عنوان البحث: الأنا المتمرّدة والشّخصيّة الرّوائيّة المتطوّرة في رواية "أنا أحيا"
اسم الكاتب: د. محمّد عبد النّبي حدرج
تاريخ النشر: 19/03/2025
اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية
عدد المجلة: 36
تحميل البحث بصيغة PDFالأنا المتمرّدة والشّخصيّة الرّوائيّة المتطوّرة في رواية “أنا أحيا”
The Rebellious Ego and The Developed Narrative Personality
In The Novel “I Revive”
Dr. Mohammed Abdel Nabi Hodroj د. محمّد عبد النّبي حدرج[1]
تاريخ الإرسال: 29-1-2025 تاريخ القبول: 10-2-2025
الملخّص turnitin:7%
لقد استطاعت الرّواية العربيّة تقديم رؤيتها إلى العالم، منذ البدايات وصولًا إلى اكتمال تجربتها الفنيّة على يد من امتلكوا نضجًا فنيًا وفكريًا. ومن هؤلاء كانت الرّوائية ليلى البعلبكي التي وظّفت السّرد المتخيّل التّجريبيّ لكشف حقيقة الواقع، وما يحتويه من صراعات واضطرابات، تواجهها الأنا الغارقة في مشكلات يعانيها هذا الواقع، فكان القصّ وسيلة اتخذتها الكاتبة لتشخيص الواقع، وترميز شخوصه.
والأنا في رواية “أنا أحيا” هي محور السّعي، تعيش نقيضًا بين ساديّة مدمّرة، ومازوشيّة تشوّه الذّات انتقامًا من الآخر، باحثةً عن كينونتها وملاذها تحت ضغط الجماعة المتسلّطة، راسِمةً عبر مأزمها مأزم الإنسان العاديّ المُثقل بكلّ أشكال التّهميش، وفقدان الثّقة بالذّات والعالم. فتتشكًل جدليّة سرديّة تكشف خصائص الشّخصيات، ومواقفها وعلاقاتها، وبعد اكتمال الحدث المتصاعد يظهر المطلب، أو الضالّة المنشودة الذّاتيّة، وهي سعي الذّات الراغبة إلى الهدف.
ومهما يكن من أمر فإنّ الحديث عن الشخصيّات المتطوّرة، هو هدف جعل الكاتبة تتعامل مع الشخصيّات ككائن حيّ له نوازعه وميوله، ورؤاه المتناقضة، فجاء التحوّل من دافع ذاتيّ في بداية الرّواية، ثم ظهر هذا التحوّل في سياق الأحداث محكومًا بظروف يفرضها الخارج بكلّ تحولاته.
الكلمات المفاتيح: الأنا المتمرّدة، السّعي، الواقع، الشّخصيّة الرّوائيّة، صراعات، تناقضات، تحوّلات، تطوّر الشّخصيّة.
Abstract:
The Arab novel was able to present its vision to the world, from the beginning to the completion of its artistic experience by those who possessed artistic and intellectual maturity. Among them was the novelist Layla al-Baalbaki, who used the experimental imagined narration to uncover the reality, the conflicts and disorders it contains, faced by ego steeped in problems with this reality. The story was a way for the author to diagnose reality and codify its people.
The Ego in the novel “I Revive”, is the centerpiece of the quest, living in contrast between a destructive sadism, and a self-distorting masochism, seeking her place and sanctuary under the pressure of the authoritarian group, named through the crisis of ordinary mankind, burdened with all forms of marginalization and loss of self-confidence and the world. It forms a narrative argument that reveals the personalities’ characteristics, attitudes and relationships, and after the completion of the escalating event the requirement, or self-desired stray, is the self-desirable pursuit of the goal.
However, talking about sophisticated personalities is the aim of having the author treat the characters as a living being with its anguish, tendencies, and contradictory visions. The shift from self-motivation at the beginning of the narrative, and then this transformation in the context of events is governed by circumstances imposed by all its transformations by the outside.
Keywords:
The Rebellious ego, seek, fact, the narrative personality, conflicts, contradictions, transformations, personality development.
المقدّمة
يقع الفنّ على مسافة واضحة من الواقع، لا هو قادر على الانفصال التّام عنه، ولا هو قادر على الاندماج به والتّطابق معه. فالانفصال الكامل يجعل من العمل الفنّيّ خواء وهراء، والتّطابق يلغي وجود أيّ صفة فنّية. فعلاقة الفن بالحقيقة علاقة بالغة الدّقة، فهو وإن لم يكن حقيقة موضوعيّة، إلّا أنّه حقيقة من نوع خاصّ، فالعمل الفنّي قائم على التّعديل في هويّات الأشياء الموضوعيّة والخروج على النّسق الموضوعيّ الخاصّ بها، إلى نسقٍ فكريّ أو نفسيّ([1]) والرّواية هي فنّ متخيّل مكتوب، تتعامل مع الزّمن بإيقاع يوفّرُ التأمّل والتّبصّر، ويفتح آفاق التّوقّع، لا التشويقيّ فحسب، بل المستقبليّ الممكن والمحتمل، والرواية كفنّ أدبيّ هي الأكثر مواءمة لقول ما لا يُسمح بقوله في ظلّ النّظم الحاكمة، والرّقابة المقوننة، ذلك أن عالم الرّواية تخييل، وأسلوبها قناع، ولغتها مراوغة ومجاز([2]). تكتسب الرواية قيمة وأهمّية بقدر ما تطرح من قضايا فكريّة وإنسانيّة تخطر بالعمق والطّرافة، وتحثّ على التّأمّل والتساؤل والحوار([3]). ذلك أنّ أداءها لا يخضع إلى أيّ عنصر مهيمن خارجيّ، ليس من فكرة كليّة مسبقة توجّه العمل، أو هدف وعظيّ أو أيديولوجيا يحدّدان مسار السّياق، لأن شروطًا جديدة للإنتاج الأدبيّ قد تشكّلت، جعلتها فنًّا يطلبه عددٌ كبير من القرّاء، صار بالإمكان توفير طلباتهم بعد ظهور المطبعة، وقيام دور النّشر بمسؤوليّة الطّباعة والتّوزيع([4])، علاوة على ازدهار الصّحافة، وبهذا تخلّص الكاتب من علاقة كانت تحكم إنتاجه، وهو في العادة حاكم أو اقطاعيّ، أو متموّل صاحب سلطان، يحكم الإنتاج الروائي([5]).
لقد استطاعت الرّواية العربيّة تقديم رؤيتها إلى العالم، منذ البدايات وصولًا إلى اكتمال تجربتها الفنيّة، واكتمال أساليبها، وذلك على يد الكثيرين الذين امتلكوا نضجًا فنيًّا وفكريًّا، ومن هؤلاء كانت الرّوائيّة اللبنانيّة ليلى بعلبكي التي وظّفت السّرد المتخيّل التجريبيّ لكشف حقيقة الواقع وتناقضاته.
فليلى بعلبكي في رواية “أنا أحيا” تصوّر إيقاع الحياة في بيروت بشكل خاصّ، وتذهب أبعد من ذلك إذ تواجه حمولة الزّمن، بكلّ أثقاله، وكأنّ المكان بكلّ أبعاده ساحة لكلّ التحوّلات المحكومة بالتّناقض والمحو والتحوّل، وتحاول الدراسة، موضوع البحث، الوقوف على جانب من قضايا الرّواية، وما تحويه من اضطرابات، وصراعات داخليّة وخارجيّة، اجتماعيّة وثقافيّة، تواجهها “الأنا” الغارقة في مشكلات كبرى يعانيها هذا الواقع.
