الفلسفة في إيران واليابان
د.ديمه بو ملحم*
الفلسفة الإيرانيّة
في مقابل سقوط الإمبراطوريّة الآشوريّة, ولدت الإمبراطوريّة الفارسيّة التي منحت الوحدة للمشرق في حدود ربع قرن نحو 550 – 525 ق.م فنال المشرق ما أفتقر إليه في عهد الآشوريّين, وبمعنى آخر حظي بالسلم والنظام, اذ كانت حروب الإمبراطوريّة الفارسيّة الاحتلاليّة أقلّ وحشيّة من حروب الآشوريّين, كان التنظيم الإداريّ للبلاد الواسعة أقلّ ظلمًا, بالإضافة إلى أنّ الفرس كانوا قد تميّزوا باحترام أديان شعوبهم. لقد كان الفرس في أعين الفينيقيّين، والسامريّين، واليهود محررّين.
وإذا أردنا الكلام على الإمبرطوريّة الساسانيّة الفارسيّة. وجب علينا تبيان المرتبة المُهِمَّة التي تبوّأتها المنظمة الدينيّة الزرادشتيّة, وعلى خلاف ما كان عليه الحال في العصر الأرزاسي (البارثي) السابق, كانت المنظمة الدينيّة الزرادشتيّه أيضًا مطعّمة بالقوميّة الإيرانية. في سنة 440 أمر الإمبراطور الساسانيّ “يزدجرد الثاني” جميع رعاياه الذين لم يكونوا من أتباع الزرادشتيّة أن يعتنقوا الديانة الرسميّة للإمبراطوريّة, فاضطهد جميع الذين لم يقبلوا بذلك, وفي سنة 481, تمكّنت ثورة الأرمن من إلحاق الهزائم العسكريّة بالفرس, ونجم عن ذلك أن منحت الإمبراطوريّة الساسانيّة الحرّيّة للكنيسة المسيحيّة الأرمنيّة, وكان هذا بعد إنكار (ابرويز) ووفاته سنة 484 , وتمّ حينئذٍ تعيين نبيل أرمنيّ حاكمًا لأرمينية الفارسيّة.
نتيجة تحريم اللاهوت النسطوريّ في الإمبراطوريّة الرومانيّة سنة (431 م)، لجأ النساطرة إلى نصيبين حيث لَقَوْا ترحيبًا من بلاد فارس. وصار يوجد في الإمبراطوريّة الفارسيّة كنيسة مسيحيّة وطنيّة كانت تلتزم بلاهوت مناقض في الوقت ذاته لكلّ من القائلين بالطبيعة الواحدة، والمسيحيّين الأرثوذكس من رعايا الإمبراطوريّة الرومانيّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الكنيسة المسيحيّة الوطنيّة كانت نِدًّا للمنظّمة الدينيّة الزرادشتيّة التي توجد في المناطق الناطقة باللغة الإيرانيّة من الإمبراطوريّة الفارسيّة.
يؤمن زرادشت بالجنة، والنار، والعدل الاجتماعيّ، ولا يؤمن بالتناسخ، والتقمّص، وكان أتباعه قبل الإسلام أصحاب فارس، ثمَّ تواروا وأصبح عددهم أقلّ، وتواجد أكثرهم في الهند. أمّا عبادة النار فقد كانت سائدة في فارس، قبله، بينما طرأت عبادة إلهَي الخير، والشرّ على قومه من بعده.
الزرادشتيّة دين فارسيّ قديم، وكانت الثنائيّة هي الفكرة السائدة عند الزرادشتيّين، ويعود مولد هذه الديانة إلى النبيّ المتصوّف زرادشت، وما يجدر ذكره أنّ الزرادشتيّة قد اكتملت في القرن السابع ق.م. أبرز ما اعتـنقته الزرادشتيّة فكرة الصراع الدائم في العالم بين (آهو رو مازداو) (أورمازداو) إله الخير وبين “انجرو مينيوش” (أهريمان إله الظلام. وكان للزرادشتيّة تأثير بالغ الأهمّيّة في الهند، فكانت الزرادشتيّة حاضرة في الهند على شكل مذهب فارسيّ تحتفظ بالأفكار الثنائيّة القديمة، بالإضافة إلى تطوير مفهوم إله قادر واحد([1]).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانيّة، قسم الفلسفة، الفرع الخامس.
كان زرادشت راعيًا وَرِعًا خيِّرًا، اعتزل في الجبال، وانصرف إلى التأمل، فنزل عليه الوحي الذي جمعه في كتاب ((الأبستاق)) أو((الأبستا)) أي المعرفة. اتّصل بداريوس الأوّل الذي تبنّى ديانته ونشرها، وحلّت مكان المجوسيّة السائدة آنذاك.
