة دكتوراه منشورة، موسكو 1965).
- أحمد بعلبكيّ: “حيازة الخراج بين الإيديولوجيا والممارسة الاقتصاديّة في الأرياف العربيّة”، مقالة، منشورة في مجلّة “الفكر العربيّ المعاصر” العد السادس، سنة 1979.
- – طنّوس الشدياق: “كتاب أخبار الأعيان في تاريخ جبل لبنان”، نظر فيه ووضع مقدّمته وفهارسه الدكتور فؤاد أفرام البستانيّ، منشورت الجامعة اللبنانيّة، قسم الدراسات التاريخيّة، رقم (19)، توزيع المكتبة الشرقيّة، جزآن، بيروت 1970.
- عماد أحمد الجواهريّ: “حيازة الأراضي والتطوّرات السياسيّة في أقطار المشرق العربيّ”، مجلّة “المستقبل العربيّ”، السنة الخامسة، العدد 48، ص شباط 1983.
- وجيه كوثرانيّ: “السلطة والمجتمع والعمل السياسيّ…”، “في تاريخ الولاية العثمانيّة في بلاد الشام” سلسلة أطروحات الدكتوراه (13) الطبعة الأولى، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت 1988.
- عبد العزيز الدوريّ: “المقدّمة في التاريخ الاقتصاديّ العربيّ”.
- إبراهيم طرخان: “الإقطاع الإسلاميّ أصوله وتطوّره”، دراسة مقارنة، مجلّة “تاريخ العرب والعالم”، السنة الثالثة، العدد 26، كانون الأوّل 1980.
- نيكيتا إيليسيف: “الشرق الإسلاميّ في العصر الوسيط”، ترجمة منصور أبو الحسن، مؤسّسة دار الكتاب الحديث، بيروت 1986.
- ا. ن. بولياك: “الإقطاعيّة في مصر وسوريا وفلسطين ولبنان”، ترجمة عاطف كرم، الطبعة الأولى، منشورات دار المكشوف، بيروت 1948.
- يذكر صالح بن يحيى في تاريخه عن بيروت أنّ “المملوك الحسين ابن أمير الغرب يقبل الأرض وينهي إلى مقامكم أنّ الملوك وأقاربه ملتزمون بحفظ ثغر بيروت المحروسة، وهم مجتهدون في خدمة السلطان خلد الله ملكه وأنّ غالب إقطاعاتهم التي يضعون الأيدي عليها هي من أملاكهم الثابتة بالشرع الشريف، وهي معهم الآن بمدّة ثلاثين فارسًا، وكانت لأبهات المماليك بثلاثة أرماح إلى حين أقطعت أملاك الجبليّة”. صالح بن يحيى (من علماء القرن التاسع عشر): “تاريخ بيروت”، دار الفكر الحديث، بيروت 1990.
- مخايل عون: “الملكيّة الخاصّة في عهد المماليك”، “مقالة”، “الطريق”، العدد 5 و6، سنة 1965، بولياك: “الإقطاعيّة…”.
- – Mounir ISMAIL: “Le Liban sous les Mutasarrifs… situation intérieure et politique internationale (1861-1914)», thèse , Thèse de Doctorat d’état Sorbonne, Paris 1978.
38 – – Adel ISMAIL: “DocumentsDiplomatiques et consulaires relatifs à l’Histoire du Liban et des pays du proche- Orient du XVIIe siècle à nos jours» Les sources Françise 1975 – 1982, 32 tomes, Correspondance II correspondance commerciale, Imprimerie chtholique, Beyrouth 1975- 1982.
* طالب سنة رابعة في كلّيّة الدكتوراه الجامعة اللبنانيّة قسم التاريخ.
[1]- مسعود ضاهر: “الدولة والمجتمع في المشرق العربيّ…”، ص 193.
[2] – شارل عيساويّ: “التاريخ الاقتصاديّ للشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، ص 253.
[3] – دعيبس المرّ: “كتاب أحكام الأراضي”، ص 2.
[4] – حسين مروه: “النزعات المادّيّة في الفلسفة العربيّة الإسلاميّة”، الجزء الأوّل، دار الفارابيّ، بيروت 1978، ص 207.