اتخذت الكاتبة مادّة القصّ وسيلة لتشخيص الواقع، وترميز شخوصه، ذلك أنّ الرواية هي هُويّة سرديّة، وهذه الهُويّة ليست شيئًا جوهريًّا ثابتًا، بل صورة الذّات المتحرّكة التي يتحقّق وجودها في وصفه وجودًا للآخرين، ومعهم وبينهم في حركة لا انقطاع لها([6]). والحال، يستدعي الأمر طرح إشكاليّة تتصل بالشّخصيّة الرّوائيّة المتطوّرة، والأنا المتمرّدة السّاعية إلى تحرير ذاتها من إلزام الظّروف الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة، وتحكّم العادة الّتي تفرض هيمنتها على الفرد والمجتمع.
ومن أجل تحقيق الأهداف المرجوّة، لا بدّ من اتّباع منهج نقديّ يتلاءم مع القضيّة موضوع البحث. والمنهج وجهة نظر حقل معرفيّ معيّن بالأدب، يشكّل خلفيّة فكريّة ومعرفيّة، وهو طريقة في مقاربة الخطاب الأدبيّ، لا تولد من فراغ، أو تأمّل حرٍّ مستقل، هي مترتبة على فهم محدّد للأدب، ووجهة نظر فيه. ولذلك فهي متعدّدة تعدّد تلك الوجهات، وهي مستمرّة في التّوالد ما استمرّت وجهات النّظر في التّوالد والحدوث، فكان المنهج النّفسيّ النّاظر إلى الأدب على أنّه شكل من أشكال أحلام اليقظة المثارة بما يعتمل في عالم اللاشعور من مكبوتات ومركّبات نقص، أو تفوّق. ولقد شهد هذا المنهج تحوّلات ابتدأت بفرويد ولم تنته بلا كان([7]). إذ تتعدّد المناهج النّفسيّة بتعدّد علماء النّفس، وتختلف باختلاف القرّاء. وأكثر القراءات المعروفة أهمّيّة القراءة الأعراضيّة، إذ إنّ الخطابات، على ما يرى فرويد، هي أعراض، أي حلّ وسط بين الوعي واللاوعي، لذا تمكن قراءتها. وكذلك يمكن إنجاز قراءة إشاريّة ، فيجري البحث عن تكرار ملحّ، وعن تنافر بين موضوع وعاطفة، وعن غرابة، وزلّة لسان، وعن كلمة غير متوقّعة، وغیاب وحضور مفاجئين، وعن تفصيل يضفي أهمّية ما. كما يمكن اعتماد قراءة بنيويّة نفسيّة، فإمّا يعمد إلى قراءة نصوص للمؤلّف عينه لكشف بنية نفسيّة ما، أو يقرأ نصوصًا لمجموعة مؤلفين للخروج ببنية شاملة([8]). والمنهج النّفسيّ يرتكز على مقاربة تسمح بتنظيم النّصّ حول هيكليّة رمزيّة لمأزم ما، أو حول عصاب معيّن عند الكاتب، والهدف من ذلك تقصّي ملامح ميثة الكاتب الشخصيّة، وكيف تظهر من خلال صور واستعارات ملحّة، إذ يعتقد مورون Moron أن الكاتب تلحّ عليه فكرة ثابتة أو عقدة راسخة، تعبّر عن نفسها من خلال عدد لا حصر له من الرّموز. وهذه الفكرة يتناولها النّاقد، في بدء عمله التّحليلي، كفرضيّة قابلة للتّطوير في سياق العمليّة التّحليليّة للنّصوص، آخذًا في الحسبان المبادئ الأساس التي قام عليها التّحليل النّفسيّ الفرويديّ، ومنها: اللاوعي، الطّاقة النفسيّة الليبيديّة الطفليّة، والنّزوات المتسلّطة، والتّكثيف والنّقلة والتّرميز([9]). ذلك أنّ مصدر الأدب عقدٌ نفسيّة تنشأ عن التّصادم بين المواضعات الاجتماعيّة، والغرائز الفطريّة الموروثة. فالتّحريمات ترغم صاحب العقد على قهر رغباته، فتعيش في منطقة تقوم خلف الوعي في حال كمون أو كبت، إلى أن تجد لها مصرفًا في الأحلام أو اليقظة، أو التّداعي الحرّ، أو في زلّات اللّسان ، أو في المنتج الفنّيّ، بوصفه وسيلة تعبير خفيّة عن الرّغبات المكبوتة، وكلّ ذلك هو ما يكشفه التّحليل النفسي على أساس تقسيم الحياة النّفسيّة إلى ماهو وعي، وما هو لاوعي([10]).
سيميائيّة الغلاف والعنوان: يتشكّل غلاف الرّواية من عنصرين اثنين، العنصر الأوّل: صورة فتاة يبدو كأنّها جالسة في مقهى تنظر إلى البعيد، واضعة يدها على عينها إطارًا موجّهًا إلى وجهة محدّدة، تمثّل هذه الصّورة الرّماديّة اللّون الفتاة المتحرّرة، الأنيقة التي تعيش حياتها كما تراها على الرّغم من رماديّة الّلون الّذي يوحي بالضّياع والضبابيّة.
أما العنصر الثاني: فهو العنوان إذ يتصدّر الصورة بلونه الأخضر رمز الحياة والوجود، ويتألف من كلمتين، الأولى ضمير ظاهر للمتكلّم “أنا” والثّانية فعل مضارع “أحيا”، وهو نقيض الجمود أو الموت، ويشير إلى الدّيمومة والاستمراريّة يستتر فيه ضمير آخر للمتكلّم، وهو شكل من أشكال إلحاح الذّات ورغبتها في الحياة، وهو حقّ من حقوقها الطبيعيّة، ما يعني أن الإنسان في ذاك الزّمن يعاني قهرًا، يجعله باحثًا وساعيًا في سبيل استعادة دوره الطبيعي في هذا الوجود، وأن يكون حاضرًا ومؤثّرًا ، له كيانه ضمن دائرة الفعل.
ويمكن ترجيح فرضية تأويل عنوان الرّواية، ورمزيّة غلافها بعد دخول عتبة النّصّ، ومطالعة صفحات الرّواية الأولى، والتماس بعض مفاتيحها ورموزها.