ورد في العقيدة الزرادشتيّة أنّ العالم يقوم على أصلين متضادّين، هما النور والظلمة، ولكلّ منهما إله: إله النور هو (أهورامزدا)، وإله الظلام هو(أهرمان)، يتّصف الأوّل بالخير، والعقل، والنور، والسلطان، والتقوى، والخلود([2])، ويتّصف الثاني بالشرّ، والقبح، والغواية.
آمن زرادشت بالقيامة بعد ثلاثة آلاف سنة من وجوده, أو 12 ألف سنة. وهي تمثّل نهاية الصراع بين إله النور والخير، وبين إله الظلام والشر, وتسفر عن انتصار الخير على الشرّ، وهلاك (اهرمان), وبعث الموتى، وخلو العالم من الشرّ والفساد.
الحياة صراع الخير مع الشر, والناس أحرار, وبوسعهم اختيار طريق الخير أو الشر إذ إنّ إرادتهم حرّة. وقد شدّد “الابستاق” على الأخلاق الحميدة, وتمّ التأكيد على أهمّيّة الواجبات الثلاثة: “أن يجعل العدوّ صديقًا، وأن يجعل الخبيث طيّبًا، وأن يجعل الجاهل عالمًا”([3]).
تبوّأت فضيلة التقوى المرتبة الأولى في العقيدة الزرادشتيّة، ومن بعدها أتى الشرف، والأمانة قولًا وفعلًا. أمّا عبادة الله فلا بدّ من أن تترافق مع الطهر، والتضحية، والصلاة.
اعتقد الزرادشتيّون أنّهم خير الأمم، وحرّموا إقامة الأصنام والربا، وأوقدوا في بيوتهم النار، وكانت النار خمسة أنواع: نار المعابد، نار الأجساد، نار النباتات، نار السحاب، والنار السماويّة، وأطلق على النار المجسّمة اسم (آثر)، وعدّت ابنة (أهو رامزدا) أو ممثّلته، واعتقاد ((زرادشت)) بحياة ثانية وبجنة وجحيم يجعلنا نتحدّث عمّا ورد في الديانة الزرادشتيّة من كلام يؤدّي إلى تحديد مصير الأرواح الطيّبة، والأرواح الخبيثة بعد الموت، فقيل كان لا بدّ لأرواح الموتى بأجمعها أن تجتاز قنطرة تصفى فيها الأرواح الطيّبة فتصل في جانبها الثاني إلى <<مسكن الفناء>> حيث تلقاها وترحّب بها ((فتاة عذراء ذات قوّة وبهاء وصدر ناهد ملئ))؛ وهناك تعيش مع أهوارا – مزدا سعيدة منعّمة إلى أبد الدهر. أمّا الروح الخبيثة فلا تستطيع أن تجتاز القنطرة فتتردّى في درك من الجحيم يتناسب عمقه مع ما اقترفت من ذنوب، ولم يكن هذا الجحيم مجرّد دار سفلى تذهب إليها كلّ الأرواح طيبة أكانت أو خبيثة كما تصفها الأديان الأقدم عهدًا من الدين الزرادشتيّ، بل كانت هاوية مظلمة مرعبة تعذّب فيها الأرواح المذنبة أبد الآبدين. فإذا كانت حسنات الإنسان ترجح على سيّئاته قاسى عذابًا مؤقتًا يطهّره من الذنوب؛ وإذا كان قد ارتكب كثيرًا من الخطايا، ولكنّه فعل بعض الخير لم يلبث في العذاب إلاّ اثني عشر ألف عام يرفع بعدها إلى السماء([4]).
– في عقيدة زرادشت إيمان بوجود ملائكة يعينون الناس على الفضيلة، وبوجود سبعة شياطين تغوي الناس لارتكاب الجرائم، والخطايا، ورئيسهم هو أهرمان([5]).
– في عقيدة ((زرادشت)) نصائح ومواعظ كثيرة، نذكر منها:
- إنّ الطبيعة الخيّرة هي التي تملي على صاحبها أن لا يصنع بغيره أمرًا لا يريده لنفسه.
- إنّ الشخص الذي لا يتغلّب على نفسه، لن يتغلّب على أيّ شيء.
- القويّ هو الشخص الذي يبعد عن نفسه الغضب، والشهوات، والحرص، وعدم الرضى.
- النيّة في الطاعة الصادقة تهلك نيّة الغضب.
- انسَ كلّ ما مضى، ولا تقلق على ما لم يأت بعد.
- كن حميمًا مع الإله والأصدقاء.
- ابتعد عن كلّ شخص يتصرّف معك بغضب وحقد.
- لا تنصت إلى الثرثار والكذّاب.
- لا تقل سرّك للرجل الثرثار.
- لا تطلب شيئًا من الذي لا يخجل.
- اختر بنفسك زوجتك.
