جدليَّة الاِنشطار الـزمنـيّ فـي شِعر نجاة سنجب
د. شربل ميلاد توما*
مفهوم “الزمَن” شائكٌ ومُلتبسٌ، قُدِّمَتْ بصددِه تصوُّراتٌ متعدّدة، لاِرتباطه بحقول ثقافيَّة. الزمن صورةٌ وظاهرة[1]؛ لأنَّه دائمُ الحضور، فـي آليَّاته الـمُضمَرة، وفـي حركتِه التأويليَّة، وما يُـصاحـبُـها من تواتر “المصطلح الاِرتباطيّ”[2]، الذي يشتمِلُ على معاييرَ تتراوحُ بين التكثيف والـحِـجـاج والاِسترسال، على أنَّ الزمنَ خطابٌ تعليلـيٌّ تأويليّ[3]، بوصفه وَحدةً تـنِــمُّ عن “تنظيم ذِهـنـيٍّ لواقع لِسـانـيّ مـا”[4]. ويعتمِدُ الزمنُ الذي نتآلفُ معه أكثر من سواه فـي حياتنا اليوميَّة على “مقاييس مكانيَّة”[5]. الزمن “مُدَّة محدودة وخاضعة للموضوعيَّة، فهي تُقاسُ عدديًّـا، والزمنُ إطارٌ مَرجـِعـيٌّ يسمحُ بترتيب الأحداث بحسب حصولـهـا فـي آنٍ واحد وبتسلسُلٍ، فـيُـحـالُ لكلِّ زمنٍ قسمٌ يُشكِّلُ تـاريخـه، فيُحدِّدُ السَّنة، واليوم، والسَّاعة، والدقيقة”[6]. والزَّمَنُ فـي مُرونة المفهوم وإمكانات التَّكيُّف، هو “حِقبةٌ مُمتدَّة من حَدَثٍ سابقٍ إلى حَدَثٍ لاحق”[7]، ليدلَّ على جانب من جوانب “الوعي الإنسانـيّ”[8]. أمَّا الزَّمَنُ فـي بُـعـدِه الدِّلالـيّ فهو “مُبهَمٌ”[9]، و”ليسَ أزليًّا”[10]، لكنَّه “مِقدارُ الحركة”[11] الكلّيَّة للكون، بل هو “أسبَقُ من الحركة”[12]؛ لأَّنّه “التقدُّم في الرُّوح”[13]. وﭐستنادًا إلـى المقارنة المفهوميَّة، التـي تُصنَّفُ تصنيفًـا مَوجوديًّـا، فإنَّ تحليلَ جدليَّة الاِنشطار الزمنـيّ يقوم على الطَّابع التَّداولـيّ، ما يسمح فـي ﭐستثمار التحليل اللسانـيّ، خصوصًا في ما يتعلَّق بالمستوى الدَّلالـيّ، الذي يشملُ الظواهر النَّفسيَّة والاِجتماعيَّة، حيث تنتقلُ الشَّاعرة بالزمن – تحت وطأة مفعولـه وكَــرِّه – من فضاءِ التَّصوُّرات إلى فضاء الإدراك. أمَّا المقياس الزمنـيّ فهو “إطار تحديد الأحداث، يـحوي نقطة بداية ووحدة قياس، أو غالـبًــا تسلسُلًا مُرقَّـمًـا لنقاط غير مُتساوية البُعد”[14].
تَـحمِلُ الإشارة الزمنـيَّة عند الشَّاعرة نجاة سنجب تحليلًا لميزة كُبرى من مميِّزات أسلوبـها الأدبـيّ، ما يعني أنَّ زمنَ خطابِـها نـحْــويٌّ، بينما زمنُ نَـصِّها دلالـيٌّ؛ لأنَّه يقعُ فـي مَناطقِ الـخَـفاء والبَهاء، فـي حضوره الصَّامت. أمَّا “الزَّمن”[15] في بُعدِه الجمالـيّ فيعني الإبطاء، الذي يُوازي أُفُقَ الاِنتظار، ليؤدِّيَ دورًا فــنِّـــيًّـا فـي التَّلقِّـي، خصوصًا أنَّ زَمنَها الشِّعريّ لا يجري إلَّا عندما تُشاركُ فيه؛ لأنَّه فـي أصفى درجاته وأنقاها، لتبدوَ ثابتة فـي حركاتـِها ومُتحركة فـي ثباتـها. أمَّا التوازي بين الأزمنة على المستوى الفيزيائـيّ فـي نصِّهـا الشِّعريّ فهو مُستحيلٌ. لذلك، زمانَ نجاة سنجب هو مُتدفِّقٌ سيَّالٌ شعوريٌّ، لا يتجزَّأ؛ لأنَّه ينطلقُ من هاجسٍ معرفـيٍّ وفلسفيٍّ، تقدِّمُه عناصرُ ﭐستبداليَّة، تُسنِدُ النّصّ إدهاشًا فـي الإبـحار القرائـيّ و”النِّظام اللغويّ”[16]، وتَـمنَحُ الزَّمنَ إمكانيَّة الاِمتداد فـي وعيها الإبداعـيّ، وحدْسِها الـجدلـيّ.
وإذا كانَ الزمنُ سيِّدَ الإنسان، فإنَّه مع نجاة سنجب يصيرُ وعاءً للتَّجارب، حيث ترتبطُ قيمتُه بقيمةِ الفعلِ، والحدَث، والرؤيا. لكنَّ المسألة التي نطرحُها في هذا البحث هي: كيف تتعامَلُ نجاة سنجب مع الزمن؟ هل الزَّمن لديها يكشِفُ لنا مَنْ نَـحنُ؟ ومَنْ نكون؟ الحقيقة أنَّ زمنَهـا الشِّعريّ هو “زمنٌ مُطلَقٌ”[17]؛ لأنَّه مرتبطٌ بالحرّيَّة والصَّراحة، وهو أشدُّ ﭐلتصاقًا بالخبرة الإنسانيَّة على المستوى الرُّوحيّ والمعنويّ و”الدِّلاليّ”[18].
هذا الخطابُ الزَّمنيُّ، يُـحيطُ بواقع التَّجرِبة ليتَّخِذَ تشكيلًا فـــنِّــيًّا، أو “مفهومًا نفسيًّا”، أو شكلًا ينضوي في العودة إلى عهد الطُّفولة. وإذا كانت نجاة سنجب لا تُدركُ الزمانَ الموضوعيَّ المحكوم بالتغييرات الخارجيَّة، فهذا يعني أنَّـها تُدركُ الزمانَ الذاتـيَّ من خلال تتابُعِ الأحداث، والتَّجارب التي تـمُرُّ فيها، وهي بذلكَ أقربُ إلى الحركة منها إلى السُّكون. يبدو أنَّ الزمنَ الغائبَ هو مُكوِّنٌ رئيس للزمن الحاضر فـي شِعرها، إذ أضحَتِ القصيدةُ معَها مُتنقِّلة من بلاغة الصُّورة الزمنيَّة، إلى بلاغة المشهد المكانـيّ، حيث نجدُ في شِعرهـا مشاهد زمنيَّة مُتلاحقة، تُشكِّل لوحةً مُتكاملة، يشوبـُها التَّماهي مع أداءٍ آخَر ينتصرُ للذاتيَّة، ويركضُ عَبْرَ خيالاتِـها المطلَقة في دروب الكلمات الحاملة نضوجًا فكريًّا وأبعادًا جماليَّة مُتحوِّلة. إنَّ الفضاءَ الزمنيّ مبنيٌّ على حالاتٍ ﭐجتماعيَّةٍ مُتراكمةٍ، لها أبعاد كَونـيَّة وإنسانـيَّة، وسنتوقَّف عند تجلِّيَّات ذاك الفضاء المستمرّ على عكس ما تحملُه التَّصوُّرات المادّيَّة، التي “تحيا فـي حاضر أبديٍّ”[19].
إذًا، إنَّ جدليَّة الاِنشطار في شِعر نجاة سنجب لا تقوم على “التَّقابُل الزمنـيّ فـي بنية الخطاب”[20]، كمـا أنَّـها لا تقوم على الزمن الفيزيائـيّ الـمُحدَّد، ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا؛ لأَّنه “زمانٌ هجينٌ ﭐندسَّ فيه تصوُّر المكان”[21]، كما لا يقتصرُ على دراسة المفردات وتحليل المعنـى المعجميّ، الذي يدرس معانـي الكلمات فحسْبُ، بل يقتصرُ على المعنـى التركيبيّ الذي يدرس معانـي التراكيب السياقيَّة، لإنتاج المكوِّنات الدَّلاليَّة المتداخلة، والمتقاطعة، والـمُـتساندة. جديرٌ بالذّكْر أنَّ جدليَّة الاِنشطار الزمنيَّ تـنشأ على التَّـشاكل الجدلـيّ فـي حركيَّة الرمز، والتَّشابُك المعنويّ فـي ﭐحتكاكٍ بين الذات والموضوع. وسنُبيِّــنُ فـي هذا البحث جدليَّـــة الاِنشطار الزمنيّ القائم على آليَّات الإدراك، وسنُقدِّمُ قراءة تأويليَّة، ضمن خمسة معايير.
1- معيار الزَّمن النَّفسيّ: الزمنُ النفسيُّ هو “الزمن الدَّاخليّ الخاصّ بحياة كلّ فرد”[22]. ويعبِّرُ عن الإحساس الذاتـيّ بمرور الوقت وتقديره ذاتيًّا، وَفقًا لحالة الفرد الخاصَّة[23]. إنَّ تطوُّرَ مفهوم الزمن يرتبطُ كما فـي مجالاتٍ مُتعدِّدةٍ أخرى بلا مركزيَّة تدريجيَّة، تُشرِكُ الفردَ على جميع المستويات”[24]. ولَــمَّــا كانَ الطَّابَعُ الأساسيُّ للموجود الإنسانـيّ هو الـهَمّ فهذا يدلُّ على أنَّ الموجودَ الإنسانـيَّ مَهمومٌ بتحقيق إمكانيَّاته فـي الوجود. تتوجَّه الشَّاعرةُ إلى الـمُتلقِّـي فـي محاولةٍ لاِستعادةِ التَّوازناتِ النَّفسيَّة الأصليّة؛ حيثُ أصبحَ الزمنُ ﭐستجابة ًلـمؤثِّــرات خاصَّة، تخضعُ إلـى مظاهر التَّـمرُّد عليه ، ما يعني أنَّ صراعَها مع الزمن هو صراعٌ مع الذات، مُـمَــثَّــلـة ًبـهذا الجسَـد الباحث عن الحقيقة، حيث يتداخلُ الخيالُ الشِّعريُّ بدلالات الزمن النَّفسيّ. ولـمَّـا كانَ الإدهاشُ عنصرًا من عناصر الزمن النفسيّ، فهذا يعني أنَّه يُوزِّعُ رجعيَّاتِ رمادٍ، غبَّرتْـها الصورة الشِّعريَّة، وفتحَتِ الـحدْسَ على طاقاتـِها الروحيَّة، تَبَعًا للوحي الخلاَّق، من خلال إيحاءاتٍ مكثَّفة فـي الخطاب الشِّعريّ، وإيـماءاتٍ هامسةٍ إلـى الـحُلُم بالـحُلُم. إضافةً إلـى اللغة الصُّوفيَّة، وما يعتريها من غموض، التي تحوِّلُ هُلامَ الطاقةِ الـمُبدِعة رؤًى وخيالاتٍ، تتنامى ﭐرتقاءً بإحساسٍ شفيفٍ بين الشَّاعرة الرائيَة والكون الواسع. وهناك أدواتٌ لغويَّة زمنيَّة ودلاليَّة مُتطوِّرة، وصادقة في الرؤيا، والتجرِبة، والمعاناة، حُبًّا بتغيير الواقع المَعيش، وإبداله بواقع آخَر؛ لأنَّه قائم على تقابُــل الظَّاهر والباطن، إذ تقولُ فـي قصيدة “إلى أين”:
“عندما لا تجيءُ إلى نفسِكَ
مَهما عَبَرْتَ
وتأثـمُ كما الظِّلالُ والسُّكُونْ
عندَما تبكي بغيرِ دُموعٍ
وتعيشُ لأجلِ غَدٍ لا يكونْ
عندما تَـحترِقُ فيكَ الأشياءُ
لِتَمْـضيَ في الصُّراخِ والخيبةِ
لِـــــــمَ تعبُرُ لِــــــمَ تخترعُ أسفارًا ورموزًا
أإلـى هذا الـحَدِّ عليكَ أنْ تكونَ صليبًـا ومصلوبــًـا
تكونُ كَـرمَة ً وتيـنة، تبتدِعُ حبيبًــا
تنادي كلَّ يوم جُعبَــتَــكَ عــلَّ يدًا تطرُقُ بــابَكَ؟!”[25].