الأنا المتمرّدة: بطلة رواية “أنا أحيا” للكاتبة ليلى بعلبكي، وشخصيّتها الرّئيسة، تسأل نفسها منذ اللحظة الأولى: “لمن الشّعر الدافئ المنثور على كتفي؟ أليس هو لي، كما لكلّ حيّ شعره يتصرّف به على هواه؟ ألست حرّة في أن أسخط على هذا الشّعر الذي يلفت إليه الأنظار حتى أمسى وجودي سببًا لوجوده؟”([11]) يبدو من خلال إلحاح السّؤال والمونولوج الداخليّ أنّ الأنا هي محور السّعي، تشعر بالحنق على واقع تحكمه المظاهر البرّاقة، ويجعل من الإنسان العادي يعيش نقيضًا بين ساديّة مدمّرة لكلّ موجود، ومازوشيّة تحاول تشويه الذّات انتقامًا من الآخر، كما أنّ هذا المونولوج الداخليّ يرهق الذّات بحشد من الأسئلة الوجوديّة المتّصلة بالأنا وسؤال الهويّة، وكذلك أسئلة المصير. ومن السّياقات التي تعبّر فيها شخصيّة السّاردة عن رغبتها في التحرّر الآتي: “والآن عليّ أن أختار لونًا ينسجم مع لون معطفي الرّماديّ القاتم، ماذا اختار، أحمر؟ أخضر؟ أزرق وأبيض؟”([12]) هي تحاول اختيار لون يشكّل انعكاسًا لرؤيتها، ورغبتها في أن تعيش مفعمة بالغبطة، وتمحو في الوقت عينه الضبابيّة وغياب الأفق الذي يمثّله اللّون الرّماديّ، وهو انعكاس لواقع يسوده الغموض وانسداد الأفق، فيبدو السّارد المؤنّث في رواية “أنا أحيا” منذ البدء، قلقًا، يفكّر في مصيره، كاشفًا بعض ملامح الحاضر بما يوحي من خذلان ومآسٍ، وكأنّها تبحث عن حقيقة ترجوها لذاتها وحدها، وأوضح تعبير على ذلك قولها: “أتمنى لو كان الوقت شيئًا ملموسًا، لتجاهلت وجود النّاس حولي، وانقضضت عليه أنهشه بأظافري، وأمضغ أشلاءه بأسناني ثم ألفظه على الأرض لينزوي بين قدميّ خائفًا، صاغرًا. إن قلتُ له قف: جمد! وإن أمرته بالتّحليق غاب عن الحياة، وأنا ممسكة زمامه، مستلقية بين جناحيه!”([13]) إنّ استخدام الأفعال (انقضضت، أنهش، ألفظ) وكذلك صيغ الأمر، تعبير واضح عن ساديّة أشار إليها البحث منذ البداية، وأفصح عنها الخطاب المسترسل من خلال الحوار الداخليّ([14]) الذي حمل المعنى السّلبيّ في معظم الأحيان، وكأنّه يشكّل مهربًا وعزلة، وإقصاء ذاتيّا، أو اختيارًا فرديًّا في مواجهة الأنا الأعلى المتمثّلة بالوقت، وهو الزّمن بكل جزئيّاته، وكذلك وجود النّاس بكلّ ما يمثله الوجود المجتمعيّ من تقاليد وأعراف، ينظرون بمنظارها إلى الآخر، ويكون ذلك إعلانًا عن عجز الذّات أمام المحيط المجتمعيّ القاهر، بحسب رؤية السّاردة الذي يتجاوز المنطق والمألوف.
هكذا تطرح الرواية رؤيتها منذ البدء، وتضع إطارًا عامًا لمسارها الذي ينطق برؤية إلى الذّات التي تبحث عن كينونتها وملاذها تحت ضغط الجماعة المتسلّطة، وما تشكّله من ثقل خارجيّ يرهق الشّخصيّة، ويصهر قواها. والمثال على ذلك قول السّاردة: “هذا الزاروب وسخ، وهؤلاء النّاس المبعثرون فيه، لهم وجوه صفراء، وأنوف حمراء متجلّدة”([15]) اللون الأصفر الذي أسند إلى وجوه النّاس يشي بالتّعب والمرض، أو الحقد والكره، والمعاني بمجملها سلبيّة على تنوّعها واختلافها، وكذلك الأنوف الحمراء المتجلّدة. وهذا يفيد من ناحية أخرى إلى أنّ النّاس في ذلك الزّمن ليسوا جماعة متضافرة متعاونة تسعى إلى تحقيق غايات إنسانيّة عامّة، وإنّما هم أفراد تجمعهم ظروف قاهرة، لكلّ منهم همومه ومشاغله، وطرقه ومساراته. ومن الطّبيعيّ أن تتشعّب طبقات المجتمع في مثل هذه الظروف، وأن يتسلّط القويّ على الضّعيف. والرّواية أشارت إلى نماذج طبقيّة منها: (البوّاب المسكين، الحاجب المبتسم، والمدير صاحب العينين السّاخرتين) ([16]) وذلك على لسان بطلة الرّواية “لينا”. وهذه النّماذج صنّفتها البطلة بناء على رؤيتها بقولها: “ولأنّ الشّخص الواحد أحيانًا يدلّ على فئة معيّنة من النّاس: فالبعض أطفال، والبعض هررة، أو ثعالب أو خنازير، أو روائح، أو جمادات، أو آلهة”([17]).
انطلاقًا من هذا المجتزأ، يمكن القول إنّ هموم البطلة واهتماماتها دفعتها لتوجيه رؤيتها إلى العالم الخارجيّ، ما يعني أنّ نتاج الرؤية هو فرديّ، وهي محاولة لتشخيص الواقع ووصفه، ومن ثم إعادة إنتاجه. وذلك لا يمنع أن تكون الكاتبة تحاول نقل الواقع، بكلّ تناقضاته، وتحوّلاته وما يشوبه من ألوان زيفٍ وخداع، تمثّلت بالوجوه التي تراها البطلة، وهي تُشْبه بسلوكها إلى حدّ ما الفطرة الحيوانيّة، وما تتّصف به هذه المخلوقات من صفات الخوف والمكر، أو القنص والتّهشيم، وغير ذلك من الممارسات التي تسود في النّظام الطّبيعيّ للغابة. وبذلك تكون “لينا” بطلة رواية “أنا أحيا” وشخصيّتها الرئيسة ترسم عبر مأزمها، مأزم الإنسان العاديّ الذي يثقله الشّعور باللاجدوى، “وفقدان الثّقة بالذّات والعالم المحيط الذي ينحدر بالشخصية نحو اختيار طريق المواجهة، أو الرّفض من دون أيّ رؤية موضوعيّة تفضي إلى الخروج، أو ايجاد كوّة في جدار العالم والمحيط.
وهنا يحضر الجانب النّفسيّ، وبقوّة، فربّ العمل يتمثّل بالكرسيّ الذي يجلس عليه، كما تشير البطلة: “وبدأ المقعد كلامه، فلم أتأثر بصوته الدافئ بعد أن رأيت عينية السّاخرتين”([18]). هذا الرصد للمكان، وهو الكرسي، أو المقعد الذي يمثّل المكانة الاجتماعيّة، أو السياسيّة لصاحبه، يشكّل سخريّة البطلة من خلال رسم أبعاد الشخصيّة، ويبيّن شكل صراع الذّات مع الأحداث والزّمان من حولها “كما أنّ الشّخصيّة غالبًا ما تغلّف المكان (المكتب وما فيه من عناصر) الذي يحيطها، وتتحرّك فيه بلمسات نفسيّة خاصّة، وبإحساسها المتناقض، أو المتوافق مع الأبعاد الظّاهرة، أو الخفيّة للصّراع. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه العلاقة التبادليّة بين عناصر المكان والشّخصيّة تتأثر تباعًا برؤية الكاتب الخاصّة التي يسعى إلى تلقينها للقارئ، وبأهدافه الفكريّة والفنيّة التي يجتهد لتحقيقها”([19]).