- أحبّ المرأة الخجولة، والحكيمة، وأطلبها للزواج.
- لا تسخر من الإنسان العاجز.
- لا تكن صديقًا جديدًا للعدوّ القديم، لأنّ العدوّ القديم مثل الثعبان الأسود، لا ينسى الحقد حتّى بعد مائة عام.
- التزم بوعدك أبدًا، حتّى لا تفقد ماء وجهك([6]).
بعد الفتح الإسلاميّ، تراجع عدد (الزرادشتيّين) كثيرًا، فلم يبق إلاّ عناصر قليلة من معتنقي الزرادشتيّة من الإيرانيّين، بالإضافة إلى آخرين من البارسيّين الهنود الذي يقارب عددهم جميعًا تسعين ألفًا([7]).
المانويّة
عاش ماني في القرن الثالث للميلاد، زمن سابور بن أردشير. ادّعى النبوّة، والوحي، وأتى بإنجيل حوى تعاليمه الدينيّة. المانويّة مزيج من الزرادشتيّة والمسيحيّة، أخذ ماني عن زرادشت ثنائيّة الخير والشر، والنور والظلمة وصراعهما، وتبنّى نظريّته في خلق العالم من امتزاج عناصر إله النور، وهي النسيم، والريح، والماء، والنار، والنور بعناصر إله الظلمة أي الضباب، والحريق، والسموم، والدخان، والظلمة، فيتولّد عنها الكواكب، والنباتات، والحيوانات، والإنسان.
توزّعت تعاليم ماني في كتب عدّة ، من أهمّها:
- كتاب ((شابورغان)) وفيه يتحدّث عن المبدأ أو الميعاد.
- كتاب ((الإنجيل)) أو ((الإنجيل الحيّ))، ويقول عنه ماني إنّه: <<الفلسفة الدينيّة الحقيقيّة التي أنزلها على ذوي الإرادة الطيّبة المخلّص الإلهيّ)).
- كتاب (كفلايا) وهو يتضمّن سيرته، وتعاليمه التي تمرّ جميعها بعد وفاته، وفي هذا الكتاب، أعلن ماني أنّه (الفارقليط)، أي الروح المقدّس، وقال: ((إنّي جئت من بلاد بابل لأبلّغ دعوتي للناس كافّة)).
ويظهر التثليث المسيحيّ في عقيدة ماني عندما يتحدّث عن نظريّة الخلق، فيقول: خلق ((العظيم الأوّل)) المخلوقات للدفاع ضدّ هجمات إله الظلمات. فدعا “أمّ الحياة” التي دعت “الرجل القديم”، أو “أهورامزدا”.
نظرت المانويّة إلى الإنسان أنّه مكوّن من نفس ترتبط بالعالم العلويّ، وجسد ينقاد للعالم السفليّ، وما أن يوقظ الله الروح، وينقذها من ارتباطها بالجسد حتّى يتحقّق لها الخلاص الحقيقيّ.
قسّم أتباع ماني الناس إلى خمس طبقات:
- أصحاب الحلم.
- ابناء العلم.
- ابناء العقل.
- الصدّيقون أو أبناء الغيب.
- السّمّاعون أو أبناء الفطنة.
من أهمّ المبادئ التي ينبغي على المانويّ اتّباعها، نذكر:
- عدم التلفّظ بكلام يؤدّي إلى الكفر والشرّ.
- عدم القيام بأيّ فعل، أوتصرّف يزعج إله النور.
- عدم الاستسلام للشهوات الجنسيّة المحرّمة.
- دفع العُشر من الأموال.
- الصيام سبعة أيّام كلّ شهر.
- تأدية الصلاة أربع مرات في اليوم. مع الحرص على التطهّر قبل القيام بالصلاة بالماء الجاري، أو بالرمل في حالات استثنائيّة.
- الدعاء الدائم إلى الحقّ.
- ترك الكذب، والقتل، والسرقة، والزنى، والبخل، والسحر، وعبادة الأوثان.
وما يجسّد خلاص الروح إنّما هو التسبيح، والتقديس، والكلام الطيّب، وأعمال البرّ، وعدم التعدّي على أحد. عدّ ماني أنّ النقش يساهم كثيرًا في تحقيق تهذيب النفس عند العامّة. وقد كان ماني من الذين أبدعوا في مجال النقش، وفنّ التصوير، فمن تأمل جيّدًا نقشه، وتصويره تنبّه للتباين بين نقشه لأبناء الظلمات، ونقشه لأبناء النور، إذ تعمد إظهار المجموعة الأولى في حالة منفّرة والأخرى في حالة جذّابة.