إنَّ الظواهر النفسيَّة الكامنة وراءَ هذا المعيار، تكونُ “سبـبًـا فـي وجود الزمن ذاتـه”[26]، وتسيرُ بشكل رمزيّ، وتُـؤطِّــرُ الـمُكوِّناتِ اللغويَّة، وتُــنوِّعُ فـي البنية الزمنيَّة. لكنْ، كيفَ تأتي الشَّاعرة إلى نفسِها؟ الملاحَظ أنَّ “الاِتّصالَ النفسيّ”[27] قائمٌ على التَّلقائيَّة، وهذا يعني أنَّ عمليَّة العبور موجودةٌ في روح الشَّاعرة، حيث الاِنتقالُ من الظرف المكانـيّ “عندما”، إلى الزمان الاِستباقيّ المجهول هو “الغَد” ذاك الزمن الغائب. ويبدو أنَّـها مُحاصَرةٌ في “تقابُــل زمنيٍّ”[28]، ونفسيّ، وحَدْسيّ، يَتمثَّلُ في رمزيَّة “غد”، ﭐلتي تدلُّ على تراكُم مشقَّات الزمان الحالِم، والقابع فـي ذاكرة الشَّاعرة، لتصهَرَها بالرؤيا الهاربة من تـمزُّقات العالَم. وقدِ ﭐختارَتِ الشَّاعرةُ لفظة “غد”، لتدلَّ على ثلاثةِ أزمنةٍ نفسيَّة مُتشاكلةٍ وهي: ﭐسترجاعيَّةٍ، وﭐنتشاريَّةٍ، وﭐستباقيَّةٍ، وهي: “الأمس، واليوم، والغَد”. ويـمكن أنْ نرصُدَ حقيقة الموقف فـي ﭐستخدام ظرف المكان “عندما”، الذي يُـعلِنُ مرجِعيَّة التجرِبة للزمن، إذ يـَحدُثُ الاِحتراق. وإذا قرأنــا دلالة “الغَد” على أنَّها سِمةٌ لزمان مُستقبليّ، ودلالة “اليوم” على أنَّها سِمةٌ لزمنٍ حاضرٍ، ويدلُّ على زمن غير “الغَد”، لكنْ لا يدلُّ على غير “الأمس” أيضًا؛ لَوجَدنـــا أنَّ زمانَ “غد” الشَّاعرة، هو حاضرُها. هذه “الظلال” هـي أيضًا “تأثَـمُ” فـي عمليَّة العبور إلـى الآخَر. كما أنَّ “الصُّراخ” أحـدثَــتْــه عمليَّة الاِحتراق، كذلك “الظِّلالَ” أحدثَــتْــها عمليَّة العبور إلى الذات.
إذًا، “الظِّلال” هي علامة شِبه ظلاميَّة؛ لأنَّـها تقعُ بين الضَّوء والظلام، وترمز إلى “صورةٍ وهميَّة عابرة”[29]، وتدلُّ على قناع الشَّخص الآخَر. وهي أيضًا حركةٌ نفسيَّة حزينة؛ لأنَّــهـا هَــمٌّ ثقيلٌ وزادٌ قليل، يتجلَّى من خلال تداخُل الزمن الواقعيّ بالزمن الخياليّ. وكما أنَّ هناك حنينًا إلى تلك “الظلال”، كذلك هناك توجُّسٌ منها؛ لأنَّــها كالأشباح مَخبوءةٌ داخل الشَّاعرة. والمتعارَف عليه أنَّ “الظلال” الموجودة في الخارج على أشكال صُــوَريَّة، هي موجودة في الدَّاخل على أشكال روحيَّة. يبدو أنَّ المجيءَ إلى النَّفْس يرتبطُ بزمنٍ نَـقيّ، لكنَّ الشَّاعرة لَـمْ تكنْ لِـتقــنَعَ بعلاقةِ حُبٍّ مِنْ جانب واحدٍ، وكانَت غالبًا ما تَـحولُ بينَها، وبينَ مُبتغاها تقاليدُ ﭐجتماعيَّة، تجعلُها “تبكي بغير دموع”، وتعانـي من “الخيبة”.
وإذا كانَتِ ﭐشتباهاتُ “الظِّلالُ”[30] تـحمِلُ تجريداتِ الرُّوح على أنَّـها “الوجودُ الإضافـيُّ فـي الظَّاهر”[31]، فإنَّ فيها دلالة إيجابيَّة من دلالات غائبة، تؤثِّر بشكلٍ أو بآخَـر في المعنى. وهذا دليلٌ على تصوُّرات الشَّاعرة بأنَّ “الظلال” هي رفيقة روحِها. أمَّا إذا كانَتِ “الظلالُ” رمزًا “للكبْت” من أجل أنْ تصلَ “الأنــا” إلى درجتِها المثاليَّة – وهي سِمةٌ غيرُ مرغوب فيها على نحو من الأنحاء – فهذا يعنـي أنَّــها تحتاجُ إلى التَّرويض، فتكونُ – إذ ذاك – أقرب إلى مفهوم “الهو” عند فرويد Freud حيث يتمُّ فيه الإبعاد والإخفاء. إذًا، هذه “الظِّلال” هي أشباحٌ، تتحرَّكُ بين الواقع والنَّصّ، وتبدو كأنَّها تجيءُ من المستقبَل.
لكنْ، كيف يمكنُ للشَّاعرة أن تبكيَ من دون ذَرفِ الدُّموع؟ إنَّ الوسيلة المستعملة في عمليَّة البُكاء هي “الظلال”، والأداة التي تساعدُ الشَّاعرة في عمليَّة البكاء هي كلمة “الاِحتراق”، وهي أداة محسوسة. إذًا، تُـخيِّمُ على الشَّاعرة في عمليَّة البكاء “خيبة”، وهي أداة نفسيَّة محسوسة، حتَّى “تـمضي في الصُّراخ”، لتسلُكَ زمنَ رَجْعٍ سَمْعيّ كئيب. إذًا، كيفَ تجمعُ الشاعرةُ بين الانفعال “الخيبة” و”الظِّلال” المرئيَّة؟ إنَّ الطريقَ التي تسيرُ عليها الشَّاعرة هي تكرارُ الرّحلة بكلِّ حُزنٍ وخيبةِ أمَلٍ، من دون الوصول إلى أيِّ زمان. وقد كانَتْ تزيدُ من حِدَّتـِها وَحدة مِزاجها، ووعيها لأبعادِ علاقتِها بـمَـنْ تُـحِبّ.
يَستدِلُّ القارئُ من خلال هذه الأسطُر الشِّعريَّة على الكلمة التي لا تُعبِّر عن غرضِها تعبيرًا كامِلًا ومُتكاملًا على الإطلاق، بل تُوحي له بخيطٍ سِحريٍّ عن فكرة ما، قد تأخذُ معناها في السِّياق الزمانـيّ، وبُعدِها المكانـيّ. هناكَ إشارة صادرة من التقابُل بين الفعلَين المضارعَين: الأوَّل هو فعل “تعيش”، فيما الثانـي هو فعل “تـحتـرقُ”، وذلك على الرُّغم من ﭐختلاف الفاعل بطبيعة الموقف، حيث تتمزَّق فيه “الأنـا”. وتتكشَّفُ حقيقة الموقف الإيجابـيّ للشاعرة باستخدامِها فعل “تعيش”، للتغلُّب على الاِحتراق النَّفسيّ، إذ إنَّ “الأشياء” تــأتـي كفاعلةٍ للاِحتراق، لكنَّها أشياءُ معلومة، تعود إلـى الزمن، و”تـمضي فـي الصُّراخ”، لتُشكِّلَ الموقفَ السَّلبيّ، وتُـحوِّلَه إلـى ﭐنقسام نفسيّ آخَـر. وبين الفعل “تعيش”، والفعل “تحترق”، تتلازمُ حركة الطِّباق مع الإطار الخارجيّ المرئـيّ، والعمق النَّفسيّ.
وتبدو فـي هذه الأسطر إشارات تعبيريَّة عدَّة تعمل على نقل اللغة من المستوى التعيينيّ إلى المستوى التضمينيّ، على أنَّ أوَّلَ هذه الإشارات يظهر فـي بروز “أنتَ”، بشكل واضح فـي الفعل المضارع المسند إلـى ضمير المخاطَب: “تجيء”، “تأثَـــمُ”، “تبكي”، “تـحترق”، “تمضي”، “تـعبُـرُ”، “تـخترع”. هذه الأفعالُ تعمَلُ على تكثيفِ الدَّلالة الزمنيَّة، التـي تدورُ فـي الزمَن النَّفسيّ للشَّاعرة.
2– معيار الزمن المنشود: الزمن المنشود هو وَحدة تـخارجيَّة، تقومُ على ﭐنطلاقات “نـحو”، وﭐنطلاقات” إلـى”. وإنَّ العلاقة بين التخارُجات الزمنيَّة للماضي، والحاضر، والمستقبل تمتدُّ على هيئة أُفــق، ذلك أنَّ الزمنَ الماضي ليس خَلْفَ الحاضر، بوصفه شيئًا لَــمْ يعُدْ موجودًا بعْدُ، وليس المستقبل هو الأمام، بوصفه ما ليس بَعْدُ، بل ينبغي أنْ يُقالَ: إنَّ الماضي يتجاوزُ الحاضرَ والمستقبلَ معًا. ويُـحيلُنـا هذا المعيار إلـى نسَق تصوُّريّ له علاقة وثيقة بمفهوم زمنـيّ مبنـيّ على الاِمتداد. إذًا، الزمانُ المنشودُ يكشِف عن معطيات، تُـكسِبُ الشَّاعرةَ صفاتٍ مثل: الصَّبر، والمثابرة، والصُّمود. هذا الزمان متعلِّقٌ بعينَي الحبيب الغائب. حتَّى كأنَّ قلبَه راسخٌ في الشَّاعرة، إذ يبدو ذلك من خلال حضوره الأثيريّ، فيعودُ ليتوغَّلَ في ذاكرتِها، فتقول في قصيدة “سَفرٌ في عينَيكَ”:
“أخبَـــرَنـي الفَيءُ أنَّكَ
ستُعمِّدُ بالسِّــرِّ قلبي
وتُدرجُ ﭐسمي في ذاكرةِ الياسمينْ
تدعونـي لأقولَ فيكَ كلمتي
وأنـــــــا غاباتٌ من حَنانْ
وسِفرٌ مْن عينــــَيكَ
إلى آخِر الزمانْ”[32].