ينمو القصّ هكذا إلى أن تتشكل جدليّة سرديّة تكشف خصائص الشّخصيّات وعلاقاتها، ومواقفها، فالأب قد حقّق مكانة وثروة وفّرتها له الظّروف السّياسيّة التي تتداخل وتتباين، وكذلك الأحداث المحيطة، الأب صديق مدير عملها الجديد الذي تمنّت لو لم يكن والدها، بقولها: “ألا يعلم هذا أنّني لو خُيّرت باختيار والدي، لما كان هو والدي، ولا كان هذا المقعد القذر”([20]) للوهلة الأولى يكشف هذا المجتزأ عن عقدة داخليّة، تتمثّل بعقدة أوديب، أو عصاب مصدره العالم الخارجيّ المتمثّل بالرّجل. لكن بعد اكتمال الحدث المتصاعد، حيث يبدأ بالعرض، وينتهي إلى الذّروة، يظهر المطلب، أو الضّالة المنشودة الذّاتية، وهو سعي الذّات الرّاغبة نحو الهدف، ويتحقق هذا المطلب بالتقاء الذّات مع الهدف، وهل يتحقق هذا الهدف في ظلّ رؤية ملتبسة تتزامن مع غياب العامل المساعد؟ فهي تواجه بمفردها كلّ الوجود “وأنا أصارع عنيدة لاستكمال قدرتي على مواجهة العالم كلّه([21])
تنطق الرّاوية بهذه الدّلالة بوضوح عندما تفصح عن رفضها لوالديها، عندما تقول: “لماذا تتدخّل هذه بأموري؟ لماذا يجب أن أرتعد خوفًا منها ومن والدي؟ لماذا لا تهتم بمشاكلها، فتمضي الليل حذرة، ساهرة، تحافظ على زوجها بقربها بدل أن تستسلم للنّوم، فيغافلها هو ليسلب في الظلام موعدًا…”([22]) هذا الرّفض والإنكار الذي تكشفه البطلة، وتفصح عنه في غير وصلة موضوعيّة، موصولة بوحدات سرديّة أخرى في مساق الحدث نفسه من دون الارتباط بها سببيًّا أو زمنيًا، هذا الرّفض يشخّص علاقة البطلة الأسريّة، ويؤكّد سعيها إلى إغضاب والديها، “وهو الوسيلة التي تمكّن الأنا من الإمساك باللاشعور في الوقت الذي ترفضه، فهي تعريف عن الدّال المكبوت بحكم ظهوره من جهة الإنكار”([23])، لا تقتصر عدوانيّة الأنا على الرّجل، وما يمثّله من سلطة اجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة، بل ينسحب ذلك على الأمّ بوصفها امرأة تقليديّة، وبما تمثّل من واقع يشوبه محوّ لشخصيتها، فهي لا ترى وجودها إلّا من خلال قوّة الرّجل، وتحكّمه بمصيرها انطلاقًا من نزعاته ودوافعه، والحال، تكون المرأة مساهمة في إقصاء ذاتها وتهميشها، وتهشيم صورتها أمام سلطة ذكوريّة، لا ترى في الوجود غير مصالحها، وإشباع رغباتها التي لا تقف عند حدود، أو يردعها رادع.
إنّ فعل الإنكار أو الرّفض للآخر، بدءًا من تماثل وجوه النّاس، مرورًا بمدير عملها الجديد، وما عكسته رؤيتها إلى الشّخوص التي صادفتها في طريقها إلى العمل وأثنائه، وصولًا إلى نظرة الاحتقار إلى الأهل، كلّ ذلك مؤشّر يدلّ على عصابيّة “لينا” بطلة “أنا أحيا”، كما أنّه دليل على مأزمها واضطرابها، وعلى ازدواجيّة الدّونيّة والسّيطرة، والأزمات التي تعصف بالعصابيّ، تجعل منه متمرّدًا على الآخر والمحيط، ويشعره هذا التمرّد ” وكأنه يحقّق شيئًا مفقودًا في حیاته([24]) وينسحب بعد ذلك هذا الموقف على كلّ الرّجال، وما اكتسبوه من ثقافة أو وعي، وهذا ما أفصحت عنه بقولها: “لا يهمّني كلّ الرجال، ولا تغريني أيّة درجة ثقافيّة، وعبثًا أنقّب في نفسي عن صلة بهؤلاء الأشخاص، فأنا اعتدت وجودهم حولي، أحتكّ بهم، ولا أحسّهم، أنظر إليهم ولا أراهم، إنهم عندي تمامًا كالأشجار، والأنهار والنّجوم، والحجارة، أشياء لا تناقش، لأنّها من صنع غيرنا، ولأنّها معدومة الحركة، لن تؤثّر على الخفقان المتجدّد فينا”([25]).
يتحوّل العالم الخارجيّ بالنسبة إلى “لينا” عالمًا جامدًا غير مألوف، هو عالم لا يتطوّر، محكوم بالرّكود والثّبات، لا يتناسب مع رغبتها ورؤيتها إلى الحياة التي تراها، وتسعى إلى أن تحيا فيها. ويبدو أنّ الرّجل هو العامل المعوّق، لذلك تعتمد البطلة آليات ووسائل من أجل مواجهة هذا المعوّق، ومن هذه الوسائل محاولة التّشبّه بالرّجل سلوكًا ومظهرًا، ويحضر هنا قول الأمّ وسؤالها ابنتها “لينا” “متى قصصت شعرك الجميل؟ لماذا مسخت هيئتك الرّقيقة البريئة كرأس صبيّ شرس؟ ألا يكفيني عناد الغلمان من إخوتك؟([26]) تظهر من خلال هذا السّرد مازوشيّة البطلة في التعرّض إلى الجسد، ومحاولة تشويه معالمه وتغييرها كنوع من أنواع الاعتراض والتّصدي، ليس للرجل فقط، بل للمرأة أيضًا، وقد يكون ذلك لأسباب تعود إلى طفولتها، أو محاولة منها لكبح مفاتنها وإخفائها عن الرّجل، وهو رد فعل طبيعيّ، ومحاولة منها لمواجهة رغباته الجنسيّة ورفضها لها، فتتردّد من أن تكون امرأة تحقّق غايات الرّجل ورغباته “لذا تأخذ بارتداء أزياء تخلو من المظهر الأنثويّ، والإغراء الجسديّ”([27]). وقد أشارت لينا إلى أستاذها الذي يراقبها باستمرار بقولها” “الأستاذ يراقبني، وفي الوقت نفسه، يدفع من بين شفتيه جملًا منتظمة، معبّرة ناضجة، فتمهّلت بين شفتيه أتساءل: ترى، كيف يتمكّن هذا من القيام بمهمّتين دقيقتين: تفحّصي، وتركيب المعاني”([28]).
وبهذا الوصف الذي يتضمّن إيحاءات جنسيّة، تنقل السّاردة وقائع نفسيّة داخليّة تتمثل برؤيتها إلى الرّجل، مهما كان موقعه الثّقافيّ والاجتماعيّ، فالرّجال بحسب رؤية البطلة يتشابهون في نظرتهم إلى المرأة، وإلى حاجاتهم ورغباتهم، فالمرأة بالنسبة إليهم هي صيد وقنص، تحقّق إشباعًا واكتفاءً، وما تقوم به البطلة من أفعال متناقضة بين تشويه الجسد، والتّشبّه بالصبيّة في بعض الأحيان، أو الإغراء والاستهزاء ، كما في قولها: “تبسّمت هزءًا، فحسب الأستاذ أنّني أتعمّد إغراءه، فخبأ نظراته بين وجوه سائر الطلاب…” ([29])
ما تقوم به تشخيص للتوتّر والتّعارض القائم بين “لينا” بطلة “أنا أحيا” والعالم الخارجيّ المتمثّل بالآخر، رجلًا أو امرأة، “فأفعال الشّخصيّة، وسلوكاتها الظاهرة غير منفصلة عن حياتها النّفسيّة الداخلية([30]) وباستحضارها أستاذ الفلسفة، وما يعنيه علمها من منهج حياة، يرتقي بالفرد ومجتمعه إلى الرّقيّ والنّهوض، تتضح السّوداويّة التي تغلّفها نفسيّة البطلة، وعدم قدرتها على مواجهة الواقع بكلّ أزماته وإخفاقاته، فتعلن صراحة رفضها لتلك النّظريّات، كما في هذا المقطع: “لن أعود إلى مقعدي، ولا يهمّني ماذا يفرض أفلاطون، ولا ماذا يثرثر الأستاذ، الأهمّ عندي: المفتاح الصدئ في الزّاوية، والوظيفة المتجمّدة فوق الصدأ فيه، ومبلغ الخمسة والعشرين ألف ليرة([31]).
يبدو من خلال المتجزأ أنّ الهمّ الفرديّ هو الغاية بالنّسبة إلى البطلة والتي ترمز إلى الإنسان في ذلك الزمن الباحث عن حاجاته وغاياته انطلاقًا من اضطرابه وعصابه، ما يعني أنّ الهمّ الجمعيّ يضمحلّ بكلّ أبعاده الوجوديّة المبنيّة على حقائق وفلسفات هي عصارة عقول البشر وابداعاتهم.