كان ملك الملوك ذا سلطة مطلقة يستمدّ سلطته من (أهو رامزدا)، وبذلك استطاع الملك أن يدعم شرعيّته بهالة من القداسة الدينيّة. ومنذ العهد الأشكانيّ كان مجلس الأعيان، أو الشورى المؤلّف من حكّام المقاطعات، وقادة الجيش، وبعض أفراد الأسرة الحاكمة دور مُهِمّ إلى جانب ملك الملوك.
وكانت إدارة الملك للدولة تستلزم وجود مجلس وزراء.
شكّل رجال الدين طبقة خاصّة، ملكوا أراضي واسعة، وتلقّوا الهبات والعشور، وتولّوا القضاء ووضعوا القوانين. تميّز النظام القضائيّ بالدقّة، والنزاهة، فالقاضي الظالم يسلخ جلده حيًّا، ويستخدم الجلد لتنجيد مقاعد القضاة، ويولى ابنه مكانه، وهكذا يمكن القول أنّ إهتمام الإيرانيين بالمسائل الخلقية كان دقيقًا إذ إنّ القضاة أنفسهم، لم يكونوا بمنأى عن العقاب إذا ما ارتكبوا خطأ ما.
لم يبدع الإيرانيّون بالفلسفة والعلم، لكننّهم أحسنوا الاقتباس عن غيرهم، وكان اختلاط الشعوبـ والأعراق، والأديان فيها عاملاً مُهِمًّا في تفاعل الحضارات والأديان.
وأهمّ ما أفلحت به الحضارة الإيرانيّة كان واضحًا في فنّ النقش والعمارة، أمّا انشغالها بالأفكار الفلسفيّة، والمجادلات العقليّة، فقد كان ضعيفً،ا وخصوصًا إذا ما قيس بتاريخها الحافل بالأحداث السياسيّة والعسكريّة.
تجسّد تكامل الثقافات وتداخلها بقوّة في اليابان، وذلك من خلال حضور المذهب الكونفوشي، ففي منتصف القرن السادس عشر، قرّر الراهب اليابانيّ “فيوجيوا راسجوا” أن يطلب العلم من الصين، وذلك بعد أن سمع بما يتحلّى به المفكّرون الصينيّون من حكمة ورأي سديد، وقد ارتأى أن يصل إلى الصين عبر سفينة تشتغل بالتهريب، إذ كان الاتّصال بالصين محرّمًا في سنة 1552 “وحدث أن كان يرقب هذه السفينة في نزل في الميناء، فسمع إذ ذاك طالبًا يقرأ بصوت عالٍ باللغة اليابانيّة كتابًا صينيًّا عن كونفوشيوس، فكم كانت غبطة “سجوا” حين علم أنّ الكتاب من تأليف “شوهسي” تعليقًا على “العلم الواسع” فهمس لنفسه قائلاً: “هذا هو ما كنت أسعى إليه منذ زمن طويل”([8]).
وما يجدر ذكره حقًا، أنّ مكانة “سجوا” الراقية عند طلبة العلم الناشئين، قد أثارت غضب الرهبان البوذيّين في “كيوتو”، فما كان من هؤلاء الرهبان إلاّ أن تهجّموا على “سجوا”، ولم يكن حلّ عقدة “سجوا” إلا بموته بشكل فجائيّ سنة (1619)([9]).
كان من الطبيعي ان يحظى تلميذه “هاياشي رازان” بمكانة مرموقة، فقد طلب إليه الحكام العسكريّون الأوّلون “أن يصوغ لهم الكلمات التي يتوجّهون بها إلى الشعب، وضرب “أيمتسو” مثلًا لطائفة النبلاء… وسرعان ما ملأ هذا الشاب الكونفوشيوسي صدور سامعيه حماسة للفلسفة الصينيّة، حتّى لم يعد عسيرًا عليه أن يجذبهم من البوذيّة والمسيحيّة على السواء، ويضمّهم إلى العقيدة الخلقيّة البسيطة التي أشاعها حكيم “شانتونج” في أرجاء الشرق الأقصى، فقد انبأهم أنّ اللاهوت المسيحيّ خليط من أوهام خلقها الخيال، ولا تعقلها العقول، كما أنبأهم أنّ البوذيّة مذهب يفت في عضد الأمّة اليابانيّة، ويتهدّد نسيجها بالوهن وروحها المعنويّة بالضعف([10]).
بعد “هاياشي رازان” انتقل المجد إلى “موروكيوسو” الذي كرس نفسه للعلم، وقد شبهت شدّة عزيمته بتلك التي انماز بها معاصره “سبينوزا”، وتعهّد أن يثابر على العمل دون كلل أو تذمّر، وأن لا ينطق بباطل، وأن يعتدل في طعامه وشرابه، وأن يقمع الشهوات، وأن يتمهّل فلا يقع ضحيّة التهوّر، وأن لا يسمح لنفسه أن تكون عبدًا للرغبة في الشهرة أو في الكسب([11]).