[5] – الحبيب الجنحانيّ: “إشكاليّة ملكيّة الأرض وأثرها في التحوّل الاقتصاديّ والاجتماعيّ في مجتمع صدر الإسلام”، بحث قُدّم إلى ندوة “ملكيّة الأرض وأثرها في التبدّلات الاجتماعيّة في الوطن العربيّ” التي عقدت في دمشق بين الفترة 28 و30 تشرين الثاني 1988، بدعوة من جامعة دمشق، لجنة كتابة تاريخ العرب، نُشر في مجلّة “الطريق”، العدد الثالث، حزيران 1989، ص 130، وفي مجلّة “دراسات تاريخيّة”، العدد الخاصّ، 35 و36 آذار – حزيران 1990، السنة الحادية عشرة، ص 217.
[6] – الفضل شلق: “الخراج والإقطاع والدولة”، دراسة في الاقتصاديّ السياسيّ الإسلاميّ للدولة الإسلاميّة، مقدّمة كتاب في “التراث الاقتصاديّ الإسلاميّ”، الطبعة الأولى، دار الحداثة، بيروت 1990، ص 11. ونشر البحث كمقالة في مجلّة “الاجتهاد” المجلّد الأوّل، العدد الأوّل – بيروت، تمّوز – تشرين الأوّل 1988، الصفحات 115 – 192.
[7] – سليمان تقي الدين: “حول الملامح الأساسيّة للإقطاعيّة المشرقيّة في الدولة العربيّة الإسلاميّة في العصر الوسيط” مجلّة “الطريق”، العدد الثالث، حزيران 1979، ص 157.
[8] – الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام: “كتاب الأموال”، شرحه عبد الأمير عليّ مهنا، الطبعة الأولى، دار الحداثة، بيروت 1988، ص 64. والماورديّ: “الأحكام السلطانيّة…”، ص 127 – 128.
[9] – جمعة محمود الزريقيّ: “نظام الشهر العقاريّ في الشريعة الإسلاميّة”، دراسة قانونيّة مع نظام السجلّ العقاريّ، الطبعة الأولى، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت 1988، ص 142. ويراجع أيضًا، أبو يوسف: “كتاب الخراج” في “التراث الاقتصاديّ الإسلاميّ”، ص 182 – 183.
[10] – أبو يوسف: “كتاب الخراج”، الطبعة الثانية، المطبعة السلفيّة، القاهرة 1352ه، ص 185.
[11] – الإمام الحافظ أبي الفرج رجب الحنبليّ: “الاستخراج لأحكام الخراج”، في “التراث الاقتصاديّ الإسلاميّ”، ص 641 – 661 و675 – 690 وجمعة محمود الزريقيّ: “نظام الشهر العقاريّ…” ص 138 – 155.
[12] – صبحي الصالح: “النظم الإسلاميّة نشأتها وتطوّرها”، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة، بيروت 1980، ص 360 وما يليها.
[13] -المارودي: “الأحكام السلطانية…”، ص 83 و178.
[14] – عبد العزيز الدوري: “مقدمة في التاريخ الاقتصاديّ العربيّ”، الطبعة الرابعة، دار الطليعة، بيروت 1982، ص 89.
[15] – أبو الحسن البلاذري: “فتوح البلدان”، بإشراف لجنة تحقيق التراث، الطبعة الأولى، مكتبة الهلال، بيروت 1983، ص 26.
[16] – محمد علي مكي: “لبنان من الفتح العربيّ إلى الفتح العثمانيّ 635-1516″، الطبعة الثالثة، دار النهار للنشر، بيروت 1985، ص 237.
[17] – الفضل شلق: “الخراج والإقطاع…” مرجع سابق، ص 26. يراجع أيضًا: ابو يوسف: “كتاب الخراج” في “التراث الاقتصاديّ الإسلاميّ”، مرجع سابق، ص 167- 174 ويحيى بن آدم القرشي: “كتاب الخراج” في “التراث الاقتصاديّ الإسلاميّ”، مرجع سابق، ص 468-473. والبلاذري: “فتوح البلدان”، مرجع سابق، ص 81 و130.
[18] – أبو يوسف: “كتاب الخراج”، في “التراث الاقتصاديّ الإسلاميّ”، مرجع سابق، ص 170.
[19] – الإمام أبي عبد القاسم بن سلام: “كتاب الأموال”، مصدر سابق، ص 285.