ويتكرّر هذا المشهد في الرّواية من خلال شاشة المونولوج الدّاخليّ التي تنظر البطلة من خلالها إلى العالم، “وتحكم عليه من دون أن تنخرط فيه بشكل يجعل اللجوء المتواصل إلى المونولوج الدّاخليّ علاقة على التّباعد الذي يحدث بين العالم الداخليّ، والعالم الخارجيّ”([32]) ومن النّماذج الآتي: “فكّرت: ماذا ستكون هديّة الجارة المترهّلة؟ لا لن أرهق نفسي بتوافه الوالد وكلّ النّاس، فالصندوق في المؤسّسة يحيّرني، حتى أنّني لم أعد أستوعب الحركة في الشّوارع… أكرههم”([33]).
إنّ الإنكار الذي تبديه بطلة “أنا أحيا” يجعلها تعيش تناقدًا مع فلسفة الوجود بتشبيه النّاس بالأشياء والنبات، كما سبق ذكره، ثم غض الطّرف عن كينونتهم، ودورهم الوجوديّ ككائنات تنطق بمحتوى هذا الوجود، تشكل هذه المواقف انقلابًا على فلسفة الوجود الذي لا ينكشف إلا من خلال الموجود الفرديّ الواقعيّ، أيّ الإنسان، وأنّ كلّ إنسان يدخل الوجود يحمل منه، وينطق بمحتواه([34]) ويكون ذلك بالتفكّر والإصغاء، وهو وجود حركيّ متسائل، هنا تبدو البطلة “لينا” في المكان النّقيض، على الرّغم من أن الوجود الإنسانيّ هو فرديّ في أساسه، إلا أنّ وجود الذّات الفردية يرتبط بوجود العالم ككلّ([35]). وفرديّة “لينا” تبدو عبثيّة بعيدة في معظم الأحيان، من أيّ سعي يشكّل عاملًا مساعدًا، كما في موقفها من دراستها الجامعيّة التي تشعرها بالملل، وتسلب منها لحظات السّعادة التي تتوق إليها: “لماذا لا أفني ساعات بعد الظّهر في السّينما، بدل أن تفنيني هي في الجامعة؟”([36]).
إنّ السّعي الدائم إلى إشباع رغبات “الأنا” يشكّل أفعالًا لا يمكن تأويلها بمعانٍ ودلالات كما أشار المتجزأ، وهي سلبيّة بمجملها إلًا أنّ المنهج الوجوديّ يوجب عدم التوقّف عند هذا الفعل، بل “الانتقال من هذه الدّلالات إلى معانٍ أكثر غنىً وعمقًا حتى الوصول إلى المعنى الذي لا يتضمّن بَعد أيّ معنًى آخر، ولا يحيل إلا إلى ذاته([37]). ودائما من خلال التّحليل النّفسيّ الوجوديّ يجب البحث عن المعنى الأخلاقيّ، ذلك “لأنّ التّحليل النّفسيّ الوجوديّ وصف أخلاقيّ، يعطي المعنى الأخلاقي لجميع المشروعات الإنسانيّة” ويكشف المعنى المثاليّ لجميع مسالك الشّخص([38]).
انطلاقًا ممّا تقدّم، يمكن القول إنّ التمرّد الذي تبديه البطلة لا يمثّل رفضًا مطلقًا للعلم والثّقافة التي تشكّل الجامعة مسرحًا لها، إنما يشكّل رفضًا للثّقافة المجتمعيّة السّائدة، في زمن يتحوّل فيه المثقّفون إلى أدوات ينزلقون في متاهات الحياة ورغباتها. وكذلك إنكار النّاس الذي يوحي إلى إنكار الواقع وما يسوده من حنق، ونفاق، وهي برفضها المطلق لهذا الواقع تقول إنّ مساعي التغيير غير ممكنة، وأن لا مكان في هذه الحالة للإنسان العاديّ البسيط. إنّه الضّياع كما يشير المجتزأ الآتي: “ماذا أريد؟ أنا أريد؟ لا، أنا لا أملك إرادة. أنا مدفوع إلى تصرّف ما، أو حركة، أو هدف…”([39])
تساؤل البطلة، ثم النتيجة التي أفصحت عنها يظهران أنّ القدر قوّة عمياء وخرساء، تحكم مصائر الإنسان الذي لا يستطيع حيالها سوى الخضوع والرّضوخ أو الشّكوى. وهو قدرٌ يقود المجتمع إلى الضّياع ومن ثمَّ إلى العقم، إذ يتّصف الواقع الاجتماعيّ أو السّياسيّ بالتّفاوت الطبقيّ. وما رفض لينا الخضوع إلى مال والدها، وسعيها إلى العمل إلّا لتعلن رفضها للطبقة البرجوازيّة التي أخذت نصيبها الوافر في ظروف سياسيّة وأمنية قهرت شريحة واسعة من الجماهير. وراتبها الأوّل كان علامة توحي بهذا الرّفض في مواجهة مال الأب المتوازي مع الرّقابة والتّوجيه، وهذا ما يقيّد حركتها، فتقول: “قبضت أخيرًا أوّل مئتي ليرة، وبيدٍ مرتجفة وقّعت الجدول للمحاسب. فتمتم في أذني شكرًا رقيقًا، وتركني مع رزمة اللّيرات ، أشمّها، أتحسسها، وأبحلق في نمرها. سأنفق كلّ هذه اللّيرات من دون رقيب أو موجّه. سأنفقها في ساعة واحدة”([40]).
تطوّر الشّخصيّة الرّوائيّة
من الواضح أنّ تحوّلًا طرأ على شخصيّة البطلة، فبدل أن ترقد العدوانيّة على الذّات كما في صورة التشبّه بالصبية، وتشويه الأنوثة، فإنّ “لينا”، هنا، لا تستسلم لصراعاتها الدّاخليّة، بل تفرغ طاقتها إلى الخارج، تمارس رغبتها في إنفاق المال على نفسها، وكما تحبّ، وفي الوقت نفسه تعلن رفضها للنّظم الماليّة السّائدة، وكلّ أشكال الثّراء التي استفادت من ظروف الاستعمار والهيمنة التي وجدت المساعدة من داخل المجتمع من خلال فئة أشارت إليها الكاتبة على لسان بطلتها “لينا” في غير محلّ، والمثال على ذلك ما أفصح عنه زميلها في العمل: “لنكن واقعيين، هل المبادئ تُطعم، وتسقي، وتلبس؟ نحن لا نؤذي أحدًا. وما دام الفرد منا يعدّ تافهَا ، لا يخدش، فلماذا لا نتمتّع بمال الاستعمار؟([41]).