يتنقَّلُ الزمانُ بحركيَّته اللامرئيَّة فـي ثنائيَّةَ الدَّلالة، والتَّخاطُب الزمنيّ بين الماضي، والحاضر، والمستقبل[33]. لكنَّ الشَّاعرة تربطُ الشَّاعرةُ الزمانَ بالمكان، وتـجعلُ “غابات” حنانـها تنسكِبُ من عين حبيبها حتَّـى الرَّمَق الأخير من زمان حياتِـها. وهكذا، يتَّخذُ البُعدُ الزمنيُّ حيَّــزًا فـي الفضاءِ من حيث الاِعتماد على الأحداث، ويتَّخذُ أيضًا “تباعُدًا ذِهنــيًّا”[34] من حيث الاِعتماد على “الذَّاكرة”، إنْ هي مظهَرٌ من مظاهر الوجود الزمنيّ للشَّاعرة. وهذا يعني أنَّ حَراكَ “الذاكرة” مُرتبطٌ بحَراكِ الزمن. وترتفعُ الشَّاعرةُ بقصيدتـِها من “الفَـيء” القابع فـي “الذاكرة”، إلى تلك “الغابات” النائية. وهذا إنْ دلَّ فيدلُّ على أنَّ الَّزمنَ الماضويّ فـي الفعل “أخبرَنـي”، يُعلِنُ حركـيَّـــتَـــه من خلال الـمكوِّنات البنائيَّة للخطاب الـمَعرفـيّ. حتَّى تقضيَ الشَّاعرةُ على الفراغ العاطفـيّ، الذي يؤلِــمُها، فإنَّـهـا تقولُ كلمة الـحُـبّ، ليتشكَّلَ “الحنان” تُـجاه الحبيب. إنَّ العلاقة البَدئيَّة لدى الشَّاعرة تطرحُ فضاءَ “الذَّاكرة” الفرديَّة فـي جدليَّةِ الزمان؛ لأنَّ المكانَ يعجزُ عن تسريع “الذَّاكرة”.
تَظهَرُ مواطنُ القوَّة في التَّعبير الإيحائيّ للزمن المنشود، ولا سيَّما تخصيصِ لفظة “غابات” ﭐلتي تتَّخذُ معنى الزمن المرغوب في الوصول إليه؛ لأنَّه قائمٌ على الحنان. إنَّ الأبعادَ الزمنيَّة لسِمة “الغابات”، تُــعَدِّلُ في المعنى، وتنقلُ جدليَّة الزمن من عينــــَي الحبيب إلى سِفرٍ واحدٍ منهما، حتَّى مُنتهى الدَّهر. اللافت فـي هذه القصيدة أنَّ التوجُّه إلـى الحبيب لَـمْ يـختفِ، بل ظلَّ حاضرًا فـي تجاربـها. وهذا يدلُّ على أنَّ الزَّمانَ يتتالـى في “الذَّاكرة”، إذ إنَّ المكان ليسَ وَحدةً خاوية، بل صار روحًا مُتناهية.
يبدو أنّ الشاعرة تُعبِّر عن ﭐستمرار الحقيقة المكانيَّة والزمانيَّة، وتَـجمَعُ بينَ علاقاتٍ زمنيَّةٍ، وتقابُلاتٍ دلاليَّةٍ مُتباعدةٍ جِدًّا، أي: بين “الذاكرة”، و”الغابة”، أو بين “السِّرّ” و”السِّفر”. إنَّ “الذَّاكرة” تمثِّلُ تناسُلَ الحياة، أمَّا الغابة فهي رمز “المكان الهادئ”[35] للخير والعطاء والتجدُّد والأُمومة. وإذا كانَتِ “الذَّاكرة” بأبعادها الوجوديَّة لا ترتبط بالمكان وفضاء حركتِه، فهذا يعني أنَّها لا ترتبط أيضًا إلَّا بالبُعد الذَّاتـيّ “للأنــا” فـي زمنها النفسيّ، إذ إنَّ للذَّاكرة مكانَـها الخاصّ، بينما للزمان ذاكرتُه الـمتحرّكة.
3- معيار الزمن التأويليّ: تكمنُ حركيَّة الزمن التأويليّ في المنظومة المعرفيَّة للعقل. حتَّى إنَّ الـمَهمَّة الأساسيَّة للزَّمن التأويليّ هي فتْحُ تبادُلٍ بين النَّصّ الـمُعطى، وفهمِنا الخاصّ لـه، خصوصًا فـي إنتاج العناصر الثقافيَّة؛ لأنَّ الزمن الثقافـيّ مرتبطٌ بالزمن الاِجتماعيّ لإحداثِ التكوين الشّعريّ، إذ يسيرُ الزمنُ التأويليّ في الـحيِّـز الذّهنيّ لإِحداثِ التَّـفاعُل المعرفـيّ، الذي يقوم على علاقة الزمن الآخَر بالضمير الغائب “هو”، أو بالضمير المخاطَب “أنت”. وهذه العلاقة تُعَدُّ جزءًا من “المعيار النَّــحْــويّ[36]“، الذي يضبِطُ العمليَّاتِ التركيبيَّة زمنيًّا، ويفسِّـرُ السُّلوك الشَّامل تأويلًا. وهي أيضًا علاقة تعارضيَّة تقابليَّة، حتَّى وإنْ كانَتْ مُقيَّدةً ببُعدَين من الفضاء الدَّلاليّ للزمن؛ لأنَّـهما مؤشِّران إلى إحلالِ ضمير الغائب “هو”، محلَّ ضمير المتكلِّم “أنـا”، على أنَّهما مُؤشِّران إلى ﭐتِّساع حركيَّة الزمن بين محور “الأنا” الحاضر للزمن التَّعِس، ومحور “الهو” الغائب للزمن الذي يمكن أنْ يكونَ مُسندًا إليه مُتعدِّدًا، أو لا يكونُ مُسنَدًا إليه على الإطلاق. ويبدو أنَّ هناكَ مناطق واسعة داخل الزمان التأويليّ، الذي يتميَّز بالتحوُّل الدائم، خصوصًا فـي مُراجَعة الدَّوال، حتَّى تبقى “الشمسُ” خالدةً بنورها ودَورتِـها في عمليَّة الشُّروق منذُ الصَّباح، إذ تقولُ في قصيدة “الوجه الآخَر”:
“تُشرقُ هي الشَّمسُ حينَ يَشُدُّون
جَدِيلَــتَها
بأناةٍ يحبكون النَّارَ على النَّارِ
يُعنِّفونَ الـمَطَرَ إنْ أتــى بُكاؤُه
مُنحنيًا
يَـزُخُّونَ مِزاجَ قَلَمِهم خرائطَ
وأشلاءَ
لِظِلِّهمْ قُـفَّازٌ
وهْمٌ مُحدَودِبٌ
وﭐمِّــحاءُ رداءٍ
وهُمُ مِنْ فُجاءَةِ النُّطفَةِ إلى السُّؤالِ
يُكابدونَ البراءةَ بالطَّعنِ
منَ المدى إلى النَّجْم
إلى دَورةٍ للقَدَرِ على نَولِ الإصبَعِ”[37].
تأخذُ الآليَّات القرائيَّة الزمنيَّة منحى التفسير، مع أنَّه في العربيَّة يعني الكشف عن الـمُـغطَّى[38]، وما يعنيه من حركة التأويل الاِرتداديّ للزمن، إلـى التأويل الاِمتداديّ للصورة الشِّعريَّة. إنَّ جُملة “تُشرقُ” تُعيدُ تشكيلَ النَّسَق الـمُنتظِم للزَّمان الاِنتشاريّ لأشعَّة “الشَّمس”، ذلك “النُّور الـمُتعالي”[39]، الذي يُطِلُّ من عليائه ليكشِفَ العالَم، ويتغلغلُ فـي كلِّ شيء، ويتحرَّكُ في المدى الصُّوَريّ، لمكان عُلُويٍّ مُتوَهَّم. هذا الاِمتدادُ الزمنيُّ للشمس يدلُّ على السَّير البطيء، الذي يتراوح بين الوعي الزمانيّ، واللاوعي التزمينيّ. وتستعين الشَّاعرة بالحركة التعبيريَّة ﭐلتي تُحدِثُ ﭐنزياحًا فـي “ﭐشتغاليَّة الضمائر المتعدّدة (أنــا/ أنتَ/ هو/ هـي)، وعلاقاتـها داخل الموقف، ومدى إسهاماتِـها فـي بناء الكينونة الواحدة، ما دامت الضَّمائرُ مؤشِّرات للذاتيَّة داخل اللغة”[40]. هذا التَّشكيلُ الزمنيّ، يسيرُ وَفقَ شبكةٍ من العلاقات المتباعدة، ذلك أنَّ سِمة “الشَّمس” تتشاكلُ مع سِمة “النَّار”، كما أنَّ سمة “المطَر” تتشاكلُ مع سِمة “البكاء”. وهكذا، إنَّ “النَّار” هي رمز “الصَّفاء والنَّقاء”[41] في البُعد الزمنيّ للـحُبّ. أمَّا الضميرُ الغائبُ المنفصلُ “هي”، فيُـكَنَّــى به عن الشَّأن الذي يُرادُ الحديثُ عنه، والغاية منه تقوم على تعظيم حالة “الشَّمس”، إنْ هي نُقطة الأسرار ودائرة الأنوار”[42]، ورمز “الأُلوهة الكونيَّة”[43]، والعَين السَّاهرة على مصير البشر[44] فـي هذا الوجود.
إذًا، الرّحلة الزمنيَّة تتحوَّلُ إلى نشاط يقوم به عنصر من العناصر الطبيعيَّة، تتمثَّل في سِمة “الشمس” النَّجم الأزليّ المنير، وهو أبعدُ مدى في السَّماء. أمَّا الوسيلة المستعملة في عمليَّة “الشُّروق” فهي “النار” المحبوكة بأناةٍ وتمهُّل، التي ترمز إلى التطهُّر. هذا الوجهُ الآخَر، ينفي الكلمة إلى عُشَّاق الكلمة، ويهجُـرُ من العالَم الأرضيّ النَّاريّ إلى العالم الجماليّ الروحيّ. ونُسندُ فاعليَّة التأويل القرائيّ إلى الـحَينونة immédiateté التي تقعُ بين الدَّينونة والكينونة في المنظومة الفلسفيَّة القديمة، بينما تسير الشَّاعرة في صيرورة devenir؛ لأنَّـها تريدُ الاِنتقالَ من صورةٍ إلى أُخرى، وذلكَ بإزالةِ المنظومةِ للصُّورة الأُولـى عن المادّة، ورسْم صورة جديدة لها. هذه الصورة تدلُّ على التبدُّل التَّدريجيّ للزمن، الذي يتمظهر في الفعل المضارع “يَشدُّون” المسبوق بظرف الزمان “حين”[45]، إذ تنشأ الدَّلالة الوسطيَّة عن الخطاب؛ لأنَّ حيِّز “حين” لَـمْ يتَّخِذْ بالسياق حدودَه الواضحة للحيِّز الزمانـيّ، بل ﭐتَّخذَ معنى الحيِّز المكانـيّ في عمليَّة شروق الشَّمس.