[20] – الفضل شلق: “الخراج والإقطاع…” مرجع سابق، جدول رقم 6، ص 77.
[21] – كلود كاهن: “تاريخ العرب والشعوب الإسلاميّة منذ ظهور الإسلام حتّى بداية الإمبراطورية العثمانيّة” نقله إلى العربيّة بدر الدين قاسم، المجلد الأول، الطبعة الأولى، دار الحقيقة، بيروت 1972، ص 178.
[22] – بازيلي: “سوريا ولبنان وفلسطين تحت الحكم التركي من الناحيتين السياسية والتاريخية”، ترجمة يسر جابر، مراجعة منذر جابر، الطبعة الأولى، دار الحداثة، بيروت 1988، ص 43.
[23] – فؤاد قازان: “نظام ملكيّة الأرض والضرائب والطبقات الاجتماعيّة والاقتصاديّة في عهد الخلفاء”، “الطريق”، العدد الأول، 1973، ص 54.
[24] – الإمام أبي عبد القاسم بن سلام: “كتاب الأموال”، مصدر سابق، ص 287.
[25] – أبو يوسف: “كتاب الخراج”، في “التراث الاقتصاديّ الإسلاميّ”، مرجع سابق، ص 177 و178.
[26] – نايف بلوز: “بعض الملامح الحضارية للإقطاعية الشرقية في ظل الخلافة العربيّة”، مجلة دراسات عربيّة، السنة التاسعة، العدد الأول، ت1، نوفمبر 1972، ص 6.
[27] – كلود كاهن: “تاريخ العرب والشعوب الإسلاميّة…” مرجع سابق، ص 178.
[28] – م. غودفروا: “النظم الإسلاميّة”، نقله غلى العربيّة فيصل شيخ الأرض وصالح الشماع، بيروت 1961، ص 202.
[29] – د/ف. اتسامبا ود/ل. نادرادزه: “حول تطوّر الإقطاعيّة في ظلّ الدولة العربيّة- الإسلاميّة”، عرض للأبحاث السوفياتيّة والأجنبيّة)، ترجمة أنور حمادة، “الطريق”، العدد الأول، شباط 1980، ص 106.
[30] – محمّد عليّ نصرالله: “تطوّر نظام ملكيّة الأرض في الإسلام”، الطبعة الأولى، دار الحداثة، بيروت 1982، ص 178.
[31] – حسين مروة: “النزاعات المادّيّة…”، الجزء الأوّل، ص 473.
[32] – برهان الدين دلّو: “مساهمة في إعادة كتابة التاريخ العربيّ”، دار الفارابيّ، بيروت 1985، ص 118 – 119.
[33] – فؤاد قازان: “لبنان في محيطه العربيّ منذ التكوين الجيولوجيّ حتّى أيّامنا”، المجلّد الأوّل، الطبعة الأولى، دار الفارابيّ، بيروت 1973، ص 156.
[34] – برهان الدين دلّو: “مساهمة في إعادة كتابة التاريخ…”، ص 219.
[35] – حسين قاسم العزيز: “البابكيّة وانتفاضة الشعب الأذربيجانيّ ضدّ الخلافة العبّاسيّة”، مكتبة النهضة – بغداد، دار الفارابيّ – بيروت، دون تاريخ، ص 65. (رسالة دكتوراه منشورة، موسكو 1965).
[36] – أحمد بعلبكيّ: “حيازة الخراج بين الإيديولوجيا والممارسة الاقتصاديّة في الأرياف العربيّة”، مقالة، منشورة في مجلّة “الفكر العربيّ المعاصر” العدد السادس، سنة 1979، ص 88.
[37] – طنّوس الشدياق: “كتاب أخبار الأعيان في جبل لبنان”، ص 495.
[38] – مسعود ضاهر: “الانتفاضات…”، مرجع سابق، ص 17.
[39] – سليمان تقي الدين: “حول الملامح الأساسيّة للإقطاعيّة…”، ص 158 – 159.
[40]– عماد أحمد الجواهريّ: حيازة الأراضي والتطوّرات السياسيّة في أقطار المشرق العربيّ”، مجلّة “المستقبل العربيّ”، السنة الخامسة، العدد 48، ص شباط 1983، ص 109.
[41] – وجيه كوثرانيّ: “السلطة والمجتمع والعمل السياسيّ…”، ص 52.