اللّافت للنّظر في المجتزأ، وفي أجزاء مختلفة من الرّواية أنّ الكاتبة تلجأ من حين إلى آخر إلى انزياحات استعاريّة، توظّفها في لحظات خاطفة من حياة الشّخصيات وعلى ألسنتها. هذه اللّحظات تسمى لحظات الرّؤية. فالسّارد يجمع بين المحكيّ النّفسيّ والصّور الاستعاريّة، ويخفّف من سرعة الإيقاع السّرديّ، ويدعو القارئ أو النّاقد إلى تأمّل أنشطة نفسيّة تعبر الذّهن في شكل صور مرئيّة استعاريّة”([42]). فالمبادئ التي لا تطعم علامة بارزة تشي بواقع يدفع ناسه إلى الازدواج والنّفاق، وترك القيم ومبادئ الخير، فتصبح الغاية من الانتماء أو اتباع أيديولوجيا ما مرتبطة بما تقدّمه هذه المبادئ من منفعة مادّيّة ذاتيّة، وهذا نقيض انتهاج قيم الخير الّتي تحقّق العدالة الاجتماعيّة، وحلولًا جمعيّة تتّصل بالنّاس كجماعة، ويصبح من خلال هذا المنظور الاستعمار حالة مقبولة طالما تحقّف تلك المنافع الخاصّة والآنية الذّاتيّة. هنا تستحضر الكاتبة على لسان الموظّف، الشّخصيّة الثانويّة، مصطلح الاستعمار الذي يعيد إلى الذّهن السّيطرة والهيمنة على الإنسان والوطن، وليس بالضّرورة أن يكون الاستعمار الّذي جاء على لسان الشخصيّة واقعًا ماديًّا، بل من الممكن أن يتحوّل إلى ثقافة سائدة في المجتمع لها أتباعها. والبطلة “لينا” هي الأنموذج النّقيض الذي يرفض هذه الثّقافة ويواجهها. والمثال على ذلك قولها “هالو… هالو… أكره اللّغة الإنكليزية، أكره أن نؤدّي بها تحيّة، كما أكره أن نؤدّي بها صلاة”([43]).
إنّ رفض اللّغة الإنكليزيّة بما تمثله من ثقافة الاستعلاء والهيمنة والسّيطرة موقفٌ ينخرط في باب الأفعال السويّة، تشكّل ندًّا لكلّ فعل أو سلوك محكوم بوسائل الضّغط والتّحكم بمصائر الشّعوب، ودفاعًا مشروعًا عن النّفس والكيان. لكن استخدام مصطلح الكره ، يطرح إشكاليّة متجذّرة في الواقع المعيشيّ المحلّيّ، ويمكن أن ينسحب ذلك إلى الواقع العربيّ الإقليمي، ويطرح إشكالية الاستعمار – الرفض. هنا تطلق البطلة عدوانيّة قابعة في اللّاشعور في محاولة منها للمواجهة التي تصطدم بواقع رتيب، تماهى مع المعتدي، وشكّل خطّ الدّفاع الأوّل عن سياسات المستعمر الخارجيّ، لذلك تظهر النّزعة التّدميريّة لدى “لينا” في محاولة بائسة للسّيطرة على قوّة العدوّ، فتقول: “أأتسلّل في الظلام، وأخفي تحت مقعد الرّئيس قنبلة تهدم المؤسّسة، وتبعثر أجزاءالدّولتين”([44]).
إنّ النّزعة التدميريّة لدى البطلة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنزعة العنف، وتفصح عن ضرورة التّغيير الجذريّ في الواقع الذي لم يعد صالحًا للزّرع. هنا تلتقي “لينا” بسعيها مع “بهاء” الشّخصيّة التي تمثّل دور المساعد في البداية غير أنّها تمثّل في السّياق العامّ دور العامل الملتبس. وتعلن الرّاوية على لسانه ضرورة الثّورة التي تمثّل التّغيير الجذريّ الذي أشارت إليه البطلة “لينا”، فيقول: “إنّ الشّعب في بلادي يحتاج إلى ثورة جماعيّة شاملة، تنبع من زقاقه وأكواخه وخيمة… وهو الذي يباع ويشرى في قبب القصور، وفي الهواء على متن الطائرات المتهادية باستمرار بين عاصمتنا وعاصمة المملكة العجوز، فما قيمتي أنا؟ ما قيمتك أنت؟ إذا قيست حياة الواحد بحياة الملايين من شعب يفنيه حكم مأجور؟([45])
لقد أتاح البعد الرّمزي للمكان الذي تحدّث عنه بهاء أن ينتقل من كونه مكانًا وُلِدَ فيه، ليصير مكانًا تاريخيًّا ثقافيًّا تداولته يدُ الاستعمار، وحكمه نظام متآمر ظالم يمثّل الواقع العربيّ بمآسيه وخيباته. فالواقع يشوبه الفقر والعوز، وهذا ما توحيه الأكواخ والخيم والأزقة، أمّا الحكّام فهم في المكان النّقيض حيث القصور وحياة الرّغد، ينتقلون بطائراتهم بين عواصم القرار، أمّا شعوبهم فهم على الهامش، يعيشون اغترابًا عن واقعهم وإنسانيّتهم، يدفعهم واقعهم إلى التشرّد في الأزقّة والمخيّم، فيتحوّل الملايين من البشر إلى مشرّدين، تبدّدت طاقاتهم، وتفرّقت جموعهم، ثمّ عاشوا قسوة الزّمن، وصار خلاصهم موتًا أو ضياعًا، ولا يسع النّظام الحاكم الذي يُطبق على هذا الواقع سوى القمع والتّسلّط، والتّماهي مع المحتلّ أو المستعمر، منقادًا خلف شهواته وغرائزه وعقده. هذا الاغتراب يحوّل اهتمام البعض إلى مسرح اقتناص الفرص، وجمع المال، ومن النّماذج على ذلك والد لينا بطلة الرّواية، وكذلك مديرها في المؤسّسة، وتشير إليه بحديثها عن زوجة المدير، فتقول: “فمدّت الشّقراء يدها ، وفي يدها ، رأيت نثرًا من أوراق النّقد عالقة بين الأصابع.. ومددت يدي، وفي يدي ارتباك.. أأقول لها: زوجك عميل للأجنبي، سافل؟ وأبعدت يدها، بينما مسحت يدي بتنورتي”([46]) لا تخفى دلالة لفظة سافل المسندة إلى لفظة عميل، فهذه هي السّمة التي أرادت الكاتبة أن تلصقها بهكذا أنموذج بشريّ، وتمنح صورتها التي لا يمكن قبولها على الرّغم من محاولات الاستعمار طمس الهُوية الوطنيّة والحضاريّة، وجعل الأوطان منفى لأبنائها، “وهذه هي الإشكالية الأساس التي لا تزال تواجهها الأوطان، وهي إشكالية فقد الهوية، وتحويل الوطن إلى منفى بمختلف السّبل التي تتغيّر بتغير المراحل”([47]). هي الإشكاليّة الّتي تعيشها نظم المنطقة وشعوبها في ظلّ أشكال حكم، تستمد سلطتها من قوىً خارجيّة، ترى سياساتها ومصالحها على حساب رقاب النّاس.
ومن النماذج الدّالة على ذلك الحوار بين لينا وبهاء، إذ تقول عن الحرّيّة وحقّها: “أنا أعلم أنّ الحرّيّة للشّاب الذي أكلت بنادق الفرنسيين ساقه، إنها لليتيم الذي دلّى العثمانيون جثّة أبيه على عمود في ساحة الشّهداء، إنّها لجدّتي المظلومة التي حُرِّم عليها السّير في الشّارع. لكنني أعمل اليوم لنيل حرّيّة من نوع آخر: حرّيّة فرديّة، تكمل الحريّات السّابقة”([48]).