هذا الظَّرف الزمانـيّ “حين”، يأخذُ بُعدَين مُتعاكسَين: الأوَّل يدلُّ على القُرب، فيما الثانـي يدلُّ على البُعد، لكنَّه في السِّياق، لا يدلُّ على القُرب، ولا يدلُّ على البُعد أيضًا، إنَّما سَلَكَ حالةً زمنيَّة، حاولَتِ الشَّاعرةُ ﭐجتيازَها عَبْرَ اللغة. ولعلَّ الزَّمنَ “حين” هو الذي جعلَ النَّسْجَ الشِّعريَّ قائمًا على الاِنزياح تحت وطأةِ شروق “الشمس”. إذًا، إنَّ الكلامُ يصُبُّ في إطار النَّسْج الحقيقيّ، لكنَّه ﭐتَّــخذَ نَسْجًا أسلوبيًّا خِداعيًّا؛ لأنَّ “الشَّمسَ” لا تشُدُّ جديلتَها، إذ إنَّ الغريبَ فـي عمليَّة الشُّروق هو الزمن التأويليّ “حين”، الذي يحملُ أيضًا فـي طيَّاته دلالاتٍ غير آمنةٍ، حتَّى كأنَّ الإصرارَ عليه قد جــعَــلَ الشَّاعرةَ تتنقَّلُ بين مأساة الذات الحاضرة، والوجه الآخَر الغائب، لتُدركَ وجعَها في الزمان الحاضر. على الرُّغم من أنَّ هذه القصيدة لا يمكنُ أنْ تكونَ مُنعزلة ًعن فضاء التناص الدِّينـيّ، غيرَ أنَّ ﭐعتمادَها على علاقات الرّبط، يُفكِّكُ الفضاءَ الزمنيَّ القابع فـي ذاكرتـها. أمَّا “فُـجَاءَة النُّطفة” فهي “الـمَنِـيّ، أو القَطْرة، أو الماء الصَّافي”[46]، وترمز إلى الحياة المتحرّكة[47] في ذاكرة “المطر”، وتتعمَّــقُ “الفجاءة” بين الثابت اللغويّ، والمتحرِّك الدلالـيّ. والعلاقة الجدليَّة بين “النُّطفة و”المطر”، إنَّما هي علاقة منفيَّة ومُثبتة في آن، تتجذَّر في “وَهْم ٍ مُـحدَودِب”، لتدلُّ على إصرارٍ شِعريٍّ عالٍ، ومصيريّ في رعاية المكان، بوصفه فضاءً مُقدَّسًا، لكنَّه بعيدُ الـمَنال.
إذًا، إنَّ جدليَّة الزمن هي أحاديَّة البُعد، بينما زمنيَّة التخيُّل هي مُتعدِّدة الاِتِّــجاهـات[48]. وتتعاملُ الصِّياغة مع بنية التَّجاور فـي ﭐستخدام حرف الـجرّ “مِنْ” الـتي تشُدُّ “الطَّعنَ” مِنْ طبيعته الوصفيَّة إلـى تشكيله بطابع زمنـيّ، الذي يتكاملُ مع حرف الـجرّ “إلـى” فـي دلالته على الاِنتهاء والغاية الزمانيَّة. هذا التَّشكيل الزمنـيّ يتعلَّق بالدَّال “القَدَر” فـي دورتِـه الزمنيَّة. هذه هي “شِعريَّة الشِّعر” الذي ينفحُ القصيدة بـهجة النِّضالِ الزمنيّ، بحثــــًــا عن السَّعادة والأمل، من أجل العبور من “أوهام الأرض”، التي تُـضيءُ الطَّريقَ للعابرين الـمُغـتبطيـن، إذ تقول في قصيدة “شفاعة الغروب”:
“كانَ الضَّبابُ يحتمِلُ أوهامَ الأرضِ
وتعَبَ الظِّلالِ
حينَ جاءَتْ سَطوةُ الغروب
عَــيْــنـــًا في المدى
تشُدُّ أعناقَ السِّحْرِ
وتُـحيكُ العابرين”[49].
تتوكَّــأ البنية التَّحويليَّة فـي السَّطر الأوَّل على النَّاتج المعجميّ للفعل “كانَ”، إذ إنَّ الوسيلة المستعملة في عمليَّة حياكة “العابرين”، تتشكَّلُ من “الضباب” رمز التكوُّن والتحوُّل، وخميرة الوجود. وجعلَتِ الشَّاعرةُ عمليَّة العبور من “أوهام الأرض”، كردَّة فعلٍ على “سطوة الغروب”، حتَّـى كأنَّ الرغبة في الحياة الجديدة، ﭐنبثقَتْ مِنَ الظُّـلْمةِ لتنطلِقَ مع “العابرين”، عينًــا للمَدى. أمَّا الوسيلة التي تساعدُ الشَّاعرةَ في عمليَّة العبور فهي “الأوهام” للوصول إلى زمان موجود في الخيال، وهو زمن العودة إلى النَّفس وقت “الغروب”، إذ يرمز إلى الاِنتقال من الحياة إلى الموت[50]، ويدلُّ على نـهاية زمن ما، وﭐنتظار زمن جديد. إنَّ الزَّمنَ النَّوعيّ لذاك “الغروب” يمتلكُ حضورًا صُوَريًّــا، وعاطفيًّـــا، ووجدانيًّــــا، ويبعثُ الأمَلَ والاِنفرادَ، ويمتدُّ إلى المكان، ويَستجلي حرارةَ “العابرين”. ولهذا الزمن بُعدان متناقضان وهما: زمَنُ الحياة، وزمَنُ الموت. يتمثَّـلُ الزمَنُ الأوَّل في لفظة “السِّحْر”، أمَّا الزمنُ الثانـي فيتمثَّلُ في لفظة “الغروب”. تتساندُ الآليَّاتُ الزمنيَّةُ وتتشاكلُ فـي الأفعال الـمضارعة التي تُـمثِّلُ الأحداث؛ لأنَّــها ضروريَّة، إذ لا يُــمكِــنُ الاِستغناءُ عنها، وهـي: “يحتملُ”، “يشدُّ”، “تُـحيكُ”. هذه الأفعال “تعملُ فـي سائر الـمُكوِّنات الزمنيَّة”[51]؛ وتدلُّ على زمن إشاريّ مُتباعدٍ بين “العين”، و”المدى”. تُـمـثِّــلُ “العين”، بوصفها أداةً إنسانيَّة، زمنًـــا فضائيًّـــا مُنفتحًــا، يُصدِّرُ “السِّحرَ” الدَّفين في ذاكرة الشَّاعرة الـمُشبَعة بزمنٍ ماضويٍّ، ويأتـي مِنْ مَراتع الطُّفولة، ويَحتشدُ بالذكريات، ويَغرقُ في الأحلام.
لعلَّ العلاقة الزمنيَّة بين “العين” – بوصفها طبقةً عُليا – و”الأعناق” – بوصفها طبقةً سُفلى – تأخذ شكلَ التَّبصُّر والبَصَر فـي آن. إذًا، تـحتلُّ “العين” إمَّا فضاءً صُوَريًّـــا لَــولــبيًّــا مُركَّـــبًــا، وإمَّا فضاءً بصريًّـــا بصيغة المفرد الـمعرَّف، لتَفيضَ بالدَّمعِ الـهَـتَّــان، وتُضاعِفَ الشَّاعرةُ الرَّصدَ لدائرةِ الدَّوال في حيِّز حركيٍّ مُنساحٍ مُستمَـدٍّ من “المَدى”. وإذا كانَ “المَدى” يشدُّ “أعناقَ السِّحر”، فـي “سطوة الغروب”، فهذا يعني أنَّه زمَنٌ ترجيعيّ للنَّظر الثاقب، يَعمَلُ على ﭐستحضارِ الزمن التَّــأويليّ إلى مكانٍ ذِهنيّ مُتوَهَّم، وبالتالي إنَّه لا يكونُ إلَّا فـي حيِّز المكان، خَلاءً مُطلَقًـــا.
4- معيار الزمن التتابُعيّ: الزمنُ “نُقطةِ فـي التسلسُل التتابعـيّ، وهو مُرتبطٌ باختبارٍ شخصـيٍّ، أو جماعـيّ، ويُـحدَّدُ بـما قبلَه الـماضي، ومـا بعدَه المستقبل”[52]. يشرح المركز الوطنيّ للمراجع الكتابيَّة والمُعجميَّة[53] “الزمن على أنَّه السياق غير الـمُحدَّد والمتجانس الذي يحوي الأشخاص والأمور، ويتميَّز بازدواجيَّته، فهو فـي آنٍ واحدٍ مُستمرّ ومُتـتابع”. الزمنُ التتابُعيُّ هو زمانٌ أبديٌّ، وشكلٌ من أشكال التتالـي بين بعض العناصر، التي تتّبَعُ سلسة واحدة مَحكومة بقانونٍ طبيعيٍّ مثل: تتابُعُ الحدوثَ في الليلِ والنَّهار[54]. لكنَّ الشَّاعرة تنحو منحًى لَـمْ نــألَفْه من ذي قبل، كأنَّـها تُفرِدُ مُعجَـمًـا خاصًّا لحِرْفة الحرف؛ لأنَّها تجاوزَتِ الزمنَ التتابُعيَّ، فصارت في التَّزامن النَّـقـيّ، تبحثُ عن الأحداثِ داخل ضوابط في إطار مُحدَّد للإشارة. جاء في قصيدة “أنتَ”:
“يــــــــــــا مَنْ وقَفَتْ لكَ شـمـعَـتـي
تحتَ جفونِ المطرِ
في ذاكَ الزَّمانِ النَّقيِّ
كُنتَ ظِلًّا لَه شجرةً
وهَـناءةً تُعرِّشُ صخرةً
لبسَتْ سواكَ
ولــمْ تعُدْ حبيبـــًا أو عابرًا
وتنظُرُ وجهَكَ في الطِّينِ والسَّماء
وتُصرُّ على الاِنتماء
وتدعَمُ مواسمَ التخفِّي
أَتخافُ من بعضِكَ أو منِّي”؟
أيُّها الضميرُ المنفصلُ
يا الذي أنتَ
هَـــلَّا تساقطْتَ إلى وجهِكَ
مِنْ زمنٍ بطُلَ الزمانُ
وﭐنتَهَتْ حَكايا العيدِ والإنسان”[55].
تَـــنُــمُّ هذه المقطوعة الشِّعريَّة عن عاطفةٍ زمنيَّةٍ مُتتابعة، وتضِجُّ بشعور جيَّاش، وإحساس مُرهَف، وتمتاز بأفكار جديدة. ويقتحمُ بنيةَ الاِستهلالِ زمانٌ نقـيٌّ ينطوي على صراحةٍ مُباشرةٍ، ويكشِفُ عن غزارةِ المُخيَّلة الفاعلة فـي “السَّماء”، إذ تُـخاطبُ الشَّاعرةُ حبيبَها على المستوى التَّعيينيّ، وهي تذوبُ حُبًّــا به كما “الشَّمْعة”، وتَستخدِمُ حرفَ “النِّداء المخصوص”[56]، إذ يدلُّ على المسافة الزمنيَّة الـمُستحضَـرة، التي تفصِلُ الشَّاعرة عن المنادى.