[42] – عبد العزيز الدوريّ: “المقدّمة في التاريخ الاقتصاديّ العربيّ”، ص 86.
[43] – إبراهيم طرخان: “الإقطاع الإسلاميّ أصوله وتطوّره”، دراسة مقارنة، مجلّة “تاريخ العرب والعالم”، السنة الثالثة، العدد 26، كانون الأوّل 1980 ص 55.
[44] – وجيه كوثرانيّ: “السلطة والمجتمع…”، مرجع سابق، ص 53.
[45] – عبد العزيز الدوريّ: “المقدّمة في التاريخ الاقتصاديّ العربيّ”، مرجع سابق، ص 89.
[46] – عبد العزيز الدوريّ: “المقدّمة في التاريخ الاقتصاديّ…”، مرجع سابق، ص 96.
[47] – برهان الدين دلّو: “مساهمة في إعادة كتابة التاريخ…” مرجع سابق، ص 223.
[48] – عبد العزيز الدوريّ: “المقدمة في التاريخ الاقتصاديّ…”،
[49] – كلود كاهن: “تاريخ العرب والشعوب الإسلاميّة”، مرجع سابق، ص 246.
[50] – فؤاد قازن: “نظام ملكيّة الأرض والضرائب…”، “الطريق” العدد1، مرجع سابق، ص 55.
[51] – نيكيتا إيليسيف: “الشرق الإسلاميّ في العصر الوسيط”، ترجمة منصور أبو الحسن، مؤسّسة دار الكتاب الحديث، بيروت 1986، ص 417.
[52] – نيكيتا إيليسيف: “الشرق الإسلاميّ…”، مرجع سابق، ص 417.
[53] – فؤاد قازان: “لبنان في محيطه العربيّ…”، مرجع سابق، ص 158.
[54] – المرجع السابق، ص 159.
[55] – مسعود ضاهر: “الدولة والمجتمع…”، مرجع سابق، ص 199.
[56] – ا. ن. بولياك: “الإقطاعيّة في مصر وسوريا وفلسطين ولبنان”، ترجمة عاطف كرم، الطبعة الأولى منشورات دار المكشوف، بيروت 1948، ص 59.
[57] – – Mounir ISMAIL: “Le Liban sous les Mutasarrifs… », Op.cit, P. 53
[58] – – Adel ISMAIL: “Documents…”, Tome9, P. 141.
[59] – فؤاد قازان: “لبنان في محيطه…”، مرجع سابق، ص 229.
[60] – يذكر صالح بن يحيى في تاريخه عن بيروت أنّ “المملوك الحسين ابن أمير الغرب يقبل الأرض وينهي إلى مقامكم أنّ المملوك وأقاربه ملتزمون بحفظ ثغر بيروت المحروسة، وهم مجتهدون في خدمة السلطان خلد الله ملكه وأن غالب إقطاعاتهم التي يضعون الأيدي عليها هي من أملاكهم الثابتة بالشرع الشريف وهي معهم الآن بمدة ثلاثين فارسًا وكانت لأبهات المماليك بثلاثة أرماح غلى حين أقطعت أملاك الجبلية”. صالح بن يحيى (من علماء القرن التاسع عشر): “تاريخ بيروت”، دار الفكر الحديث، بيروت 1990/ ص 52.
[61] – بولياك: “الإقطاعيّة…”، ص 60.
[62] – أبو يوسف: “الخراج”، مرجع سابق في “التراث الاقتصاديّ الإسلاميّ”، ص 225، 226.
[63] – مخايل عون: “الملكيّة الخاصّة في عهد المماليك”، “مقالة”، “الطريق”، العدد 5 و6، سنة 1965، ص 60.
[64]– بولياك: “الإقطاعيّة…”، مرجع سابق، ص 136 – 137. وللمزيد عن توزيع القطائع، والمُقطعات في البلاد الشّاميّة يمكن مراجعة: صالح بن يحيى: “تاريخ بيروت”، مرجع سابق، الصفحات 33 – 37، 49 و51 إلى 57، ومن 91 إلى 109. ومحمّد عليّ مكّيّ: “لبنان من الفتح العربيّ إلى الفتح العثمانيّ…”، مرجع سابق.
[65] – الفضل شلق: “الخراج والإقطاع والدولة”، مرجع سابق، ص 55.