إنّ ظهور شخصيّة بهاء النّمطيّة بمسارها، على الرّغم من الأيديولوجيّة الحزبيّة التي يتبنّاها، شكّل عاملًا من العوامل الطارئة في الرّواية التي ساهمت في تحوّل شخصيّة البطلة “لينا” المتمرّدة العابثة. وبمعنى آخر، هو بداية منحنى باتجاه شخصيّة متطوّرة للبطلة لينا، لا يمكن تمييزها بسهولة، أو الإحاطة بها، فهي تتغيّر بحسب الظروف، لها نفسيّتها ونوازعها المتناقضة، إنّه التحوّل من مواجهة التّفاصيل الحياتيّة السّاذجة أحيانًا، إلى الرؤى الوطنيّة والقوميّة بأبعادها الإنسانيّة، وهذا المهم في الرّواية إذ “لا تستطيع الشخصيات أن تفعل شيئًا إلّا أن تحيا، فإذا استمرت خيّرة طبقًا لتصميم معيّن، أو شرّيرة طبقًا لتصميم معيّن، أو حتى هوائيّة طبقًا لتصميم معيّن، فإنّها ستتوقف عن الحياة، وتسقط الرّواية فاقدة الحياة، تواجه الشّخصيّة في الرّواية هو أن تحيا، وإلّا فإنّها تصبح لا شيء”([49]). ولكي تحیا الذّات الفرديّة يجب أن تمتلك وعيًا حرًّا ذلك أنّ الوجود الإنسانيّ هو وجود وحرّية وفعل، وأنّ ذات الإنسان، هكذا هي موضوع فعله، لذا كانت نقطة البداية عند هذه الذّات الواعية نفسها في العالم. وكون الذّات فاعلة فعلها، فالإنسان يشكّل وحدة في صيرورة دائمة([50]).
لينا تلتقي خلال سعيها شخصيّة بهاء، مثّلت تلك الشّخصيّة في البداية العامل المساعد، ذلك لأنّه الرّجل الوحيد الذي كان خارج دائرة ساديّة البطلة لينا الموجّهة إلى الآخر، والرّجل كان حاضرًا بقوّة في تلك الدّائرة، وكشفت من خلالها موقفها العدائي للرجل، وعدائيّتها ليس بالضّرورة أن تكون من منطلق أنثويّ ذكوريّ فقط، بل يمكن أن تكون دوافعها متطابقة مع الدّلالات الّتي أشار إليها البحث في غير وصلة سرديّة، ويكون موقع الرّجل قابلًا للتّحميل والتّرميز ومن الشواهد الدالة قولها: “أكره كلّ رجلٍ ينظر إلي”([51]) غير أن شخصية بهاء تتحوّل في السّياق العام إلى عامل ملتبس، أو الشّخصيّة الحزبيّة التي تعاني مأزقًا مركّبًا، أو مزدوجًا يناقض معتقده واقعه، ويتغلّب واقعه على معتقده” يقول سأمزّق هذا الكتاب، سأحرق هذه المخدّرات التي ابتدعها المستعمر، لن أبتلعها ووالدي وعمّي يتعمشقان على جذع شجرة النّخيل لجني الثّمرة، مانحة الحياة. ثم يقرّب الكتاب من صدره، ويحني رأسه ليقبّله بحنان قائلًا: الحياة بين الحروف أجلّ قيمة من حياة تبدأ من جذوع شجرة”([52]). يرمز الكتاب إلى الفكر أو الأيديولوجيا، بينما ترمز شجرة النّخيل إلى الأرض والوطن، ورعايتها وما يشوب ذلك من تعب وجهد يمثّل الوفاء للأوطان، وما تتركه الأرض من مشاعر تقرّبنا من واقعنا أكثر بكثير من تلك الإيديولوجيّات والنّظريّات، وبهاء يترنح بين موقفين متعارضين، وكأنّ الكاتبة تقول إنّ ضياعًا يتملّك النّخب الحزبيّة والمثقّفة الّتي كان على عاتقها استنهاض الفرد والجماعة.
ومهما يكن من أمر فإنّ الحديث عن الشّخصيّات المتطوّرة هو هدف جعل الكاتبة تتعامل مع شخصيّات ككائن حيّ له نوازعه النفسيّة واضطراباته، وله رغباته وميوله ورؤاه المتناقضة، فجاء التحوّل من دافع ذاتيّ في بداية الرّواية، ليظهر التحوّل لاحقًا في مسار الأحداث محكومًا بظروف يفرضها الخارج بكلّ تحوّلاته، ولتتحوّل الأنا المتمرّدة من سعيها العابث إلى مواقف تنظر من خلالها إلى عالم أفضل، فتواجه سلطة المال، والاستعمار، والأحزاب، والزيف الذي يمثله الواقع بكلّ نواحيه، وكذلك المجتمع وما تمثله الأسرة من نواة تساهم بشكل أو بآخر بشلّ القدرات، والعقم، ومن ثمّ الاندماج بالتيّار النّفعيّ الذي يستحوذ على نفوذه، مستغلًا الأزمات التي يعيشها الوطن والمواطن العاديّ. وكأنّ الرّواية بهذا المعنى أمام مرجع يسعى إلى الخلاص، ويبحث عن معنى وجوده المفقود.
الخاتمة
علاقة الفنّ بالحقيقة علاقة بالغة الدّقّة، فهو إن لم يكن حقيقة موضوعيّة، إلّا أنّه حقيقة في نوع آخر، ولكلّ عمل فنيّ بعدان، بعدٌ اجتماعيّ ينطلق من واقع معاش، وبعدٌ ذاتيّ فرديّ ينطلق من خيال الفنّان. ورواية “أنا أحيا” للكاتبة ليلى بعلبكي، هي ثورة من نوع آخر على واقع تواجه فيه الأنا غير سلطة تحاول أن تقمعها، أو تحدّ من حرّيتها، وذلك في محاولة لمواجهة كلّ ما يحول دون إمكانيّة تحقيق الذّات. ولينا بطلة الرّواية تمارس ثورتها تلك بجرأة لافتة على السلطات التي تسود مجتمعها، ابتداءً من سلطة الأب، وسلطة ربّ العمل التي تمثّل سلطة النفوذ والمنفعة، ثم سلطة أستاذها في الجامعة، وانتهاء بسلطة الحزب المتمثّلة بحبيبها بهاء، وهي أيضًا ثورة على الاستعمار بكلّ أشكاله وتجلّياته، تتطوّر شخصيّة البطلة لينا من شخصيّة سادومازوشيّة، غير واضحة الرؤى، إلى شخصيّة تنظر إلى العالم من خلال منظور ثوريّ، فكريّ، اجتماعيّ، وسياسيّ على الرّغم من ضبابيّة المشهد ورماديّة الأفق، ما يعني أن المأزق الوجوديّ، هو الطّاغي، تفصح عن ذلك منطوقات حواريّة، ومستويات دلاليّة تجري على ألسنة شخصيّات، يعيشون في مجتمع واحد، يكتسبون من خلاله انتماءاتهم وثقافاتهم المتنوعّة في الحياة.
وأن تكون بطلة الرّواية أنثى فهذا لا يعني بالضّرورة ضدّية بين الذّكورة والأنوثة، بل يشكّل وعيًا يربط بين تحرّر الأنا، ومواجهة حمولة الزّمن، ومن ثمّ النهوض بالمجتمع. والكتابة هنا هي مسار في الإبداع الفنّيّ، مسكونة بحمولة الذّات، ورؤاها الّتي تبدأ ضبابيّة، ثمّ تنجلي الصورة أمامها، بعد تطوّرها من خلال مسار سرديّ عميق الدّلالة، ومثقل بالتّرميز.
الهوامش
[1] – دكتور في اللغة العربيّة، باحث، وأكاديمي.
PhD in Arabic Language, Researcher, & Academic.
Email: mhodroj09@gmail.com
[1]– زيتون، د. علي مهدي، قراءات في بعض بواكير الأعمال السّرديّة في لبنان وبحوث أخرى، بيروت: الملتقى الثقافي الجامعي، ط 1، 2012م، ص 7.
[2]– العيد، د. يمنى، الرواية العربيّة، المتخيّل وبنيته الفنيّة، بيروت: دار الفارابي – ط 1، 2011، ص 258.
[3]– سويدان، سامي، فضاءات السّرد ومدارات التخييل، بيروت: دار الآداب، ط 1، 2006، ص 12.