الجُملة الاِبتدائيَّة “يــا مَنْ وقَفَتْ” هي جُملةٌ إنشائيَّة طلبيَّة ندائيَّة، تحملُ في طيَّاتِـها دلالة الـحَثّ على الوقوف “تحت جفون الـمَطَر” على المستوى المجازيّ. إنَّ الشَّاعرة إذ تتوجَّه بندائِـها إلـى حبيبها، إنَّما تتوجَّه إلـى نفسِها بكلِّ هواجسها من الزمن الرتيب، أو أنَّــها تُـخاطبُ الأنـا الإلهـيّ على المستوى التضمينـيّ[57]، إذ لا فاصلَ فـي الفهم بين الوعي الزمانـيّ بالذات الإلهيَّة، والوعي المكانـيّ بالآخَـر. إذًا، إنَّ صيغة النِّداء للعاقل، تُــمــثِّــلُ الصَّوتَ والصَّدى فـي آن معًا، وتزيد من مسافة البُعد بين الحُـلُـم والواقع، حُضورًا خارجيًّا لزمنٍ غائب على الصَّعيد الذِّهــنــيّ، ما يعني أنَّ الزمنَ الغائبَ مؤشِّرٌ إلى تسرُّب أحلام الشَّاعرة الدَّالَّة على اللهفة والنَّقاء. هذا النِّداء يكشفُ لنـا عن إيقاع الاِختيار على الحبيب من خلال ضمير الـمخاطَب المتّصل بـحرف الـجرّ “لـك”، على أنَّــه سببٌ تعبيريٌّ مقصود يَـحـمِـلُ دلالة إضافيَّة على الزمن المتتابع. أمَّا ضمير المتكلِّم الياء في لفظة “شمعتي” فيُعلِنُ عن بداية الوقوف “تحت جفون الـمَطر”. هذا الضَّميرُ يـمتدُّ ليؤثِّرَ في البُعد المكانـيّ، الذي ينضوي تحت الحَراك الزمانيّ الممتدّ في “الظلّ” على أنَّه علامة من علامات القلق، وتداخُل الغموض بالوضوح، بمعنى أنَّ “الظِّلّ” يتمسَّكُ بحضوره الغائب في هدأة الأحلام. إنَّ الشَّاعرة تُعدِّلُ في البُعد الزمنيّ، وعندما ﭐستخدمَتْ عبارة “لَـمْ تعُد حبيبًا”، كانت قد عَمِلَتْ على تفريغ الفعل المضارع من زمنِه الآنـيّ، لتدلَّ على ﭐستئصال الواقع المرفوض، وإحلال واقع جديدٍ مرغوب فيه، حيثُ يكونُ بـجوار “الحبيب”، الذي يُنبِضُها حُـبًّا كبيرًا، إذ تـهُبُّ رياحُه الزمنيَّة مع “حكايا العيد”، بين “الشَّمعة” و”الـمطَر”، حتّى كأنَّ الدَّلالة صارت ممتدَّةً على مِساحات الزمن كلِّه. وليس “الضَّمير المنفصل” سوى ضميرٍ قابعٍ في فضاء الاِتّصال، الذي يَردُم جدليَّة الزمن المتَّصل مع ﭐستمراريَّة “الاِنتماء”، أو “التَّخفّي”.
تـحـيا نجاة سنجب منذ نعومة أظافرها مع الطبيعة، وتنعَمُ بجبال قريــتِها، ورياضِها السَّاحرة، فهي تُداعِبُ وجهَ حبيبها، فكأنَّـها تَعرضُ “مواسِمَ الـتَّخفِّي”، وتَـنسِجُ صوَرًا من ذاكَ “الزمان النَّقيّ”، وتزركشُ “حكايا العيد” بالزمن الطفوليّ العذب، وتمزجُ بينَ بهاءِ الطبيعة، وجمالِ الحبيب الـمُنتظَر فـي زمن مجهول. وتتَّسِعُ البنية الدلاليَّة بفعل الدَّال “تساقطْتَ”، الذي يُسيطرُ على مُجرياتِ الصِّياغة الزمنيَّة، ويجعلُها مرتبطة به، إذ إنَّ “التاء” الـمتَّصلة بـه، تكشِفُ عن النَّفْس على أنَّـها فاعلٌ نَـحْويٌّ ومَعنويٌّ على السَّواء؛ لأنَّـها تفصِلُ بينَ مرحلة الواقع الزمنـيّ المرفوض، وبين مرحلةٍ زمنيَّة لا زالَتْ قابعة فـي خيال الشَّاعرة، لكنَّ الاِتّصالَ بين المرحلتَين هو حيِّــزٌ قائمٌ بـحُـكم الاِمتداد الزمنيّ.
5- معيار الزمن الوجوديّ: يسيرُ مُباشرةً “من الوجود إلى الوجود من دون إفساح في المجال أمام العدم”[58]، ويشمَلُ هذا المعيارُ العديدَ من الحقول المعرفيَّة، التـي تجمعُ بينَ الفِكْر والفلسفة واللغة. ويُشكِّلُ الوجودُ في ذاتِه بعلاقته الجدليَّة الوجوديَّة للموجود الإنسانـيّ[59]. عِلاوةً على ذلك، فإنَّ المفهومَ الحقيقيَّ للزمانِ المتواصلِ هو “زمَنُ العواطف فـي أعماقِ نفوسِنـا”[60]. إذًا، إنَّ الزمانيَّة لا تكونُ، بل تتزمَّنُ بداية من المستقبل المتناهـي، بوصفه الاِتّجاه الأساسيّ للزمان؛ لأنَّ هذا المستقبل مَحكومٌ عليه بالفناء. لذا، إنَّ الزمان يلقى الموجود بالآن، بينما الوجود هو الحياة، والزمنُ هو الحركة، والحركة علامة من علامات الحياة، حيث سارت الشَّاعرة في طريقٍ مُطعَّمةٍ بنفحاتٍ إشراقيَّةٍ للـحُبّ، وسلَكَت طريقًـا صوفيَّة، تسعى فيها إلى مَـحْـو الزمان الأرضيّ. وتعمَدُ الشَّاعرة إلـى إمكاناتـها اللغويَّة الخاصَّة على الكفاية التأويليَّة، فتخلُق تقابُلًا سياقيًّــا، وآخَر مُـعجميًّا، ﭐنطلاقًــا من نظرتـِهـا الخاصَّة إلـى الوجود، إذ تقول في قصيدة “حُرقة عاشقة”:
“فـي عيونـي يقفُ
وفـي ﭐرتحالـي
يـُجاورنـي يسبقُني
وإنْ متُّ يُنضبُني
يـــــا مَنْ يُدركُ ثِقلي
الحُّبُّ كالموتِ قويّ
كيفَ لي أنْ أجعلَه عروسي
كيفَ يُنكِرُ الوصيَّة
أيُّها القادرُ على فرحي
ومشيئتُكَ أنْ نكونَ ﭐثنين
وكلَّ أحلامي هو وأغانـــيَّ
ويَـغرُبُ عـامٌ إِثــرَ عام
وأطفالٌ ينتظرونَ
وبَيتٌ وشبَّــاك
وطاولة وصلاة
وحُــلُــمُ أنْ يــأتــيَ شروقٌ فـي غروب”[61].
لعلَّ الشاعرة تجِدُ في هذه الصُّوَر مُتنفَّسًا للتعبير عن حالاتِ الحُبّ القويَّة، سواءً أكانَتْ رؤياها الوجوديَّة مُتفائلة أم مُتشائمة، فإنَّ ﭐتّجاهَ الزمن الوجوديّ، قد يعتريه التَّحوُّل، والاِنسياب، والتَّلقائيَّة. وتستقلُّ في هذه الطريق وحدَها، وتأخذُ تُجاهِد نفسَها، وتَبتدِعُ لها أقصى وأقسى ما في المنهج الروحيِّ من وسائل الزُّهد والتَّصوُّف، والرياضة الروحيَّة، ﭐلتي ﭐختطَّـتْها لنفسِها، وتصنعُ كأسًا جديدةً لتسكُبَ فيها خمرتَـها الزمنيَّة الجديدة، وتبتكرُ فيها صورًا تأمّليَّة بالوجود، حيثُ يصيرُ المستقبلُ حاضرًا، ثُــمَّ ماضيًا فـي الزمن الماضي؛ فـي حين أنَّ حبيبَها واقفٌ أمامَ عينَيها، إذ لا تستطيعُ أنْ تنساه.
ﭐنطلاقـــًا من هذه الرؤية الوجوديَّة، تبدو الشَّاعرة فـي حالةِ ثورةٍ ورفض، تنبعُ من معرفة حدْسيَّة، وباطنيَّة روحانيَّة، وتتنوَّر بـها إلى ما وراء الطَّبيعة من خلال الطَّبيعة، بقلبها النَّابض، وروحها الطيِّبة، وعقلها النيِّر، وأغانيها الجميلة، وأحلامها الزاهيَّة. وتشبِّهُ الشَّاعرة الـحُبَّ بالموت، ما يعني أنَّ “الموت” هو الوجهُ الآخَر للحياة. وهناكَ علاقة بين الاِسم والـمُسمَّـى، ذلك أنَّ فِعلَ التَّسمية هو تعيينٌ زمانـيٌّ للـمُسمَّى، والزمانُ يدخُــلُ إذ ذاك، في بنية اللفظ قبلَ الحصول على القصْد، بمعنى أنَّ الزمانَ الوجوديّ حاملٌ ظاهرةَ الصَّوت تحت تأثير التعايُن الزمانـيّ. وهذا يدلُّ على أنَّـها لا تستطيعُ أنْ تجعلَه عريسًا لـها، ليصيرا شخصًا واحدًا، بل من سخرية الزمن أنْ يكونا “ﭐثنين”. ولَــمَّــا كانَتِ”الأحلام”[62] رموزًا خاصَّة يَستخدمُها الإنسانُ للتعبير عن الموضوعات الـممنوّعة والـمُخجلة[63]، فهذا يعني أنَّ كلَّ أحلام الشاعرة هي رغبة لَـمْ تتمَّ، بل لـهـا علاقة بالزمن الماضي، إذ تُعبِّرُ من خلالها عن مكنوناتـِها الـمَطويَّة.
وقدِ ﭐستخدمَتِ الشَّاعرة فعل المضارع “يُنبِضُني”على أنَّــه “المؤَوَّل الاِنفعاليّ”[64] للزمان الحاضر، بمعنى أنَّه يحمِلُ الحَدَثَ الآنــيَّ، تدليلًا على الــحُبّ الدَّافـئ. وفي هذا الاِستخدام دلالة واضحة على نفْسٍ مُتجرِّدة؛ لأنَّـها تعيشُ في كلِّ كلمة تكتبُها، إذ إنَّها لا تكتبُ الشِّعرَ، بل تُنبِضُه حياةً فيَّاضة، فنراها تتأمَّلُ بالفكرة، وتشعرُ بالصورة، وقلبُها لن يخلوَ مِنَ الحُبِّ. وتـأتـي التقابُلات الدَّلاليَّة على مستوياتٍ مُتعدِّدة، قد تكونُ لُغويَّــة، وقد تكون مَعنويَّة، حيثُ نرصُدُ حركة الصِّياغة، وهـي تتحرَّكُ مِنْ خلالِ أبعاد زمانيَّة، ترصُدُ فيها الشَّاعرة لـحظة “أنْ يــأتــيَ شروقٌ فـي غروب”، لتصِلَ إلـى نوع من المفارقة فـي ضياع العُمر مع مرور “عام إثــرَ عام”.
ويبدو أنَّ الشَّاعرة ﭐستمرَّتْ فـي نقل التقابُل الزمنيّ إلى تقابُل وجوديّ. وقد مَــهَّــدَت للوصول إلـى هدفها الدَّلالـيّ الأخير، بالتركيز على الطِّباق السِّياقيّ، الذي كانَ تمهيدًا للسِّياق المُعجميّ، لتصِلَ إلـى قِمَّة الحركة الدلاليَّة عندما وضَعَتِ الشُّروق والغروب فـي مُواجهةٍ مع صيرورة الوجود، فكأنَّ حركة الوجود تمثِّلُ فـي رؤيـتِها تقابُلًا بين الموت والحياة، لكنَّها كانَتْ فـي الحقيقة مرحلة ﭐنتظار. وقد شـَمَــلَ هذا التَّحرُّكُ ﭐمتدادَ الزمن بكلِّ أبعاده، ومُتنوِّع مسافاتِه، وجميع مساحاتِه، فـي إطار مُحكَم. وفـي هذا ﭐعترافٌ صريحٌ بالـحُبّ، إذ صبَّت مشاعرَها، وتابعت القول:
“سأرتكبُ الحُبَّ
وأعبُرُ شُـحُوبَ الوجَعِ
وأَلُــــــمُّ الشَّوكَ عن أقدام الزَّهر
والحجارةَ عن أهدابِ الصَّلاة
وأُخلِّي الدَّمعة شامة
وأترُكُ الزَّادَ
لِـحُـكْم ِالسَّماء”![65].