لم يتقبل “كيوسو” عزلة العلماء، بل نراه يؤكّد أنّ الرجل الأعلى هو من ابتهج في زيارة الأصدقاء، وأنكر أن تكون العزلة قد أدّت يومًا ما بالرجل الأعلى إلى صقل نفسه، “إنّ طريق الحكماء ليس منفصلًا عن طريق الحياة اليوميّة. فعلى الرغم من أنّ البوذيّين… يبترون الرابطة بين المتبوع وتابعه، وبين الوالد وولده، فهم عاجزون عن بتر علاقة الحبّ من أنفسهم… إنّها أنانيّة أن تسعى وراء السعادة في العالم الآخر”([12]).
ما أروع الكلام على “كايبارا إكِنْ” الذي كان ابن طبيب مثل أرسطو، لكنّه آثر الفلسفة التجريبيّة على الطبّ، وخلّف عددًا لا يستهان به من الكتب، قاربت المائة، وقد سهل على من توخّى قراءة كتبه فهم ما ورد منها، لأنّها كتبت باللغة اليابانيّة السهلة([13]).
يلاحظ في فلسفة “إكن” خلوّها من اللاهوت، فعجز الإنسان عن معرفة ما سوى نفسه يلزمه أن يصرف انتباهه عمّا سواها، “إنّ حمقى الناس يؤدّون صلواتهم لآلهة مشكوك في وجودها، طالبًا لسعادة أنفسهم في الوقت الذي تراهم فيه يقترفون الموبقات”([14]). وخير ما ركّزت عليه فلسفة “إكن” كان الدعوة إلى التحلّي بمكارم الأخلاق، والتنبّه إلى كيفيّة النجاح في تكوين الشخصيّة، فنراه يقول: “غاية التعلّم أن نخلق من أنفسنا رجالًا صادقين قبل أن نكون رجالًا عالمين إنّ دراسة الأخلاق التي كانت تعدّ عماد التعليم في مدارس العهد القديم، تكاد لا تجد مكانًا في مدارسنا اليوم، لكثرة ما يطلب إلى التلاميذ دراسته من موادّ، لم يعد الناس يرون في صالحهم أن ينفقوا مجهودهم في الإصغاء إلى تعاليم الأعلين من رجال الحكمة القدماء، ونتج عن ذلك أن ضحّينا على المذبح الذي يسمّونه “حقّ الفرد” بعلاقات الودّ بين السيّد وخادمه، والرئيس ومرؤوسيه، والكبير والصغير، السبب الحقيقيّ الذي حدا بالناس ألاّ يقدّروا تعاليم الحكماء هو أنّ العلماء يحاولون أن يتظاهروا بعلمهم، فذلك عندهم أولى من أن يعيشوا على غرار ما جاء في تعاليم الحكماء”([15]).
نستشفّ من فلسفة “إكن” اعتقاده بجواز التمتّع، وإسعاد الإنسان، لكن شرط أن لا يفرّط في ذلك فـ”ساكي” (نوع من الخمر) يفيد القلب والروح، لأنّه يزيل الهمّ، ويقضي على الغمّ في حال تناولناه بمقادير قليلة، أمّا من يسرف في شراب “ساكي” فلن يكون إلاّ موضع سخرية من الآخرين، فيبدأ بالثرثرة من دون أن يعي ما يتلفّظ به، فيُنظر إليه كأنّه مجنون، والأفضل للإنسان أن يعتدل في شرابه للساكي لكي ينعش نفسه([16]).
إن أراد الإنسان أن يحظى بالسعادة، فعليه أن يلجأ إلى الطبيعة، حيث توجد الجبال، والماء، والقمر، والزهور، إذ يكون حينئذٍ في غنى عن طلبها من أحدهم، لأنّ هذه الأشياء لا يملكها إنسان بعينه وقد قال “إكن”:
“إنّني أحبّ الزهر، فأنهض من نومي مبكّرًا
وأحبّ القمر، فآوي إلى مخدعي متأخّرًا…
إنّ الناس يجيئون ويروحون كأنّهم مجاري الماء العابرة
أمّا القمر فباقٍ على طول العصور”([17]).