[4]– يقول غولد سميث: “أصبح الورّاقون هم الذين يرعون أهل العبقريّة، ويدفعون لهم النّقود بدلًا من العظماء”. راجع: إيّان واط، نشوء الرّواية، ترجمة عبد الكريم محفوض، دمشق: وزارة الثقافة، 1991م، ص 43.
[5]– زراقط، عبد المجيد، في الرّواية وقضاياها، بيروت: مركز الغدير للدّراسات والنّشر والتوزيع، ط 1، 2011م، ص 18.
[6]– الغانمي، سعيد، الوجود والزّمان والسّرد، فلسفة بول ريكور، بیروت: المركز الثّقافي العربي، لا ط، 1999م، ص 29.
[7]– زيتون، د. علي، في مدار النّقد الأدبيّ، بيروت: دار الفارابي، ط 1، 2011م، ص 5.
[8]– أيّوب، د. نبيل، نصّ القارئ المختلف (2) وسيميائيّة الخطاب النقديّ، بیروت: مكتبة لبنان ناشرون، طر 1، 2011م، ص 37.
[9]– م. ن.، ص42.
[10]– فرويد، الأنا والهو، ترجمة محمد غاتي، بيروت: دار الشّروق، ط 4، 1982، ص 5.
[11]– بعلبكي، ليلى، أنا أحيا، بيروت: دار الآداب، ط 1، 2010م، ص 7.
[12]– م. ن.، ص 9.
[13]– م. ن.، ص 9.
[14]– الحوار الداخليّ من أبرز ملامح الخطاب المسترسل الملتاع، حيث تسترسل الذّات في حوار طويل عموديّ وأحاديّ البعد مع نفسها، فيه الكثير من البوح والاعتراف، وليس الحوار الداخليّ حاملًا للمعنى الإيجابيّ في كثير من الأحيان، بل هو في عدد من المواقف يكون مهربًا وتقوقعًا وعزلة وإقصاءً ذاتياً واختيارًا شخصيًا. أنظر: معتصم، محمد، المتخيّل المختلف، دراسة تأويليّة في الرّواية العربية المعاصرة، الرّباط: دار الأمان، ط 1، 2014م، ص 239.
[15]– بعلبكي، ليلى، م، س، ص 11.
[16]– م. ن.، ص 11، 14.
[17]– م. ن.، ص 13.
[18]– م. ن.، ص 14.
[19]– البهليد، د. حميد، جماليّات المكان في الرّواية الشّعورية، الدّمام: دار الكفاح، ط 1، 1428ه، ص 78.
[20]– بعلبكي، ليلى، م، س، ص 15.
[21]– م. ن.، ص 30.
[22]– م. ن.، 21.
[23]– حبّ الله، عدنان، التّحليل النّفسيّ من فرويد إلى لاكان، بيروت: مركز الإنماء القوميّ، لا ط،لا ت، ص54
[24]– بدر، يوسف إشكالية الإغتراب في الرّواية، بيروت، مجلّة الطّريق السنة الثامنة والخمسون، العدد الثاني، 1999م، ص 41.
[25]– البعلبكي، ليلى، م، س، ص 23.
[26]– م، ن، ص 29.
[27]– نجم، خريستو، في النقد الأدبي والتحليل النفسيّ، بيروت دار الجيل، ط 1، 1991، ص 20.
[28]– البعلبكي، ليلى، م، س، ص 49.
[29]– م، ن، ص 49.
[30]– المودن، حسن، الرّواية والتّحليل النصّيّ، بيروت: الدّار العربيّة للعلوم ناشرون، ط 1، 2009م، ص 150.
[31]– البعلبكي، ليلى، م، س، ص 50.
[32]– المودن، حسن، م، س، ص 153.
[33]– البعلبكي، ليلى، م، س، ص 53.
[34]– أیوب، د. نبيل، م، س، ص 204.
[35]– Heidgger Martin, L’etre et le temps, Gallimard, paris, 1964, P:32.
[36]– البعلبكي، ليلى، م، س، ص 57.
[37]– Sartre, L’etre et le néant, Gallimard, paris, 1993, p 513.
[38]– م. ن، ص 691.
[39]– البعلبكي، ليلى، م، س، ص 71.
[40]– م. ن.، ص 77.
[41]– م. ن.، ص 73.
[42]– المودن، حسن، م، س، ص 151.
[43]– البعلبكي، ليلى، م، س، ص 90.
[44]– م. ن.، ص 175.
[45]– م. ن.، ص 164.
[46]– م. ن.، ص 179.
[47]– زرا قط، د. عبد المجيد، في الرواية وقضاياها، بیروت: مركز الغدير للدراسات والنشر والتوزيع، ط 1، 2011م، ص 192.
[48]– البعلبكي، ليلى، م، س، ص 182.
[49]– السّعافين، إبراهيم، تطوّر الرّواية العربية الحديثة في بلاد الشام، دار المناهل للطباعة والنشر والتوزيع، لا ط، لا ت، ص 265.
[50]– أيّوب، د. نبيل، نصّ القارئ المختلف (2)، م س ، ص 242.
[51]– بعلبكي، ليلى، أنا أحيا، ص 257.
[52]– م. ن.، ص 264.
المراجع
- زيتون، د. علي مهدي، قراءات في بعض بواكير الأعمال السّردية في لبنان وبحوث أخرى، بيروت: الملتقى الثقافيّ الجامعيّ، ط 1، 2012م.
- العيد، د. يمنى، الرّواية العربيّة، المتخيّل وبنيته الفنيّة، بيروت: دار الفارابي – ط 1، 2011.
- سويدان، سامي، فضاءات السّرد ومدارات التّخييل، بيروت: دار الآداب، ط 1، 2006.
- زراقط، عبد المجيد، في الرّواية وقضاياها، بيروت: مركز الغدير للدّراسات والنّشر والتوزيع، ط 1، 2011م.
- الغانمي، سعيد، الوجود والزّمان والسّرد، فلسفة بول ريكور، بیروت: المركز الثّقافيّ العربيّ، لا ط، 1999م.
- زيتون، د. علي، في مدار النقد الأدبي، بيروت: دار الفارابي، ط 1، 2011م.
- أيّوب، د. نبيل، نصّ القارئ المختلف (2) وسيميائيّة الخطاب النقديّ، بیروت: مكتبة لبنان ناشرون، طر 1، 2011م.
- فرويد، الأنا والهو، ترجمة محمد غاتي، بيروت: دار الشّروق، ط 4، 1982.
- بعلبكي، ليلى، أنا أحيا، بيروت: دار الآداب، ط 1، 2010م.
- البهليد، د. حميد، جماليّات المكان في الرّواية الشّعورية، الدّمام: دار الكفاح، ط 1، 1428ه.
- حبّ الله، عدنان، التّحليل النّفسيّ من فرويد إلى لاكان، بيروت: مركز الإنماء القوميّ، لا ط،لا ت.
- بدر، يوسف إشكالية الاغتراب في الرّواية، بيروت، مجلّة الطّريق السنة الثامنة والخمسون، العدد الثاني، 1999م.
- نجم، خريستو، في النقد الأدبيّ والتّحليل النفسيّ، بيروت دار الجيل، ط 1، 1991.
- المودن، حسن، الرّواية والتّحليل النصّيّ، بيروت: الدّار العربيّة للعلوم ناشرون، ط 1، 2009م.
- Heidgger Martin, L’etre et le temps, Gallimard, paris, 1964.
- [52]- Sartre, L’etre et le néant, Gallimard, paris, 1993.
- زرا قط، د. عبد المجيد، في الرّواية وقضاياها، بیروت: مركز الغدير للدّراسات والنّشر والتّوزيع، ط 1، 2011م.
- السّعافين، إبراهيم، تطوّر الرّواية العربيّة الحديثة في بلاد الشّام، دار المناهل للطّباعة والنّشر والتّوزيع، لا ط، لا ت.