مـا من شكَّ فـي أنَّ الـحُبَّ يُـمثِّـلُ لدى الشَّاعرة حاجة مُلِــحَّة إلـى تأكيد ذاتـها فـي هذا الوجود. وكانت تُدرِكُ أنَّ البـحثَ عن الحبيب لَـم يكن سهلًا بل كانَ مليئًـا بالمصاعب و”الشَّوك”. وبما أنَّ تأويليَّة التسانُد تنهضُ على مفاهيم متحوِّلة، فهذا يدلُّ على إنَّ “الخطابَ الإثباتـيّ”[66] فـي السَّطر الأوَّل يُنفِّسُ فـي الزمان، فيصير الفعل المضارع “سأرتكبُ” مُستقبَلًا بَعْدَ “ﭐحتمالِه الدَّال والاِستقبال”[67]، ليُعلِنَ ﭐمتدادَ الزمن إلى الأتـي على المستوى الوجوديّ. وقد جاءَ الفعل “أعبُـرُ” فـي السَّطر الثانـي خاليًا من حرف المضارعة “السِّين”، ليؤكِّدَ على ﭐستقراره فـي زمن الحضور، ما يعني أنَّ الاِمتدادَ يُسيطرُ على الناتج الدَّلالـيّ، الذي يُهيِّئُ بدلالاتِه الزمنيَّة المُمتدَّة حركيَّة الاِتساع والاِنتشار.
حتَّى كأنَّ الـحُبَّ جريمةٌ ترتكبُها الشَّاعرة، لتعبُرَ “شحوبَ الوجع”، لـِما في روحِها من شوقٍ وتوثُّب. وتُثيرُ الشَّاعرة في النَّفس جمالَ الحُبّ، وتبعَثُ بالسِّهام إلى شِغاف القلوب، وأعماق الصُّدور، ليتحوَّلَ “الشَّوكُ” أزهارًا نديَّة تشتاقُ إلى معرفة ما في العالم الروحانـيّ، فتخطُرُ في بالها مواكبُ الرؤى كنسَمات الصَّباح، وأهداب الفجر، وصلاة المحبِّين، ودموع العاشقين. إنَّ عمليَّة العبور هذه، تُختصَرُ في لفظة “الحُبّ”، التي تمثِّل دورَ الوسيط للانتقال من زمَن الوجَع، والألم، والدُّموع، إلى زمن الصلاة.
لا شكَّ فيه أنَّ النزوع إلـى ﭐرتكاب “الـحُبّ” ينطوي على حاجةٍ نفسيَّة مُلِحَّة، تُفصِحُ الشَّاعرة عنها من دون حَرَجٍ، وتُعبِّرُ عن حاجتِها إلى الرَّجُل، لكنَّها كانتْ تصطدِمُ فـي كُلِّ مَرَّةٍ بالعديد من القيم الأخلاقيَّة العامَّة، فتعبُرُ إذ ذاكَ “شحوبَ الوجع”، على أنَّ الـمَبـغـَى لَـمْ يكنْ ليُطمْئِنَ تلك الحاجة، إلَّا فـي حدود زمنيَّة وخياليَّة ما. أمَّا الدليل الذي يتبعُ الوسيطَ للخروج من شحوب الوجَع فهو “الزاد” الذي يحمِلُ فكرةَ الأمَلِ بالغدِ، والرجاء الواثق بفكرة المستقبَل الواعد. وما هذا التعبير سوى الاِعتراف بدور الحُبّ في توجيه المحبِّين. وفي هذه الحالة، تُحمِّلُ الشَّاعرةُ المفرداتِ أبعادًا جماليَّة، لم يألفْها الشِّعرُ العربـيُّ من ذي قبل. وعلى هذه الضرورة يتَّخذ الزمنُ الوجوديُّ فـي هذه المقطوعة الشعريَّة ثلاثة تراكيب، وهي: الزمن بتحقيق الـمُمكنات فـي المستقبل “سأرتكبُ”؛ والزمن ممَّا تحقَّقَ مِنْ مُمكناتٍ فـي الزمن الماضويّ الـمُــتكدِّس والمَليء بالذَّكريات الطُّفوليَّة، والزمن بما يجري تحقيقه من ممكنات الحاضر لبنية التجاور للأفعال المضارعة: “أعبُـرُ”، ألُــمُّ”، أُخــلِّــي”، أتركُ”.
ولمــَّا كانت الشاعرة تُصغي إلى أصداء روحها، وعبق أنفاسها، ورحيق مُفرداتها، فإنَّها قد أضفَتْ على ذلك هالة روحيَّة، لتكشفَ عن الصورة، التي تتحلَّى بـها، وتتميَّــزَ بسياقات لغويَّة مُتنوِّعة، تُعَدُّ أهمَّ أشكال التركيب والتَّناغم الحقيقيّ بين الزمن الغائب والرؤيا الصادقة، وبين التواتر الرمزيّ والوجدانيَّة المبرِّحة، وبين العاطفة الفيَّاضة والخيال المجنَّح، وبين الصَّفاء الذهنيّ والنَّقاء الرُّوحيّ، وربْطِ ذلك بالشِّعر، والفلسفة، والحضارة، والثقافة، والحياة. وهذا دليلٌ على شــاعريَّةٍ بالفعل قلَّ نظيرُها. لذلك، فإنَّ جدليَّة الزَّمن قائمة على ثنائيَّة الحزن والفرح، أو ما يُشبهُهـا. المـــُلاحَظ أنَّ الزَّمنَ حالاتٌ روحيَّة تستمدُّها الشاعرة من الطبيعة والوجود، إذ تكتشفُ أشياءَ غير مألوفة؛ لأنَّـها “تُسخِّــرُ اللغة لفائدتِــهــا”[68]. هكذا، إنَّ الزمن صورةٌ رائعةٌ؛ لأنَّها مرتبطة بصورة الحُبّ، تأسيسًا لزمن آخَر مُتخيَّل، وَفقًا لِــمـا تفرزُه خصوصيَّة الأنساق اللغويَّة والثقافيَّة، وصولًا إلـى بناء المعرفة الزمنيَّة، بمعنى أنَّ إدراك الزمن لا يستقيم إلَّا من خلال تصوُّرات وظواهر، إذ ترفض الشاعرة الولوجَ في مقاييسَ، فتقول في قصيدة “بين اليأس والشَّوق”:
“الشَّوقُ الضاربُ في الغسَقِ
مُحدَودِبٌ ينتحبُ
كالشَّمسِ
ويَضفِــرُ رغيفَــه سنابلَ.
والغيمة مُتعَبَة ٌمِنْ شتاتِـها
ومِنَ الـحَورِ الـمُتشاوفِ عليها
مِنَ الرَّمادِ الذي على جبيني أصرُخُ
وتَقــفَرُ حُـنــجُرةُ الليلِ مِنَ الصَّدى”[69].
ترغبُ الشَّاعرة فـي خَلْعِ الزمان الحقيقيّ، لتنفردَ فـي زمنها الخاصّ، الذي يتعرَّى لــيَـشِفَّ الواقع من حقيقته. ينبثقُ “الشَّوق” من روحٍ حزينةٍ تُظلِّلُ الشَّاعرةَ بسحابة من الأسى، وغمامة من الحزن، فـي وجدانيَّةٍ مُـبـرِّحـةٍ، ومساحة نفسيَّة، فـي أصداء الليل، وشغاف القلب، وخفقات النَّفس، ووحشة العُزلة. وتــأنفُ الشَّاعرة فـي الاِنتماء إلـى زمن “الغسَق”؛ لأنَّه يُــنــبِئُ بالتلاشي واليأس. لذلك، إنَّ فكرة الزمن الوجوديّ العبـثـيّ تفصلُ بين النَّفس والواقع، وتربطُ بين “الشَّوق” و”الغسَق”. ويكمُنُ ذلك فـي حركة الاِنفلات من الزمن المتوازي إلـى الزمن الوامض المنبثـق من فضاء فراغـيّ.
أمَّا مغيب “الشَّمس” فيتعالقُ عند “الغسَق”، ليدلّ على حركة زمنيَّة عَودويَّة متعاقبة، إذ تـمتلِكُ الشَّاعرة حضورًا عاطفيًّا، يبعثُ التأمُّلَ والتَّوحُّدَ مع الذات المنشطرة كما الزمان. ويـنـتـحِـبُ “الشَّوق” كالشَّمس، ويغيبُ الزمن فـي متاهة “الغروب”، وتتوقَّفُ حركيَّته فـي المدى الصُّوَريّ، لتنضحَ بالألَـم وتُفصِحَ عن الشَّجـى والشَّجن. إذا كانَتِ التَّجرِبة تصويرًا لمَشهدِ “الغيمة” المنهوكة من الضَّياع، فإنَّ إدراكيَّة الزمن تَذهَبُ سُدًى كما “الرَّماد” رمز الزمن التَّعِس، الذي يتموقعُ فـي الذاكرة، أو فـي الخيال، أو فـي الوهْم. وأنْ تـكِـفَّ الشَّاعرة عن المعاناة الوجوديَّة الكلّيَّة لإشباع المعنى الـمُراد، فهذا يدلُّ على أنَّها تُـمثِّلُ صورةً ذهنيَّة مُدرَكة فـي ذاك “الصَّدى” الذي يرمز إلـى الرَّجْع الصَّوتـيّ الخاوي للزمن الاِنحساريّ فـي “الليل”، الذي يرمز إلـى الخوف، والـهَمّ، والقلق، والوحشة، والعُزلة. وفـي “الصَّدى” إيـماءةٌ إلـى مُشاكلتِه مع الإنسان الـمُتخيَّل والـمُتجسِّد فـي “الحنجرة”، التي جاءتْ بيانًا لــذاك “الليل” الـمُقـفِـر. إذا كانَ معيار المعنى للزمن نسقيًّا، فإنَّ المعيار التصوُّريُّ يعملُ بشكلٍ مُتمايز عن الزمن التتابعيّ، فـي حين أنَّ المعيار النَّـحويّ يجعلُ المستوى التركيبيّ وحداتٍ رمزيَّة، حاولْنـا الكشف عنها. وعندما أطلقَتِ الشَّاعرةُ العنانَ لمخيِّلتها الشعريَّة، إبداعًا وخيالًا ومعاناة وتجرِبة، أصبحَ الشِّعرُ معها نَوعًا من كتابةِ الغائب، وأُفلِتَتِ اللغةُ من القيودِ التي وُضعَتْ لها. وما يجعلُ من هذه الجدليَّة أمرًا مختلِفًــا، إنَّـما هي هواجس إنسانيَّة تعتلِجُ فـي نفسها، ما يدفعنا بالتحليل الدَّلالـيّ للاِنفتاح على المعايير النَّظريَّة والتَّطبيقيَّة. هذه الجدليَّة للاِنشطار الزمانـيّ تـجعلُنا نضعُ الشَّاعرة عند مستوى التمييز بين إدراك الزمن والوعي بـه. وقد يتناسبُ الإدراك الزمنـيّ مع المعتقدات والذكريات والأحداث الخاصَّة، أمَّا الوعي بالزمن فيتأخَّــر عن اللحظة الراهنة؛ لأنَّــه لا يتأسَّس إلَّا على التَّجرِبة والتصوُّر الزمنـيّ، الذي له علاقة بالجانب الإنسانـيّ المعرفـيّ الـمشترَك.