لقد ظهر جليًّا تأثّر المفكّرين في اليابان بالكونفوشيّة، إذ تمّ القضاء على “كلّ مقاومة من فريق الثائرين من جهة، كما قضى على المثاليّين المتصوّفين من جهة أخرى، إنّ مدرسة “شوشي” التي كان لها من رجالها “سيجوا”، و”رازان”، و”إكن” التي سمّيت بهذا الاسم نسبة إلى “شوهسي” لأنّها اتّبعت طريقته في تفسير الكتب الصينيّة”([18]). في مقابل هذه المدرسة نشأت مدرسة “أويومى” التي تأثّرت بـ”وانج”، فآثرت العودة إلى ضمير الفرد من أجل تمييز الصواب من الخطأ في الحياة الخُلقيّة للفرد، وذلك كلّه على حساب تقاليد المجتمع، والتعاليم التي جاءت على ألسنة الأقدمين. فقام “ناكايى توجو” بنشر الوحدانيّة المثاليّة التي تذهب إلى أنّ “العالم وحدة من “كي” و”ري” – أي وحدة من الأشياء الجزئيّة (أو الأعراض)، والعقل، أو القانون، والله، وهذه الوحدة شيء واحد؛ فعالم الأشياء جسده، والقانون الكونيّ روحه، فقد جرى “ناكايى” مجرى “سبينوزا” و”وانج يانج منج”، والفلاسفة المدرسيّين في أوروبا في قَبوله لهذا القانون الكونيّ بشيء من الحبّ العقليّ، وعدّ الخير والشر لفظتين بشريّتين، ووجهة نظر ذاتيّة لا تعدّ عن حقائق موضوعيّة، وهو كذلك يشبه “سبينوزا” شبهًا عجيبًا في أنّه رأى معنى من معاني الخلود في الوحدة التأمّليّة التي تدمج روح الفرد في قانون العالم أي عقل العالم التي لا يخضع لقيود الزمان”([19]).
لم تلق فلسفة “ناكايى” ترحيبًا من الشعب أو من الحكومة، فقد استاء العسكريّون من فكرة “ناكايى” القائلة إنّ كلّ إنسان له حقّ الحكم بنفسه فيما يعدّ صوابًا، وما يعدّ خطأ. وبعد “ناكايى” تلقّى “كومازا وبانزان” ممثّل مذهب “أويومى” نقدًا من رجال السياسة آنذاك، فما كان منه إلاّ أن لجأ إلى الجبال ليحمي نفسه، وذلك بعد أن صدر أمر بالقبض عليه، وفي سنة 1795 صدر مرسوم يحرّم المضي في تعليم فلسفة “أويومى”([20]).
من مؤسّسي المدرسة الكلاسيكيّة للفكر اليابانيّ، تلك المدرسة التي ارتأت وجوب الاتّصال مباشرة بـ”ك أونج” العظيم، نذكر “إتيوجنسي” و”أوجيو سوراي”. كان “جنسي” فقيرًا للغاية، فقد تنازل عن بيته، وأملاكه إلى أخيه الصغير، وأكبّ على كتبه دون أن يهتمّ للمكاسب المادّيّة. استطاع “جنسي” أن ينشئ مدرسة خاصّة في “كيوتو”، فاستقطب إليها ما يقرب من ثلاثة آلاف طالب في الفلسفة، وقد تطرّق أحيانًا إلى معالجة المسائل الميتافيزيقيّة، ونظر إلى الكون كأنّه كائن عضويّ حيّ، وشدّد على أهمّيّة ما يفيد الإنسان في هذه الأرض، وأضاف قوله: “إنّ ما لا ينفع في حكم الدولة، أو في تيسير العلاقات بين أفراد الإنسان، لا غناء فيه.. لا بد للمتعلم أن يكون مصحوبًا بالفاعلية والحياة، ولا ينبغي أن يقتصر على مجرّد النظريّات الميتة، أو التأمل… إنّ من يعرف الطريق يلتمسها في حياته اليوميّة… إنّك إذا حاولت أن تلتمس الطريق بعيدًا عن العلاقات الإنسانيّة، فأنت بمثابة من يحاول أن يمسك الريح… إنّ الطريق المألوفة ممتازة بحسنها، ولن نجد في العالم ما يفوقها حسنًا”([21]).
وقد سار “إتيوتوجاي” على جادّة والده “جنسي” فلم يهتمّ بالشهرة، وقال: “هل يسعك أن تسمّي من ينسى اسمه بمجرّد موته إلاّ بأحد اسمين، فإمّا حيوان، وإمّا رماد؟ ولكن ألاّ يخطئ الإنسان إذا ما اشتدّت رغبته في تأليف الكتب، وإنشاء العبارات لكي يلقي اسمه إعجابًا ولا ينساه الناس؟ وهو نفسه كتب مائتين واثنين وأربعين كتابًا، ومع ذلك عاش حياة متواضعة تملؤها الحكمة، ويشكو النقّاد من أنّ هذه الكتب كانت كلّها قويّة فيما أسماه “موليير” بالفضائل التي تجلب النعاس، ولكن تلاميذ “توجاي” يقولون: “إنّه كتب مائتين واثنين وأربعين كتابًا من دون أن يقول كلمة واحدة عن أيّ فيلسوف آخر، ولمّا مات وضعوا على قبره هذا الشاهد الذي نغبطه عليه:
إنّه لم يتحدّث في أخطاء الآخرين…
ولم يهتمّ بشيء إلاّ بالكتب
وكانت حياته خلوًا من الحوادث”([22])
من أتباع كونفوشيوس المتأخّرين، نذكر “أوجيوسوراي” الذي كان مباينًا لـ”توجاي”، إذ كان يعمد إلى النقاش، وبلغت ثقته بنفسه إلى حدّ جعله يعدّ نفسه مميّزًا أكثر من الآخرين، وأنّه يعلم كلّ ما يمكن علمه، وقد نُقل عنه قوله عندما سأله سائل شاب: “ماذا تحبّ غير القراءة؟” أجاب: “ليس أحبّ إليّ من أكل الفول المحروق، ونقد عظماء اليابان”([23]). وكان رأيه واضحًا في اليابانيّين، عندما عدّهم أنّهم همج جميعًا، “ويذكر نفسه بينهم صراحة، قوم همج، وليس يعرف المدنيّة غير أهل الصين، وأنّه إذا كان هناك شيء لا بدّ من قوله، فقد قاله بالفعل الملوك القدامى أو كونفوشيوس”([24]).