على الرُّغم من التَّداخل التصوُّريّ الحاصل بين حالة اللاوعيّ، وإمكانيَّة الحضور، فإنَّ “نظام القياس الزمنـيّ يبدو مُختلـفًـا”[70]، عن “فكرة الزمن الـمُطلق”[71]. أمَّا التَّـزامُن فيقومُ على محورَين: المحور الأوَّل هو “الإدراكُ المعنويّ، فيما الثانـي فينشأ على إمكانيَّة الـمشاركة”[72]، بالنسبة إلـى ﭐنتباه الشَّاعرة، الذي لا ينقسِمُ ولا يتجزَّأ. وبمـا أنَّ الـمنحـى الزمنـيّ يُشكِّلُ مِـحورًا أساسيًّـا مُـختلِفًـا عن الحركة التـي تفصِلُ بين اللحظة والـحدَث”[73]، فهذا يعنـي أنَّ التصوُّرَ الـمُعجمـيَّ للشَّاعرة، يعمل بشكل أو بآخَر على توجيه زمنـيّ فقط.
لذلك، لا تكونُ الشَّاعرة هي نفسُها في التجرِبة الشِّعريَّة؛ لأنـها خرجَتْ ممَّا هي عليه في تلك اللحظة، فتكونُ إذ ذاك، في حالةِ خلْقٍ، وتغيير، وﭐبتكار، وإبداع. أمَّا الجنون الشِّعريّ فيبلُغُ ذروتَه فـي الزمن الوجوديّ التي تحياه؛ لأنَّه فعلٌ من أفعال العبقريَّة، والحريَّة، والنَّجاة. وهذا الفعلُ هو إبداعيٌّ تشوبُه حالاتٌ من الهذيانِ والتَّوترات، التي لا تعرفُ حدودًا في ﭐنفعالاتـها فـي أثناء عُــزلتِها. وما الإدراك، والتمثُّـل، والتَّصوُّر، والتكيُّف سوى معطياتٍ نـجدُ لـهـا أصداء في علم النفَّس الـمعرفـيّ.
هكذا، تبتعدُ عن حقائقِ الوجود لتسبحَ في عالمها الخاصّ، وتستلهمُ الصُّوَرَ والأفكار. إذًا، إنَّ جدليَّة الاِنشطار الزمانـيّ هي مِرآة حقيقيَّة، نرى فيها إبداعَها، ونَشهَدُ تـميُّزَها، ونُـحدِّدُ شخصيَّــتَـها، إذ تُضفي روحَها على لغتِها، ما يُغنيها ويجعلُها أكثرَ حيويَّة ومرونة، ويُكسِــبُها أبعادًا جديدةً، ويُعطيها خلفيَّاتٍ دلاليَّة؛ لأنَّـها نتاجُ تفجُّر ﭐنفعالـيّ، وتدفُّق تلقائـيّ للتَّعابير، والمفردات المشحونة بالصِّيَغ، والأساليب، التي تنضوي فـي رموز تتفرَّعُ منها دلالات طبيعيَّة، وﭐمتدادات روحيَّة، وﭐتّجاهات ثقافيَّة، تدلُّ على روح هائمة، تتحرَّك فـي تصوُّرات، ورؤى، ومُدرَكات، يُـمكنُ أنْ تُؤوَّلَ بوجود لحظة زمنيَّة مرتبطة بحدث ما، إذ يفرض دلالة تأويليَّة على بنية زمنيَّة مفتوحة تتقاطعُ مع الحاضر.
إذًا، أرادتِ الشاعرة أنْ تتحرَّر من الزمن الـمُنشطِر، لكنَّها ظلَّتْ عالقة فـي شِباك صوتِه، وعصفَتْ بالـمكان على أنَّه بؤرة للرمز المتحوِّل، ونسجَت من شِعرها صُورًا لروحها الـمتوهِّجة بالعطاء، ذلك الـمُحتوى العاطفيّ بوصفه أداءً معنويًّا، ونَـهجًا أسلوبيًّا، وهو إنْ دلَّ فيدلُّ على براعتها فـي التعبير عن مشاعرها المكنونة، وأفكارها الفلسفيَّة، وخيالها المجنَّح، وأسلوبـها المتين.
وإذا كانَ الفصلُ بين الأزمنة على المستوى الفيزيائـيّ فـي شِعرها، قد يتضمَّنُ المناحي الجديدة فـي القراءات التأويليَّة الــتي أسفَرَتْ عن تفكيكٍ عميقٍ للدلالات التـي أثرنـاها فـي هذا البحث، فإنَّ نشاط نجاة سنجب، لَـم يكنْ إلَّا على المنحى الآخَر لجدليَّة الخطاب الزمنـيّ الذي يفتحُ مجالًا جديدًا لتحريك أفعال الفهم، وﭐستنطاق الدَّلالة التي تتموضع داخل الحدود الفاصلة بين الحقيقة والوجود.
المصادر والمراجع
1.القرآن الكريم.
- إبراهيم، إبراهيم محمّد ياسين، دلالات المصطلح فـي التصوُّف الفلسفيّ، دار المعارف، القاهرة، ط1، 1999.
- ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، م 7، [باب الزَّاي]، ط4، 2005.
- أندريه، لالاند، موسوعة لالاند الفلسفيَّة، م 3، تعريب خليل أحمد خليل، بيروت، ط1، 1966.
- أيكو، أمبرتو، العلامة، المركز الثقافـيّ العربـيّ، بيروت، ط2، 2010.
- أيُّوب، نبيل، الطرائق إلى نصّ القارئ المختلِف، دار المكتبة الأهليَّة، بيروت، ط1، 1997.
- بدوي، عبد الرحمن، موسوعة الفلسفة، ج1، المؤسسة العربيَّة للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1984.
- بازي، محمَّد، التأويليَّة العربيَّة، الدار العربيَّة للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2010.
- بازيّ، محمَّد، تقابُلات النَّصّ وبلاغة الخطاب، الدار العربيَّة للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2010.
- باشلار، غاستون، جدليَّة الزمن، ترجمة خليل أحمد خليل، الجزائر، [لا ط]، 1982.
- بوميان، كريستوف، نظام الزمان، ترجمة بدر الدين عرودكـي، مركز دراسات الوحدة العربيَّة، بيروت، ط1، 2009.
- بينيت، طونـي، مفاتيح ﭐصطلاحيَّة جديدة، ترجمة سعيد الغانـميّ، مركز دراسات الوحدة العربيَّة، بيروت، ط1، 2010.
- تودوروف، تيزفيتان، الشّعريَّة، ترجمة شكري المبخوت، توبقال للنشر، المغرب، ط2، 1990.
- جحفة، عبد الـمجيد، مدخل إلى الدلالة التوليديَّة، دار توبقال للنشر، المغرب، ط1، 2000.
- جون، سيرل، رؤية الأشياء كما هـي فـي نظريَّة الإدراك، ترجمة إيهاب عبد الرحيم عليّ، منشورات عالَم الفكر، المجلس الوطنـيّ للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ط1، 2018.
16 الحداويّ، طائع، سيميائيَّات التأويل، المركز الثقافيّ العربيّ، بيروت، ط1، 2006.
- حُسام الدِّين، كريم زكيّ، الزَّمانُ الدِّلاليّ، دار غريب للطِّباعة والنَّشر والتَّوزيع، القاهرة، ط2، 2002.
- الحسـنـيّ، عبد الكبير، البنيات الدَّلاليَّة للزمن فـي اللغة العربيَّة، دار كنوز المعرفة، الأردن، ط1، 2015.
- الحنفيّ، عبد المنعم، معجم المصطلحات الصوفيَّة، دار المسيرة، بيروت، ط2، 1987.
- الحوت، محمود سليم، في الميثولوجيا عند العرب، دار النَّهار للنَّشر، بيروت، ط1، 1983.
- الزَّمخشريّ، أساس البلاغة، دار صادر، بيروت، ط1، 1979.
- الـزَّنَّـاد، الأزهر، نسيج النَّصّ، المركز الثقافـيّ العربـيّ، بيروت، ط1، 1993.
- زيـنـو، فـاندلر، الأفعال والأزمنة، ترجمة عبد المجيد جحفة، دار توبقال للنشر، المغرب، ط1، 1967.
- زيادة، معن، الموسوعة الفلسفيَّة العربيَّة، م1، معهد الإنماء العربـيّ، بيروت، ط1، 1986.
- سنجب، نجاة، لتأتِ العاصفة، مطبعة عمشيت، ط1، 1996.
- سنجب، نجاة، يُعظِّمُ قلبي الحُبّ، مطبعة شوقي باسيل، عمشيت، ط1، 2007.
27.السامـرَّائـيّ، إبراهيم فـي شِعاب العربيَّة، دار الفكر المعاصِر، بيروت، ط1، 1990.
- سيبويه، الكتاب، تحقيق عبد السَّلام هارون، مكتبة الخانجيّ، مِصر، ط2، ج2، 1988.
- فرويد، سيجموند، تفسير الأحلام، ترجمة نظمي لوقـا، دار الهلال، مِصر، ط2، 1962.
- فال، جان، الفلسفة الفرنسيَّة من ديكارت إلى سارتر، ترجمة فؤاد كامل، دار الكتاب العربـيّ، القاهرة، [لاط]، [لا ت].
- معلوف، منير، معجم الرموز، المطبعة البولسيَّة، جونيه، ط1، 2009.
- الـملَّاخ، مـحمَّد، الزمن فـي اللغة العربيَّة، دار الأمان، الربـاط، ط1، 2010.
- هايدغر، مارتن، الكينونة والزمان، ترجمة فتحي المسـكينـيّ، دار الكتاب الجديد، بيروت، ط1، 2012.
- هونكيج، ستيفن، التاريخ الـموجز للزمان، ترجمة مصطفـى إبراهيم فهمي، الهيئة الـمِصريَّة للكتاب، مِصر، ط1، 2006.
- اليوسفيّ، محمَّد لُطفي، فـي بنية الشِّعر العربيّ الـمعاصر، سراس للنَّشر، تونس، ط1، 1985.
- يونس، جورج، أناشيد من الشَّرق، تعريب جورج يونس، منشورات المطبعة الكاثوليكيَّة، بيروت ط1، 1986.
المراجع الفرنسيَّة
- Emile Beneveniste, Problème de linguistique générale, tome 2, édition Gallimard, Paris, 1978.
- François Rastier, systémathique des isotopies et essais de sémiotique, édition, Paris, 1998.
- Georges molinié, Dictionnaire de rhétorique, livre de poche, édition du seuil, paris, 1992, p 111.
- Henri Bergson, Essai sur les données immédiates de la consience, Paris, 12, édition, 1967.
- Julia kristeva, Révolution du langage poètique,édition du seuil, Paris, 1974.
- M.Bovet, Perception et notion du temps, Paris, 1967.
- René Lagane, Problème de définition language française, volume 1, édition, Paris, 1969.
- Roger Arnaldez, Aspects de la pensée musluman, édition du seuil, Paris, 1978.
المرجع الإلكترونـيّ
- www.cntrl.fr/définition/temps.
** دكتوراه في اللغة العربيّة وآدابها من الجامعة اللبنانيّة، أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانيّة كلّيّة التربية الفرع الأوّل منذ العام ٢٠١٥.
[1] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، م 7، [ باب الزَّاي]، ط4، 2005، ص 60. جاء فيه: “الزمَنُ ﭐسمٌ لقليلٍ من الوقت وكثيره، وفـي الـمُحكَم: الزَّمنُ والزَّمانُ العَصْرُ، والجمعُ أزمُن، وأزمان، وأزمنة. وزمَنٌ زامِنٌ أي: شديد. وأزمَنَ الشَّيءُ: طالَ عليه الزَّمان، فهو مُزمِنٌ؛ والاِسمُ من ذلكَ الزَّمَنُ والزُّمْنَة. وأزمَنَ اللهُ فلانًـــا فهو زَمِنٌ وزَمينٌ. وأزمَنَ بالمكان: أقامَ به زَمانًا. والزَّمَنُ والدَّهر واحد. ويكونُ الزَّمانُ شهرَين إلى ستَّة أشهُر، والدَّهْرُ لا ينقطِعُ”.
[2] السَّامرَّائـيّ، إبراهيم، فـي شِعاب العربيَّة، دار الفكر المعاصِر، بيروت، ط1، 1990، ص 94.
[3] François Rastier, systémathique des isotopies et essais de sémiotique, édition, Paris, 1998, P83.
[4] René Lagane, Problème de définition language française, volume 1, édition, Paris, 1969, p 69.
[5] بينيت، طونـي، مفاتيح ﭐصطلاحيَّة جديدة، ترجمة سعيد الغانـميّ، مركز دراسات الوحدة العربيَّة، بيروت، ط1، 2010، ص 171.
[6] «Dureé finie, objective quantitativement mesurable, système de référence permettant de classer des évènement dʹaprès leur dimutanéité et leur succession, en leur attribuant un nombre leur date, exprimeé en années, jours, heures, minutes». (www. Cnrtl. Fr. définition temps).
[7] أندريه، لالاند، موسوعة لالاند الفلسفيَّة، م 3، تعريب خليل أحمد خليل، بيروت، ط1، 1966، ص 1433.
[8] زيادة، معن، الموسوعة الفلسفيَّة العربيَّة، م1، معهد الإنماء العربيّ، بيروت، ط1، 1986، ص467.
[9] حُسام الدِّين، كريم زكيّ، الزَّمانُ الدِّلاليّ، دار غريب للطِّباعة والنَّشر والتَّوزيع، القاهرة، ط2، 2002، ص 19. ورَدَ فيه: الزَّمن في بُعدِه الدِّلالـيّ يتَّصف بالضّيق، أو بالاِتِّساع، كما أنَّ بعضَها خاضعٌ لعلاقة الترادف في ما بينها: أ – أوقات النَّهار: الفجْر، الصَّباح، البَكْرة، الغَدوة، الضُّحى، الظَّهيرة، العصر، الأصيل، المغرِب، الشَّفق. ب – أوقات الليل: المساء، البيات، الرَّواح، العشاء، العتمة، الغسَق، السَّحر. أمَّـا أجزاء الزمن فهي الأيَّام والشهور والأعوام، وهي تُقاس بحركة الشَّمس وسائر الكواكب.
[10] زيادة، معن، المرجع نفسه، ص467.
[11] الموضع نفسه.
[12] الموضع نفسه.
[13] الموضع نفسه.
[14] «Lʹéchelle du temps est un système de répérage des évènements, constitué par une origine et une unité de temps, ou dʹune façon plus générale par une séquence numérotée dʹintervalles non nécessairement égaux». (www.cntrl.fr/définition/temps).
[15] الزَّمخشريّ، أساس البلاغة، دار صادر، بيروت، ط1، 1979، ص 276.
[16] اليوسفـيّ، محمّد لُطفـي، فـي بنية الشِّعر العربـيّ الـمُعاصر، سراس للنَّشر، تونس، ط1، 1985، ص 35.
[17] «Temps absolu: temps indépendant de tout référentiel spatial».(www.cntrl.fr/définition/temps).
[18] حُسام الدِّين، كريم زكيّ، الزَّمانُ الدِّلاليّ، دار غريب للطِّباعة والنَّشر والتَّوزيع، القاهرة، ط2، 2002، ص 30.
[19] Henri Bergson, Essai sur les données immédiates de la consience, Paris, édition, 1967, p109.
[20] بازيّ، محمَّد، التأويليَّة العربيَّة، الدار العربيَّة للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2010، ص 350.
[21] بدويّ، عبد الرحمن، موسوعة الفلسفة، ج1، المؤسّسة العربيَّة للدِّراسات والنَّشر، بيروت، ط1، 1984، ص 558.
[22] «Le temps psychologique est le temps intérieur, propre à la vie de chaque individu». (www.cntrl.fr/définition/temps).
[23] طه، فرج عبد القادر، موسوعة علم النَّفس والتحليل النفسيّ، دار سعاد الصباح، القاهرة، ط1، 1993، 368.
[24] M.Bovet, Perception et notion du temps, Paris, 1967, p 107: «la notion du temps est dépendant, comme en bien dʹautres dommaines, dʹune décentration progressive à tous les niveaux, une participation active du sujet».
[25] سنجب، نجاة، يُعظِّمُ قلبي الحُبّ، مطبعة شوقي باسيل، عمشيت، ط1، 2007، ص29.
[26] جون، سيرل، رؤية الأشياء كما هـي فـي نظريَّة الإدراك، ترجمة إيهاب عبد الرحيم عليّ، منشورات عالَم الفكر، المجلس الوطنـيّ للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ط1، 2018، ص 45.
[27] بدويّ، عبد الرحمن، موسوعة الفلسفة، ج1، ص 558.
[28] بازيّ، محمَّد، تقابلات النَّصّ وبلاغة الخطاب، الدَّار العربيَّة للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2010، ص 174.
[29] خليل، خليل أحمد، مُعجم المصطلحات الفلسفيَّة، دار الفكر اللبنانـيّ، بيروت، ط1، 1995، ص 116.
[30] ﴿وظِلٌّ ممـدودٌ﴾ القرآن الكريم، سورة الواقعة، الآية 30.
[31] إبراهيم، إبراهيم محمّد ياسين، دلالات المصطلح فـي التصوُّف الفلسفيّ، دار المعارف، القاهرة، ط1، 1999، ص 49.
[32] سنجب، نجاة، لتأتِ العاصفة، مطبعة عمشيت، ط1، 1996، ص38.
[33] الـملَّاخ، مـحمَّد، الزمن فـي اللغة العربيَّة، دار الأمان، الربـاط، ط1، 2010، ص 71.
[34] الـزَّنَّـاد، الأزهر، نسيج النَّصّ، المركز الثقافـيّ العربـيّ، بيروت، ط1، 1993، ص 167.
[35] معلوف، منير، معجم الرموز، المطبعة البولسيَّة، جونيه، ط1، 2009ص 226.
[36] الحسـنـيّ، عبد الكبير، البنيات الدلاليَّة للزمن فـي اللغة العربيَّة، دار كنوز المعرفة، الأردن، ط1، 2015، ص 24.
[37] سنجب، نجاة، يُعظِّمُ قلبي الـحُبّ، ص 45.
[38] هايدغر، مارتن، الكينونة والزمان، ترجمة فتحي المسـكينـيّ، دار الكتاب الجديد، بيروت، ط1، 2012، ص 19.
[39] الحوت، محمود سليم، في الميثولوجيا عند العرب، دار النهار للنشر، بيروت، ط1، 1983، ص94.
[40] Julia kristeva, Révolution du langage poètique, Edition du seuil, Paris, 1974, p317.
[41] معلوف، منير، معجم الرموز، ص 306.
[42] الحنفيّ، عبد المنعم، معجم المصطلحات الصوفيَّة، دار المسيرة، بيروت، ط2، 1987، ص 141.
[43] معلوف، منير، المرجع نفسه، ص 17.
[44] يونس، جورج، أناشيد من الشَّرق، تعريب جورج يونس، منشورات المطبعة الكاثوليكيَّة، بيروت ط1، 1986، ص 11.
[45] ﴿هَلْ أتى على الإنسانِ حِيْنٌ مِنَ الدَّهرِ﴾ القرآن الكريم، سورة الإنسان، الآية 1.
[46] العايد، أحمد، المعجم العربيّ الأساسيّ، المنظَّمة العربيَّة للتربية والثقافة والعلوم، تونس، ط1، 1988، ص 1204.
[47] ﴿خَلَقَ الإنسانَ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ القرآن الكريم، سورة المؤمنون، الآية 13.
[48] تودوروف، تيزفيتان، الشّعريَّة، ترجمة شكري المبخوت، توبقال للنشر، المغرب، ط2، 1990، ص 48.
[49] سنجب، نجاة، يُعظِّمُ قلبي الحُبّ، ص 67.
[50] معلوف، منير، معجم الرموز، ص 228.
[51] زيـنـو، فـاندلر، الأفعال والأزمنة، ترجمة عبد المجيد جحفة، دار توبقال للنشر، المغرب، ط1، 1967، ص 89.
[52] Instant reparable dans une succession chronologique lieé à une expérinece personnelle ou collective fixé par rapport à un avant. Le passé et un après, le futur. (www. Cnrtl. Fr. définition/ temps).
[53] Dʹaprès le Centre national de recources textuelles et lexicales, le temps est un Milieu indéfini et homogène dans lequel se situent les êtres et les choses et qui est caractérisé par sa double nature, à la fois constituést succession. (www. Cnrtl. Fr. définition/ temps).
[54] طه، فرج عبد القادر، موسوعة علم النَّفس والتحليل النفسيّ، ص 163.
[55] سنجب، نجاة، يُعظم قلبي الحُبّ، ص 35 – 36.
[56] سيبويه، الكتاب، تحقيق عبد السَّلام هارون، مكتبة الخانجيّ، مِصر، ط2، ج2، 1988، ص 229.
[57] Roger Arnaldez, Aspects de la pensée musluman, édition du seuil, Paris, 1978, p185.
“فِعلُ الكلام الإلـهـيّ الـمُوجَّه إلـى الإنسان، يُـمكنُ أنْ يُوجِدَ علاقة ً شخصيَّة بين الخالق ومخلوقه، حيث الأنـا والأنتَ مُتقابلَاـن ومُتحاوران”.
[58] باشلار، غاستون، جدليَّة الزمن، ترجمة خليل أحمد خليل، الجزائر، [لا ط]، 1982، ص 15.
[59] أيُّوب، نبيل، الطرائق إلى نصّ القارئ المختلِف، دار المكتبة الأهليَّة، بيروت، ط1، 1997، ص 279.
[60] فال، جان، الفلسفة الفرنسيَّة من ديكارت إلى سارتر، ترجمة فؤاد كامل، دار الكتاب العربـيّ، القاهرة، [لا ط]، [ لا ت]، ص 118.
[61] سنجب، نجاة، يُعظم قلبي الحُبّ، ص 21.
[62] فرويد، سيجموند، تفسير الأحلام، ترجمة نظمي لوقـا، دار الهلال، مِصر، ط2، 1962، ص 14.
[63] المرجع نفسه، ص 89.
[64] الحداويّ، طائع، سيميائيَّات التأويل، المركز الثقافيّ العربيّ، بيروت، ط1، 2006، ص347.
[65] سنجب، نجاة، يُعظم قلبي الحُبّ، ص 25.
[66] Georges molinié , Dictionnaire de rhétorique, livre de poche, édition du seuil, paris, 1992, p111.
[67] أيكو، أمبرتو، العلامة، المركز الثقافـيّ العربـيّ، بيروت، ط2، 2010، ص 106.
[68] Emile Beneveniste, Problème de linguistique générale, tome 2, édition Gallimard, Paris, 1978, p77.
[69] سنجب، نجاة، لتأتِ العاصفة، ص 54.
[70] جحفة، عبد الـمجيد، مدخل إلى الدلالة التوليديَّة، دار توبقال للنشر، المغرب، ط1، 2000، ص16.
[71] هونكيج، ستيفن، التاريخ الـموجز للزمان، ترجمة مصطفـى إبراهيم فهميّ، الهيئة الـمِصريَّة للكتاب، مِصر، ط1، 2006، ص 37.
[72] بوميان، كريستوف، نظام الزمان، ترجمة بدر الدين عرودكـي، مركز دراسات الوحدة العربيَّة، بيروت، ط1، 2009، ص 338.
[73] جحفة، عبد الـمجيد، دلالة الزمن فـي اللغة العربيَّة، دار توبقال للنشر، المغرب، ط1، 2006، ص 37.