وفي المسألة الخلقيّة سخر”سوراي” من “جنسي” الذي أعلن أنّ الإنسان خيّر بطبعه، فما أشبهه في ذلك بـ”هسون تسي” حين عارض النزعة العاطفيّة في “موتى” أوبـ”هُبز” حين فنّد “روسو” قبل أن يأتي “روسو” إلى عالم الوجود، وقال “سوراي” إنّ الإنسان – على نقيض ما ظنّه “جنسي” – شرير بطبعه، يختطف كلّ ما تقع عليه يداه، ولا يجعل منه مواطنًا مقبولًا إلى الأخلاق، والقوانين الموضوعتين، والتربية التي لا تلين في معاملته” ([25]).
ما نستشفه فعلًا من فلسفة “سوراي” إنّما هو تشاؤمه الذي أنذر بهبوط الفكر اليابانيّ في القرن الذي تلاه، فقد نشبت الحرب بين وثنيي الصين، ومؤمني اليابان، “وفي هذه الحرب التي شنّها الأقدمون على المحدثين، كتب النصر للمحدثين، لأنّهم جعلوا الأسلاف موضع إعجابهم، فتفوقوا في ذلك على أعدائهم، وكانت الطائفة التي تناصر الصين من العلماء واسمها “كانجاكوشا” تسمّي بلادهم اليابان، وهي وطنها – قطرًا همجيًّا، واحتجت بأنّ الحكمة كلّ الحكمة مقرّها الصين. وقنعت بترجمة الأدب، والفلسفة الصينيّين والتعليق عليهما، أمّا العلماء الذين يناصرون، اليابان (واسم جماعتهم جاكوشا) فقد هاجموا هذا الموقف من معارضيهم لأنّه موقف يؤدّي إلى إشاعة الجهل، ونبذ الروح الوطنيّة، ودعوا أمّتهم أن تستدبر الصين، وأنّ تجدّد قواها بالأخذ عن تراثها هي من شعر وتاريخ. وهاجم “مايوشي” أهل الصين قائلًا إنّهم قوم أشرار بفطرتهم، ومجّد اليابانيّين لأنّهم خيّرون بطبعهم، وعزا فقر اليابان القديمة في الأدب والفلسفة إلى أنّ اليابانيّين لم يكونوا بحاجة إلى إرشاد في الفضيلة، ولا في العقل”([26]).
كان “موتو أوري نوريناجا” خير مدافع عن الفكر اليابانيّ، فقد قام بكتابة أربعة وأربعين مجلّدًا، وكانت عبارة عن “مدوّنات الحوادث القديمة” أي الـ”جوجيكي”، فأماط اللثام عن أساطير “شنتو”، وتهجّم على كلّ دخيل صينيّ، سواء كان في اليابان أو خارجها، واستأنف “هيراتا” الدفاع عن اليابان بعد موت “موتو أوروي”، فقال: “إنّه لممّا يدعو إلى الأسف الشديد، أن يسود كلّ هذا الجهل بالشواهد التي تدلّ على المذهبين الأساسيّين، وهما أنّ اليابان بلد الآلهة، وأهلها سلالة الآلهة، فبين الشعب اليابانيّ، وبين الصينيّين، والهنود، والروس، والهولنديّين، والساميّين، والكمبوديّين، وسائر أمم العالم، خلاف في النوع، ولا يقتصر الأمر على اختلاف في الدرجة، فلم يكن مجرّد الغرور بالنفس هو الذي يجعل أهل هذه البلاد يسمّونها أرض الآلهة، فالآلهة الذين خلقوا كلّ بلاد الدنيا ينتمون جميعًا بغير استثناء إلى العصر الإلهيّ، وجميعهم ولدوا في اليابان، فاليابان هي موطنهم الأوّل، والعالم كلّه يعترف بصدق هذا النبأ، فالكوريّون هم أوّل من أتيح له أن يعرف هذه الحقيقة، ثمّ انتشرت منهم تدريجًا حتّى عمّت المعمورة بأسرها، وآمن بها الناس أجمعون… فلئن كانت البلاد الأخرى قد نشأت طبعًا بفعل قوّة الآلهة الخالقة، إلاّ أنّها لم تكن وليدة “إيزاناجي”، و”إيزانامي”، ولا كانت المنشأ الذي ولدت فيه آلهة الشمس، وهذا هو علّة انحطاطهم عنّا”([27]).
لقد نجم فعلًا من رفض كلّ ما هو صينيّ، وعن التشبث بكلّ ما هو يابانيّ بحث ولادة حركة “سونوجواي” التي هدفت إلى طرد الأجانب، وتحقيق سموّ الإمبراطور، فتمّ القضاء على سلطة الحكّام العسكريّين في القرن التاسع عشر، واستعاد “البيت الإلهيّ” مكانته المرموقة، ففرض سيادته في اليابان، وأدّت حركة “سونوجوا إي” دورًا مُهِمًّا في القرن العشرين، “إذ أخذت تغذّي تلك الوطنيّة المستقلّة التي لن تطمئنّ وترضى إلاّ إذا بسط “ابن السماء” سلطانه على ملايين الناس في بلاد الشرق التي تعود، إلى بعثها، متكاثرة بخصوبة نسلها”([28]).
لم يكن الشرق الأقصى بمنأى عن الاضطراب الخُلقيّ الذي حدث في بلاد الغرب، فقد تفاقمت الحرب بين الشباب المندفعين إلى التغيير بحماس لا مثيل له، وبين الشيوخ المتشبّثين بتقاليدهم. ومن الأسباب التي ساهمت في نشوب تلك الحرب، نذكر نموّ الصناعة الذي عمل على إبراز شخصيّة الفرد، وبالإضافة إلى ضَعف الإيمان الدينيّ، و”سرعة تصنيع النساء قد حتّم انحلال الروابط التي كانت تربطهنّ بالدار، واعتمادهنّ في العيش على الرجال، والطلاق في اليابان قد كثر حتّى شابَه الحال في أمريكا… والآلة هي عدوّ رجل الدين في اليابان كما هي في سائر أنحاء العالم، ولمّا استوردت اليابان من إنجلترا أوضاعها الصناعيّة الفنّيّة، استوردت معها “سبنسر” و”ستيورت مِل” وبهذا أسدل الستار فجأة على سيادة المذهب الكونفوشيوسي في الفلسفة اليابانيّة، ولقد قال تشمبرلين سنة 1905: “إنّ الجيل الموجود الآن في المدارس يتشكّل على صورة فولتيريّة واضحة المعالم”. ومن نتيجة هذا الاتّجاه نفسه أن ازدهر العلم بارتباطه الحديث بالآلة، واكتسب في اليابان قلوب أعظم الباحثين في عصرنا هذا، بحيث انصرفوا إليه مخلصين على نحو ما نعهد في اليابانيّين من الولاء فيما يخلصون له، فالطبّ في اليابان – على الرغم من اعتماده في معظم مراحله على الصين، وكوريا فقد تقدّم تقدّمًا سريعًا حين احتذى مثل الأوروبيّين واندفع بحافزهم، وخصوصًا الألمان، وإذا أردت أن تعلم مدى السرعة التي انتقلت بها اليابان من مرحلة التتلمذ إلى مرحلة الأستاذيّة التي أخذت تعلّم فيها العالم أجمع، فانظر إلى ما عمله “تاكامين” في استكشافه للأندرنالين، وفي دراسته للفيتامينات، وما أداه “كيتاساتو” في مرض فَقر الدم، وفي تقدّم التلقيح ضدّ الدفتيريا ثمّ ما عمله ألمعهم جميعًا، وأشهرهم جميعًا، وهو “نجوشي” في مرض الزهريّ، ومرض الحمى الصفراء”([29]).
([1]) الموسوعة الفلسفيّة، ، إشراف روزنتال ويودين، ترجمة سمير كرم، مراجعة د. صادق جلال العظم وجورج طرابيشيّ، دار الطليعة، بيروت، 1974، ص 216.
([6]) الديانة الزرادشتيّة، نوري إسماعيل، منشورات علاء الدين، بيروت، ص 83 – 84.
([7]) ديوارنت، قصّة الحضارة، الهند وجيرانها، ترجمة الدكتور زكي نجيب محمود، بيروت، تونس، دار الجيل، ج3 ص 437.
([8]) قصّة الحضارة، ديورانت، الشرق الأقصى، اليابان، ج5، ص 73.